تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481
المشاهدات: 147921
تحميل: 5163


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147921 / تحميل: 5163
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-007-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وسأل علي بن جعفر أخاه الكاظمعليه‌السلام : يلبس المـُحرم الثوب المشبع بالعُصفر؟ فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس »(١) .

ويكره الثياب السود ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفّن به الميّت»(٢) .

مسألة ١٧٩ : يكره المعصفر إذا كان مشبعاً ، ولا يكره إذا لم يكن مشبعاً عند علمائنا‌ - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( ولتلبس بعد ذلك ما أحبّت من ألوان الثياب من معصفر أو خزّ )(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبان بن تغلب عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الثوب يكون مصبوغاً بالعُصفر ثم يغسل ألبسه وأنا مُحرم؟ قال : « نعم ليس العُصفر من الطيب ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك به الناس »(٥) .

وقال أبو حنيفة : العُصفر طيب تجب به الفدية على المـُحرم ، كالورس والزعفران(٦) .

وهو ممنوع ، وقد نصّ الصادقعليه‌السلام على أنّه ليس بطيب(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١٣ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٨٣ ، التهذيب ٥ : ٦٦ / ٢١٤.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١١١ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٦٦ / ١٨٢٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٢ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٨٦ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٣٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٤ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤١.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١١ ، المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣.

(٧) الكافي ٤ : ٣٤٢ / ١٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٦ / ٩٩٠ ، التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٤ ، الاستبصار =

٢٤١

مسألة ١٨٠ : يجوز الإِحرام في الممتزج من الحرير وغيره ؛ لخروجه عن اسم الابريسم بالمزج.

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن الخميصة(١) سُداها إبريسم ولُحمتها من غَزل ، قال : « لا بأس بأن يحرم فيها ، إنّما يكره الخالص منه(٢) »(٣) .

وكذا يجوز الإِحرام في ثوب قد أصابه طيب إذا غسل وذهبت رائحته - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ الرائحة المقصودة من الطيب قد زالت بالغسل أو طول المكث أو بتجديد صبغ آخر عليه فزال الترفّه.

ولأنّ الكاظمعليه‌السلام سُئل عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله واُحرم فيه؟ قال : « لا بأس به»(٥) .

وسأل إسماعيل بن الفضل الصادقَعليه‌السلام عن المـُحرم غسل الثوب قد أصابه الطيب ، فقال : « إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه »(٦) .

ولو أصاب ثوبه شي‌ء من خلوق الكعبة وزعفرانها ، لم يكن به بأس وإن لم يغسله ؛ لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقعليه‌السلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المـُحرم ، قال : « لا بأس به ولا يغسله فإنّه طهور »(٧) .

ويكره النوم على الفُرش المصبوغة ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « يكره‌

____________________

= ٢ : ١٦٥ / ٥٤١.

(١) الخميصة : كساءٌ أسودٌ مربّعٌ له علمان ، فإن لم يكن معلماً فليس بخميصة. الصحاح ٣ : ١٠٣٨ « خمص ».

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : « منها » وما أثبتناه من الكافي والتهذيب.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٥ ، وبتفاوت يسير في الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٢.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٩٩ - ١٠٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٨.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٣ / ١٩ ، التهذيب ٥ : ٦٨ - ٦٩ / ٢٢٣ بتفاوت يسير.

(٧) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٥.

٢٤٢

للمُحرم أن ينام على الفراش الأصفر والمِرفقة(١) الصفراء »(٢) .

ويكره الإِحرام في الثياب الوسخة قبل الغسل ؛ لاستحباب التنظيف ، وقد تقدّم.

وسئل أحدهماعليهما‌السلام عن الثوب الوسخ يُحرم فيه المـُحرم ، فقال : « لا ، ولا أقول : إنّه حرام ، لكن تطهيره أحبّ إليّ ، وطهره غسله »(٣) .

مسألة ١٨١ : ولا يلبس ثوباً يزرّه ولا مدرعة ولا خُفّين ولا سراويل ، كما يحرم عليه لُبس المخيط ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تلبس وأنت تريد الإِحرام ثوباً تزرّه ولا مدرعة ، ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار ، ولا الخُفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان »(٤) .

