تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333
المشاهدات: 216216
تحميل: 4833


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216216 / تحميل: 4833
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 6

مؤلف:
ISBN: 964-5503-46-9
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وكذا يستحب صوم كلّ جمعة - وبه قال أبو حنيفة ومالك ومحمد(١) - لأنّ الصوم في نفسه طاعة ، وهذا يوم شريف تُضاعف فيه الحسنات.

ولما رواه الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام : « فأمّا الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس »(٢) .

وقال ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام : رأيته صائماً يوم جمعة ، فقلت له : جُعلت فداك إنّ الناس يزعمون أنّه يوم عيد ؛ فقال : « كلّا إنّه يوم خفض ودعة »(٣) .

وقال أحمد وإسحاق وأبو يوسف : يكره إفراده بالصوم ، إلّا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه ، مثل : مَنْ يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، فيوافق صومه يوم الجمعة. وكذا مَنْ عادته صيام أول الشهر أو آخره فيوافقه ، لما رواه أبو هريرة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى أن يفرد يوم الجمعة بالصوم(٤) .

وسأل رجلٌ جابر بن عبد الله وهو يطوف ، فقال : أسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام يوم الجمعة؟ قال : نعم وربّ هذا البيت(٥) (٦) .

فإن صحّت هاتان الروايتان ، حُملتا على مَنْ يضعف عن الفرائض‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤ ، المجموع ٦ : ٤٣٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٠ وفيها جميعاً : لا يكره.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في الهامش (٧) من صفحة ١٩٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٦ / ٩٥٩.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٠١ / ١١٤٤ ، صحيح البخاري ٣ : ٥٤ ، سنن الترمذي ٣ : ١١٩ / ٧٤٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٩ / ١٧٢٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٠٢.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٠١ / ١١٤٣ ، صحيح البخاري ٣ : ٥٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٩ / ١٧٢٤ ، سنن الدارمي ٢ : ١٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٠١ - ٣٠٢.

(٦) المغني ٣ : ١٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٣ - ١٠٤ ، المجموع ٦ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٤.

٢٠١

ونوافل الجمعة والأدعية وأداء الجمعة على وجهها والسعي إليها ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وقد روى علماؤنا أنّ صوم داود على نبيّنا وآله وعليه السلام ، فَعَله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

قال رسول الله عليه وآله السلام : ( أحبّ الصيام إلى الله تعالى صيام أخي داودعليه‌السلام ، كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، وأحبّ الصلاة إلى الله تعالى صلاة أخي داود ، كان يرقد شطر الليل ويقوم ثُلْثه ثم يرقد آخره )(٢) .

المطلب الرابع : في صوم الإِذن والتأديب‌

مسألة ١٣٧ : لا ينعقد للعبد الصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه‌ ؛ لأنّه مملوك ليس له التصرّف في نفسه ، ومنافعه مستحقّة لغيره ، وربما تضرّر السيد بضعفه بالصوم ، فإن أذن له مولاه ، صحّ. هذا في صيام التطوّع.

ولقول زين العابدينعليه‌السلام : « وأمّا صوم الإِذن فالمرأة لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها ، والعبد لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ، والضيف لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَنْ نزل على قوم فلا يصوم تطوّعاً إلّا بإذنهم »(٣) .

أمّا الفرض فلا ، وكذا ليس له أن ينذر الصوم إلّا بإذن مولاه. وهذا كلّه‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٨٩ - ٩٠ / ١ و ٢ ، الفقيه ٢ : ٤٩ / ٢١٠ ، الخصال : ٣٩٠ / ٨٠ ، التهذيب ٤ : ٣٠٢ / ٩١٣.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٦٣ و ٤ : ١٩٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨١٦ / ١٨٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٢٧ - ٣٢٨ / ٢٤٤٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٤٦ / ١٧١٢ ، سنن النسائي ٣ : ٢١٤ - ٢١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣ و ٤ : ٢٩٥ - ٢٩٦.

(٣) الكافي ٤ : ٨٣ - ٨٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

٢٠٢

لا خلاف فيه. ولا فرق بين أن يكون المولى حاضراً أو غائباً.

مسألة ١٣٨ : ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها‌ ، سواء كان الزوج حرّاً أو عبداً ؛ لأنّه مالك لبُضْعها ، وله حقّ الاستمتاع ، وربما يمنعه الصوم عنه ، فلم يكن سائغاً لها إلّا برضاه.

