تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481
المشاهدات: 147542
تحميل: 5155


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147542 / تحميل: 5155
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-007-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عمر كان يُنكر الاشتراط ويقول : حَسْبُكم سنّة نبيّكم(١) .

ولأنّها عبادة تجب بأصل الشرع ، فلم يفد الاشتراط فيها ، كالصوم والصلاة(٢) .

وقول ابن عمر ليس بحجّة ، خصوصاً مع معارضته لقول النبي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

والقياس ممنوع ؛ للفرق.

إذا عرفت هذا ، فالاشتراط لا يفيد سقوط فرض الحجّ في القابل لو فاته الحجّ ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يشترط في الحجّ أن حلّني حيث حبستني ، أعليه الحجّ من قابل؟ قال : « نعم »(٣) .

ولو كان الحجّ تطوّعاً ، سقط عنه الحجّ من قابل.

وإنّما يفيد الاشتراط جواز التحلّل عند الإِحصار.

وقيل : يتحلّل من غير اشتراط - وهو اختيار أبي حنيفة في المريض(٤) .

وقال الزهري ومالك وابن عمر : الشرط لا يفيد شيئاً ، ولا يتعلّق به التحليل(٥) - لأنّ حمزة بن حمران سأل الصادقعليه‌السلام عن الذي يقول : حلّني حيث حبستني ، فقال : « هو حلّ حيث حبسه الله تعالى ، قال أو لم يقل ، ولا يُسقط‌

____________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٢٧٩ / ٩٤٢ ، سنن النسائي ٥ : ١٦٩ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٣٤ / ٨٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٢٣.

(٢) المغني ٣ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨ ، المحلّى ٧ : ١١٤ - ١١٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٥.

(٣) الاستبصار ٢ : ١٦٨ - ١٦٩ / ٥٥٦ ، والتهذيب ٥ : ٨٠ - ٨١ / ٢٦٨.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٧ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٨ : ٨ - ٩ ، المغني ٣ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٣٠ ، المسألة ٣٢٣.

(٥) حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٣٠ ، المسألة ٣٢٣.

٢٦١

الاشتراط عنه الحجّ من قابل »(١) .

والوجه : الأول ؛ تحصيلاً لفائدة الاشتراط الثابت بالشرع.

فروع :

أ - لو اشترط في إحرامه أن يُحلّه حيث حبسه ، قال السيد المرتضى : يسقط دم الإِحصار عند التحلّل(٢) - وبه قال أبو حنيفة(٣) - ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب : ( حجّي واشترطي وقولي : اللّهم محلّي حيث حبستني )(٤) ولا فائدة لهذا الشرط إلّا التأثير فيما قلناه.

وقال الشيخرحمه‌الله : لا يسقط - وللشافعي قولان(٥) - لعموم قوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٦) (٧) وفيه قوّة.

ب - لا بُدّ أن يكون للشرط فائدة‌ - قاله الشيخ(٨) - مثل أن يقول : إن مرضتُ أو فنيت نفقتي أو فاتني الوقت أو ضاق عليّ أو منعني عدوّ أو غيره ، فأمّا أن يقول : أن تُحلّني حيث شئت ، فليس له ذلك.

ج - قال الشيخرحمه‌الله : لا يجوز للمشترط أن يتحلّل إلّا مع نيّة التحلّل والهدي معاً - وللشافعي فيهما قولان(٩) - لعموم الأمر بالهدي(١٠) ،

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٣٠٦ / ١٥١٦.

(٢) الانتصار : ١٠٤ - ١٠٥.

(٣) المغني ٣ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨‌

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٦٧ - ٨٦٨ / ١٢٠٧ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢١٩ / ١٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٢١.

(٥) الوجيز ١ : ١٣٠ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ - ٣٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٢.

(٦) البقرة : ١٩٦.

(٧ و ٨ ) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٤.

(٩) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٣١ ، المسألة ٣٢٤ ، وراجع : الحاوي الكبير ٤ : ٣٦٠ - ٣٦١.

(١٠) البقرة : ١٩٦.

٢٦٢

وللاحتياط(١) .

مسألة ١٩٨ : يستحب أن يأتي بالتلبية نسقاً لا يتخلّلها كلام ، فإن سُلّم عليه ردّ في أثنائها؛ لأنّ ردّ السلام واجب.

ويستحب إذا فرغ من التلبية أن يصلّي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقوله تعالى :( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) (٢) .

قيل في التفسير : لا اُذكر إلّا وتُذكر معي(٣) .

ولأنّ كلّ موضع شُرّع فيه ذكر الله تعالى شُرّع فيه ذكر نبيهعليه‌السلام ، كالصلاة والأذان.

ويجزئ من التلبية في دبر كلّ صلاة مرّة واحدة ؛ لإِطلاق الأمر بها ، وبالواحدة يحصل الامتثال ، ولو زاد ، كان فيه فضل كثير ؛ لقولهمعليهم‌السلام : « وأكثر من ذكر ذي المعارج »(٤) .

