تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460
المشاهدات: 161944
تحميل: 4707


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 161944 / تحميل: 4707
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 8

مؤلف:
ISBN: 964-319-051-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مكة قريب منها - بضم الطاء ، وقد تُفتح وتُكسر.

ويستحب له أن يدخل مكة من أعلاها إذا كان داخلاً من طريق المدينة ، ويخرج من أسفلها ؛ لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادقَعليه‌السلام : من أين أدخل مكة وقد جئت من المدينة؟ قال : « ادخل من أعلى مكة ، وإذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة »(١) .

وروى العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يدخل من الثنيّة العُلْيا ويخرج من الثنيّة السُفْلى(٢) .

وهذا في حقّ مَنْ يجي‌ء من المدينة والشام ، فأمّا الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنيّة. وكذا في الاغتسال بذي طُوى.

وقيل : بل هو عام ، ليحصل التأسّي بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويستحب له أن يغتسل لدخول مكّة من بئر ميمون أو فخّ ؛ لما روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَله(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه( طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (٤) وينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلّا وهو طاهر قد غسل عرقه والأذى وتطهّر »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٩ ( باب دخول مكة ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٩٨ / ٣٢١.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٧٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩١٨ / ١٢٥٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٨١ / ٢٩٤٠ ، سنن أبي داود ٢ : ١٧٤ / ١٨٦٦ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠٩ / ٨٥٣.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩١٩ / ٢٢٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠٨ / ٨٥٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٧١.

(٤) البقرة : ١٢٥.

(٥) الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٨ - ٩٩ / ٣٢٢.

٨١

ولو اغتسل ثم نام قبل دخولها ، استحب إعادته ؛ لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل الكاظمعليه‌السلام - في الصحيح - عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام [ فيتوضّأ ](١) قبل أن يدخل الحرم ، قال : « لا يجزئه ، لأنّه إنّما دخل بوضوء »(٢) .

ويستحب له أن يدخل مكة بسكينة ووقار حافياً ؛ لأنّه أبلغ في الطاعة.

ولأنّ الصادقعليه‌السلام فَعَله(٣) .

مسألة ٤٤٦ : دخول مكة واجب للمتمتّع ، أوّلاً يطوف بالبيت ويسعى ويقصّر ثم يُنشئ إحرام الحجّ ، أمّا القارن والمفرد فلا يجب عليهما ذلك ؛ لأنّ الطواف والسعي إنّما يجب عليهما بعد الموقفين ونزول منى وقضاء بعض مناسكها ، لكن يجوز لهما أيضاً دخول مكة والمقام بها على إحرامهما حتى يخرجا إلى عرفات ، فإن أرادا الطواف بالبيت استحباباً ، جاز ، غير أنّهما يجدّدان التلبية عقيب كلّ طواف وسعي حتى يخرجا إلى عرفات.

وقد بيّنّا أنّ كلّ مَنْ دخل مكة يجب أن يكون مُحْرماً ، إلّا المتكرّر ، كالحطّاب والمرضى والرُّعاة والمقاتل شرعاً ، والعبد ؛ لأنّ السيّد لم يأذن له بالتشاغل عن خدمته.

ومَنْ يجب عليه دخول مكة بإحرام لو دخلها بغير إحرام ، لم يجب عليه القضاء - وبه قال الشافعي(٤) - لأصالة البراءة.

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٩٩ / ٣٢٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ٩٧ / ٣١٧.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٢ ، المجموع ٧ : ١٣ و ١٦ ، المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤.

٨٢

وقال أبو حنيفة : عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة ، فإن فعل في سنته لحجّة الاسلام أو منذورة أو عمرة منذورة ، أجزأه ذلك عن عمرة الدخول [ استحساناً ](١) ، وإن لم يحجّ من سنته ، استقرّ القضاء(٢) .

مسألة ٤٤٧ : الحائض والنفساء يستحب لهما الاغتسال لدخول مكّة ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عائشة لمـّا حاضت : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت )(٣) .

ويجوز دخول مكّة ليلاً ونهاراً إجماعاً ؛ للأصل.

وحكي عن عطاء أنّه كره دخولها ليلاً(٤) .

وقال إسحاق : دخولها نهاراً أولى(٥) . وحكي ذلك عن النخعي(٦) .

والأصل أنّهعليه‌السلام دخلها تارةً ليلاً وتارةً نهاراً(٧) .