ولا فرق بين أن يكون زوجها حاضراً أو غائباً.

واشترط الشافعي حضوره(١) .

وليس بجيّد ؛ لما اشتمل عليه حديث الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام (٢) .

ولو كان عليها صوم واجب ، لم يعتبر إذنه ، بل يجب عليها فعله ، ولا يحلّ له منعها عنه.

ولو كان الواجب موسّعاً ، ففي جواز منعها من المبادرة لو طلبت التعجيل إشكال.

مسألة ١٣٩ : الضيف لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مضيفه‌ ؛ لما تقدّم في حديث الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام (٣) .

ولما فيه من جبر قلب المؤمن ومراعاته ، فكان مستحبّاً.

ومَنْ صام ندباً ودُعي إلى طعام ، استحبّ إجابة الداعي إذا كان مؤمناً ، والإِفطار عنده ؛ لأنّ مراعاة قلب المؤمن أفضل من ابتداء الصوم.

ولما رواه داود الرقّي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لإِفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضِعْفاً أو تسعين ضِعْفاً »(٤) .

ولا ينبغي للمضيف أن يصوم إلّا بإذن الضيف ؛ لئلّا يلحقه الحياء ، رواه‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، المجموع ٦ : ٣٩٢.

(٢ و ٣ ) تقدّم في المسألة ١٣٧.

(٤) الكافي ٤ : ١٥١ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٥١ / ٢٢١ ، علل الشرائع : ٣٨٧ ، باب ١٢٠ حديث ٢ ، ثواب الأعمال : ١٠٧ / ١.

٢٠٣

الصدوق عن الصادقعليه‌السلام (١) .

وكذا لا ينبغي للولد أن يتطوّع بالصوم إلّا بإذن والده ؛ لأنّ امتثال أمر الوالد وطاعته أولى ؛ لما رواه الصدوق -رحمه‌الله - عن الصادقعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه وأمره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه ، ومن بِرّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلّا كان الضيف جاهلاً ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسداً ، وكان الولد عاقّاً )(٢) .

مسألة ١٤٠ : صوم التأديب عبارة عن إمساك خمسة عن المفطرات : المسافر والحائض والنفساء والمريض والكافر والصبي ، وليس ذلك صوماً حقيقيّاً ؛ لأنّ هؤلاء قد كانوا مفطرين في أول النهار ، والصوم غير قابل للتجزّي ، لكن يستحب الإِمساك لهم ؛ تشبّهاً بالصائمين.

فإذا قدم المسافر إلى أهله وقد أفطر في سفره ، أمسك بقية النهار تأديباً ، وكذا لو أفطر مسافراً ثم قدم بلداً عزم على الإِقامة فيه عشرة أيام فزائداً ، سواء كان قدومه قبل الزوال أو بعده ، استحباباً وليس بفرض ، وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور وداود(٣) .

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : لا يجوز له الأكل بقية النهار(٤) .

____________________

(١) علل الشرائع : ٣٨٤ / ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٩٩ - ١٠٠ / ٤٤٥.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٣ ، التفريع ١ : ٣٠٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ ، المغني ٣ : ٧٤ - ٧٥.

(٤) النتف ١ : ١٤٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٢ ، المغني ٣ : ٧٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥.

٢٠٤

وعن أحمد روايتان(١) ، وقد تقدّم(٢) ذلك.

ويجوز له أن يدخل مفطراً.

وينبغي للمسافر الذي يجب عليه التقصير أن لا يتملّأ من الطعام ولا يتروّى من الماء ، بل يتناول منهما قدر الحاجة والضرورة ؛ لحرمة الشهر.

ولما رواه ابن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل كلّ(٣) القوت وما أشرب كلّ الري »(٤) .

ويشتدّ استحباب اجتناب النساء ، فلا يواقع في نهار رمضان ، ويكره له ذلك كراهة شديدة ، وبه قال الشافعي(٥) .

وليس محرّماً ؛ لأنّ الصوم ساقط عنه ، فلا مانع له من الجماع المباح بالأصل.

وروى عمر بن يزيد - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه سأله عن الرجل يسافر في شهر رمضان ، أله أن يصيب من النساء؟ قال : « نعم »(٦) .