ولا أعرف لأصحابنا قولاً في أنّ الحلال يلبّي في غير دعاء الصلاة ، لكن تلك التلبية غير هذه.

واستحسن الحسن البصري هذه التلبيات للحلال ، وكذا النخعي وعطاء ابن السائب والشافعي وأبو ثور وأحمد وابن المنذر وأصحاب الرأي(٥) . وكرهه مالك(٦) . والأصل عدم مشروعيته.

ويكره للمُحْرم إجابة مَنْ يناديه بالتلبية ، بل يقول له : يا سعد ؛ للرواية(٧) .

____________________

(١) الخلاف ٢ : ٤٣١ ، المسألة ٣٢٤.

(٢) الشرح : ٤.

(٣) جامع البيان ٣٠ : ١٥٠ ، الرسالة - للشافعي - : ١٦ / ٣٧ ، التبيان ١٠ : ٣٧٣ ، مجمع البيان ٥ : ٥٠٨ ، ونقله أيضاً ابن قدامة في المغني ٣ : ٢٦٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٦ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠٠.

(٥ و ٦) المغني ٣ : ٢٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٨.

(٧) الفقيه ٢ : ٢١١ / ٩٦٥.

٢٦٣

وإذا قال : لبّيك إنّ الحمد ، كَسَر الألف ، ويجوز فتحها.

قال ثعلب : مَنْ فَتَحها فقد خصّ ومَنْ كَسَرها فقد عمّ ، ومعناه أنّ مَن كَسَر جَعَل الحمد لله على كلّ حال ، ومَنْ فَتَح فمعناه السببية ، أي : لبّيك لهذا السبب ، أي : للحمد(١) .

المطلب الثالث : في تروك الإِحرام‌

وهي قسمان : محرّمات ومكروهات ، فالمحرمات عشرون شيئاً ، والمكروهات عشرة يأتي تفاصيلها في مباحث :

البحث الأول : يحرم صيد البرّ في الحلّ والحرم‌

وكذا يحرم على المُحلّ صيد الحرم بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى :( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (٢) .

وقال تعالى( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) (٣) .

وروى العامّة عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح مكة : ( إنّ هذا البلد حرام حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة ، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة لا يُختلى خلاها(٤) ولا يُعضد(٥) شوكها ولا يُنفَّر صيدها ولا تُلتقط لُقطتها إلّا مَنْ عرَّفها ) فقال العباس : يا رسول الله إلّا الإِذخر(٦) فإنّه لِقَيْنِهم(٧) وبيوتهم ، فقال رسول الله‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ ، المجموع ٧ : ٢٤٤ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ١٩٨.

(٢) المائدة : ٩٦.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) الخلى مقصوراً : الرطب من الحشيش. الصحاح ٦ : ٢٣٣١ « خلا ».

(٥) العضد : القطع. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٥١‌

(٦) الإِذخر : حشيش طيب الريح ، وهي شجرة صغيرة. لسان العرب ٤ : ٣٠٣ « ذخر ».

(٧) القَيْن : الحدّاد والصائغ. النهاية - لابن الأثير - ٤ : ١٣٥.

٢٦٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إلّا الإِذخر )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « واجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه ولا تأكل ما صاده غيرك ولا تُشر اليه فيصيده »(٢) .

وقد أجمع المسلمون كافّة على تحريم صيد الحرم على الحلال والمحرم.

إذا عرفت هذا ، فالمراد بالصيد الحيوان الممتنع. وقيل : ما جمع ثلاثة أشياء : أن يكون مباحاً وحشيّاً ممتنعاً(٣) .

مسألة ١٩٩ : وصيد البرّ حرام على الـمُحرم اصطياداً وأكلاً وقتلاً وإشارةً ودلالةً وإغلاقاً ، وكذا فرخه وبيضه ، بإجماع العلماء ؛ للنصّ والإِجماع.

قال الله تعالى( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (٤) وتحريم العين يستلزم تحريم جميع المنافع المتعلّقة بها.

وما رواه العامّة في حديث أبي قتادة لمـّا صاد الحمار الوحشي وأصحابه مُحْرمون ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه : ( هل فيكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ )(٥) وهو يدلّ على تعلّق التحريم بالحمل والإِشارة.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « واجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه ، ولا تأكل ما صاده غيرك ولا تُشر اليه فيصيده »(٦) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٦ - ٩٨٧ / ١٣٥٣ ، صحيح البخاري ٣ : ١٨ - ١٩ ، وأورده ابن قدامة في المغني ٣ : ٣٤٩ - ٣٥٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٠٠ / ١٠٢١‌

(٣) حكاه عن بعض أهل اللغة ، ابن قدامة في المغني ٣ : ٣٤٦.

(٤) المائدة : ٩٦‌

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٥٣ - ٨٥٤ / ٦٠ ، صحيح البخاري ٣ : ١٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٨٩ بتفاوت يسير.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٠ / ١٠٢١.

٢٦٥

وقالعليه‌السلام : « الـمُحْرم لا يدلّ على الصيد ، فإن دلّ عليه فعليه الفداء »(١) .

