تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 331670 / تحميل: 5634
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٩

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٨-٠
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وعن أبي يوسف روايتان(١) :

إحداهما : أنّه يُسهم له ، كالعربي.

الثانية : أنّه يُسهم له سهم واحد ؛ لأنّ البرذون لا كرَّ له ولا فرّ ، فأشبه البعير.

وقد بيّنّا عدم اعتبار التفاضل في السهام بشدّة البلاء في الحرب.

مسألة ١٣٨ : لا يُسهم لغير الخيل من الإبل والبغال والحمير والفيلة وغيرها ، عند علمائنا - وهو قول عامّة العلماء ، ومذهب الفقهاء في القديم والحديث(٢) - لأنّه لم ينقل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إسهام غير الخيل مع أنّه كان معه يوم بَدْر سبعون بعيراً(٣) . ولأنّ الفرس له كرُّ وفرُّ وطلب وهرب ، بخلاف غيرها.

وحكي عن الحسن البصري أنّه قال : يُسهم للإبل خاصّة(٤) .

وعن أحمد روايتان :

إحداهما : أنّه يُسهم للبعير سهم واحد ، ولصاحبه سهم آخر.

والثانية : أنّه إن عجز عن ركوب الخيل فركب البعير ، اُسهم له ثلاثة أسهم : سهمان لبعيره. وسهم له ، وإن أمكنه الغزو على الفرس ، لم يُسهم لبعيره ؛ لقوله تعالى :( فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) (٥) وهي‌

____________________

(١) اُنظر : حلية العلماء ٧ : ٦٧٩ - ٦٨٠.

(٢) المغني ١٠ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٢ ، المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٢ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ١٩.

(٣) المغني ١٠ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٧.

(٤) المغني ١٠ : ٤٣٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٧.

(٥) الحشر : ٦.

٢٤١

الإبل. ولأنّه حيوان تجوز المسابقة عليه بعوض ، فيسهم له ، كالفرس(١) .

ولا دلالة ( في الآية )(٢) على إسهام الركاب ، والجامع لا يصلح للعلّيّة ؛ لنقضه بالبغال والحمير ، ولا فرق بين أن تقوم الإبل مقام الخيل أو تزيد في العمل.

ويُسهم للخيل مع حضورها الوَقْعة وإن لم يقاتل عليها ولا احتِيج إليها في القتال ؛ لأنّه أحضرها للقتال ولزم عليها مؤونة.

ولو كانت الغنيمة من فتح حصن أو مدينة ، فالقسمة فيها كالقسمة في(٣) غنائم دار الحرب - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قسّم غنائم خيبر(٥) للفارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهمين ، وهي حصون(٦) .

ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى الخيل بأن ينزل أهل الحصن فيقاتلوا خارجه ، فيسهم(٧) له.

ولو حاربوا في السفن وفيهم الرجّالة وأصحاب الخيل ، قُسّمت الغنيمة كما تُقسّم في البرّ ، للراجل سهم ، وللفارس سهمان ، سواء احتاجوا إلى الخيل أو لا ؛ للرواية عن الصادقعليه‌السلام لمـّا سأله حفص بن غياث عن سريّة في سفينة قاتلوا ولم يركبوا الفرس كيف تقسّم؟ فقالعليه‌السلام : «للفارس سهمان ، وللراجل سهم »(٨) .

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٣٨ - ٤٣٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٧.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : للآية.

(٣) في « ق ، ك» : « من » بدل « في ».

(٤) المغني ١٠ : ٤٤١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٦.

(٥) في الطبعة الحجريّة ، و « ق ، ك» : « حنين » بدل « خيبر ». وما أثبتناه من المصدر.

(٦) المغني ١٠ : ٤٤٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٣.

(٧) في « ق ، ك» بدل « فيسهم » : « فيقسم ».

(٨) التهذيب ٦ : ١٤٦ / ٢٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٣ / ٣.

٢٤٢

مسألة ١٣٩ : يُسهم للفرس المستعار للغزو ، والسهم للمستعير‌ - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّه متمكّن من الغزو عليه شرعاً وعقلاً ، فأشبه المستأجر. ولأنّ سهم الفرس لمنفعته ، وهي مملوكة للمستعير.

وقال بعض الحنفيّة : السهم للمالك. وهو رواية عن أحمد(٢) . وقال بعضهم : لا يُسهم للفرس(٣) ؛ لأنّ السهم نماء الفرس ، فأشبه الولد(٤) . ولأنّ مالكه لا يستحقّ شيئاً فكذا فرسه ، كالمـُخذّل(٥) .

والفرق : أنّ النماء والولد غير مأذون له فيه ، بخلاف الغزو. والمـُخذّل لا يستحقّ سهماً بالحضور ؛ للخذلان ، بخلاف المستعير ؛ فإنّ صاحب الفرس لو حضر لاستحقّ سهماً ، وإنّما مُنع ؛ للغيبة ، فلا قياس ؛ للاختلاف في العلّة.

ولا نعلم خلافاً في استحقاق المستأجر لسهم الفرس إذا استأجره للغزو.

ولو استعار فرساً لغير الغزو فغزا عليه ، استحقّ السهم الذي له ، وأمّا ( سهم الفرس )(٦) فكالفرس المغصوب.

ولو استأجره لغير الغزو فغزا عليه ، سقط سهم الفرس ؛ لأنّه‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٤ ، المغني ١٠ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠١.

(٢ و ٣) المغني ١٠ : ٤٥٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠١.

(٤) قوله : « لأنّ السهم الولد » دليل لقول أحمد وبعض الحنفيّة.

(٥) قوله : « ولأنّ مالكه كالمخذّل » دليل لقول بعض الحنفيّة الآخر.

(٦) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « السهم الذي للفرس ».

٢٤٣

كالغاصب.

ولو كان المستأجر أو المستعير ممّن لا سهم له ، كالمرجف والمـُخذّل ، أو له رضخ ، كالمرأة والعبد ، كان حكمه حكم فرسه المملوكة ، وقد تقدّم(١) .

مسألة ١٤٠ : لو غصب فرساً فقاتل عليه ، استحقّ الغاصبُ سهمَ راجلٍ.

وأمّا سهم الفرس : فإن كان صاحبه حاضراً في الحرب ، فالسهم له ، وإلّا فلا شي‌ء له ؛ لأنّه مع الحضور قاتَل على فرسه مَنْ يستحقّ السهم ، فاستحقّ السهم ، كما لو كان مع صاحبه ، وإذا ثبت أنّ للفرس سهما ، ثبت لمالكه ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل للفرس سهماً(٢) ولصاحبه سهماً(٣) ، وما كان للفرس كان لمالكه.

وأمّا مع الغيبة : فإنّ الغاصب لا يملك منفعة الفرس ، والمالك لم يحضر ، فلا يستحقّ سهماً ، فلا يستحقّ فرسُه.

وقال بعض الشافعيّة : يُسهم للغاصب ، وعليه اُجرة الفرس لمالكه ؛ لأنّ الفرس كالآلة ، فكان حاصلها لمستعملها ، كما لو غصب سيفاً فقاتل به ، أو قدوماً(٤) فاحتطب به(٥) .

والفرق : أنّ السيف والقدوم لا شي‌ء لهما ، والفرس جعل لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) تقدّم في ص ٢٢٧ و ٢٢٨.

(٢) كذا ، وفي المصدر : « سهمين ».

(٣) صحيح البخاري ٤ : ٣٧ ، المغني ١٠ : ٤٥٣.

(٤) القدوم : التي ينحت بها. لسان العرب ١٢ : ٤٧١ « قدم ».

(٥) المغني ١٠ : ٤٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٩ - ٥١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١.

٢٤٤

سهماً ، ولمـّا لم تكن الفرس أهلاً للتملّك كان السهم لمالكها.

وقال بعض الحنفيّة : لا سهم للفرس. وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب على الغاصب اُجرة المثل ، سواء كان صاحبه حاضراً أو غائباً.

ولو كان الغاصب ممّن لا سهم له كالمرجف ، فسهم الفرس لمالكه إن كان حاضراً ، وإلّا فلا شي‌ء له.

وقال بعض العامّة : حكم المغصوب حكم فرسه ؛ لأنّ الفرس يتبع الفارس في حكمه ، فيتبعه إذا كان مغصوباً ؛ قياساً على فرسه(٢) .

وليس بجيّد ، لأنّ النقص في الفارس والجناية منه ، فاختصّ المنع به وبتوابعه ، كفرسه التابعة له ، بخلاف المغصوب.

وكذا البحث لو غزا العبد بغير إذن مولاه على فرس مولاه.

ولو غزا جماعة على فرس واحدة بالتناوب ، قال ابن الجنيد : يعطى كلّ واحد سهم راجل ثمّ يقسّم بينهم سهم فرس واحدة. وهو حسن.

مسألة ١٤١ : لو غزا العبد بإذن مولاه على فرس مولاه ، رضخ للعبد ، واُسهم للفرس. والسهم والرضخ لسيّده(٣) . ولو كان معه فرسان ، رضخ له ، واُسهم لفرسيه - وبه قال أحمد(٤) - لأنّه فرس حضر الوقعة وخُوصم عليه ، فاستحقّ مالكه السهم ، كما لو كان الراكب هو السيّد.

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا سهم للفرس ؛ لأنّه تحت مَنْ لا سهم

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١.