وقال الشيخرحمه‌الله : لا يجوز له مواقعة النساء(٧) - وبه قال أحمد ، حتى أنّ أحمد قال : تجب به الكفّارة كما يجب به القضاء(٨) - لقول الصادق‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٧٤ - ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ و ٦٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٥.

(٢) تقدّم في المسألة ٩٩.

(٣) في التهذيب وفي النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق بدل كلّ : إلّا.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٠ - ٢٤١ / ٧٠٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ / ٣٤٢ ، والفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٦.

(٥) راجع : الحاوي الكبير ٣ : ٤٤٧.

(٦) الكافي ٤ : ١٣٣ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤١ - ٢٤٢ / ٧٠٨.

(٧) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥.

(٨) المغني ٣ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤.

٢٠٥

عليه‌السلام : « إذا سافر الرجل في رمضان فلا يقرب النساء بالنهار فإنّ ذلك محرّم عليه »(١) .

وهو محمول على شدّة الكراهة ؛ جمعاً بين الأخبار.

ولو قدم من سفره مفطراً ، جاز له ترك الإِمساك ، وأن يأكل ويشرب ويجامع.

مسألة ١٤١ : يستحب للحائض والنفساء الإِمساك إذا طهرتا بعد الفجر‌ ، وليس واجباً عليهما ؛ لأنّهما مفطرتان برؤية الدم ، وقد قلنا : إنّ الصوم لا يتجزّى ، لكن يستحب لهما الإِمساك ، تشبّهاً بالصائمين ؛ لحرمة الزمان ؛ لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سأله أبو الصباح الكناني ، في امرأة ترى الطهر في أول النهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال : « إنّما فطرها من الدم »(٢) .

وكذا الطاهر إذا تجدّد حيضها أو نفاسها في أثناء النهار ، فإنّها تفطر ذلك اليوم ، ويستحب لها الإمساك تأديبا ؛ لما روى أبو الصباح عن الصادقعليه‌السلام ، في امرأة أصبحت صائمةً ، فلمـّا ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أتفطر؟ قال : « نعم ، وإن كان قبل الغروب فلتفطر »(٣) .

وأمّا المستحاضة : فإنّها بحكم الطاهر يجب عليها الصيام ، ويشترط في صحّته أن تفعل ما تفعله المستحاضة من الأغسال إن وجبت عليها ، فإن أخلّت بالأغسال أو ببعضها الواجب عليها ، وجب عليها قضاء الصوم ، لانتفاء الغسل الذي هو شرط الصوم.

ولما رواه علي بن مهزيار ، قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلّت وصامت شهر‌

____________________

(١) علل الشرائع : ٣٨٦ - ٣٨٧ ، باب ١١٩ ، حديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ / ٧٠٤ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ / ٣٤١.

(٢ و ٣ ) الكافي ٤ : ١٣٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٨.

٢٠٦

رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتبعليه‌السلام : « تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يأمر المؤمنات بذلك »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : إنّما لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكلّ صلاتين غسلاً ، أو لا تعلم ما يلزم المستحاضة ، فأمّا مع العلم بذلك والترك له على التعمّد فإنّه يلزمها القضاء(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو كان الدم كثيراً وأخلّت بغسل الغداة ، وجب عليها القضاء. وكذا لو أخلّت بغسل الظهرين.

أمّا لو أخلّت بغسل العشاءين ، فالأقرب عدم وجوب القضاء ، إذ غسل الليل لا يؤثّر في صوم النهار ، ولم يذكره علماؤنا.

مسألة ١٤٢ : المريض إذا بري‌ء وكان قد تناول المفطر ، أمسك بقية النهار تأديباً لا واجباً ، لقول زين العابدينعليه‌السلام ، في حديث الزهري : « وكذلك مَنْ أفطر لعلّة في أول النهار ثم قوي بقية يومه اُمر بالإِمساك عن الطعام بقية يومه تأديباً وليس بفرض »(٣) .

هذا إذا كان قد تناول شيئاً يفسد الصوم ، فإن كان بُرؤه قبل الزوال ، أمسك وجوباً ، واحتسب به من رمضان ، وإن كان بُرؤه بعد الزوال ، أمسك استحباباً ، وقضاه على ما تقدّم.

مسألة ١٤٣ : الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ في أثناء النهار ، أمسكا استحباباً لا وجوباً ، سواء تناولا شيئاً أو لم يتناولا ، وسواء زال عذرهما قبل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٦ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٩ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ / ٩٣٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١١ ذيل الحديث ٩٣٧.

