نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٣

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 332

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 332
المشاهدات: 144468
تحميل: 5728


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 332 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 144468 / تحميل: 5728
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطّاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

٥

٦

دحض المعارضة

بحديث: اهتدوا بهدى عمار

٧

٨

قوله: « و قوله واهتدوا بهدى عمار ».

أقول: وهذه المعارضة ساقطة لوجوه:

١ - احتجاج ( الدهلوي ) بهذا الحديث ينافي ما التزم به

ان الاحتجاج بهذا الحديث يتنافى مع التزامه بعدم النقل الا من كتبنا، على أنه لا طريق صحيح له عندهم أيضاً، ولو سلمنا صحته فانه ليس في مرتبة حديث الثقلين الثابت تواتره، بالاضافة الى أنه ليس مثله في الظهور والدلالة.

٢ - ان عماراً من شيعة علىعليه‌السلام

ان عماراً رضي الله تعالى عنه من كبار المتمسكين بالثقلين وأتباع مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام .

فلو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمر بالاهتداء بهدى عمار فليس الا من جهة كونه آخذاً بالكتاب العزيز ومعتصماً بالائمة الطاهرين،

٩

واتخاذه ذلك شعاراً له ودثاراً، فالمهتدي بهداه متبع للثقلين، والمتبع لخطاه متمسك بالحبلين.

ومما يدل على هذا بوضوح: أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عماراً باتباع أمير المؤمنينعليه‌السلام واقتفاء أثره، ولقد امتثل رضي الله تعالى عنه هذا الامر فاختص بأميرالمؤمنين ولازمه ولم يفارقه حتى استشهد.

والشواهد التاريخية على هذا الامر كثيرة جداً، فقد رووا: « عن علقمة بن قيس والاسود بن يزيد، قالا: أتينا أبا أيوب الانصاري، فقلنا: ان الله تبارك وتعالى أكرمك بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اذ أوحى الى راحلته فبركت على بابك، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضيفاً لك، فضيلة فضلك الله عزوجل بها، ثم خرجت تقاتل مع علي بن أبي طالب!!

قال: مرحباً بكما وأهلا، انني أقسم لكما بالله، لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا البيت الذي أنتما فيه وما في البيت غير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي جالس عن يمينه وأنا قائم بين يديه اذ حرك الباب فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس انظر من في الباب، فخرج ونظر ورجع، قال: هذا عمار بن ياسر، قال أبو أيوب: فسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يا أنس افتح لعمار الطيب المطيب، ففتح أنس الباب، فدخل عمار فسلم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فردّعليه‌السلام ورحب به وقال: يا عمار انه سيكون في أمتي بعدي هنات واختلاف حتى يختلف السيف بينهم حتى يقتل بعضهم بعضاً ويتبرأ بعضهم من بعض، فاذا رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني - يعني علياً - وان سلك كلهم وادياً وسلك عليّ وادياً فاسلك وادي علي وخل الناس طراً.

يا عمار، ان علياً لا يزيلك عن هدى، يا عمار، ان طاعة علي من طاعتي. وطاعتي من طاعة الله عز وجل ».

أنظر: ( الشريعة للاجري ) و ( فردوس الاخبار ) و ( فرائد السمطين - ١ / ١٧٨ ) و ( المودة في القربى ) و ( مناقب الخوارزمي ٥٧، ١٢٤ ) و ( ينابيع

١٠

المودة ١٢٨، ٢٥٠ ) و ( مفتاح النجا - مخطوط ) و ( كنز العمال ١٢ / ٢١٢ ).

و أخرج الحافظ الخطيب البغدادي عنهما « قالا: أتينا أبا أيوب الانصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب ان الله أكرمك بنزول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ في بيتك ] وبمجيء ناقته تفضلا من الله [ تعالى ] واكراماً لك حتى اناخت ببابك دون الناس [ جميعاً ] ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب [ به ] أهل لا اله الا الله؟ فقال: يا هذا ان الرائد لا يكذب أهله، ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي [رضي‌الله‌عنه ] بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فأما الناكثون فقد قاتلناهم [ قابلناهم ] وهم أهل الجمل وطلحة والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا عنهم [ من عندهم ] - يعنى معاوية وعمراً [ وعمرو بن العاص ] - وأما المارقون منهم [ فهم ] أهل الطرفاوات وأهل السقيفات [ السعيفات ] وأهل النخيلات وأهل النهروان [ النهروانات ] والله ما أدري اين هم ولكن لا بد من قتالهم ان شاء الله [ تعالى ].