(٢) المغني ١٠ : ٤٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٠.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « للسيّد ».

(٤) المغني ١٠ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٠.

٢٤٥

له ، فلم يُسهم له ، كما لو كان تحت مُخذّلٍ(١) .

والفرق : أنّ المـُخذّل لا يستحقّ شيئاً بالحضور ، ففرسه أولى بعدم الاستحقاق.

ولو غزا الصبي على فرس ، اُسهم له ولفرسه على خلافٍ بيننا وبين العامّة في استحقاق الصبي السهم.

ولو غزت المرأة أو الكافر على فرسٍ لهما ، فالأقرب أنّهما يرضخان أزيد من رضخ الراجل من صنفهما وأقلّ من سهم الفارس ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّه لا يبلغ بالرضخ للفارس سهم فارس. ولأنّ سهم الفرس له ، فإذا لم يستحقّ هو بحضوره سهماً ففرسه أولى ، بخلاف العبد ؛ فإنّ الفرس هناك لغيره وهو السيّد.

ولو غزا المرجف أو(٢) المـُخذّل على فرسٍ ، فلا شي‌ء له ولا لفرسه.

ولو غزا العبد بغير إذن مولاه ، لم يرضخ(٣) له ؛ لأنّه عاصٍ.

مسألة ١٤٢ : ينبغي للإمام أن يتعاهد خيل المجاهدين - التي تدخل دار الحرب‌ - ويعتبرها ، فيأذن في استصحاب ما يصلح للقتال ، ويمنع من استصحاب ما لا يصلح له ؛ لأنّه كَلٌّ وضَرَرٌ ، كالحطم - وهو الذي يتكسّر من الهزال ، والقحم - بفتح القاف وسكون الحاء - وهو الكبير السنّ الهرم الفاني ، والضرع - بفتح الضاد والراء - وهو الصغير الضعيف الذي لا يمكن القتال عليه ، والأعجف ، وهو المهزول ، والرازح ، وهو الذي لا حراك به من الهزال.

فلو اُدخل فرس من هذه ، قال الشيخرحمه‌الله : يُسهم له(٤) - وبه قال‌

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٥١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٠.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « و » بدل « أو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) في « ق ، ك» : « فلا رضخ ».

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧١ ، الخلاف ٤ : ٢٠٣ ، المسألة ٢٨.

٢٤٦

الشافعي(١) - لعموم الأخبار ، ولأنّ كلّ جنس يُسهم له فإنّه يستوي فيه القويّ والضعيف ، كالآدمي.

وقال ابن الجنيد منّا : لا يُسهم له - وبه قال مالك وأحمد ، وقولٌ للشافعي(٢) - لأنّه لا ينتفع به ، فأشبه المـُخذّل.

والمريض يُسهم له إذا لم يخرج بمرضه عن كونه من أهل الجهاد ، كالمحموم وصاحب الصداع ؛ لأنّه من أهل الجهاد ، ويعين عليه برأيه وتكبيره(٣) ودعائه.

وإن خرج(٤) ، كالزمن والأشلّ والمفلوج ، فهل يُسهم له؟ قال الشيخرحمه‌الله : يُسهم له ، عندنا ، سواء منع مرضه من الجهاد أولا ، كالطفل(٥) .

ولو نكس الفرس بصاحبه في حملته أو مبارزته ، اُسهم له ، ولم يمنع بذلك من الإسهام.

ولو استأجر أجيراً للحرب ثمّ دخلا معاً دار الحرب ، اُسهم لهما معاً ، سواء كانت الاُجرة(٦) في الذمّة أو معيّنة ، ويستحقّ مع ذلك الاُجرة. ولو لم يحضر المستأجر ، استحقّ المؤجر السهم والاُجرة ؛ لأنّ الإسهام يستحقّ‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٣ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١ ، المغني ١٠ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٨١.

(٢) المغني ١٠ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٨١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٣ ، الاُمّ ٤ : ١٤٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٣ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤١.

(٣) في « ق » : تكثيره.

(٤) أي : خرج بمرضه عن كونه من أهل الجهاد.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧١ - ٧٢ ، الخلاف ٤ : ٢٠٥ ، المسألة ٣٠.

(٦) في « ق ، ك» : الإجارة.

٢٤٧

بالحضور.

مسألة ١٤٣ : الاعتبار بكونه فارساً وقت الحيازة للغنيمة ، لا بدخوله المعركة. فلو دخل دار(١) الحرب فارساً ثمّ ذهب(٢) فرسه قبل حيازة الغنيمة ، فلا سهم لفرسه. ولو دخل راجلاً فاُحرزت الغنيمة وهو فارس ، فله سهم فارس(٣) - وبه قال الشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن عمر(٤) - لأنّه حيوان يُسهم له ، فاعتبر وجوده حال القتال ، كالآدمي.

وقال أبو حنيفة : الاعتبار بدخول دار الحرب ، فإن دخل فارساً ، فله سهم فارس وإن نفق فرسه قبل القتال ، وإن دخل راجلاً ، فله سهم راجل وإن استفاد فرساً فقاتل عليه(٥) .

وعنه رواية اُخرى كقولنا ؛ لأنّه دخل الحرب بنيّة القتال ، فلا يتغيّر سهمه بذهاب دابّته أو حصول دابّة اُخرى له ، كما لو كان ذلك بعد القتال(٦) .

والفرق تقدّم.

ولو دخل الحرب فارساً فمات فرسه بعد تقضّي الحرب قبل حيازة الغنائم ، للشافعي قولان(٧) مبنيّان على أنّ ملك الغنيمة هل يتحقّق بانقضاء‌

____________________

(١) كلمة « دار » لم ترد في « ق ، ك».

(٢) في الطبعة الحجريّة : ذهبت.

(٣) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة ، فرس. وما أثبتناه هو المناسب لسياق العبارة.

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ٤٢١ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤٢ ، المغني ١٠ : ٤٣٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٨ - ٥٠٩.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٤٢ - ٤٣ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٦ و ١٢٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢١ ، المغني ١٠ : ٤٣٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٩.

(٦) المغني ١٠ : ٤٣٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٠٩.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٦.

٢٤٨

الحرب أو الحيازة؟

وكذا لو وهب فرسه أو أعاره أو باعه ، البحث في ذلك كلّه واحد.

قال الشيخرحمه‌الله : هذا إذا كان الحرب في دار الكفر ، فأمّا إذا كان في دار الإسلام ، فلا خلاف في أنّه لا يُسهم إلّا للفرس الذي يحضر القتال(١) .

مسألة ١٤٤ : مَنْ مات من الغزاة أو قُتل قبل حيازة الغنيمة وتقضّي القتال ، فلا سهم له. وإن مات بعد ذلك ، فسهمه لورثته - وبه قال أحمد(٢) - لأنّه إذا مات قبل حيازة الغنيمة ، فقد مات قبل ملكها وثبوت اليد عليها ، فلم يستحقّ شيئاً ، وإن مات بعده ، فقد مات بعد الاستيلاء عليها في حالٍ لو قُسّمت صحّت قسمتها وملك سهمه ، فاستحقّ السهم ، كما لو مات بعد إحرازها في دار الإسلام ، وإذا استحقّ السهم ، انتقل إلى ورثته ، كغيره من الحقوق.

وقال أبو حنيفة : إن مات قبل إحراز الغنيمة في دار الإسلام أو قسمتها في دار الحرب ، فلا سهم له ؛ لأنّ ملك المسلمين لا يتمّ إلّا بذلك(٣) .

ونمنع ذلك ، بل يملك بالاستيلاء والحيازة.

وقال الشافعي وأبو ثور ، إن حضر القتال ، اُسهم له ، سواء مات قبل حيازة الغنيمة أو بعدها ، وإن لم يحضر ، فلا سهم له(٤) - ونحوه قال مالك‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧١.

(٢) المغني ١٠ : ٤٤٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٥ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٨.

(٣) بدائع الصنائع ٧ : ١٢١ ، المغني ١٠ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٦.

(٤) روضة الطالبين ٥ : ٣٣٦ ، المغني ١٠ : ٤٤١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٥.

٢٤٩

والليث بن سعد(١) - لقولهعليه‌السلام : « الغنيمة لمن شهد الوقعة »(٢) .

( ونحن نقول )(٣) بموجبه ؛ فإنّ مَنْ قُتل قبل تقضّي الحرب لم يشهد الوقعة بكمالها.

مسألة ١٤٥ : لا يجوز تفضيل بعض الغانمين في القسمة(٤) على بعض ، بل يقسّم للفارس سهمان ، وللراجل سهم ، ولذي(٥) الأفراس ثلاثة ، سواء حاربوا أو لا إذا حضروا للحرب لا للتخذيل وشبهه ، ولا يفضّل أحد لشدّة بلائه وحربه ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لقوله تعالى :( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ) (٧) أضاف الباقي إلى الغانمين فاستووا فيه ؛ عملاً بالظاهر.

ولأنّهعليه‌السلام قسّم للفارس سهمين وثلاثة على تفاوتهم في عدد الخيل ، وللراجل سهماً(٨) .

من طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن قسم بيت المال : « أهل الإسلام هم أبناء الإسلام اُسوّي بينهم في العطاء وفضائلهم بينهم وبين‌

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ٢ : ٣٣ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٨٠ ، المغني ١٠ : ٤٤١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١٦.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك» : ونقول.

(٤) في « ق ، ك» بدل « القسمة » : « الغنيمة ».