ولا بأس بلُبس الطيلسان ، ولا يزرّه على نفسه ؛ لأنّه بمنزلة الرداء ، وإنّما لا يزرّه ؛ لأنّه حينئذٍ يتنزّل منزلة المخيط ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في المـُحرم يلبس الطيلسان المزرور ، قال : « نعم في كتاب عليعليه‌السلام : ولا تلبس طيلساناً حتى تحلّ أزراره » وقال : « إنّما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه ، فأمّا الفقيه فلا بأس بلُبسه »(٥) .

وأمّا السراويل فهي مخيطة يحرم لُبسها على المـُحرم إلّا أن لا يجد إزاراً ، فيجوز له لُبسها ، ولا فدية عليه - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لما رواه العامة‌

____________________

(١) المرفقة : أي المخدّة. مجمع البحرين ٥ : ١٧٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢١.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٦٩ - ٧٠ / ٢٢٧ بتفاوت يسير.

(٥) الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٥.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ و ٢٥٩ و ٢٦٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٢ - ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١.

٢٤٣

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( إذا لم يجد المـُحرم نعلين لبس خُفّين ، وإذا لم يجد إزاراً لبس سراويل )(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار »(٢) .

وقال أبو حنيفة ومالك : إذا لبس السراويل ، وجب عليه الفدية ؛ لأنّ ما وجب بلبسه الفدية مع وجود الإِزار وجب للُبسه الفدية مع عدمه كالقميص(٣) .

والفرق : أنّ القميص يمكنه أن يستر به عورته ولا يلبسه وإنّما يأتزر به ، وهذا يجب عليه لُبسه ليستر عورته ، ولا يمكنه ستر عورته إلّا بلبسه على صفته.

مسألة ١٨٢ : ويحرم عليه لُبس القباء بالإِجماع ؛ لأنّه مخيط ، فإن لم يجد ثوباً ، جاز له أن يلبس القباء مقلوباً ، ولا يُدخل يديه في يدي القباء ، ولا فدية عليه حينئذٍ - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّه لو توشّح بالقميص لم تجب الفدية فكذا القباء.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا اضطرّ المـُحرم إلى القباء ولم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً ، ولا يُدخل يديه في يدي القباء »(٥) .

وقال الشافعي ومالك وأحمد : يجب الفداء ؛ لأنّه مُحرم لبس مخيطا على العادة في لبسه ، فوجبت عليه الفدية(٦) .

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٥٠ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٢٨ / ٥٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٩ - ٧٠ / ٢٢٧.

(٣) المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥.

(٤) المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٢٨.

(٦) الوجيز ١ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥ ، =

٢٤٤

ونمنع لُبسه على العادة.

ولو أدخل كتفيه في القباء ولم يُدخل يديه في كُمّيه ولم يلبسه مقلوباً ، كان عليه الفداء - وبه قال الشافعي(١) - لعموم ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قولهعليه‌السلام : ( لا يلبس المـُحرم القميص ولا الأقبية )(٢) خرج منه ما لو لبسه مقلوباً ؛ للضرورة ، وعملاً بما تقدّم ، فيبقى الباقي على المنع.

وقال أبو حنيفة : لا شي‌ء عليه(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : متى توشّح به كالرداء لا شي‌ء عليه بلا خلاف(٤) .

قال ابن إدريس : ليس المراد من القلب جعل ظاهره إلى باطنه وبالعكس ، بل المراد منه النكس بأن يجعل ذيله فوق أكتافه(٥) .

وهو حسن ؛ لما روي عن الصادقعليه‌السلام : « من اضطرّ إلى ثوب وهو مُحْرم وليس معه إلّا قباء فلينكّسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه »(٦) .

مسألة ١٨٣ : يجوز للمُحْرم أن يلبس النعلين ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ للضرورة الداعية إليه.

ولو لم يجد النعلين ، لبس الخُفّين ، ويقطعهما إلى ظاهر القدم ، كالشمشكين ، ولا يجوز له لُبْسهما قبل القطع - وبه قال الشافعي ومالك وأبو‌

____________________

= المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧.

(١) كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩.

(٢) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٨ ذيل المسألة ٧٩ ، وانظر : سنن الدار قطني ٢ : ٢٣٢ / ٦٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ٥٠.

(٣) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩.

(٤) الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩.

(٥) السرائر : ١٢٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٧ / ٥.