مسألة ٤٤٨ : إذا أراد دخول المسجد الحرام ، استحبّ له أن يغتسل ؛ لما تقدّم(٨) . وأن يدخله على سكينة ووقار حافياً بخشوع وخضوع من باب بني شيبة ؛ لأنّ هبل الصنم مدفون تحت عتبة باب بني شيبة ، فاستحبّ الدخول منها ليطأه الداخل برجله. ويدعو بالمنقول.

____________________

(١) في « ف ، ط ، ن » والطبعة الحجرية : استحباباً. والصحيح ما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٢) المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٨٤ و ٢ : ١٩٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٣ - ٨٧٤ / ١٢٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣ و ٨٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤.

(٤) كما في الخلاف ٢ : ٣١٩ ، المسألة ١٢١ ، وفي المجموع ٨ : ٧ : وممّن استحب دخولها نهاراً : عطاء.

(٥ و ٦ ) الحاوي الكبير ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٥ ، المجموع ٨ : ٧.

(٧) اُنظر : صحيح مسلم ٢ : ٩١٩ / ٢٢٦ و ٢٢٧ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٧٤ / ١٨٦٥ ، وسنن النسائي ٥ : ١٩٩ ، وسنن الدارمي ٢ : ٧٠ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٢.

(٨) تقدّم في المسألة ٤٤٥.

٨٣

الفصل الثالث

في الطواف‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في مقدّماته.

مسألة ٤٤٩ : الطهارة شرط في الطواف الواجب ، فلا يصحّ طواف المحدث عند علمائنا - وبه قال مالك والشافعي(١) - لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( الطواف بالبيت صلاة إلّا أنّكم تتكلّمون فيه )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلّا الطواف بالبيت ، والوضوء أفضل »(٣) .

ولو شرع في الطواف الواجب على غير طهارة فذَكَر ، إعادة ؛ لأنّ زرارة سأل الباقرَعليه‌السلام : عن الرجل يطوف بغير وضوء أيعتدّ بذلك الطواف؟ قال : « لا »(٤) وهو يتناول العامد والساهي.

ولو ذكر في الأثناء أنّه محدث ، أعاد الطواف من أوّله ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظم - في الصحيح - : عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر‌

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣٤٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤٤ ، الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٢٨٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٨ ، المجموع ٧ : ١٥ و ١٧ ، المغني ٣ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٩.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٠٩ ، وبتفاوت يسير في سنن الترمذي ٣ : ٢٩٣ / ٩٦٠ ، وسنن البيهقي ٥ : ٨٧.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٠ / ١٢٠١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ١١٦ / ٣٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢١ / ٧٦٢‌

٨٤

وهو في الطواف ، فقال : « يقطع طوافه ولا يعتدّ به »(١) .

وقال أبو حنيفة : ليست الطهارة شرطاً(٢) . واختلف أصحابه ، فقال بعضهم بالأوّل(٣) ، وبعضهم بالثاني(٤) .

وعن أحمد روايتان : إحداهما كقولنا ، والثاني : أنّ الطهارة ليست شرطاً. فمتى طاف للزيارة غير متطهّر ، أعاد ما دام مقيماً بمكّة ، فإن خرج إلى بلده ، جبره بدم(٥) .

مسألة ٤٥٠ : لا تُشترط الطهارة في طواف النافلة وإن كانت أفضل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : في رجل طاف على غير وضوء : « إن كان تطوّعاً فليتوضّأ وليصلّ »(٦) .

وسأل عبيدُ بن زرارة الصادقَعليه‌السلام : إنّي أطوف طواف النافلة وإنّي على غير وضوء ، فقال : « توضّأ وصلّ وإن كنت(٧) متعمّداً »(٨) .

مسألة ٤٥١ : يشترط خُلوّ البدن والثوب من النجاسة‌ في صحّة‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٠ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١١٧ / ٣٨١ ، وفيهما : « ولا يعتدّ بشي‌ء ممّا طاف ».

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٩ ، المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤٤ ، المجموع ٨ : ١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٦.

(٣) أي : اشتراط الطهارة.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٩ ، المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٦ - ٣٢٧.

(٥) المغني ٣ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٦ ، المجموع ٨ : ١٧.

(٦) التهذيب ٥ : ١١٧ / ٣٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٢ / ٧٦٦.

(٧) في النسخ الخطّية « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : « كان » بدل « كنت » وما أثبتناه من المصدر.

