تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 331574 / تحميل: 5631
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ولا حائل حتى تحيض »(١) وأباح الوطء بعد وضع الحامل واستبراء الحائل ، ولو كان النكاح باقياً ، حرم الوطء.

وقال أبو حنيفة والأوزاعي وأحمد : لا ينفسخ ؛ لأنّ الرقّ لا يمنع ابتداء النكاح فلا يقطع استدامته ، كالعتق(٢) .

والجواب : البحث في استجداد الملك ، وهو عندنا موجب لفسخ النكاح ، والفرق واقع بين الابتداء والاستدامة.

ولو اُسرت الزوجة وحدها ، انفسخ النكاح إجماعاً ، ولا فرق بين أن يُسبى الزوج بعدها بيوم أو أزيد أو أنقص.

وقال أبو حنيفة : إن سبي بعدها بيوم ، لم ينفسخ النكاح(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المقتضي للفسخ موجود وهو السبي ، فانفسخ النكاح ، كما لو حصل السبي بعد شهر.

ولا فرق بين أن يسبيهما واحد أو اثنان.

والوجه : أنّه إذا سباهما واحد وملكهما معاً ، لا ينفسخ النكاح إلّا بفسخه ، وكذا لو بِيعا من واحد.

ولو كان الأسير طفلاً ، انفسخ النكاح في الحال ، كالمرأة ؛ لتجدّد الملك بالأسر ، بخلاف البالغ.

____________________

(١) ورد نصّه في سنن البيهقي ٩ : ١٢٤ نقلاً عن الشافعي ، وكذا في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٦ ، والمهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤١. وبتفاوت في سنن أبي داوُد ٢ : ٢٤٨ / ٢١٥٧ ، وسنن الدارمي ٢ : ١٧١ ، ومسند أحمد ٣ : ٥٠٩ / ١١٤١٤ ، والمستدرك - للحاكم - ٢ : ١٩٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٦ ، المغني ١٠ : ٤٦٥ - ٤٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٥ - ٤٠٦.

(٣) المغني ١٠ : ٤٦٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٦.

١٨١

ولو كان الزوجان مملوكين ، قيل : لا ينفسخ النكاح ؛ لعدم حدوث رقٌّ فيهما ؛ لأنّه كان ثابتاً قبل السبي(١) .

والوجه : أنّ الغانم يتخيّر ، كما لو بِيعا عليه.

مسألة ١٠٧ : قد ذكرنا فيما تقدّم(٢) أنّ الغانم الموسر إذا وطئ جارية المغنم ، تكون اُمّ ولد في الحال‌ عند الشيخرحمه‌الله

وللشافعيّة طريقان : إن قلنا : إنّ الغانمين لا يملكون قبل القسمة ، فلا ينفذ الاستيلاد في نصيبه ؛ لأنّ نفوذه لم يصادف الملك. وإن قلنا : يملكون ، ففي نفوذ الاستيلاد وجهان ؛ لأنّه ملك ضعيف. ويقرب الوجهان لضعف الملك من الوجهين في نفوذ الاستيلاد للمشتري في زمن الخيار إذا حكمنا بثبوت الملك.

الطريق الثاني : إن قلنا بثبوت الملك ، قطعنا بنفوذ الاستيلاد ، وإلّا فقولان كالقولين في استيلاد الأب جارية الابن. وقد تُجعل هذه الصورة أولى بنفوذ الاستيلاد ؛ لأنّ حقّ الابن(٣) أقوى من حقّ سائر الغانمين ، وحقّ الأب أضعف من حقّ الغانم الواطئ.

ويخرج من الطريقين قولان في نفوذ الاستيلاد في نصيبه.

وإذا قيل به ، فلو ملك الجارية بالوقوع في سهمه أو بسبب آخر يوماً ، ففي نفوذ الاستيلاد حينئذٍ قولان(٤) .

____________________

(١) اُنظر : الوجيز ٢ : ١٩١ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٦ ، والوسيط ٧ : ٢٨ ، والمهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤١ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

(٢) تقدّم في ص ١٥٢.

(٣) كذا ، وفي المصدر : « الاُم » بدل « الابن ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٥.

١٨٢

وقال بعض(١) الشافعيّة : ان كانوا محصورين ولم يغنموا غير تلك الجارية ، قُطع بنفوذ الاستيلاد في حصّته منها ، بخلاف ما إذا كان في الغنيمة غيرها ؛ فإنّه يحتمل جعل الجارية لغيره.

وإذا نفذ الاستيلاد في نصيبه سرى مع يساره إلى الباقي ، وتحصل السراية بنفس العلوق أو بأداء قيمة نصيب الشريك؟ قولان.

ويحصل يسار الواطئ بحصّته في المغنم إذا غنموا غيرها ، فإن لم تف حصّته من غير الجارية بالقيمة ، حصلت السراية بمقدار حصّته.

ويمكن أن يخرج على أنّ الملك في الغنيمة هل يحصل قبل القسمة؟ إن قلنا : لا يملك ، لم يكن موسراً بالحصّة ؛ فإنّ الحكم بغناه موقوف على أن لا يُعرض ويستقرّ ملكه ، فإن أعرض ، تبيّنّا أنّه لم يكن غنيّاً ، ولا نقول : إنّ حقّ السراية يلزمه اختيار التملّك ؛ فإنّ الاختيار بمثابة ابتداء الاكتساب.

وإن لم يُحكم بالاستيلاد ، فإن تأخّرت القسمة حتى وضعت ، قال بعضهم : تُجعل الجارية في المغنم وتدخل في القسمة ، فإن دخلها نقص بالولادة ، لزمه الأرش ، وقبل الوضع الجاريةُ حاملٌ بحُرٍّ. وبيع هذه الجارية لا يصحّ ، والقسمة عندهم بيع ، فكيف يمكن دخول القسمة فيها!؟(٢) وقال بعضهم : تُسلّم هذه الجارية بحصّته [ إليه ](٣) إذا كانت حصّته تفي بقيمتها أو أزيد(٤) .

____________________

(١) هو صاحب الحاوي كما في العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٦٥ ، وانظر : الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٥ - ٤٦٦.

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٦.

١٨٣

وقيل : تؤخذ قيمتها وتلقى في المغنم ؛ لأنّه بالإحبال فرّق بينها وبين الغانمين(١) .

وأمّا إذا كان الواطئ معسراً ، فقد سبق(٢) قول الشيخرحمه‌الله فيه.

وقالت الشافعيّة : يثبت الاستيلاد في حصّته ولا يسري ، ويخلق الولد كلّه حُرّاً في قولٍ ؛ لأنّ الشبهة تعمّ الجارية ، وحُرّيّة الولد تثبت بالشبهة. وإن لم يثبت الاستيلاد ، كما لو وطئ جاريةَ الغير بظنّ أنّها جاريته أو زوجته ، ينعقد الولد حُرّاً ، ولا يثبت الاستيلاد.

وفي قولٍ آخر : الحُرّيّة في قدر حصّته ، كالاستيلاد في قدرها ، وليس كالوطء بالشبهة ؛ فإنّ الشبهة حصلت من الظنّ ، وهو لا يتبعّض ، والشبهة هنا حصلت من جهة استحقاق المستولد ملكاً أو ولاية ملك ، وهو متبعّض.

فإن قلنا : لا يعتق من الولد إلّا قدر حصّته من الاُمّ ، فلو ملك باقي الجارية من بعدُ ، بقي الرقُّ فيه ؛ لأنّها علقت برقيق في غير الملك. وإن قلنا : جميعه حُرٌّ ففي ثبوت الاستيلاد في باقيها إذا ملكه قولان ؛ لأنّه أولدها حُرّاً في غير الملك(٣) .

البحث الثالث : في أحكام الأرضين.

مسألة ١٠٨ : الأرضون على أربعة أقسام :

الأوّل : ما يُملك بالاستغنام من الكفّار ويؤخذ قهراً بالسيف ، وهي تُملك بالاستيلاء كما تُملك المنقولات ، وتكون للمسلمين قاطبةً لا تختصّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٦.

(٢) سبق في ص ١٥٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٧.

١٨٤

بها المقاتلة ، بل يشاركهم غيرهم من المسلمين ، ولا يُفضّل الغانمون على غيرهم أيضاً ، بل هي للمسلمين قاطبة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال مالك(١) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه فتح هوازن ولم يقسّمها(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الكاظمعليه‌السلام في حديثٍ طويل : « والأرض التي فُتحت عَنْوةً - إلى قوله - ويأخذ الباقي ، فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد وغير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة ، وليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير »(٣) يعني الإمام.

وقال الشافعي : يقسّم بين الغانمين كسائر الأموال. وبه قال أنس بن مالك والزبير وبلال(٤) .

وقال الثوري : يتخيّر الإمام بين القسمة والوقف على المسلمين(٥) . ورواه العامّة عن عليعليه‌السلام (٦) .

وقال أبو حنيفة : يتخيّر الإمام بين قسمتها ووقفها وأن يقرّ أهلها عليها ويضرب عليهم الخراج يصير حقّا على رقبة الأرض لا يسقط بالإسلام(٧) .

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٤٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٩ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٢٢٣ ، الأحكام السلطانيّة - للماوردي - : ١٣٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٨.

(٢) لم نعثر عليه في حدود المصادر المتوفّرة لدينا.

(٣) الكافي ١ : ٤٥٤ - ٤٥٥ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ - ١٣٠ / ٣٦٦.

(٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٦٠ ، الأحكام السلطانية - للماوردي - : ١٣٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٧ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٢٢٣ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٣٧ ، وانظر : الشرح الكبير ١٠ : ٥٣١ - ٥٣٢.

(٥ و ٦) حلية العلماء ٧ : ٦٧٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٣١ - ٥٣٢.

(٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٧ و ٤٤٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٨.

١٨٥

الثاني : أرض مَنْ أسلم أهلها عليها طوعاً من غير قتال ، فتُترك في أيديهم ملكاً لهم يصحّ لهم التصرّف فيها بالبيع والشراء والوقف وسائر أنواع التصرّف إذا عمروها وقاموا بعمارتها. ويؤخذ منهم العُشر أو نصف العُشْر زكاةً إذا بلغ النصاب ، فإن تركوا عمارتها وتركوها خراباً ، كانت للمسلمين قاطبة ، وجاز للإمام أن يقبّلها ممّن يعمرها بالنصف أو الثلث أو الربع ، وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة مؤونة الأرض إذا بقي معه النصاب العُشْرُ أو نصفُ العُشْر ، ثمّ على الإمام أن يعطي أربابها حقّ الرقبة ؛ لرواية الرضا(١) عليه‌السلام .

الثالث : أرض الصلح ، وهي كلّ أرض صالح أهلها عليها ، وهي أرض الجزية يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من نصفٍ أو ثلثٍ أو غيره ، وليس عليهم غيره. فإذا أسلم أربابها ، كان حكم أرضيهم حكم أرض مَنْ أسلم أهلها عليها طوعاً ، ويسقط عنهم مال الصلح ؛ لأنّه جزية وقد سقطت بالإسلام ، فلأربابها التصرّف فيها بالبيع وغيره.

وللإمام أن يزيد وينقص بعد انقضاء مدّة الصلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها.

ولو باعها المالك من مسلم ، صحّ ، وانتقل ما عليها إلى رقبة البائع.

هذا إذا صُولحوا على أنّ الأرض لهم ، أمّا لو صُولحوا على أنّ الأرض للمسلمين وعلى أعناقهم الجزية ، كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوةً عامرها للمسلمين ومواتها للإمام.

الرابع : أرض الأنفال ، وهي أرض انجلى أهلها عنها طوعاً وتركوها ،

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١١٩ / ٣٤٢.

١٨٦

أو كانت مواتاً لغير المالك فاُحييت ، أو كانت آجاماً وغيرها ممّا لا تزرع فاستحدثت مزارع ، فإنّها كلّها للإمام خاصّة ليس لأحد معه فيها نصيب ، فكان له التصرّف فيها بالبيع وغيره حسب ما يراه ، وكان له أن يُقبّلها بما يراه من نصفٍ أو ثُلْثٍ أو ربع.

ويجوز له نزعها من يد متقبّلها إذا انقضت مدّة الضمان ، إلّا ما اُحييت بعد موتها ؛ فإنّ مَنْ أحياها أولى بالتصرّف فيها إذا تقبّلها بما يتقبّلها غيره ، فإن أبي ، كان للإمام نزعها من يده ، وتقبيلها لمن يراه ، وعلى المتقبّل بعد إخراج مال القبالة فيما يحصل في حصّته العُشرُ أو نصفُ العُشْر.

قال الشيخرحمه‌الله : وكلّ موضع أوجبنا فيه العُشْرَ أو نصفَ العُشْر من أقسام الأرضين إذا أخرج الإنسان مؤونته ومؤونة عياله لسنته ، وجب عليه فيما بقي بعد ذلك الخمس لأهله(١) .

مسألة ١٠٩ : الأرض المأخوذة بالسيف عَنْوةً يُقبّلها الإمام لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف وغيره ، وعلى المتقبّل إخراج مال القبالة وحقّ الرقبة ، وفيما يفضل في يده إذا كان نصاباً العشر أو نصفه ، فلا يصحّ التصرّف في هذه الأرض بالبيع والشراء والوقف وغير ذلك.

وللإمام أن ينقله من متقبّلٍ إلى غيره إذا انقضت مدّة قبالته ، وله التصرّف فيه بما يراه من مصلحة المسلمين ، وارتفاع هذه الأرض ينصرف إلى المسلمين بأجمعهم وفي مصالحهم ؛ لقول الرضاعليه‌السلام : « وما اُخذ بالسيف فذلك للإمام يُقبّله بالذي يرى ، كما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر ، قبَّل أرضها ونخلها ، والناس يقولون : لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٣٦.

١٨٧

البياض أكثر من السواد وقد قبّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر ، وعليهم في حِصَصهم العُشْر أو(١) نصف العشر »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ هذه الأرض للمسلمين قاطبة إن كانت محياةً وقت الفتح ، لا يصحّ بيعها ولا هبتها ولا وقفها ، بل يصرف الإمام حاصلها في المصالح ، كسدّ الثغور ومعونة الغزاة وبناء القناطر وأرزاق القضاة والوُلاة وصاحب الديوان وغير ذلك من المصالح.

وأمّا الموات منها وقت الفتح فهي للإمام خاصّة ، ولا يجوز لأحد إحياؤه إلّا بإذنه إن كان ظاهراً. ولو تصرّف فيها أحد من غير إذنه ، كان عليه طسقها ، وحال الغيبة يملكها المتصرّف من غير إذن ؛ لأنّ عمر بن يزيد روى - في الصحيح - أنّه سمع رجلاً يسأل الصادقَعليه‌السلام عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها فعمّرها وأكرى أنهارها وبنى فيها بيوتاً وغرس فيها نخلاً وشجراً ، قال : فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول :

مَنْ أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها يؤديّه إلى الإمام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائمعليه‌السلام فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه »(٣) إذا عرفت هذا ، فإذا زرع فيها أحد أو بنى أو غرس ، صحّ له بيع مالَه فيها من الآثار وحقّ الاختصاص بالتصرّف ، لا بيع الرقبة ؛ لأنّها ملك المسلمين قاطبةً.

روى أبو بردة بن رجا أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال : « ومَنْ يبيع ذلك!؟ هي أرض المسلمين » قلت :

____________________

(١) في المصدر : « و » بدل « أو ».

(٢) التهذيب ٤ : ١١٩ / ٣٤٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٤٥ / ٤٠٤.

١٨٨

يبيعها الذي هي في يده ، قال : « ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ » ثمّ قال : « لا بأس اشتر حقّه منها ويحوّل حقّ المسلمين عليه ، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملأ بخراجها(١) منه »(٢) .

مسألة ١١٠ : الأرض الخربة والموات ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام من الأنفال‌ يختصّ بها الإمام ليس لأحدٍ التصرّف فيها إلّا بإذنه حال ظهورهعليه‌السلام ، ويجوز للشيعة حال الغيبة التصرّف فيها ؛ لأنّهمعليهم‌السلام أباحوا شيعتهم ذلك.

وأمّا أرض مكّة : فالظاهر من المذهب أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فتحها بالسيف ثمّ آمنهم بعد ذلك - وبه قال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي(٣) - لأنّ العامّة رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأهل مكّة : «ما تروني صانعاً بكم؟ » فقالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : « أقول كما قال أخي يوسف( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ ) (٤) أنتم الطلقاء »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : رواية صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر قالا : ذكرنا له الكوفة، إلى أن قال : « إنّ أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العُشْر ونصف العُشْر ، وإنّ أهل مكّة دخلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) في المصدر : بخراجهم.

(٢) التهذيب ٤ : ١٤٦ / ٤٠٦ ، الاستبصار ٣ : ١٠٩ / ٣٨٧.

(٣) شرح معاني الآثار ٣ : ٣١١ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٢٢٠ ، معالم السنن - للخطّابي - ٤ : ٢٤٠ ، مختصر المزني : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٥ و ٤٥٦.

(٤) يوسف : ٩٢.

(٥) السيرة النبويّة - لابن هشام - ٤ : ٥٥ ، سنن البيهقي ٩ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٥.

١٨٩

عنوةً وكانوا اُسراء في يده فأعتقهم وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء »(١) .

وقال الشافعي : إنّهعليه‌السلام فتحها صلحاً بأمانٍ قدّمه لهم قبل دخوله(٢) . وهو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومجاهد(٣) .

وأمّا أرض السواد - وهي الأرض المغنومة من الفرس ، التي فتحها عمر بن الخطّاب ، وهي سواد العراق ، وحدّه في العرض من منقطع الجبال بـ « حلوان » إلى طرف القادسيّة ، المتّصل بـ « عُذيب » من أرض العرب ، ومن تخوم الموصل طولاً إلى ساحل البحر ببلاد عبّادان من شرقي دجلة ، فأمّا الغربي الذي تليه البصرة إنّما هو إسلامي ، مثل [ شط ](٤) عثمان بن أبي العاص وما والاها كانت سباخاً ومواتاً ، فأحياها عثمان بن أبي العاص. وسمّيت سواداً ؛ لأنّ الجيش لمـّا خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض والتفاف شجرها سمّوها السواد لذلك. ولمـّا فتحها عمر بعث عمّار بن ياسر على صلاتهم أميراً ، وابن مسعود قاضياً ، والياً على بيت المال ، وعثمان بن حُنيف على مساحة الأرض ، وفرض للثلاثة في كلّ يوم شاةً ، شطرها مع السواقط(٥) لعمّارٍ ، وشطرها للآخَرَيْن ، وقال : ما أرى قرية تؤخذ منها كلّ يوم شاة إلّا سريع في خرابها(٦) - قال الشيخرحمه‌الله : الذي يقتضيه المذهب أنّ‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٢ - ٥١٣ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١١٨ - ١١٩ / ٣٤١.

(٢) مختصر المزني : ٢٧٣ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩ ، معالم السنن - للخطّابي - ٤ : ٢٤١ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ٢٢٠.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٤.

(٤) أضفناها من منتهى المطلب - للمصنّف - ٢ : ٩٣٧.