[ ثم ] قال: وسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعمار: يا عمار تقتلك الفئة الباغية وأنت اذ ذاك مع الحق والحق معك، يا عمار [ بن ياسر ] ان رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس [ كلهم ] وادياً [ غيره ] فاسلك مع علي فانه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى، يا عمار من تقلد سيفاً [ و ] أعان به علياً [رضي‌الله‌عنه ] على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ومن تقلد سيفاً أعان به عدو علي [رضي‌الله‌عنه ] قلده [ الله ] يوم القيامة وشاحين من نار.

قلنا: يا هذا حسبك رحمك الله، حسبك رحمك الله »(١) .

وروى المتقي الهندي في فضائل عمار: « عن حذيفة، انه قيل له: ان عثمان قد قتل، فما تأمرنا؟

__________________

(١). تاريخ بغداد ١٣ / ١٨٦ - ١٨٧.

١١

قال: الزموا عماراً.

قيل: ان عماراً لا يفارق علياً.

قال: ان الحسد هو أهلك للجسد، وانما ينفركم من عمار قربه من علي فو الله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وان عماراً من الاخيار. كر »(١) .

ورواه القندوزي في ( ينابيع المودة ١٢٨ )، وعبد الحق الدهلوي في ( رجال المشكاة ) بترجمة عمار ثم قال: « ذكر هذه الأحاديث السيوطي في جمع الجوامع ولها طرق عديدة كثيرة ».

٣ - تخلف عمار عن بيعة ابى بكر

والعجب من ( الدهلوي ) كيف يستند الى هذا الحديث ويحتج به؟! فان عماراً رضي الله تعالى عنه من المتخلفين عن بيعة أبي بكر والمنحازين الى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال اليعقوبي: « وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم العباس بن عبد المطلب والفضل بن عباس والزبير بن العوام وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب »(٢) .

وانظر ( المختصر في أخبار البشر ١ / ١٥٦ ) و ( تتمة المختصر ١ / ١٨٧ ) وغيرهما.

وقد أفصح عماررضي‌الله‌عنه عن اعتقاده الراسخ وايمانه الثابت في مواقع، منها: حين بويع عثمان بن عفان، فقد قال المسعودي: « وقد كان عمار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان

__________________

(١). كنز العمال ١٦ / ١٤١.

(٢). تاريخ اليعقوبي ٢ / ١١٤.

١٢

عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان ودخل داره ومعه بنوأمية، فقال أبوسفيان أفيكم أحد من غيركم؟ وقد كان عمي، قالوا: لا، قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن الى صبيانكم وراثة. فانتهره عثمان وسائه ما قال، ونمى هذا القول الى المهاجرين والأنصار وغير ذلك من الكلام.

فقام عمار في المسجد فقال: يا معشر قريش أما إذا صدفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرة وهاهنا مرة، فما أنا بآمن من ان ينزعه الله فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله و وضعتموه في غير أهله »(١) .

٤ - اعراض عمر بن الخطاب عن هدى عمار

لقد كذب عمر بن الخطاب عماراً واعرض عن هداه واغلظ له الكلام حتى قال له « نوليك ما توليت »، أي جعله مصداق قوله تعالى:( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) .

وقد بحث هذا الموضوع في ( تشييد المطاعن ) بالتفصيل، وإليك رواية أخرجها:

أحمد في ( المسند ٤ / ٢٦٥ ).

و مسلم في ( الصحيح ١ / ١١٠ ).

و أبوداود في ( السنن ١ / ١٣٥ ).

و النسائي في ( السنن ١ / ١٦٥ بشرح السيوطي ).

و الطبري في ( التفسير ٥ / ١١٣ ).

و العيني في ( عمدة القاري ٤ / ١٩ ).

و ابن الاثير في ( جامع الاصول ٨ / ١٤٩، ١٥١ ).

__________________

(١). مروج الذهب ٢ / ٣٤٢.

١٣

والشيباني في ( تيسير الوصول ٣ / ١١٥ ).

و غيرهم، واللفظ لاحمد قال:

« ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن سلمة - يعني ابن كهيل - عن أبي ثابت عبد الله بن عبد الرحمن بن ابزى، قال: كنا عند عمر فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين انا نمكث الشهر والشهرين لا نجد الماء، فقال عمر: اما انا فلم أكن لاصلي حتى اجد الماء. فقال عمار: يا أمير المؤمنين تذكر حيث كنا بمكان كذا ونحن نرعى الإبل، فتعلم أنا أجنبنا؟ قال: نعم. قال: فاني تمرغت في التراب، فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحدثته فضحك وقال: كان الصعيد الطيب كافيك، وضرب بكفيه الأرض ثم نفخ فيها ثم مسح بهما وجهه وبعض ذراعيه. قال: اتق الله يا عمار! قال: يا أمير المؤمنين ان شئت لم اذكره ما عشت - أو ما حييت - قال: كلا والله، ولكن نوليك من ذلك ما توليت ».