ولأنّه تسبّب الى محرَّم عليه فحرم ، كنصبه الاُحبولة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن تكون الإِشارة والدلالة صادرةً من الـمُحْرم الى الـمُحْرم والى الـمُحلّ.

مسألة ٢٠٠ : لا يحلّ مشاركة الـمُحْرم للمُحلّ ولا للمُحرم في الصيد ، فإن شاركه ، ضمن كلٌّ منهما فداءً كاملاً. وكذا لو اشترك جماعة في قتل صيد ، ضمن كلّ منهم فداء كاملا - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٣) - لأنّه قتل الصيد.

ولأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل أبا الحسنعليه‌السلام عن رجلين أصابا صيداً [ وهما مُحرمان ](٤) الجزاء بينهما أو على كلّ واحد منهما جزاء؟ قال : « لا ، بل عليهما جميعاً ، يجزئ كلّ واحد منهما الصيد »(٥) .

ولأنّه اشترك في محرَّم مضمون ، فكان على كلّ واحد منهم جزاء كامل ، كما لو اشترك جماعة في قتل مسلم ، وجب على كلّ واحد منهم كفّارة كاملة.

وقال الشافعي وأحمد : يجب فداء واحد على الجميع ؛ لأنّ المقتول‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ / ١٠٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ - ١٨٨ / ٦٢٩.

(٢) الاُحبولة : المِصْيدة. لسان العرب ١١ : ١٣٦ و ١٣٧ « حبل ».

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٠ - ٨١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٢ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٤٧٦ - ٤٧٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣١٣ ، التفسير الكبير ١٢ : ٩٠ ، المغني ٣ : ٥٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٩ ، المحلّى ٧ : ٢٣٧ - ٢٣٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٩.

(٤) اضفناها من المصدر.

(٥) الكافي ٤ : ٣٩١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٤٦٦ - ٤٦٧ / ١٦٣١.

٢٦٦

واحد فيتّحد جزاؤه ، كما لو اشتركوا في قتل صيد حرمي(١) .

والأصل ممنوع.

ولا يحلّ للمُحْرم الإِعانة على الصيد بشي‌ء ، فإنّ في حديث أبي قتادة : ثم ركبتً ونسيتُ السوط والرمح ، فقلت لهم : ناولوني السوط والرمح ، قالوا : والله لا نُعينك عليه(٢) . وهو يدلّ على أنّهم اعتقدوا تحريم الإِعانة ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرّهم على ذلك.

ولأنّه إعانة على محرَّم فحرم ، كالإِعانة على قتل المسلم.

ولو اشترك مُحلّ ومُحْرم في قتل صيد ، فإن كان في الحِلّ ، فلا شي‌ء على الـمُحلّ ، وعلى الـمُحْرم فداء كامل ، خلافاً للشافعي ، فإنّه قال : يجب عليه نصف الفداء ، ولا شي‌ء على الـمُحلّ(٣) .

وإن كان في الحرم ، فعلى الـمُحلّ نصف القيمة ، وعلى الـمُحْرم جزاء كامل ونصف القيمة على الأقوى.

مسألة ٢٠١ : قد بيّنّا أنّه يحرم على الـمُحْرم الدلالة على الصيد سواء كان المدلول مُحلاً أو مُحْرماً ، وكذا يحرم على الحلال الدلالة لهما في الحرم ، فلو دلّ الحلال مُحرماً على صيد فَقَتَله ، وجب الجزاء على الـمُحْرم.

وأمّا الدالّ : فإن كان الصيد في الحِلّ ، فالأقرب أنّه لا شي‌ء عليه ، سواء كان الصيد في يده أو لم يكن ؛ لأنّه لو قَتَله لم يكن عليه شي‌ء فكيف الدلالة! وإن كان في الحرم ، تعلّق عليه الضمان أيضاً ؛ لأنّه أعانه على‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ - ٤٤٠ ، المغني ٣ : ٥٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٩ ، التفسير الكبير ١٢ : ٩٠ ، المحلّى ٧ : ٢٣٧ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣١٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ - ٣٥٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨١.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٨٨ وأورده النووي في المجموع ٧ : ٣٠٢ ، وابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٨٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٩٧.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٦.

٢٦٧

الـمُحرَّم.

ولو دلّ الـمُحْرم حلالاً على صيد ، فقَتَله الحلال ، فإن كان الصيد في يد الـمُحْرم ، وجب عليه الجزاء ؛ لأنّ حفظه واجب عليه ، ومَنْ يلزمه الحفظ يلزمه الضمان إذا ترك الحفظ ، كما لو دلّ المودع السارق على الوديعة.

وإن لم يكن في يده ، فإن كان الصيد في الحرم ، تعلّق الضمان على كلٍّ منهما ، وإن كان في الحِلّ ، وجب الضمان على الدالّ ، سواء كانت الدلالةُ خفيّةً لولاها لما رأى الحلالُ الصيدَ ، أو ظاهرةً ، ولا شي‌ء على القاتل ؛ لأنّه حلال ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وابن عباس وعطاء ومجاهد وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي(١) .