٢٤٥

حنيفة(١) - لما رواه العامّة عن النبيعليه‌السلام : ( فإن لم يجد نعلين فليلبس خُفّين ، وليقطعهما حتى يكونا الى الكعبين )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام في المـُحْرم يلبس الخُفّ إذا لم يكن له نعل ، قال : « نعم ولكن يشقّ ظهر القدم »(٣) .

وقال بعض أصحابنا : يلبسهما صحيحين(٤) - وبه قال أحمد وعطاء بن أبي رباح - لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( السراويل لمن لا يجد إزاراً ، والخُفّ لمن لا يجد نعلين )(٥) (٦) .

ولأنّ فاقد الإِزار يلبس السراويل من غير فتق فكذا الخُفّ.

ولا منافاة في الحديث لقولنا ، واللُّبْس مع الفتق غير ممكن في السراويل.

ويجوز أيضاً أن يلبس الجُرْمُوقين إذا لم يجد النعلين ؛ لقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله رفاعة عن المـُحْرم يلبس الجوربين ، قال : « نعم والخفّين إذا اضطرّ إليهما »(٧) .

ولو وجد النعلين ، لم يجز له لُبس الخُفّين المقطوعين ولا الجُرْمُوقين ولا الشمشكين ؛ لأنّهعليه‌السلام شرط في لُبْسهما عدم وجدان النعلين.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٩٧ ، المجموع ٧ : ٢٦١ و ٢٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، المغني ٣ : ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٢.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٦٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٨ / ٢٩٣٢ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٢٩ / ٥٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٦ ذيل الحديث ٨٣٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٧.

(٤) قال به ابن إدريس في السرائر : ١٢٧.

(٥) سنن النسائي ٥ : ١٣٢ - ١٣٣ وفيه : ( الخُفّين ).

(٦) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٦.

(٧) الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٦.

٢٤٦

وقال بعض الشافعية : يجوز(١) . وهو غلط.

وكذا لا يجوز له لُبْس القباء مقلوباً مع وجود الإِزار.

ولو لم يجد رداءً ، لم يجز له لُبْس القميص.

ولو عدم الإِزار ، جاز له التوشّح بالقميص وبالقباء المقلوب ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكّسه »(٢) .

مسألة ١٨٤ : يجوز أن يلبس المـُحْرم أكثر من ثوبين يتّقي بذلك الحَرّ أو البرد ، وأن يُغيّرهما ، لأنّ الحلبي سأل الصادقعليه‌السلام عن الثوبين يرتدي بهما ، قال : « نعم والثلاثة يتّقي بها الحَرَّ والبرد» وسأله عن المـُحْرم يُحوّل ثيابه ، قال : « نعم » وسأله : يغسلها إن أصابها شي‌ء ، قال : « نعم إذا احتلم فيها فليغسلها »(٣) .

ويكره للمُحْرم أن يغسل ثوبي إحرامه إلّا إذا أصابهما نجاسة ؛ لقول أحدهماعليهما‌السلام : « لا يغسل الرجل ثوبه الذي يُحْرم فيه حتى يحلّ وإن توسّخ ، إلّا أن تصيبه جنابة أو شي‌ء فيغسله »(٤) .

إذا ثبت هذا ، فقد بيّنّا أنّه يجوز له تبديل ثيابه ، لكن يستحب له أن يطوف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما ؛ لأنّهما وقعت ابتداء العبادة فيهما فيستحب استدامتها فيهما.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بأن يُغيّر المـُحْرم ثيابه ولكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما ، وكره أن يبيعهما »(٥) .

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، المغني ٣ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٢٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٣٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٨٠ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٢١٨ / ١٠٠٠ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٣.

٢٤٧

مسألة ١٨٥ : يجوز الإِحرام في الثياب المعلمة ، واجتنابه أفضل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يُحْرم الرجل في الثوب المعلم ، ويدعه أحبّ إليَّ إذا قدر على غيره »(١) .

ويكره بيع الثوب الذي أحرم فيه ؛ لقول معاوية بن عمّار - في الصحيح - : كان الصادقعليه‌السلام يكره للمُحْرم أن يبيع ثوباً أحرم فيه(٢) .

ولو أحرم وعليه قميص ، نزعه ولا يشقّه ، وهو قول أكثر العلماء(٣) ؛ لما روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أتاه رجل فقال : يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جُبّة بعد ما تضمّخ بطيب؟ فنظر إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ساعة ثم سكت فجاءه الوحي ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أمّا الطيب الذي بك فاغسله ، وأمّا الجبّة فانزعها ثم أصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك )(٤) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام في رجل أحرم وعليه قميصه ، فقال : « ينزعه(٥) ولا يشقّه ، وإن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه وأخرجه ممّا يلي رجليه »(٦) .