(٥) المراد منها هو مثل الكبد والكرش والأمعاء.

(٦) الخراج - للقاضي أبي يوسف - : ٣٦ ، الأموال - لأبي عُبيد - : ٧٤ ذيل الرقم ١٧٢.

١٩٠

الأرض التي فتحت عنوةً يخرج خُمْسها لأرباب الخُمْس ، والأربعة الأخماس الباقية للمسلمين قاطبةً الغانمين وغيرهم ، ويُقبّلها الإمام لمن شاء ، ويأخذ ارتفاعها يصرفه في مصالح المسلمين.

ولا يصحّ بيع شي‌ء من هذه الأرض ولا هبته ولا معاوضته ولا تملّكه(١) ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه. ولا يصحّ أن يُبنى دوراً ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك ، ومتى فُعل شي‌ء من ذلك كان التصرّف باطلاً ، وهو باقٍ على الأصل.

ثمّ قالرحمه‌الله : وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الإمام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصّة ، تكون هذه الأرضون [ وغيرها ممّا فُتحت ](٢) بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا ما فُتح في أيّام أمير المؤمنينعليه‌السلام إن صحّ شي‌ء من ذلك يكون للإمام خاصّة ، ويكون من جملة الأنفال التي له خاصّة لا يشركه فيها غيره(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله - ووافقه الشافعي(٤) - : إنّ عثمان بن حُنيف مسح أرض الخراج ، واختلفوا ، فقال الساجي : اثنان وثلاثون ألف ألف جريب. وقال أبو عبيدة : ستّة وثلاثون ألف ألف جريب. ثمّ ضرب على كلّ جريب نخل عشرة دراهم ، وعلى الكَرْم ثمانية دراهم ، وعلى جريب الشجر والرطبة ستّة دراهم ، وعلى الحنطة أربعة دراهم ، وعلى الشعير درهمين. ثم كتب بذلك إلى عمر ، فأمضاه(٥) .

____________________

(١) في المصدر : تمليكه.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٤.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٤.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٣ - ٣٤.

١٩١

وأبو حنيفة وافقهما إلّا في الحنطة والشعير ؛ فإنّه قال : يؤخذ من الحنطة قفيز ودرهمان ، ومن الشعير قفيز ودرهم(١) .

وقال أحمد : يؤخذ من كلّ واحد منهما قفيز ودرهم(٢) ، لقولهعليه‌السلام :

« منعت العراق قفيزها ودرهمها »(٣) معناه : ستمنع.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ سواد العراق فتح صُلحاً(٤) . وهو محكي عن أبي حنيفة(٥) .

وقال بعضهم : اشتبه الأمر عليَّ فلا أدري أفُتِحَ عَنْوةً أو صُلْحاً(٦) .

ثمّ اختلفت الشافعيّة ، فقال بعضهم : إنّ عمر جعل الأربعة الأخماس الباقية من الأرض لأهل الخُمْس عوضاً عن نصيبهم من المنقولات من الغنيمة ، فصارت الأرض لأهل الخُمْس والمنقولات للغانمين(٧) .

وقال بعضهم : إنّه قسّمها بين الغانمين ولم يخصّها بأهل الخُمْس ثمّ استطاب قلوبهم عنها واستردّها(٨) .

[ ثمّ اختلفوا ](٩) فقال الأكثرون : إنّه بعد ردّها وَقَفها على المسلمين وآجرها(١٠) من أهلها ، والخراج المضروب عليها اُجرة منجّمة تؤدّي في كلّ سنة. وهو نصّ الشافعي في كتاب الرهن(١١) .

____________________

(١) حلية العلماء ٧ : ٧٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٤.

(٢) حلية العلماء ٧ : ٧٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٥.

(٣) صحيح مسلم ٤ : ٢٢٢ / ٨٩٦ ، سنن أبي داود ٣ : ١٦٦ / ٣٠٣٥ ، مسند أحمد ٢ : ٥١٦ / ٧٥١١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩.

(٥ - ٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٩.

(٨) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩.

(٩) أضفناها لأجل السياق.

(١٠) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « أخذها » بدل « آجرها » وما أثبتناه كما في المصدر.

(١١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

١٩٢

قال سفيان الثوري : جَعَل عمر السواد وقفاً على المسلمين ما تناسلوا(١) .

وقال بعضهم : إنّه باعها من أهلها والخراج ثمن منجّم ؛ لأنّه لم يزل الناس يبيعون أرض السواد ويشترون من غير إنكار(٢) .

وقال آخرون من الشافعيّة : ما فعله عمر عدول عن الأصل الممهّد ، فإنّه يشترط في الإجارة ضبط المدّة ، وفي البيع ضبط جملة الثمن ، لكن قالوا : إنّها بالاسترداد رجعت إلى حكم أموال الكفّار ، والإمام يفعل للمصلحة الكلّيّة في أموال الكفّار ما لا يجوز مثله في أموال المسلمين ، فرأى عمر(٣) المصلحة لئلّا يشتغلوا بالعمارة والزراعة عن الجهاد(٤) .

وقال بعضهم : إنّه وَقَفها وَقْفاً لا مؤبَّداً محرّماً ، بل جَعَلها موقوفةً على مصالح المسلمين ليؤدّي مُلاّكها على تداول الأيدي وتبدّلها بالبيع والشراء خراجاً ينتفع به المسلمون ، فيجوز بيعها وهبتها ورهنها على الثاني لا الأوّل ، ويجوز على الوجهين لأربابها إجارتُها مدّة معلومة(٥) .

وهل لهم الإجارة المؤبّدة بمال يتراضيان عليه؟ جوَّزه بعضهم تبعاً لفعل عمر ، وقال : من استحلّ منفعةً على جهة لم يبعد أن يملك إخراج نفسه من البين وإحْلال غيره محلّه(٦) .

ومَنَع بعضهم(٧) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

(٣) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « غير » بدل « عمر » وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ - ٤٥١.

(٥ - ٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

١٩٣

والفاسد في إجارة عمر احتمل لمصلحة كلّيّة ، والجزئيّات ليست كالكلّيّات ، فلا يجوز لغير سُكّانها أن يزعج واحداً من السُكّان ويقول : أنا أستغلّها(١) واُعطي الخراج ؛ لأنّه مالكٌ رقبتُها إرثاً على أحد الوجهين ، ومالكٌ منفعتَها على الآخر ؛ لعقد بعض أجداده مع عمر ، والإجارة لازمة لا تنفسخ بالموت.

هذا فيما يُزرع ويُغرس من الأراضي ، وأمّا المساكن والدور : فإن قلنا : إنّ تلك الأراضي مبيعة من أربابها ، فكذا المساكن والدور ، وإن قلنا : موقوفة ، فوجهان(٢) .

مسألة ١١١ : إذا نزل الإمام على بلد فحاصره وأرادوا الصلح على أن يكون البلد لهم وكانوا من أهل الكتاب ، جاز له أن يصالحهم بشروط ثلاثة : بذل الجزية ، وأن يجري عليهم أحكام المسلمين ، وأن لا يجتمعوا مع مشرك على قتال المسلمين.

وتكون أرضهم ملكاً لهم [ يصحّ لهم ](٣) التصرّف فيها بجميع الأنواع.

ويجوز للمسلمين استئجارها منهم ؛ لأنّها ملك له(٤) وتكون الاُجرة له(٥) والخراج عليه(٦) .

ولو باعها من مسلم ، صحّ البيع ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي(٧) .

وقال مالك : لا يصحّ ؛ لأنّه يؤدّي إلى إسقاط الخراج ، وهو غير‌

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : أشغلها. والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الوجهان للشافعيّة ، اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥١ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

(٣) أضفناها لأجل السياق.

(٤ - ٦) قوله : له له عليه : أي : للمؤجر وعلى المؤجر.

(٧) حلية العلماء ٧ : ٧٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٨.

١٩٤

جائز ؛ لأنّه حقّ للمسلمين(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه لا يسقط بل ينتقل ما كان على الأرض إلى رقبته.

فحينئذٍ إذا اشتراها المسلم ، انتقل ما كان عليها من الخراج إلى رقبة الذّميّ ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يكون متعلّقاً بالأرض ؛ لأنّ عنده لا يسقط بالإسلام(٣) .

تذنيب : كلّ أرض ترك أهلها عمارتها ، كان للإمام تقبيلها ممّن يقوم بها ، وعليه طسقها لأربابها ؛ لأنّه مصلحة لهم ، فكان سائغاً.

وكلّ أرض موات سبق إليها سابق فعمرها وأحياها ، كان أحقّ بها إذا لم يكن لها مالك معروف ، فإن كان لها مالك معروف ، وجب عليه طسقها لمالكها.

وإذا استأجر مسلم داراً من حربيّ ثمّ فُتحت تلك الأرض ، لم تبطل الإجارة ؛ لأنّ حقّ المسلم تعلّق بها ، وتملّكها المسلمون ؛ لأنّها من الغنائم.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤ ، حلية العلماء ٧ : ٧٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٥٠٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٣٤.

١٩٥

الباب الثاني : في كيفية قسمة الغنيمة‌

وفيه مباحث :

الأوّل : ما ينبغي تقديمه ، وهي الديون والجعائل والسَّلب والرضخ والخُمْس.

والنظر في هذا البحث مختصّ بالأوّل ، فنقول : إذا كان لمسلم على حربيّ دين فاستُرقّ الحربيّ، لم يسقط الدّيْن عنه - وبه قال الشافعي(١) - عملاً باستصحاب البقاء ، وعدم سقوط ما ثبت في الذمّة شرعاً.

وقال أبو حنيفة : يسقط ؛ لأنّ المسترَقّ انقلب عمّا كان عليه وكأنّه قد عُدم ثمّ وُجد(٢) .