(٨) التهذيب ٥ : ١١٧ / ٣٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٢ / ٧٦٧.

٨٥

الطواف ، سواء كانت النجاسة دماً أو غيره ، قلّت أو كثرت ؛ لقولهعليه‌السلام : ( الطواف بالبيت صلاة )(١) .

ولأنّها شرط في الصلاة ، فتكون شرطاً في الطواف.

[ والستر شرط في الطواف ](٢) - والخلاف فيه كما تقدّم - لقولهعليه‌السلام : ( الطواف بالبيت صلاة )(٣) .

وقولهعليه‌السلام : ( لا يحجّ بعد العام مشرك ولا عريان )(٤) .

ولأنّها عبادة متعلّقة بالبدن ، فكانت الستارة شرطاً فيها ، كالصلاة.

والختان شرط في الطواف للرجل مع القدرة دون المرأة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « الأغلف لا يطوف بالبيت ولا بأس أن تطوف المرأة »(٥) .

مسألة ٤٥٢ : يستحب أن يغتسل لدخول المسجد‌ ويدخل من باب بني شيبة بعد أن يقف عندها ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل منها(٦) .

ويسلّم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويدعو بالمأثور.

ويكون دخوله بخضوع وخشوع ، وعليه سكينة ووقار ، ويقول إذا نظر إلى الكعبة : الحمد لله الذي عظّمك وشرّفك وكرّمك وجعلك مثابة للناس وآمناً مباركاً وهدى للعالمين.

____________________

(١) سنن النسائي ٥ : ٢٢٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٥ و ٨٧ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٥٩ و ٢ : ٢٦٧ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٣٤ / ١٠٩٥٥.

(٢) أضفناها من منتهى المطلب ٢ : ٦٩٠ - للمصنّف - لأجل السياق.

(٣) المصادر في الهامش (١).

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٨٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٢ / ١٣٤٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٣٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٧ - ٨٨ ، وفيها ( ولا يطوف بالبيت عريان ).

(٥) التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٣.

(٦) سنن البيهقي ٥ : ٧٢.

٨٦

البحث الثاني : في كيفية الطواف.

مسألة ٤٥٣ : يجب في الطواف : النيّة ، وهي شرط ، لقولهعليه‌السلام : ( لا عمل إلّا بالنيّة )(١) .

وهو أن ينوي الطواف للحجّ أو العمرة واجباً أو ندباً قربةً إلى الله تعالى.

ويجب أن يبتدئ في الطواف من الحجر الأسود الذي في الركن العراقي ؛ فإنّ البيت له أربعة أركان : ركنان يمانيّان ، وركنان شاميّان ، وكان لاصقاً بالأرض ، وله بابان : شرقيّ وغربيّ ، فهدمه السيل قبل مبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعشر سنين ، وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هو عليها اليوم ، وقصرت الأموال الطيّبة والهدايا والنذور عن عمارته ، فتركوا من جانب الحجر بعض البيت.

روت عائشة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ستّة أذرع من الحِجْر من البيت )(٢) فتركوا بعض البيت من جانب الحجر خارجاً ؛ لأنّ النفقة كانت تضيق عن العمارة ، وخلّفوا الركنين الشاميّين عن قواعد إبراهيمعليه‌السلام ، وضيّقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه ، فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعاً ، وهو الذي يسمّى : الشاذروان.

وروي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعائشة : ( لو لا حدثان قومك بالشرك‌

____________________

(١) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٣.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٩ - ٩٧٠ / ٤٠١ وفيه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعائشة ( وزِدْتُ فيها ستة أذرعٍ من الحِجْر ) وكذا في سنن البيهقي ٥ : ٨٩.

٨٧

لهدمت البيت وبنيته على قواعد إبراهيمعليه‌السلام ، فألصقته بالأرض ، وجعلتُ له بابين شرقيّاً وغربيّاً)(١) .

ثم هدمه ابن الزبير أيّام ولايته ، وبناه على قواعد إبراهيمعليه‌السلام ، كما تمنّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم لـمّا استولى عليه الحجّاج ، هدمه ، وأعاده على الصورة التي عليه اليوم ، وهي بناء قريش والركن الأسود ، والباب في صوب الشرق والأسود ، وهو أحد الركنين اليمانيّين ، والباب بينه وبين أحد الشاميّين ، وهو الذي يسمّى عراقيّاً أيضاً ، والباب إلى الأسود أقرب منه إليه ، ويليه الركن الآخر الشامي ، والحجر بينهما ، والميزاب بينهما ، ويلي هذا الركن اليماني الآخر الذي عن يمين الأسود.