(٥) في « ك» والطبعة الحجريّة : لذوي.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤٠ ، المغني ١٠ : ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٨.

(٧) الأنفال : ٤١.

(٨) سنن أبي داوُد ٣ : ٧٥ - ٧٦ / ٢٧٣٣ - ٢٧٣٦ ، المغني ١٠ : ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١١.

٢٥٠

الله ، أجملهم كبني رجل واحد لا يفضّل أحد منهم لفضله وصلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص »(١) .

وقال مالك : يجوز أن يفضّل بعض الغانمين على بعض ، ويُعطى مَنْ لم يحضر الوقعة(٢) ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام أعطى من غنيمة بَدْر مَنْ لم يشهدها(٣) .

وقال أبو حنيفة : يجوز أن يفضّل ، ولا يعطى مَنْ لم يحضر الوقعة(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ أخذ شيئاً فهو له »(٥) .

والجواب : أنّه ورد في قضيّة بَدْر ، وغنائمها لم تكن للغانمين.

قال الشيخرحمه‌الله : إذا قال الإمام : مَنْ أخذ شيئاً فهو له ، جاز ؛ لأنّه معصوم وفعله حجّة(٦) .

ونحن لا ننازعه ، بل هل لنائبه ذلك؟ للشافعي قولان :

أحدهما : الجواز ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام قاله في غزاة بَدْر.

والثاني : المنع ؛ لأنّهعليه‌السلام قسّم الغنائم للفارس سهمين وللراجل سهماً. وقضيّة بَدْر منسوخة(٧) .

مسألة ١٤٦ : الغنيمة تُستحقّ بالحضور قبل القسمة ، فلو غنم المسلمون ثمّ لحقهم مدد قبل تقضي الحرب ، اُسهم له إجماعاً ، وإن كان بعده وبعد‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٤٦ / ٢٥٥ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٤.

(٣) المغازي - للواقدي - ١ : ١٥٣ ، و ٢ : ٦٨٣ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٢ : ٣٣٤ و ٣٣٨ و ٣٤٥ و ٣٤٦ و ٤٤٠ ، المنتظم ٣ : ١٣٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٤.

(٥) سنن البيهقي ٦ : ٣١٥ ، المغني ١٠ : ٤٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١١.

(٦) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٦٨ - ٦٩ ، الخلاف ٤ : ١٨٩ ، المسألة ١٤.

(٧) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٢٩ ، وانظر : المغني ١٠ : ٤٥٤ ، والشرح الكبير ١٠ : ٥١١.

٢٥١

القسمة ، فلا شي‌ء له إجماعاً.

وإن كان بعد انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة قبل القسمة ، اُسهم له ، عندنا - وبه قال أبو حنيفة(١) - لرواية حفص بن غياث أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمةً ثمّ لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام ولم يلقوا عدوّاً حتى يخرجوا إلى دار الإسلام. فهل يشاركونهم فيها؟ قال : « نعم »(٢) .

ولأنّهم اجتمعوا على الغنيمة في دار الحرب ، فاُسهم لهم ، كما لو حضروا القتال.

وقال الشافعي : لا يُسهم له - وبه قال أحمد - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقسّم لأبان بن سعيد بن العاص وأصحابه لمـّا قدموا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بخَيْبر بعد أن فَتَحها(٣) (٤) .

وهي حكاية حال ، فجاز أن يكونوا قد حضروا بعد القسمة.

مسألة ١٤٧ : إذا لحق الأسير بالمسلمين ، فإن كان بعد تقضّي الحرب وقسمة الغنيمة ، لم يُسهم له إجماعاً ؛ لأنّ المدد لو لحقهم بعد القسمة لم يُسهم له فكذا الأسير.

وإن لحق بهم بعد انقضاء الحرب فقاتل مع المسلمين ، استحقّ السهم‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٧ : ١٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٤ ، المغني ١٠ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٨١.

(٢) التهذيب ٦ : ١٤٥ - ١٤٦ / ٢٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٢ / ١.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٧٣ / ٢٧٢٣ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٨٥ / ٢٧٩٣.

(٤) المغني ١٠ : ٤٥٥ و ٤٥٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٨١ و ٤٨٢ ، الاُمّ ٤ : ١٤٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٥.

٢٥٢

عندنا ، وهو قول العلماء لا نعلم فيه خلافاً.

وإن لم يقاتل ، اُسهم له - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّه لو قاتل استحقّ السهم إجماعاً ، وكلّ من يستحقّ مع القتال يستحقّ مع عدمه إذا حضر الوقعة ، كغير الأسير.

وقال أبو حنيفة : لا يُسهم له - وهو ثاني الشافعي - لأنّه حضر ليتخلّص من القتل والأسر لا للقتال ، فأشبه المرأة(٢) .

وينتقض بما لو قاتَل ، ولأنّ الاعتبار بالحضور مع كونه من أهل القتال ، لا بالقتال.

ولو دخل(٣) التجّار أو الصنّاع مع المجاهدين دارَ الحرب كالبقّال والبيطار والخيّاط وغيرهم من أتباع العسكر ، فإن قصدوا الجهاد مع التجارة أو الصناعة ، استحقّوا ، وإن لم يقصدوا ، فإن جاهدوا ، استحقّوا ، وإن لم يجاهدوا ، قال الشيخرحمه‌الله : لا يُسهم لهم بحال(٤) ؛ لأنّهم لم يدخلوا للجهاد والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الأعمال بالنيّات »(٥) .

ولو اشتبه الحال ، قال الشيخرحمه‌الله : الظاهر أنّه يُسهم لهم(٦) ؛ لأنّهم‌

____________________

(١) الاُمّ ٤ : ١٤٦ ، مختصر المزني : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٤٠.

(٢) المبسوط - للسرخسي ١٠ : ٤٦ ، الاُمّ ٤ : ١٤٦ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧١ ، مختصر المزني : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٤.

(٣) في متن الطبعة الحجريّة : حضر.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧٢.

(٥) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داوُد ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٥ و ٧ : ٣٤١.

(٦) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « له » بدل ما أثبتناه ، وذلك من المصدر.

٢٥٣

حضروا ، والسهم يستحقّ بالحضور(١) .

وللشافعي قولان : الإسهام وعدمه.

واختلف أصحابه ، فقال بعضهم : القولان فيما إذا لم يقاتلوا ، ولو قاتلوا ، استحقّوا قولاً واحداً ، كالأسير. ومنهم مَنْ قال : القولان فيما إذا قاتلوا ، وإن لم يقاتلوا لم يستحقّوا قولاً واحداً. ومنهم مَنْ قال : القولان في الصورتين(٢) .

وقال أبو حنيفة : إن قاتلوا ، استحقّوا ، وإن لم يقاتلوا ، لم يستحقّوا(٣) .

مسألة ١٤٨ : الجيش إذا خرج غازياً من بلد فبعث الإمام منه سريّةً فغنمت السريّةً ، شاركهم الجيش ، ولو غنم الجيش ، شاركتهم السريّة في غنيمته ، وهو قول العلماء(٤) كافّة إلّا الحسن البصري ؛ فإنّه حكي فيه أنّه قال : تنفرد السريّة بما غنمت(٥) .

وفِعْلُ النبيعليه‌السلام حيث أشرك بين السريّة - التي بعثها قِبَل أوطاس فغنمت - وبين الجيش(٦) يُبْطل قولَه.

ولأنّهعليه‌السلام كان ينفل في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث(٧) . وهو يدلّ‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧٢.

(٢) الاُمّ ٤ : ١٤٦ ، مختصر المزني : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٧٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٩.

(٣) بدائع الصنائع ٧ : ١٢٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٨٠.

(٤) المغني ١٠ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٦.

(٥) الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٧.

(٦) الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٧ ، المغني ١٠ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٦.

(٧) المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٣٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٨٠ / ٢٧٥٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٣١٣ ، مسند أحمد ٥: ١٦٣ / ١٧٠١٥.

٢٥٤

على اشتراكهم فيما سواه.

وقولهعليه‌السلام : « الغنيمة لمن شهد الوقعة »(١) مسلّم ، فإنّ المراد الحضور حقيقةً أو حكماً ، كالمدد(٢) .

ولو بعث الإمام من الجيش سريّتين إلى جهة واحدة فغنمتا ، اشترك الجيش والسريّتان إجماعاً.

ولو اختلفت الجهة ، قال الشيخ : اشترك الجميع(٣) - وهو قول بعض الشافعيّة(٤) - كما لو اتّفقت الجهة ، وهُما من جيش واحد ، فاشتركوا.

وقال بعض الشافعيّة : لا تتشارك السريّتان ، وكلّ واحدة منهما مع الجيش كالجيش الواحد ، فأمّا إحداهما مع الاُخرى فكالمنفردتين لا تقاسم إحداهما الاُخرى(٥) .

ولو بعث الإمام سريّةً وهو مقيم ببلد الإسلام ، فغنمت ، اختصّت بالغنيمة إجماعاً ، ولا يشاركهم الإمام ولا جيشه. وكذا لو بعث جيشاً وهو مقيم بالبلد ، لم يشاركه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث السرايا وهو مقيم بالمدينة ولا يشاركهم(٦) في الغنيمة(٧) .

____________________

(١) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٧ ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١٦.

(٢) كلمة « كالمدد » لم ترد في « ق ، ك‍ ».

