تذكرة الفقهاء الجزء ٦

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: 333

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243793 / تحميل: 6097
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٤٦-٩
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تذكرة الفقهاء الجزء السادس

العلامة الحلي

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

كتاب الصوم‌

وفيه مقدمة وفصول:

الصوم لغةً : الإِمساك(١) ، وشرعاً : الإِمساك عن أشياء مخصوصة من أول طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.

وينقسم الى واجب ومندوب ومكروه ومحظور.

أمّا الواجب فستة : صوم شهر رمضان ، والكفّارات ، ودم المتعة ، والنذر وما في معناه ، والاعتكاف على وجه ، وقضاء الواجب.

وأمّا المندوب(٢) : فجميع أيام السنة إلّا العيدين وأيّام التشريق لمن كان بمنى.

ويتأكّد أربعة عشر : صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر : أول خميس من كلّ شهر ، وآخر خميس منه ، وأول أربعاء في العشر الثاني ، وثلاثة أيام البيض ، والغدير ، ومولد النبيعليه‌السلام ، ومبعثه ، ودَحو الأرض ، وعرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء ، وعاشوراء على جهة الحزن ، ويوم المباهلة ، وكلّ خميس ، وكلّ جمعة ، وأول ذي الحجة ، وشهر رجب وشعبان.

وأمّا المكروه : فصوم عرفة لمن يضعف عن الدعاء ، أو يشك في الهلال ،

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٥ : ١٩٧٠.

(٢) في النسخ الخطية : الندب. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

٦

والنافلة سفراً عدا ثلاثة أيّام بالمدينة للحاجة ، والضيف ندباً بدون إذن مضيفه ، أو الولد بدون إذن الوالد ، والصوم ندبا للمدعوّ إلى طعام.

وأمّا المحظور فتسعة : صوم العيدين ، وأيام التشريق لمن كان بمنى ، ويوم الشك بنية الفرض ، وصوم نذر المعصية ، وصوم الصمت ، وصوم الوصال ، وصوم المرأة والعبد ندباً بدون إذن الزوج والمالك ، وصوم الواجب سفراً عدا ما استثني.

قيل : أول ما فرض صوم عاشوراء.

وقيل : كان تطوعاً لا فرضا.

وقيل : لمـّا قدم النبيعليه‌السلام [ المدينة ](١) أمر بصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، وهو قوله تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ) (٢) ثم نسخ بقوله تعالى :( شَهْرُ رَمَضانَ ) (٣) (٤) .

وقيل : المراد بالأيام المعدودات شهر رمضان ، فلا نسخ.

وقيل : أول ما فرض صوم رمضان لا عيناً ، بل مخيّراً بينه وبين الفدية ، وكان الصوم أفضل ؛ لقوله( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) (٥) الآية ، ثم نسخ بقوله( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٦) .

قيل : وكان الصوم في بدء الإِسلام أن يمسك بعد صلاة العشاء الآخرة ، أو ينام إلى أن تغيب الشمس ، فإذا غربت حلَّ الأكل والشرب إلى أن يصلّي العشاء أو ينام.

وصوم شهر رمضان واجب بالنص والإجماع.

____________________

(١) الزيادة أثبتناها من المصدر.

(٢) البقرة : ١٨٣.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) أنظر : سنن البيهقي ٤ : ٢٠٠ و ٢٠١.

(٥) البقرة : ١٨٤.

(٦) البقرة : ١٨٥.

٧

الفصل الأول

في النيّة‌

مسألة ١ : شرط صحة الصوم : النيّة‌ ، واجباً كان أو ندباً ، رمضان كان أو غيره ، بإجماع علمائنا - وبه قال أكثر الفقهاء(١) - لقوله تعالى( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٢) .

وقولهعليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنّيات )(٣) .

وقولهعليه‌السلام : ( مَن لم يُبيّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الرضاعليه‌السلام : « لا عمل إلّا بنيّة »(٥) .

ولافتقار قضائه إلى النيّة ، فكذا أداؤه كالصلاة.

وحكي عن زفر بن الهذيل ومجاهد وعطاء : أنّ صوم رمضان إذا تعيّن ، بأن كان مقيماً صحيحاً ، لا يفتقر إلى النيّة ؛ لأنّه فرض مستحق لعينه ، فأشبه‌

____________________

(١) اُنظر : المجموع ٦ : ٣٠٠ ، والمغني ٣ : ١٨.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٤١.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٧١ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ و ٢١٣.

(٥) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٢ - ٢٠٣ ، والمعتبر : ٣٦.

٨

ردّ الوديعة(١) .

والفرق : أنّ الوديعة حقّ الآدمي.

مسألة ٢ : الصوم إن كان معيّناً بأصل الشرع كرمضان ، كفى فيه نيّة القربة‌ ، وهو : أن ينوي الصوم لوجوبه متقرباً إلى الله تعالى ، لا غير ، ولا يفتقر إلى التعيين ، وهو : أن ينوي رمضان عند علمائنا - وبه قال الشافعي في أحد قوليه(٢) - لأنّ القصد من نيّة التعيين تمييز أحد الفعلين أو أحد وجهي الفعل الواحد عن الآخر ، ولا يتحقّق التعدّد هنا ؛ فإنّه لا يقع في رمضان غيره ، فأشبه ردّ الوديعة.

وفي الثاني للشافعي : أنّه يفتقر - وبه قال مالك - لأنّه صوم واجب فيشترط فيه التعيين كالقضاء(٣) .

وليس بجيّد ؛ لعدم تعيّن زمان القضاء.

وقال أبو حنيفة بالاكتفاء إن كان مقيماً(٤) .

وإن كان معيَّناً لا بأصل الشرع ، بل بالنذر وشبهه ، قال السيد المرتضى : تكفي فيه نية القربة كرمضان(٥) - وبه قال أبو حنيفة(٦) - لأنّه زمان‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٥٩.

(٢) المجموع ٦ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٤ و ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٢ و ٢٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٢ ، المغني ٣ : ٢٦ - ٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٢ ، المغني ٣ : ٢٧ - ٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠.

(٥) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٣.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٢.

٩

تعيّن للصوم بالنذر ، فأشبه رمضان.

وقال الشيخ : لا تكفي ، بل لا بدّ فيه من نيّة التعيين(١) - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٢) - لأنّه لم يتعيّن بأصل الشرع ، فأشبه النذر المطلق. وهو ممنوع.

وإن لم يكن معيَّناً كالنذور المطلقة وقضاء رمضان وصوم الكفّارات وصوم النافلة ، فلا بدّ فيه من نيّة التعيين عند العلماء كافة ؛ لأنّه زمان لا يتعيّن الصوم فيه ، ولا يتحقّق وجهه ، فاحتاج الى المخصّص.

فروع :

أ - لا بدّ من نية الفرض وإن كان الصوم معيَّناً كرمضان‌ ، وللشافعي قولان(٣) .

ب - ليس للمسافر أن يصوم رمضان بنيّة أنّه منه أو من غيره‌ ؛ لأنّ الصوم في سفر القصر حرام ، ولا يقع في رمضان غيره ؛ للنهي عن الصوم ، المقتضي للفساد ، وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء(٤) .

وقال أبو حنيفة : يقع عمّا نواه إذا كان واجباً(٥) .

وقال أبو يوسف ومحمد : يقع عن رمضان(٦) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٨ ، الخلاف ٢ : ١٦٤ ، المسألة ٤.

(٢) المجموع ٦ : ٣٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٢ ، المغني ٣ : ٢٦ - ٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٤ - ٢٩٥ و ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٤) الوجيز ١ : ١٠٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٢٦٣.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٩ ، المجموع ٦ : ٢٦٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٨٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٩.

