تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481
المشاهدات: 147916
تحميل: 5163


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 147916 / تحميل: 5163
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-007-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الآخر ، تعيّن الآمن ؛ لأنّه مستطيع ، ولو استويا في عدم الأمن ، سقط فرض الحجّ في ذلك العام؛ لانتفاء شرط الوجوب ، ولا تجب الاستنابة على ما تقدّم.

ولو خاف من ركوب البحر ولا طريق آمناً سواه ، سقط الفرض في ذلك العام ، ولو لم يخف من ركوبه ، وجب عليه الحجّ.

وللشافعي قولان :

أحدهما قوله في المختصر : لم يبِنْ لي أن اُوجب ركوب البحر.

ونصّ في الاُم على أنّه لا يجوز.

وقال في الإِملاء : إن كان أكثر عيشه في البحر ، وجب ، فانقسم أصحابه قسمين : أحدهما أثبت الخلاف في المسألة ، والثاني نفاه.

وللمثبتين طريقان :

أحدهما : أنّ المسألة على قولين مطلقاً :

أحدهما : أنّه يلزمه الركوب ؛ للظواهر المطلقة في الحجّ.

والثاني : لا يلزمه ؛ لما فيه من الخوف والخطر.

وأظهرهما : أنّه إن كان الغالب منه الهلاك إمّا باعتبار خصوص ذلك البحر ، أو لهيجان الأمواج في بعض الأحوال ، لم يلزم الركوب ، وإن كان الغالب فيه السلامة ، فقولان :

أظهرهما : اللزوم ؛ لسلوك طريق البرّ عند غلبة السلامة.

والثاني : المنع ؛ لأنّ عوارض البحر عسرة الدفع.

وعلى هذا فلو اعتدل الاحتمال فيلحق بغلبة السلامة أو بغلبة الهلاك ، تردّد فيه الشافعية(١) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٧ - ١٨ ، وراجع : المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٤ ، والمجموع ٧ : ٨٣ ، ومختصر المزني : ٦٢.

٨١

وأمّا النافون للخلاف فلهم طُرُق :

أحدها : القطع بعدم اللزوم وحُمِل نصّه في الإِملاء على ما إذا ركبه لبعض الأغراض ، فصار أقرب إلى الشط الذي يلي مكة.

والثاني : القطع باللزوم.

والثالث : أنّه إن كان الغالب الهلاك ، لم يلزم ، وإن كان الغالب السلامة ، لزم ، واختلاف القولين محمول على حالين ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) .

والرابع : تنزيل القولين على حالين من وجه آخر : إن كان الرجل ممّن اعتاد ركوب البحر كالملّاحين وأهل الجزائر ، لزمه ، وإلّا فلا ؛ لصعوبته عليه.

ونقل الجويني عن بعض الشافعية : اللزوم عند جرأة الراكب ، وعدمه عند استشعاره.

ومن الشافعية مَنْ قال : لا يجب على المستشعر ، وفي غيره قولان.

ومنهم مَنْ قال : يجب على غير المستشعر ، وفيه قولان.

وعلى القول بعدم وجوب ركوبه هل يستحب؟ فيه وجهان لهم :

أحدهما : لا ، لما فيه من التغرير بالنفس.

وأظهرهما : نعم ، كما يستحب ركوبه للغزو.

والوجهان فيما إذا كان الغالب السلامة ، أمّا إذا كان الغالب الهلاك ، فيحرم الركوب ، نقله الجويني ، وحكى تردّد الشافعية فيما إذا اعتدل الاحتمال.

وإذا لم نوجب الركوب ، فلو توسّط البحر هل له الانصراف أم عليه التمادي؟ فيه قولان مبنيان على القولين في المحصر إذا أحاط العدوّ به من‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٩ ، المغني ٣ : ١٦٧.

٨٢

الجوانب هل يجوز له التحلّل؟ إن قلنا : له التحلّل ، فله الانصراف ، وإن قلنا : لا - لأنّه لا يستفيد الخلاص - فليس له الانصراف.

والوجهان فيما إذا استوى ما بين يديه وما خلفه في غالب الظنّ ، فإن كان فيما بين يديه أكثر ، لم يلزمه التمادي ، وإن كان أقلّ ، لزم.

قالوا : هذا في حقّ الرجل ، أمّا المرأة ففيها خلاف بينهم مرتّب على الرجل ، وأولى بعدم الوجوب ؛ لأنّها أشدّ تأثّرا بالأهوال ، ولأنّها عورة وربما تنكشف للرجال ، لضيق المكان ، وإذا قلنا بعدم الوجوب فنقول بعدم الاستحباب أيضاً.

ومنهم من طرّد الخلاف.

وليست الأنهار العظيمة - ك‍ « جيحون » - في معنى البحر ؛ لأنّ المقام فيها لا يطول ، والخطر فيها لا يعظم(١) .

مسألة ٥٨ : المرأة كالرجل متى خافت على نفسها أو المكابرة على فرجها سقط الفرض عنها ، فإن احتاجت إلى المحرم وتعذّر ، سقط الفرض عنها أيضاً ؛ لعدم استطاعتها بدونه.

وليس المحرم شرطاً في وجوب الحجّ عليها مع الاستغناء عنه ، عند علمائنا ، وبه قال ابن سيرين ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد في إحدى الروايات(٢) .