وفي هذا الحديث نقاط:

الاولى: ان عمر بن الخطاب لم يأخذ بحديث عمار استكباراً، وهذا ينافي الاهتداء بهداه.

الثانية: انه طعن في حديثه، وقد اعترف بذلك الشيخ ولي الله ( والد الدهلوي ) عند الكلام على ضروب اختلاف الصحابة، حيث قال:

« منها: ان صحابياً سمع حكماً في قضية أو فتوى ولم يسمعه الآخر، فاجتهد برأيه في ذلك وهذا على وجوه ثالثها: ان يبلغه الحديث ولكن لا على الوجه الذي يقع به غالب الظن، فلم يترك اجتهاده بل طعن في الحديث روى الشيخان انه كان من مذهب عمر بن الخطاب ان التيمم لا يجزي الجنب الذي لا يجد ماءاً، فروى عنده عمار: انه كان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر، فأصابته جنابة ولم يجد ماء، فتمعك في التراب، فذكر ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١٤

انما كان يكفيك ان تفعل هكذا - وضرب بيديه الأرض، فمسح بهما وجهه ويديه -.

فلم يقبل عمر، ولم ينهض عنده حجة، لقادح خفي رآه فيه، حتى استفاض الحديث في الطبقة الثانية من طرق كثيرة، واضمحل وهم القادح فأخذوا به »(١) .

ولنعم ما أفاد العلامة السيد محمد قلي أحله الله دار السلام في كتابه ( تشييد المطاعن ) حيث قال في هذا المقام: « ان عدم قبول عمر حديث عمار وعدم جعله حجة رد صريح للشريعة، لان عماراً صحابي ثقة عادل جليل الشأن فلما ذا لا تقبل روايته ولا تكون حجة؟ وإذا كان حديث عمار لا ينهض حجة، ولا يوجب إنكاره طعنا، فلما ذا يكون انكار أحاديث الصحابة موجبا للطعن؟ وذلك، لان عماراً من أجلة الصحابة وأعاظمهم وأكابرهم، وله فضائل ومناقب عظيمة لم تكن لكثير من كبار الاصحاب، فمتى جاز انكار حديثه جاز عدم قبول أحاديث غيره من الصحابة.

فالعجب، أن أهل السنة يقبحون عدم قبول الأحاديث التي ينسبونها الى عوام الصحابة وجهالهم - بل الى فجارهم - بل يحسبونه قدحاً في الدين، ولكن لا ينكرون على عمر رده حديث عمار، بل هو امامهم الأعظم ومقتداهم الأفخم؟!

قال العلامة فضل الله التوربشتي شارح المصابيح في كتاب المعتمد في المعتقد: لقد أراد الزنادقة أحداث دين في الشريعة، وجعلوا أساسه القدح في خلافة أبي بكر، وهذا يفضي الى الطعن في جميع الصحابة، والطعن فيهم يقتضي الطعن في الدين، لان القرآن والسنة والاحكام المستفادة منهما انما وصلتنا عن طريق الصحابة، فإذا كان ما يقولون في الصحابة حقاً لم يبق أي اعتماد على أخبارهم، فلا تثبت الشريعة، نعوذ بالله من الضلال.

__________________

(١). الانصاف في بيان سبب الاختلاف: ١٦

١٥

وليعلم الان، ان المحافظة على هذه المسألة على مصداق أهل السنة والجماعة محافظة على أبواب الشريعة، والتهاون بها اضاعة لها جميعاً، والله ناصر و ولي دينه.

وعلى ضوء هذا نقول: ان طعن عمر في رواية عمار - الذي بلغ من جلالة القدر وعظم الشأن ما لم يبلغه من الصحابة الا قليل كما صرح بذلك في كتبهم - يقتضي الطعن في الدين

ودعوى: ان سبب عدم قبول عمر حديث عمار هو « وجود قادح خفي فيه » مردودة: بأن هذا الاحتمال في هكذا حديث صحيح رواه صحابي ثقة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( مع ان دين أهل السنة يبتني على أحاديث الاصحاب، وان أصل أصولهم - أعني امامة أبي بكر - انما ثبتت بعناية الصحابة ) يفتح باباً للملاحدة والكفار في ردهم آيات الكتاب والسنة النبوية والدين، بدعوى ( وجود القادح الخفي )!!