وقال الشافعي : لا شي‌ء على الدالّ ، كما لو دلّ رجل رجلاً على قتل إنسان ، لا كفّارة على الدالّ ، ولا على القاتل ؛ لأنّه حلال. وبه قال مالك(٢) .

وقال أبو حنيفة : إن كانت الدالة ظاهرةً ، فلا جزاء على الدالّ ، وإن كانت خفيةً ، وجب الجزاء عليه. وسلَّم في صيد الحرم أنّه لا جزاء على الدالّ(٣) .

وقال أحمد : إنّ الجزاء يلزم الدالّ والقاتل بينهما(٤) .

مسألة ٢٠٢ : لو دلّ مُحْرم مُحْرماً على صيد فقَتَله ، وجب على كلّ واحد منهما فداء كامل عند علمائنا - وبه قال الشعبي وسعيد بن جبير وأصحاب‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ ، التفسير الكبير ١٢ : ٩٠ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩١ - ٤٩٢ ، المجموع ٧ : ٣٠٠ ، التفسير الكبير ١٢ : ٩٠ ، المغني ٣ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٩‌

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٢‌

(٤) كما في فتح العزيز ٧ : ٤٩٢.

٢٦٨

الرأي(١) - لأنّ كلّ واحد منهما فَعَل في الصيد فِعْلاً مُحرّماً لا يشاركه الآخر فيه ، فالدالُّ فَعَل الدلالةَ ، والقاتلُ القَتْلَ ، فوجب على كلٍّ منهما عقوبة كاملة.

ولأنّ كلّ واحد منهما فَعَل فِعْلاً يستحقّ به العقوبة الكاملة لو انفرد ، فكذا لو انضمّ ؛ لأنّ المقتضي لا يخرج بالانضمام عن مقتضاه.

وقال أحمد وعطاء وحمّاد بن أبي سليمان : الجزاء بينهما ؛ لأنّ الواجب جزاء المتلف ، وهو واحد ، فيكون الجزاء واحداً(٢)

ونمنع الملازمة.

وقال الشافعي : لا جزاء على الدال(٣) .

ولو كان المدلول قد رأى الصيد قبل الدلالة أو الإِشارة ، فلا جزاء عليه ؛ لأنّه لم يكن سبباً في قتله.

ولو فَعَل الـمُحْرم فِعْلاً عند رؤية الصيد ، كما لو ضحك أو تشرف على الصيد فرآه غيره وفطن للصيد فصاده ، فلا ضمان ؛ لأنّه لم يدلّ عليه.

مسألة ٢٠٣ : قد بيّنّا تحريم إعانة الـمُحْرم على الصيد ، فلو أعار الـمُحْرم قاتل الصيد سلاحاً فقتله به ، قال الشيخرحمه‌الله : إنّه ليس لأصحابنا فيه نصٌّ(٤) .

وقال بعض العامّة : عليه الجزاء ؛ لأنّه كالدالّ عليه(٥) . ولا بأس به ، سواء كان المستعار ممّا لا يتمّ قتله إلّا به ، أو أعاره شيئا هو مستغن عنه ، كأن يُعيره سيفاً ومعه سيف.

وقال أبو حنيفة : إن أعاره ما هو مستغنٍ عنه ، لم يضمن المعير(٦) .

____________________

(١و٢) المغني ٣ : ٢٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧.

(٣) المجموع ٧ : ٣٠٠ ، المغني ٣ : ٢٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٧.

(٤) الخلاف ٢ : ٤٠٦ ، المسألة ٢٧٥.

(٥) المغني ٣ : ٢٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٨.

(٦) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٤.

٢٦٩

أمّا لو أعاره آلة ليستعملها في غير الصيد فصاد بها ، فلا ضمان على المعير قولا واحدا ، لأنّ الإعارة لا للصيد غير محرّمة عليه ، فكان كما لو ضحك عند رؤية الصيد ففطن له القاتل.

ولو أمسك مُحْرم صيداً حتى قتله غيره ، فإن كان القاتل حلالاً ، وجب الجزاء على الـمُحْرم ؛ لتعدّيه بالإِمساك والتعريض للقتل ، ولا يرجع به على الحلال ؛ لأنّه غير ممنوع من التعرّض للصيد. وهو قول بعض الشافعية(١) .

وقال بعضهم : يرجع ، كما لو غصب شيئاً فأتلفه مُتْلف من يده ، يضمن الغاصب ، ويرجع على الـمُتْلف(٢) .

وإن كان مُحْرماً ، ضمن كلٌّ منهما فداءً كاملاً.

وللشافعية وجهان :

أظهرهما : أنّ الجزاء كلّه على القاتل ؛ لأنّه مباشر ، ولا أثر للإِمساك مع المباشرة.

والثاني : أنّ لكلّ واحد من الفعلين مدخلاً في الهلاك ، فيكون الجزاء بينهما نصفين(٣) .