١٠

ج - لو نوى الحاضر في رمضان صوماً مطلقاً ، وقع عن رمضان إجماعاً. ولو نوى غيره مع الجهل فكذلك ؛ للاكتفاء بنية القربة في رمضان وقد حصلت ، فلا تضرّ الضميمة ، ومع العلم كذلك ؛ لهذا الدليل ، ويحتمل البطلان ؛ لعدم قصد رمضان والمطلق فلا يقعان ؛ لقولهعليه‌السلام : ( وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى )(١) والمقصود منهي في رمضان.

د - شرط النية الجزم ، فلو قال : أنا صائم غداً إن شاء الله ؛ فإن قصد التبرّك أجزأ ، وإلّا فلا.

ولو نوى قضاء رمضان أو تطوّعاً ، لم يصح ؛ لعدم التعيين ، فلا جزم في كلٍّ منهما.

وقال أبو يوسف : يقع عن القضاء ؛ لعدم افتقار التطوّع إلى التعيين ، فكأنّه نوى القضاء وصوماً مطلقاً(٢) .

وقال محمد : يقع تطوّعاً - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ زمان القضاء يصلح للتطوّع ، فإذا سقطت نيّة الفرض بالتشريك ، بقيت نيّة الصوم ، فوقع تطوّعاً(٤) .

وكلاهما ضعيف.

مسألة ٣ : وقت النيّة في المعيَّن كرمضان والنذر المعيَّن : من أول الليل إلى أن يطلع الفجر‌ ، ولا يجوز تأخيرها عن الطلوع مع العلم ، فيفسد صومه إذا أخّر عامداً ؛ لمضيّ جزء من النهار بغير نيّة ، والصوم لا يتبعّض ، ويجب عليه الإِمساك.

ولو تركها ناسياً أو لعذر ، جاز تجديدها الى الزوال ؛ لأنّ أعرابيّا جاء الى‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، وسنن البيهقي ٧ : ٣٤١.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٨.

(٣) المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٨.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٨.

١١

النبيعليه‌السلام ، وقد أصبح الناس يوم الشك ، فشهد برؤية الهلال ، فأمر النبيعليه‌السلام منادياً ينادي : مَن لم يأكل فليصم ، ومَن أكل فليمسك(١) ، وإذا جاز مع العذر - وهو الجهل - جاز مع النسيان.

وقال الشافعي : لا يجزئ الصيام إلّا بنيّة من الليل في الواجب كلّه ، المعيّن وغيره ؛ وبه قال مالك وأحمد(٢) - وفي جواز مقارنة النيّة لطلوع الفجر عنده وجهان(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت الصيام قبل الفجر )(٤) .

ونقول بموجبه في العمد.

وقال أبو حنيفة : يصحّ صوم رمضان بنيّة قبل الزوال ، وكذا كلّ صوم معيَّن بالقياس على التطوّع(٥) .

والفرق : المسامحة في التطوّع تكثيراً له حيث قد يبدو له الصوم في النهار ، ولو شرطت النيّة ليلاً لَمُنع منه.

فروع :

أ - لو نوى أيّ وقت كان من الليل أجزأ ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام‌

____________________

(١) أورده المحقق في المعتبر : ٢٩٩ ، والسرخسي في المبسوط ٣ : ٦٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٨٩ - ٢٩٠ و ٣٠١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٣ ، المغني ٣ : ١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ١٧٢ / ١ ، سنن الدارمي ٢ : ٧ ، سنن النسائي ٤ : ١٩٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٠١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٩٣ ، المغني ٣ : ١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

١٢

لمن لم يبيّت الصيام من الليل )(١) وهو عام.

وقال بعض الشافعية : إنّما تصح النية في النصف الثاني منه دون الأول ؛ لاختصاصه بأذان الصبح والدفع من مزدلفة(٢) .

والفرق : جوازهما بعد الصبح ، فلا يفضي منعهما في الأول الى فواتهما ، بخلاف النيّة ؛ فإنّ أكثر الناس قد لا ينتبه في النصف الثاني ، ولا يذكر الصوم.

ب - تجوز مقارنة النيّة لطلوع الفجر ؛ لأنّ محلّ الصوم النهار ، والنيّة مقارنة.

وقال بعض الشافعية : يجب تقديمها على الفجر(٣) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( من لم يجمع قبل الفجر فلا صيام له )(٤) .

ولا حجّة فيه ؛ لأنّ المقارنة متعذّرة غالباً ، والتأخير ممنوع منه ، فتعيّن السبق ؛ لإِزالة مشقّة ضبط المقارنة ، ومع فرض وقوعها يجب الإِجزاء.

ج - يجوز أن يفعل بعد النيّة ما ينافي الصوم إلى قبل الفجر ، وأن ينام بعد النيّة ؛ لقوله تعالى( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ ) (٥) خلافاً لأبي إسحاق من الشافعية(٦) .

د - لو نوى الصوم في رمضان ، ثم نوى الخروج منه بعد انعقاده ، لم‌

____________________

(١) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٩٠ و ٢٩١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٥.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٤ - ٣٠٥.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ٣٢٩ / ٢٤٥٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٨ / ٧٣٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٧٢ / ٣.

(٥) البقرة : ١٨٧.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٦.

١٣

يبطل عند الشيخ(١) والشافعي في أحد قوليه ؛ لانعقاده أوّلاً ، فلا يبطل بغير المفطر.

وفي الآخر : يبطل ؛ لمضي جزء من النهار بغير نيّة فعلاً وقوّةً ، ولا عمل إلّا بنيّة(٢) .

ه- لو شك هل يخرج أم لا ، لم يخرج ؛ لأنّه لا يخرج مع الجزم ، فمع الشك أولى ، وللشافعية وجهان(٣) .

و - لو نوى أنّه يصوم غداً من رمضان لسنة تسعين ، وكانت إحدى وتسعين ، صحّ - خلافاً لبعض الشافعية(٤) - لوجود الشرط ، فلا يؤثّر الغلط ، كما لو نوى الثلاثاء فبان الأربعاء.

ولو كان عليه قضاء اليوم الأول ، فنوى قضاء الثاني ، أو كان عليه يوم من سنة خمس ، فنواه من سنة ست ، لم يصح ؛ لأنّه صوم لا يتعيّن بزمان ، فلا بدّ فيه من النيّة ، والذي عليه لم يَنْوه.

مسألة ٤ : الواجب غير المعيَّن كالقضاء والنذر المطلق ، يستمر وقت النيّة فيه إلى الزوال‌ إذا لم يفعل المنافي نهاراً ؛ لعدم تعيّن زمانه ، فجاز تجديد النيّة إلى الزوال ، كالنافلة.

ولأنّ هشام بن سالم قال للصادقعليه‌السلام : الرجل يصبح لا ينوي الصوم ، فإذا تعالى النهار ، حدث له رأي في الصوم ، فقال : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس ، حسب له يوم ، وإن نواه بعد الزوال ، حسب له من الوقت الذي نوى »(٥) .

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٧.

(٣) المجموع ٦ : ٢٩٧.

(٤) وهو القاضي أبو الطيب كما في حلية العلماء ٣ : ١٨٩.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٢٨.

١٤

وسأل صالح بن عبد الله ، الكاظمعليه‌السلام ، عن رجل جعل الله عليه صيام شهر فيصبح وهو ينوي الصوم ، ثم يبدو له فيفطر ، ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم ، فقال : « هذا كلّه جائز »(١) .

وسأل عبد الرحمن بن الحجاج ، الكاظمعليه‌السلام ، عن الرجل يصبح لم يطعم ولم يشرب ولم يَنو صوماً ، وكان عليه يوم من شهر رمضان ، أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار؟ فقال : « نعم ، له أن يصوم ويعتدّ له من شهر رمضان »(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا يجزئ إلّا من الليل ، وبه قال الفقهاء(٣) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَن لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له )(٤) .

والمقصود منه المعيَّن ؛ لأنّه مخصوص بالنافلة ، فكذا غير المعيَّن.