قال الشيخرحمه‌الله : إذا لبسه بعد ما أحرم ، وجب عليه أن يشقّه ، ويُخْرجه من قدميه ؛ للرواية السابقة وغيرها(٧) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١٦ / ٩٨٦ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٢ / ٢٣٦ ، وفيه مضمراً.

(٣) المغني ٣ : ٢٦٧ ، معالم السنن - للخطّابي - ٢ : ٣٤٣.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٧ / ٨.

(٥) في النسخ الخطّية والحجرية : « يدعه » وما أثبتناه هو الموافق للمصدر.

(٦) التهذيب ٥ : ٧٢ / ٢٣٨.

(٧) التهذيب ٥ : ٧٢ ذيل الحديث ٢٣٦.

٢٤٨

النظر الثالث : في التلبيات‌

مسألة ١٨٦ : التلبيات الأربع واجبة وشرط في إحرام المتمتّع والمـُفْرِد ، فلا ينعقد إحرامهما إلّا بها ، والأخرس يُشير بها ويعقد قلبه بها ، وأمّا القارن : فإنّه ينعقد إحرامه بها أو الإِشعار أو التقليد لما يسوقه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(١) ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) (٢) .

قال ابن عباس : الإِهلال(٣) .

وعن عطاء وطاوس وعكرمة : هو التلبية(٤) .

وما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( أتاني جبرئيل فأمرني أن آمر أصحابي أو مَنْ معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإِهلال )(٥) وظاهر الأمر الوجوب.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقُمْ وامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشياً كُنْتَ أو راكباً فلَبِّ »(٦) الحديث.

وقال أصحاب مالك : إنّها واجبة يجب بتركها الدم(٧) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٦١ ، تحفة الفقهاء ١ : ٤٠٠ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٠٢ ، المجموع ٧ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٧.

(٢) البقرة : ١٩٧.

(٣ و ٤ ) المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ - ٢٦٥.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ١٩١ - ١٩٢ / ٨٢٩ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٠٦ / ٧٩٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٩١ / ٣٠٠.

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٠٧ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤.

٢٤٩

وقال الشافعي : إنّها مستحبّة ليست واجبةً ، وينعقد الإِحرام بالنيّة ، ولا حاجة الى التلبية - وبه قال أحمد والحسن بن صالح بن حي - لأنّ التلبية ذكر ، فلا يجب في الحجّ ، كسائر الأذكار(١) .

وليس بجيّد ، لما يأتي من بيان الوجوب.

مسألة ١٨٧ : والتلبيات الأربع هي الواجبة ؛ للإِجماع على عدم وجوب الزائد عليها ؛ لما رواه الشافعي عن الصادقعليه‌السلام عن الباقرعليه‌السلام عن جابر ، قال : تلبية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لبّيك اللّهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك(٢) .

وقالعليه‌السلام : ( خُذُوا عنّي مناسككم )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « فإذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقُمْ وامش هنيئة فاذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ ، والتلبية أن تقول : لبّيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك لبّيك ذا المعارج لبّيك لبّيك داعياً الى دار السلام ، لبّيك لبّيك غفّار الذنوب ، لبّيك لبّيك أهل التلبية ، لبّيك لبّيك ذا الجلال والإِكرام ، لبّيك لبّيك تبدئ والمعاد إليك ، لبّيك لبّيك تستغني ويفتقر إليك ، لبّيك لبّيك مرهوبا ومرغوبا إليك ، لبّيك لبّيك إله الخلق ، لبّيك لبّيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل ، لبّيك لبّيك كشّاف الكروب ، لبّيك لبّيك عبدك وابن عبديك ، لبّيك لبّيك يا كريم لبّيك ».

____________________

(١) المجموع ٧ : ٢٢٥ و ٢٤٥ و ٢٤٦ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤.

(٢) الاُم ٢ : ١٥٥ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٠٤ / ٧٩٠.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

٢٥٠

« تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك ، وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت واجهر بها ، وإن تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير أنّ تمامها أفضل ».