قال ابن سيرين : تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به(٣) .

وقال مالك : تخرج مع جماعة النساء(٤) .

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٨ - ٢٢ ، المجموع ٧ : ٨٣ - ٨٥.

(٢) المغني ٣ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٢ ، المجموع ٨ : ٣٤٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٣.

(٣) المغني ٣ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠١.

(٤) الموطّأ ١ : ٤٢٦ ذيل الحديث ٢٥٤ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٨٢ ، المغني ٣ : ١٩٢ ، =

٨٣

وقال الشافعي : تخرج مع حُرة مسلمة ثقة(١) .

وقال الأوزاعي : تخرج مع قوم عدول تتّخذ سُلّماً تصعد عليه وتنزل ، ولا يقربها رجل إلّا أنّه يأخذ رأس البعير وتضع رجلها(٢) على ذراعه(٣) .

قال ابن المنذر : تركوا القول بظاهر الحديث ، واشترط كلّ واحد منهم شرطاً لا حجّة معه عليه(٤) .

والأصل في ذلك : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسّر الإِستطاعة بالزاد والراحلة(٥) وقال لعدي بن حاتم : ( يوشك أن تخرج الظعينة(٦) من الحيرة يوم تؤمّ البيت لا جوار معها لا تخاف إلّا الله )(٧) رواه العامّة(٨) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ كان صحيحاً في بدنه ، مخلّى سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممّن يستطيع الحج »(٩) .

____________________

= الشرح الكبير ٣ : ٢٠١ ، معالم السنن - للخطّابي - ٢ : ٢٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٦٣ ، المجموع ٨ : ٣٤٣.

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٣٦٣ ، المجموع ٨ : ٣٤٣ ، معالم السنن - للخطّابي - ٢ : ٢٧٦ ، المغني ٣ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠١.

(٢) في جميع النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية والمصدر : رجله. والصحيح ما أثبتناه بدلالة السياق.

(٣ و ٤) المغني ٣ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠١.

(٥) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٩٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٠١.

(٦) أصل الظعينة : الراحلة التي يرحل ويظعن عليها ، أي يسار. وقيل للمرأة : ظعينة ؛ لأنّها تظعن مع الزوج حين ظعن ، أو لأنّها تُحمل على الراحلة إذا ظعنت. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ١٥٧.

(٧) ورد في هامش « ن » هذه الحاشية : قلت : هذا إخبار منه صلوات الله عليه بالمغيبات كما هو جاري عادته ، لأنّ الحيرة لم تفتح في أيام حياته بل بعد انتقاله الى الله تعالى ، وهذا إيماء إلى زمان القائمعليه‌السلام .

(٨) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٩٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٠١ ، وبتفاوت في سنن الدار قطني ٢ : ٢٢٢ / ٢٨.

(٩) الكافي ٤ : ٢٦٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣ / ٢ ، الاستبصار ٢ : ١٣٩ / ٤٥٤.

٨٤

وعن أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تحجّ بغير وليها ، قال : « نعم إذا كانت امرأةً مأمونةً تحجّ مع أخيها المسلم »(١) .

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تحجّ بغير محرم ، فقال : « إذا كانت مأمونةً ولم تقدر على محرم فلا بأس بذلك »(٢) .

ولأنّه سفر واجب ، فلا يشترط فيه المحرم ، كالمسلمة إذا تخلّصت من أيدي الكفّار.

وقال أحمد في رواية اُخرى : المحرم من السبيل ، وإنّ المرأة الموسرة إذا لم يكن لها محرم لا يجب عليها الحجّ - وبه قال الحسن البصري والنخعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي - فلو لم يكن محرم لم يجز لها الخروج إلّا أن يكون بينها وبين مكة مسير ما دون ثلاثة أيام ؛ لما رواه أبو هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلّا ومعها ذو محرم )(٣) .

ولأنّها أنشأت سفراً في دار الإِسلام ، فلم يجز بغير محرم ، كحجّ التطوّع(٤) .

والحديث مخصوص بالمتخلّصة من أيدي الكفّار ، فيكون مخصوصاً بالحجّ ؛ لاشتراكهما في الوجوب.

ويحمل أيضاً على السفر في غير الحجّ الواجب.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠٠ - ٤٠١ / ١٣٩٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٠١ / ١٣٩٤.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٧٧ / ٤٢٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٢٧.

(٤) المغني ٣ : ١٩٢ - ١٩٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠١ - ٢٠٢ ، معالم السنن - للخطّابي - ٢ : ٢٧٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٣ ، النتف ١ : ٢٠٤ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٢٤.

٨٥

ونمنع اشتراط المحرم في حجّ التطوّع ؛ فإنّ الزوج إذا أذن لزوجته في الحجّ ، جاز لها المضيّ فيه وإن لم يصحبها.

تذنيبات : المحرم عند المشترطين له هو الزوج أو مَنْ تحرم عليه على التأبيد إمّا بنسب أو بسبب مباح كأبيها وابنها وأخيها من نسب أو رضاع ؛ لما رووه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلّا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها )(١) (٢) .

