تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460
المشاهدات: 161991
تحميل: 4707


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 161991 / تحميل: 4707
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 8

مؤلف:
ISBN: 964-319-051-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وهو غلط ؛ لأنّ القصر عزيمة ، فلا يجوز خلافه.

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا أهل مكّة لا تقصروا في أقلّ من أربعة برد )(١) .

ولو كان الإمام مسافراً قصّر وقصّر مَنْ خلفه من المسافرين وأتمّ المقيمون خلفه ، عند علمائنا ، وكذا أهل مكة يتمّون ؛ لنقص المسافة عن مسافة القصر - وبه قال عطاء ومجاهد والزهري والثوري والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي وابن المنذر(٢) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أهل مكة عن القصر(٣) .

وقال مالك والأوزاعي : لهم القصر ؛ لأنّ لهم الجمع ، فكان لهم القصر كغيرهم(٤) .

والفرق : السفر.

ويستحب تعجيل الصلاة حين تزول الشمس ، وأن يقصّر الخطبة ثم يتروّح إلى الموقف ؛ لأنّ التطويل يمنع من التعجيل إلى الموقف.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غدا من منى حين صلّى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مهجراً ، فجمع بين الظهر والعصر ، ثم خطب الناس ، ثم راح فوقف على الموقف من عرفة(٥) .

____________________

(١) سنن الدار قطني ١ : ٣٨٧ / ١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٧ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٩٦ - ٩٧ / ١١٦٢.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، المجموع ٨ : ٩١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٨.

(٣) المصادر في الهامش (١).

(٤) بداية المجتهد ١ : ٣٤٧ - ٣٤٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٥ ، المجموع ٨ : ٩١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٣٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٨٨ / ١٩١٣.

١٨١

ولا خلاف في هذا بين علماء الإسلام.

مسألة ٥٣٢ : إذا فرغ من الصلاتين ، جاء إلى الموقف فوقف ، ويستحب له الاغتسال للموقف.

قال الصادقعليه‌السلام : « الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس »(١) .

ويقطع التلبية عند زوال الشمس من يوم عرفة ؛ لأنّ عبد الله بن سنان(٢) سأل - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن تلبية المتمتّع متى يقطعها؟ قال : « إذا رأيت بيوت مكة ، ويقطع تلبية الحج عند زوال الشمس يوم عرفة »(٣) .

ويقطع تلبية العمرة المبتولة حين تقع أخفاف الإبل في الحرم.

فإذا جاء إلى الموقف بسكينة ووقار ، حمد الله وأثنى عليه وكبّره وهلّله ودعا واجتهد.

قال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « وإنّما تعجّل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء ، فإنّه يوم دعاء ومسألة ، ثم تأتي الموقف بالسكينة والوقار ، فاحمد الله وهلّله ومجّده واثن عليه وكبّره مائة مرّة واحمد الله مائة مرّة وسبّح مائة مرّة واقرأ قل هو الله أحد مائة مرّة ، وتخيّر لنفسك من الدعاء ما أحببت فإنّه يوم دعاء ، وتعوّذ بالله من الشيطان فإنّ الشيطان لن يذهلك في موطن قطّ أحبّ إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن ، وإيّاك أن تشتغل بالنظر إلى الناس وأقبل قِبَل نفسك »(٤) الحديث.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦٢ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٨١ / ٦٠٧.

(٢) في المصدر : عبد الله بن مسكان.

(٣) التهذيب ٥ : ١٨٢ / ٦٠٩.

(٤) التهذيب ٥ : ١٨٢ / ٦١١ بتفاوت يسير.

١٨٢

ويستحب فيه الدعاء الذي دعا به زين العابدينعليه‌السلام في الموقف(١) ، وأن يكثر من الدعاء لإخوانه المؤمنين ويؤثرهم على نفسه.

قال إبراهيم بن هاشم : رأيت عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفاً كان أحسن من موقفه ، ما زال مادّاً يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خدّيه حتى تبلغ الأرض ، فلمـّا صرف الناس قلت : يا أبا محمد ما رأيت موقفاً قطّ أحسن من موقفك ، قال : والله ما دعوت فيه إلّا لإخواني ، وذلك لأنّ أبا الحسن موسىعليه‌السلام أخبرني أنّه « مَنْ دعا لأخيه بظهر الغيب نُودي من العرش ولك مائة ألف ضعف مثله » فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحد لا أدري يستجاب أم لا(٢) .