مسألة ٥ : وقت النيّة لصوم النافلة من الليل ، ويمتدّ الى الزوال‌.

( وبجواز التجديد بالنهار قال )(٥) ابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والنخعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٦) .

ووافقنا على امتداده الى الزوال خاصة ، أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه ، وأحمد في إحدى الروايتين(٧) ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام ، دخل على‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٧ / ٥٢٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٧ / ٥٢٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ و ٨٦ ، الكتاب - للقدوري - بشرح الميداني ١ : ١٦٣ ، المجموع ٦ : ٣٠١ ، المغني ٣ : ١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦.

(٤) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢.

(٥) بدل ما بين القوسين في « ط » والطبعة الحجرية هكذا : ويجوز التجديد بالنهار ، قاله.

(٦) المغني ٣ : ٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٥.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣١٠ - ٣١٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٠ ، المغني ٣ : ٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥.

١٥

عائشة يوماً ، فقال : ( هل عندكم شي‌ء؟ ) قلنا : لا ، قال : ( فإنّي إذن صائم )(١) .

ونحوه من طريق الخاصة ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

وقال مالك : تجب النيّة من الليل ، بمعنى أنّه لا يصح الصوم إلّا بنيّة من الليل - وبه قال داود والمزني ، وهو مروي عن عبد الله بن عمر(٣) - لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل )(٤) .

ولتساوي نيّة فرض الصلاة ونفلها في الوقت ، فكذا الصوم.

والحديث مخصوص بالناسي والمعذور ، وحديثنا أخصّ.

والفرق : أنّ النيّة مع أول الصلاة في النفل لا يؤدّي الى تقليلها ، بخلاف الصوم.

وقال السيد المرتضى(٥) وأكثر علمائنا(٦) والشافعي في قول(٧) : إنّ النيّة في النفل تمتدّ بامتداد النهار ؛ لتناول الأحاديث السابقة له.

وسأل هشام بن سالم ، الصادقعليه‌السلام : الرجل يصبح لا ينوي الصوم ، فإذا تعالى النهار ، حدث له رأي في الصوم ، فقال : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس ، حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال ، حسب‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٩ / ١٧٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٢٩ / ٢٤٥٥ ، سنن الترمذي ٣ : ١١١ / ٧٣٣ ، سنن النسائي ٤ : ١٩٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٣١.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٢٩٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ و ١٢١ ، المغني ٣ : ٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣ ، فتح العزيز ٦ : ٣١٠ - ٣١١ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩١ ، معالم السنن - للخطّابي - بهامش مختصر سنن أبي داود ٣ : ٣٣٤.

(٤) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٥) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٣ - ٥٤.

(٦) كالشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٧٨.

(٧) الوجيز ١ : ١٠١ ، فتح العزيز ٦ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩١.

١٦

له من الوقت الذي نوى »(١) ولو صحّ الصوم من أول النهار لَحُسب له.

مسألة ٦ : جوّز الشيخ تقديم نيّة رمضان خاصة بيوم أو أيّام‌ ، إن عرض له ليلة الصيام سهوٌ أو نومٌ أو إغماءٌ ، أجزأته النيّة السابقة ، وإلّا فلا بدّ له من تجديدها(٢) ؛ لأنّ اقتران النيّة بالفعل غير شرط إجماعاً ، ولهذا جاز تجديد الناقض بعدها قبل الفجر ، فجاز تقدّمها قبل الهلال بيوم أو أيّام ؛ لتقارب الزمان.

والوجه : عدم الجواز ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل )(٣) وأجزأ من أوله ؛ لعسر ضبط آخره.

مسألة ٧ : جوّز أصحابنا في رمضان صومه بنيّة واحدة في أوله لصومه أجمع‌ ، ولا يحتاج إلى تجديد النيّة كلّ ليلة ، بخلاف غيره - وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين ، وإسحاق وزفر(٤) - لأنّه نوى في زمان يصلح جنسه لنيّة الصوم ، لا يتخلّل بينه وبين فعله زمان يصلح جنسه لصوم سواه ، فأجزأه ، كما لو نوى اليوم الأول من ليلته.

وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية : إنّه لا بدّ من تجديد النيّة كلّ يوم كغير رمضان(٥) .

وهو الوجه ؛ لأنّها عبادات متعدّدة لا يبطل بعضها بفساد البعض ، بخلاف الصلاة الواحدة واليوم الواحد.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٢٨.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٦.

(٣) سنن النسائي ٤ : ١٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٤) الكافي في فقه أهل المدينة : المغني ٣ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٥ و ١٨٦.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٨٥ ، المجموع ٦ : ٣٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٩١ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٥ ، المغني ٣ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨.

١٧

وادّعى الشيخ والسيد المرتضى الإِجماع(١) (٢) .

مسألة ٨ : يستحب صوم(٣) يوم الشك من شعبان إذا لم يُر الهلال‌ ، ولا يكره صومه ، سواء كان هناك مانع من الرؤية كالغيم وشبهه ، أو لم يكن - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - لأنّ عليّاًعليه‌السلام قال : « لأن أصوم يوماً من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان »(٥) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « صُمه فإن يك من شعبان كان تطوّعاً ، وإن يك من شهر رمضان فيوم وُفّقت له »(٦) .

ولأنّ الاحتياط يقتضي صومه ، فلا وجه للكراهية.

وقال شيخنا المفيدرحمه‌الله : إنّما يستحب مع الشك في الهلال لا مع الصحو وارتفاع الموانع ، ويكره مع الصحو وارتفاع الموانع ، إلّا لمن كان صائماً قبله(٧) - وبه قال الشافعي والأوزاعي(٨) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نهى عن صيام ستة أيام : اليوم الذي يشك فيه من رمضان(٩) .

ويحمل على النهي عن صومه من رمضان.

وقال أحمد : إن كانت السماء مصحيةً ، كره صومه ، وإن كانت مغيمةً ، وجب صومه ، ويحكم بأنّه من رمضان - وهو مروي عن ابن عمر - لأنّ النبي‌

____________________

(١) أي : الإِجماع على إجزاء نيّة واحدة لصوم جميع شهر رمضان.

(٢) الخلاف ٢ : ١٦٣ - ١٦٤ ، المسألة ٣ ، الانتصار : ٦١ - ٦٢.

(٣) في « ط ، ن » : صيام.

(٤) الهداية للمرغيناني ١ : ١١٩ ، المجموع ٦ : ٤٠٤ و ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٧٩ / ٣٤٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١١.

(٦) الكافي ٤ : ٨٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٩ / ٣٥٠ ، التهذيب ٤ : ١٨١ / ٥٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ / ٢٣٦.

(٧) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣٠٠.

(٨) المجموع ٦ : ٤٠٠ و ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٣.

(٩) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٧ / ٦.

١٨

عليه‌السلام قال : ( إنّما الشهر تسعة وعشرون يوماً ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غمّ عليكم فاقدروا له )(١) .

ومعنى الإِقدار : التضييق ، بأن يجعل شعبان تسعة وعشرين(٢) .

وقد سبق أنّ النهي عن الصوم من رمضان ، ومعارض بقولهعليه‌السلام : ( صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإنّ غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين )(٣) .

وقال الحسن وابن سيرين : وإن صام الإِمام صاموا ، وإن أفطر أفطروا وهو مروي عن أحمد(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحّون )(٥) .

فروع :

أ - لو نوى أنّه يصومه من رمضان ، كان حراماً ، ولم يجزئه لو خرج منه ؛ لدلالة النهي على الفساد.

قال مولانا زين العابدينعليه‌السلام عن يوم الشك : « اُمرنا بصيامه ، ونُهينا عنه ، اُمرنا أن يصومه الإِنسان على أنّه من شعبان ، ونُهينا عن أن يصومه على أنّه من شهر رمضان »(٦) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ / ٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٤ ، مسند أحمد ٢ : ٥‌

(٢) المغني ٣ : ١٣ - ١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥ - ٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٢ ، المجموع ٦ : ٤٠٣.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٣٥.