قال أحمد : ويكون زوج اُمّ المرأة محرماً لها يحجّ بها ، ويسافر الرجل مع اُمّ ولد جدّه ، فإذا كان أخوها من الرضاعة خرجت معه(٣) .

وقال في اُمّ امرأته : يكون محرماً لها في حجّ الفرض دون غيره(٤) .

وأمّا مَنْ لا تحرم عليه مؤبّداً فليس بمحرم ، كعبدها وزوج اُختها ؛ لأنّهما غير مأمونين عليها ، ولا تحرم عليهما مؤبّداً ، فهما كالأجنبي ، قاله أحمد(٥) .

وقال الشافعي : عبدها محرم لها ، لأنّه مباح له النظر إليها ، فكان محرما لها ، كذي رحمها(٦) .

وهو غلط ؛ فإنّا نمنع إباحة نظره إليها ، وسيأتي(٧) .

وأمّا اُمّ الموطوءة بشبهة أو المزني بها أو ابنتها فليس بمحرم لهما ؛ لأنّ تحريمهما بسبب غير مباح؛ فلم يثبت به حكم المحرمية ، كالتحريم الثابت باللعان ، وليس له الخلوة بهما ولا النظر إليهما كذلك.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٧٧ / ١٣٤٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٧٢ / ١١٦٩.

(٢) المغني ٣ : ١٩٣ - ١٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٣ - ٢٠٤.

(٣ و ٤) المغني ٣ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٤.

(٥) المغني ٣ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٤ ، الكافي في فقه الإِمام أحمد ١ : ٤٧٠.

(٦) المهذب - للشيرازي - ٢ : ٣٦ ، المغني ٣ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٤.

(٧) يأتي في كتاب النكاح ، المقدمة الثامنة من مقدّماته.

٨٦

قال أحمد : والكافر ليس محرماً للمسلمة وإن كانت ابنته(١) .

وقال أبو حنيفة والشافعي : هو محرم لها ، لأنّها محرّمة عليه على التأبيد(٢) .

وقول أحمد لا بأس به في كافر يعتقد حلّها ، كالمجوسي.

وقال أحمد : يشترط في المحرم أن يكون بالغاً عاقلاً ؛ لأنّ الصبي لا يقوم بنفسه قبل الاحتلام فكيف يخرج مع امرأة ، ولأنّ المقصود بالمحرم حفظ المرأة ، ولا يحصل إلّا من البالغ العاقل(٣) .

ونفقة المحرم في الحجّ عليها ؛ لأنّه من سبيلها ، فكان عليها نفقته كالراحلة ، فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زاداً وراحلةً لها ولمحرمها ، فإن امتنع محرمها من الحجّ معها مع بذلها له نفقته ، فهي كمن لا محرم لها.

وهل تلزمه إجابتها إلى ذلك؟ عن أحمد روايتان(٤) .

والصحيح : أنّه لا يلزمه الحجّ معها ؛ لما في الحجّ من المشقّة الشديدة والكلفة العظيمة ، فلا يلزم أحداً لأجل غيره ، كما لم يلزمه أن يحجّ عنها إذا كانت مريضة.

ولو مات محرم المرأة في الطريق ، قال أحمد : إذا تباعدت ، مضت فقضت الحجّ(٥) .

مسألة ٥٩ : لا يجوز للرجل منع زوجته الموسرة من حجّة الإِسلام إذا حصلت الشرائط ، عند علمائنا - وبه قال النخعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي والشافعي في أصحّ قوليه(٦) - لما رواه العامة عن النبي صلّى‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٣ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٥.

(٣) المغني ٣ : ١٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٤ و ٥) المغني ٣ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٠٦ ، الكافي في فقه الإِمام أحمد ١ : ٤٧٠.

(٦) المغني ٣ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٦ ، الكافي في فقه الإِمام أحمد ١ : ٤٧٠ ، =

٨٧

الله عليه وآله قال : ( لا تمنعوا إماء الله عن مساجد الله )(١) .

ومن طريق الخاصة : رواية محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة لم تحجّ ولها زوج وأبى أن يأذن لها في الحجّ فغاب زوجها فهل لها أن تحجّ؟ قال : « لا طاعة له عليها في حجّة الإِسلام »(٢) .

ولأنّه فرض ، فلم يكن له منعها منه ، كالصوم والصلاة الواجبين.

وقال الشافعي في الآخر : له منعها منه ؛ لأنّ الحجّ على التراخي(٣) . وهو ممنوع.

إذا عرفت هذا ، فيستحب أن تستأذنه في ذلك ، فإن أذن وإلّا خرجت بغير إذنه.

وأمّا حجّ التطوّع فله منعها.

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ يحفظ عنه من أهل العلم أنّ له منعها من الخروج إلى حجّ التطوّع ، لأنّ حقّ الزوج واجب ، فليس لها تفويته بما ليس بواجب ، كالسيد مع عبده(٤) .

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة‌

____________________

= الحاوي الكبير ٤ : ٣٦٣ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٨ : ٣٢٧ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٥.