نعم ، لو كان الدَّيْن للسابي وملكه ، فالأقوى سقوطه ؛ إذ لا يتحقّق للمولى شي‌ء على عبده، كما لو كان له على عبد غيره دَيْنٌ فملكه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) .

والثاني : لا يسقط في صورة السبي ولا في المشتري ، وإذا لم يسقط ، فيقضى من المال المغنوم بعد استرقاقه ، ويُقدّم الدَّيْن على الغنيمة كما يُقدّم على الوصيّة وإن زال ملكه بالرقّ ، كما أنّ دَيْن المرتدّ يقضى من ماله وإن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٥ : ٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

١٩٦

حكمنا بزوال ملكه ، ولأنّ الرقّ بمثابة الحَجْر أو الموت ، فيوجب تعلّق الديون بالمال(١) .

وإن غنم المال قبل استرقاقه ، ملكه الغانمون ، ولم ينعكس الدَّيْنُ عليه ، كما لو انتقل بوجه آخر.

وإن غنم مع استرقاقه ، احتُمل تقديمُ الدَّيْن على حقّ الغانمين ، كما يُقدّم في التركة على حقوق الورثة. وتقديمُ الغنيمة ؛ لأنّ ملك الغانمين يتعلّق بعين المال ، والدَّيْن في الذمّة ، والمتعلّق بالعين متقدّم على المتعلّق بالذمّة ، كما إذا جنى العبد المرهون ، يُقدَّم حقّ المجنيّ عليه على حقّ المرتهن.

ولا تتحقّق الجمعيّة بين الاغتنام والأسر في حقّ الرجال في هذا الحكم ؛ فإنّ المال يُملك بنفس الأخذ ، والرقَّ لا يحصل بنفس الأسر للرجال الكاملين ، ولكن يظهر ذلك في حقّ النسوة وفيما إذا فرض الاغتنام مع إرقاق الإمام بعد الأسر.

وإذا لم يوجد مال يقضى منه ، فهو في ذمّته إلى أن يعتق.

وهل يحلّ الدَّيْن المؤجَّل بالرقّ؟ وجهان(٢) ، كالوجهين في الحلول بالفلس ، والرقّ أولى بالحلول؛ لأنّه أشبه بالموت ، فإنّه يزيل الملك ويقطع النكاح.

هذا إذا كان الدَّيْن لمسلم ، وإن كان لذمّيّ ، فكذلك ؛ لأنّه محترم كأعيان أموال الذمّي ، وهو قول بعض الشافعيّة(٣) .

وقال بعضهم بسقوطه(٤) .

وإن كان لحربيّ واستُرقّ المديون ، فالأقرب : سقوط الدَّيْن ؛ لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

١٩٧

ملتزم الدَّيْن انتقل من كونه حربيّاً لا يجري عليه حكم إلى كونه رقيقاً ليس له على نفسه حكمٌ ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا يسقط ، كما لو أسلم مَنْ عليه الدَّيْن أو قبل الأمان ، ويُجعل الرقّ كأمان يحدث(٢) .

هذا إذا استُرقّ مَنْ عليه الدَّيْن ، أمّا لو استرقّ مَنْ له الدَّيْن ، فلا تبرأ ذمّة مَنْ عليه الدَّيْن ، بل هو كودائع الحربيّ المسبيّ ، وكما لو استقرض مسلم من حربيّ مالاً ، أو اشترى منه سهماً(٣) والتزم الثمن ثمّ استُرقّ مستحقّ الدَّيْن ؛ فإنّ الدَّيْن لا يسقط عن ذمّة المسلم عند بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : لو كان لحربيّ على حربيّ دَيْنٌ فاستُرقّ أحدهما ، يسقط ؛ لزوال ملكه(٥) .

ولو قهر المديون ربّ المال ، سقط ؛ لأنّ الدار دارُ حرب حتى إذا قهر العبد سيّدَه ، يصير حُرّاً ، ويصير السيّد عبداً. ولو قهرت الزوجة زوجها ، انفسخ النكاح.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان دَيْنُ المسترقّ على مسلم ، يطالب به ، كما يطالب بودائعه ؛ لأنّه ملتزم ، وإن كان على حربيّ ، يسقط ؛ لأنّ المستحقّ قد زال ملكه ، والحربيّ غير ملتزم حتى يطالب(٦) .

ولو استقرض حربيّ من حربيّ أو التزم بالشراء ثمناً ثمّ أسلما أو قبلا الجزية أو الأمان معاً أو على الترتيب ، استمرّ الاستحقاق عند بعض‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤.

(٣) كذا ، والظاهر : « شيئاً » بدل « سهماً ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٤ - ٤٥٥.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٥.

١٩٨

الشافعيّة(١) .

ونصّ الشافعي على أنّه لو ماتت زوجة الحربيّ فجاءنا مسلماً أو مستأمناً فجاء ورثتها يطلبون مَهْرها ، لم يكن لهم فيه شي‌ء(٢) .

ولأصحابه طريقان : أحدهما : أنّ فيهما قولين نقلاً وتخريجاً.

أصحّهما : أنّه يبقى الاستحقاق ، فيستدام حكم العقد بعد الإسلام.

والثاني : المنع ؛ لبُعْد أن يمكَّن الحربيّ من مطالبة المسلم أو الذمي في دارنا.

والطريق الثاني : القطع بالقول الأوّل ، وبه قال ابن سريج من الشافعيّة. وحمل نصّه الثاني على ما إذا سمّى لها خمراً أو خنزيراً وقَبَضَتْه في الكفر(٣) .

ولو أتلف حربيّ مالاً على حربيّ أو غصبه ثمّ أسلما أو أسلم المـُتلف ، فوجهان :

أصحّهما : أنّه لا يطالب بالضمان ؛ لأنّه لم يلتزم شيئاً ، والإسلام يجبّ ما قبله ، والإتلاف ليس عقداً يستدام ، بخلاف الملتزم بها ، ولأنّ الحربيّ إذا قهر حربيّاً على ماله ، ملكه ، والإتلاف نوع من القهر.

والثاني : يطالب ؛ لأنّه لازم في شرعهم ، فكأنّهم تراضوا عليه(٤) .

ولو جنى الحربيّ على مسلمٍ فاستُرقّ ، فأرش الجناية في ذمّته‌

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٥ ، منهاج الطالبين : ٣٠٩ - ٣١٠.

(٢) المهذب - للشيرازي - ٢ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٨ - ٤١٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٥.

١٩٩

لا يتحوّل إلى رقبته ، بخلاف المكاتب إذا جنى يكون الأرش في ذمّته يؤدّيه من الكسب ، فإن عجز وعاد قِنّاً ، تحوّل الأرش إلى رقبته.

والفرق : أنّ الرقّ - الذي هو محلّ تعلّق الأرش - كان موجوداً في حال الكتابة إلّا أنّ الكتابة المانعة من البيع منعَتْ من التعلّق ، فإذا عجز ، ارتفع المانع وثبت التعلّق ، وفي الحربيّ لم يكن عند الإتلاف رقّ وإنّما حدث بعده.

البحث الثاني : في الجعائل.

مسألة ١١٢ : يجوز للإمام أن يجعل جُعْلاً لمن يدلّه على مصلحة من مصالح المسلمين ، كسهولة طريق أو ماء في مفازة أو موضع فتح القلعة أو مال يأخذه أو عدوّ يُغير عليه أو ثَغْر يدخل منه بلا خلاف ، وقد استأجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الهجرة مَنْ دلّهم على الطريق(١) .

ويستحقّ المجعول له الجُعْل بنفس الفعل الذي جُعل له الجُعْل مسلماً كان أو كافراً.

فإن كانت الجُعالة عيناً ممّا في يده ، وجب أن تكون معلومةً بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة ، وإن كانت دَيْنا ، وجب أن تكون معلومةً الوصف والقدر ، وإلاّ لزم الغرر وأفضى إلى التنازع.

وإن كانت من مال المشركين ، جاز أن يكون معلوماً ومجهولاً جهالةً لا تمنع التسليم ، ولا يفضي إلى التنازع ، مثل : مَنْ دلّ على القلعة الفلانية فله جارية منها ، أو جارية فلان ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جَعَل للسريّة الثُلْث أو الربع ممّا غنموا(٢) . ولا نعلم فيه خلافاً ، وصحّت هذه المشارطة مع جهلها ؛

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١١٦ ، سنن البيهقي ٦ : ١١٨.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٨٠ / ٢٧٤٨ - ٢٧٥٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥١ / ٢٨٥١ =

٢٠٠

للحاجة ، بل الجُعْل نفسه غير مملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه.

وإنّما تثبت الجُعالة بحسب الحاجة ؛ لأنّ الغنيمة يستحقّها الغانمون ، فلا تُصرف إلى غيرهم إلّا مع الحاجة. فإن كان المال منه ، مثل : مَنْ دلّنا على ثَغْر القلعة فله دينار ، وجب دفع الجُعْل بنفس الدلالة ، ولا يتوقّف على فتح القلعة ، خلافاً لبعض الشافعيّة(١) . وإن قال : من الغنيمةُ ، استحقّ بالدلالة والفتح معاً ، لأنّ جعالة شي‌ء منها يقتضي اشتراط فتحها حكماً.

مسألة ١١٣ : لو شرط جارية معيّنة من القلعة ثمّ فُتحت على أمان وكانت من الجملة ، فإن اتّفق المجعول له وأربابها على بذلها أو إمساكها بعوض ، جاز ، وإن تعاسرا ، قال الشيخرحمه‌الله : تفسخ الهدنة ، ويردّون إلى مأمنهم(٢) . وهو قول بعض الشافعيّة(٣) . وعندي فيه نظر.

