نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٩

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 324

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 324
المشاهدات: 120657
تحميل: 5571


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 324 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 120657 / تحميل: 5571
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 9

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أمير المؤمنينعليه‌السلام لنفسه جارية من السبايا، فذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جوابه ولاية عليعليه‌السلام ، فما معنى ذلك؟ إن معنى ذلك والغرض منه إثبات أولوية عليعليه‌السلام بالتصرف في جميع الأمور، وأن من كان أولى بالتصرف من غيره في الأمور، فليس لأحدٍ أن يعترض عليه أو يتكلّم فيه أو ينازعه في أمور من الأمور، بل يجب على الكل متابعته والانقياد له، وقد ورد في حديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لبريدة: « يا بريدة: إن علياً وليّكم بعدي، فأحبَّ علياً، فإنه يفعل ما يؤمر. الديلمي عن علي ».

دلّ هذا الحديث على ولاية علي عليه‌السلام وعصمته كما هو واضح.

فإذا كان سبب حديث الغدير شكوى بريدة لأجل الواقعة المذكورة كما يزعم بعضهم، فقد دلّت الواقعة وصدور الحديث الشريف فيها على الامامة والخلافة، وهو المطلوب.

وأيضاً، فقد رووا عن بريدة أنه قال بعد أن نهاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بغض عليعليه‌السلام وتنقيصه: « فما كان من الناس من أحد بعد قول النبي أحبّ إليّ من علي » أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، والحافظ ابن كثير عن أحمد(١) والشيخ عبد الحق الدهلوي في معارج النبوة والسيد شهاب الدين أحمد(٢) والبرزنجي(٣) وغيرهم.

ولا ريب في دلالة مثل هذا الكلام على الأفضلية، قال اللّاهوري في ( شرح تهذيب الكلام للتفتازاني ) في ذكر أفضلية أبي بكر: « ولقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والله ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر ومثل هذا الكلام لبيان الأفضلية، إذ الغالب من حال كل اثنين هو. التفاضل دون التساوي، فإذا نفى أفضلية أحدهما ثبت أفضلية الآخر ».

____________________

(١). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٥.

(٢). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٣). نواقض الروافض - مخطوط.

٣٠١

وإذا ثبتت الأفضلية لعليعليه‌السلام فإنّ الافضلية تثبت إمامته وتبطل خلافة المتقدّمين عليه.

١٢ - اختلافهم في سبب الحديث دليل الاختلاق

هذا، ولقد اضطرب أهل السنة في بيان سبب حديث الغدير فذكروا وجوهاً متضاربة وأسباباً مختلفة، الأمر الذي يدعو كلّ منصف إلى الاعتقاد بأن جميع ما ذكروه مفتعل ومختلق، ولا نصيب لشيء من تلك الوجوه من الصحة أبداً.

فتارة يجعلون السبب شكوى بريدة، وأخرى يجعلونه الكلام الذي وقع بين أمير المؤمنينعليه‌السلام وبين أسامة بن زيد، وثالثة يجعلونه الكلام الذي وقع بين زيد بن حارثة وبين أمير المؤمنينعليه‌السلام .

فأمّا الأول فقد ذكره ابن حجر في الصواعق وتبعه عليه البرزنجي وعبد الحق الدهلوي وصاحب المرافض وأمثالهم، واختاره ( الدهلوي ) مضيفاً إليه شكوى خالد بن الوليد وغيره.

وأما الثالث فقد ذكره القاضي عبد الجبار في المغني عن بعضهم. وقد اختاره الفخر الرازي حيث قال: « سلّمنا أنه محمول على الأولى، لكنْ لا نسلّم أنه يجب أن يكون أولى بهم في كلّ شيء، بل يجوز أن يكون أولى بهم في بعض الأشياء، وهو وجوب محبته وتعظيمه والقطع على سلامة باطنه. فإنه روي أنهعليه‌السلام إنما قال هذا الكلام عند منازعةٍ جرت بين زيد وعلي فقال علي لزيد: أنت مولاي، فقال زيد: لست مولى لك إنما أنا مولى رسول اللهعليه‌السلام . فقالعليه‌السلام هذا الكلام عند هذه الواقعة، فينصرف الأولوية إلى حكم هذه الواقعة. وهو أن من كنت أولى به في المحبة والتعظيم والقطع على سلامة الباطن فعلي أولى به في هذه الأحكام »(١) .