(٤) المغني ٣ : ١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦ ، المجموع ٦ : ٤٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٩.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٨٠ / ٦٩٧.

(٦) المعتبر : ٣٠٠ ، وبتفاوت يسير في الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، والفقيه ٢ : ٤٧ / ٢٠٨ ، =

١٩

ولو نواه ندباً على أنّه من شعبان ، أجزأ عنه وإن خرج من رمضان ؛ لأنّه أتى بالمأمور به على وجهه ، فكان مجزئاً عن الواجب ؛ لأنّ رمضان لا يقع فيه غيره ، ونيّة الوجوب ساقطة ؛ للعذر.

ولو نوى أنّه واجب أو ندب ولم يعيّن ، لم يصحّ صومه ، ولم يجزئه لو خرج من رمضان ، إلّا أن يجدّد النيّة قبل الزوال.

ولو نوى أنّه من رمضان ، فثبت الهلال قبل الزوال ، جدّد النيّة ، وأجزأه ؛ لبقاء محلّ النيّة.

ولو نوى أنّه إن كان من رمضان فهو واجب ، وإن كان من شعبان فندب ، لم يصحّ - وهو أحد قولي الشيخ(١) ، وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ شرط النيّة الجزم ولم يحصل.

وللشيخ قول آخر : الإِجزاء لو بان من رمضان ؛ لأنّه نوى الواقع على التقديرين على وجههما ، ولأنّه نوى القربة وهي كافية(٣) .

ب - لو نوى الإِفطار لاعتقاد أنّه من شعبان ، فبان من رمضان قبل الزوال ولم يتناول ، نوى الصوم الواجب ، وأجزأه ؛ لبقاء محلّ النيّة ، والجهل عذر ، فأشبه النسيان.

ولو بان بعد الزوال ، أمسك بقية نهاره ، ووجب عليه القضاء ، وبه قال أبو حنيفة(٤) .

والشافعي أوجب القضاء في الموضعين(٥) .

____________________

= والتهذيب ٤ : ٢٩٦ - ٨٩٥.

(١) اُنظر : النهاية : ١٥١.

(٢) المجموع ٦ : ٢٩٥ - ٢٩٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣٢٣ - ٣٢٤.

(٣) الخلاف ٢ : ١٧٩ ، المسألة ٢٢ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٧.

(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٧٩ ، المسألة ٢٠.

(٥) المجموع ٦ : ٢٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٩.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ونحر عن عليّ عليه‌السلام - وهو غائب - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله مائة ناقة ثلثيها(١) عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله وثلثها عن عليّعليه‌السلام (٢) .

وتجوز النيابة في الجهاد ؛ لأنّ الغرض حراسة المسلمين ، وحفظ عمود الدين ، وليس الغرض متعلّقاً بمباشرة معيّن ، إلّا أن يعيّنه الإمام للخروج بنفسه إمّا لشدّة بلائه في الحرب ، أو لجودة شوره ووفور عقله وربط جأشه(٣) وقوّة بأسه ، أو لغير ذلك من الحِكَم والمصالح ، فحينئذٍ لا تجوز الاستنابة فيه.

مسألة ٦٧١ : يصحّ التوكيل في البيع إيجاباً وقبولاً ، وفي جميع أنواعه‌ - كالسَّلَم والصرف والتولية وغيرها - وفي جميع أحكامه وتوابعه من الفسخ بالخيار والأخذ بالشفعة وإسقاطهما ، فإنّه قد يترفّع عن التردّد في الأسواق ، وقد لا يُحْسن التجارة ، وقد لا يتفرّغ لها ، وقد يكون مأموراً بالتخدير ، كالمرأة ، فأجاز الشارع التوكيل فيه ؛ دفعاً للحاجة ، وتحصيلاً لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة الله تعالى ، كما قال عزّ من قائل :( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ ) (٤) .

ويجوز التوكيل في الحوالة والضمان والكفالة وعقد الرهن والشركة والوكالة والصلح ؛ لأنّه إمّا بيع عند الشافعي(٥) ، أو عقد مستقلّ برأسه.

____________________

(١) في « ث ، ج ، خ » والطبعة الحجريّة : « ثلثاها ».

(٢) الفقيه ٢ : ١٥٣ / ٦٦٥ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣٠٢ ، صحيح مسلم ٣ : ٨٨٦ - ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٤ ، الاستذكار ١٣ : ٩٥ - ٩٦ / ١٨١٨٨ ، التمهيد ٢ : ١١١.

(٣) جأش القلب هو رُواعه إذا اضطرب عند الفزع ، يقال : فلان رابط الجأش ، أي يربط نفسَه عن الفرار ، لشجاعته. الصحاح ٣ : ٩٩٧ « جأش ».

(٤) الذاريات : ٥٦.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٧ ، التنبيه : ١٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٠ ، =

٤١

والتفليس لا يتصوّر فيه الوكالة.

وأمّا الحجر فيصحّ أن يوكّل الحاكم مَنْ ينوب عنه فيه ، ويوكّل الغرماء مَنْ يطلبه من الحاكم. وأمّا المحجور عليه فلا يتصوّر فيه أن يستنيب مَنْ يحكم عليه بالحجر عليه.

وكذا تصحّ الوكالة في القراض في عقده وفعله بأن يستنيب العامل إن أذن له المالك ، وإلّا فلا.

وفي الإقرار خلاف يأتي(١) .

ويصحّ التوكيل في الهبة والعارية - لأنّها هبة المنافع - في عقدها وفعلها ، إلّا في مثل إعارة الثوبِ ليلبسه ، والدابّةِ ليركبها بنفسه ، وشبه ذلك.

والغصب لا يتصوّر فيه التوكيل ، فإذا وكّل رجل رجلاً في غصبٍ ، كان الغاصبُ الوكيلَ ، دون الموكّل ؛ لأنّ فعل ذلك حرام ، فلا تصحّ النيابة فيه.

وتصحّ النيابة في المطالبة بالشفعة وأخذها.

وكذا تصحّ في المساقاة والمزارعة والإجارة والوديعة والجعالة والفعل المتعلّق بالجعالة ، والحوالة والقرض عقداً وتسليماً وأخذاً ، والوقف والحبس والعمرى والرقبى ، والوصيّة إيجاباً وقبولاً ، وفعل متعلّقها.

ولبعض الشافعيّة قولٌ في منعها ؛ لأنّها قربة(٢) .

والقربة لا تنافي النيابة ، كالحجّ وصلاة الطواف.

____________________

= الوسيط ٤ : ٤٩ ، الوجيز ١ : ١٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤١ - ١٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٨ ، منهاج الطالبين : ١٢٥.

(١) في ص ٤٩ ، المسألة ٦٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

٤٢

وتصحّ النيابة في ال صدقة - كالزكاة وشبهها - والإبراء وقبض الأموال ، مضمونةً كانت أو غير مضمونة ، وفي قبض الديون وإقباضها ؛ لأنّ ذلك كلّه في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها ، فيثبت فيها حكمه.

ولا نعلم في شي‌ء من ذلك خلافاً ، إلّا ما قلناه.

وكذا تصحّ النيابة في العطايا وقسمة الفي‌ء والغنيمة والصدقة.

مسألة ٦٧٢ : يصحّ التوكيل في عقد النكاح إيجاباً وقبولا ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكّل عمرو بن أُميّة الضمري وأبا رافع في النكاح له(١) .

ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك ، فإنّه ربما احتاج إلى التزويج من مكانٍ بعيد لا يمكنه السفر إليه ، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّج أُمّ حبيبة وهي يومئذٍ بأرض الحبشة(٢) .

ويجوز التوكيل في الطلاق ، حاضراً كان الموكّل أو غائباً على ما قدّمناه ، وفي الخلع ، وفي الرجعة - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - كابتداء النكاح ، فإنّ كلّ واحدٍ منهما استباحة فرجٍ محرَّم.