إذا عرفت هذا ، فهذه الأدعية وغيرها ليست واجبةً ، وإنّما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازاً مع النيّة.

مسألة ٥٣٣ : أوّل وقت الوقوف بعرفة زوال الشمس من يوم عرفة ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقف بعد الزوال(٤) ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٥) ووقف الصحابة كذلك ، وأهل الأعصار من زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زماننا هذا مطبقون على الابتداء في‌

____________________

(١) اُنظر : مصباح المتهجّد : ٦٣٠ - ٦٤٠.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦٥ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٨٤ / ٦١٥.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧ ، شرح السنّة - للبغوي - ٤ : ٣١٩ و ٤٠٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٣ ، المجموع ٨ : ١٠١ و ١٢٠ ، المغني ٣ : ٤٤٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٣.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٠ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٥ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٨.

(٥) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

١٨٣

الوقوف بعد زوال الشمس ، ولو كان جائزاً قبل ذلك لفَعَله بعضهم.

قال ابن عبد البرّ : أجمع العلماء على أنّ أوّل الوقوف بعرفة بعد زوال الشمس(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « ثم تأتي الموقف » بعد الصلاتين(٢) ، والأمر للوجوب.

وقال أحمد : أوّله طلوع الفجر من يوم عرفة ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَنْ صلّى معنا هذه الصلاة - يعني صلاة الصبح يوم النحر - وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه وقضى تفثه )(٣) ولم يفصّل قبل الزوال وبعده(٤) .

وهو محمول على ما بعد الزوال استناداً إلى فعلهعليه‌السلام .

مسألة ٥٣٤ : آخر الوقت الاختياري غروب الشمس من يوم عرفة.

روى العامّة عن عليّعليه‌السلام واُسامة بن زيد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دفع حين غربت الشمس(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « فأفاض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد غروب الشمس »(٦) .

وسأل يونس بن يعقوب الصادقَعليه‌السلام : متى نفيض من عرفات؟

____________________

(١) الاستذكار ١٣ : ٢٨ - ٢٩ ، المغني ٣ : ٤٤٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٨٢ / ٦١١.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٢٣٩ / ٨٩١ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٣ و ٢٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١١٦ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٦٣ بتفاوت يسير.

(٤) المغني ٣ : ٤٤٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٢ ، المجموع ٨ : ١٢٠.

(٥) المغني ٣ : ٤٤١ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٣٢ / ٨٨٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٩١ / ١٩٢٤.

(٦) التهذيب ٥ : ١٨٦ / ٦١٩.

١٨٤

قال : « إذا ذهبت الحمرة من هاهنا » وأشار بيده إلى المشرق وإلى مطلع الشمس(١) .

مسألة ٥٣٥ : لو لم يتمكّن من الوقوف بعرفة نهاراً وأمكنه أن يقف بها ليلاً ولو قليلاً إلى أن يطلع الفجر أو قبله ، وجب عليه ، وأجزأه إذا أدرك المشعر قبل طلوع الشمس يوم النحر ، ولا نعلم في ذلك خلافاً ، لما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه وقضى تفثه )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ، فقال : « إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتى يأتي عرفات ، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فإنّ الله تعالى أعذر لعبده ، وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة [ مفردة ] ، وعليه الحجّ من قابل »(٣) .

البحث الثالث : في الأحكام.

مسألة ٥٣٦ : الوقوف بعرفة ركن في الحجّ يبطل الحجّ بتركه عمداً ، عند علماء الإسلام.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٦ / ٦١٨.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٨٣ ، الهامش (٣).

(٣) التهذيب ٥ : ٢٨٩ / ٩٨١ ، الاستبصار ٢ : ٣٠١ / ١٠٧٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

١٨٥

روى العامّة عن عبد الرحمن بن يعمر الدئلي(١) ، قال : أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعرفة ، فجاءه نفر من أهل نجد ، فقالوا : يا رسول الله كيف الحجّ؟ قال : ( الحجّ عرفة ، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جَمْع(٢) فقد تمّ حجّه ) وأمر رجلاً ينادي : الحجّ عرفة(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أصحاب الأراك لا حجّ لهم »(٤) وإذا انتفى الحجّ مع الوقوف بحدّ عرفة فمع عدم الوقوف أولى.