(١) صحيح البخاري ٢ : ٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٢٧ / ١٣٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٥ / ٥٦٥ و ٥٦٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٢ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٢ : ٣٦٣ / ١٣٣٥٠ و ٤٢٥ / ١٣٥٦٥ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٢ : ٣٨٣ ، مسند أبي عوانة ٢ : ٥٩ ، مسند الحميدي ٢ : ٤٣١ - ٤٣٢ ، مسند احمد ٢ : ٤٣٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٠٠ / ١٣٩١ ، الاستبصار ٢ : ٣١٨ / ١١٢٦.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٣٦٣ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٨ : ٣٢٧ و ٣٢٨ ، المغني ٣ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٥.

(٤) المغني ٣ : ١٩٥ ، الإِجماع - لابن المنذر - ١٦ / ١٣٥.

٨٨

الموسرة قد حجّت حجّة الإِسلام تقول لزوجها : حجّني من مالي ، أله أن يمنعها من ذلك؟ قال : « نعم ويقول لها : حقّي عليك أعظم من حقّك عليّ في هذا »(١) .

وأمّا الحجّة المنذورة ، فإن كانت قد نذرت الحجّ المعيّن بزمان معيّن حالة خلوّها من الزوج ، أو قيّدت النذر بزمان معيّن بإذنه لو كانت مزوّجةً به ، فإنّه ليس له منعها منه ، لأنّه واجب عليها ، فأشبه حجّة الإِسلام.

وإن نذرت حال الزوجية به ، فإن أذن لها في النذر وكان مطلقاً ، فالوجه : أنّه يجوز له منعها في ذلك العام ؛ لأنّه واجب مطلق.

ويحتمل عدم المنع ؛ لأنّه أداء الواجب.

تذنيب : حكم العبد حكم المزوّجة ، فإن اُعتق فكالمطلّقة بائناً ، والأمة المزوّجة يشترط في حجّها التطوّع ونذره إذن المولى والزوج.

مسألة ٦٠ : المعتدة عدّة رجعية كالزوجة ، لأنّ للزوج الرجوع في طلاقها والاستمتاع بها ، والحجّ يمنعه عن ذلك لو راجع ، فيقف على إذنه.

ولأنّ الصادقعليه‌السلام قال : « المطلّقة إن كانت صرورة ، حجّت في عدّتها ، وإن كانت حجّت ، فلا تحجّ حتى تقضي عدّتها »(٢) .

ولها أن تخرج في حجّة الإِسلام من غير إذن الزوج ؛ لأنّ الزوجة لها ذلك فالمطلّقة أولى ؛ لقول أحدهماعليهما‌السلام : « المطلّقة تحجّ في عدّتها »(٣) .

أمّا التطوّع فليس لها ذلك إلّا بإذنه ؛ لما تقدّم.

ولما رواه معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا تحجّ‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠٠ / ١٣٩٢ ، والفقيه ٢ : ٢٦٨ / ١٣٠٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٠٢ / ١٣٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٣١٨ / ١١٢٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٠٢ / ١٣٩٨ ، الاستبصار ٢ : ٣١٧ / ١١٢٤ ، والفقيه ٢ : ٢٦٩ / ١٣١١.

٨٩

المطلّقة في عدّتها »(١) وحملناه على التطوّع ؛ جمعاً بين الأدلّة.

أمّا المطلّقة طلاقاً بائناً فإنّها تخرج في الواجب والتطوّع من غير إذن الزوج ؛ لانقطاع سلطنته عليها وصيرورته أجنبياً لا اعتبار بإذنه.

وأمّا المعتدّة عدّة الوفاة فإنّها تخرج في حجّ الإِسلام عند علمائنا ؛ لانقطاع العصمة.

ولما رواه زرارة - في الصحيح - قال : سألت الصادقعليه‌السلام عن التي يتوفّى عنها زوجها أتحجّ في عدّتها؟ قال : « نعم »(٢) .

وقال أحمد : لا يجوز لها أن تخرج ، وتقدّم ملازمة المنزل على الحجّ ؛ لأنّه يفوت(٣) .

والحقّ : اتّباع النقل.

مسألة ٦١ : لو كان في الطريق عدوّ يخاف منه على ماله ، سقط فرض الحجّ ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٤) - لأنّ بذل المال تحصيل لشرط الوجوب وهو غير واجب ، فلا يجب ما يتوقّف عليه.

وفي الرواية الاُخرى عن أحمد : أنّه لا يسقط فرض الحجّ ، ويجب أن يستنيب(٥) .

وليس بمعتمد.

ولا فرق بين أن يكون المال قليلاً أو كثيراً.

ويحتمل أن يقال بالوجوب مع القلّة إذا لم يتضرّر.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠١ / ١٣٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٣١٧ / ١١٢٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٦٩ / ١٣١٢ ، والتهذيب ٥ : ٤٠٢ / ١٤٠١ بتفاوت يسير فيه.

(٣) المغني ٣ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٧ ، الكافي في فقه الإِمام أحمد ١ : ٤٧٠.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٢٤ ، المجموع ٧ : ٨١ - ٨٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٣ ، المغني ٣ : ١٦٦.

(٥) المغني ٣ : ١٦٦ - ١٦٧.

٩٠

ولو لم يندفع العدوّ إلّا بمال أو خفارة ، قال الشيخ : لا يجب ، لأنّه لم تحصل التخلية(١) .

ولو قيل بالوجوب مع إمكان الدفع من غير إجحاف ، أمكن ، لأنّه كأثمان الآلات.