مسألة ٤٥٤ : ويجب أن يحاذي بجميع بدنه الحجر الأسود‌ في مروره(٢) حين الابتداء به في الطواف ، فلو ابتدأ الطائف من غير الحجر الأسود ، لم يعتد بما فَعَله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود ، فيكون منه ابتداء طوافه إن جدّد النيّة عنده أو استصحبها فعلاً.

ولو نسيها واستمرّ على نيّته الاُولى ، لم يعتد بذلك الشوط ، فإن جدّد النيّة في ابتداء الشوط الثاني ، وإلّا بطل طوافه.

وينبغي أن يمرّ عند الابتداء بجميع بدنه على الحجر الأسود بأن لا يقدّم جزءاً من الحجر ، فلو حاذاه ببعض البدن ، لم يعتد بذلك الطواف ،

____________________

(١) أورده نصّاً الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٩٠ ، وبتفاوت يسير في صحيح مسلم ٢ : ٩٦٩ - ٩٧٠ / ٤٠١ ، وسنن النسائي ٥ : ٢١٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٨٩.

(٢) في « ف ، ن » والطبعة الحجرية : بروزه. والأنسب ما أثبتناه ، علماً بأنّ الكلمة على اختلافها لم ترد في « ط » لسقوطها.

٨٨

وهو الجديد للشافعي(١) - وقال في القديم : يعتد به(٢) - لما رواه العامّة عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدأ بالحجر ، فاستلمه ، وفاضت عيناه من البكاء(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « من اختصر في الحِجْر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود »(٤) والأمر للوجوب ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٤٥٥ : وكما يجب الابتداء بالحجر الأسود يجب الختم به‌ هكذا سبعة أشواط ، فلو ترك ولو خطوة منها ، لم يجزئه ، ولا تحلّ له النساء حتى يعود إليها ، فيأتي بها ؛ لأنّ رعاية العدد شرط في صحة الطواف عندنا - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٥) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله طاف بالبيت سبعاً(٦) .

وقالعليه‌السلام : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٧) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحجر ، قال : « يعيد ذلك الشوط »(٨) .

____________________

(١و٢) الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٢٩٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٩ ، المجموع ٨ : ٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٣٤ - ١٣٥.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٧٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٨.

(٥) الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٨ ، المجموع ٨ : ٢١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، المغني ٣ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١١.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٨٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٨٦ / ٢٩٥٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٢٥ و ٢٣٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٣ - ٧٤.

(٧) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٨) التهذيب ٥ : ١٠٩ / ٣٥٣.

٨٩

ولأنّها عبادة واجبة ذات عدد فلا يقوم أكثر عددها مقام كلّها ، كالصلاة.

ولأنّه مأمور بعدد ، فلا يخرج عن العهدة ببعضه ، إذ الفائت لا بدل له مطلقاً.

وقال أبو حنيفة : إذا طاف أربعة أشواط ، فإن كان بمكة ، لزمه إتمام الطواف ، وإن خرج ، لزمه جبرها بدم ، لأنّ أكثر الشي‌ء يقوم مقام الجميع ، فإنّ مَنْ أدرك ركوع الإمام أدرك ركعته ؛ لأنّه أدرك أكثرها(١) .

وهو خطأ ؛ فإنّ الفائت هو القراءة والإمام ينوب فيها ، بخلاف صورة النزاع.

مسألة ٤٥٦ : ويجب أن يطوف على يساره‌ بأن يجعل البيت عن يساره ، ويطوف على يمين نفسه ، فلو نكس وجعل البيت عن يمينه ومرّ على وجهه نحو الركن اليماني وطاف ، لم يجزئه ، ووجب عليه الإعادة عند علمائنا - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٢) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ترك البيت في طوافه على جانبه اليسار(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٤) فيجب اتّباعه.

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٣ - ٣٠٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥١ ، المجموع ٨ : ٢٢ ، المغني ٣ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١١.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٥٠ ، فتح العزيز ٧ : ٢٩٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٩ ، المجموع ٨ : ٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٧ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٩ ، المغني ٣ : ٤٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٤٤.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٣ / ١٥٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١١ / ٨٥٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٩٠.