ولو ترك وقوف عرفة سهواً أو لعذر ، تداركه ولو قبل الفجر من يوم النحر إذا علم أنّه يلحق المشعر قبل طلوع الشمس ، فإن لم يلحق عرفات إلّا ليلاً ولم يلحق المشعر إلّا بعد طلوع الشمس ، فقد فاته الحجّ.

روى الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ، فقال : « إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتى يأتي عرفات ، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف‌

____________________

(١) في الطبعة الحجرية : عبد الرحمن بن نعيم الديلمي. وفي نسخة بدل منها وأيضاً في « ق ، ك‍ » : عبد الرحمن بن نعم الديلمي ، وكذا في المغني لابن قدامة ، إلّا أنّ فيه : الديلي. وما أثبتناه من الطبقات - لابن سعد - ٧ : ٣٦٧ ، واُسد الغابة ٣ : ٣٢٨ ، وتهذيب التهذيب ٦ : ٢٧٠ / ٥٨٩ ، والإصابة ٢ : ٢٤٥ ، والمصادر الحديثية.

(٢) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجرية : ليلة الحج. والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٩٦ / ١٩٤٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٣ / ٣٠١٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٣٧ / ٨٨٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧٣ ، المغني ٣ : ٤٣٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٨٧ / ٩٧٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٢ / ١٠٧٩.

١٨٦

بالمشعر الحرام فإنّ الله تعالى أعذر لعبده وقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحجّ من قابل »(١) .

مسألة ٥٣٧ : لعرفة وقتان : اختياري من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها ، واضطراري من الغروب إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، عند علمائنا.

ووافقنا الشافعي في المبدأ وأنّه يدخل بزوال الشمس يوم عرفة ، وخالفنا في آخره ، فجعله طلوع الفجر يوم النحر(٢) .

فلو اقتصر على الوقوف ليلاً ، كان مدركاً للحجّ على المذهب المشهور عندهم(٣) .

ولهم ثلاثة أوجه ، أحدها - وهو الصحيح عندهم - : أنّ المقتصر على الوقوف ليلا مدرك ، سواء أنشأ الإحرام قبل ليلة العيد أو فيها. والثاني : أنّه ليس بمدرك على التقديرين. والثالث : أنّه يدرك بشرط تقديم الإحرام عليها(٤) .

ولو اقتصر على الوقوف نهاراً ، صحّ وقوفه بالإجماع.

مسألة ٥٣٨ : يجب أن يقف إلى غروب الشمس بعرفة ، فإن أفاض قبله عامداً ، وجب عليه بدنة ، فإن عجز عن البدنة ، صام ثمانية عشر يوماً‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٨٩ / ٩٨١ ، الاستبصار ٢ : ٣٠١ / ١٠٧٦.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٧ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٣٣ ، المجموع ٨ : ١٠١ و ١٢٠ ، شرح السنّة - للبغوي - ٤ : ٣١٩ و ٤٠٩.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٦٣.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٦٣.

١٨٧

بمكّة أو في الطريق أو في أهله ، وصحّ حجّه ، عند علمائنا ، وبه قال ابن جُريج والحسن البصري(١) .

وقال باقي العامّة - إلّا مالكاً - : يجب عليه دم(٢) .

وللشافعي قول باستحباب الدم(٣) .

وقال مالك : يبطل حجّه(٤) .

لنا على صحّة الحجّ : ما رواه العامّة عن عروة بن مضرّس بن أوس ابن حارثة بن لامٍ الطائي ، قال : أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمزدلفة حين خرج إلى الصلاة ، فقلت : يا رسول الله إنّي جئت من جبلي طيِّ‌ء ، أكللت راحلتي ، وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلّا وقفت عليه ، فهل لي حجّ؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَنْ شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه وقضى تفثه )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه محمد بن سنان عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الذي إن أدركه الإنسان فقد أدرك الحجّ ، فقال : « إذا أتى جَمْعاً والناس في المشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ ولا عمرة له ،

____________________

(١) الاستذكار ١٣ : ٣٠ ، المغني ٣ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٤.

