تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481
المشاهدات: 147561
تحميل: 5155


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147561 / تحميل: 5155
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-007-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الرجل الصرورة »(١) .

وابن إدريس أنكر ذلك(٢) إنكاراً عظيماً ، ونحن نحمل هذه الروايات على الاستحباب دون أن يكون ذلك شرطاً ، ولهذا قالعليه‌السلام : « ربّ امرأة خير من رجل » ولا شك في جواز ذلك من الرجل فجاز من المرأة.

مسألة ٩٢ : يجوز أن يحجّ النائب عن غيره إذا كان المنوب ميّتاً من غير إذن ، سواءً كان واجباً أو تطوّعاً ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالحجّ عن الميّت(٣) ، ومعلوم استحالة الإِذن في حقّه ، وما جاز فرضه جاز نفله ، كالصدقة.

وأمّا الحيّ : فمنع بعض العامّة من الحجّ عنه إلّا بإذنه ، فرضاً كان أو تطوّعاً ؛ لأنّها عبادة تدخلها النيابة ، فلم تجز عن البالغ العاقل إلّا بإذنه ، كالزكاة(٤) .

وعلّيّة المشترك وثبوت الحكم في الأصل ممنوعان.

مسألة ٩٣ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز لمن استقرّ الحجّ في ذمّته أن يحجّ تطوّعاً ولا نذراً ولا نيابةً حتى يؤدّي حجّة الإِسلام ، ويحصل الاستقرار بمضيّ زمان يمكنه فيه الحجّ مع الإِهمال واجتماع الشرائط.

ولو حصلت الشرائط فتخلّف عن الرفقة ثم مات قبل حجّ الناس ، تبيّن عدم الاستقرار ؛ لظهور عدم الاستطاعة وانتفاء الإِمكان ، وهو مذهب أكثر الشافعية(٥) .

وقال بعضهم : يستقرّ الحجّ عليه(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٤ / ١٤٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٣ / ١١٤٣.

(٢) السرائر : ١٤٩.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٢٦٩ / ٩٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ١١٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٣٥.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ١٨٩.

(٥ و ٦) المجموع ٧ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣١.

١٢١

ولو مات بعد ما حجّ الناس ، استقرّ الوجوب عليه ، ووجب الاستئجار عنه من صلب تركته ، وليس رجوع القافلة شرطاً حتى لو مات بعد انتصاف ليلة النحر ومضيّ زمان يمكنه المسير إلى منى والرمي بها وإلى مكة والطواف للنساء ، استقرّ الفرض عليه. ويحتمل مضيّ زمان يمكنه فيه الإِحرام ودخول الحرم.

ولو ذهب ماله بعد رجوع الحاج أو مضيّ إمكان الرجوع ، استقرّ الحجّ.

ولو تلف المال بعد الحجّ قبل عودهم وقبل مضيّ إمكان عودهم ، لم يستقرّ الحجّ أيضاً ؛ لأنّ نفقة الرجوع لا بدّ منها في الشرائط.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : الاستقرار ، كما في الموت(١) .

وليس بجيّد ؛ لما بيّنّا من اشتراط نفقة الرجوع هنا ، بخلاف الميّت ؛ فإنّه لا رجوع في طرفه ؛ إذ بموته استغني عن المال للرجوع ، وهنا نفقة الرجوع لا بدّ منها.

ولو اُحصر الذين يمكنه الخروج معهم فتحلّلوا ، لم يستقرّ الفرض عليه ، ولو سلكوا طريقاً آخر فحجّوا ، استقرّ ، وكذا إذا حجّوا في السنة التي بعدها إذا عاش وبقي ماله.

وإذا دامت الاستطاعة وتحقّق الإِمكان ولم يحج حتى مات ، عصى عندنا ، ووجب القضاء من صلب ماله ؛ لأنّ الحج مضيّق ، خلافاً للشافعي حيث لم يوجب الفورية عليه(٢) .

ولأصحابه وجهان :

أحدهما : أنّه يعصي ، وإلّا لارتفع الحكم بالوجوب ، والمجوّز إنّما هو‌

____________________

(١) المجموع ٧ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣١ - ٣٢.

(٢) المجموع ٧ : ١٠٣ و ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٣١.

١٢٢

التأخير دون التفويت.

والثاني : لا يعصي ؛ لأنّا جوّزنا له التأخير(١) .

قالوا : والأظهر أنّه لو مات في وسط وقت الصلاة قبل أدائها ، لم يعص.

والفرق : أنّ وقت الصلاة معلوم ، فلا ينسب إليه التقصير ما لم يؤخّر عنه ، وفي الحج اُبيح له التأخير بشرط أن لا يبادر الموت ، فإذا مات قبل الفعل ، أشعر الحال بالتواني والتقصير.

ويجري الوجهان فيما إذا كان صحيح البدن ولم يحجّ حتى طرأ العضب.

والأظهر : المعصية ، ولا نظر إلى إمكان الاستنابة ؛ فإنّها في حكم بدل ، والأصل المباشرة ، فلا يجوز ترك الأصل مع القدرة عليه.

وقال بعض الشافعية : إن كان من وجب عليه الحجّ شيخاً ، مات عاصياً ، وإن كان شاباً فلا(٢) .