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧٣.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٨.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٨.

(٦) في « ق » : لا يشركهم.

(٧) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٧.

٢٥٥

ولو بعث سريّتين وهو مقيم ببلد أو بعث جيشين ، فكلّ واحد منهما مختصّ بما غنمه ؛ لأنّ كلّ سريّة انفردت بالغزو والغنيمة ، بخلاف ما لو بعث بالسريّتين(١) من الجيش الواحد ؛ لأنّه رِدْءٌ لكلّ واحدة منهما. ولو اجتمعت السريّتان فغنمتا ، كانتا جيشاً واحداً.

ولو بعث لمصلحة الجيش رسولاً أو دليلاً أو طليعةً أو جاسوساً فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم ثمّ رجع إليهم ، فالذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسهم له ؛ لأنّ القتال ليس شرطاً - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) (٣) - لأنّه كان في مصلحتهم ، وخاطَرَ بنفسه بما هو أكثر من الثبات في الصفّ ، فشارك.

والثاني : لا يُسهم له ؛ لأنّه لم يحضر الاغتنام(٤) .

ولو غنم أهل الكتاب ، نُظر ، فإن كان الإمام أذن لهم في الدخول إلى دار الحرب ، فالحكم على ما شرطه ، وإن لم يأذن ، فغنيمتهم للإمام ، عندنا.

وقال الشافعي : ينزعه(٥) منهم ويرضخ لهم. وله قول آخر : إنّه يُقرّهم عليه ، كما لو غلب بعض المشركين على بعض(٦) .

قال ابن الجنيد : إذا وقع النفير فخرج أهل المدينة متقاطرون فانهزم العدوّ وغنم أوائل المسلمين ، كان كلّ مَنْ خرج أو تهيّأ للخروج وأقام في المدينة من المقاتلة لحراستها من مكيدة العدوّ شركاءَ في الغنيمة.

____________________

(١) في « ق » : السريّتين.

(٢) في « ق ، ك » : الشافعي.

(٣ و ٤) حلية العلماء ٧ : ٦٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٨.

(٥) في الطبعة الحجريّة : ينتزعه.

(٦) حلية العلماء ٧ : ٦٨٣.

٢٥٦

وكذا لو حاصرهم العدوّ فباشر حربه بعض أهل المدينة إلى أن ظفروا وغنموه إذا كانوا مشتركين في المعونة لهم والحفظ للمدينة وأهلها ، فإن كان الذين هزموا العدوّ قد لقوه(١) على ثمان فراسخ من المدينة فقاتلوه وغنموه ، كانت الغنيمة لهم دون مَنْ كان في المدينة ، الذين لم يعاونوهم خارجها.

مسألة ١٤٩ : اختلف علماؤنا في أولويّة موضع القسمة ، فقال الشيخرحمه‌الله : تستحبّ القسمة في أرض العدوّ ، ويكره تأخيرها إلّا لعذر من خوف المشركين أو الكمين(٢) في الطريق أو قلّة علف أو انقطاع ميرة(٣) .

وقال ابن الجنيد : الاختيار إلينا أن لا نقسّم إلّا بعد الخروج من دار الحرب.

وبجواز القسمة في دار الحرب قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر(٤) ؛ لما رواه العامّة عن أبي إسحاق الفزاري(٥) ، قال : قلت للأوزاعي : هل قسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً من الغنائم بالمدينة؟ قال : لا أعلمه إنّما كان الناس يبيعون(٦) غنائمهم ويقسّمونها في أرض عدوّهم،

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : قد لحقوه.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : التمكن. وهو تصحيف. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ٢ : ١٢ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٧٦ ، الاُمّ ٤ : ١٤٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٣.

(٥) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : الرازي. وهو تصحيف. وما أثبتناه هو الموافق لما في المصادر الفقهيّة والرجاليّة. اُنظر : المغني ١٠ : ٤٥٩ ، والشرح الكبير ١٠ :

٤٧٩ ، وتاريخ مدينة دمشق ٧ : ١١٩ / ٤٩١ ، وتهذيب الكمال ٢ : ٢٠٩ / ٢٦ ، و ٣٣ : ٣١ ، وسير أعلام النبلاء ٨ : ٥٣٩ / ١٤٢ ، ومعجم الاُدباء ١ : ٢٠٩.

(٦) كذا ، وفي المغني : يتبعون. وفي الشرح الكبير : يبتغون.

٢٥٧

ولم يقفل(١) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن غزاة قطّ أصاب فيها غنيمة إلّا خمّسه وقسّمه من قبل أن يقفل ، من ذلك غزاة بني المصطلق وهوازن وخيبر(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الشيخرحمه‌الله : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قسّم غنائم بَدْر بشعْب من شعاب الصفراء قريب من بَدْر ، وكان ذلك دار حرب(٣) .

ولأنّ كلّ موضع جاز فيه الاغتنام جازت فيه القسمة ، كدار الإسلام.

وقال أصحاب الرأي : لا يقسّم إلّا في دار الإسلام ، لأنّ الملك لا يتمّ عليها إلّا بالاستيلاء التامّ ، ولا يحصل ذلك إلّا بإحرازها في دار الإسلام(٤) . ونمنع الكبرى.

ولو قُسّمت ، قال : أساء القاسم وجازت قسمته ؛ لأنّها مسألة اجتهاديّة ينفذ(٥) حكم الحاكم فيها إذا وافق قول بعض المجتهدين(٦) .

واحتجاج ابن الجنيد من علمائنا - بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما قسّم غنائم حنين(٧) والطائف بعد خروجه من ديارهم(٨) إلى الجعرانة(٩) - لا يدلّ على مطلوبه ، لأنّها حكاية حال ، فجاز وقوعها لعذر.

____________________

(١) في « ق ، ك ‍» : لم ينفل. وفي الطبعة الحجريّة : لم ينقل. وكلاهما تصحيف ، وما أثبتناه هو الصحيح من أجل سياق العبارة وكما هو في المصدر.

(٢) المغني ١٠ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٩.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٥‌.

(٤ و ٦) بدائع الصنائع ٧ : ١٢١ ، المغني ١٠ : ٤٥٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨٦.

(٥) في « ق » : وينفذ.

(٧) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : خيبر. وما أثبتناه من المصادر.

(٨) في الطبعة الحجريّة : بلادهم.

(٩) المغازي - للواقدي - ٣ : ٩٤٤ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٤ : ١٣٥ ، المنتظم ٣ : ٣٣٨.

٢٥٨

قال ابن الجنيد : ولو صارت دارُ أهل الحرب دارَ ذمّة تجري فيها أحكام المسلمين فأراد الوالي قسمتها مكانه ، فَعَل ، كما قسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعض غنائم خيبر قبل أن يرحل عنهم(١) .

قال : ولو غزا المشركون المسلمين فهزمهم المسلمون وغنموهم ، قسّموا غنائمهم مكانهم إن اختاروا ذلك قبل إدخالها المدن. ولو كان المشركون بادية أو متنقّلة ولا دار لهم فغزاهم المسلمون فغنموهم ، كان قسمتها إلى الوالي إن شاء قسّمها مكانه ، وإن شاء قسّم بعضها وأخّر بعضها(٢) ، كما قسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المغنم بخيبر(٣) .

مسألة ١٥٠ : يكره للإمام أن يُقيم الحدَّ في أرض العدوّ ، بل يؤخّره حتى يعود إلى دار الإسلام‌ ثمّ يُقيم عليه الحدّ - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٤) - لئلّا تحمل المحدودَ الغيرةُ فيدخل إلى دار الحرب.

وقال الشافعي ومالك : لا يؤخّره ، ولا يسقط عنه الحدّ ، سواء كان الإمام مع العسكر أو لا(٥) .

وإن رأى الوالي في تقديم الحدّ مصلحةً ، قدّمه سواء كان مستحقّ الحدّ أسيراً ، أو أسلم فيهم ولم يخرج إلينا ، أو خرج من عندنا لتجارة وغيرها.

أمّا لو قتل مسلماً فإنّه يُقتصّ منه في دار الحرب - وبه قال الشافعي‌

____________________

(١) المغازي - للواقدي - ٢ : ٦٨٩ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٣ : ٣٦٣ ، المنتظم ٣ : ٢٩٤.

(٢) في الطبعة الحجريّة : بعضاً.

(٣) نفس المصادر في الهامش (١)

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٠ ، المغني ١٠ : ٥٢٨ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٧٣ / ١٦٢٧.

٢٥٩

ومالك(١) وأحمد(٢) - لعموم الأمر بالحدّ والقصاص. ولأنّ المقتضي لإيجاب القصاص موجود ، والمانع من التقديم - وهو خوف اللحاق بالعدوّ - مفقود. ولأنّ كلّ موضع حرم فيه الزنا وجب فيه حدّ الزنا ، كدار الإسلام.

وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه القصاص ولا الحدّ إلّا أن يكون معه إمام أو نائب عن الإمام ؛ لأنّه مع غيبة الإمام ونائبه لا يد للإمام عليه ، فلا يجب عليه الحدّ بالزنا ، كالحربيّ(٣) .

ونمنع من ثبوت حكم الأصل ، ويفرق بأنّ الحربيّ غير ملتزم بأحكام الإسلام ، بخلاف المسلم.