ولو لم يستثن المـُصالح في الصلح الجاريةَ ، اُخذت منه وسُلّمت إلى الدالّ.

وإن كان المـُصالح قد استثنى جماعةً من أهله يختارهم فاختار الجاريةَ منهم ، فالصلح صحيح ، خلافاً لبعض الشافعيّة ؛ فإنّه قال : يبطل ؛ لأنّ الجارية مستحقّة للدالّ(٤) .

وليس بجيّد ؛ لإمكان إمضائه بالتراضي.

____________________

= و ٢٨٥٢ ، المغني ١٠ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٥.

(١) ما نُسب في المتن إلى بعض الشافعيّة لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر. نعم ، ذلك رأي بعض الحنابلة ، اُنظر : المغني ١٠ : ٤٠٧ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٢٦.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٨.

(٣) المهذب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٧.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٥ - ٦٧٦.

٢٠١

فإن اختار الدالّ قيمتها ، مضى الصلح ، وسُلّم إليه القيمة ؛ لتعذّر تسليم العين إليه. وإن امتنع ، فإن اختار صاحب القلعة دَفْعَها إلى الدالّ وأخْذَ قيمتها ، دُفعت الجارية إلى الدالّ ، وسُلّم إلى صاحب القلعة قيمتها ، ويكون جارياً مجرى الرضخ ، وكان الصلح ماضياً. وإن امتنع كلٌّ منهما ، فُسخ الصلح عند الشيخ(١) ؛ لتعذّر إمضائه ؛ لأنّ حقّ الدالّ سابق ، ولا يمكن الجمع بينه وبين الصلح ، ولصاحب القلعة أن يحصن قلعته كما كانت من غير زيادة ، وهو مذهب الشافعي(٢) .

والوجه : دفع القيمة ، كما لو أسلمت الجارية قبل دَفْعها إليه ؛ لما في فسخ الصلح من تضرّر المسلمين. ورعايةُ حكمة دَفْع ضررٍ يسير عن صاحب العين في مقابلة ثبوت ضرر عظيم في حقّ المسلمين كافّةً ، فإنّه ربما لا يمكن فتح القلعة بها منافٍ لحكمة الشارع.

مسألة ١١٤ : لو فُتحت القلعة عَنْوةً أو صُلْحاً ولم تكن الجارية داخلةً في الهدنة ، فإن كانت الجارية باقيةً على الكفر ، سُلّمت إليه ؛ عملاً بالشرط.

وإن أسلمت قبل الصلح والأسر ، دُفع إلى الدالّ قيمتها ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صالح أهل مكة عام الحديبيّة على أنّ مَنْ جاء منهم مسلماً ردّه إليهم ، فلمـّا جاءت مسلمات منعه الله تعالى من ردّهنّ ( إلى الكفّار )(٣) وأمره بردّ مهورهنّ على أزواجهنّ ، وفسخ ما كان عقدهعليه‌السلام من الهدنة(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٧.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ق ، ك».

(٤) المغازي - للواقدي - ٢ : ٦٣١ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٣ : ٣٤٠ ، صحيح البخاري ٣ : ٢٥٧ - ٢٥٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٢٨ ، دلائل النبوّة - للبيهقي - ٤ : ١٧١ ، مصابيح السنّة - للبغوي - ٣ : ١١٢ / ٣٠٨٣.

٢٠٢

ولو أسلمت بعد الأسر ، فإن كان المجعول له مسلماً ، سُلّمت إليه بالشرط ؛ فإنّها رقٌّ ، وإن كان كافراً ، لم تُسلّم إليه بل قيمتها ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخر : تُسلّم إليه ، ويطالب بإزالة الملك ؛ لأنّ الكافر لا يستديم ملك المسلم(١) .

ولو ماتت الجارية قبل الظفر أو بعده ، قال الشيخ : لا تدفع إليه قيمتها ؛ لأنّ الشرط اقتضى إمكان تسليمها ، وهو غير ممكن ، فلا يجب له العوض ، كما لو لم تفتح القلعة(٢) . وهو أحد وجهي الشافعي(٣) .

وفي الآخر : تُدفع إليه القيمة ، كما لو أسلمت(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه علّق حقّه على شي‌ء معيّن وتلف من غير تفريط ، فسقط حقّه ، بخلاف المسلمة ؛ لإمكان تسليمها لكنّ الشرع منع منه.

ولو كان الدليل جماعةً ، كانت الجارية بينهم.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الجارية تُسلّم إلى الكافر إن ظفرنا بها ، فإن لم تفتح القلعة ؛ لعجز ، أو تجاوزناها مع القدرة ، فلا شي‌ء له علينا وإن أتمّ الدلالة ، إلّا إذا رجعنا إلى الفتح بعلامته.

ولو فتحها طائفة اُخرى سمعوا العلامة ، فلا شي‌ء عليهم ؛ إذ لم يجر معهم الشرط.

وإن لم تكن فيها جارية ، فلا شي‌ء له ، وكذا إن كانت قد ماتت قبل‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٣.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٨.

(٣ و ٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٥.

٢٠٣

المعاقدة.

وإن ماتت بعد الظفر وقبل التسليم ، فعلينا البدل إمّا اُجرة المثل أو قيمة الجارية.

وللشافعيّة فيه وجهان بناءً على أنّ الجُعْل المعيّن يُضمن ضمانَ العقد أو ضمانَ اليد ، كالصداق(١) .

وإن ماتت قبل الظفر وبعد العقد ، ففي وجوب البدل للشافعي قولان(٢) .

ولو لم يحصل من القلعة شي‌ء إلّا تلك الجارية ، ففي وجوب التسليم للشافعيّة وجهان(٣) .

مسألة ١١٥ : يجوز للإمام ونائبه أن يبعث سريّةً تُغير على العدوّ وقت دخوله دار الحرب ، ويجعل لهم الربع بعد الخُمْس ، فما قدمت به يخرج خُمْسه والباقي يعطي السريّة منه ربع الباقي ثمّ يقسّم الباقي بين الجيش والسريّة أيضاً.

وكذا إذا قفل(٤) من دار الحرب مع الجيش فأنفذ سريّةً تُغير ، وجعل لهم الثلث بعد الخُمْس ، جاز ، فإذا قدمت السريّة بشي‌ء ، أخرج خُمْسه ثمّ أعطى السريّة ثلث الباقي ثمّ قسّم الباقي بين الجيش والسريّة معه - وبه قال الحسن البصري والأوزاعي وأحمد(٥) - لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان‌

____________________

(١ و ٢) الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧١ ، الوسيط ٧ : ٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٥.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٧٤ ، الوسيط ٧ : ٤٨.

(٤) في الطبعة الحجريّة و « ق ، ك» : نقل. وذلك تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٥) المغني ١٠ : ٤٠١ - ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٨ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٦.

٢٠٤

ينفلهم إذا خرجوا بادين بالربع وينفلهم إذا قفلوا بالثلث(١) .

وقال حبيب بن مسلمة الفهري : شهدت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفل الربع في البداءة والثلث في الرجعة(٢) .

ولأنّ فيه مصلحةً للمسلمين ، فكان سائغاً ، كالسَّلَب.

وقال عمرو بن شعيب : لا نفل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ الله تعالى خصّه بالأنفال ، فقال :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) (٣) فخصّه بها(٤) .

وهو باطل ؛ لأنّ ما ثبت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثبت للأئمّة بعده ما لم يقم دليل على التخصيص.

وقال مالك وسعيد بن المسيّب : لا نفل إلّا من الخمس(٥) .

وقال الشافعي : يخرج من خُمْس الخُمْس(٦) .

مسألة ١١٦ : وإنّما يستحقّ هذا البدل بالشرط السابق ، فإن لم يشترطه الإمام ولا نائبه ، فلا نفل ؛ لأنّ الأصل تسوية الغانمين ، وإنّما يثبت النفل مع قلّة المسلمين وكثرة المشركين ، فيشترط الإمام التنفيل لمن يعمل مصلحة ، تحريضاً لهم على القتال ، ولو كانوا مستظهرين عليهم ، فلا حاجة‌

____________________

(١) سنن الترمذي ٤ : ١٣٠ / ١٥٦١ ، المغني ١٠ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٨٠ / ٢٧٥٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٣١٣ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٣٣ ، مسند أحمد ٥ : ١٦٣ - ١٧٠١٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٩.

(٣) الأنفال : ١.

(٤) المغني ١٠ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٨.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٩٦ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٧٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٢١٥ ، المغني ١٠ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢٩.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٤٩.

٢٠٥

إليه ؛ فإنّ أكثر مغازي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تكن فيها أنفال.

ولو رأى التنفيل بدون الربع أو الثلث ، فَعَل.

وهل تجوز الزيادة عليهما(١) ؟ مَنَع منه الأوزاعي ومكحول وأكثر العامّة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انتهى إلى الثلث(٢) ، فلا ينبغي تجاوزه(٣) .

وقال الشافعي : يجوز ؛ لأنّه نفل مرّةً الربعَ ومرّةً الثلثَ ومرّةً نصفَ السدس ، فعُلم انتفاء الضابط ، وأنّه موكول إلى نظر الإمام(٤) .

وليس حجّةً ، لاتّفاق الوقائع على عدم الزيادة ، فكان ضابطاً فيه ، ومع ذلك فإنّه يناقض قوله : إنّه يخرج من خُمْس الخُمْس(٥) ، فلو شرط نائب الإمام زيادة على الثلث ، ردّ إليه على الأوّل ، ولزم الوفاء على الثاني.

وقد اختلف في تأويل البداءة والرجعة ، فقيل : البداءة أوّل سريّة ، والرجعة : الثانية(٦) .