وبالجملة: فان حسن ظن أهل السنة دعاهم الى هذه التكلفات الباردة في سبيل اصلاح ما لا يصلح، والا فبديهي انه لا وجه لانكار وردّ حديث عمار الا العناد وعدم الاعتداد بأحكام رب العباد.

والاعجب ان أهل السنة يقبلون الخبر الموضوع: « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » بل يحتجون به في مقابل أهل الحق - مع ما فيه وفي ناقله من وجوه القدح -، ولكن حديث عمار لا ينهض حجة عندهم، رغم كونه مقبولا بالإجماع، ورغم عجزهم عن بيان « القادح الخفي »!!

وعلى ضوء كلام المخاطب نفسه - في المطعن الثاني عشر من مطاعن أبي بكر -: ان رواية أبي هريرة وأبي الدرداء وأمثالهما يفيد القطع كالآيات الكريمة نقول: ان خبر عمار - وهو أفضل منهما اجماعاً - يفيد القطع كذلك، وهو كالاية الشريفة من القرآن العزيز، فعدم قبوله رد له قطعاً.

ولقد ثبت من كلام ( شاه ولي الله ): « حتى استفاض الحديث » ان دعوى « وجود القادح الخفي » فيه باطلة عاطلة، وان أهل السنة رأوا ظن عمر

١٦

لا طائل تحته فأعرضوا عن مذهبه، ولله الحمد ».

الثالثة : انه لم يتحرج عمر بن الخطاب من تكذيب عمار، وقد اعترف بذلك جماعة من أكابر العلماء، قال عبد العلي في مسألة انكار المروي عنه روايته:

« المانع للحجية استدل بما روى مسلم ان رجلا أتى عمر فقال: اني أجنبت فلم أجد ماءاً، فقال: لا تصل. فقال عمار لعمررضي‌الله‌عنه : أما تذكر يا أمير المؤمنين اذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت أي تقلبت في الارض بحيث أصاب التراب جميع البدن فصليت، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وسلم: انما يكفيك أن تمسح بيديك الارض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك، وقد وقع في سنن أبي داود انما يكفيك ضربتان، فلم يذكر أمير المؤمنين عمر، فما رجع عمررضي‌الله‌عنه عن مذهبه، فانه لا يرى التيمم للجنب، وفي رواية مسلم، فقال عمر: اتق الله يا عمار.

وأنت لا يذهب عليك أن أمير المؤمنين عمر أنكر انكار التكذيب لا انكار السكوت، فليس هذا من الباب في شيء »(١) .

ومن الواضح: ان تكذيب آحاد المؤمنين الصادقين معصية يذم العقلاء فاعلها، فكيف بتكذيب هذا الصحابي؟! ».

الرابعة: لقد خاطب عمر عماراً بقوله: « اتق الله يا عمار ». وهذا الكلام لا يقال الا لمن ارتكب بدعة محرمة. نص على ذلك العيني في ( شرح كنز الدقائق ١ / ٢٣٣ ) والزيلعي في ( شرح كنز الدقائق ٣ / ٦٠ - ٦١ ) في الجواب عن حديث فاطمة بنت قيس في وجوب النفقة والسكنى للمطلقة البائن، قال العيني: « وحديث فاطمة لا يجوز الاحتجاج به لوجوه: أحدها ان كبار الصحابة أنكروا عليها كعمر - على ما تقدم - وابن مسعود وزيد بن

__________________

(١). فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت ٢ / ١٢٥.

١٧

ثابت واسامة بن زيد وعائشة رضي الله عنهم، حتى قالت لفاطمة - فيما رواه البخاري - ألا تتقي الله؟! وروي أنها قالت لها: لا خير لك فيه.

ومثل هذا الكلام لا يقال الا لمن ارتكب بدعة محرمة ».

فما ظنك يعمر القائل هذا الكلام لعمار؟ وهل هو مهتد بهداه؟.

الخامسة : لقد قال لعمار: « نوليك ما توليت » ولا ريب أنه قد آذاه بهذه الكلمة الغليظة الشديدة، فقد جعله - والعياذ بالله - مصداقاً لقوله تعالى:( وَمَنْ يُشاقِقِ ) ، فهل هو مهتد بهدى عمار كما يقول الحديث؟!

* ومما يدل على ان عمر لم يكن مهتدياً بهدى عماررضي‌الله‌عنه بل كان يعاديه: عزله إياه عن ولاية الكوفة من دون تقصير منه بعد استعماله من دون طلب منه، والأفظع قوله له بعد عزله - مستهزءاً به - « أساءك عزلنا اياك » فأجابه قائلا: « والله لقد ساءتني الولاية وساءني العزل ».