____________________

(١). الاربعين للرازي: ٤٦٣.

٣٠٢

وأما الثاني فقد ذكره القاضي عبد الجبار عن بعضهم، واختاره يوسف الأعور الواسطي حيث قال: « الرابع: قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه. قلنا: لا دلالة في هذا الحديث على إمامة علي، لأنه جاء لسبب نزاع زيد ابن حارثة عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع علي حين قال: أتنازعني وأنا مولاك؟ فشكى ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، ولا شك أن أقارب الانسان موالي عتيقه »(١) .

وكأن ابن روزبهان علم بأن هذه الأسباب مخترعة، وأنها على فرض صحتها لا تنافي مطلوب أهل الحق من حديث الغدير، فلذا أعرض عن ذكرها وذكر سبباً آخر يغايرها فقال: « إن واقعة غدير خم كان في مرجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام حجة الوداع، وغدير خم محل افتراق قبائل العرب، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم أنه آخر عمره وأنه لا يجتمع العرب بعد هذا عنده مثل هذا الاجتماع، فأراد أنْ يوصي العرب بحفظ محبة أهل بيته وقبيلته، ولا شك أن علياً كرم الله وجهه كان بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد بني هاشم وأكبر أهل البيت، فذكر فضائله وساواه بنفسه في وجوب الولاية والنصرة والمحبة، ليأخذه العرب سيداً ويعرفوا فضله وكماله »(٢) .

قلت: وإذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد « ساواه بنفسه في وجوب الولاية والنصرة والمحبة » فهل لأحدٍ أن يدعي التقدّم عليه لأحد في هذه الأمور وغيرها؟ إن هذا الكلام يفيد أفضلية أمير المؤمنين ممن تقدّم عليه، والأفضلية دليل الأحقية بالامامة والخلافة.

وكذا قوله: « ليأخذه العرب سيداً ويعرفوا فضله وكماله » فليتأمل.

____________________

(١). رسالة يوسف الاعور في الرد على الامامية - مخطوط.

(٢). ابطال الباطل لابن روزبهان الشيرازي - مخطوط.

٣٠٣

١٣ - الاعتراف بدلالة الحديث على الامامة يفنّد هذه الشبهة

وبالتالي، فإن اعتراف كبار العلماء من أهل السنة أمثال ابن زولاق المصري، وأبي حامد، الغزالي، والحكيم السنائي، وفريد الدين العطار، ومحمد بن طلحة الشافعي، وأبي المظفر شمس الدين سبط ابن الجوزي، ومحمد بن يوسف الكنجي، وسعيد الدين الفرغاني، وملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي، ومحمد بن إسماعيل الأمير اليماني، والمولوي محمد إسماعيل الدهلوي، بدلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام يكفي بوحده لإِبطال هذه الشبهة التي ذكرها ( الدهلوي ) تبعاً لابن حجر المكّي.

ولقد تقدمت نصوص كلمات هؤلاء الاعلام في غضون الكتاب، ونضيف إليها هنا:

١ ) كلام الشيخ علاء الدولة أبي المكارم أحمد بن محمد السمناني حيث قال في كتابه ( العروة الوثقى ):

« وقال لعليعليه‌السلام وسلام الملائكة الكرام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدي. وقال في غدير خم بعد حجة الوداع على ملأ من المهاجرين والأنصار آخذاً بكتفه: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وهذا حديث متفق على صحتّه، فصار سيد الأولياء، وكان قلبه على قلب محمد عليه التحية والسلام، وإلى هذا السّر أشار سيد الصديقين صاحب غار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر، حين بعث أبا عبيدة ابن الجراح إلى علي لاستحضاره: يا أبا عبيدة أنت أمين هذه الأمة، أبعثك إلى من هو في مرتبة من فقدناه بالأمس، ينبغي أن تتكلّم عنده بحسب الأدب » إلى آخر مقالته.

فترى الشيخ علاء الدولة السمناني يقول: « وهذا حديث متفق على صحته، فصار سيد الأولياء، وكان قلبه على قلب محمد » فهذا مدلول حديث الغدير عند أعلام أهل السنة المحققين، فيكون الامامعليه‌السلام في مرتبة

٣٠٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويكون على هذا أفضل من كل من تقدّم على النبي وجميع من تأخر، وبه ينهدم أساس تأويلات المؤولين وتلفيقاتهم في مقابلة الاستدلال بهذا الحديث الشريف.