وهل تتضيّق الاستنابة عليه لو صار معضوباً؟ الوجه عندنا : ذلك ؛ لوجوب الفورية في الأصل ، فكذا في بدله.

وللشافعي وجهان :

هذا أحدهما ؛ لخروجه بتقصيره عن استحقاق الترفّه.

والثاني : له التأخير ، كما لو بلغ معضوباً عليه الاستنابة على التراخي(٣) .

وفي قضاء الصوم إذا تعدّى بتفويته هذان الوجهان هل هو على الفور أو لا؟(٤) .

____________________

(١) المجموع ٧ : ١٠٣ و ١١٠ - ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٢.

(٢ و ٣) المجموع ٧ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٢ - ٣٣.

١٢٣

وعلى ما اخترناه من وجوب الفورية لو امتنع ، أجبره القاضي على الاستنابة ، كما لو امتنع من أداء الزكاة ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : لا يجبره ؛ لأنّ الأمر في ذلك موكول إلى دين الرجل(١) .

وعلى ما اخترناه من وجوب الفورية يحكم بعصيانه من أول سنة الإِمكان ؛ لاستقرار الفرض عليه يومئذٍ.

وللشافعية وجهان :

هذا أحدهما ، وأظهرهما : من آخر سنة الإِمكان ؛ لجواز التأخير إليها(٢) .

وفيه وجه ثالث لهم : الحكم بكونه عاصياً من غير أن يسند إلى وقت معيّن.

وتظهر الفائدة بكونه عاصياً : أنّه لو كان قد شهد عند الحاكم ولم يقض بشهادته حتى مات لا يقضي ، كما لو بان فسقه(٣) .

ولو قضى بشهادته بين الاُولى من سني الإِمكان وآخرها ، نقض الحكم عندنا.

وللشافعي قولان :

فإن حكم بعصيانه من آخرها ، لم ينقض ذلك الحكم بحال ، وإن حكم بعصيانه من أولها ، ففي نقضه قولان مبنيّان على ما إذا بان فسق الشهود(٤) .

مسألة ٩٤ : يجب الترتيب في الحج ، فيبدأ بحجّة الإِسلام ثم بالقضاء ثم بالنذر ثم بالتطوّع ، فلو غيّر الترتيب ، وقع على هذا الترتيب ، ولغت نيّته عند الشافعي(٥) .

والوجه : البطلان على ما سبق.

____________________

(١ - ٤) المجموع ٧ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٣.

(٥) الوجيز ١ : ١١٠ ، فتح العزيز ٧ : ٣٣.

١٢٤

وصورة اجتماع حجّة الإِسلام والقضاء عند الشافعية أن يفسد الرقيق حجّه ثم يعتق ، فعليه القضاء ، ولا يجزئه عن حجّة الإِسلام(١) ، وكذا عندنا ، وأيضاً لو استؤجر الصرورة أو حجّ تطوّعاً فأفسد.

وكذا تقدّم حجّة الإِسلام على حجّة النذر ؛ لأنّ حجّة الإِسلام واجبة بالأصالة الشرعية ، بخلاف حجّة النذر الواجبة تبرّعاً من المكلّف.

ولو اجتمع القضاء والنذر والتطوّع وحجّة الإِسلام ، قدّمت حجّة الإسلام ثم القضاء الواجب بأصل الشرع.

ومن عليه حجّة الإِسلام أو النذر أو القضاء لا يجوز أن يحجّ عن غيره مع تمكّنه عندنا ، ومطلقاً عند الشافعي(٢) .

وأبو حنيفة ومالك(٣) وافقا على ما قلناه.

ولو استؤجر الصرورة فنوى الحجّ عن المنوب ، فإن كان النائب قد وجب عليه الحجّ وتمكّن من فعله ، بطلت حجّته عن نفسه وعن المنوب.

وعند الشافعية تقع عن المنوب ، وتلغو نيّته عن نفسه(٤) .

ولو نذر الصرورة أن يحجّ في هذه السنة ففعل ، فإن كان قد تمكّن ، بطل حجّه ، ولم يجزئه عن حجّة الإِسلام ؛ لعدم نيّتها ، ولا عن النذر ؛ لوجوب صرف الزمان إلى حجّة الإِسلام.

وقال الشافعي : يقع عن حجّة الإِسلام ، وخرج عن نذره ؛ لأنّه ليس في نذره إلّا تعجيل ما كان له أن يؤخّره(٥) .

ولو استؤجر الصرورة للحج في الذمّة ، جاز ، ثم يجب أن يبدأ بالحجّ عن نفسه إن تمكّن وحصلت الاستطاعة ، ثم يحجّ عن المنوب في السنة‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٣.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٤ ، المجموع ٧ : ١١٨.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٨.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٣٥.

١٢٥

الاُخرى.

أمّا لو استؤجر معيّناً لهذه السنة وهو مستطيع ، لم يصح ؛ لأنّ هذه السنة يجب صرفها في حجّة الإِسلام.

ولو استؤجر للسنة الثانية ، جاز عندنا ، خلافاً للشافعي حيث يشترط اتّصال مدّة الإِجارة بمدّة العقد(١) ، وسيأتي البحث معه.

وإذا فسدت الإِجارة ، فإن كان المستأجر ظنّ أنّه قد حجّ فبان صرورة ، لم يستحقّ الأجير اُجرةً ؛ لتغريره.