ولو بذل باذل المطلوب فانكشف العدوّ ، لزمه الحجّ ، وليس له منع الباذل ، لتحقّق الاستطاعة.

أمّا لو قال الباذل : أقبل المال وادفع أنت ، لم يجب.

ولا فرق بين أن يكون الذي يُخاف منه مسلمين أو كفّاراً.

ولو تمكّن من محاربتهم بحيث لا يلحقه ضرر ولا خوف فهو مستطيع.

ويحتمل عدم الوجوب ؛ لأنّ تحصيل الشرط ليس بواجب.

أمّا لو خاف على نفسه أو ماله من قتل أو جرح أو نهب ، لم يجب.

ولو كان العدوّ كفّاراً وقدر الحاج على محاربتهم من غير ضرر ، استحب قتالهم ؛ لينالوا ثواب الجهاد والحجّ معاً ، أمّا لو كانوا مسلمين ، فإنّه لا يستحب الحجّ ؛ لما فيه من قتل المسلم ، وليس محرّماً.

ولو كان على المراصد مَنْ يطلب مالا ، لم يلزمه الحجّ.

وكره الشافعية بذل المال لهم ؛ لأنّهم يحرضون بذلك على التعرّض للناس(٢) .

ولو بعثوا بأمان الحجيج وكان أمانهم موثوقاً به ، أو ضمن لهم أمير [ ما يطلبونه ](٣) وأمن الحجيج ، لزمهم الخروج.

ولو وجدوا من يُبَذْرقُهم(٤) باُجرة ولو استأجروا لأمنوا غالباً ، احتمل وجوب‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٠١.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٤ ، المجموع ٧ : ٨٢.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : فانطلقوا به. وهي تصحيف ، وما أثبتناه من فتح العزيز.

(٤) البذرقة ، فارسي معرّب : الخفارة. لسان العرب ١٠ : ١٤.

٩١

الاستئجار - وهو أحد وجهي الشافعية(١) - لأنّ بذل الاُجرة بذل مال [ بحقّ ](٢) والمـُبَذْرِقُ أهبة الطريق ، كالراحلة وغيرها.

ويحتمل عدم الوجوب - وهو الوجه الثاني للشافعية(٣) - لأنّه خسران لدفع الظلم ، فأشبه التسليم إلى الظالم.

مسألة ٦٢ : يشترط لوجوب الحجّ وجود الزاد والماء في المواضع التي جرت العادة بحمل الزاد والماء منها ، فإن كان العام عام جدب وخلا بعض تلك المنازل عن أهلها أو انقطعت المياه ، لم يلزمه الحجّ ، لأنّه إن لم يحمل معه ، خاف على نفسه ، وإن حمله ، لحقته مؤونة عظيمة.

وكذلك الحكم لو كان يوجد الزاد والماء فيها لكن بأكثر من ثمن المثل وهو القدر اللائق في ذلك المكان والزمان.

وإن وجدهما بثمن المثل ، لزم التحصيل ، سواء كانت الأسعار رخيصةً أو غاليةً إذا وفي ماله.

ويحمل منها قدر ما جرت العادة به في طريق مكة كحمل الزاد من الكوفة والماء مرحلتين أو ثلاثاً إذا قدر عليه ووجد آلات الحمل.

وأمّا علف الدواب فيشترط وجوده في كلّ مرحلة.

ويشترط أيضاً في الوجوب : وجود الرفقة إن احتاج إليها ، فإن حصلت له الاستطاعة وحصل بينه وبين الرفقة مسافة لا يمكنه اللحاق أو يحتاج أن يتكلّف إمّا بمناقلة(٤) أو بجعل منزلين منزلاً ، لم يلزمه الحج تلك السنة ، فإن بقي حالته في إزاحة العلّة إلى السنة المقبلة ، لزمه ، وإن مات قبل ذلك لا يجب أن يحجّ عنه ، فإن فاتته السنة المقبلة ولم يحج ، وجب حينئذٍ أن يُحجّ‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٢٥ ، المجموع ٧ : ٨٢.

(٢) في النسخ الخطية والحجرية : يخفّ. وهي تصحيف ، وما أثبتناه من فتح العزيز.

(٣) المصادر في الهامش (١)

(٤) مناقلة من النقيل : ضرب من السير ، وهو المداومة عليه. الصحاح ٥ : ١٨٣٤.

٩٢

عنه ، ولو احتاج إلى حركة عنيفة يعجز عنها ، سقط في عامه ، فإن مات قبل التمكّن ، سقط.

النظر الرابع : في اتّساع الوقت‌

مسألة ٦٣ : اتّساع الوقت شرط في الوجوب ، وهو أن يكمل فيه هذه الشرائط والزمان يتّسع للخروج ولحوق المناسك ، فلو حصلت الشرائط وقد ضاق الوقت بحيث لو شرع في السير لم يصل إلى مكة ، لم يجب الحج في ذلك العام عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الله تعالى إنّما فرض الحجّ على المستطيع وهذا غير مستطيع ، ولأنّ هذا يتعذّر معه فعل الحج ، فكان شرطاً ، كالزاد والراحلة.

وقال أحمد في الرواية الثانية : إنّه ليس شرطاً في الوجوب ، وإنّما هو شرط للزوم الحج ، لأنّهعليه‌السلام فسّر الاستطاعة بالزاد والراحلة(٢) .