وقال بعضهم : إنّ الممسك يضمنه باليد ، والقاتل بالإتلاف ، فإن أخرج الممسك الضمان ، رجع به على المتلف ، وإن أخرج المتلف ، لم يرجع على الممسك(٤) .

مسألة ٢٠٤ : يحرم على الـمُحْرم أكل الصيد ، سواء ذبحه المحلّ أو المحرم ، في الحِلّ ذَبَحا أو الحرم ، وسواء كان الذابح هو الـمُحْرم لنفسه أو ذُبِح له أو ذُبح لا لَه.

وبالجملة لحم الصيد يحرم على الـمُحْرم بكلّ حال عند علمائنا أجمع ،

____________________

(١ - ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٧.

٢٧٠

وبه قال عليعليه‌السلام ، وابن عمر وعائشة وابن عباس وطاوس(١) - وكرهه الثوري وإسحاق(٢) - لعموم قوله تعالى( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (٣) .

وما رواه العامّة عن ابن عباس عن الصعب بن جثّامة الليثي أنّه أهدى الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حمارا وحشيّا وهو بالأبواء ، فردّه عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمـّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما في وجهه قال : ( إنّا لم نردّه عليك إلّا أنّا حُرُم )(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول عليعليه‌السلام : « إذا ذبح الـمُحْرم الصيد لم يأكله الحلال والحرام ، وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلالٌ ذَبَحه أو حرام »(٥) .

وسأل يوسف(٦) الطاطري الصادقَعليه‌السلام عن صيد أكله قوم مُحْرمون ، قال : « عليهم شاة شاة ، وليس على الذي ذبحه إلّا شاة »(٧) .

وسأل علي بن جعفر أخاه موسى الكاظمعليه‌السلام عن قوم اشتروا ظبْياً فأكلوا منه جميعاً وهُمْ حُرُمٌ ما عليهم؟ فقال : « على كلّ مَنْ أكل منه فداء صيد ، على كلّ إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملاً »(٨) .

____________________

(١و٢) المغني ٣ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٠.

(٣) المائدة ٩٦.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٥٠ / ١١٩٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠٦ / ٨٤٩ ، الموطأ ١ : ٣٥٣ / ٨٣ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٩٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٠٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٧٧ / ١٣١٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١٤ / ٧٣٣.

(٦) في النسخ الخطية والحجرية : سيف. وما أثبتناه من المصادر.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٣٥ - ٢٣٦ / ١١٢٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥٢ / ١٢٢٥ وفي الكافي ٤ : ٣٩١ ٣ قال : « عليهم شاة ، وليس ».

(٨) التهذيب ٥ : ٣٥١ / ١٢٢١.

٢٧١

وقال الشافعي : إذا ذبح الـمُحْرم صيداً ، لم يحلّ له الأكل منه ، وهل يحلّ الأكل منه لغيره أو يكون ميتة؟ قولان :

الجديد : أنّه يكون ميتة - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد - لأنّه ممنوع من الذبح لمعنى فيه ، فصار كذبيحة المجوسي ، فعلى هذا لو كان مملوكاً وجب مع الجزاء القيمةُ للمالك

والقديم : أنّه لا يكون ميتةً ، ويحلّ لغيره الأكل منه ، لأنّ مَنْ حلّ بذبحه الحيوان الإِنسي يحلّ بذبحه الصيد ، كالحلال ، فعلى هذا لو كان الصيد مملوكاً فعليه مع الجزاء أرش ما بين قيمته حيّاً ومذبوحاً للمالك(١) .

وهل يحلّ له بعد زوال الإِحرام؟ فيه للشافعية وجهان : أظهرهما : لا.

وفي صيد الحرم إذا ذبح طريقان :

أحدهما : طرد القولين.

والآخر : القطع بالمنع.

والفرق : أنّ صيد الحرم مُنع منه جميع الناس وفي جميع الأحوال ، فكان آكد تحريماً(٢) .

إذا عرفت هذا ، فالاصطياد عند الشافعي يحرم على الـمُحْرم ، وكذا يحرم عليه الأكل من صيد ذَبَحه ، ويحرم عليه الأكل أيضاً ممّا اصطاد له حلال أو بإعانته أو بدلالته ، فأمّا ما ذَبَحه حلال من غير إعانته ولا دلالته فلا يحرم الأكل منه(٣) .

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٤ ، المغني ٣ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، وانظر أيضاً : بدائع الصنائع ٢ ٢٠٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٣ ، المدونة الكبرى ١ : ٤٣٦.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٣٠٤.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٢٩٦ و ٣٠٣ و ٣٢٤.

٢٧٢

وقال أبو حنيفة : إذا لم يُعِنْ ولم يأمر به ، لم يحرم عليه ( ولا عبرة )(١) بالاصطياد له من غير أمره(٢) .

مسألة ٢٠٥ : لو ذبح الـمُحْرم الصيد ، كان حراماً لا يحلّ أكله للمُحلّ ولا للمُحرم ، ويصير ميتةً يحرم أكله على جميع الناس ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال الحسن البصري وسالم ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٣) - لأنّه حيوان حرم عليه ذبحه لحرمة الإِحرام وحقّ الله تعالى ، فلا يحلّ بذبحه ، كالمجوسي.