وإن علم أنّه صرورة وقال : يجوز في اعتقادي أن يحجّ الصرورة عن غيره ، قال الشافعي : صحّ حجّ الأجير ، ويقع لنفسه ، ولكن في استحقاقه اُجرة المثل قولان(٢) .

مسألة ٩٥ : القران عندنا أن يُقرن إلى إحرامه سياق الهدي ، ولا يجوز أن يُقرن في إحرامه بين حجّتين ولا بين عمرتين ولا بين حجّة وعمرة ، خلافاً للعامّة(٣) ، فلو استؤجر مَنْ حجّ ولم يعتمر للحجّ ، أو للعمرة من اعتمر ولم يحجّ ، فقرن الأجير وأحرم بالنسكين جميعاً عن المستأجر ، أو أحرم بما استؤجر له عن المستأجر وبالآخر عن نفسه ، لم يصح عندنا ، ولا يستحقّ أجراً ؛ لفساد الفعل.

وللشافعي قولان :

الجديد : أنّهما يقعان عن الأجير ؛ لأنّ نسكي القران لا يفترقان ، ولا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه.

والثاني : أنّ ما استؤجر له يقع عن المستأجر والآخر عن الأجير.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٥.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٨.

(٣) المغني ٣ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٣ ، فتح العزيز ٧ : ١١٨ ، المجموع ٧ : ١٧١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣٤.

١٢٦

وعلى القولين لو استأجر رجلان مَنْ حجّ واعتمر ، أحدهما ليحجّ عنه والآخر ليعتمر عنه ، فقرن عنهما ، فعلى الأول يقعان عن الأجير ، وعلى الثاني يقع عن كلّ واحد منهما ما استأجره له(١) .

ولو استأجر المعضوب رجلين ليحجّا عنه في سنة واحدة أحدهما حجّة الإِسلام والآخر حجّة القضاء أو النذر ، صحّ عندنا.

وللشافعية وجهان :

أحدهما : لا يجوز ؛ لأنّ حجّة الإِسلام لم تتقدّم على غيرها.

والأظهر : الجواز ؛ لأنّ غيرها لم يتقدّم عليها ، وهذا القدر كافٍ في الترتيب.

فعلى أول الوجهين لو اتّفق إحرام الأجيرين في الزمان ، انصرف إحرامهما إلى نفسهما ، وإن سبق إحرام أحدهما ، وقع ذلك عن حجّة الإِسلام عن المستأجر ، وانصرف إحرام الآخر إلى نفسه(٢) .

ولو أحرم الأجير عن المستأجر ثم نذر حجّاً ، نُظر إن نذر بعد الوقوف ، لم ينصرف حجّه إليه ، ووقع عن المستأجر ، وإن نذر قبله ، فوجهان :

أظهرهما : انصرافه إلى الأجير(٣) .

والحقّ عندنا وقوعه عن المستأجر.

ولو أحرم الرجل بحجّ تطوّعاً ثم نذر حجّاً بعد الوقوف ، لم ينصرف إلى النذر ، وإن كان قبله فعلى الوجهين(٤) .

مسألة ٩٦ : العبادات قد تقبل النيابة على بُعدٍ ، لكن جازت في الحجّ عند العجز عن المباشرة إمّا بموتٍ أو كِبَرٍ لا يتمكن معه من الركوب والتثبّت على‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٣٦ ، المجموع ٧ : ١١٨ - ١١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٦.

(٣ و ٤) فتح العزيز ٧ : ٣٦ ، المجموع ٧ : ١١٩.

١٢٧

الدابّة ، أو زمانةٍ أو عضبٍ كذلك ، أو مرضٍ لا يرجى زواله.

أمّا الموت : فلما روي أنّ امرأةً أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : إنّ أُمّي ماتت ولم تحجّ ، فقال : (حجّي عن اُمّك )(١) .

وروى ابن عباس أنّ رجلاً قال : يا رسول الله إنّ اُختي نذرت أن تحجّ وماتت قبل أن تحجّ ، أفأحجّ عنها؟ فقالعليه‌السلام : ( لو كان على اُختك دَينٌ أكنت قاضيه؟ ) قال : نعم ، قال : (فاقضوا حقّ الله فهو أحقّ بالقضاء )(٢) .

وقال أبو حنيفة ومالك : إن لم يوص ، لا يحجّ عنه ، ويسقط فرضه بالموت(٣) .

ونحن نقول : إن كان الميت قد وجب عليه الحج واستقرّ وفرّط في أدائه ، وجب أن يستأجر عنه ، سواء أوصى به أو لم يوص ، ويستوي فيه الوارث والأجنبي ، كقضاء الدين ، وهو قول الشافعي(٤) .

وأمّا الكِبَر : فلما رواه ابن عباس أنّ امرأة من خثعم قالت : يا رسول الله إنّ فريضة الله على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، فأحجّ عنه؟ قال :(نعم )(٥) .

والمعتبر أن لا يثبت على الراحلة أصلاً ، أو لا يثبت إلّا بمشقّة شديدة.

ومقطوع اليدين أو الرجلين إذا أمكنه التثبّت على الراحلة من غير مشقّة‌

____________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٢٥٩ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٨٨ / ٩٩٦.