وهو ضعيف وقد سلف(٣) .

ولو مات حينئذٍ ، لم يُقْض عنه ، ولو علم الإِدراك لكن بعد طيّ المنازل وعجزه عن ذلك ، لم يجب ، ولو قدر ، وجب.

تتمّة تشتمل على مسائل :

الاُولى : هذه الشرائط التي ذكرناها منها ما هو شرط في الصحة والوجوب ، وهو : العقل ؛ لعدم الوجوب على المجنون وعدم الصحة منه ، ومنها ما هو شرط في الصحة دون الوجوب ، وهو : الإِسلام ، فإنّ الكافر يجب عليه الحج وغيره من فروع العبادات عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي في‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٦ ، المجموع ٧ : ٨٨ - ٨٩ ، فتح العزيز ٧ : ٢٩ ، المغني ٣ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٥ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ١ : ٤٦٦.

(٢) المغني ٣ : ١٦٦ - ١٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٥ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ١ : ٤٦٦ ، المجموع ٧ : ٨٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠.

(٣) راجع : بداية مبحث أمن الطريق.

٩٣

أحد الوجهين.

وفي الآخر : إنّه غير واجب عليه. وجَعَل الإِسلام شرطاً في الوجوب. وبه قال أبو حنيفة(١) .

لنا : عموم قوله تعالى :( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (٢) والعارض - وهو الكفر - لا يصلح للمانعية ، كما لا يمنع من الخطاب بالإِسلام.

واحتجاج أبي حنيفة : بأنّ الكافر إمّا أن يجب عليه حال كفره أو بعد إسلامه ، والأول باطل؛ لأنّه لو وجب عليه ، لصحّ منه ، وإلّا لزم التكليف بالمحال ، والثاني باطل ؛ لقولهعليه‌السلام : (الإِسلام يجبّ ما قبله )(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ الوجوب حالة الكفر يستلزم الصحة العقلية ، أمّا الشرعية فإنّها موقوفة على شرط هو قادر عليه وهو : الإِسلام ، فكان كالمحدث المخاطب بالصلاة.

إذا عرفت هذا ، فلو أحرم وهو كافر ، لم يصح إحرامه ، فإذا أسلم قبل فوات الوقوف بالمشعر، وجب عليه الرجوع إلى الميقات وإنشاء الإِحرام منه ، وإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه ، ولو أسلم بعد فوات الوقوف بالمشعر ، وجب عليه في المـُقبل.

مسألة ٦٤ : المرتدّ إذا كان قد حجّ حالة إسلامه ثم حصل الارتداد بعد قضاء مناسكه ، لم يعد الحجّ بعد التوبة - وبه قال الشافعي(٤) - لما رواه العامّة من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لمـّا سُئل أحجّتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ فقال : ( للأبد )(٥) .

____________________

(١) شرح البدخشي ١ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، المجموع ٣ : ٤ و ٧ : ١٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٠.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ١٤ : ٣١٣ ، وفي مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥ ، ودلائل النبوة - للبيهقي - ٤ : ٣٥١ ، والطبقات الكبرى - لابن سعد - ٧ : ٤٩٧ بتفاوت.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥ ، المجموع ٧ : ٩.

(٥) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٦.

٩٤

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ كان مؤمناً فحجّ ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب يحسب له كلّ عمل صالح عمله ولا يبطل منه شي‌ء »(١) .

ولأنّه أوقع الحجّ بشروطه ، فخرج عن العهدة ؛ لعدم وجوب التكرّر.

وتردّد الشيخرحمه‌الله ، وقوّى الإِعادة(٢) وجزم بها أبو حنيفة(٣) ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) (٤) .

وهو ممنوع ؛ فإنّ الإِحباط مشروط بالموافاة.

تذنيب : المخالف إذا حجّ على معتقده ولم يُخلّ بشي‌ء من أركان الحجّ ، لم تجب عليه الإِعادة؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر ثم منّ الله عليه بمعرفته والدينونة به تجب عليه حجّة الإِسلام أو قد قضى فريضة؟ قال : « قد قضى فريضة ، ولو حجّ كان أحبّ إليّ»(٥) . الحديث.

آخر : لو أحرم ثم ارتدّ ثم عاد إلى الإِسلام ، كان إحرامه باقياً وبنى عليه.

وللشافعي وجهان : أحدهما : الإِبطال(٦) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الإِحرام لا يبطل بالموت والجنون ، فلا يبطل بالردّة.

ومنها : ما هو شرط في الوجوب دون الصحة ، وهو : البلوغ والحرّية والاستطاعة وإمكان المسير ؛ لأنّ الصبي والمملوك ومَنْ ليس معه زاد ولا راحلة‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٠ / ١٥٩٧.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٠٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥ ، المجموع ٧ : ٩.

(٤) المائدة : ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٢٧٥ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٦٣ / ١٢٨١ ، التهذيب ٥ : ١٠ / ٢٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤٦ / ٤٧٥.

(٦) المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٨ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٣.

٩٥

وليس بمخلّى السرب ولا يمكنه المسير لو تكلّفوا الحج لصحّ منهم وإن لم يكن واجباً عليهم ولا يجزئهم عن حجّة الإِسلام.