(٤) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

٩٠

وقال أبو حنيفة : يعيد الطواف ما دام بمكة ، فإن فارقها ، أجزأه دم شاة ؛ لأنّه أتى بالطواف ، وإنّما ترك هيئةً من هيئاته ، فلا يمنع إجزاءه كما لو ترك الرمل(١) .

والفرق ندبية الرمل.

مسألة ٤٥٧ : ويجب أن يجعل البيت على جانبه الأيسر‌ ويطوف كذلك الأشواط السبعة ، فلو استقبل البيت بوجهه وطاف معترضاً ، لم يصح - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) - لأنّه لم يُولّ الكعبة شقّه الأيسر ، كما أنّ المصلّي لمـّا أمر بأن يولّي الكعبة صدره ووجهه ، لم يجز له أن يولّيها شقّه.

والوجه الثاني للشافعية : الجواز ؛ لحصول الطواف في يسار البيت(٣) .

وكذا يجري الخلاف فيما لو ولّاها(٤) بشقّه الأيمن ومرّ القهقرى نحو الباب أو استدبر ومرّ معترضاً.

ومن صحّح الطواف فالمعتبر عنده أن يكون تحرّك الطائف ودورانه في يسار البيت.

مسألة ٤٥٨ : ويجب أن يكون بجميع بدنه خارجاً من البيت ، فلا يجوز أن يمشي على شاذروان البيت ؛ لأنّه من البيت ، والطواف المأمور به هو الطواف بالبيت.

قال الله تعالى :( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٥) وإنّما يكون طائفاً به لو كان خارجاً عنه ، وإلّا كان طائفاً فيه.

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٤٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٩٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٧ ، المغني ٣ : ٤٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٧.

(٢و٣) فتح العزيز ٧ : ٢٩٢ ، المجموع ٨ : ٣٢.

(٤) في « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : لو لاقاها. والصحيح ما أثبتناه.

(٥) الحج : ٢٩.

٩١

ويجب أن يدخل الحِجْر في طوافه ، وهو الذي بين الركنين الشاميّين ، وهو موضع محوّط عليه بجدار قصير بينه وبين كلّ واحد من الركنين فتحة ، والميزاب منصوب عليه ، فلو مشى على حائطه أو دخل من إحدى الفتحتين وخرج من الاُخرى وسلك الحِجْر ، لم يجزئ ؛ لأنّه يكون ماشياً في البيت ، بل يجب أن يطوف حول الحجر - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كذا طاف(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « من اختصر في الحِجْر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود »(٣) .

وكتب إبراهيم بن سفيان إلى الرضاعليه‌السلام : امرأة طافت طواف الحج ، فلمـّا كانت في الشوط السابع اختصرت ، فطافت في الحِجْر ، وصلّت ركعتي الفريضة ، وسعت وطافت طواف النساء ، ثم أتت منى ، فكتب : « تعيد »(٤) .

والقول الثاني للشافعي : إنّ الذي هو من البيت من الحِجْر قدر ستّة أذرع تتّصل بالبيت ؛ لأنّ عائشة قالت : نذرتُ أن اُصلّي ركعتين في البيت ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( صلّي في الحِجْر ، فإنّ ستّة أذرع منه من البيت )(٥) (٦) .

ومنهم من يقول : ستّة أو سبعة أذرع ، بنوا الأمر فيه على التقريب(٧) .

وقال أبو حنيفة : إذا سلك الحِجْر ، أجزأه(٨) . وليس بجيّد.

____________________

(١) الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٢٩٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٨ ، المجموع ٨ : ٢٥ و ٢٦.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٩٠.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٨.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٩.

(٥) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٩٦.

(٦و٧) فتح العزيز ٧ : ٢٩٦ ، المجموع ٨ : ٢٥.

(٨) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٢٤ ، المسألة ١٣٢.

٩٢

ولو دخل إحدى الفتحتين وخرج من الاُخرى ، لم يحسب له - وبه قال الشافعي في أحد قوليه(١) - ولا طوافه بعده حتى ينتهي إلى الفتحة التي دخل منها.

ولو خلّف القدر الذي هو من البيت ثم اقتحم الجدار وتخطّى الحِجْر ، ففي صحّة طوافه للشافعية وجهان(٢) ، وعندنا لا يصحّ ؛ لما تقدّم.

مسألة ٤٥٩ : لو كان يطوف ويمسّ الجدار بيده في موازاة الشاذروان أو أدخل يده في موازاة ما هو من البيت من الحِجْر ، فالأقرب عدم الصحّة‌ - وهو أحد وجهي الشافعية(٣) - لأنّ بعض بدنه في البيت ، ونحن شرطنا خروج بدنه بأسره من البيت.