(٢) صحيح البخاري ٨ : ١٧٧ ، سنن النسائي ٥ : ١١٦ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٣٤١ / ٢٦٢١.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٤ ، المجموع ٧ : ١١٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٣ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٧١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٤ ، المجموع ٧ : ١١٢.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٦٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٧٣ / ١٣٣٤ ، سنن النسائي ٥ : ١١٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٨ بتفاوت يسير.

١٢٨

شديدة لا تجوز النيابة عنه ؛ لأنّه ربما يفيق فيحجّ بنفسه.

وهذا كلّه في حجّة الإِسلام ، وفي معناها حجّة النذر والقضاء.

مسألة ٩٧ : تجوز استنابة المعضوب في التطوّع.

وللشافعي قولان(١) .

وكذا تجوز استنابة الوارث للميّت فيه.

وللشافعي قولان :

أصحّهما : الجواز - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد - لأنّ النيابة تدخل في فرضه فتدخل في نفله ، كأداء الزكاة.

والثاني : المنع ؛ لبُعد العبادات البدنية عن قبول النيابة ، وإنّما جوّز في الفرض ؛ للضرورة(٢) .

ولو لم يكن الميّت قد حجّ ولا وجب عليه ؛ لعدم الاستطاعة ، ففي جواز الاستنابة عنه للشافعية طريقان :

أحدهما : طرد القولين ؛ لأنّه لا ضرورة إليه.

والثاني : القطع بالجواز ؛ لوقوعه عن حجّة الإِسلام.

فإن جوّزنا الاستئجار للتطوّع ، فللأجير الاُجرة المسمّاة ، ويجوز أن يكون الأجير عبداً أو صبيّاً ، بخلاف حجّة الإِسلام ، فإنّه لا يجوز استئجارهما عندهم ، ووقع الحجّ عن الأجير ، ولا يستحقّ المسمّى.

وعلى هذا فالأصح أنّ الأجير يستحقّ اُجرة المثل ؛ لأنّ الأجير دخل في العقد طامعاً في الاُجرة ، وتلفت منفعته عليه وإن لم ينتفع منها المستأجر ، فصار كما لو استأجره لحمل طعام مغصوب فَحَمَل ، يستحقّ الاُجرة.

والثاني : لا يستحق ؛ لوقوع الحجّ عنه(٣) .

____________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٤٠ ، المجموع ٧ : ١١٤.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٠ ، المجموع ٧ : ١١٤ - ١١٥.

١٢٩

إذا عرفت هذا ، فإنّ الاستنابة في التطوّع لا تختص بالعاجز ، بل للصحيح أيضا الاستنابة في حجّ التطوّع ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) .

وقال الشافعي بالاختصاص(٢) .

ومنع مالك من النيابة عن الحيّ في الفرض والتطوّع ، وخصّها بالميّت(٣) .

مسألة ٩٨ : قد بيّنّا أنّ المريض الذي يرجى زوال علّته ليس له أن يحجّ عنه نائباً ، فإن أحجّ غيره ثم زالت علّته ، لم يجزئه قولاً واحداً ، وإن مات أجزأه ذلك ؛ لأنّا تبيّنّا أنّها لم تكن مرجوّة الزوال ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، والثاني : لا يجزئه ؛ لأنّ الاستنابة لم تكن جائزةً(٤) .

وعلى عكس ذلك لو كانت علّته غير مرجوّة الزوال ، فأحجّ عن نفسه ثم عوفي ، فللشافعية طريقان :

أظهرهما : طرد القولين.

والثاني : القطع بعدم الأداء ، وبه قال أبو حنيفة.

والفرق : أنّ الخطأ في الصورة الاُولى غير مستيقن ؛ لجواز أن لا يكون المرض بحيث لا يوجب اليأس ثم يزداد فيوجبه فيجعل الحكم للمآل ، وهنا الخطأ متيقّن ؛ إذ لا يجوز أن يكون اليأس حاصلاً ثم يزول.

والطاردون للقولين في الصورتين قالوا : مأخذهما أنّ النظر إلى الحال أو إلى المآل ، إن نظرنا إلى الحال ، لم يجزئه في الصورة الاُولى ، وأجزأ في‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٥٢ ، المغني ٣ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤١ ، المجموع ٧ : ١١٦.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤١ ، المجموع ٧ : ١١٦ ، المغني ٣ : ١٨٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤١ ، المجموع ٧ : ١١٦ ، وانظر : الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٣.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٦ ، المجموع ٧ : ١١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٦.

١٣٠

الثانية ، وإن نظرنا إلى المآل ، عكسنا الحكم فيهما.

وقد شبّهوا القولين هنا بالقولين فيما إذا رأوا سواداً فظنّوه عدوّاً فصلّوا صلاة الخوف ثم تبيّن خلافه ، هل تجزئهم الصلاة؟ والأظهر عندهم : عدم الإِجزاء(١) .

والمعتمد عندنا : الإِجزاء.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا : إنّ الحجّة المأتي بها تجزئه ، استحقّ الأجير الأجرة المسمّاة لا محالة.

وإن قلنا : لا تجزئه ، فهل تقع عن تطوّعه أو لا تقع أصلاً؟ فيه وجهان للشافعية :

أحدهما : أنّها تقع عن تطوّعه ، وتكون العلّة الناجزة عذراً لتقديم التطوّع على حجّة الإِسلام.