قال ابن سعد: « أخبرنا عفان بن مسلم، قال نا خالد بن عبد الله، قال نا داود عن عامر، قال قال عمر لعمار: أساءك عزلنا إياك؟ قال لئن قلت ذلك [ ذاك ] لقد ساءني حين استعملتني وساءني حين عزلتني »(١) .

وقال ابن الاثير: « ولما عزله عمر قال له: أساءك العزل؟ قال: والله لقد ساءتني الولاية وساءني العزل »(٢) .

٥ - اعتداء عثمان على عمار

لقد آذى عثمان بن عفان عماراً واعتدى عليه وظلمه قولا وفعلا مرة بعد أخرى، وذلك كله معروف، والشواهد عليه كثيرة جداً، وإليك بعضها:

قال ابن قتيبة: « ما أنكر الناس على عثمانرحمه‌الله . قال ذكروا أنه

__________________

(١). الطبقات الكبرى ٣ / ٢٥٦.

(٢). أسد الغابة ٤ / ٤٦.

١٨

اجتمع ناس من أصحاب النبيعليه‌السلام ، فكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة صاحبيه ثم تعاهد القوم، ليدفعن الكتاب في يد عثمان، وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة، فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه الى عثمان - والكتاب في يد عمار - جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده، فمضى حتى جاء دار عثمان فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات، فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية، فدفع اليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ومن كان معك؟ قال: كان معي نفر تفرقوا فرقاً منك قال: ومن هم؟ قال: لا أخبرك بهم، قال: فلم اجترأت عليّ من بينهم؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين، ان هذا العبد الأسود - يعني عماراً - قد جرأ عليك الناس وانك ان قتلته نكلت به من وراءه. قال عثمان: اضربوه، فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه، فجروه حتى طرحوه على باب الدار فأمرت به أم سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأدخل منزلها، وغضب فيه بنو المغيرة وكان حليفهم، فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال: أما والله لئن مات عمار بن ضربه هذا لاقتلن به رجلا عظيماً من بني أمية، فقال عثمان: لست هناك »(١) .

وقال ابن عبد ربه: « ومن حديث الأعمش - يرويه ابو بكر بن أبي شيبة - قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه في صحيفة، فقالوا: من يذهب بها اليه؟ فقال عمار: انا، فذهب بها اليه، فلما قرأها قال ارغم الله انفك قال: وبأنف أبي بكر وعمر، قال: فقام اليه فوطئه حتى غشى عليه.

ثم ندم عثمان وبعث اليه طلحة والزبير يقولان: اختر إحدى ثلاث اما

__________________

(١). الامامة والسياسة ١ / ٣٢.

١٩

ان تعفو واما ان تأخذ الأرش واما ان تقتص، فقال والله لا قبلت واحدة منها حتى ألقى الله. قال أبو بكر: فذكرت هذا الحديث للحسن بن صالح فقال: ما كان على عثمان أكثر مما صنع »(١) .

وقال المسعودي: « وفي سنة خمس وثلاثين كثر الطعن على عثمانرضي‌الله‌عنه وظهر عليه النكير لاشياء ذكروها من فعله، منها: ما كان بينه وبين عبد الله بن مسعود وانحراف هذيل عن عثمان من أجله، ومن ذلك ما نال عمار بن ياسر من الفتق والضرب وانحراف بني مخزوم عن عثمان من أجله »(٢) .

وقال ابن عبد البر في ( الاستيعاب ٣ / ١٣٦ ): « وللحلف والولاء اللذين بين بني مخزوم وبين عمار وأبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم الى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه ورغموا وكسروا ضلعاً من اضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات لا قتلنا به أحداً غير عثمان »(٣) .

وقال اليعقوبي: « فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتى توفى، وصلى عليه عمار بن ياسر وكان غائباً، فستر أمره، فلما انصرف رأى القبر، فقال قبر من هذا؟ فقيل: قبر عبد الله بن مسعود، قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: ولي أمره عمار بن ياسر وذكر أنه أوصى أن لا يخبر به، ولم يلبث الا يسيراً حتى مات المقداد فصلى عليه عمار، وكان أوصى اليه ولم يؤذن عثمان به، فاشتد غضب عثمان على عمار وقال: ويلي على ابن السوداء، أما لقد كنت به عليماً »(٤) .

وروى الطبري وابن الاثير في قصة مسير الحسنعليه‌السلام وعمار

__________________

(١). العقد الفريد ٢ / ١٩٢.

(٢). مروج الذهب ٢ / ٣٣٨.

(٣). الاستيعاب ٣ / ١٣٦.

(٤). تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٠.

٢٠