ترجمة علاء الدين السمناني

والشيخ علاء الدولة من أكابر علماء أهل السنة وعرفائهم المشاهير، وقد ترجموه بكل ثناء وتبجيل، قال الحافظ ابن حجر: « أحمد بن محمد بن أحمد بن السمناني البياضي المكي، يلقب علاء الدين وركن الدين، ولد في ذي الحجة سنة ٥٩ وتفقّه وطلب الحديث وسمع من الرشيد بن أبي القاسم وغيره، وشارك في الفضائل وبرع في العلم، واتصل بأرغون بن الغانم، تاب وأناب ولازم الخلوة، وصحب ببغداد الشيخ عبد الرحمن، وخرج عن بعض ماله، وحجّ مراراً، وله مدارج المعارج.

قال الذهبي: كان إماماً جامعاً كثير التلاوة، وله وقع في النفوس، وكان يحطّ على ابن العربي ويكفّره، وكان مليح الشكل حسن الخلق، عزيز الفتوة كثير البر، يحصل له من أملاكه في العام نحو تسعين ألفاً فينفقها في القرب، أخذ عنه صدر الدين بن حمويه وسراج الدين القزويني وإمام الدين علي بن مبارك البكري. وذكر: أن مصنفاته تزيد على ثلاثمائة، وكان مليح الشكل كثير البر والإِيثار، وكان أولاً قد داخل التتار ثم رجع وسكن تبريز وبغداد، ومات في رجب ليلة الجمعة من سنة ٧٣٦ »(١) .

وقال ابن قاضي شهبة: « أحمد بن محمد بن أحمد الملقب بعلاء الدولة وعلاء الدين أبو المكارم السمناني.

ذكره الأسنوي في طبقاته وقال: كان عالماً مرشداً، له كرامات وتصانيف

____________________

(١). الدرر الكامنة ١ / ٢٥٠.

٣٠٥

كثيرة في التفسير والتصوف وغيرهما. توفي قبل الأربعين وسبعمائة بقليل »(١) .

وقال محمود بن سليمان الكفوي: « الشيخ العارف الرباني والمرشد الكامل الصمداني، ركن الدين أبو المكارم علاء الدولة أحمد بن محمد البيانانكي السمناني »(٢) .

٢ ) كلام أبي شكور محمد بن عبد السعيد بن محمد الكشي السالمي الحنفي فإنه قال في ( التمهيد ): « وقالت الروافض: الامامة منصوصة لعلي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، بدليل أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعله وصياً لنفسه وجعله خليفة من بعده حيث قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي. ثم هارونعليه‌السلام كان خليفة موسىعليه‌السلام ، فكذلك عليرضي‌الله‌عنه .

والثاني: وهو أنّ النبيعليه‌السلام جعله وليّاً للناس لمـّا رجع من مكة ونزل في غدير خم، فأمر النبي أن يجمع رحال الإِبل، فجعلها كالمنبر وصعد عليها فقال: ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: نعم. فقالعليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. والله جل جلاله يقول:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) الآية. نزلت في شأن عليرضي‌الله‌عنه . دلّ أنه كان أولى الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

ثم قال أبو شكور المذكور في الجواب عما ذكره: « وأما قوله: بأنّ النبيعليه‌السلام جعله ولياً. قلنا: أراد به في وقته يعني بعد عثمانرضي‌الله‌عنه وفي زمن معاويةرضي‌الله‌عنه ، ونحن كذا نقول، وكذا الجواب عن قوله تعالى:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية. فنقول: إن علياًرضي‌الله‌عنه كان ولياً

____________________

(١). طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٢ / ٢٤٨.

(٢). كتائب اعلام الأخيار للكفوي - مخطوط.

٣٠٦

وأميراً بهذا الدليل في أيامه ووقته، وهو بعد عثمانرضي‌الله‌عنه ، وأما قبل ذلك فلا ».

إذن، حديث الغدير يدلّ على إمامة الأميرعليه‌السلام ، وكذا الآية المباركة:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ) حيث أن المراد من « الولاية » فيها هي « الامامة والامارة ».

فهذا صريح كلامه، وأما تقييد مدلول الآية المباركة والحديث الشريف بما ذكره من كونه أميراً وإماماً بعد عثمان، فقد عرفت بطلانه بوجوه عديدة وبراهين سديدة، منها قول عمر بن الخطاب نفسه يوم الغدير « أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ».