« واعلم أنّه لا بدّ لك من التلبيات الأربع التي كُنّ في أول الكلام هي الفريضة ، وهي التوحيد، وبها لبّى المرسلون ، وأكثر من ذي المعارج فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يكثر منها ، وأوّل مَنْ لبّى إبراهيمعليه‌السلام ، قال : إن الله يدعوكم الى أن تحجّوا بيته ، فأجابوه بالتلبية ، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلّا أجاب بالتلبية »(١) .

ولأنّها عبادة لها تحليل وتحريم ، فكان فيها نطق واجب ، كالصلاة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الزائد على الأربع مستحب - وبه قال أصحاب أبي حنيفة(٢) - لما تقدّم.

وقال الشافعي : إنّه غير مستحب. وبه قال أحمد(٣) - وقال بعضهم : إنّ الزائد مكروه(٤) - لما رواه الشافعي عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام عن جابر - وقد تقدّم(٥) - وما داوم عليه النبيعليه‌السلام أولى.

ونحن نقول : إنّما فَعَلهعليه‌السلام بياناً للواجب ، فلهذا لم يزد.

ويستحب الإِكثار من ذكر « ذي المعارج ».

مسألة ١٨٨ : يستحب رفع الصوت بالتلبية - وهو قول العلماء‌ - لأنّ « جبرئيل قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مُرْ أصحابك بالعجّ والثجّ ، والعجّ :

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٩١ - ٩٢ / ٣٠٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٦٣.

(٣) الأم ٢ : ٢٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٣ ، المغني ٣ : ٢٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤.

(٤) انظر : المجموع ٧ : ٢٤٥.

(٥) تقدّم في صفحة ٢٤٩.

٢٥١

رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ : نحر البُدْن »(١) والأمر هنا ليس للوجوب ؛ لأصالة براءة الذمّة.

ويستحب الجهر بها كلّما ركب أو هبط وادياً أو علا أكمةً(٢) ، وبالأسحار ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « واجهر بها كلّما ركبت وكلّما نزلت وكلّما هبطت وادياً أو علوت أكمةً أو لقيت راكباً ، وبالأسحار »(٣) .

وقال الباقر والصادقعليهما‌السلام : « قال جابر بن عبد الله : ما مشى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الروحاء(٤) حتى بُحّت أصواتنا »(٥) .

ولأنّه من شعائر العبادة ، فأشبه الأذان ، ولاشتمال الإِجهار على تنبيه الغافلين.

وليس على النساء إجهار بالتلبية ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على النساء جهر بالتلبية»(٦) .

والأخرس يُشير إلى التلبية بإصبعه وتحريك لسانه وعقد قلبه بها ؛ لقول عليعليه‌السلام : « تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه »(٧) .

ولا يجوز التلبية إلّا بالعربية مع القدرة - خلافاً لأبي حنيفة(٨) - لأنّه المأمور به ، ولأنّه ذكر مشروع ، فلا يجوز بغير العربية ، كالأذان.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٠ / ٩٦٠ ، التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠٢.

(٢) الأكمة : تلّ صغير. مجمع البحرين ٦ : ٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠١.

(٤) الروحاء : موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلاً من المدينة. القاموس المحيط ١ : ٢٢٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠٢.

(٦) الكافي ٤ : ٣٣٦ - ٣٣٧ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٤.

(٧) الكافي ٤ : ٣٣٥ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٥.

(٨) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١.

٢٥٢

احتجّ : بالقياس على التكبير(١) .

ونمنع الأصل.

مسألة ١٨٩ : لا يشترط في التلبية الطهارة من الحدثين إجماعاً ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام قال لعائشة حين حاضت : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت )(٢) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن تلبّي وأنت على غير طهور وعلى كلّ حال »(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « لا بأس أن يلبّي الجنب »(٤) .

مسألة ١٩٠ : يستحب أن يذكر في تلبيته ما يُحْرم به من حجّ أو عمرة‌ - وبه قال أحمد(٥) - لما رواه العامة في حديث أنس ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( لبّيك عمرةً وحجّاً )(٦) .

وقال ابن عباس : قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه وهُمْ يُلبّون بالحجّ(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في التلبية : « لبّيك‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٩٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٩٠ / ١٠٠٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٦ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢١٠ / ٩٦٢ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١١ / ٩٦٣.

(٥) المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٠٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، و ٩١٥ / ٢١٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٧ / ١٧٩٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٧) سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٦٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

٢٥٣

بحجّة تمامها عليك »(١) .