ولقول عليعليه‌السلام : « إذا ذبح الـمُحْرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ ولا مُحْرم ، وإذا ذبح المـُحلّ الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله مُحلّ ولا مُحْرم »(٤) .

فعلى هذا لو كان مملوكاً ، وجب عليه مع الجزاء القيمة للمالك.

وقال الحكم والثوري وأبو ثور : لا بأس بأكله. وبه قال ابن المنذر(٥) .

وقال عمرو بن دينار وأيّوب السختياني : يأكله الحلال(٦) .

وللشافعي قول قديم : إنّه يحلّ لغيره الأكل منه(٧) .

قال ابن المنذر : الذبح حرام ، أمّا الأكل فلا ؛ لأنّه بمنزلة السارق إذا‌

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية والحجرية : ( ولا على غيره ) وما أثبتناه هو الصحيح والموافق لما في فتح العزيز.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٣٢٤.

(٣) المغني ٣ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، المحرّر في الفقه ١ : ٢٤٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٦ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٤٨ و ٢٥٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٧ / ١٣١٦ ، الاستبصار ٢ : ٢١٤ / ٧٣٤.

(٥و٦) المغني ٣ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، المجموع ٧ : ٣٣٠.

(٧) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المغني ٣ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣.

٢٧٣

ذبح(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ التحريم هنا لحقّ الله تعالى ، فكان كالميتة ، بخلاف السارق.

فعلى هذا لو كان مملوكاً فعليه مع الجزاء ما بين قيمته حيّاً ومذبوحاً للمالك.

وهل يحلّ له بعد زوال الإِحرام؟ فيه للشافعية وجهان ، أظهرهما : لا(٢) .

فروع :

أ - لو ذبحه الـمُحلّ في الحرم ، كان حكمه حكم الـمُحْرم إذا ذبحه يكون حراماً ؛ لما تقدّم(٣) في حديث عليعليه‌السلام .

ولقول الصادقعليه‌السلام في حمام ذُبح في الحلّ ، قال : « لا يأكله مُحْرم ، وإذا أدخل مكة أكله المـُحلّ بمكة ، وإن اُدخل الحرم حيّاً ثم ذُبح في الحرم فلا يأكله لأنّه ذُبح بعد ما بلغ مأمنه »(٤) .

ب - لو صاده مُحلٌّ وذَبَحه في الحِلّ ، كان حلالاً على الـمُحلّ في الحِلّ والحرم ، سواء كان للمُحْرم فيه إعانة بإشارة أو دلالة أو إعارة سلاح أو لا ، لا بمشاركة في الذبح.

ج - لو صاده الـمُحْرم من أجل الـمُحلّ ، لم يُبحْ أكله ، وليس بحرام.

ولو صاده الـمُحلّ من أجل الـمُحرم ، كان حراماً على الـمُحرم وبه قال عليعليه‌السلام ، وابن عباس وابن عمر وعائشة وعثمان ومالك والشافعي(٥) .

____________________

(١) انظر : المغني ٣ : ٢٩٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، والمجموع ٧ : ٣٣٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٤ ، المجموع ٧ : ٣٠٤.

(٣) تقدّم في صفحة ٢٧٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٧٦ / ١٣١٠ ، الإستبصار ٢ : ٢١٣ / ٧٢٨.

(٥) المغني ٣ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٠ ، المجموع ٧ : ٣٢٤ ، المبسوط - للسرخسي – ٤ =

٢٧٤

وقال أبو حنيفة : ليس بحرام(١) .

د - لو صاده الـمُحلّ في الحِلّ وذَبَحه في الحِلّ لأجل الـمُحرم ، لم يحلّ على الـمُحْرم ، ويحلّ على الـمُحلّ في الحِلّ والحرم ؛ لأنّ الحكم بن عتيبة سأل الباقرعليه‌السلام : ما تقول في حمام أهلي ذُبح في الحلّ وادخل الحرم؟

فقال : « لا بأس بأكله إن كان مُحلاً ، وإن كان مُحرْماً فلا »(٢) .

ه - لو صاد الـمُحْرم صيداً في الحِلّ‌ وذَبَحه الـمُحلّ ، حلَّ للمُحلّ لا للمُحْرم.

مسألة ٢٠٦ : لو قتل الـمُحْرم صيداً ثم أكله ، وجب عليه فداءان ، أحدهما للقتل ، والآخر للأكل ، قاله بعض علمائنا(٣) - وبه قال عطاء وأبو حنيفة(٤) - لأنّه مُحْرم أكل صيداً مُحرّماً عليه ، فضمنه ، كما لو أكل صيداً ذبحه غيره.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « وأيّ قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإنّ على كلّ إنسان منهم قيمة ، وإن اجتمعوا عليه في صيد فعليهم مثل ذلك »(٥) .

ولأنّ الفعلين لو صدرا عن اثنين كان على كلٍّ منهما فداء كامل ، فكذا لو اجتمعا لواحد.