والثاني : المنع ، كما لو أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة ووكّل بالاختيار ، وكذا لو طلّق إحدى امرأتيه ، أو أعتق أحد عبديه ، ووكّل بالتعيين(٤) .

____________________

(١) راجع المصادر في الهامش ( ٢ و ٣ ) من ص ٦.

(٢) الكامل في التاريخ ٢ : ٣٠٨ ، تاريخ الطبري ٣ : ١٦٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٩ : ١٣٥ ، دلائل النبوّة - للبيهقي - ٣ : ٤٦٠ ، سنن النسائي ٦ : ١١٩ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٢٣ : ٢١٩ / ٤٠٢ ، مسند أحمد ٧ : ٥٧٩ / ٢٦٨٦٢.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

٤٣

ونمنع الملازمة وثبو ت الحكم في الأصل.

وكذا يصحّ التوكيل في تعيين المهر وقبضه ، ولا تصحّ الوكالة في القَسْم ؛ لأنّه يتعلّق ببدن الزوج ويتضمّن استمتاعاً.

مسألة ٦٧٣ : كما يصحّ التوكيل في العقود ، كذا يصحّ في فسخها والتوكيل في الإقالة منها وسائر الفسوخ.

وما هو على الفور قد يكون التأخير بالتوكيل تقصيراً.

ويصحّ التوكيل في خيار الرؤية.

وللشافعيّة خلاف فيه(١) .

ويجوز التوكيل في الإعتاقِ والتدبيرِ.

وللشافعيّة فيه وجهان يبنى على أنّه وصيّة أو تعليق عتقٍ بصفةٍ؟ فإن قلنا بالثاني منعناه(٢) .

والكتابةِ.

ولا يتصوّر في الاستيلاد ؛ لأنّه متعلّق بالوطي ، والوطء مختصّ بالفاعل.

ولا تصحّ الوكالة في الإيلاء ؛ لأنّه يمين. وكذا اللعان لا يصحّ التوكيل فيه أيضاً ؛ لأنّه يمين كالإيلاء ، أو شهادة على خلافٍ ، وكلاهما لا تدخلهما النيابة ، وكذا القسامة.

ولا تصحّ في الظهار ؛ لأنّه منكر وزور وبهتان ، فلا تدخله النيابة.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ المغلَّب فيه معنى اليمين أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، و ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، و ٥٢٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٤٤

الطلاق؟ ومعظمهم مَنَع من التوكيل فيه(١) .

وأمّا العدّة فلا تدخلها النيابة ؛ لأنّها تجب لاستبراء رحمها.

والرضاع لا تدخله النيابة ؛ لأنّه متعلّق بالمـُرضع والمرتضع ؛ لأنّه يختصّ بإنبات لحم المرتضع وانتشار عظمه بلبن الـمُرضع.

والنفقة يصحّ التوكيل في دفعها وقبضها.

ولا تصحّ النيابة في الأيمان ؛ لأنّها عبادة. ولأنّ الحكم في الأيمان يتعلّق بتعظيم اسم الله ، فامتنعت النيابة فيها ، كالعبادات.

وكذا النذور والعهود لا تدخلها النيابة.

وأمّا الشهادات فلا يصحّ التوكيل فيها ؛ لأنّا علّقنا الحكم بخصوص لفظ الشهادة حتى لم يقم غيرها مقامها ، فكيف يحتمل السكوت عنها بالتوكيل!؟ ولأنّ الشهادة تتعلّق بعين الشاهد ؛ لكونها خبراً عمّا سمعه أو رآه ، ولا يتحقّق هذا المعنى في نائبه.

فإن استناب فيها ، كان النائب شاهداً على شهادته ؛ لكونه يؤدّي ما سمعه من شاهد الأصل ، وليس ذلك بتوكيل ، فحينئذٍ تصحّ الاستنابة في الشهادة على وجه الشهادة.

وكذا تصحّ النيابة في القضاء والحكم.

مسألة ٦٧٤ : في صحّة التوكيل في المباحات - كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش وإحياء الموات وإجارة الماء وشبهه - إشكال ينشأ : من أنّه أحد أسباب الملك ، فكان كالشراء. ولأنّه عمل مقصود يصحّ أخذ الأُجرة عليه ، فجاز فيه النيابة كغيره من الأعمال ، فحينئذٍ يحصل الملك للموكّل إذا قصده‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٤٥

الوكيل - وهو أصحّ و جهي الشافعيّة ، وبه قال أحمد(١) - لأنّه تملّك مالٍ بسببٍ لا يتعيّن عليه ، فجاز التوكيل فيه ، كالشراء والاتّهاب.

والثاني للشافعيّة : لا يصحّ كالاغتنام ؛ لأنّ الملك يحصل فيها بالحيازة وقد وُجدت من الوكيل ، فيكون الملك له(٢) .

فعلى هذا إن جوّزنا التوكيل فيه ، جوّزنا الإجارة عليه ، فإذا استأجره ليحتطب أو يستقي المال أو يحيي الأرض ، جاز ، وكان ذلك للمستأجر. وإن قلنا بالمنع هناك ، منعناه هنا ، فيقع الفعل للأجير.

والجويني رأى جواز الاستئجار عليه مجزوماً به ، فقاس عليه وجه تجويز التوكيل(٣) .

مسألة ٦٧٥ : يجوز التوكيل في قبض الجزية وإقباضها والمطالبة بها ، وفي عقد الذمّة.

وفي تجويز توكيل الذمّي المسلمَ [ فيه ](٤) خلافٌ بين الشافعيّة(٥) .

وأمّا العقوبات - كالقتل والجنايات والزنا والقذف والسرقة والغصب وأشباه ذلك - فلا مدخل للتوكيل فيها ، بل أحكامها تثبت في حقّ متعاطيها ومرتكبها ؛ لأنّ كلّ شخصٍ بعينه مقصود بالامتناع منها ، فإذا لم يفعل(٦)

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤ ، المغني ٥ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « منه ». والظاهر ما أثبتناه ، أي : توكيله في القبض.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، و ١١ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤ ، و ٧ : ٥٠٤.

(٦) أي : لم يمتنع.

٤٦

أُجري حكمها عليه.

و أمّا حدود الله تعالى - كحدّ الزنا والسرقة - فيجوز التوكيل فيها لاستيفائها ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر برجم ماعِز ، فرُجم(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اغْدُ يا أُنَيْس إلى امرأة هذا فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها » فغدا أُنَيْس عليها فاعترفت فأمر بها فرُجمت(٢) .

ووكّل أمير المؤمنينعليه‌السلام عبد الله بن جعفر في إقامة حدّ الشرب على الوليد بن عقبة ، فأقامه(٣) .

ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك ، فإنّ الإمام لا يمكنه تولّي ذلك بنفسه ، فيجوز التوكيل في استيفائها للإمام.

وللسيّد أن يوكّل في استيفاء الحدّ من مملوكه.

ويجوز التوكيل في إثبات حدود الله تعالى - وبه قال بعض العامّة(٤) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكّل أُنَيْساً في إثبات الحدّ واستيفائه جميعاً ، فإنّه قال : « فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها »(٥) وهذا يدلّ على أنّه لم يكن قد ثبت وقد وكّله في إثباته.

ولأنّ الحاكم إذا استناب نائباً في عملٍ ، فإنّه يدخل في تلك النيابة‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٣ / ٢٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٤ / ٢٥٥٤ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٦ / ١٤٢٨ ، سنن الدارقطني ٣ : ٩١ - ٩٢ / ٣٩ ، و ١٢١ - ١٢٢ / ١٣٢ و ١٣٣ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٤ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٣٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٤ - ١٣٢٥ / ١٦٩٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٢ / ٢٥٤٩ ، سنن أبي داوُد ٤ : ١٥٣ / ٤٤٤٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٩ - ٤٠ / ١٤٣٣ ، سنن النسائي ٨ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٣ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧٧ ، مسند أحمد ٥ : ٩١ / ١٦٥٩٠ ، و ٩٢ / ١٦٥٩٤.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٠ / ١٦٩٣ ، الكامل في التأريخ ٣ : ١٠٦ - ١٠٧ ، المغني ٥ : ٢٠٦.