مسألة ١٥١ : المشركون لا يملكون أموال المسلمين بالاستغنام ، فلو غنموا ثمّ ظفر بهم المسلمون فأخذوا منهم ما كانوا أخذوا منهم ، فإنّ الأولاد تُردّ إليهم بعد إقامة البيّنة ، ولا يُسترقّون إجماعاً.

وأمّا العبيد والأموال : فإن أقام أربابها البيّنة بها قبل القسمة ، رُدّت عليهم بأعيانها ، ولا يغرم الإمام للمقاتلة شيئاً في قول عامّة أهل العلم(٤) ، خلافاً للزهري وعمرو بن دينار ؛ فإنّهما احتجّا : بأنّ الكفّار ملكوه باستيلائهم فصار غنيمةً ، كسائر أموالهم(٥) .

وهو خطأ ؛ فإنّا بيّنّا أن الكفّار لا يملكون مال المسلم بالاستغنام.

وإن جاؤا بالبيّنة بعد القسمة ، فلعلمائنا قولان :

أحدهما : أنّه يردّ على أربابه ، ويرد الإمام قيمة ذلك للمقاتلة من‌

____________________

(١) في « ق ، ك » : وبه قال مالك والشافعي.

(٢) مختصر المزني : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧١.

(٣) الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧١.

(٤ و ٥) المغني ١٠ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٩.

٢٦٠

بيت المال. اختاره الشيخ(١) - وبه قال أبو بكر وابن عمر وسعد بن أبي وقّاص وربيعة والشافعي وابن المنذر(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه ذهب فرس له فأخذها العدوّ فظهر عليه المسلمون ، فردّ عليه في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أيُردّ عليهم؟ قال : « نعم ، والمسلم أخو المسلم ، والمسلم أحقّ بمالِه أينما وجده »(٤) .

الثاني : أنّه يكون للمقاتلة ، ويُعطي الإمام أربابها أثمانها من بيت مال المسلمين. وهو قولٌ للشيخ(٥) أيضاً ، وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك وأحمد في رواية. وفي اُخرى : لا حقّ لصاحبه فيه بحال. ونقله العامّة عن عليعليه‌السلام وعمر والليث وعطاء والنخعي(٦) .

احتجّ الشيخ بما رواه هشام بن سالم عن بعض أصحاب الصادقعليه‌السلام

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٦ ، الخلاف ٥ : ٥٢٣ ، المسألة ١٠.

(٢) المغني ١٠ : ٤٧٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٠ ، مختصر المزني : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٦ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٨٥ ، وانظر : الخلاف ٥ : ٥٢٣ ، المسألة ١٠.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٦٤ - ٦٥ / ٢٦٩٨ ، وعنه في المغني ١٠ : ٤٧١ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٦٩.

(٤) التهذيب ٦ : ١٥٩ - ١٦٠ / ٢٨٨ ، الاستبصار ٣ : ٤ / ٧.

(٥) النهاية : ٢٩٥.

(٦) المغني ١٠ : ٤٧١ - ٤٧٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٩ - ٤٧٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٥٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٢ ، المدوّنة الكبرى ٢ : ١٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٩٨ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٨٥.

٢٦١

في السبي يأخذ العدوّ من المسلمين في القتل من أولاد المسلمين [ أو من مماليكهم ] فيحوزونه ، ثمّ إنّ المسلمين بعدُ قاتلوهم فظفروا بهم فسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين وأولادهم الذين أخذوهم من المسلمين فكيف يصنع فيما كانوا أخذوه من أولاد المسلمين ومماليكهم؟ قال : فقال : « أمّا أولاد المسلمين فلا يقام في سهام المسلمين ولكن يردّ إلى أبيه أو إلى أخيه أو إلى اُمّه بشهود ، وأمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون ، ويعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت المال »(١) .

وهو مرسل(٢) ، وروايتنا أصحّ طريقاً.

واحتجّ أبو حنيفة بما رواه ابن عباس أنّ رجلاً- وجد بعيراً [ له ](٣) كان المشركون أصابوه ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن أصبته قبل أن نقسمه فهو لك ، وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة »(٤) .

وهو معارض بما رويناه من طريق(٥) العامّة(٦) .

ولو أخذ المال أحد الرعيّة نهبةً(٧) أو سرقة أو بغير شي‌ء ، فصاحبه أحقّ به بغير شي‌ء - وبه قال الشافعي وأحمد(٨) - لما رواه العامّة : أنّ قوماً أغاروا على سرح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذوا ناقته وجاريةً من الأنصار ، فأقامت‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٥٩ / ٢٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٤ - ٥ / ٨ بتفاوت في بعض الألفاظ. وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) في « ق ، ك » : وهي مرسلة.

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) المغني ١٠ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

(٥) في « ق ، ك » : طُرُق.

(٦) تقدّم في ص ٢٦٠ ، وكذا الإشارة إلى مصادره في الهامش (٣)

(٧) في « ق ، ك » وكذا في المغني والشرح الكبير : بهبة.

(٨) الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٦ ، المغني ١٠ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧١.

٢٦٢

عندهم أيّاماً ثمّ خرجت في بعض الليل ، قالت : فما وضعت يدي على ناقة إلّا رَغَتْ(١) حتى وضعتها على ناقة ذلول فامتطيتها ثمّ توجّهت إلى المدينة ونذرت إن نجّاني الله عليها أن أذبحها ، فلمـّا قدمت المدينة استعرفت الناقة فإذا هي ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذها ، فقلت : يا رسول الله إنّي نذرت أن أنحرها ، فقال : « بئس ما جازيتيها(٢) ، لا نذر في معصية الله »(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا يأخذه إلّا بالقيمة ؛ لأنّه صار ملك الواحد بعينه ، فأشبه ما لم قسم(٤) . ونمنع الصغرى.

ولو اشتراه المسلم من العدوّ ، بطل الشراء ، وكان لصاحبه أخذه بغير شي‌ء ؛ لأنّ المشرك لا يملك مال المسلم بالاستغنام.

وقال أحمد : ليس لصاحبه أخذه إلّا بثمنه ؛ لروايةٍ عن عمر(٥) .وليست حجّةً.

ولو أبق عبدٌ لمسلم(٦) إلى دار الحرب فأخذوه ، لم يملكوه بأخذه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٧) - لما تقدّم(٨) .

____________________

(١) رغا البعير والناقة ترغو : صوّتت فضجّت. والرغاء : صوت ذوات الخُفّ. لسان العرب ١٤ : ٣٢٩ « رغا ».

(٢) في الطبعة الحجريّة : جازيتها.

(٣) المغني ١٠ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧١ نقلاً عن صحيح مسلم ٣ : ١٢٦٢ - ١٢٦٣ ذيل الحديث ١٦٤١ ، ومسند أحمد ٥ : ٥٩٤ و ٥٩٩ - ٦٠٠ ، ذيل الحديث ١٩٣٦٢ و ١٩٣٩٣.

(٤) المغني ١٠ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧١.

(٥) المغني ١٠ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧١ - ٤٧٢.

(٦) في « ك » : المسلم.

(٧) الاُمّ ٤ : ٢٥٤ ، النتف ٢ : ٧٢٧ - ٧٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٥٥ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٨ ، المغني ١٠ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٥.

(٨) في صدر المسألة.

٢٦٣

وقال مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد : يملكونه(١) .

ولو أسلم المشرك الذي في يده مال المسلم ، اُخذ منه بغير قيمةٍ.

ولو دخل مسلمٌ دارَ الحرب فسرقه أو نهبه أو اشتراه ثمّ أخرجه إلى دار الإسلام ، فصاحبه أحقّ به ، ولا تلزمه قيمة ، ولو(٢) أعتقه مَنْ هو في يده أو تصرّف فيه ببيعٍ أو غيره ، كان باطلاً.

ولو غنم المسلمون من المشركين شيئاً عليه علامة المسلمين فلم يُعلم صاحبه ، فهو غنيمة بناءً على ظاهر الحكم باليد ، وبه قال الثوري والأوزاعي(٣) .

وقال الشافعي : يوقف حتى يجي‌ء صاحبه(٤) .

ولو وُجد شي‌ء موسوم عليه : حَبْسٌ في سبيل الله ، قال الثوري : يقسم ما لم يأت صاحبه(٥) .

وقال الشافعي : يردّ كما كان ؛ لأنّه قد عرف مصرفه - وهو الحبس - فهو بمنزلة ما لو عرف صاحبه(٦) .

ولو اُصيب غلام في بلاد الشرك فقال : أنا لفلان من بلاد المسلمين(٧) ، ففي قبول قوله من غير بيّنة نظرٌ. وكذا البحث لو اعترف المشرك بما في يده لمسلم. لكنّ الوجه هنا القبول قبل الاستغنام.

ولو كان في يد مسلمٍ مالٌ مستأجر أو مستعار من مسلمٍ ثمّ وجده المستأجر أو المستعير ، كان له المطالبة به قبل القسمة وبعدها ؛ لأنّ ملك‌

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ٢ : ١٥ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٥٥ ، المغني ١٠ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٥.

(٢) في « ق ، ك » بدل « ولو » : « فإن ».

(٣ - ٦) المغني ١٠ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٧٢.

(٧) في « ق » : الإسلام.

٢٦٤

المسلم لا يزول بالاستغنام ، فلا تزول توابعه.

وقال أبو حنيفة : ليس له الأخذ ؛ لأنّه لا حقّ له في العين لا ملكاً ولا يداً ، بل حقّه في الحفظ وقد بطل بخروجه(١) عن ملك صاحبه(٢) . وهو ممنوع.