ولعمري، إنّ هذا التأويل مثل تأويل النصارى نبوة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع الاعتراف بها بأنه مبعوث إلى العرب خاصة.

قال الكابلي في ( الصواقع ): « وقد اعترف اليهود والعيسوية وجم غفير من القادريّين من النصارى ومن تبعهم من نصارى افرنج بنبوته، إلّا أنهم يزعمون أنه مبعوث إلى العرب خاصة، وقد سألت قادرياً عنهعليه‌السلام فقال: هو نبي واسمه في كتبنا. فقلت: لم لا تؤمنون؟ فقال: رسولنا فوق رؤسنا إلى السماء ».

فتأويل هؤلاء مثل تأويل أهل الكتاب حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة.

١٤ - أشعار الأمير وحسان وقيس والأدلة الْأُخرى

هذا، وفضلاً عن الأدلة العديدة والبراهين السديدة التي أقمناها على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وخلافته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل، فإنها - ولا سيّما أشعار سيدنا أمير المؤمنين وحسان ابن ثابت وقيس بن سعد التي هي نصوص صريحة في دلالة الحديث الشريف على

٣٠٧

الامامة والخلافة - كلّها تبطل هذه الشبهة وسائر شبهات ( الدهلوي ) وغيره من المتعصبين والمعاندين للحق وأهله، التي ذكرناها في غضون الكتاب بالتفصيل وتكلمنا عليها.

وقد بقيت شبهة أخرى فلنذكرها ولنتكلم عليها

٣٠٨

إبطال حمل الإِمامة

على إمامة التصوّف

٣٠٩

٣١٠

وهذه الشبهة ذكرها المولوي سلامت علي وهي الْأَخرى تتضمّن الاعتراف بدلالة حديث الغدير على الامامة لسيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولكن هذا الرجل لمـّا لم ترق له الشبهات التي حيكت والتقوّلات التي قيلت حول حديث الغدير لصرفه عن الدلالة على المطلوب الحق ومن جهة أُخرى لم يتمكّن من نفي دلالة الحديث على الامامة حمل الامامة المستفادة من هذا الحديث الشريف على إمامة التصوّف فقال هذا الرجل في كتابه ( التبصرة ) ما تعريبه:

« لا شك عند أهل السنة في إمامة أمير المؤمنين وأن ذلك عين الايمان، لكن ينبغي أن يكون مفاد أحاديث الغدير الامامة المعنوية لا الخلافة، وهذا المعنى هو المستفاد من كلام أهل السنة وعلماء الصوفية، ومن هنا كانت بيعة جميع السلاسل منتهية الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعن طريقه تتصل برسول الثقلين ».

إلّا أن هذا التأويل عليل بوجوه:

٣١١

١ - لو جاز تأويل دليل الامامة لجاز تأويل دليل النبوة

لأن الوجه الذي يمكن لأهل الاسلام إلزام منكري نبوّة الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو البشارات الدالة على نبوّته في كتب الملل السابقة، فإن هذه البشارات التي استخرجها علماء الاسلام من تلك الكتب لا مناص للمخالفين من قبولها، لأنها مستخرجة من كتبهم وواضحة الدلالة على نبوة خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمعين.

وحينئذ نقول: إذا جاز لأهل السنّة تأويل حديث الغدير وحمله على الامامة الباطنية لجاز لأهل الكتاب تأويل ما يدلّ على نبوّة رسول الإسلام، وحمله على الرفعة وهو المعنى اللغوي للّفظ، وبذلك يمتنع إلزامهم بما ورد في كتبهم، وينسد طريق البحث معهم، وهدايتهم إلى الدين الحق وخاتمة الشرائع السماوية.

فيكون حمل إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام على الامامة في التصوّف، مثل حمل منكري الاسلام نبوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على النبوة بالمعنى اللغوي لا المعنى المصطلح، وكما أن هذا باطل فكذلك ذاك.