وقال الشافعي : لا يستحب(٢) ؛ لما رواه جابر قال : ما سمّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلبيته حجّاً ولا عمرةً(٣) .

وسمع ابن عمر رجلاً يقول : لبّيك بعمرة ، فضرب صدره وقال : تعلمه ما في نفسك(٤) .

وحديَث جابر معارض بما رواه العامّة عنه قال : كنّا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن نقول : لبّيك بالحجّ(٥) . وبغيره من الروايات.

وقول ابن عمر ليس حجّةً ، خصوصاً مع معارضته لأحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إذا عرفت هذا ، فيستحب أن يذكر في تلبيته الحجّ والعمرة معاً ، فإن لم يمكنه ؛ للتقية أو غيرها ، اقتصر على ذكر الحجّ ، فإذا دخل مكة ، طاف وسعى وقصّر ، وجعلها عمرةً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام عن رجل لبّى بالحجّ مُفرداً ثم دخل مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : « فليحلّ ، وليجعلها متعةً ، إلّا أن يكون ساق الهدي ، فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه »(٦) .

مسألة ١٩١ : يستحب تكرار التلبية والإِكثار منها على كلّ حال عند الإِشراف والهبوط وأدبار الصلوات وتجدّد الأحوال واصطدام الرفاق والأسحار‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠١.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ٢٢٧ ، المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٣ و ٤) سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٦ / ١٢١٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ - ٢٦٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦ وفيها : قدمنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

(٦) التهذيب ٥ : ٨٩ / ٢٩٣ ، الاستبصار ٢ : ١٧٤ / ٥٧٥.

٢٥٤

بإجماع العلماء ، إلّا مالكاً ، فإنّه قال : لا يلبّي عند اصطدام الرفاق(١) .

والحقّ ما قلناه ؛ لما روى العامة عن جابر : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يلبّي في حجّه إذا لقي راكباً أو علا أكَمَةً أو هبط وادياً وفي أدبار الصلوات المكتوبة ومن آخر الليل(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام وقد ذكر التلبيات : « تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة وحين ينهض بك بعيرك وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك وبالأسحار »(٣) .

مسألة ١٩٢ : يقطع المتمتّع التلبية إذا شاهد بيوت مكة ؛ لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المتمتّع إذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية »(٤) .

وأمّا المـُفْرد والقارن فإنّهما يقطعان التلبية يوم عرفة عند الزوال ؛ لرواية معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا دخلت مكة(٥) وأنت متمتّع فنظرت الى بيوت مكة [ فاقطع التلبية ، وحدّ بيوت مكة ](٦) التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدنيين فاقطع التلبية ، وعليك بالتكبير والتهليل والثناء على الله ما استطعت ، وإن كنت قارناً(٧) بالحجّ فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة الى زوال الشمس ، وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم »(٨) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٧.

(٢) أورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب ١ : ٢١٣ ، والرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٦٠ ، وابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٦١ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٥ - ٣٣٦ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩١ / ٣٠٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٩ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣٠٧ ، الاستبصار ٢ : ١٧٦ / ٥٨١.

(٥) في النسخ الخطية والحجرية : بيوت مكة وما أثبتناه موافق للمصدر.

(٦) أضفناها من المصدر.

(٧) في النسخ الخطية والحجرية : مقرناً. وما أثبتناه هو الموافق للمصدر.

(٨) التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣٠٩.

٢٥٥

قال الشيخرحمه‌الله : المعتمر عمرة مفردة إن كان أحرم من خارج مكة ، قَطَع التلبية إذا دخل الحرم ، وإن كان ممّن خرج من مكة للإِحرام ، قَطَعها إذا شاهد الكعبة(١) .

وقيل بالتخيير بينها من غير تفصيل(٢) .

قال الصادقعليه‌السلام : « مَنْ دَخَل مكة مفرداً للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإِبل أخفافها في الحرم »(٣) .

وسأل يونس بن يعقوب الصادقعليه‌السلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟ قال : « إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية »(٤) .

وروى عمر بن يزيد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ومن خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة »(٥) .

مسألة ١٩٣ : يستحب لمن حجّ على طريق المدينة أن يرفع صوته بالتلبية‌ إذا علت راحلته البيداء إن كان راكباً ، وإن كان ماشياً فحيث يُحْرم ، وإن كان على غير طريق المدينة ، لبّى من موضعه إن شاء ، وإن مشى خطوات ثم لبّى ، كان أفضل ، وبه قال مالك(٦) .