ولو دخل حربيٌّ دارَ الإسلام بأمانٍ فاشترى عبداً مسلماً ثمّ لحق بدار الحرب فغنمه(٣) المسلمون ، كان باقياً على ملك البائع ؛ لفساد البيع ، فيردّ على المالك ، ويردّ المسلم عليه الثمن الذي أخذه ؛ لأنّه في أمان. ولو تلف العبد ، كان للسيّد القيمة ، وعليه ردّ ثمنه ، ويترادّان الفضل.

ولو أسلم الحربيّ في دار الحرب وله مال وعقار ، أو دخل مسلمٌ دارَ الحرب واشترى بها عقاراً أو مالاً ثمّ غزاهم المسلمون فظهروا على ماله وعقاره ، لم يملكوه ، وكان باقياً عليه إن كان المال ممّا يُنقل ويُحوّل ، وأمّا العقار فإنّه غنيمة ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في غير العقار ، وقالوا في العقار : إنّه كغيره ؛ لأنّه مالُ مسلمٍ ، فلا يجوز اغتنامه ، كما لو كان في دار الإسلام(٤) .

وقال أبو حنيفة : العقار يُغنم ، وأمّا غيره فإن كان في يده أو يد مسلمٍ أو ذمّيّ ، لم يُغنم ، وإن كان في يد حربيِّ ، غُنم(٥) .

مسألة ١٥٢ : لو فرّ المسلمون(٦) من الزحف قبل القسمة ، لم يكن لهم(٧)

____________________

(١) في « ق » : لخروجه.

(٢) اُنظر : الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٥.

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : فغنموه ، والأنسب ما أثبتناه.

(٤) الاُم ٤ : ٢٧٨ ، المغني ١٠ : ٤٦٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٥ ، النتف ٢ : ٧٢٩.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤٤ - ١٤٥ ، المغني ١٠ : ٤٦٩.

(٦) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : المسلم. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٧) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : له. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٢٦٥

نصيب في الغنيمة ما لم يعودوا قبل القسمة ؛ لأنّهم عصوا بالفرار ، وتركوا الدفع عنها.

ولو فروا بعد القسمة ، لم يؤثر في ملكهم الحاصل بالقسمة ، لأنهم ملكوا ما حازوا بالقسمة ، فلا يزول ملكهم بالهرب.

ولو هربوا قبل القسمة فذكروا أنّهم ولّوا متحرّفين لقتالٍ أو متحيّزين إلى فئةٍ ، فالوجه : أنّ لهم سهامَهم فيما غُنم قبل الفرار ولا شي‌ء لهم فيما غُنم بعده ما لم يلحقوا القسمة.

والأجير على القتال يستحقّ الاُجرةَ بالعقد والسهمَ بالحضور. ولو حضر المستأجر أيضاً ، استحقّ هو أيضاً.

وعن أحمد روايتان : إحداهما هذا ، والاُخرى : أنّه لا يُسهم للأجير ؛ لأنّ غَزْوة بعوضٍ ، فكأنّه واقع من غيره ، فلا يستحقّ شيئاً(١) .

وينتقض بالمرصد للقتال.

والأجير على العمل إن كان في الذمّة كأن يستأجره لخياطة ثوب أو غيره في ذمّته ، فإذا حضر الأجير الوقعةَ ، استحقّ السهم إجماعاً ؛ لأنّه حضر الوقعة وهو من أهل القتال ، وإنّما في ذمّته حقٌّ لغيره ، فلا يمنعه من استحقاق السهم ، كما لو كان عليه دَيْنٌ.

وإن كان قد استأجره مدّةً معلومة لخدمة أو لغيرها ، فإن خرج بإذن المستأجر ، استحقّ السهم بالحضور ، وإلّا فلا ؛ لأنّه عاصٍ بالجهاد ، فلا يستحقّ سهماً ، اللّهم إلّا أن يتعيّن عليه فإنّه يستحق السهم.

إذا ثبت هذا ، فإنّ السهم يملكه في الصورة التي قلنا باستحقاقه لها ، ليس للمؤجر عليه سبيل.

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٢٠ - ٥٢١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٣ - ٥١٤.

٢٦٦

وللشافعي في الثاني(١) ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّه يستحقّ السهم ؛ لقول النبيعليه‌السلام : « الغنيمة لمن شهد الوقعة »(٢) .

ولأنّ الاُجرة تستحقّ بالمنفعة والسهمَ بحضور الوقعة وقد وُجد.

الثاني : أنّه يُرضخ له ولا يُسهم ؛ لأنّه قد حضر الوقعة مستحقّ المنفعة ، فلا يُسهم له ، كالعبد.

الثالث : يُخيّر الأجير بين ترك الاُجرة والإسهام وبين العكس ؛ لأنّ كلّ واحد من الاُجرة والسهم يستحقّ بمنافعه ، ولا يجوز أن يستحقّهما لمعنى واحد ، فأيّهما طلب استحقّه(٣) .

قال : وتكون الاُجرة - التي يُخيَّر بينها وبين السهم - الاُجرةَ التي تقابل مدّة القتال ، ويخيّر قبل القتال وبعده ، أمّا قبل القتال فيقال له : إن أردت الجهاد فاقصده واطرح الاُجرة ، وإن أردت الاُجرة فاطرح الجهاد ، ويقال بعد القتال : إن قصدت الجهاد ، اُسهم لك وتركت الاُجرة ، وإن كنت قصدت الخدمة ، اُعطيت الاُجرة دون الغنيمة(٤) .

ولو استؤجر للخدمة في الغزو أو أكرى دوابّه له وخرج معها وشهد الوقعة ، استحقّ السهم - وبه قال الليث ومالك وابن المنذر(٥) - لقولهعليه‌السلام : « الغنيمة لمن شهد الوقعة »(٦) .

____________________

(١) أي فيما إذا استأجره مدّة معلومة.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١٦.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٨ ، الوجيز ١ : ٢٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٨ - ٣٦٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٩.

(٥) المغني ١٠ : ٥٢١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٤.

(٦) الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١٦.

٢٦٧

وقال الأوزاعي وإسحاق : لا يُسهم له(١) .

وعن أحمد روايتان(٢) .

ولو آجر نفسه لحفظ الغنيمة أو سوق الدوابّ التي من المغنم ، أو رعيها ، جاز ، وحلّت له الاُجرة ، ولا يجوز له ركوب دوابّ الغنيمة إلّا أن يشرطه في الإجارة.

ولو دفع إلى المؤجر فرساً ليغزو عليها ، لم يملكها بذلك ؛ لأصالة بقاء الملك على صاحبه.

وقال أحمد : يملكها به(٣) . وليس جيّداً.

مسألة ١٥٣ : لو اشترى المسلم أسيراً من يد(٤) العدوّ ، فإن كان بإذنه ، دفع ما أدّاه المشتري إلى البائع إجماعاً ؛ لأنّه أدّاه بإذنه ، فصار نائباً عنه في الشراء ، ووكيلاً في ابتياع نفسه.

وإن اشتراه بغير إذنه ، لم يجب على الأسير دفع الثمن إلى المشتري - وبه قال الثوري والشافعي وابن المنذر(٥) - لأنّه متبرّع.

وقال مالك : يجب دفع الثمن كالأوّل - وبه قال الحسن البصري والنخعي والزهري وأحمد - لأنّ عمر قال في حديثٍ : وأيّما حُرّ اشتراه التجّار فإنّه تُردّ إليهم رؤوس أموالهم ، فإنّ الحُرّ لا يُباع ولا يُشترى. فحَكَم للتجّار برؤوس أموالهم(٦) .

وهو محمول على إذنهم.

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٢٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٣.

(٢) المغني ١٠ : ٥٢٠ - ٥٢١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٣ - ٥١٤.

(٣) المغني ١٠ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٥٦.

(٤) في « ق ، ك» : يدي.

(٥ و ٦) المغني ١٠ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٢.

٢٦٨

فلو أذن له في الشراء وأداء الثمن ثمّ اختلفا في قدره ، فالقول قول الأسير - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه منكر.

وقال الأوزاعي : يُقدَّم قول المشتري ؛ لأنّهما اختلفا في فعله وهو أعلم به(٢) .

وهو ممنوع ، وإنّما اختلفا في القدر المأذون فيه ، وهو فعل الأسير ، فهو أعلم به.

مسألة ١٥٤ : إذا استولى أهل الحرب على أهل الذمّة فسبوهم وأخذوا أموالهم ثمّ قدر عليهم المسلمون ، وجب ردّهم إلى ذمّتهم ، ولا يجوز استرقاقهم إجماعاً ؛ لأنّهم لم ينقضوا ذمّتهم ، فكانوا على أصل الحُرّيّة ، وأموالهم كأموال المسلمين.

قال عليعليه‌السلام : « إنّما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا »(٣) .

فمتى علم صاحبها قبل القسمة وجب ردّها إليه ، وإن علم بعدها ، فعلى ما تقدّم من الخلاف في أموال المسلمين.

وهل يجب فداؤهم؟ قال بعض العامّة : نعم يجب مطلقاً ، سواء كانوا في معونتنا أو لم يكونوا - وهو قول عمر بن عبد العزيز والليث - لأنّا التزمنا حفظهم لمعاهدتهم وأخذ الجزية منهم ، فلزمنا القتال عنهم ، فإذا عجزنا عن ذلك وأمكننا تخليصهم بالفدية ، وجب ، كمَنْ يحرم عليه إتلاف شي‌ء فيتلفه فإنّه يغرمه(٤) .