(٣) الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

٢٠٧

الزوال أو بعده ، وهو أحد قولي الشيخ(١) رحمه‌الله

وفي الآخر : يجدّدان نية الصوم إذا زال عذرهما قبل الزوال ولم يتناولا ، ولا يجب عليهما القضاء(٢) .

والمعتمد : الأول ؛ لأنّ المتقدّم من الزمان على الإِسلام والبلوغ لا يصح صومه ، والصوم لا يقبل التجزّي.

واحتجاج الشيخ -رحمه‌الله - بأنّ الصوم ممكن في حقّهما ، ووقت النية باقٍ ، وقد صار الصبي مخاطباً ببلوغه.

وبعض اليوم إنّما لا يصح صومه إذا لم تكن النية يسري حكمها إلى أوّله ، أمّا إذا كانت بحال يسري حكمها إلى أول الصوم ، فإنّه يصح ، وهو هنا كذلك.

وهو ممنوع ؛ لأنّ النية هنا لا يسري حكمها إلى أول الصوم ؛ لأنّه قبل زوال العذر غير مكلّف ، والنية إنّما يصح فعلها قبل الزوال للمخاطب بالعبادات ، أمّا غيره فممنوع.

المطلب الخامس : في الصوم المحظور‌

مسألة ١٤٤ : يحرم صوم العيدين بإجماع علماء الإِسلام‌.

روى العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صوم هذين اليومين ، أمّا يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم ، وأمّا يوم الفطر ففطركم عن صيامكم(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول زين العابدينعليه‌السلام : « وأمّا صوم‌

____________________

(١) النهاية : ١٥٩ - ١٦٠ ، الخلاف ٢ : ٢٠٣ ، المسألة ٥٧.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٦.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣١٩ / ٢٤١٦.

٢٠٨

الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : القاتل في أحد الأشهر الحرم يجب عليه صوم شهرين متتابعين وإن دخل فيهما العيدان وأيام التشريق(٢) ؛ لأنّ زرارة سأل الباقرعليه‌السلام عن رجل قتل رجلاً خطأً في الشهر الحرام ، قال : « يغلّظ عليه الدية ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم » قلت : فإنّه يدخل في هذا شي‌ء ؛ قال : « وما هو؟ » قلت : يوم العيد وأيام التشريق ؛ قال : « يصوم فإنّه حقّ لزمه »(٣) .

وفي طريقه سهل بن زياد وهو ضعيف ، ومع ذلك فهو مخالف للإِجماع.

مسألة ١٤٥ : لو نذر صوم العيدين لم ينعقد نذره عند علمائنا أجمع‌ - وبه قال الشافعي ومالك(٤) - لأنّ صومه حرام ، فلا ينعقد النذر عليه ، كالليل.

ولأنّه نذر في معصية فلا يصح ، لقولهعليه‌السلام : ( لا نذر في معصية الله )(٥) .

وقالعليه‌السلام : ( لا نذر إلّا ما ابتغي به وجه الله )(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٨٣ - ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٧ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٢) النهاية : ١٦٦ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨١.

(٣) الكافي ٤ : ١٣٩ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٦.

(٤) المجموع ٦ : ٤٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٨.

(٥) سنن الترمذي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ١٥٢٥ ، سنن النسائي ٧ : ١٩ ، سنن الدار قطني ٤ : ١٦ / ٤٦ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٩ ، ومسند أحمد ٢ : ٢٠٧ و ٤ : ٤٣٢ و ٤٤٣.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٥٨ / ٢١٩٢ ، ومسند أحمد ٢ : ١٨٥.

٢٠٩

وقالعليه‌السلام : ( مَنْ نذر أن يعصي الله فلا يَعْصِه )(١) .

وقال أبو حنيفة : ينعقد ، وعليه قضاؤه ، ولو صامه أجزأ عن النذر ، وسقط القضاء(٢) .

أمّا لو نذر صوم يوم ، فظهر أنّه العيد ، فإنّه يفطره إجماعاً.

والأقرب : أنّه لا يجب عليه قضاؤه ؛ لأنّه نذر صوم زمان لا يصح الصوم فيه ، فلم ينعقد ، كما لو علم.

مسألة ١٤٦ : صوم أيّام التشريق حرام لمن كان بمنى‌ عند علمائنا وأكثر العلماء(٣) ؛ لما رواه العامة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( أيّام التشريق أيّام أكل وشرب وذكر الله عزّ وجلّ )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن صوم ستة أيّام »(٥) وذَكَرها.

ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقعليه‌السلام ، عن صيام أيّام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا »(٦) .

وللشافعي قولان ، أحدهما : الجواز للمتمتّع إذا لم يجد الهدي ؛ لأنّ [ ابن ](٧) عمر وعائشة قالا : لم يرخص في صوم أيّام التشريق إلّا لمتمتّعٍ إذا‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ١٧٧ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٣٢ / ٣٢٨٩ ، سنن الترمذي ٤ : ١٠٤ / ١٥٢٦ ، سنن النسائي ٧ : ١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٨٧ / ٢١٢٦ ، سنن الدارمي ٢ : ١٨٤ ، سنن البيهقي ١٠ : ٦٨ ، ومسند أحمد ٦ : ٣٦ و ٤١ و ٢٠٨ و ٢٢٤.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٣١ ، المجموع ٦ : ٤٤٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٩ - ٤١٠.

(٣) المغني ٣ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ١١١ - ١١٢.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ / ١١٤١ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢٤٥.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٣ / ٥٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ / ٢٤١.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ / ٤٢٩.

(٧) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

٢١٠

لم يجد الهدي(١) (٢) .

وقولهما ليس حجّةً.

مسألة ١٤٧ : يحرم صوم يوم الشك على أنّه من شهر رمضان ، وصوم نذر المعصية‌ ، وهو : أن ينذر إن تمكّن من زنا أو قتل مؤمن وشبهه من المحارم صام ( أو صلّى )(٣) وقصد بذلك الشكر لا الزجر ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا نذر إلّا ما اُريد به وجه الله تعالى )(٤) .

ويحرم أيضاً صوم الصمت - قاله علماؤنا - لأنّه غير مشروع عندنا ، فيكون بدعةً.

ولحديث الزهري عن زين العابدينعليه‌السلام (٥) .

ويحرم صوم الوصال عند علمائنا - وللشافعي قولان(٦) ، هذا أحدهما - لما رواه العامة عن ابن عمر قال : واصَلَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في رمضان فواصَلَ الناس ، فنهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن الوصال ، فقالوا : إنّك تواصل ؛ فقال : ( إنّي لست مثلكم إنّي أظلّ عند ربي يطعمني ويسقيني)(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول زين العابدينعليه‌السلام : « وصوم الوصال‌

____________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٢٧ و ٢٩ و ٣٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٩٨ بتفاوت.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٣ و ٤٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ط ».

(٤) سنن أبي داود ٣ : ٢٢٨ / ٣٢٧٣ ، ومسند أحمد ٢ : ١٨٥ بتفاوت.

(٥) الكافي ٤ : ٨٣ - ٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ - ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٦ / ٨٩٥.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١ ، المغني ٣ : ١١١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٧.

(٧) صحيح البخاري ٣ : ٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٧٤ / ١١٠٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ٨٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٠٦ / ٢٣٦٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٨٢ بتفاوت.

٢١١

حرام ، وصوم الصمت حرام »(١) .

والثاني للشافعي : إنّه مكروه غير محرّم(٢) - وهو قول أكثر العامة(٣) ، وكان عبد الله بن الزبير يواصل(٤) - لأنّه ترك الأكل والشرب المباح ، فلم يكن محرّماً ، كما لو تركه حال الفطر.

ويبطل بما لو ترك الأكل والشرب يوم العيد.

واختلف قول الشيخ -رحمه‌الله - في حقيقة الوصال ، فقال في النهاية والمبسوط : هو أن يجعل عشاءه سحوره(٥) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « الوصال في الصوم أن يجعل عشاءه سحوره»(٦) .

وقال في الاقتصاد : هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما ليلاً(٧) - وهو قول العامة(٨) - لما روي عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : « إنّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا وصال في صيام ؛ يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار »(٩) .

مسألة ١٤٨ : صوم الدهر حرام ؛ لدخول العيدين وأيّام التشريق فيه‌ ، ولا خلاف في تحريمه مع دخول هذه الأيّام.

____________________

(١) تقدمت الإِشارة إلى مصادره في الصفحة السابقة الهامش (٥).

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١.

(٣) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦.

(٤) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢١١ ، المجموع ٦ : ٣٥٨.

(٥) النهاية : ١٧٠ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٣.