وللشافعي قولان :

قال في القديم : يستحب(٧) أن يُهلّ خلف الصلاة نافلةً كانت أو فريضةً. وبه قال أبو حنيفة وأحمد.

____________________

(١) النهاية : ٢١٦ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣١٧.

(٢) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٤٨ ، وراجع : الفقيه ٢ : ٢٧٧ ذيل الحديث ١٣٥٦.

(٣) الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٦ ، التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٣ ، وليس فيه « مكة ».

(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٧ / ١٣٥٤ ، التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٤ ، الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٧.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧٦ - ٢٧٧ / ١٣٥٠ ، التهذيب ٥ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٥ ، الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٨.

(٦) انظر : المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦١ ، والمجموع ٧ : ٢٢٣.

(٧) في « ن » : المستحب.

٢٥٦

والجديد : أن يلبّي إذا انبعثت به راحلته إن كان راكباً ، وإذا أخذ في السير إن كان راجلاً(١) .

لنا : ما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : اغتسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم لبس ثيابه ، فلمـّا أتى ذا الحليفة صلّى ركعتين ثم قعد على بعيره ، فلمـّا استوى به على البيداء أحرم بالحجّ(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يلبّي حتى يأتي(٣) البيداء »(٤) .

وأما التفصيل : فيدلّ عليه قول الصادقعليه‌السلام : « إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فالمراد استحباب الإِجهار بالتلبية عند البيداء ، وبينها وبين ذي الحليفة ميل ، ولا يجوز مجاوزة الميقات بغير إحرام ، وإنّما ينعقد الإِحرام بالتلبية ، فيجب إيقاعها في ذي الحليفة ، ويستحب الإِجهار بها بالبيداء.

مسألة ١٩٤ : لا يلبّي في مسجد عرفة - وبه قال مالك(٦) - لما بيّنّاه من أنّ التلبية تُقطع يوم عرفة قبل الزوال.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٢٥٨ - ٢٥٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨١ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٧ ، المغني ٣ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٥.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٢١٩ - ٢٢٠ / ٢١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : لم يكن يكبّر حتى أتى. وما أثبتناه هو الموافق للمصدر.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٤ / ٢٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٧٠ / ٥٦١.

(٥) التهذيب ٥ : ٨٥ / ٢٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٧٠ - ١٧١ / ٥٦٣.

(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٢ ، المسألة ٧٠ ، وانظر : المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦٤.

٢٥٧

وقال الشافعي : إنّه مستحب(١) .

وليس بمعتمد.

وكذا لا يلبّي في حال الطواف - وبه قال الشافعي وسالم بن عبد الله وابن عيينة(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عمر قال : لا يلبّي الطائف(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلّوا ، وإذا لبّوا أحرموا ، فلا يزال يحلّ ويعقد حتى يخرج إلى منى بلا حجّ ولا عمرة »(٤) .

ولأنّا بيّنّا أنّ المتمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة.

مسألة ١٩٥ : قد بيّنّا أنّ الإِحرام إنّما ينعقد بالتلبيات الأربع في حقّ المتمتّع والمـُفْرد ، وأمّا القارن فإنّه يتخيّر بين أن يعقد إحرامه بالتلبيات الأربع أو بالإِشعار أو التقليد أيّها فَعَل انعقد إحرامه به ، وكان الباقي مستحباً.

والإِشعار : أن يشقّ سنام البعير من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بالدم ليعلم أنّه صدقة ، وهو مختص بالإِبل.

والتقليد : أن يجعل في رقبة الهدي نعلا قد صلّى فيه ، أو يجعل في رقبة الهدي خيطا أو سيراً وما أشبههما ليعلم أنّه صدقة ، وهو مشترك بين الأنعام الثلاثة.

وهذا هو المشهور ، ذهب اليه الشيخ(٥) رحمه‌الله وأتباعه(٦) .

____________________

(١) الوجيز ١ : ١١٧ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٠ - ٢٦١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٣ ، المجموع ٧ : ٢٤٥ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٢ ، المسألة ٧٠.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٣ ، المجموع ٧ : ٢٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨١ ، المغني ٣ : ٢٦٤. الشرح الكبير ٣ : ٢٦٨.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٦٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١ - ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ١٥٦ / ٥١١.