(٢) الاُمّ ٢ : ٢١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٣ ، المجموع ٨ : ١٠٢ و ١١٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٤ ، الاستذكار ١٣ : ٢٩ - ٣٠ ، المغني ٣ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٥٥ - ٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٣ ، المجموع ٨ : ١٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩.

(٤) بداية المجتهد ١ : ٣٤٨ ، الاستذكار ١٣ : ٢٩ ، المغني ٣ : ٤٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٤.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٢٣٨ - ٢٣٩ / ٨٩١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٩٦ / ١٩٥٠ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧٣.

١٨٨

وإن أدرك جَمْعاً بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حجّ له ، فإن شاء أن يقيم بمكّة أقام ، وإن شاء أن يرجع إلى أهله رجع ، وعليه الحجّ من قابل »(١) .

احتجّ مالك : بما رواه ابن عمر : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( مَنْ أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحجّ ، ومَنْ فاته عرفات بليل فقد فاته الحجّ ، فليحلّ بعمرة ، وعليه الحجّ من قابل )(٢) .

والجواب : إنّما خصّ الليل لأنّ الفوات يتعلّق به إذا كان يوجد بعد النهار فهو آخر وقت الوقوف ، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها )(٣) .

وعلى وجوب البدنة : ما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( مَنْ ترك نسكاً فعليه دم )(٤) . والأحوط البدنة ؛ لحصول يقين البراءة معها.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه ضريس عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سألته عمّن أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس ، قال : « عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في الطريق أو في أهله »(٥) .

ولو أفاض قبل الغروب ساهياً ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكذا الجاهل ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١) الاستبصار ٢ : ٣٠٣ / ١٠٨٢ ، والتهذيب ٥ : ٢٩٠ / ٩٨٤.

(٢) المغني ٣ : ٤٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٣.

(٣) المغني ٣ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٤.

(٤) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٣٦٤ ، والشيرازي في المهذّب ١ : ٢٣٣ ، والماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ١٧٤ ، وابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٩٦ والشرح الكبير ٣ : ٣٩٨.

(٥) الكافي ٤ : ٤٦٧ - ٦٨ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٨٦ / ٦٢٠.

١٨٩

ولقول الصادقعليه‌السلام في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس ، قال : « إذا كان جاهلاً فلا شي‌ء عليه ، وإن كان متعمّداً فعليه بدنة »(١) .

مسألة ٥٣٩ : لو أفاض قبل الغروب عامداً عالماً ثم عاد إلى الموقف نهاراً فوقف حتى غربت الشمس ، فلا دم عليه‌ - وبه قال مالك والشافعي تفريعاً على الوجوب عنده ، وأحمد(٢) - لأنّه أتى بالواجب ، وهو الجمع بين الوقوف في الليل والنهار ، فلم يجب عليه دم ، كمن تجاوز الميقات وهو [ غير ](٣) مُحْرم ثم رجع فأحرم منه.

ولأنّ الواجب عليه الوقوف حالة الغروب وقد فعله.

ولأنّه لو لم يقف أوّلاً ثم أتى قبل غروب الشمس ووقف حتى تغرب الشمس ، لم يجب عليه شي‌ء ، كذا هنا.

وقال الكوفيّون وأبو ثور : عليه دم(٤) .

ولو كان عوده بعد الغروب ، لم يسقط عنه الدم - وبه قال أحمد(٥) - لأنّ الواجب عليه الوقوف حالة الغروب وقد فاته.

وقال الشافعي : يسقط الدم(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٧ / ٦٢١.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٦٣ - ٣٦٤ ، المجموع ٨ : ١٠٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٤ ، الاستذكار ١٣ : ٢٩ ، المغني ٣ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٤.

(٣) أضفناها لأجل السياق.

(٤) المغني ٣ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٤ ، الاستذكار ١٣ : ٣٠ ، شرح السنّة - للبغوي - ٤ : ٣٢١.

(٥) المغني ٣ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩.

(٦) الاُم ٢ : ٢١٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٤ ، فتح العزيز ٧ : ٣٦٤ و ٣٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٣ ، المجموع ٨ : ١٠٢ و ١١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩.