(٦) الكافي ٤ : ٩٥ - ٩٦ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩٨ / ٨٩٨ ، والفقيه ٢ : ١١٢ / ٤٧٧.

(٧) الاقتصاد : ٢٩٣.

(٨) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٦ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٩.

(٩) الكافي ٤ : ٩٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠٧ / ٩٢٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٨ - ١٣٩ / ٤٥٢.

٢١٢

روى العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( مَنْ صام الدهر ضُيّقت عليه جهنم )(١) .

ومن طريق الخاصة : قول زين العابدينعليه‌السلام : « وصوم الدهر حرام »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فلو أفطر هذه الأيّام التي نهي عن صيامها هل يكره صيام الباقي؟.

قال الشافعي وأكثر الفقهاء : ليس بمكروه(٣) ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام ستّة أيام من السنة(٤) ؛ فدلّ على أنّ صوم الباقي جائز.

وقال أبو يوسف : إنّه مكروه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عنه(٥) ؛ ولو أراد بالنهي هذه الأيّام لأفردها بالذكر دون صوم الدهر(٦) .

ويحرم صوم الواجب سفراً - عدا ما استثني - ولا يجزئ. ويحرم صوم المرأة ندباً مع منع الزوج ، والعبد مع منع المولى.

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ٣٠٠ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ٧٨.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٢١٠ ، الهامش (٥).

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٥ ، المجموع ٦ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠٨.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٧ / ٨.

(٥) راجع : صحيح مسلم ٢ : ٨١٤ - ٨١٥ / ١٨٦ و ١٨٧ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٤٤ / ١٧٠٥ و ١٧٠٦ ، ومصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٧٨.

(٦) المجموع ٦ : ٣٨٩ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٩.

٢١٣

الفصل الثامن

في اللواحق‌

مسألة ١٤٩ : الشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصوم وجَهَدهما الجُهْد الشديد ، جاز لهما الإِفطار إجماعاً‌.

وهل تجب الفدية؟ قال الشيخ : نعم فيصدّق عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام(١) .

وبوجوب الكفّارة قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وسعيد بن جبير وطاوس وأحمد(٢) ، إلّا أنّ أبا حنيفة قال : يُطعم عن كلّ يوم نصف صاع من حنطة أو صاعاً من تمر(٣) .

____________________

(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣١٩ ، وفي النهاية : ١٥٩ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ هكذا : وتصدقا عن كل يوم بمُدَّيْن من طعام ، فإن لم يقدر عليه فبمُدّ منه.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٠ ، الحجّة على أهل المدينة ١ : ٣٩٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، النتف ١ : ١٤٨ ، الاختيار ١ : ١٧٧ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠١.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٧٢ و ٩٧ ، الحجّة على أهل المدينة ١ : ٣٩٧ - ٣٩٨ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠٠ ، المجموع ٦ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١.

٢١٤

وقال أحمد : يُطعم مُدّاً من بُرّ أو نصف صاع من تمر أو شعير(١) .

لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : الشيخ الكبير يُطعم عن كلّ يوم مسكيناً(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان ، فقال : « يتصدّق بما يجزئ عنه طعام مسكين لكلّ يوم »(٣) .

وقال المفيد(٤) -رحمه‌الله - والسيد المرتضى(٥) وأكثر علمائنا(٦) : لا تجب الكفّارة مع العجز - وبه قال مالك وأبو ثور وربيعة ومكحول(٧) ، وللشافعي قولان(٨) ، كالمذهبين - لأنّه ترك الصوم لعجزه ، فلا يجب به الإِطعام ، كما لو ترك لمرضه.

والفرق ظاهر.

أمّا لو لم يتمكّن من الصوم البتة ، فإنّه يسقط عنه ولا كفّارة. ولو عجز عن الكفّارة ، سقطت أيضاً.

إذا عرفت هذا ، فقد اختلف قول الشيخرحمه‌الله في قدر الكفارة ،

____________________

(١) المغني : ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٣٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٠٥ / ٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٧ / ٦٩٤ ، الإستبصار ٢ : ١٠٣ / ٣٣٦.

(٤) المقنعة : ٥٥ - ٥٦.

(٥) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٦.

(٦) منهم : سلّار في المراسم : ٩٦ ، والسيد ابن زهرة في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٠٩ ، وابن إدريس في السرائر : ٩١.