(٥) النهاية : ٢١٤.

(٦) منهم : القاضي ابن البراج في المهذّب ١ : ٢١٤ - ٢١٥.

٢٥٨

وقال السيد المرتضى وابن إدريس من علمائنا : لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلّا بالتلبية(١) .

والوجه : ما قاله الشيخ ؛ لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال: « يوجب الإِحرام ثلاثة أشياء : التلبية والإِشعار والتقليد ، فإذا فَعَل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فينبغي أن تُشعر البُدْن وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن ، وتُنحر - وهي قائمة - من قِبَل الأيمن ؛ لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادقعليه‌السلام عن البدن كيف تشعر؟ فقال : «تُشعر وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن ، وتُنحر - وهي قائمة - من قِبَل الأيمن »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو كانت البُدْن كثيرةً وأراد إشعارها ، دخل بين كلّ بدنتين ، وأشعر إحداهما من الجانب الأيمن والاُخرى من الأيسر ، للرواية عن الصادقعليه‌السلام (٤) ، وللتخفيف.

مسألة ١٩٦ : إذا عقد نيّة الإِحرام ولبس ثوبيه ثم لم يلبّ ولم يشعر ولم يقلّد ، جاز له أن يفعل ما يحرم على المـُحْرم فعله ، ولا كفّارة عليه ، فإن لبّى أو أشعر أو قلّد إن كان قارناً ، حرم عليه ذلك ، ووجبت عليه الكفّارة بفعله ؛ لأنّ الإِحرام إنّما ينعقد بأحد الثلاثة ، فإذا لم يفعلها لم يكن محرماً ، لأنّ حفص بن البختري سأل الصادقعليه‌السلام عمّن عقد الإِحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبّي ، قال : « ليس عليه شي‌ء »(٥) .

مسألة ١٩٧ : يستحب لمن أراد الإِحرام أن يشترط على ربّه‌ عند عقد‌

____________________

(١) الانتصار : ١٠٢ ، السرائر ١٢٤ - ١٢٥‌

(٢) التهذيب ٥ : ٤٣ - ٤٤ / ١٢٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣ / ١٢٨‌

(٥) الفقيه ٢ : ٢٠٨ / ٩٤٦.

٢٥٩

الإحرام : إن لم تكن حجّةً فعمرة ، وأن يُحلّه حيث حبسه ، سواء كان حجّه تمتّعاً أو قراناً أو إفراداً ، وكذا في إحرام العمرة - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر بن الخطّاب وابن مسعود وعمّار وعلقمة وشريح وسعيد بن المسيّب وعكرمة والشافعي وأبو حنيفة وأحمد(١) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّ ضُباعة أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : يا رسول الله إنّي اُريد الحجّ فكيف أقول؟ قال : ( قُولي : لبّيك اللّهم لبّيك ومحلّي من الأرض حيث تحبسني ، فإنّ لك على ربّك ما استثنيت )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أردت الإِحرام والتمتّع فقُلْ : اللّهم إنّي اُريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة الى الحجّ ، فيسِّر لي ذلك وتقبّله منّي وأعنّي عليه وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب ، وإن شئت قلت حين ينهض بك بعيرك ، وإن شئت فأخّره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة »(٣) .

وعن الفضيل بن يسار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربّه أن يُحلّه حيث حبسه ، ومُفرد الحج يشترط على ربّه إن لم تكن حجّةً فعمرة »(٤) .

وأنكره [ ابن ](٥) عمر وطاوس وسعيد بن جبير والزهري ومالك ؛ لأنّ ابن‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٤٨ - ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٣ ، المحلّى ٧ : ١١٤.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٢٧٨ / ٩٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥١ - ١٥٢ / ١٧٧٦ ، سنن النسائي ٥ : ١٦٨ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٤٩ - ٢٥٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٣٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٩ / ٢٦٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٥ / ١٥ ، التهذيب ٥ : ٨١ - ٨٢ / ٢٧١.

(٥) اضفناها من المصادر ولاقتضاء السياق ، ولكن قال البيهقي في سننه الكبرى ٥ : ٢٢٣ : وعندي أنّ أبا عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب لو بلغه حديث ضباعة بنت الزبير لصار إليه ولم ينكر الاشتراط كما لم ينكره أبوه.

٢٦٠