والثاني : أنّها لا تقع عنه أصلاً ، كما لو استأجر صرورة ليحجّ عنه(٢) .

وعلى هذا فهل يستحقّ الأجير الاُجرة؟ فيه للشافعية قولان :

أصحهما : عدم الاستحقاق ؛ لأنّ المستأجر لم ينتفع بعمله.

والثاني : نعم ؛ لأنّه عمل له في اعتقاده(٣) .

فعلى هذا الوجه فما ذا يستحقّ؟ الاُجرة المسمّاة أم اُجرة المثل؟

للشافعية وجهان ، مأخذهما : أنّا هل نتبيّن فساد الاستئجار أم لا؟

وإن قلنا : إنّه يقع عن تطوّعه ، فالأجير يستحقّ الاُجرة.

وماذا يستحقّ؟ المسمّى أو اُجرة المثل؟ وجهان مخرّجان عن الوجهين ؛ لأنّ الحاصل غير ما طلبه(٤) .

وقد منع الشافعية من جواز الحجّ عن المعضوب بغير إذنه ، بخلاف‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٢ - ٤٣ ، المجموع ٧ : ١١٥.

(٢ - ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٣ ، المجموع ٧ : ١١٥.

١٣١

قضاء الدَّيْن عن الغير ؛ لأنّ الحجّ يفتقر إلى النيّة ، بخلاف قضاء الدَّيْن وهو من أهل الإِذن والنيّة وإن لم يكن أهل المباشرة(١) .

وروي عن بعضهم جواز الحجّ بغير إذنه(٢) .

مسألة ٩٩ : الاستنابة في الحجّ واجبة عن ميّت استقرّ الحجّ في ذمّته وفرّط في أدائه.

وهل تجب عن المعضوب أو عن ميّت وجب عليه الحجّ ولم يستقر؟ مضى(٣) الكلام فيهما.

وأوجبه الشافعي على المعضوب في الجملة ، ولا فرق عنده بين أن يطرأ العضب بعد الوجوب وبين ان يبلغ واجداً للمال ، وبه قال أحمد(٤) .

وقال مالك : لا استنابة على المعضوب بحال ؛ لأنّه لا نيابة عن الحي عنده ، ولا حجّ على من لا يستطيع بنفسه(٥) . وهو حسن.

وعند أبي حنيفة لا حجّ على المعضوب ابتداءً ولكن لو طرأ العضب بعد الوجوب ، لم يسقط عنه ، وعليه أن ينفق على من يحجّ عنه(٦) .

وأخبارنا دلّت على وجوب الاستئجار على المعضوب ، وقد سلفت.

وشرطه أن يكون للمعضوب مال يستأجر به من يحجّ عنه ، وأن يكون ذلك المال فاضلاً عن الحاجات المذكورة فيما لو كان يحجّ بنفسه ، إلّا أنّا اعتبرنا هناك أن يكون الصرف إلى الزاد والراحلة فاضلاً عن نفقة عياله إلى الإِياب ؛ وهنا نعتبر أن يكون فاضلاً عن نفقتهم وكسوتهم يوم الاستئجار ، ولا يعتبر بعد فراغ الأجير من الحجّ مدّة إيابه.

وهل تُعتبر مدّة الذهاب؟ الأقرب : أنّه لا تُعتبر - وهو أصحّ وجهي‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١١٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٣ ، المجموع ٧ : ٩٨ و ١١٤.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٣ - ٤٤ ، المجموع ٧ : ٩٨.

(٣) مضى في المسألتين ٤٩ و ٦٩.

(٤ - ٦) فتح العزيز ٧ : ٤٤.

١٣٢

الشافعية(١) - بخلاف ما إذا كان يحجّ عن نفسه ، فإنّه إذا لم يفارق أهله ، يمكنه تحصيل نفقتهم، كما في الفطرة لا يعتبر فيها إلّا نفقة اليوم.

وكذا في الكفّارات المرتّبة إذا لم نشترط تخلّف رأس المال.

ثم ما في يده إن وفى باُجرة راكب ، فلا يجب ، وإن لم يف إلّا باُجرة ماشٍ ، فالأقرب في صورة وجوب الاستئجار وجوبه هنا - وهو أصحّ وجهي الشافعية(٢) أيضاً - بخلاف ما كان يحجّ بنفسه ، لا يكلّف المشي ؛ لما فيه من المشقّة ، ولا مشقّة عليه في المشي الذي تحمّله الأجير.

والثاني : أنّه لا يلزم استئجار الماشي ، لأنّ الماشي على خطر ، وفي بذل المال في اُجرته تغرير به(٣) .

ولو طلب الأجير أكثر من اُجرة المثل ، لم يلزم الاستئجار ، وإن رضي بأقلّ منها ، لزمه ، ولو امتنع من الاستئجار ، فالأقرب : إلزام الحاكم له.

وللشافعية وجهان ، أشبههما عندهم : أنّه لا يستأجر عليه(٤) .

مسألة ١٠٠ : قد بيّنّا أنّ شرط الاستئجار عن المعضوب وجود المال للمعضوب ، فلو لم يكن له مال ولكن بذل له الأجنبي مالاً ليستأجر به ، لم يلزمه القبول ، كالصحيح.