١٩٠

ولو فاته الوقوف بعرفة نهاراً وجاء بعد غروب الشمس ووقف بها ، صحّ حجّه ، ولا شي‌ء عليه إجماعاً ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَنْ أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحجّ )(١) .

ويجوز له أن يدفع من عرفات أيّ وقت شاء ، ولا دم عليه إجماعاً.

لا يقال : إنّه وقف أحد الزمانين ، فوجب الدم ، كما قلتم إذا وقف نهاراً وأفاض قبل الليل.

لأنّا نقول : الفرق : أنّ مَنْ أدرك النهار أمكنه الوقوف إلى الليل والجمع بين الليل والنهار ، فتعيّن ذلك عليه ، فإذا تركه ، لزمه الدم ، ومَنْ أتاها ليلاً لا يمكنه الوقوف نهاراً ، فلم يتعيّن عليه ، فلا يجب الدم بتركه.

مسألة ٥٤٠ : لو غمّ الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة ، فوقف الناس تاسع ذي الحجة ، ثم قامت البيّنة أنّه العاشر ، فالوجه : فوات الحجّ‌ إذا لم يتّفق له الحضور بعرفة ولا المشعر قبل طلوع الشمس ، لقولهعليه‌السلام : ( الحجّ عرفة )(٢) ولم يدركها.

وقال الشافعي : يجزئهم ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( حجّكم يوم تحجّون ).

ولأنّ ذلك لا يؤمن مثله في القضاء مع اشتماله على المشقّة العظيمة الحاصلة من السفر الطويل وإنفاق المال الكثير(٣) .

قال : ولو وقفوا يوم التروية ، لم يجزئهم ؛ لأنّه لا يقع فيه الخطأ ؛ لأنّ نسيان العدد لا يتصوّر من العدد الكثير - والعدد القليل يعذرون في ذلك -

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٤٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٤٤.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٣ / ٣٠١٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٣٧ / ٨٨٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٠ - ٢٤١ / ١٩.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٦٤ - ٣٦٥ ، المجموع ٨ : ٢٩٢.

١٩١

لأنّهم مفرطون ، ويأمنون ذلك في القضاء(١) .

ولو شهد اثنان عشيّة عرفة برؤية الهلال ولم يبق من النهار والليل ما يمكن الإتيان إلى عرفة ، اجتزأ بالمزدلفة.

وقال الشافعي : يقفون من الغد(٢) .

ولو أخطأ الناس أجمع في العدد فوقفوا غير يوم(٣) عرفة ، لم يجزئهم.

وقال بعض العامّة : يجزئهم ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه )(٤)(٥) .

وإن اختلفوا فأصاب بعضهم وأخطأ بعض ، لم يجزئهم ؛ لأنّهم غير معذورين في هذا.

ولو شهد واحد أو اثنان برؤية هلال ذي الحجّة وردّ الحاكم شهادتهما ، وقفوا يوم التاسع على وفق رؤيتهم وإن وقف الناس يوم العاشر عندهما ، وبه قال الشافعي(٦) .

وقال محمد بن الحسن : لا يجزئه حتى يقف مع الناس يوم العاشر(٧) ؛ لأنّ الوقوف لا يكون في يومين ، وقد ثبت في حقّ الجماعة يوم العاشر.

____________________

(١) اُنظر : فتح العزيز ٧ : ٣٦٦ ، المجموع ٨ : ٢٩٣.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٦٥ ، المجموع ٨ : ٢٩٢.

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : ليلة. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ٢٢٣ - ٢٢٤ - ٣٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧٦.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣٦٤ - ٣٦٥.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٣٦٦ ، المجموع ٨ : ٢٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩.

(٧) المجموع ٨ : ٢٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٩.

١٩٢

ونمنع كونه لا يقع في يومين مطلقاً ؛ لإمكانه بالنسبة إلى شخصين ؛ لاختلاف سبب الوجوب في حقّهما ، والأصل فيه أنّ الوقوف في نفس الأمر واحد وتعدّد بالاشتباه ، كالصلاة المنسيّة.

تذنيب : لو غلطوا في المكان فوقفوا بغير عرفة ، لم يصحّ حجّهم.