____________________

(١ و ٢) المغني ١٠ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٢.

(٣) أورده ابن قدامة في المغني ١٠ : ٤٨٩.

(٤) المغني ١٠ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٣.

٢٦٩

وقال قوم منهم : لا يجب فداؤهم إلّا أن يكون الإمام قد استعان بهم في قتاله فسبوا ؛ لأنّه سبب في أسرهم(١) .

وإنّما يثبت ما ذكرناه لو كانوا على شرائط الذمّة ، ولو لم يكونوا ، استرقّوا بالسبي ، كالحربيّ.

ويجب فداء الاُسارى من المسلمين مع المكنة.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أطعموا الجائع ، وعودوا المريض ، وفكّوا العاني »(٢) .

وفادى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلين من المسلمين برجل أخذه من بني عقيل(٣) .

البحث السادس : في أقسام الغزاة.

الغزاة ضربان :

مطوّعة ، وهُم الذين إذا نشطوا غزوا ، وإن لم ينشطوا قعدوا لمعايشهم ، فهؤلاء لهم سهم الصدقات ، إذا غنموا في دار الحرب شاركوا الغانمين واُسهم لهم.

والثاني : مَنْ أرصد نفسه للجهاد ، فهؤلاء لهم من الغنيمة أربعة الأخماس ، ويجوز عندنا أن يُعطوا أيضاً من الصدقة من سهم ابن السبيل.

____________________

(١) المغني ١٠ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٣.

(٢) صحيح البخاري ٧ : ٨٧ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١٨٧ / ٣١٠٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٧٩ و ١٠ : ٣ ، المغني ١٠ : ٤٩٠.

(٣) المغني ١٠ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٦٣.

٢٧٠

مسألة ١٥٥ : ينبغي للإمام أن يتّخذ الديوان‌ - وهو الدفتر الذي فيه أسماء القبائل قبيلة قبيلة - ويكتب عطاياهم ، ويجعل لكلّ قبيلة عريفاً ، ويجعل لهم علامة بينهم ويعقد لهم ألوية ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عرّف عام خيبر على كلّ عشرة عريفاً(١) ، وجَعَل يوم فتح مكّة للمهاجرين شعاراً ، وللأوس شعاراً ، وللخزرج شعاراً(٢) ، امتثالاً لقوله تعالى :( وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ) (٣) .

فإذا أراد الإمام القسمة ، قدّم الأقرب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فالأقرب ، فيقدّم بني هاشم على بني المطّلب ، وبني عبد شمس على بني نوفل ؛ لأنّ عبد شمس أخو هاشم من الأبوين ، ونوفل أخوه من الأب ، ثمّ يسوّي بين عبد العُزّى وعبد الدار ؛ لأنّهما أخوا عبد مناف ، فإن استووا في القرب ، قدّم أقدمهم هجرةً ، فإن تساووا ، قدّم الأسنَّ.

فإذا فرغ من عطايا أقارب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدأ بالأنصار ، وقدّمهم على جميع العرب ، فإذا فرغ من الأنصار ، بدأ بالعرب ، فإذا فرغ من العرب ، قسّم على العجم ، وليس ذلك فرضاً.

مسألة ١٥٦ : قال الشيخرحمه‌الله : ذرّيّة المجاهدين إذا كانوا أحياءً يُعطون على ما تقدّم ، فإذا مات المجاهد أو قُتل وترك ذرّيّةً أو امرأةً ، فإنّهم يُعطون كفايتهم من بيت المال من الغنيمة ، فإذا بلغوا ، فإن أرصدوا نفوسهم للجهاد ، كانوا بحكمهم ، وإن اختاروا غيره ، خيّروا ما يختارونه ، وتسقط مراعاتهم ، وهكذا حكم المرأة لا شي‌ء لها(٤) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٩ ، الاُمّ ٤ : ١٥٨ ، وفيه : عام حنين.

(٢) المغازي - للواقدي - ٢ : ٨١٩ - ٨٢١ ، الاُمّ ٤ : ١٥٨.

(٣) الحجرات : ١٣.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧٣.

٢٧١

وللشافعي في إعطاء الذرّيّة والنساء بعد موته قولان :

أحدهما : أنّهم يُعطون ؛ لأنّه إذا لم يُعط ذرّيّتة بعده لم يجرّد نفسه للقتال ، فإنّه يخاف على ذرّيّته الضياع ؛ لأنّا لا نعطيه إلّا ما يكفيه ، لا ما يدّخره لهم.

والثاني : أنّهم لا يُعطون ؛ لأنّا إنّما نعطيهم تبعاً للمجاهدين ، لا أنّهم من أهل الجهاد ، فإذا مات ، انتفت تبعيّتهم للمجاهدين ، فلم يستحقّوا شيئاً من الفي‌ء(١) .

مسألة ١٥٧ : ويُحصي الإمام المقاتلة وهُمْ بالغوا الحلم ، فيحصي فرسانهم ورجالهم ليوفّر عليهم على قدر كفايتهم ، ويُحصي الذرّيّة وهُمْ مَنْ لم يبلغ الحلم ، ويُحصي النساء ؛ ليعلم قدر كفايتهم.

قال ابن عمر : عرضت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة ، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة ، فأجازني(٢) .

ويقسّم عليهم في السنة مرّة واحدة ؛ لأنّ الجزية والخراج ومستغلّ الأراضي التي انجلى عنها المشركون إنّما تكون في السنة مرّة واحدة ، فكذلك القسمة.

ويُعطي المولودَ ، وتُحسب مؤونته من كفاية أبيه إلّا أنّه يُفرده بالعطاء ، وكلّما زادت سنّة زاد في عطاء أبيه.

ويُعطي كلّ قوم منهم قدر كفايتهم بالنسبة إلى بلدهم ؛ لاختلاف‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٥٠ ، الوجيز ١ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٤١.

(٢) الاُمّ ٤ : ١٥٦ ، المغني ١٠ : ٤٤٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٩٨.

٢٧٢

الأسعار في البُلْدان. ويجوز أن يفضّل بعضهم على بعضٍ في العطاء من سهم سبيل الله وابن السبيل لا من الغنيمة.

ونقل العامّة عن عليّعليه‌السلام أنّه سوّى بينهم في العطاء ، وأخرج العبيد فلم يُعطهم شيئاً ؛ لأنّهم استووا في سبب الاستحقاق - وهو نصب أنفسهم للجهاد - فصاروا بمنزلة الغانمين(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : وليس للأعراب من الغنيمة شي‌ء(٢) ، على ما تقدّم(٣) . واختاره الشافعي(٤) أيضاً.

ويجب على من استنهضه الإمام للجهاد النفور معه على ما تقدّم(٥) .

مسألة ١٥٨ : إذا مرض واحدٌ من أهل الجهاد ، فإن لم يخرج به عن كونه من أهل الجهاد‌ - كالحمّى والصداع - لا يسقط عطاؤه ؛ لأنّه كالصحيح. وإن كان مرضاً لا يُرجى زواله - كالزمن والفلج - خرج به عن المقاتلة ، وكان حكمه حكم الذرّيّة في العطاء وسقوطه ، وقد تقدّم(٦) .

ولو مات المجاهد بعد حؤول الحول واستحقاق السهم ، كان لوارثه المطالبة بسهمه ، قاله الشيخ(٧) رحمه‌الله ؛ لأنّه استحقّه بحؤول الحول ، والمجاهدون معيّنون ، بخلاف الفقراء ؛ فإنّهم غير معيّنين ، فلا يستحقّون بحؤول الحول ، وللإمام أن يصرف إلى مَنْ شاء منهم ، بخلاف المجاهدين.

____________________

(١) الاُمّ ٤ : ١٥٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٧٧.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧٤ ، النهاية : ٢٩٩.

(٣) تقدّم في ص ٢٣٤ ، المسألة ١٣٣.

(٤) الاُمّ ٤ : ١٥٤ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٧٧.

(٥) تقدّم في ص ٩.

(٦) تقدّم في ص ٢٤٦.

(٧) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧٣ - ٧٤.

٢٧٣

وللشافعي قول آخر : إنّه إنّما يستحقّ بعد موته إذا صار المال إلى يد الوالي ؛ لأنّ الاستحقاق إنّما هو بحصول المال لا بمضيّ الزمان(١) .

مسألة ١٥٩ : قال الشيخرحمه‌الله : ما يحتاج الكراع وآلات الحرب إليه يُؤخذ من بيت المال‌ من مال(٢) المصالح ، وكذا رزق الحُكّام ووُلاة الأحداث والصلاة وغيره من وجوه الولايات والمصالح يخرج من ارتفاع الأراضي المفتوحة عنوةً ومن سهم سبيل الله ، ومن جملة ذلك ما يلزمه فيما يخصّه من الأنفال والفي‌ء ، وهي جنايات مَنْ لا عَقْل له ، ودية مَنْ لا يُعرف قاتلُه وغير ذلك ممّا نقول: إنّه يلزم بيت المال(٣) .

ولو أهدى المشرك إلى الإمام أو إلى رجل من المسلمين هديّةً والحرب قائمة ، قال الشافعي : تكون غنيمةً ؛ لأنّه إنّما أهدى ذلك من خوف الجيش ، وإن أهدى إليه قبل أن يرتحلوا من دار الإسلام ، لم تكن غنيمةً وانفرد بها(٤) .