____________________

= ٤: ٨٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٤ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٤٨ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٦.

(١) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٤ ، المغني ٣ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٠ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣٢٢.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢١٣ / ٧٢٧ ، والتهذيب ٥ : ٣٧٥ - ٣٧٦ / ١٣٠٩‌

(٣) النهاية - للطوسي - : ٢٢٧.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ و ٢٠٤ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٣ ، المغني ٣ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٨.

٢٧٥

والوجه : وجوب الجزاء بالقتل ، وقيمة المأكول بالأكل.

وقال الشافعي : يضمن القتل دون الأكل - وبه قال مالك وأحمد(١) - لأنّه صيد مضمون بالجزاء ، فلا يضمن ثانياً ، كما لو أتلفه بغير الأكل. ولأنّ تحريمه لكونه ميتة ، والميتة لا تُضمن بالجزاء(٢) .

والفرق ثابت بين الأكل والإِتلاف بغيره ، ونمنع تعليل التحريم بذلك ، ويعارض بما لو صيد لأجله فأكله ، فإنّه يضمنه عند أحمد والشافعي في القديم(٣) .

مسألة ٢٠٧ : لو رمى اثنان صيداً فأصابه أحدهما وأخطأ الآخر ، فعلى كلّ واحد منهم فداء كامل ، أمّا المصيب : فلإِصابته ، وأمّا المخطئ : فلإِعانته.

وما رواه إدريس بن عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام : عن مُحْرمين يرميان صيداً فأصابه أحدهما ، الجزاء بينهما أو على كلّ واحد منهما؟ قال : « عليهما جميعاً يفدي كلّ واحد منهما على حدته »(٤) .

وسأل ضريسُ بن أعين الباقرَعليه‌السلام : عن رجلين مُحْرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما ، قال : « على كلّ واحد منهما الفداء »(٥) .

مسألة ٢٠٨ : لو أوقد جماعة محرمون نارا فاحترق فيها طائر ، فإن كان قصدهم ذلك ، كان على كلّ واحد منهم فداء كامل ، وإن لم يكن قصدهم ذلك ، كان عليهم بأسرهم فداء واحد ؛ لما رواه أبو ولّاد الحنّاط ، قال : خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة ، فأوقدنا ناراً عظيمة في بعض المنازل أردنا أن نطرح عليها لحماً نُكبّبه وكُنّا مُحْرمين ، فمرّ بها طير صافّ مثل حمامة‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٣ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢ ، المجموع ٧ : ٣٠٥ و ٣٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٠ ، الموطأ ١ : ٣٥٤.

(٣) المغني ٣ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢ ، المجموع ٧ : ٣٠٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥١ - ٣٥٢ / ١٢٢٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٢ / ١٢٢٣.

٢٧٦

أو شبهها ، فاحترقت جناحاه فسقطت في النار فماتت ، فاغتممنا لذلك ، فدخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام بمكة ، وأخبرته وسألته ، فقال : « عليكم فداء واحد دم شاة ، وتشتركون فيه جميعاً ، لأنّ ذلك كان منكم على غير تعمّد ، ولو كان ذلك منكم تعمّدا ليقع فيها الصيد فوقع ، ألزمت كلّ واحد منكم دم شاة » قال أبو ولّاد : كان ذلك منّا قبل أن ندخل الحرم(١) .

مسألة ٢٠٩ : الـمُحْرم يضمن الصيد ، في الحِلّ كان أو في الحرم ، وأمّا المحلّ فإن كان في الحرم ، ضمنه فيه ، وإلاّ فلا ، عند علمائنا ، وبه قال أكثر العامة(٢) ، خلافا لداود ، فإنّه حكي عنه أنّه قال : لا ضمان على المحلّ إذا قتل الصيد في الحرم(٣) .

وهو غلط ، لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، وابن عباس وعمر وعثمان وابن عمر أنّهم قضوا في حمام الحرم بشاة شاة(٤) ، ولم ينقل خلاف لغيرهم.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وإن أصبته وأنت حرام في الحِلّ فعليك القيمة»(٥) .

إذا عرفت هذا ، فكلّ صيد يحرم ويُضمن في الإِحرام يحرم ويضمن في حرم مكة للمُحلّ ، إلّا القمل والبراغيث ، فإنّه لا يجوز قتلها حالة الإِحرام ، ويجوز للمُحلّ في الحرم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بقتل القمل‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٥٢ - ٣٥٣ / ١٢٢٦.

(٢) المغني ٣ : ٢٩١ و ٣٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٩ و ٣٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٩.

(٣) المغني ٣ : ٣٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩٠ ، بداية المجتهد ١ ٣٥٩.

(٤) المغني ٣ : ٣٥٠ و ٣٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧١ وفيهما عن غير عليعليه‌السلام .

(٥) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٨.

٢٧٧

والبق في الحرم ، ولا بأس بقتل النملة في الحرم »(١) وبه قال الشافعي(٢) وقال مالك : يحرم قتل الديدان ، وإن قَتَلها فَداها(٣) .