* * *

١٩٣

الفصل الثالث

في الوقوف بالمشعر الحرام‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في مقدّماته‌

مسألة ٥٤١ : إذا غربت الشمس في عرفات ، فليفض منها قبل الصلاة إلى المشعر ويدعو بالمنقول‌ ، ويستحب أن يقتصد في السير ، فيسير سيراً جميلاً بسكينة ووقار ، ويستغفر الله تعالى ويكثر منه ؛ لما رواه العامّة عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - في حديث طويل - : حتى دفع وقد شنق القصواء(١) بالزِّمام حتى أنّ رأسها ليُصيب مَوْرِك رحله(٢) ويقول بيده اليمنى : ( أيّها الناس السكينة السكينة )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا غربت الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار ، وأفض من حيث أفاض الناس واستغفر الله إنّ الله غفور رحيم ، فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر عن‌

____________________

(١) يقال : شنقت البعير : إذا كففته بزمامه وأنت راكب. والقصواء لقب ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٥٠٦ و ٤ : ٧٥ « شنق » « قصا ».

(٢) المـُوْرِك : المرفقة التي تكون عند قادمة الرَّحْل يضع الراكب رجله عليها ليستريح من وضع رجله في الركاب. أراد أنّه كان قد بلغ في جذب رأسها إليه ليكفّها عن السير. النهاية - لابن الأثير - ٥ : ١٧٦ - ١٧٧ « ورك ».

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٠ - ٨٩١ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٥ - ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ - ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٨.

١٩٤

يمين الطريق فقُل(١) : اللّهم ارحم موقفي »(٢) الحديث.

مسألة ٥٤٢ : لا ينبغي أن يلبّي في سيره‌ ؛ لما تقدّم(٣) من أنّ الحاج يقطع التلبية يوم عرفة ، خلافاً لأحمد ؛ فإنّه استحبّها(٤) .

ويستحب أن يمضي على طريق المأزمين ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلكها(٥) .

ويستحب له الإكثار من ذكر الله تعالى.

قال عزّ وجلّ :( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) (٦) .

ويستحب له أن يصلّي المغرب والعشاء بالمزدلفة وإن ذهب ربع الليل أو ثلثه ، بإجماع العلماء.

ورواه العامّة عن جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بمزدلفة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام - في الصحيح - : « لا تصلّ المغرب حتى تأتي جَمْعاً وإن ذهب ثلث الليل »(٨) .

مسألة ٥٤٣ : يستحب أن يؤذّن للمغرب ويُقيم‌ ويصلّيها ثم يُقيم للعشاء من غير أذان ويصلّيها ، عند علمائنا - وهو أحد أقوال الشافعي ،

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : « فإذا انتهى فليقل » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ١٨٧ / ٦٢٣.

(٣) تقدّم في المسألة ٥٣٢.

(٤) المغني ٣ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٥.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٦ ، المغني ٣ : ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٥.

(٦) البقرة : ١٩٨.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢١.

(٨) التهذيب ٥ : ١٨٨ / ٦٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٤ / ٨٩٥.

١٩٥

واختاره أبو ثور وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايات(١) - لما رواه العامّة عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام عن جابر في صفة حجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه جمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « صلاة المغرب والعشاء بجَمْع بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصلّ بينهما شيئاً » وقال : « هكذا صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٣) .

وقال الشافعي : يقيم لكلّ صلاة إقامة(٤) . وهو رواية عن أحمد(٥) ، وبه قال إسحاق وسالم والقاسم بن محمد ، وهو قول ابن عمر(٦) .

وقال الثوري : يُقيم للاُولى من غير أذان ، ويصلّي الاُخرى بغير أذان ولا إقامة(٧) . وهو مروي عن ابن عمر أيضاً وأحمد(٨) .

وقال مالك : يجمع بينهما بأذانين وإقامتين(٩) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٦ ، المجموع ٨ : ١٣٤ و ١٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩ ، الاستذكار ٣ : ١٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٤٧.

(٢) اُنظر المصادر في ص ١٩٤ ، الهامش (٧).

(٣) التهذيب ٥ : ١٩٠ / ٦٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٥ / ٨٩٩.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٧٦ ، المجموع ٨ : ١٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩ ، شرح السنّة - للبغوي - ٤ : ٣٢٩ ، المغني ٣ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٦ ، الاستذكار ١٣ : ١٥٠.

(٥) المغني ٣ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٦ ، المجموع ٨ : ١٤٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٩.