وقال أبو حنيفة : تكون للمهدي إليه على كلّ حال. وهو رواية عن أحمد(٥) .

____________________

(١) الاُمّ ٤ : ١٥٦ ، مختصر المزني : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٥٤.

(٢) في المصدر : أموال.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧٥.

(٤) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ و ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٨ و ٤٨٥ ، المغني ١٠ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٢٥ و ٤٨٨ ، المغني ١٠ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٩.

٢٧٤

٢٧٥

الفصل الخامس : في أحكام أهل الذمّة‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في وجوب الجزية ومَنْ تؤخذ منه.

مسألة ١٦٠ : الجزية هي المال المأخوذ من أهل الكتاب لإقامتهم بدار الإسلام ، في كلّ عام.

وهي واجبة بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى :( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (١) .

وما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيّة مَنْ يبعثه أميراً على سريّة أو جيش : « فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « فإن أبوا هاتين فادعهم إلى إعطاء الجزية »(٣) .

ولا خلاف بين المسلمين في ذلك.

إذا عرفت هذا ، فعقد الجزية أن يقول الإمام أو نائبه : أقررتكم بشرط الجزية والاستسلام. ويذكر مقدار الجزية ، فيقول الذمّيّ : قبلت ، أو : رضيت ، وشبهه.

____________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٣٧ / ٢٦١٢ ، مسند أحمد ٦ : ٤٨٣ / ٢٢٤٦٩ ، المغني ١٠ : ٥٥٧ - ٥٥٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩ / ٨ ، التهذيب ٦ : ١٣٩ / ٢٣٢.

٢٧٦

وقال بعض الشافعيّة : لا يجب ذكر مقدار الجزية لكن ينزل على الأقلّ(١) .

وقيل : لا يجب ذكر الاستسلام ، نعم يجب ذكر كفّ اللسان عن الله تعالى ورسوله(٢) .

وفي صحّته مؤقّتاً قولان(٣) .

ولو قال : أقررتكم ما شئت أنا ، فقولان قريبان(٤) ، وأولى بالجواز.

ولو قال : ما شئتم ، صحّ ؛ لأنّ عقد الجزية غير لازم من جانب الكفّار ؛ فإنّ لهم الالتحاق بدارهم متى شاءوا.

مسألة ١٦١ : ويعقد الجزية لكلّ كتابيّ عاقل بالغ ذَكَرٍ.

ونعني بالكتابي مَنْ له كتاب حقيقةً ، وهُم اليهود والنصارى ، ومَنْ له شبهة كتاب ، وهُم المجوس ، فتؤخذ الجزية من هؤلاء الأصناف الثلاثة بإجماع علماء الإسلام قديماً وحديثاً.

والكتاب إمّا التوراة أو الإنجيل ، فأهل التوراة اليهود ، وأهل الإنجيل النصارى. وقد كانت النصرانيّة في الجاهليّة في ربيعة وغسّان وبعض قضاعة ، واليهوديّة في حمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكِنْدَة ،

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٢ - ٤٩٣ ، الوسيط ٧ : ٥٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٨.

(٢) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، وانظر العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٣ ، والوسيط ٧ : ٥٦ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٨٨.

(٣) الوجيز ٢ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٣ ، الوسيط ٧ : ٥٦ - ٥٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٨٨.

(٤) كذا ، وفي الوجيز والوسيط : فقولان مرتّبان. وهما للشافعيّة ، اُنظر : الوجيز ٢ : ١٩٧ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٩٣ ، والوسيط ٧ : ٥٧ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٨٨.

٢٧٧

والمجوسيّة في تميم ، وعبادة الأوثان ، والزندقة كانت في قريش وبني حنيفة.

وتؤخذ الجزية من جميع اليهود وجميع النصارى على الشرائط الآتية ، سواء كانوا من المبدّلين أو غير المبدّلين ، وسواء كانوا عرباً أو عجماً في قول علمائنا أجمع - وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر(١) - لعموم الآية(٢) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ من اُكَيْدِرِ دُومة(٣) ، وهو رجل من غسّان أو كِنْدَة من العرب(٤) ، وأخذ من نصارى نجران(٥) ، وهُمْ عرب ، وأمر معاذاً أن يأخذ الجزية من أهل اليمن(٦) ، وهُمْ كانوا عرباً.

وقال أبو يوسف : لا تُؤخذ الجزية من العرب(٧) .

والإجماع يُبطله ؛ فإنّ اليهود والنصارى من العرب سكنوا في زمن الصحابة والتابعين في بلاد الإسلام ولا يجوز إقرارهم فيها بغير جزية.

____________________

(١) المغني ١٠ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٨ ، الاُمّ ٤ : ١٧٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٨٤ / ١٦٣٥.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) دومة : قلعة من بلاد الشام. وأُكَيْدرها مَلِكها ، واسمه اُكيدر بن عبد الملك الكندي. معجم البلدان ٢ : ٤٨٧.

(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٧ / ٣٠٤١ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٦ و ١٨٧.

(٥) سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٧ / ٣٠٤١ ، السيرية النبويّة - لابن هشام - ٢ : ٢٣٣ ، الدلائل - لأبي نعيم - ٢ : ٤٥٧ / ٢٤٥ ، الدلائل - للبيهقي - ٥ : ٣٨٩ ، المغني ١٠ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٨.

(٦) سنن أبي داوُد ٣ : ١٦٧ / ٣٠٣٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٣ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٧ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٣٩٨.

(٧) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٦ ، المغني ١٠ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٨.

٢٧٨

مسألة ١٦٢ : تُؤخذ الجزية ممّن دخل في دينهم من الكفّار إن كانوا قد دخلوا فيه قبل النسخ والتبديل ، ومن نسله وذراريه ، ويُقرّون بالجزية ولو وُلد بعد النسخ.

ولو دخلوا في دينهم بعد النسخ ، لم يُقبل منهم إلّا الإسلام ، ولا تُؤخذ منهم الجزية ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي(١) - لقولهعليه‌السلام : « مَنْ بدَّل دينه فاقتلوه »(٢) .

ولأنّه ابتغى ديناً غير الإسلام ، فلا يُقبل منه ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٣) .

وقال المزني : يُقرّ على دينه ، وتُقبل منه الجزية مطلقاً(٤) ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) (٥) .

والمراد المشاركة في الإثم والكفر دون إقراره على عقيدته.

ولا فرق بين أن يكون المنتقل إلى دينهم ابن كتابيّين أو ابن وثنيّين أو ابن كتابيّ ووثنيّ في التفصيل الذي فصّلناه.

ولو وُلد بين أبوين أحدهما تُقبل منه الجزية والآخر لا تُقبل ، ففي‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧.

(٢) سنن الترمذي ٤ : ٥٩ / ١٤٥٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٤٨ / ٢٥٣٥ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠٨ / ٩٠ ، و ١١٣ / ١٠٨ ، سنن البيهقي ٨ : ١٩٥ و ٢٠٢ و ٢٠٥ ، و ٩ : ٧١ ، المستدرك - للحاكم - ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩ ، مسند أحمد ١ : ٣٥٨ / ١٨٧٤ ، و ٤٦٥ - ٤٦٦ / ٢٥٤٨ ، و ٥٣٠ - ٥٣١ / ٢٩٦٠ ، و ٦ : ٣٠٤ - ٣٠٥ / ٢١٥١٠.

(٣) آل عمران : ٨٥.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧.

(٥) المائدة : ٥١.

٢٧٩

قبول الجزية منه تردّد.

مسألة ١٦٣ : المجوس تؤخذ منهم الجزية كاليهود والنصارى إجماعاً ؛ لما رواه العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « سُنُّوا بهم سُنّة أهل الكتاب »(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه علماؤنا أنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن المجوس أكان لهم نبي؟ قال : « نعم ، أما بلغك كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أهل مكة أسلموا وإلّا نابذتكم بحرب ، فكتبوا إليه أن خُذْ منّا الجزية ودَعْنا على عبادة الأوثان ، فكتب إليهم إنّي لست آخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب ثمّ أخذتَ الجزية من مجوس هَجَر ، فكتب إليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور »(٢) .

فالروايات متظافرة(٣) بأنّهم أهل كتاب - وبه قال الشافعي(٤) - لقول عليّعليه‌السلام : « أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلّمونه وكتاب يدرسونه » الحديث ، رواه العامّة(٥) .

____________________

(١) الموطّأ ١ : ٢٧٨ / ٤٢ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٩ - ١٩٠ ، الأموال - لأبي عبيد - : ٣٧ / ٧٨ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ٢٢٤ ، و ١٢ : ٢٤٣ - ٢٤٤ / ١٢٦٩٦ و ١٢٦٩٧ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٦ : ٦٩ / ١٠٠٢٥ ، و ١٠ : ٣٢٥ / ١٩٢٥٣ ، ترتيب مسند الشافعي ٢ : ١٣٠ / ٤٣٠ ، المغني ١٠ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٧ - ٥٦٨ / ٤ ، التهذيب ٦ : ١٥٨ / ٢٨٥.

(٣) في « ق ، ك» : متظاهرة.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، الوجيز ٢ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٦.

(٥) سنن البيهقي ٩ : ١٨٩ ، المغني ١٠ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٧.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466