٢ - هذا التأويل فرع كون الأمير عليه‌السلام من الصوفية

وحمل « الامامة » التي يدل عليها حديث الغدير على الامامة الباطنية التي يقول بها الصوفية يتفرّع على كون أمير المؤمنينعليه‌السلام من الصوفية. وقد أنكر الحافظ ابن الجوزي أن يكون هوعليه‌السلام وسائر الصحابة من الصوفية، واستنكر على أبي نعيم الاصبهاني ذكره إياهم في الصوفية حيث قال « وجاء أبو نعيم الاصفهاني فصنّف لهم [ الصوفية ] كتاب الحلية، وذكر في حدود التصوّف أشياء

٣١٢

قبيحة، ولم يستحي أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وسادات الصحابة رضي الله عنهم »(١) .

أقول: وإذا كان ذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام في الصّوفية من عدم الحياء، فإن حمل ما يدلّ على إمامته على إمامة التصوّف من عدم الحياء كذلك.

٣ - ردود الشاه ولي الله على عقائد الصوفية

وقد بالغ الشاه ولي الله الدهلوي والد مخاطبنا ( الدهلوي ) في رد عقائد الصوفية وإبطال مقالاتهم، واستيصال مطالبهم وبيان عدم ثبوتها من الشّرع الشريف في كتابه ( قرة العينين ) فمن شاء الوقوف على كلامه فليراجع الكتاب المذكور فإنه كلام طويل. وما أظن أن أحداً يقف على هذا الكلام وتسوّل له نفسه لأن يحمل حديث الغدير على هذا المحمل الفاسد.

٤ - الامامة مبنية على الاظهار خلافاً لسائر المقامات

وذكر المولوي إسماعيل في ( رسالة الامامة ) أن الامامة هي ظل الرسالة ومبناها على الاظهار لا الإِخفاء، وليس كذلك سائر أرباب الولاية، وعلى هذا فلا يجوز حمل الكلمات الصادرة من الأئمة في بيان إمامتهم على تزكية النفس ونحو ذلك.

ويفيد هذا الكلام أنّ الامامة التي ذكرها أمير المؤمنينعليه‌السلام في أشعاره وأظهرها وأبدى اعتزازه بها ليست الامامة الباطنية والّا لما أظهرها ولما ادّعاها.

____________________

(١). تلبيس ابليس ١٥٩.

٣١٣

٥ - نص ( الدهلوي ) على لزوم حمل كلام الله والرسول والمرتضى على الظاهر

وفي الباب الأول من ( التحفة ) نصّ ( الدهلوي ) على أن من مذهب أهل السنة هو حمل كلمات أمير المؤمنينعليه‌السلام على الظاهر، كما هو الشأن بالنسبة إلى كلام الله وكلام الرسول، فإنها جميعاً تحمل على ما هي ظاهرة فيه.

أقول: لقد ورد لفظ الامامة في أشعار أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولا ريب في أنّ « الامامة » ظاهرة في المعنى المصطلح لا إمامة التصوّف، فصرف اللفظ عن معناه الظاهر فيه غير جائز عند ( الدهلوي )، بل غير جائز في مذهب أهل السنة والجماعة كما هو صريح كلامه.

٦ - نص ( الدهلوي ) على أن نصوص الكتاب والسنة محمولة على ظواهرها

وقال في باب النبوة: « العقيدة الثانية عشرة: إنّ نصوص الكتاب وأحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّها جميعاً محمولة على المعاني الظاهرة، وقال السبعية - من الاسماعيلية - والخطابية والمنصورية والمعمرية والباطنية والقرامطة والرزامية - من فرق الشيعة - بأنّ ما ورد في الكتاب والسنة من ألفاظ الوضوء والتيمم والصلاة والصوم والزكاة والحج والجنة والنار والقيامة والحشر غير محمولة على ظواهرها، بل هي إشارات إلى أشياء أخر لا يعلمها إلا الامام المعصوم » ثم ذكر أمثلة من مقالات هذه الفرق في هذا المقام، وذكر أن صرف نصوص القرآن والأحاديث عن ظواهرها من عمل الملاحدة والزنادقة، وأنه يترتب على هذا الأمر الشنيع شنائع وفضائح كثيرة، وينهدم بذلك دعائم الدين - والعياذ بالله -.

٣١٤

أقول: فيكون تأويل حديث الغدير وصرفه عن معناه الظاهر فيه، وكذا أشعار أمير المؤمنين وحسان وقيس بن سعد، وسائر الأحاديث الدالة على إمامة أمير المؤمنين من أظهر مصاديق ما ذكره ( الدهلوي ) في أنه من صنيع الملاحدة والزنادقة، وموجب لهدم أساس الدين الحنيف. والعياذ بالله.