مسألة ٢١٠ : لا يؤثّر الإِحرام ولا الحرم تحريم شي‌ء من الحيوان الأهلي‌

وإن توحّش كالإِبل والبقر والغنم ، بإجماع العلماء.

و ما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( أفضل الحجّ العجّ والثجّ )(٤) يعني إسالة الدماء بالذبح والنحر.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « يذبح في الحرم الإِبل والبقر والغنم والدجاج »(٥) إذا عرفت هذا ، فالدجاج الأهلي يجوز ذبحه للمُحلّ والـمُحْرم ، وأكله لهما في الحِلّ والحرم إجماعاً.

وأمّا الدجاج الحبشي : فعندنا أنّه كالأهلي يجوز للمُحْرم ذبحه وأكله في الحِلّ والحرم ، ولا جزاء فيه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله معاوية بن عمّار عن دجاج الحبش ، فقال : « ليس من الصيد ، إنّما الصيد ما كان بين السماء والأرض »(٦) .

وقال الشافعي : فيه الجزاء(٧) .

وليس بشي‌ء ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٧٢ / ٧٦١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٦ / ١٢٧٧ بتفاوت يسير.

(٢) الاُم ٢ : ٢٠١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٨ - ٤٨٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٣) المغني ٣ : ٣٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ١٨٩ / ٨٢٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٥ / ٩٢٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٣١ بتفاوت.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٧ / ١٢٧٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٧ / ١٢٨٠ ، وفي الكافي ٤ : ٢٣٢ ( باب ما يذبح في الحرم ) الحديث ٢ ، والفقيه ٢ : ١٧٢ / ٧٥٦ بتفاوت يسير.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٣٣١ ، المجموع ٧ : ٢٩٦.

٢٧٨

مسألة ٢١١ : لا كفّارة في قتل السباع ، سواء كانت طائرةً أو ماشيةً ، كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحوها ، والنمر والفهد وغيرهما ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال أحمد ومالك والشافعي(١) - لما رواه العامة عن عائشة قالت : أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتل خمس فواسق في الحرم : الحِدَأَة والغُراب والفأرة والعقرب والكلب العقور(٢) ، نصّ من كلّ جنس على صنف من أدناه تنبيهاً على الأعلى ، فنبّه بالحِدَأة والغُراب على البازي والعقاب وشبههما ، وبالفأرة على الحشرات ، وبالعقرب على الحيّة ، وبالكلب العقور على السباع.

قال مالك : الكلب العقور ما عقر الناس وعدا عليهم كالأسد والنمر والفهد والذئب(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ما يخاف الـمُحْرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله وإن لم يردّك فلا تردّه »(٤) .

وقال أبو حنيفة : تُقتل الحيّة والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والذئب والحدأة لا غير ؛ لأنّ الحديث خصّص الفواسق الخمس(٥) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٤٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٦٠ و ٢٦٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤١ ، المجموع ٧ : ٣١٦ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٩٠.

(٢) سنن الدارمي ٢ : ٣٦ - ٣٧ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٤٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣١٠.

(٣) المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٦٢ ، المغني ٣ : ٣٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧١١.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٩٠ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٨ ، المغني ٣ : ٣٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٠.

٢٧٩

والتخصيص بالذكر لا يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه.

إذا عرفت هذا ، فقد روى أصحابنا أنّ مَنْ قتل أسداً لم يردّه ، كان عليه كبش :

روى أبو سعيد المكاري عن الصادقعليه‌السلام رجل قتل أسداً في الحرم ، فقال : « عليه كبش يذبحه »(١) .

وأمّا الغُراب والحِدَأَة : فقد روى معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « وارم الغُراب والحِدَأَة عن ظهر بعيرك »(٢) .

وأمّا الذئب وغيره من أنواع السباع : فلا جزاء عليه ، سواء صال أو لم يَصُلْ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ حفظ النفس واجب ، ولا يتمّ إلّا بقتلها.

وقال أبو حنيفة : إن صال ، لم يكن عليه شي‌ء ، وإن لم يَصُلْ ، وجب عليه الجزاء(٤) .

وأمّا الضبع : فقال الشيخرحمه‌الله : لا كفّارة فيه وكذا السِّمْع المتولّد بين الذئب والضبع(٥) .

وقال الشافعي : فيهما الجزاء(٦) .

والأصل براءة الذمّة.

قال الشيخرحمه‌الله : الحيوان إمّا مأكول إنسي ، كبهيمة الأنعام ، ولا‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٧ - ٢٣٨ / ٢٦ ، التهذيب ٥ : ٣٦٦ / ١٢٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧١٢‌

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ - ٣٦٦ / ١٢٧٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٨٧ - ٤٨٨ ، المجموع ٧ : ٣١٦ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٩٠.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٩٠ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٢ - ١٧٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٤٦٨.

(٥) الخلاف ٢ : ٤١٧ ، المسألة ٣٠٠.

(٦) الاُم ٢ : ١٩٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤١ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣١٧.

٢٨٠