وقيل : البداءة : السريّة عند دخول الجيش إلى دار الحرب ، والرجعة : عند قفول الجيش(٧) .

وإنّما زادهم في الرجعة ؛ للمشقّة ، فإنّ الجيش في البداءة رِدْءٌ(٨) للسريّة تابع لها ، والجيش مستريح والعدوّ خائف ، وربّما كان غارّاً ، وفي‌

____________________

(١) « عليهما » لم ترد في « ك».

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٠٤ ، الهامش (٢)

(٣) المغني ١٠ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٤٩ - ٣٥٠ ، المغني ١٠ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٠.

(٥) تقدّمت الإشارة الى مصادره في ص ٢٠٤ ، الهامش (٦)

(٦ و ٧) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٠.

(٨) الرِّدْءُ : المعين والناصر. لسان العرب ١ : ٨٥ « ردأ ».

٢٠٦

الرجعة لا رِدْءَ للسريّة ؛ لانصراف الجيش ، والعدوّ مستيقظ على حذر.

وكما يجوز التنفيل للسريّة يجوز لبعض الجيش ؛ لبلائه أو لمكروه تحمَّله ، دون سائر الجيش ، فلو نفذ الإمام سريّةً فأتى بعضهم بشي‌ء وبعضهم لم يأت ، كان للوالي أن يخصّ الذين جاءوا بشي‌ء دون الآخرين مع الشرط.

وقال أحمد : يجوز من غير شرط(١) .

مسألة ١١٧ : لو قال الأمير : مَنْ طلع هذا الحصن أو هدم هذا السور أو نقب هذا البيت‌ أو فَعَل كذا فله كذا ، أو مَنْ جاء بأسير فله كذا ، جاز في قول عامّة العلماء(٢) ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ قتل قتيلاً فله سَلَبه »(٣) .

ولاشتماله على المصلحة والتحريض على القتال ، فجاز ، كزيادة السهم للفارس والسَّلَب لقاتله.

وكره مالك ذلك ولم يره ، وقال : لا نفل إلّا بعد إحراز الغنيمة ؛ لأنّ القتال على هذا الوجه إنّما هو للدنيا(٤) .

وهو منقوض بالسَّلَب ، واستحقاق السهم من الغنيمة ، وزيادة سهم الفارس.

وإنّما يجوز التنفيل مع المصلحة للمسلمين ، فلو انتفت لم يجز.

والنفل لا يختصّ بنوعٍ من المال ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام جعل الثلث أو‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣١.

(٢) المغني ١٠ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣١.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ٣٠٧ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٢ - ٣٦٩ / ١٤٠٣٠ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٩٦ - ٢٩٧ / ٦٩٩٥ - ٦٩٩٧ و ٧٠٠٠.

(٤) المدوّنة الكبرى ٢ : ٣١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٦ ، المغني ١٠ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٢.

٢٠٧

الربع(١) ، وهو عامٌّ في كلّ مغنوم.

وقال الأوزاعي : لا نفل في الدراهم والدنانير ؛ لأنّ القاتل لا يستحقّ النفل فيهما ، فكذا غيره(٢) .

وليس بشي‌ء ؛ لأنّ القاتل إنّما نفل السَّلَب ، وليس الدراهم والدنانير من السَّلَب.

ولو قال : مَنْ رجع إلى الساقة فله دينار ، جاز ؛ لأنّ في الرجوع إليهم منفعةً.

ويستوي في النفل الفارس والراجل إلّا أن يفضّل بعضهم في القسم ، فيستحقّ قدر المسمّى ؛ لأنّ النفل شي‌ء رضخ للفعل فكيف صدر عن الفاعل استحقّ.

ولو بعث الإمام سريّةً ونَفَلهم بالثلث بعد الخُمْس ثمّ إنّ أمير السريّة نفل قوماً منهم لفتح الحصن أو للمبارزة بغير إذن الإمام ، فإن نَفَلهم من حصّة السريّة أو من سهامهم بعد النفل ، جاز ، ولو نَفَلهم من سهم العسكر ، لم يجز ؛ لأنّه أمير على السريّة لا على العسكر.

هذا إذا خرج الجيش مع السريّة ، أمّا لو لم يخرج ، جاز تنفيله ؛ لأنّ الغنيمة كلّها للسريّة ، ولا يشاركهم الجيش ؛ لاختصاص السريّة بالجهاد.

ولو بعث أمير السريّة سريّة من السريّة ونَفَل لهم أقلّ من النفل الأوّل أو أكثر ، جاز من حصّة أصحاب(٣) السريّة لا من حصّة العسكر ، إلّا أن يكون أمير العسكر أذن له في التنفيل ، فحينئذٍ يكون نائباً عن الأمير.

____________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٠٤ ، الهامش (١)

(٢) المغني ١٠ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٣٢.

(٣) في « ق » : « أرباب » بدل « أصحاب ».

٢٠٨

ولو فُقد رجلٌ من السريّة فقام هناك بعضهم لطلبه وبعضهم ذهب حتى أصاب الغنائم ثمّ رجعوا إلى أصحابهم ووجدوا المفقود ، فكلّهم شركاء في النفل ؛ لأنهم فارقوا العسكر جملةً وأحرزوا المصاب بالعسكر جملةً ، فكانوا بمنزلة ما لو باشر القتالَ بعضُهم ، وبعضُهم كان رِدْءاً لهم.

ولو أصاب الرجل المفقود غنيمةً والذين أقاموا لانتظاره غنيمةً والسريّة غنيمةً ثمّ التقوا ، فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسويّة ، كما لو لم يفترقوا ؛ لأنّهم اشتركوا في الإحراز.

ولو تفرّقت السريّة سريّتين وبَعُدت إحداهما عن الاُخرى بحيث لا تقدر إحداهما على عون الاُخرى ثمّ أصابت كلّ سريّة غنيمةً أو أصابت إحداهما دون الاُخرى ثمّ التقتا ، فالنفل من جميع ذلك بينهم بالسويّة ، ولو لم يلتقوا إلّا عند العسكر ، فلكلّ فريق النفل ممّا أصابوا خاصّةً.

ولو أصابت السريّة الغنائم ثمّ لم يقدروا على الرجوع إلى العسكر فخرجوا إلى دار الإسلام من موضع آخر ، قيل(١) : تكون الغنيمة كلّها لهم تقسّم على سهام الغنيمة ؛ لأنّهم تفرّدوا بالإحراز إلى دار الإسلام ، وهو سبب في التملّك ، وإذا صارت الغنيمة كلّها لهم ، بطل التنفيل.

ولو قال الإمام : مَنْ أخذ شيئاً فهو له ، احتمل الجواز - وهو قول أبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي(٢) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم بدر : « مَنْ أخذ شيئاً فهو له »(٣) .

____________________

(١) لم نعثر على القائل.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ١١٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٤٧ ، الاُمّ ٤ : ١٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ ، المغني ١٠ : ٤٥٤.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ٣١٥.

٢٠٩

واحتمل المنع - وهو الثاني للشافعي(١) - لأنّ مَنْ أجاز ذلك أسقط حقّ أهل الخُمْس من خُمْسه ، ومَنْ يستحقّ جزءاً من الغنيمة لم يجز للإمام ( أن يشترط )(٢) إسقاطه ، كما لو شرط الغنيمة لغير الغانمين.

مسألة ١١٨ : لو بعث سريّتين يمنةً ويسرةً(٣) ونَفَل إحداهما بالثلث والاُخرى بالربع ، جاز(٤) ؛ لاختلاف المصلحة باختلاف البعد والقرب ، وسهولة أحد الطريقين وصعوبة الآخر ، والأمن والخوف ، واختلاف المبعوث إليهم في القوّة والضعف.

فلو بعث واحداً مع سريّة الربع فخرج مع سريّة الثلث ، فلا شي‌ء له في السريّة التي خرج إليها بغير إذن الإمام ، والتي أذن له بالخروج إليها لم يخرج.

واستحسن أبو حنيفة أن يجعل له مع سريّة الثلث مقدار ما سمّى له ، وهو الربع(٥) .

أمّا لو ضلّ رجل من إحدى السريّتين فوقع في الاُخرى فأصاب الغنيمة ، فالوجه أنّه يشاركهم ، فيأخذ من السريّة التي وقع فيها ، لا من التي(٦) خرج معها.

ولو بعث سريّةً ونفلهم بالربع ثمّ أرسل اُخرى وقال لهم : الحقوا‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ ، المغني ١٠ : ٤٥٤.

(٢) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : اشتراط.

(٣) في « ق ، ك» : يمنة ويمنة.

(٤) في الطبعة الحجريّة : جاز له.

(٥) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة عندنا.

(٦) في الطبعة الحجريّة : لا من السريّة التي.

٢١٠

بأصحابكم فما أصبتم فأنتم شركاؤهم ، فلحقوا السريّة الاُولى وقد كانوا غنموا غنيمةً ثمّ غنموا معهم غنيمةً اُخرى جميعاً ، فنفل الغنيمة الثانية لهم جميعاً ، ونفل الغنيمة الاُولى للسريّة الاُولى ؛ لأنّ حقّ النفلين يتأكّد في المصاب بالإصابة ، فلا يثبت حقٌّ للسريّة في الغنيمة الاُولى ، فلا يملك الإمام إشراك الثانية فيما أصابت الاُولى ؛ لأنّه يتضمّن إبطال حقّ التأكّد ، وحقّ السريّة الاُولى لم يثبت على وجه الخصوص في الغنيمة الثانية حين لحق بها الثانية ، بل يثبت حقّ السريّتين بإصابتهما ، فصحّ الاشتراك.