(٤) المغني ٥ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧ - ٢٠٨.

(٥) تقدّم تخريجه في الهامش (٢)

٤٧

الحدودُ وإثباتُها ، فإذا دخلت في التوكيل بالعموم فبالتخصيص أولى.

وقال الشافعي : لا يجوز التوكيل في إثباتها ؛ لأنّها تُدرأ بالشبهات ، وقد أُمر بإدرائها بالشبهة ، والتوكيل توصّلٌ إلى إثباتها(١) .

وهو غير منافٍ لقولنا ؛ فإنّ للوكيل أن يدرأها بالشبهات.

وأمّا عقوبات الآدميّين فيجوز التوكيل في استيفائها في حضور المستحقّ إجماعاً.

وأمّا في غيبته فإنّه يجوز ذلك أيضاً عندنا ؛ للأصل.

وللشافعي فيه ثلاثة طُرق أشهرها : أنّه على قولين :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه لا نتيقّن بقاء الاستحقاق عند الغيبة ؛ لاحتمال العفو ، ولأنّه ربما يرقّ قلبه حالة حضوره فيعفو ، فليشترط الحضور.

وأصحّهما : الجواز - كما قلناه - لأنّه حقّ يستوفى بالنيابة في الحضور ، فكذا في الغيبة ، كسائر الحقوق. واحتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا ثبت بالبيّنة ، فإنّه لا يمنع الاستيفاء في [ غيبته ](٢) .

الثاني : القطع بالجواز ، وحمل المنع على الاحتياط.

الثالث : القطع بالمنع ؛ لعظم خطر الدم(٣) . وبهذا الأخير قال أبو حنيفة(٤) .

____________________

(١) التنبيه : ١٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦ ، المغني ٥ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧ - ٢٠٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « غيبتهم ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٣ - ١١٤ ، البيان ٦ : ٣٥٧ - ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ - ٢١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، =

٤٨

مسألة ٦٧٦ : ويجوز التوكيل في إثبات حدّ القذف والقصاص عند الحاكم وإقامة البيّنة عليه‌ ، عند عامّة الفقهاء ؛ لأنّه حقٌّ لآدميّ ، فجاز التوكيل في إثباته ، كسائر الحقوق.

وقال أبو يوسف : لا يصحّ التوكيل فيه ؛ لأنّه يثبت الحدّ بما قام مقام العفو ، والحدّ لا يثبت بذلك ، كما لا يثبت بالشهادة على الشهادة ، ولا بكتاب القاضي إلى القاضي ولا برجل وامرأتين ، كذا هنا(١) .

ونمنعه في الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي ، على أنّ الحدّ لا يثبت بالتوكيل ، وإنّما يثبت بالبيّنة ، فلم يصح ما قاله.

مسألة ٦٧٧ : يجوز لكلّ واحدٍ من المدّعي والمدّعى عليه التوكيل بالخصومة ، رضي صاحبه أو لم يرض ، وليس لصاحبه الامتناع من خصومة الوكيل.

وقال أبو حنيفة : له الامتناع ، إلّا أن يريد الموكّل سفراً أو يكون مريضاً أو تكون مخدّرةً(٢) .

وقال مالك : له ذلك ، إلّا أن يكون سفيهاً خبيثَ اللسان ، فيعذر‌

____________________

= الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، المغني ٥ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، البيان ٦ : ٣٥٧.

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٣ ، البيان ٦ : ٣٥٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ و ٢٥٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٤ / ١١٨٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٥٥ - ٣٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩.

٤٩

الموكّل في التوكيل (١) .

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّه توكيلٌ في خالص حقّه ، فيُمكّن منه ، كالتوكيل باستيفاء الدَّيْن من غير رضا مَنْ عليه.

ولا فرق في التوكيل في الخصومة بين أن يكون المطلوب مالاً أو عقوبةً للآدميّين ، كالقصاص وحدّ القذف.

وكذا حدود الله تعالى عندنا ، خلافاً للشافعي(٢) .

مسألة ٦٧٨ : في التوكيل بالإقرار إشكال.

وصورته أن يقول : وكّلتُك لتقرَّ عنّي لفلان.

قال الشيخرحمه‌الله : إنّه جائز(٣) . وهو أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه قول يلزم به الحقّ ، فأشبه الشراء وسائر التصرّفات(٤) ، وبه قال أبو حنيفة(٥) أيضاً.

ومعظم الشافعيّة على المنع ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ عليه ، ولا يلزم الغير إلّا على وجه الشهادة ، وهذا كما لو قال : رضيت بما يشهد به عَلَيَّ فلان ، فإنّه لا يلزمه ، كذلك هنا. ولأنّه إخبار ، فلا يقبل التوكيل كالشهادة ، وإنّما يليق التوكيل بالإنشاءات(٦) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، البيان ٦ : ٣٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٤٤ ، المسألة ٥ من كتاب الوكالة.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٦٢ ، الوجيز ١ : ١٨٨ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥ ، المغني ٥ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧.

(٥) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٨ / ١٠٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٦٢ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ، =

٥٠

فعلى هذا هل يُجعل مُقرّاً بنفس التوكيل؟ فيه للشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ، تخريجاً ، واختاره الجويني ؛ لأنّ توكيله دليل ثبوت الحقّ عليه ؛ لأنّ قوله : « أقرّ عنّي بكذا » يتضمّن وجوبه عليه.

وأظهرهما : أنّه لا يُجعل مُقرّاً ، كما أنّ التوكيل بالإبراء لا يجعل إبراءً ، وكالتوكيل في البيع ، فإنّه لا يكون بيعاً ، ورضاه بالشهادة عليه لا يكون إقراراً بالحقّ(١) .

وعندي في ذلك تردّد ، فإن قلنا بصحّة التوكيل في الإقرار ، ينبغي أن يبيّن للوكيل جنس المُقرّ به وقدره ، فلو قال : أقرّ عنّي بشي‌ء لفلان ، طُولب الموكّل بالتفسير.

ولو اقتصر على قوله : أقرّ عنّي لفلان ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه كما لو قال : أقرّ عنّي له بشي‌ء.

وأصحّهما : أنّه لا يلزمه شي‌ء بحال ؛ لجواز أن يريد الإقرار بعلمٍ أو شجاعة ، لا بالمال(٢) .

مسألة ٦٧٩ : لا يصحّ التوكيل بالالتقاط ، فإذا أمره بالالتقاط فالتقط ، كان الملتقط أحقَّ به من الآمر.

والميراث لا تصحّ النيابة فيه ، إلّا في قبض الموروث وقسمته.

____________________

= حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥ ، المغني ٥ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ - ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

٥١

وتصحّ النيابة في دفع الديات إلى مستحقّها.

والجنايات لا تصحّ النيابة فيها ؛ لأنّها ظلم ، فتتعلّق بفاعلها.

وأمّا قتال أهل البغي فيجوز أن يستنيب فيه.

والأشربة لا تصحّ النيابة فيها ، ويجب الحدّ على الشارب ؛ لأنّه فَعَل المحرَّم.

وأمّا الجهاد فقد مَنَع الشافعي من دخول النيابة فيه بحال ، بل كلّ مَنْ حضر الصفّ توجّه الفرض عليه(١) .

وهو بهذا المعنى صحيح ، وكذا ما قلناه أوّلاً من صحّة النيابة في الجهاد على معنى أنّ للرجل أن يُخرج غيره بأُجرة أو غيرها في الجهاد.