(٧) بداية المجتهد ١ : ٣٠١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٧٠ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، المجموع ٦ : ٢٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، المحلّى ٦ : ٢٦٥.

(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٥٨ و ٢٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٤ ، المغني ٣ : ٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧ ، المحلّى ٦ : ٢٦٥.

٢١٥

فقال تارةً : مُدّان ، فإن عجز فمُدٌّ(١) ؛ لرواية محمد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمُدّين من طعام »(٢) .

وتارة قال : مُدٌّ(٣) . وهو أقوى ؛ عملاً بالأصل.

وبما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « الشيخ الكبير والذي به العُطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، ولا قضاء عليهما »(٤) .

مسألة ١٥٠ : ذو العُطاش الذي لا يرجى بُرؤه يفطر ويتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام‌ ، كما تقدّم. وهو أحد قولي الشيخرحمه‌الله (٥) رحمه‌الله

والثاني : أنّه يتصدّق بمُدَّيْن ، فإن عجز فبمُدٍّ(٦) ، للضرر المبيح للإِفطار ، كما اُبيح للمريض.

ولما رواه المفضّل بن عمر عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّ لنا فتياناً(٧) وبناتٍ لا يقدرون على الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش ؛ قال : « فليشربوا مقدار ما تروى به نفوسهم وما يحذرون »(٨) .

وأمّا الصدقة : فلعجزه عن الصيام.

____________________

(١) النهاية : ١٥٩ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، التبيان ٢ : ١١٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٨.

(٣) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣١٩.

(٤) الكافي ٤ : ١١٦ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٤ / ٣٣٨.

(٥) راجع : الاستبصار ٢ : ١٠٤ ، الحديث ٣٣٨ و ٣٣٩ ، وذيله.

(٦) النهاية : ١٥٩ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، التبيان ٢ : ١١٩.

(٧) في « ط ، ف » والطبعة الحجرية : شُبّاناً. بدل فتياناً.

(٨) الكافي ٤ : ١١٧ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ / ٧٠٣.

٢١٦

ولقول الصادقعليه‌السلام فيمن ترك الصيام ، قال : « إن كان من مرض فإذا برئ فليصمه ، وإن كان من كِبَر أو لعطش فبدل كلّ يوم مُدٌّ »(١) .

وأمّا سقوط القضاء : فلأنّه أفطر لعجزه عن الصيام والتقدير دوامه ، فيدوم المسبّب.

ولتفصيل الصادقعليه‌السلام ، والتفصيل قاطع للشركة.

وأمّا العطّاش الذي يرجى برؤه : فإنّه يفطر إجماعاً ؛ لعجزه عن الصيام ، وعليه القضاء مع البُرء؛ لأنّه مرض وقد زال ، فيقضي ، كغيره من الأمراض.

وهل تجب الكفّارة؟ قال الشيخرحمه‌الله : نعم(٢) ، كما تجب في العطاش الذي لا يرجى زواله.

ومنع المفيد والسيد المرتضى(٣) .

إذا ثبت هذا ، فلا ينبغي لهؤلاء أن يتملّوا من الطعام ولا من الشراب ولا يقربوا النساء في النهار.

مسألة ١٥١ : الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما ، أفطرتا‌ ، وعليهما القضاء بلا خلاف بين علماء الإِسلام ، ولا كفّارة عليهما ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم )(٤) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - قال : سمعت الباقرعليه‌السلام ، يقول : « الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٩ / ٧٠٠ وفيه : « فليقضه » بدل « فليصمه ».

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٥ ، الاقتصاد : ٢٩٤.

(٣) المقنعة : ٥٦ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٦.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٩٤ / ٧١٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٣ / ١٦٦٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٤٧.

٢١٧

لا حرج عليهما أن تُفطرا في شهر رمضان لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تُفطر بمُدٍّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بَعْدُ»(١) .

إذا عرفت هذا ، فالصدقة بما تضمّنته الرواية واجبة.

ولو خافتا على الولد من الصوم ، أفطرتا إجماعاً ؛ لأنّه ضرر على ذي نفس آدمي محترم ، فأشبه الصائم نفسه. ويجب عليهما القضاء مع زوال العذر ، وعليهما الصدقة عن كلّ يوم بمُدٍّ من طعام ، ذهب إليه علماؤنا والشافعي وأحمد(٢) - إلّا أنّه يقول : مُدّ من بُرٍّ أو نصف صاع من تمر أو شعير(٣) - وبه قال مجاهد(٤) ؛ لقوله تعالى :( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٥) .