والثاني للشافعية : الجواز ، لأنّ معظم بدنه خارج ، وحينئذ يصدق أن يقال : إنّه طائف بالبيت(٤) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ بعض بدنه في البيت ، كما لو كان يضع إحدى رجليه أحياناً على الشاذروان ويقف بالاُخرى.

مسألة ٤٦٠ : ويجب أن يكون الطواف(٥) داخل المسجد ، فلا يجوز الطواف خارج المسجد ، كما يجب أن لا يكون خارج مكّة والحرم.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عندنا أن يكون الطواف بين البيت والمقام ويدخل الحِجْر في طوافه ، فلو طاف في المسجد خلف المقام ، لم يصح طوافه ؛ لأنّه خرج بالتباعد عن القدر الواجب ، فلم يكن مجزئاً.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٢٩٦ - ٢٩٧ ، المجموع ٨ : ٢٥.

(٢) الموجود في فتح العزيز ٧ : ٢٩٧ ، والمجموع ٨ : ٢٥ صحّة طوافه.

(٣و٤) فتح العزيز ٧ : ٢٩٧ - ٢٩٨ ، المجموع ٨ : ٢٤.

(٥) في « ط ، ف ، ن » : أن يطوف.

٩٣

روى محمد بن مسلم ، قال : سألته عن حدّ الطواف بالبيت الذي مَنْ خرج منه لم يكن طائفاً بالبيت ، قال : « كان [ الناس ](١) على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يطوفون بالبيت والمقام ، وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت ، فكان الحدّ من موضع المقام اليوم ، فمن جازه فليس بطائف ، فالحدّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت ومن نواحي البيت كلّها ، فمن طاف فتباعد من نواحيه أكثر من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد ، لأنّه طاف في غير حدّ ، ولا طواف له »(٢) .

وقد روى الصدوق عن أبان عن محمد الحلبي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الطواف خلف المقام ، قال : « ما أحبّ ذلك وما أرى به بأساً فلا تفعله إلّا أن لا تجد منه بُدّاً »(٣) .

وهو يُعطي الجواز مع الحاجة كالزحام.

وقال الشافعي : لا بأس بالحائل بين الطائف والبيت ، كالسقاية والسواري ، ولا بكونه في آخر باب المسجد وتحت السقف وعلى الأروقة والسطوح إذا كان البيت أرفع بناءً على ما هو اليوم ، فإن جعل سقف المسجد أعلى ، لم يجز الطواف على سطحه ، ويستلزم أنّه لو انهدمت الكعبة - والعياذ بالله - لم يصح الطواف حول عرصتها ، وهو بعيد.

ولو اتّسعت خطّة المسجد ، اتّسع المطاف ، وقد جعلته العبّاسية أوسع ممّا كان في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٣ ( باب حدّ موضع الطواف ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ١٠٨ / ٣٥١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ٢٥٠ - ١٢٠.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٠١ - ٣٠٢ ، المجموع ٨ : ٣٩.

٩٤

وهذا كلّه عندنا باطل.

مسألة ٤٦١ : إذا فرغ من طواف سبعة أشواط تامّة ، صلّى ركعتي الطواف في مقام إبراهيمعليه‌السلام حيث هو الآن - وهو سنة ثمان عشرة وسبعمائة - لأنّ إبراهيم بن أبي محمود قال للرضاعليه‌السلام : اُصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : « حيث هو الساعة »(١) .

فإن كان الطواف مستحبّاً ، كانت هاتان الركعتان مستحبّتين ، وإن كان الطواف فرضاً ، كانت الركعتان فرضاً عند أكثر علمائنا(٢) - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه(٣) - لقوله تعالى :( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) (٤) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّاهما ، وتلا قوله تعالى :( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) (٥) فأفهم الناس أنّ هذه الآية أمر بهذه الصلاة ، والأمر للوجوب.

ولأنّهعليه‌السلام فَعَلَهما وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٦) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٣ - ٤٢٤ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٧ / ٤٥٣.

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٤٢ ، والمبسوط ١ : ٣٦٠ ، والخلاف ٢ : ٣٢٧ ، المسألة ١٣٨ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٥ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٦٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ١٤٨ ، الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٠ ، المجموع ٨ : ٥١ ، المغني ٣ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٤.