وللشافعية في لزوم قبوله وجهان :

أحدهما : يلزم ؛ لحصول الاستطاعة بالبذل.

وأصحّهما : أنّه لا يلزم ؛ لما فيه من المنّة الثقيلة(٥) .

ولو كان الباذل واحداً من بنيه وبناته و(٦) أولادهم للطاعة في الحجّ ، فالأقرب : عدم وجوب القبول - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٧) - لأنّه غير‌

____________________

(١ - ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٥ ، المجموع ٧ : ٩٥.

(٥) الوجيز ١ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥ ، المجموع ٧ : ٩٥ و ٩٩.

(٦) في « ن » والطبعة الحجرية : أو.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٥.

١٣٣

مستطيع.

وقال الشافعي : يجب ؛ لأنّ وجوب الحجّ معلّق بوجود الاستطاعة وقد حصلت ؛ لأنّ الاستطاعة تارة تكون بالنفس ، وتارة تكون بالأنصار والأعوان ، ولهذا يصدق ممّن لا يُحسن البناء أن يقول : أنا مستطيع للبناء إذا تمكّن منه بالأسباب والأعوان.

ثم شرط في باذل الطاعة أن لا يكون صرورة ولا معضوباً ، وأن يكون موثوقاً بصدقه(١) .

وإذا ظنّ تحقّق الطاعة ، فهل يلزمه الأمر؟(٢) وجهان للشافعية :

أحدهما : لا ؛ لأنّ الظنّ قد يخطئ.

وأظهرهما عندهم : نعم إذا وثق بالإِجابة ، لحصول الاستطاعة(٣) .

ولو بذل المطيع الطاعة فلم يأذن المطاع ، فهل ينوب الحاكم عنه؟ فيه وجهان : أحدهما : لا ؛ لأنّ الحجّ على التراخي عندهم(٤) .

وإذا اجتمعت الشرائط ومات المطيع قبل أن يأذن ، فإن مضى وقت إمكان الحجّ ، استقرّ في ذمّته ، وإلّا فلا.

ولو كان له مَنْ يطيع ولم يعلم بطاعته ، فهو كمن له مال موروث ولم يعلم به.

ولو بذل الولد الطاعة ثم أراد الرجوع ، فإن كان بعد الإِحرام ، لم يكن له ذلك ، وإن كان قبله ، جاز له الرجوع ، وهو أظهر وجهي الشافعية(٥) .

مسألة ١٠١ : لو بذل الأجنبي الطاعة ، ففي لزوم القبول للشافعية وجهان :

أصحّهما : أنّه يلزم ؛ لحصول الاستطاعة ، كما لو كان الباذلُ الولدَ.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٥ - ٤٦ ، المجموع ٧ : ٩٥ - ٩٦.

(٢) أي : الأمر بالحج عنه.

(٣ - ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٦ ، المجموع ٧ : ٩٦.

١٣٤

والثاني : لا يلزم ؛ لأنّه يثقل استخدامه ، بخلاف الولد ؛ لأنّه [ بضعة منه ](١) .

والأخ والأب في بذل الطاعة كالأجنبي ؛ لأنّ استخدامهما ثقيل.

ولهم قول آخر : إنّ الأب كالابن ؛ لاستوائهما في وجوب النفقة(٢) .

ولو بذل الولد المال ، فالأقوى عدم وجوب القبول.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : يلزم ، كما لو بذل الطاعة.

وأصحّهما : عدمه ؛ لأنّ قبول المال يستلزم منّةً عظيمة ؛ فإنّ الإِنسان يستنكف عن الاستعانة بمال الغير ، ولا يستنكف عن الاستعانة ببدنه في الأشغال(٣) .

وبذل المال للابن كبذل الابن للأب ، أو كبذل الأجنبي؟ للشافعية وجهان(٤) .

وكلّ ما قلنا في بذل الطاعة فإنّه مفروض فيما إذا كان راكباً ، أمّا إذا بذل الابن الطاعة على أن يحجّ ماشياً ، ففي لزوم القبول للشافعية وجهان :

أحدهما : لا يلزم ، كما لا يلزم الحجّ ماشياً.

والثاني : يلزم إذا كان قويّاً ، فإنّ المشقّة لا تناله(٥) .

هذا إذا كان الباذل للطاعة مالكاً للزاد ، فإن عوّل على التكسّب في الطريق ، ففي وجوب القبول وجهان(٦) ، وهُنا عدمه أولى ؛ لأنّ المكاسب قد تنقطع في الأسفار.

____________________

(١) في النسخ الخطية والحجرية بدل ما بين المعقوفين : بعضه. وما أثبتناه من فتح العزيز.

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦ ، المجموع ٧ : ٩٧.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٧ ، المجموع ٧ : ٩٧.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٧ ، المجموع ٧ : ٩٨.

١٣٥

وإن لم يكن كسوباً وعوّل على السؤال فأولى بالمنع ؛ لأنّ السائل قد يُردّ.

ولو كان يركب مفازة لا يجدي فيها كسب ولا سؤال ، لم يجب القبول إجماعاً ؛ لأنّ التغرير بالنفس حرام.