مسألة ٦٥ : جامع الشرائط إذا قدر على المشي ، كان المشي أفضل من الركوب مع عدم الضعف عن أداء الفرائض ، ولو خاف الضعف عن إكمال الفرائض واستيفاء الشرائط والدعاء ، كان الركوب أفضل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ما عُبد الله بشي‌ء أشدّ من المشي ولا أفضل »(١) .

وسُئل الصادقعليه‌السلام عن فضل المشي ، فقال : « الحسن بن عليعليهما‌السلام قاسَمَ ربّه ثلاث مرّات حتى نعلاً ونعلاً وثوباً وثوباً وديناراً وديناراً ، وحجّ عشرين حجّة ماشياً على قدمه »(٢) .

وقد روي أنّ الصادقعليه‌السلام سُئل : الركوب أفضل أم المشي؟

فقال : « الركوب أفضل من المشي لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ركب »(٣) .

وهو محمول على التفصيل الذي ذكرناه ؛ لما روي عنهعليه‌السلام أيّ شي‌ء أحبّ إليك نمشي أو نركب؟ فقال : « تركبون أحبّ إليّ ، فإنّ ذلك أقوى على الدعاء والعبادة »(٤) .

تذنيب : لو نذر أن يحجّ حجّة الإِسلام ماشياً ، وجب عليه الوفاء به مع القدرة ، لأنّه نذر في طاعة ، ولو عجز عن المشي ، وجب الركوب.

ولو نذر أن يحجّ ماشياً غير حجّة الإِسلام ، فإن قيّده بوقت ، تعيّن مع القدرة ، فإن عجز في تلك السنة ، احتمل وجوب الركوب مع القدرة ، وعدمه ؛ للعجز عن النذر فيسقط ، ولو لم يكن مقيّداً ، توقّع المكنة.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١١ / ٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٤١ / ٤٦٠.

(٢) التهذيب ٥ : ١١ - ١٢ / ٢٩ ، الاستبصار ٢ : ١٤١ - ١٤٢ / ٤٦١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢ / ٣١ ، الاستبصار ٢ : ١٤٢ / ٤٦٣.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢ / ٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١٤٢ / ٤٦٤.

٩٦

مسألة ٦٦ : إذا كملت شرائط الحج فأهمل ، أثم ، فإن حجّ في السنة المقبلة ، برئت ذمته ، ويجب عليه المبادرة على الفور ولو مشياً.

وإن مات ، وجب أن يخرج عنه حجّة الإِسلام وعمرته من صلب المال ، ولا تسقط بالموت عند علمائنا أجمع - وبه قال الحسن وطاوس والشافعي(١) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّ امرأة سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن أبيها مات ولم يحج ، قال : ( حجّي عن أبيك )(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه سماعة بن مهران ، قال : سألت الصادقعليه‌السلام عن الرجل يموت ولم يحج حجّة الإِسلام ولم يوص بها وهو موسر ، فقال : « يحجّ عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك »(٣) .

ولأنّه حقّ استقرّ عليه تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدّيْن.

وقال أبو حنيفة ومالك : تسقط بالموت ، فإن وصّى بها ، فهي من الثلث - وبه قال الشعبي والنخعي - لأنّها عبادة بدنية تسقط بالموت ، كالصلاة(٤) .

والفرق : أنّ الصلاة لا تدخلها النيابة.

مسألة ٦٧ : وفي وجوب الاستئجار من البلد الذي وجب على الميت الحج فيه إمّا من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه قولان :

أحدهما هذا ، وبه قال الحسن البصري وإسحاق ومالك في النذر(٥) .

والثاني : أنّه يجب من أقرب الأماكن إلى مكة وهو الميقات - وبه قال‌

____________________

(١) مختصر المزني : ٦٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣١ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٦ ، المجموع ٧ : ١٠٩ و ١١٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٤ ، المغني ٣ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٦.

(٢) سنن النسائي ٥ : ١١٧ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٨ : ٢٨٤ / ٢٧٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١٥ / ٤١.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٤٤ ، المغني ٣ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٣ ، التفريع ١ : ٣١٥.

(٥) المغني ٣ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٦.

٩٧

الشافعي(١) - وهو الأقوى عندي ؛ لأنّ الواجب أداء المناسك في المشاعر المخصوصة ، ولهذا لو خرج بنيّة التجارة ثم جدّد نيّة الحجّ عند المواقيت ، أجزأه فعله ، فعَلِمْنا أنّ قطع المسافة غير مطلوب للشرع.

ولما رواه حريز بن عبد الله عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أعطى رجلاً حجّةً يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة ، قال : « لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه»(٢) .

وسأل علي بن رئاب ، الصادقعليه‌السلام عن رجل أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإِسلام فلم يبلغ جميع ما ترك إلّا خمسين درهماً ، قال : « يحجّ عنه من بعض المواقيت الذي وقّت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قرب »(٣) ولم يستفصل الإِمامعليه‌السلام في الجواب هل يمكن أن يحجّ بها من أبعد من الميقات أم لا؟

احتجّ الآخرون : بأنّ الحجّ وجب على الميّت من بلده فوجب أن ينوب عنه منه ؛ لأنّ القضاء يكون على وفق الأداء ، كقضاء الصلاة والصيام(٤) .