٧ - استدلال أبي بكر بحديث « الأئمة من قريش » على خلافته

على أن هذا التأويل يخالف مقتضى استدلال أبي بكر بحديث « الأئمة من قريش » على خلافته في مقابلة الأنصار، فإن مقتضى ذلك كون الحديث وفيه مادة « الامامة » ظاهراً في الامامة والخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي المعنى المصطلح لا الامامة في التصوّف، وإن أبا بكر قد استند إلى هذا الظهور واحتجّ به إذ لو لم تكن « الامامة » دالة على « الخلافة » لما استند إلى هذا الحديث لإِثبات خلافته عن رسول الله.

وأمّا احتجاجه بالحديث المذكور للخلافة فمذكور في كتب السير والتواريخ وغيرها.

٨ - « الامامة » ترادف « الخلافة » عند اهل السنة

بل إنّ « الامامة » مرادفة لـ « الخلافة » عند أهل السنة كما نصّ عليه شاه ولي الله الدهلوي(١) . وعليه يكون المراد من « الامام » في أشعار أمير المؤمنينعليه‌السلام وحسان وقيس هو « الخليفة » لا « إمام التصوّف ». وبهذا أيضا يبطل تأويل حديث الغدير، ويظهر أنه مخالف لمذهب أهل السنة ومعتقدهم.

____________________

(١). ازالة الخفا. المقصد الاول من الفصل السابع.

٣١٥

٩ - « الامامة » رياسة في الدين والدنيا

وهذه « الامامة » المصطلحة التي هي مرادفة « للخلافة » عند أهل السنة هي « رياسة في الدين والدنيا عامة » نصّ على ذلك كبار علماء أهل السنة، قال الرازي: « الامامة رياسة في الدين والدنيا عامة لشخص من الأشخاص، وإنما قلنا عامة احترازا عن الرئيس والقاضي وغيرهما، وإنما قلنا لشخص من الاشخاص احترازاً عن كلّ الاُمة اذا عزلوا الامام عند فسقة، فإن كلّ الاُمة ليس شخصاً واحداً »(١)

وقال التفتازاني: « والامامة رياسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي »(٢) .

وكذا في ( شرح التجريد للقوشجي ) وغيره.

وبه قال ( الدهلوي ) في أول باب الامامة من ( التحفة ).

أقول: وحيث ثبتت إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الغدير بنص أشعار الأميرعليه‌السلام نفسه وحسان وقيس وثبتت إمامته لجميع المسلمين - ومنهم الشيخان - كما يدل عليه قول عمر: « هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة » لم يبق ريب في ثبوت الامامة العامة له عليه الصلاة والسلام، لأنه إن كان المراد من تلك الامامة العامة فذاك المطلوب، وإنْ كان المراد الامامة في بعض الأمور دون بعض وكان ذلك البعض من أمور الدين أو الدنيا فلأنه على التقادير كلّها يكون ثبوت الامامة له ولو في أمرٍ من الأمور ولو كآن واحداً مستلزماً لبطلان خلافة الثلاثة، لأن إمامته ولو في أمر من الأمور معناها عدم إمامة الثلاثة في ذلك الأمر فيكونون مأمومين له، فثبت عموم إمامته عليه

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

(٢). شرح المقاصد. باب الامامة ٥ / ٢٣٢.

٣١٦

الصلاة والسلام وبطل عموم إمامتهم، وإذا ثبت بطلان عموم إمامتهم ثبت بطلان تقدّمهم على الاميرعليه‌السلام ، لعدم جواز تقدم المأموم على إمامه.

فظهر أن التأويل المذكور لحديث الغدير لا ينفع مرام أهل السنة، لا من قريب ولا من بعيد، ولله الحمد على ذلك حمداً جميلاً.

١٠ - الامامة مستلزمة للعصمة

وبالتالي، فقد ثبتت إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام من أشعاره وأشعار حسان بن ثابت وقيس بن سعد بن عبادة، وإذا كان إماماً فهو معصوم من جميع الذنوب، وإذا كان معصوماً فقد ثبتت خلافته وبطلت خلافة من تقدّم عليه، لقبح تقدّم غير المعصوم على المعصوم، بل هو من أقبح القبائح.