مسألة ١٠٢ : قد بيّنّا جواز الاستئجار في الحجّ عند علمائنا ، وبه قال الشافعي ومالك(١) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يجوز الاستئجار على الحجّ ، كما في سائر العبادات ، ولكن يرزق عليه ، ولو استأجر لكان ثواب النفقة للآمر ، ويسقط عنه الخطاب بالحجّ ، ويقع الحجّ عن الحاجّ(٢) . وقد تقدّم(٣) القول فيه.

وعندنا وعند الشافعي يجوز الحجّ بالرزق ، كما يجوز الإِجارة ، بأن يقول : حجّ عنّي واُعطيك نفقتك أو كذا. ولو استأجره بالنفقة ، لم يصحّ ؛ للجهالة(٤) .

ثم الاستئجار ضربان : استئجار عين الشخص ، بأن يقول المؤجر : آجرتك نفسي لأحجّ عنك أو عن ميّتك بنفسي بكذا ، وإلزام ذمّته العمل ، بأن يستأجره ليحصّل له الحجّ إمّا بنفسه أو بغيره ، ويلزم المستأجر إيجاب ذلك في ذمّته ، ويفترقان في ما يأتي.

وكلّ واحد من ضربي الإِجارة إمّا أن يعيّن زمان العمل فيها أو لا يعيّن ، وإن عيّن فإمّا السنة الاُولى أو غيرها ، فإن عيّن السنة الاُولى ، جاز بشرط أن‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩ ، المجموع ٧ : ١٢٠ و ١٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٥٧ و ٢٥٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٧١ ، المغني ٣ : ١٨٦.

(٢) المغني ٣ : ١٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩.

(٣) تقدّم في المسألة ٥٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩.

١٣٦

يكون الخروج والحجّ فيما بقي منها مقدوراً للأجير ، فلو كان الأجير مريضاً لا يمكنه الخروج ، أو كان الطريق مخوفاً ، أو كانت المسافة بحيث لا تقطع في بقية السنة ، لم يصح العقد ؛ لأنّ المنفعة غير مقدورة.

وإن عيّنا غير السنة الاُولى ، صحّ عندنا وعند أبي حنيفة(١) ؛ للأصل والعمومات ، وسيأتي بيانه.

وقال الشافعي : لا يجوز ، كاستئجار الدار الشهر المقبل ، إلّا إذا كانت المسافة لا تقطع في سنة(٢) .

وأمّا في الإِجارة الواردة على الذمّة فيجوز تعيين السنة الاُولى وغيرها ، وهو بمثابة الدَّيْن في الذمّة قد يكون حالّاً وقد يكون مؤجّلاً.

وإن أطلقا ، فهو كما لو عيّنا السنة الاُولى ، إلّا في شي‌ء سيأتي بيانه.

ولا يقدح في الإِجارة في الذمّة كونه مريضاً ؛ لإِمكان الاستنابة ، ولا خَوف الطريق وضيق الوقت إنّ عيّنا غير السنة الاُولى.

مسألة ١٠٣ : إذا استؤجر المعيّن للحجّ في تلك السنة ، لم يجز له التأخير.

وهل تجب عليه المبادرة مع أول رفقة؟ الأقرب : عدم الوجوب. ويجوز وقوع عقد الإِجارة قبل خروج الناس ، وله انتظار الرفقة ، ولا يلزمه المبادرة وحده ، بل ولا مع أول قافلة ، وهو اختيار جماعة من الشافعية(٣) .

وقال أكثرهم : يشترط وقوع العقد في زمان خروج الناس من ذلك البلد حتى لا يصح استئجار المعيّن إلّا في وقت خروج القافلة من ذلك البلد بحيث يشتغل عقيب العقد بالخروج أو بأسبابه من شراء الزاد ونحوه ، فإن كان قبله ، لم يصح ، لأنّ إجارة الزمان المستقبل عندهم لا يجوز ، وبنوا على ذلك أنّه لو كان‌

____________________

(١) راجع : الوجيز ١ : ١١١.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩ ، المجموع ٧ : ١٢٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠ ، المجموع ٧ : ١٢٣.

١٣٧

الاستئجار بمكة لم يجز إلّا في أشهر الحج ليمكنه الاشتغال بالعمل عقيب العقد(١) .

ولو وقع العقد في وقت تراكم الثلوج والانداء ، فوجهان للشافعية :

أحدهما : الجواز ؛ لأنّ توقّع زوالها مضبوط ، وعدمه ؛ لتعذّر الاشتغال بالعمل في الحال ، بخلاف انتظار الرفقة ؛ فإنّ خروجها في الحال غير متعذّر(٢) .

هذا كلّه في إجارة العين ، أمّا الإِجارة الواردة على الذمّة فيجوز تقديمها على الخروج لا محالة عندنا وعندهم(٣) .

تذنيب : ليس للأجير في إجارة العين أن يستنيب غيره ؛ لأنّ الفعل مضاف إليه ، والأغراض تختلف باختلاف الاُجراء ، ولو قال : لتحجّ عنّي بنفسك ، فهو أوضح في المنع من الاستنابة.

وأمّا في الإِجارة على الذمّة ، فإذا قال : ألزمت ذمّتك لتحصّل لي حجّةً ، جاز أن يستنيب غيره ، ولو قال : لتحجّ بنفسك ، لم تجز الاستنابة.