ونحن نمنع الوجوب من البلد ، وإنّما ثبت اتّفاقاً ، ولهذا لو اتّفق له اليسار في الميقات ، لم يجب عليه الرجوع إلى بلده لإِنشاء الإِحرام منه ، فدلّ على أنّ قطع المسافة ليس مراداً للشارع.

تذنيبات:

لو كان له موطنان ، قال الموجبون للاستنابة من بلده : يستناب من أقربهما(٥) . فإن وجب عليه الحجّ بخراسان ومات ببغداد ، أو وجب عليه‌

____________________

(١) المغني ٣ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١٥ / ١٤٤٥.

(٣) الاستبصار ٢ : ٣١٨ / ١١٢٨ ، والتهذيب ٥ : ٤٠٥ / ١٤١١.

(٤) المغني ٣ : ١٩٨ - ١٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٧.

(٥) المغني ٣ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٧.

٩٨

ببغداد فمات بخراسان ، قال أحمد : يحجّ عنه من حيث وجب عليه لا من حيث موته(١) .

ويحتمل أن يحجّ عنه من أقرب المكانين ؛ لأنّه لو كان حيّاً في أقرب المكانين لم يجب عليه الحجّ من أبعد منه فكذا نائبه.

فإن خرج للحجّ فمات في الطريق ، حُجّ عنه من حيث مات ؛ لأنّه أسقط بعض ما وجب عليه ، فلم يجب ثانياً ، وكذا إن مات نائبه استنيب من حيث مات كذلك.

قال أحمد : ولو أحرم بالحج ثم مات ، صحّت النيابة عنه فيما بقي من النسك ، سواء كان إحرامه لنفسه أو لغيره ؛ لأنّها عبادة تدخلها النيابة ، فإذا مات بعد فعل بعضها ، قضي عنه باقيها ، كالزكاة(٢) .

ولو لم يخلّف تركةً تفي بالحج من بلده ، حُجّ عنه من حيث تبلغ ، وإن كان عليه دين لآدمي؛ تحاصّا ، ويؤخذ للحجّ حصّته فيستأجر بها من حيث تبلغ.

ولو أوصى أن يُحجّ عنه ولم تبلغ النفقة ، قال أحمد : يحجّ عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من غير مدينته ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )(٣) .

ولأنّه قدر على أداء بعض الواجب فلزمه ، كالزكاة(٤) .

وعنه رواية اُخرى أنّ الحجّ يسقط عمّن عليه دين ؛ لأنّ حقّ الآدمي المعيّن أولى بالتقديم(٥) .

____________________

(١) المغني ٣ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٧.

(٢) المغني ٣ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٨ ، الكافي في فقه الإِمام أحمد ١ : ٤٧١.

(٣) صحيح البخاري ٩ : ١١٧ ، مسند أحمد ٢ : ٥٠٨.

(٤) المغني ٣ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٨.

(٥) المغني ٣ : ٢٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٩.

٩٩

وهو باطل ؛ لقولهعليه‌السلام : ( دين الله أحقّ أن يقضى )(١) .

ولو أوصى بحجّ تطوّع بثلث ماله فلم يف الثلث بالحج من بلده ، حجّ به من حيث يبلغ.

ويستناب عن الميت ثقة بأقلّ ما يوجد إلّا أن يرضى الورثة بزيادة أو يكون قد أوصى بشي‌ء فيجوز ما أوصى به ما لم يزد على الثلث.

مسألة ٦٨ : إذا أوصى أن يُحجّ عنه فإمّا أن يكون بحجّ واجب أو مندوب ، أو لا يعلم وجوبه وندبه ، فإن كان بواجب فلا يخلو إمّا أن يعيّن قدراً أو لا ، وإن عيّن فإن كان بقدر اُجرة المثل ، أخرجت من الأصل ، وإن زادت عن اُجرة المثل ، اُخرجت اُجرة المثل من الأصل والباقي من الثلث ، وإن لم يعيّن ، أخرجت أجرة المثل من أصل المال.

وإن كان مندوباً ، اُخرج ما يعيّنه من الثلث إن عيّن قدراً ، وإلّا اُجرة المثل ، وإن لم يعلم ، اُخرج من الثلث اُجرة المثل أو ما عيّنه ؛ حملاً للإِطلاق على الندب ؛ لأصالة البراءة.

ولو أوصى بالحجّ عنه دائماً ، حُجّ عنه بقدر ثلث ماله إمّا مرّة واحدة أو أزيد.

ولو أوصى بالحجّ ولم يبلغ الثلث قدر ما يحجّ عنه من أقرب الأماكن ولم يوجد راغب فيه وكان عليه دين ، صُرف في الدّيْن ، فإن فضل منه فضلة أو لم يكن دين ، فالأولى الصدقة به ؛ لخروجه بالوصية عن ملك الورثة.

ويحتمل صرفه إلى الميراث ؛ لأنّه لمـّا تعذّر الوجه الموصى به رجع إلى الورثة كأنّه لا وصية.

مسألة ٦٩ : مَنْ مات قبل الحجّ فإمّا أن يكون قد وجب عليه الحجّ أو‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٤٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٠٤ / ١٥٥ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٢ : ١٥ / ١٢٣٣٢.

١٠٠