وأما دلالة لفظ « الامام » على « العصمة من جميع الذنوب » فقد اعترف بها فخر الدين الرازي حيث قال:

« قوله تعالى:( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان معصوماً عن جميع الذنوب، لأن الامام هو الذي يؤتم به ويقتدى، فلو صدرت المعصية منه لم يجب علينا الاقتداء به في ذلك، وإلّا فيلزم أن يجب علينا فعل المعصية وذلك محال، لأن كونه معصية عبارة عن كونه ممنوعاً عن فعله، ووجوبه عبارة عن كونه ممنوعاً من تركه. والجمع بينهما محال »(١) .

____________________

(١). تفسير الرازي ٤ / ٤٣.

٣١٧

( قال الميلاني ):

الحمد لله حمد الشاكرين على أن وفقنا لاتمام مجلد ( حديث الغدير ) من هذه الموسوعة، ونسأله تعالى أن يتقبل هذا العمل وسائر أعمالنا بفضله وكرمه، وأن يجعلها ذخيرة ليوم لا ينفع مال ولا بنون. بمحمد وآله الطاهرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

٣١٨

الفهرس

مناشدة أمير المؤمنين عليه‌السلام الصحابة عن حديث الغدير ٥

ذكر من روى ذلك ٧

رواية أبي بكر الشّافعي ٩

ترجمة أبي بكر الشافعي ١٠

رواية ابن المغازلي ١١

رواية الخطيب الخوارزمي رواية أبي الحسن ابن الأثير ١٢

رواية ابن حجر العسقلاني ١٥

رواية الوصابي اليمني ١٦

رواية نور الدين السمهودي ١٧

دعاء الامام على كتم الشهادة بالغدير ١٨

من أسماء الذين كتموا ١٩

نتائج البحث ٢٢

وجوه بطلان دعوى ابن روزبهان وضع حديث المناشدة ٢٣

١ - مناشدة أنس وغيره متواترة ٢ - حديث الغدير متواتر لا كالمستفيض ٣ - من أمثلة دعاء النبي على المخالفين ٢٤

٤ - من أمثلة دعاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ٢٦

٥ - أمثلة من دعاء الصّحابة ٢٨

فائدتان من كلام ابن روزبهان ٣٠

اعتراف الحلبي بدلالة الاستشهاد مناشدة الامام أبا بكر وأصحاب الشورى ٣١

إستنكار أبي الطّفيل لحديث الغدير ٣٩

ترجمة أبي الطفيل ٤٢

٣١٩

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر الحديث ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ٤٥

١ - ذكر من روى جملة « ألست أولى » في حديث الغدير ٤٧

٢ - دلالة الجملة على أولويّة النبي بالتصرف ٥٠

٣ - المراد من ( المولى ) في الحديث هو المراد من ( الأولى ) في الصّدر ٦٠

حديث الغدير بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعليٌّ وليّه ٧١

سياق حديث الغدير في المستدرك على الصحيحين ٧٧

من ترجمة الحاكم: ٨٠

وحدة السّياق بين حديث الغدير وحديثٍ أخرجه البخاري ٨٣

حديث الغدير بلفظ: « فإنَّ عليّاً بعدي مولاه » ٨٧

كلام ابن حجر المكّي إستناداً إلى فهم أبي بكر وعمر ٩١

حديث مسلم بن الحجّاج: لا يقل العبد لسيّده « مولاي » فإنّ مولاكم الله ٩٥

قول سيّدتنا الزهراء عليها‌السلام أنسيتم قول رسول الله يوم غدير خم ...؟ ٩٩

حديث الغدير بلفظ: « منْ وليّكم؟ من كان الله وليّه فهذا وليّه » ١٠٣

حديث الغدير بلفظٍ يدلُّ على المطلوب منْ وجوه ١٠٧

الاستدلال بكلام ابن حجر على ضوءِ حديث الغدير ١١٣

تصدير النبيّ الكلام بقوله: « إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم » ١١٧

قول أبي أيّوب الأنصاري وجماعة: السّلام عليك يا مولانا ١٢٩

قيل لعمر بن الخطاب: تصنع بعليّ شيئاً لا تصنعه بأحدٍ! فقال: إنّه مولاي ١٣٥

قول عمر - لمن استنكف من قضاء علي -: ويحك! ما تدري من هذا؟! هذا مولاي ١٤١

التهنئة في يوم الغدير وقولهم: « بخ بخ لك يا علي » ١٤٧

قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أوحي إليَّ في علي: إنّه أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين ١٥٣

٣٢٠