وقال بعض الشافعية. تبطل لو قال : لتحجّ بنفسك ؛ لأنّ الذمّيّة مع اشتراط معين يتناقضان، فصار كما لو أسلم في ثمرة بستان بعينه(٤) . وليس بجيّد.

ولو أمره بالاستئجار ، لم يجز له المباشرة.

مسألة ١٠٤ : يجب أن تكون أعمال الحج معلومةً عند المتعاقدين وقت العقد ؛ لبطلان العقد على المجهول ، فإن علماها عند العقد ، فلا بحث ، وإن جهلاها أو أحدهما فلا بدّ من الإِعلام.

وهل يشترط تعيين الميقات الذي يحرم منه الأجير؟ الأقرب : عدمه ؛ عملاً بالأصل.

وللشافعي قولان : هذا أحدهما ، والثاني : يشترط ؛ لاختلاف‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٠ ، المجموع ٧ : ١٢٣ - ١٢٤‌

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠ ، المجموع ٧ : ١٢٤.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥٠.

١٣٨

الأغراض باختلاف المواقيت(١) .

لكن علماؤنا رووا أنه إذا أمره بالحجّ على طريق معيّن ، جاز له العدول عنه(٢) .

ولأصحابه طريقان ،أظهرهما : أنّ المسألة على قولين : أحدهما : الاشتراط ؛ لاختلاف الأغراض باختلافها(٣) ، وعدمه - وهو الأظهر عندهم - لأنّ الحمل على ميقات البلدة على العادة الغالبة.

والطريق الثاني : تنزيل القولين على حالين ، ولمن قال به طريقان :

أظهرهما : حمل القول الأول على ما إذا كان لبلدة طريق واحد وله ميقات واحد ، وحمل الثاني على ما إذا كان للبلد طريقان مختلفا الميقات ، أو كان يفضي طريقها إلى ميقاتين ، كالعقيق وذات عرق.

والثاني : حمل الأول على ما إذا كان الاستئجار لميّت ، والثاني على ما إذا استأجر الحيّ.

والفرق : أنّ الحيّ له غرض واختيار ، والميّت لا غرض له ولا اختيار ، والمقصود براءة ذمّته ، وهي تحصل بالإِحرام من أيّ ميقات كان ، فإن شرطنا تعيّن الميقات ، فسدت الإِجارة بإهماله ، لكن يقع الحجّ عن المستأجر ، لوجود الإِذن ، وتلزم اُجرة المثل(٤) .

وإذا وقعت الإِجارة للحجّ والعمرة ، فلا بدّ من بيان أنّه يُفرد أو يُقرن أو يتمتّع ؛ لاختلاف الأغراض بها.

مسألة ١٠٥ : يشترط في لزوم الإِجارة وصحتها : الإِتيان بالصيغة على الوجه المعتبر شرعاً ، فلو قال : من حجّ عنّي فله مائة ، صحّ جعالةً ، ولا تكون‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٥١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٥٩ ، المجموع ٧ : ١٢١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦١ / ١٢٧١ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ / ١٤٤٥.

(٣) أي : باختلاف المواقيت.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١ ، المجموع ٧ : ١٢١.

١٣٩

إجارةً ، ولا تلزم المائة إلّا بالعمل.

وللشافعي قولان :

أحدهما : البطلان ؛ لأنّ العامل غير معيّن ، وإنّما يحتمل ذلك عند تعذّر الإِجارة ؛ للضرورة.

والثاني : الصحة - كما قلناه - لأنّ الجعالة تصح على كلّ عمل يصح إيراد الإِجارة عليه ؛ لأنّ الجعالة جائزة مع كون العمل مجهولاً فمع العلم به تكون أولى بالجواز.

وعلى القول بفساد الجعالة لو حجّ عنه إنسان ، فالمسمّى ساقط ؛ لفساد العقد ، لكن الحج يقع عن المستأجر ، وللعامل اُجرة المثل ؛ لوجود الإِذن وإن فسد العقد.

وكذا الحكم عندهم لو قال : مَنْ خاط ثوبي فله كذا ، فخاطه إنسان.

ولهم وجه : أنّه يفسد الْإِذن ؛ لعدم تعيين المأذون له ، كما لو قال : وكّلت مَنْ أراد بيع داري ، لا يصحّ التوكيل ؛ لأنّه ليس موجّهاً نحو معيّن(١) .

مسألة ١٠٦ : إذا أعطى الإِنسان غيره حجّةً ليحجّ عنه من بلد ، فحجّ عنه من بلد آخر ، فإن لم يتعلّق غرض المستأجر بذلك ، أجزأ ؛ لأنّ سلوك الطريق غير مقصود لذاته ، وإنّما المقصود بالذات الحجّ وقد حصل.

ولما رواه حريز بن عبد الله - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أعطى رجلاً حجّةً يحجّ عنه من الكوفة ، فحجّ عنه من البصرة ، قال : « لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب على الأجير ردّ التفاوت بين الطريقين إن كان. ما سلكه أسهل ممّا استؤجر عليه ؛ لأنّ العادة قاضية بنقصان اُجرة الأسهل عن‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١ - ٥٢ ، المجموع ٧ : ١٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٧٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ / ١٤٤٥.

١٤٠