قال ابن عباس : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يُفطرا ويُطعما لكلّ يوم مسكيناً ، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا. رواه العامة(٦) .

ومن طريق الخاصة : ما تقدّم من حديث محمد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام (٧) ، فإنّهعليه‌السلام سوّغ لهما الإِفطار مطلقاً ، وأوجب عليهما القضاء والصدقة ، وهو يتناول ما إذا خافتا على الولد كما يتناول ما إذا خافتا على‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١١٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٨٤ - ٨٥ / ٣٧٨ ، التهذيب ٤ : ٢٣٩ - ٢٤٠ / ٧٠١.

(٢) الاُم ٢ : ١٠٣ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ و ٢٦٨ و ٢٦٩ ، الوجيز ١ : ١٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، مختصر المزني : ٥٧ ، المغني ٣ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣.

(٣) المغني ٣ : ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٧.

(٤) المجموع ٦ : ٢٦٩.

(٥) البقرة : ١٨٤.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٩٦ / ٢٣١٨.

(٧) تقدّم الحديث في صدر المسألة.

٢١٨

أنفسهما.

وتتصدّقان بما تقدّم(١) في الشيخ والشيخة ؛ لأنّه جبر لإِخلالهما بالصوم مع القدرة عليه.

والقول الثاني للشافعي : إنّ الكفّارة تجب على المرضع دون الحامل - وهو رواية عن أحمد(٢) ، وبه قال الليث بن سعد - لأنّ المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها ، بخلاف الحامل.

ولأنّ الحمل متّصل بالحامل ، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها(٣) .

والفرق لا يقتضي سقوط القضاء مع ورود النصّ به ، وهو : الآية والأحاديث.

وقال أبو حنيفة : لا تجب عليهما كفّارة - وهو مذهب الحسن البصري وعطاء والزهري وربيعة والثوري والأوزاعي وأبي ثور وأبي عبيد بن داود والمزني وابن المنذر - لأنّ أنس بن مالك روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم)(٤) .

ولأنّه فطر أبيح لعذر ، فلم تجب به كفّارة كالمريض(٥) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ١٤٩.

(٢) في بعض المصادر : رواية عن مالك. وفي بعضها الآخر : قول مالك. ولم نعثر على رواية عن أحمد.

(٣) المغني ٣ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ و ٢٦٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٧.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادرها في صفحة ٢١٦ ، الهامش (٤).

(٥) المغني ٣ : ٨٠ - ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣ - ٢٤ ، المجموع ٦ : ٢٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٩ ، مختصر المزني : ٥٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠.

٢١٩

ولا دلالة في الحديث على سقوط الكفّارة. والمريض أحسن حالاً منهما ؛ لأنّه يفطر بسبب نفسه.

وللشافعي قول ثالث : إنّ الكفّارة استحباب(١) .

وقال ابن عباس وابن عمر : إنّ الكفّارة تجب عليهما دون القضاء - وهو قول سلّار(٢) من علمائنا - لأنّ الآية(٣) تتناولهما ، وليس فيها إلّا الإِطعام.

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم )(٤) (٥) .

والجواب : أنّهما تطيقان القضاء فلزمهما ، كالحائض والنفساء. والآية أوجبت الإِطعام ولا إشعار لها بسقوط القضاء.

والمراد بوضع الصوم وضعه عنهما في حال عذرهما ، كما في قولهعليه‌السلام : ( إنّ الله وضع عن المسافر الصوم )(٦) .

مسألة ١٥٢ : لا يجوز لمن عليه صوم واجب أن يصوم تطوّعاً - وعن أحمد روايتان(٧) - لما رواه العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( مَنْ صام تطوّعاً وعليه من رمضان شي‌ء لم يقضه ، فإنّه لا يتقبّل منه حتى يصومه )(٨) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي - في الحسن - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام ، عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوّع؟ فقال : « لا ،

____________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٦٠.

(٢) المراسم : ٩٧.

(٣) البقرة : ١٨٤.

(٤ و ٦ ) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٢١٦ ، الهامش (٤).

(٥) المغني ٣ : ٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤ ، المجموع ٦ : ٢٦٩.

(٧) المغني ٣ : ٨٦ - ٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٩٠ - ٩١.

(٨) مسند أحمد ٢ : ٣٥٢.

٢٢٠