(٦) المغني ٣ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٦ ، المجموع ٨ : ١٤٩ ، شرح السنّة - للبغوي - ٤ : ٣٢٩.

(٧) شرح معاني الآثار ٢ : ٢١٤ ، المغني ٣ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٦ ، الاستذكار ١٣ : ١٥٠.

(٨) المغني ٣ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٦.

(٩) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٣ ، الاستذكار ٣ : ١٥٠ ، المجموع ٨ : ١٤٩ ، شرح السنّة - للبغوي - ٤ : ٣٢٩.

١٩٦

احتجّ أحمد : بما رواه اُسامة بن زيد ، قال : دفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ، ثم توضّأ ، فقلت له : الصلاة يا رسول الله ، فقال : ( الصلاة أمامك ) فركب فلمـّا جاء مزدلفة نزل فتوضّأ فأسبغ الوضوء ثم اُقيمت الصلاة فصلّى المغرب ثم أناخ كلّ إنسان بعيره في مبركه(١) ثم اُقيمت الصلاة فصلّى ولم يصلّ بينهما(٢) (٣) .

واحتجّ الثوري : بما رواه ابن عمر ، قال : جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين المغرب والعشاء بجَمْع ، صلّى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بإقامة واحدة(٤) .

واحتجّ مالك : بأنّ عمر وابن مسعود أذّنا أذانين وإقامتين(٥) .

والجواب : أنّ روايتنا تضمّنت الزيادة ، فكانت أولى ، وقول مالك مخالف للإجماع.

قال ابن عبد البرّ : لا أعلم فيما قاله مالك حديثا مرفوعا بوجه من الوجوه(٦) .

وأمّا عمر فإنّما أمر بالتأذين للثانية ؛ لأنّ الناس كانوا قد تفرّقوا لعشائهم ، فأذّن لجمعهم(٧) .

____________________

(١) في المصادر : منزله.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٣٩ / ١٢٨٠ ، صحيح البخاري ١ : ٤٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٩١ / ١٩٢٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٢ ، الموطّأ ١ : ٤٠٠ - ٤٠١ / ١٩٧ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢١٤.

(٣) المغني ٣ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٦.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٩٣٨ / ٢٩٠ ، المغني ٣ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٦.

(٥) المغني ٣ : ٤٤٧ - ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٧.

(٦) المغني ٣ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٧.

(٧) شرح معاني الآثار ٢ : ٢١١ ، الاستذكار ١٣ : ١٥٩ ، المغني ٣ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٧.

١٩٧

ولا ينبغي أن يصلّي بينهما شيئاً من النوافل إجماعاً ؛ لحديث جابر(١) واُسامة(٢) من طريق العامّة.

ومن طريق الخاصّة : قول عنبسة بن مصعب : قلت للصادقعليه‌السلام : إذا صلّيت المغرب بجَمْع اُصلّي الركعات بعد المغرب؟ قال : « لا ، صلّ المغرب والعشاء ثم تصلّي الركعات بَعْدُ »(٣) .

ولو صلّى بينهما شيئاً من النوافل ، لم يكن مأثوماً ؛ لأنّ الجمع مستحبّ ، فلا يترتّب على تركه إثم.

وما رواه العامّة عن ابن مسعود أنّه كان يتطوّع بينهما ، ورواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول أبان بن تغلب - في الصحيح - : صلّيت خلف الصادقعليه‌السلام المغرب بالمزدلفة ، فقام فصلّى المغرب ثم صلّى العشاء الآخرة ولم يركع فيما بينهما ، ثم صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة فلمـّا صلّى المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات(٥) .

مسألة ٥٤٤ : لو ترك الجمع فصلّى المغرب في وقتها ، والعشاء في وقتها ، صحّت صلاته‌ ، ولا إثم عليه ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال عطاء وعروة والقاسم بن محمد وسعيد بن جبير ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأبو يوسف وابن المنذر(٦) - لأنّ كلّ صلاتين جاز الجمع‌

____________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٩٤ ، الهامش (٧).

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٩٦ ، الهامش (٢).

(٣) التهذيب ٥ : ١٩٠ / ٦٣١ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٥ / ٩٠٠.

(٤) المغني ٣ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٧.