هذا إذا أخبرت السريّة الثانية الاُولى بالتنفيل أو أخبروا بعضهم(١) ولو أميرهم ، ولو لم يُخبروهم ، قال أبو حنيفة : تكون الغنيمتان للاُولى ؛ لأنّ الشركة تشتمل على الضرر والغرور بالاُولى ، فلا تصحّ إلّا بعد العلم(٢) .

قال ابن الجنيد : لو غنمت السريّة المنفلة فأحاط بها العدوّ ، فأنجدهم المسلمون ، شركوهم في النفل ما لم يحرزوه في العسكر.

مسألة ١١٩ : يصحّ التنفيل بالشي‌ء(٣) المجهول ، فلو قال : مَنْ جاء بشي‌ء فله منه طائفة ، فجاء رجل بمتاع ، نَفَله الإمام بما يراه مصلحة.

ولو قال : مَنْ جاء بشي‌ء فله منه قليل أو يسير أو شي‌ء منه ، فله أن يعطيه أقلّ من النصف؛ لأنّ القليل واليسير يتناول ما دون النصف ؛ لأنّ مثله لا يكون يسيراً ، وكذا « الشي‌ء » يفهم منه في الغالب القلّة ، فصار كما لو قال : قليلاً.

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : معظمهم. وذلك تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه لأجل السياق.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٣) كلمة « بالشي‌ء » لم ترد في « ق ، ك».

٢١١

ولو قال : مَنْ جاء بشي‌ء فله جزؤه ، فله أن ينفله بالنصف وما دونه دون ما فوقه ؛ لأنّ الجزء اسم للبعض منه إلى النصف ، يقال : جزء من جزءين ، ويقال لأكثر من النصف : جزءان من ثُلثه ، فدلّ على أنّ ما زاد على النصف لا يكون جزءاً.

ولو قال : مَنْ جاء بشي‌ء فله سهم رجل ، كان له أن يعطيه سهم راجل لا فارس ؛ لأنه المتيقّن.

قال محمّد بن الحسن الشيباني : لو قال : مَنْ جاء بألف درهم فله ألفا درهم ، فجاء بالألف، لم يكن له أكثر من ألف.

ولو قال : مَنْ جاء بالأسير فله الأسير وألف ، لزمه دفعهما ؛ لأنّه في الأوّل قصد تحصيل المال لا غير ، فلا يعطيه إلّا ما أصابه من المال ، وفي الثاني مقصوده كسر شوكتهم بأخذ الأسير(١) .

قال ابن الجنيد : لو قال : مَنْ جاء بأسير فله مائة درهم ، كان ذلك من الغنيمة أو في رقبة الأسير أو بيت مال المسلمين.

مسألة ١٢٠ : لو قال : مَنْ أصاب ذهباً أو فضّةً فهو له ، فأصاب سيفاً محلّىً بأحدهما ، كان له الحلية دون السيف والجفن ؛ لأنّهما متغايران ، والجُعْل إنّما وقع بأحدهما.

ولو أصاب خاتماً ، نزع فُصّه للغنيمة ، وكان الخاتم له.

ولو أصاب أبواباً فيها مسامير فضّة لو نُزعت لهلكت الأبواب ، قال محمد : لا شي‌ء له ؛ لأنّ المسمار مغيب في الباب ، فصار كالمستهلك(٢) .

ولو قال : مَنْ أصاب قزّاً فهو له ، فأصاب جُبّةً محشوّةً بقزّ ، فلا شي‌ء له ؛ لأنّ الحشو مغيب في الجبّة ، والمغيب لا عبرة به.

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٢١٢

أمّا لو قال : مَنْ أصاب ثوب قزّ فهو له ، فأصاب رجل جبّةً بطانتها ثوب قزّ أو ظهارتها ، فله الثوب القزّ ، والآخر غنيمة.

ولو قال : مَنْ أصاب جبّة حرير فهو له ، فأصاب جبّةً ظهارتها وبطانتها حرير ، فهي له. وكذا لو كانت الظهارة حريراً ، أمّا لو كانت البطانة حريراً ، فلا شي‌ء له.

ولو صعد رجل السور يقاتل المسلمين ، فقال الإمام : مَنْ صعد السطح فأخذه فهو له وخمسمائة ، فصعد رجل فأخذه ، لزمه دفعه ودفع خمسمائة. ولو سقط الرجل من السور فقَتَله رجل خارج الحصن ، فلا شي‌ء له ؛ لأنّ قصد الجُعالة إظهار الجلادة والجرأة.

ولو رماه رجل فطرحه من السور ، قال محمّد : يستحقّ ذلك ؛ لأنّ القصد ليس هو الصعود بل فعل يؤثّر في السقوط لإظهار كسر قلوبهم(١) .

ولو صعد إليه فسقط داخل الحصن فقَتَله ، فله النفل ، لأنّه أتى بالمطلوب وزيادة.

ولو التقى الصفّان ، فقال الأمير : مَنْ جاء برأسٍ فله كذا ، انصرف إلى رؤوس الرجال دون الصبيان ، أمّا لو انهزم الكفّار فقال : مَنْ جاء برأسٍ فله كذا ، فجاء رجل بسبي أو برأس فله النفل.

ولو ادّعى قَتْله فقيل : بل كان ميّتاً ، حلف واُعطي النفل.

ولو جاء برأسٍ لا يعلم كفره وإسلامه ، لم يعط حتى يُعلم كفره. ولو ادّعى آخر أنّه قَتَله ، فالقول قول الآتي به مع اليمين ، فلو نكل فلا نفل.

وفي استحقاق المدّعي إشكال ينشأ من أنّ نكوله إقرار بأنّ المدّعي‌

____________________

(١) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

٢١٣

قَتَله ، وهو إقرار بإبطال حقّ نفسه وإثبات الحقّ للمدّعي ، وإقراره حجّة عليه لا على غيره ، ومن أنّ الحقّ ثابت له يكون الرأس في يده ، فإذا نكل عن اليمين ، فقد جعل ماله من الحقّ إلى المدّعي ، وله هذه الولاية ، فصار ذلك للمدّعي.

مسألة ١٢١ : لو قال : مَنْ دخل باب هذه المدينة فله ألف ، فاقتحم ( جماعة من المسلمين)(١) فدخلوها ، استحقّ كلّ واحد منهم ألفاً ؛ لأنّه شرط لكلّ داخل ، بخلاف : من دخل فله الربع ، فدخل عشرة ، فلهم الربع الواحد ؛ لأنّ الربع اسم لجزء واحد من المال. ولو دخل واحد ثمّ آخر ، اشتركوا في النفل ، لتعلّق الاستحقاق بالدخول حالة الخوف.

ولو قال : مَنْ دخل فله جارية ، فدخلوا فإذا هناك جارية واحدة ، فلكلّ واحد قيمة جارية وسط ، أمّا لو قال : جارية من جواريهم ، فليس لهم إلّا ما وُجد ؛ فرقاً بين المضاف والمطلق.

ولو قال : مَنْ دخل أوّلاً فله ثلاثة ، ومَنْ دخل ثانياً فله اثنان ، ومَنْ دخل ثالثاً فله واحد ، فدخلوا على التعاقب ، فلكلُّ منهم ما سمّاه ؛ لأنّ التفاوت في النفل مع التفاوت في الخوف جائز.

ولو دخلوا دفعةً ، بطل نفل الأوّل والثاني ، وكان لهم جميعاً نفل الثالث ؛ لأنّ الأوّل هو المتقدّم، والثاني مَنْ تقدّمه واحد ولم يوجد ، والثالث إذا سبقه اثنان أو قارناه ، كان ثالثاً ؛ لأنّ خوف الثالث إذا قارنه اثنان فوق خوفه إذا تقدّمه اثنان ، فيكون فعله أشقّ ، فاستحقاقه أولى.

فلو دخل اثنان أوّل مرّة ، بطل نفل الأوّل ، ونفل الثاني يكون لهما ؛

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : جماعة مسلمون.

٢١٤

لانعدام الأوّليّة بالمقارنة ، بخلاف الثاني ؛ فإنّه يصدق مع المسبوقيّة والمقارنة.

ولو قال : مَنْ دخل أوّلاً من المسلمين فله كذا ، فدخله ذمّيٌّ ثمّ مسلم ؛ استحقّ المسلم ؛ لأنّ أوّليّة الذمّي لا تمنع هذه الصفة ، كالدابّة ، أمّا لو قال : مَنْ دخل من المسلمين أوّلاً من الناس ، لم يستحقّ.

البحث الثالث : في السَّلَب.

مسألة ١٢٢ : يجوز للإمام أن يجعل للقاتل سَلَب المقتول إجماعاً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم حُنين(١) : « مَنْ قتل قتيلاً فله سَلَبه » فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين فأخذ سلبهم(٢) ، رواه العامّة(٣) .

ومن طريق الخاصّة : رواية عبد الله بن ميمون ، قال : اُتي عليعليه‌السلام بأسير يوم صفّين فبايعه ، فقال عليعليه‌السلام : « لا أقتلك إنّي أخاف الله ربّ العالمين » فخلّى سبيله ، وأعطى سلبه الذي جاء به(٤) . وإذا أخذ الآتي السَّلَب فالقاتل أولى.

ولأنّ فيه مصلحةً عظيمة تنشأ من التحريض على القتال.

مسألة ١٢٣ : وإنّما يستحقّ القاتل السَّلَب بشروط :

الأوّل : أن يخصّه الإمام به ويشرطه له‌ - وبه قال أبو حنيفة والثوري‌

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجرية : خيبر. وما أثبتناه من المصادر.

(٢) في المصادر : أسلابهم.

(٣) المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٢ : ٣٦٩ - ٣٧٠ / ١٤٠٣٠ ، و ١٤ : ٥٢٤ / ١٨٨٣٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٢٢٧ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٧١ / ٢٧١٨ ، وفيه : « مَنْ قتل كافراً » المغني ١٠ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤١.