وأمّا الذبح فيصحّ التوكيل فيه.

وكذا يصحّ في السبق والرمي ؛ لأنّه إمّا إجارة أو جعالة ، وكلاهما تدخله النيابة.

ويصحّ التوكيل في الدعوى ؛ لأنّ ذلك مطالبة بحقّ غيره ، فهو كاستيفاء المال.

ويجوز التوكيل في مطالبة الحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها ، حاضراً كان الموكّل أو غائباً ، صحيحاً أو مريضاً.

النظر الثالث : في العلم‌

مسألة ٦٨٠ : لا يشترط في متعلّق الوكالة - وهو ما وُكّل فيه - أن يكون معلوماً من كلّ وجهٍ‌ ، فإنّ الوكالة إنّما جُوّزت لعموم الحاجة ، وذلك‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٥٢

يقتضي المسامحة فيها ، ولذلك جوّز بعضهم تعليقها بالإغرار(١) . ولم يشترط القبول اللفظي فيها ، ولا الفوريّة في القبول ، لكن يجب أن يكون معلوماً مبيَّناً من بعض الوجوه حتى لا يعظم الغرر.

ولا فرق في ذلك بين الوكالة العامّة والخاصّة.

فأمّا الوكالة العامّة : فبأن يقول : وكّلتُك في كلّ قليل وكثير.

فإن لم يُضف إلى نفسه ، فالأقوى : البطلان ؛ لأنّه لفظ مبهم في الغاية.

ولو ذكر الإضافة إلى نفسه فقال : وكّلتُك في كلّ أمر هو إلَيَّ ، أو : في كلّ أُموري ، أو : في كلّ ما يتعلّق بي ، أو : في جميع حقوقي ، أو : بكلّ قليل وكثير من أُموري ، أو : فوّضت إليك جميع الأشياء التي تتعلّق بي ، أو : أنت وكيلي مطلقاً فتصرَّف في مالي كيف شئت ، أو فصَّل الأُمور المتعلّقة به التي تجري فيها النيابة ، فقال : وكّلتُك ببيع أملاكي وتطليق زوجاتي وإعتاق عبيدي ، أو لم يفصّل على ما تقدّم ، أو قال : وكّلتُك بكلّ أمر هو إلَيَّ ممّا يناب فيه ، ولم يفصّل أجناس التصرّفات ، أو قال : أقمتك مقام نفسي في كلّ شي‌ء ، أو : وكّلتُك في كلّ تصرّفٍ يجوز لي ، أو : في كلّ ما لي التصرّف فيه ، فالوجه عندي : الصحّة في الجميع - وبه قال ابن أبي ليلى(٢) - ويملك كلّ ما تناوله لفظه ؛ لأنّه لفظ عامّ فيصحّ فيما تناوله ، كما لو قال : بِعْ مالي كلّه.

ولأنّه لو فصّل وذكر جميع الجزئيّات المندرجة تحت اللفظ العامّ ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١١.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٢ ، البيان ٦ : ٣٦٣ ، المغني ٥ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٥ : ١١٦ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٧٠.

٥٣

صحّ التوكيل ، سواء ضمّها بعضها إلى بعضٍ ، أو لا ، فيكون الإجمال صحيحاً.

وقال الشيخرحمه‌الله : لا تصحّ الوكالة العامّة(١) . وهو قول جميع العامّة - إلّا ابن أبي ليلى - لما فيه من الغرر العظيم والخطر الكبير ؛ لأنّه تدخل فيه هبة ماله وتطليق نسائه وإعتاق رقيقه ، وأن يزوّجه نساء كثيرة ، ويلزمه المهور الكثيرة والأثمان العظيمة ، فيعظم الضرر(٢) .

والجواب : إنّا نضبط جواز تصرّف الوكيل بالمصلحة ، فكلّ ما لا مصلحة للموكّل فيه لم ينفذ تصرّف الوكيل [ فيه ](٣) كما لو وكّله في بيع شي‌ء وأطلق ، فإنّه لا يبيع إلّا نقداً بثمن المثل من نقد البلد ، كذا في الوكالة العامّة.

وكذا يصحّ لو قال له : اشتر لي ما شئت - خلافاً لبعض العامّة(٤) ، وعن أحمد رواية أنّه يجوز(٥) - عملاً بالأصل ، ولأنّ الشريك والمضارب وكيلان في شراء ما شاء. وحينئذٍ ليس له أن يشتري إلّا بثمن المثل وأدون ، ولا يشتري ما يعجز الموكّل عن ثمنه ، ولا ما لا مصلحة للموكّل فيه.

ولو قال : بِعْ مالي كلّه واقبض ديوني كلّها ، صحّ التوكيل ؛ لأنّه قد يعرف ماله وديونه.

ولو قال : بِعْ ما شئت من مالي واقبض ما شئت من ديوني ، صحّ التوكيل ؛ لأنّه إذا جاز التوكيل في الجميع ، ففي البعض أولى.

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٥٠ ، المسألة ١٤ من كتاب الوكالة.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٥٢.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤و٥) المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

٥٤

ووافقتنا العامّة في جواز : وكّلتُك في بيع أموالي واستيفاء ديوني ، أو : استرداد ودائعي ، أو : إعتاق عبيدي(١) .

والتفاوت ليس بطائلٍ.

وأمّا الوكالة الخاصّة : فهي المقصورة على نوعٍ من الأنواع ، كبيع عبدٍ أو شراء جاريةٍ أو محاكمة خصمٍ أو استيفاء دَيْنٍ منه ، وما أشبه ذلك ، ولا خلاف في جوازها.

مسألة ٦٨١ : إذا وكّله في بيع أمواله ، صح ، ولا يشترط كون أمواله معلومةً حينئذٍ ، بل يبيعها الوكيل ويبيع ما يعلم انتسابها إليه.

وللشافعيّة فيه وجهان ، هذا أصحّهما(٢) .

ولو قال : وكّلتُك في قبض جميع ديوني على الناس ، جاز مجملاً وإن لم يعرف مَنْ عليه الدَّيْن ، وأنّه واحد أو أشخاص كثيرة ، وأيّ جنسٍ ذلك الدَّيْن.

أمّا لو قال : وكّلتُك في بيع شي‌ء من مالي ، أو : في بيع طائفةٍ منه أو قطعة منه ، أو في قبض شي‌ء من ديوني ، ولم يعيّن ، فالأقوى : البطلان ؛ لجهالته من الجملة ، ولا بدّ من أن يكون الموكّل فيه ممّا يسهل استعلامه.

أمّا لو قال : بِعْ ما شئت من أموالي ، أو : اقبض ما شئت من ديوني ، فإنّه يجوز.

وكذا لو قال : بِعْ مَنْ رأيت من عبيدي.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز حتى يعيّن(٣) . وليس شيئاً.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨.

٥٥

مسألة ٦٨٢ : لو قال له : بِعْ ما شئت من مالي ، جاز ، خلافاً لبعض الشافعيّة(١) . ولو قال : بِعْ ما شئت من عبيدي ، جاز عندنا وعندهم(٢) .

وفرّقوا : بأنّ الثاني محصور الجنس ، بخلاف الأوّل(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ما جاز التوكيل في جميعه جاز في بعضه ، كعبيده.

ولو قال : اقبض دَيْني كلّه وما يتجدّد من ديوني في المستقبل ، صحّ على إشكالٍ في المتجدّد.

ولو قال له : اشتر لي شيئاً أو حيواناً أو رقيقاً أو عبداً أو ثوباً ، ولم يعيّن الجنس ، فالأقوى عندي : الجواز ، ويكون الخيار في الشراء إلى الوكيل ، ويكون ذلك كالقراض حيث أمره صاحب المال بشراء شي‌ء.