(٥) التهذيب ٥ : ١٩٠ / ٦٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٦ / ٩٠١.

(٦) المغني ٣ : ٤٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٣ - ٢٣٤ ، المجموع ٨ : ١٣٤.

١٩٨

بينهما جاز التفريق بينهما ، كالظهر والعصر بعرفة.

وما تقدّم من الأخبار.

احتجّوا(١) بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الصلاتين ، فكان نسكاً ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم)(٢) .

ولأنّه قالعليه‌السلام لاُسامة : ( الصلاة أمامك )(٣) .

وهو محمول على الاستحباب ؛ لئلّا يقطع سيره.

ولو فاته مع الإمام الجمع ، جمع منفرداً إجماعاً ؛ لأنّ الثانية منهما تصلّى في وقتها ، بخلاف الظهر مع العصر(٤) عند العامّة(٥) .

ولو عاقه في الطريق عائق وخاف أن يذهب أكثر الليل ، صلّى في الطريق ؛ لئلّا يفوت الوقت؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « لا بأس أن يصلّي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة »(٦) .

وينبغي أن يصلّي نوافل المغرب بعد العشاء ، ولا يفصل بين الصلاتين ، ولو فَعَل ، جاز ، لكنّ الأوّل أولى ؛ لرواية أبان(٧) .

وينبغي أن يصلّي قبل حطّ الرحال ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كذا فَعَل(٨) .

____________________

(١) كذا من غير سبق لذكر قول المخالف ، وفي المغني ٣ : ٤٤٩ والشرح الكبير ٣ : ٤٤٧ ورد هكذا : وقال أبو حنيفة والثوري : لا يجزئه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الصلاتين ، إلى آخر ما جاء في المتن.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٩٦ ، الهامش (٢).

(٤) كذا ، والأنسب : بخلاف العصر مع الظهر.

(٥) المغني ٣ : ٤٤٨.

(٦) التهذيب ٥ : ١٨٩ / ٦٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٥ / ٨٩٨.

(٧) تقدّمت الرواية مع الإشارة إلى مصدرها في ص ١٩٧ الهامش (٥).

(٨) صحيح البخاري ١ : ٤٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٣٩ / ١٢٨٠ ، سنن أبي داود ٢ : =

١٩٩

ويبيت تلك الليلة بمزدلفة ، ويكثر فيها من ذكر الله تعالى والدعاء والتضرّع والابتهال إلى الله تعالى.

قال الصادقعليه‌السلام - في الحسن - : « لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة وتقول : اللّهم هذه جَمْع» إلى آخره ، قالعليه‌السلام : « وإن استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل ، فإنّه بلغنا أنّ أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين ، لهم دويّ كدويّ النحل ، يقول الله عزّ وجلّ ثناؤه : أنا ربّكم وأنتم عبادي أدّيتم حقّي ، وحقّ عليّ أن أستجيب لكم ، فيحطّ تلك الليلة عمّن أراد أن يحطّ عنه ذنوبه ، ويغفر لمن أراد أن يغفر له »(١) .

والمبيت بمزدلفة ليس ركناً وإن كان الوقوف بها ركناً ؛ لما رواه العامّة عن عروة بن مضرّس ، قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بجَمْع ، فقال : ( مَنْ صلّى معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجّه )(٢) .

ولأنّه مبيت في مكان ، فلا يكون ركناً ، كالمبيت بمنى.

وحكي عن الشعبي والنخعي أنّهما قالا : المبيت بمزدلفة ركن(٣) ، لقولهعليه‌السلام : ( من ترك المبيت بالمزدلفة فلا حجّ له )(٤) .

وجوابه - بعد تسليمه - أنّ المراد مَنْ لم يبت بها ولم يقف وقت‌

____________________

= ١٩١ / ١٩٢٥ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢١٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٢ ، الموطّأ ١ : ٤٠٠ - ٤٠١ - ١٩٧.

(١) الكافي ٤ : ٤٦٨ - ٤٦٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٨٨ - ١٨٩ / ٦٢٦.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ١٩٥٠ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٣٨ - ٢٣٩ - ٨٩١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧٣.

(٣) المجموع ٨ : ١٥٠ ، المغني ٣ : ٤٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٤٩.

(٤) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٣٦٧.

٢٠٠