(٤) التهذيب ٦ : ١٥٣ / ٢٦٩.

٢١٥

ومالك وأحمد في رواية(١) - لأنّ السَّلَب جُعل تحريضاً على القتال ، فلا يستحقّه إلّا بشرط الإمام ، كالنفل.

وقال الأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن الجنيد من علمائنا ، وأحمد في الرواية الاُخرى : يخصّ به القاتل ، سواء قال الإمام أو لم يقل(٢) ؛ لما تقدّم من الرواية(٣) .

وليس فيها دلالة على عدم الشرط قبل ابتداء القتال ، فجاز أن يكون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله شرط له ذلك أوّلاً ، وإذا شرط له السَّلَب ، جاز له أخذه وإن لم يأذن له الإمام.

وقال الأوزاعي : يشترط إذن الإمام. وإن لم يشرطه(٤) . في الاستحقاق. قال : لأنّه مجتهد فيه ، فلا ينفذ أمره فيه إلّا بإذن الإمام(٥) .

الثاني : أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم ، فلو قتل امرأةً أو صبيّاً أو شيخاً فانياً لا رأي له ونحوهم ممّن لم يقاتل ، لم يستحقّ سَلَبه إجماعاً ؛ لأنّ قتل هؤلاء منهيٌّ عنه ، فلا يستحقّ به نفل. ولو قتل‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٧ ، النتف ٢ : ٧٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٥٦ / ١٦١١ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٧ ، المغني ١٠ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٣ و ١٤ : ١٥٥.

(٢) المغني ١٠ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٦ - ٤٤٧ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٣ و ١٤ : ١٥٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٨ ، المهذب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٧ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٩ ، النتف ٢ : ٧٢١.

(٣) تقدّمت الرواية وكذا الإشارة إلى مصادرها في ص ٢١٤ والهامش (٣)

(٤) في الطبعة الحجريّة : وإن لم يكن شرطه.

(٥) المغني ١٠ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٨.

٢١٦

أحدهم وهو مُقاتل ، استحقّ سَلَبه ؛ لأنّه يجوز قتله إذا كان يقاتل ، فيدخل تحت عموم الخبر.

الثالث : أن يكون المقتول ممتنعاً ، فلو قتل أسيراً له أو لغيره ، أو مَنْ اُثخن بالجراح وعجز عن المقاومة ، لم يستحقّ سَلَبه - وبه قال الشافعي وأحمد ومكحول(١) - لأنّ ابني عفراء أثخنا أبا جهل يوم بَدْر فأجاز عليه عبد الله بن مسعود فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سَلَبه لابني عفراء ، ولم يُعط ابن مسعود شيئاً(٢) .

ولأنّه لم يغرّر بنفسه في دفع شرّه.

وقال أبو ثور وداوُد : يستحقّ سَلَبه على أيّ وجه قَتَله ؛ لعموم الخبر(٣) .

والخبر محمول على القاتل حالة الامتناع.

ولو قطع يدي رجل ورِجْليه وقَتَله آخر ، فالسَّلَب للقاطع دون القاتل ؛ لأنّه الذي منع شرّه عن المسلمين.

ولو قطع يديه أو رِجْليه وقَتَله آخر ، قال الشيخرحمه‌الله : السَّلَب للقاتل ؛ لأنّه لم يصيّره بالقطع ممتنعاً ؛ فإنّ مقطوع اليدين يمتنع بالعَدْو ، ومقطوع الرِّجْلين يمتنع برمي يديه(٤) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣١ ، المغني ١٠ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، المغني ١٠ : ٤١٤ و ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤ ، وانظر : صحيح البخاري ٥ : ٩٥ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٤٢٤ / ١٨٠٠ ، وسنن البيهقي ٩ : ٩٢ ، ومسند أحمد ٣ : ٥٦٠ / ١١٧٣٣ ، و ٥٨٣ / ١١٨٩٥ ، و ٤ : ١١٧ - ١١٨ / ١٣٠٦٥.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦٧.

٢١٧

وقال بعض العامّة : يخصّ القاطع ؛ لأنّه عطّله(١) .

وليس جيّداً ؛ لما قاله الشيخرحمه‌الله

وقال بعضهم : يكون غنيمةً ؛ لأنّ القاطع لم يكف شرّه كلّه ، والقاتل قتل مثخناً(٢) .

أمّا لو قطع يده ورِجْله من خلاف ثمّ قَتَله آخر ، فإن كان القاطع يمنع شرّه أجمع بقطع العوضين ، فالسَّلَب له ، وإلّا فللقاتل.

ولو عانق رجل رجلاً فقَتَله آخر ، فالسَّلَب للقاتل - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ المعانق ليس قاتلاً ، والقاتل كفى المسلمين شرّه.

وقال الأوزاعي : للمعانق(٤) .

الرابع : القتل أو الإثخان بالجراح بحيث يجعله معطّلاً في حكم المقتول ، فلو أسر رجلاً ، لم يستحق سلبه وإن قتله الإمام أو لم يقتله ؛ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله جَعَل السَّلَب للقاتل(٥) .

وقال مكحول : مَنْ أسر مشركاً ، استحقّ سَلَبه(٦) .

وقال بعض العامّة : إن استبقاه الإمام ، كان له فداؤه أو رقبته وسَلَبه ؛ لأنّه كفى المسلمين شرّه ، لأنّ الأسر أصعب من القتل ، وقد كفى المسلمين شرّه(٧) .

____________________

(١ و ٢) المغني ١٠ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩ - ٤٥٠.

(٥) المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٩٥ - ٢٩٧ / ٦٩٩٥ - ٦٩٩٧ - ٦٩٩٧ و ٧٠٠٠ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٢ : ٣٦٩ / ١٤٠٣٠ ، و ٣٧٢ / ١٤٠٣٦ ، و ١٤ : ٥٢٤ / ١٨٨٣٤ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٢٢٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٠٧ و ٣٠٩.

(٦) المغني ١٠ : ٤١٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

(٧) المغني ١٠ : ٤١٥ - ٤١٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

٢١٨

وليس جيّداً ؛ لأنّ الجُعْل للقتل لا للأسر. نعم ، لو شرط الإمام السَّلَب لمن استأسر ، استحقّ سلبه(١) .

الخامس : أن يغرّر القاتل بنفسه في قتله بأن يبارز إلى صفّ المشركين أو إلى مبارزة مَنْ يبارزهم ، فيكون له السَّلَب ، فلو لم يغرّر بنفسه ، مثل أن يرمي سهماً في صفّ المشركين من صفّ المسلمين فيقتل مشركاً ، لم يكن له سَلَبه ؛ لأنّ القصد التحريض على القتال ومبارزة الرجال ولا يحصل إلّا بالتغرير.

ولو حمل جماعة من المسلمين على مشرك فقتلوه. فالسَّلَب في الغنيمة ؛ لأنّهم باجتماعهم لم يغرّروا بأنفسهم في قتله.

ولو اشترك اثنان في قتله بأن ضرباه فقتلاه أو جرحاه فمات من جرحهما ، فالسَّلَب لهما - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد في رواية(٢) - لأنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ قتل قتيلاً فله سَلَبه »(٣) يتناول الاثنين والواحد على حدُّ واحد ، فلا وجه للتخصيص.

وقال أحمد في رواية : يكون غنيمةً ؛ لأنّ سبب استحقاق السَّلَب التغريرُ ، ولا يحصل بقتل الاثنين(٤) .

وهو ممنوع ؛ فقد يحصل التغرير بالاثنين.

ولو اشترك اثنان في ضربه وكان أحدهما أبلغ في قتله من الآخر ، قال‌

____________________

(١) كلمة « سلبه » لم ترد في « ق ، ك».

(٢) الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٥ ، المغني ١٠ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٨ - ٤٤٩.

(٣) اُنظر : المصادر في الهامش (٥) من ص ٢١٧.

(٤) المغني ١٠ : ٤١٦ - ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٨ - ٤٤٩.

٢١٩

بعض العامّة : يكون السَّلَب له ؛ لأنّ أبا جهل ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء وأتيا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبراه ، فقال : « كلاكُما قَتَله » وقضى بسَلَبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح(١) (٢) .

السادس : أن يقتله والحرب قائمة ، سواء قَتَله مُقبلاً أو مُدبراً ، أمّا لو انهزم المشركون فقَتَله ، لم يستحقّ السَّلَب ، بل كان غنيمةً ؛ إذ لا تغرير حينئذٍ ، بخلاف ما لو قَتَله مُدبراً والحرب قائمة ؛ لأنّ التغرير موجود ، فإنّ الحرب كَرٌّ وفَرٌّ. وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو ثور وداوُد : لا يشترط قيام الحرب بل يستحقّ القاتل السَّلَب مطلقاً(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ابن مسعود ذفّف(٥) على أبي جهل فلم يُعطه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سَلَبه(٦) .

وإن شرطنا في المبارزة إذن الإمام ، لم يستحقّ القاتل السَّلَب إلّا مع إذنه في المبارزة ، وإلّا استحقّ.

السابع : أن يكون القاتل له نصيب من الغنيمة إمّا سهم أو رضخ ، ولو لم يكن له نصيب ولا رَضَخ له الإمام شيئاً بأن يكون مخذّلاً كعبد الله بن‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١١٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٧٢ / ١٧٥٢.

(٢) المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٩.

(٣) الاُمّ ٤ : ١٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٧ و ١٤ : ١٥٦ ، المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

(٤) المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٩٨.

(٥) الذفّ : الإجهاز على الجريح. لسان العرب ٩ : ١١٠ « ذفف ».

(٦) المغني ١٠ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٤٤.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466