(٤) البقرة : ١٢٥.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٢١١ / ٨٥٦ ، سنن النسائي ٥ : ٢٣٥.

(٦) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

٩٥

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيمعليه‌السلام ، فصلّ ركعتين ، واجعله أمامك ، واقرأ فيهما سورة التوحيد ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ). وفي الثانية قل يا أيّها الكافرون ، تم تشهّد واحمد الله وأثن عليه وصلّ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسَلْه أن يتقبّل منك ، وهاتان الركعتان هُما الفريضة ليس يكره أن تصلّيهما أيّ الساعات شئْتَ : عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخّرها ساعة تطوف وتفرغ فصلّهما »(١) .

وقال مالك والشافعي في القول الثاني ، وأحمد : أنّهما مستحبّتان - وهو قول شاذّ من علمائنا(٢) - لأنّها صلاة لم يشرع لها أذان ولا إقامة ، فلا تكون واجبةً(٣) .

قلنا : تكون واجبة ، ولا يسنّ لها الأذان ، وكذا العيد الواجب والكسوف.

مسألة ٤٦٢ : يجب أن يصلّي هاتين الركعتين في المقام‌ - عند أكثر علمائنا(٤) - في طواف الفريضة ، وفي النفل يصلّيهما حيث كان من المسجد ؛ لقول أحدهماعليهما‌السلام : « لا ينبغي أن تصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا عند مقام إبراهيم ، فأمّا التطوّع فحيثما شئت من المسجد »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٣٦ / ٤٥٠.

(٢) كما في السرائر : ١٣٥.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٣٤١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٣ ، الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٠ ، المجموع ٨ : ٥١ و ٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٤ ، المغني ٣ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٤ - ٤١٥.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٤٢ ، والمبسوط ١ : ٣٦٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٥ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٦٨.

(٥) الكافي ٤ : ٤٢٤ / ٨ ، التهذيب ٥ : ١٣٧ / ٤٥٢.

٩٦

وبه قال الثوري ومالك(١) ؛ لما تقدّم(٢) من الآية والأحاديث.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام ، لقول الله تعالى( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) (٣) فإن صلّيتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة»(٤) .

وقال الشيخ في الخلاف : يستحب فعلهما خلف المقام ، فإن لم يفعل وفَعَل في غيره ، أجزأه(٥) . وبه قال الشافعي ؛ لأنّها صلاة ، فلا تختص بمكان كغيرها من الصلوات(٦) .

والقياس لا يعارض القرآن والسنّة.

إذا عرفت هذا ، فلو كان هناك زحام ، صلّى خلف المقام ، فإن لم يتمكّن ، صلّى حياله على أحد جانبيه ؛ لأنّ الحسين بن عثمان قال : رأيت أبا الحسنعليه‌السلام يصلّي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريباً من الظلال لكثرة الناس(٧) .

وقال الشافعي : يستحب أن يصلّيهما خلف المقام ، فإن لم يفعل ، ففي الحجر ، فإن لم يفعل ، ففي المسجد ، فإن لم يفعل ، ففي أيّ موضع‌

____________________

(١) المجموع ٨ : ٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٤ ، وانظر : الحاوي الكبير ٤ : ١٥٤ ، والخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ٣٢٧ ، المسألة ١٣٩.

(٢) تقدّم في المسألة السابقة.

(٣) البقرة : ١٢٥.

(٤) التهذيب ٥ : ١٣٧ / ٤٥١.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٢٧ ، المسألة ١٣٩.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٠ ، المجموع ٨ : ٥٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٩.

(٧) التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦٤.

٩٧

شاء من الحرم وغيره(١) .

والقرآن(٢) يُبطله.

ولا تجزئ الفريضة عن هاتين الركعتين.

وقال الشافعي : إن قلنا بعدم وجوبهما ، فلو صلّى فريضةً بعد الطواف ، حُسبت عن ركعتي الطواف اعتباراً بتحيّة المسجد ، ذكره في القديم(٣) ، واستبعده الجويني(٤) .

مسألة ٤٦٣ : قد بيّنّا أنّ ركعتي طواف المندوب مندوبتان.

وللشافعية طريقان : أحدهما : القطع بعدم الوجوب ؛ لأنّ أصل الطواف ليس بواجب فكيف يكون تابعه واجباً!؟ والثاني : طرد القولين.