وقال أصحاب الشافعي : لا يصحّ مع الإطلاق حتى يبيّن أنّ الرقيق عبد أو أمة ، ويبيّن النوع أيضاً من أنّه تركيّ أو هنديّ أو غيره ؛ لأنّ الحاجة قد تقلّ إلى شراء عبدٍ مطلق على أيّ نوعٍ ووصفٍ كان ، وفي الإبهام ضرر عظيم ، فلا يحتمل ، وإنّما تمسّ الحاجة في الأكثر وتدعو إلى غلامٍ من جنسٍ معيّن ، هذا مذهب أكثرهم(٤) .

وذكر بعضهم وجهاً : أنّه يصحّ التوكيل بشراء عبدٍ مطلق(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٢ - ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨ ، المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨ ، المغني ٥ : ٢١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٦

مسألة ٦٨٣ : إذا و كلّه في شراء عبدٍ وأطلق ، فقد بيّنّا جوازه‌. وعند الشافعيّة لا بدّ من تعيين جنسه(١) .

وهل يفتقر مع تعيين النوع إلى تعيين الثمن؟ الأقرب عندي : عدمه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، وبه قال أبو حنيفة وابن سريج(٢) - لأنّه إذا ذكر نوعاً فقد أذن له في أعلاه ثمناً ، فيقلّ الغرر. ولأنّ ضبط الثمن ممّا يعسر معه التحصيل ؛ لأنّه قد لا يوجد به ، ولأنّ تعلّق الغرض بعبدٍ من ذلك النوع نفيساً كان أو خسيساً ليس ببعيدٍ.

والثاني للشافعيّة : لا بدّ من تقدير الثمن ، أو بيان غايته بأن يقول : مائة ، أو من مائة إلى ألف ؛ لكثرة التفاوت فيه ، ويجوز أن يذكر له أكثر الثمن أو أقلّه ، وإذا كان التفاوت في الجنس الواحد كثيراً ، لم يتمّ التوكيل إلّا بالتعيين(٣) .

وهو ممنوع.

ولا يشترط استقصاء الأوصاف التي تُضبط في السَّلَم ولا ما يقرب منها إجماعاً.

نعم ، إذا اختلفت الأصناف الداخلة تحت النوع الواحد اختلافاً ظاهراً ، قال بعض الشافعيّة : لا بدّ من التعرّض له(٤) .

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٥٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، المغني ٥ : ٢١٣.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩ ، المغني ٥ : ٢١٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٧

وليس شيئاً.

وهل يكفي ذكر الثمن عن ذكر النوع فيقول له مثلاً : اشتر لي عبداً بمائة ، وإن لم يقل : تركيّاً أو هنديّاً؟ الوجه عندنا : جوازه ، وبه قال بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم بعدم الاكتفاء(٢) .

ولو قال : اشتر لي عبداً كما تشاء ، جاز أيضاً عندنا - وبه قال بعض الشافعيّة(٣) - لأنّه صرّح بالتفويض التامّ ، بخلاف ما لو اقتصر على قوله : اشتر لي عبداً ، فإنّه لم يأت فيه ببيانٍ معتاد ولا تفويضٍ تامّ.

والأكثرون منهم لم يكتفوا بذلك ، وفرّقوا بينه وبين أن يقول في القراض : اشتر مَنْ شئت من العبيد ؛ لأنّ المقصود هناك الربح بنظر العامل وتصرّفه ، فليس(٤) التفويض إليه(٥) .

وفي التوكيل بشراء الدار يجب عندهم التعرّض للمحلّة والسكّة ، وفي الحانوت للسوق(٦) .

وكلّ هذا عندنا غير لازمٍ.

مسألة ٦٨٤ : إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له على زيدٍ ، صحّ.

فإن عرف الموكّل مبلغ الدَّيْن كفى ، ولم يجب إعلام الوكيل قدر الدَّيْن وجنسه ، وبه قال بعض الشافعيّة(٧) .

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣.

(٢) الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٤) في « العزيز شرح الوجيز » : « فيليق » بدل « فليس ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٨

وقال بعضهم : لا بدّ من أن يبيّن للوكيل قدر الدَّيْن وجنسه(١) .

والمعتمد : الأوّل ؛ لأصالة صحّة الوكالة.

أمّا لو قال : بِعْ عبدي بما باع به فلان فرسه ، اشتُرط في صحّة البيع عِلْمُ الوكيل ؛ لأنّ العهدة تتعلّق به ، فلا بدّ أن يكون على بصيرةٍ من الأمر ، ولا عهدة في الإبراء.

ولو كان الموكّل جاهلاً بما باع به فلان فرسه ، لم يضر.

واشترط بعضهم العلم بما يقع الإبراء منه(٢) .

وأصل الخلاف : إنّ الإبراء هل هو محض إسقاط ، أو تمليك؟ إن قلنا : إسقاط ، صحّ مع جَهْل مَنْ عليه الحقّ بمبلغ الحقّ. وإن قلنا : تمليك ، فلا بدّ من علمه ، كما أنّه لا بدّ من علم المتّهب بما يوهب منه(٣) .

ولو قال : وكّلتُك في أن تُبرئه من الدَّيْن الذي لي عليه ، ولم يعلم الموكّل قدره ولا الوكيل ، صحّ أيضاً عندنا.

ولو وكّله في الإبراء من شي‌ء ، وأطلق ، لم يكن للوكيل التعيين ، بل يُبرئه من شي‌ء مبهم ، ويُحمل على أقلّ ما يتموّل ؛ لأنّه المتيقّن بالإسقاط ، والزائد عليه ثابت في الذمّة ، فلا يزول عنها إلّا بمزيل.

ولو قال : وكّلتُك في أن تُبرئه ممّا شئت ، أو ممّا شاء ، فالوجه : الصحّة ، ويرجع في القدر إلى مشيئته أو مشيئة الغريم.

ولو وكّله بأن قال : ابرئ فلاناً عن دَيْني ، اقتضى ذلك أن يُبرئه من‌ الجميع. ولو قال : عن شي‌ء منه ، أبرأه عن أقلّ ما يتموّل.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٩

ولو قال : أبرأه عمّا شئت ، لم يجز الاستيعاب ، مع احتماله.

مسألة ٦٨٥ : إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له عليه(١) ، فأبرأه الوكيل ، صح ، وبرئت ذمّته.

ولو كان له على رجل حقٌّ ، فوكّل صاحب الحقّ مَنْ عليه الحقّ في إبراء نفسه ، صحّ ؛ لأنّه وكّله في إسقاط حقٍّ عن نفسه ، فوجب أن يصحّ ، كما لو وكّل العبدَ في إعتاق نفسه والمرأةَ في طلاقها ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : لا يصحّ ؛ لأنّه لا يملك إسقاط الحقّ عن نفسه بنفسه ، كما لو كان في يده عين مضمونة عليه ، فإنّه لا يصحّ أن يوكّله في إسقاط الضمان عن نفسه(٣) .

وهو ضعيف ؛ لأنّه يخالف إسقاط الحقّ عن الذمّة ؛ لأنّ ذلك لا يسقط إلّا بالقبض ، ولا يكون قابضاً من نفسه ، وهنا يكفي مجرّد الإسقاط ، على أنّا نمنع الحكم في الأصل.

إذا ثبت هذا ، فإذا وكّل المضمونُ له المضمونَ عنه في إبراء الضامن ، جاز ، فإذا أبرأه ، برئ الضامن والمضمون عنه عندنا.

وعند العامّة لا يبرأ المضمون عنه(٤) .

وإن وكّل الضامنَ في إبراء المضمون عنه فأبرأه ، لم يبرأ الضامن عندنا ؛ لأنّ الدَّيْن انتقل من ذمّة المضمون عنه ، ولا تصحّ هذه الوكالة ، كما لو وكّله في إبراء مَنْ لا حقّ له عليه.

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « على زيد » بدل « عليه ».

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٥ بحر المذهب ٨ : ١٦٣.

(٤) المغني ٥ : ٢٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333