ولا يبعد اشتراك الفرض والنفل في الشرائط كاشتراك صلاة الفرض والتطوّع في الطهارة وستر العورة ، وكذا يشتركان في الأركان كالركوع والسجود(٥) .

مسألة ٤٦٤ : لو نسي ركعتي طواف الفريضة ، رجع إلى المقام ، وصلاّهما فيه‌مع القدرة ، فإن شقّ عليه الرجوع ، صلّى حيث ذكر ؛ لأنّ محمد بن مسلم روى - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سُئل عن رجل طاف طواف النساء ولم يصلّ لذلك الطواف حتى ذكر وهو بالأبطح ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٠ ، المجموع ٨ : ٥٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٤.

(٢) البقرة : ١٢٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣١٠ ، المجموع ٨ : ٥٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣١٠.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣١١ ، المجموع ٨ : ٥١.

٩٨

قال : « يرجع إلى المقام فيصلّي الركعتين »(١) .

وسأل أبو بصير - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال الله تعالى :( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) (٢) قال : « فإن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه ولا آمره أن يرجع ولكن يصلّي حيث ذكر »(٣) .

ولو صلّى في غير المقام ناسياً ثم ذكر ، تداركه ، ورجع إلى المقام ، وأعاد الصلاة ؛ لأنّ المأمور به لم يقع ، فيبقى في العهدة.

ولأنّ عبد الله الأبزاري سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل نسي فصلّى ركعتي طواف الفريضة في الحِجْر ، قال : « يعيدهما خلف المقام ، لأنّ الله تعالى يقول :( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) يعني بذلك ركعتي [ طواف ](٤) الفريضة »(٥) .

ولو لم يتمكّن من الرجوع ، استناب مَنْ يصلّي عنه في المقام ؛ لأنّ ابن مسكان قال : حدّثني مَنْ سأله عن الرجل ينسى ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج ، فقال : « يوكّل »(٦) .

وقد اختصّت هذه الصلاة عن غيرها من الصلوات بجريان النيابة فيها ، فإنّ الأجير يؤدّيها عن المستأجر.

مسألة ٤٦٥ : وقت ركعتي الطواف وقت فراغه منه‌ وإن كان أحد‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٦ / ٦ ، التهذيب ٥ : ١٣٨ / ٤٥٥ ، وليس فيهما « الركعتين ».

(٢) البقرة : ١٢٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٥ - ٢٣٦ / ٨١٨.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) التهذيب ٥ : ١٣٨ / ٤٥٤.

(٦) التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٤ / ٨١٣.

٩٩

الأوقات المكروهة إن كان الطواف فرضاً ، وإن كان ندباً ، أخّرهما إلى بعد طلوع الشمس أو بعد المغرب ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « صلّ ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر »(١) .

وأمّا التأخير في النفل : فلما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام : عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر ، قال : « يطوف ويصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها »(٢) .

ولو طاف في وقت فريضة ، قال الشيخرحمه‌الله : قدّم الفريضة على صلاة الطواف(٣) .

ولو صلّى المكتوبة بعد الطواف ، لم تُجزئه عن الركعتين - وبه قال الزهري ومالك وأصحاب الرأي(٤) - لأنّها فريضة ، فلا يجزئ غيرها عنها ، كغيرها من الفرائض المتعدّدة. وطواف النافلة(٥) سنّة ، فلا تجزئ الفريضة عنه ، كركعتي الفجر.

وروي عن ابن عباس وعطاء وجابر بن زيد والحسن وسعيد بن جبير وإسحاق : أنّ الفريضة تُجزئه - وعن أحمد روايتان(٦) - لأنّهما ركعتان شُرّعتا للنسك ، فأجزأت عنهما المكتوبة ، كركعتي الإحرام(٧) .

والجواب : النافلة(٨) في الإحرام بدل عن الإحرام عقيب الفريضة ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ١٤١ / ٤٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٦ / ٨١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ١٤١ / ٤٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٧ / ٨٢٣.

(٣) الاستبصار ٢ : ٢٣٧ - ٢٣٨ ذيل الحديث ٨٢٦.

(٤) المغني ٣ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٥ ، المجموع ٨ : ٦٣.

(٥) قوله : « وطواف النافلة » كذا في النسخ الخطية والحجرية.

(٦) المغني ٣ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٥.

(٧) المجموع ٨ : ٦٣ ، المغني ٣ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٥.

(٨) قوله : « النافلة » كذا في النسخ الخطية والحجرية.

١٠٠