تذكرة الفقهاء الجزء ٩

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: 466
المشاهدات: 296477
تحميل: 4333


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 296477 / تحميل: 4333
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 9

مؤلف:
ISBN: 964-319-008-0
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ويصرف ثمنه في مثله أو ينفق ثمنه على الدوابّ الحبيس.

ولا يجوز لمن وجب عليه الجهاد بتعيين الإمام أو بنذر المباشرة أن يجاهد عن غيره بجُعْلٍ ، فإن فعل وقع عنه ووجب عليه ردّ الجُعْل إلى صاحبه.

قال الشيخرحمه‌الله : للنائب ثواب الجهاد وللمستأجر ثواب النفقة ، وأمّا ما يأخذه أهل الديوان من الأرزاق فليس اُجرةً ، بل يجاهدون لأنفسهم ويأخذون حقّاً جعله الله لهم ، فإن كانوا أرصدوا أنفسهم للقتال وأقاموا في الثغور ، فهم أهل الفي‌ء لهم سهم من الفي‌ء يدفع إليهم ، وإن كانوا مقيمين في بلادهم يغزون إذا خيفوا(١) ، فهُمْ أهل الصدقات يدفع إليهم سهم منها(٢) .

وتستحبّ إعانة المجاهدين ، وفي مساعدتهم فضلٌ عظيم من السلطان والعوام وكلّ أحد.

روى الباقرعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « مَنْ بلّغ رسالة غازٍ كان كمن أعتق رقبةً وهو شريكه »(٣) .

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : إذا خفوا. وما أثبتناه من المصدر.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٧.

(٣) التهذيب ٦ : ١٢٣ / ٢١٤.

٤١

الفصل الثاني

فيمن يجب جهاده ، وكيفية الجهاد‌

وفيه مباحث :

الأوّل : من يجب جهاده.

مسألة ١٦ : الذين يجب جهادهم قسمان : مسلمون خرجوا عن طاعة الإمام وبغوا عليه ، وكفّار ، وهُمْ قسمان : أهل كتاب أو شبهة كتاب ، كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من أصناف الكفّار ، كالدهرية وعُبّاد الأوثان والنيران ، ومنكري ما يُعلم ثبوته من الدين ضرورةً ، كالفلاسفة وغيرهم.

قال الله تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (١) وقال تعالى :( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (٢) وقال تعالى :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٣) وقال :( فَضَرْبَ الرِّقابِ ) (٤) . دلّت هذه الآيات على وجوب جهاد الأصناف السابقة.

____________________

(١) الحجرات : ٩.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) التوبة : ٥.

(٤) محمد : ٤.

٤٢

وروى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ أعطى إماماً صفقة(١) يده وثمرة قلبه فليطعه(٢) ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر »(٣) .

وكانعليه‌السلام يقول لمن يبعثه على جيش أو سريّة : « إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال فأيّتهم(٤) أجابوك إليها فاقبل منهم وكفّ عنهم : ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفّ عنهم ، فإن هُمْ أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفّ عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « بعث الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة أسياف ، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها ) ، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها ، فيومئذٍ( لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ) (٦) ، وسيف منها مكفوف ، وسيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا وحكمه إلينا ، فأمّا السيوف الثلاثة الشاهرة : فسيف على مشركي العرب ، قال الله تعالى :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ

____________________

(١) في المصادر : ( مَنْ بايع إماماً فأعطاه صفقة ).

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : فليعطه. وهو تصحيف. وما أثبتناه كما في المصادر.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٤٧٣ / ١٨٤٤ ، سنن النسائي ٧ : ١٥٣ - ١٥٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٠٧ / ٣٩٥٦ ، مسند أحمد ٢ : ٣٤٤ / ٦٤٦٧.

(٤) كذا ، وفي صحيح مسلم : « فأيّتهنّ ما » وكذا في المغني - لابن قدامة - إلّا أنّه ليس فيه كلمة « ما » ، وفي سنن أبي داوُد : « فأيّتها ».

(٥) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ / ٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣٧ / ٢٦١٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٤٩ ، والخبر فيها ورد مفصّلاً ، وفي المغني ١٠ : ٣٨٠ كما في المتن.

(٦) الأنعام : ١٥٨.

٤٣

وَجَدْتُمُوهُمْ ) (١) فهؤلاء لا يُقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام ، والسيف الثاني على أهل الذمّة ، قال الله تعالى :( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٢) الآية ، فهؤلاء لا يُقبل منهم إلّا الجزية أو القتل ، والسيف الثالث سيف على مشركي العجم يعني الترك والخزر والديلم ، قال الله تعالى :( فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ ) (٣) فهؤلاء لا يُقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام ، ولا يحلّ لنا نكاحهم ما داموا في الحرب ، وأمّا السيف المكفوف على أهل البغي والتأويل ، قال الله تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما - إلى قوله -حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٤) فلمـّا نزلت هذه الآية قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ منكم مَنْ يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فسئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من هو؟ قال : هو خاصف النعل - يعني أمير المؤمنينعليه‌السلام - قال عمّار بن ياسر : قاتلت بهذه(٥) الراية مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثاً وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا(٦) السعفات من هَجَر(٧) لعلمنا أنّا على الحقّ وأنّهم على الباطل »(٨) الحديث.

مسألة ١٧ : كلّ مَنْ يجب جهاده فالواجب على المسلمين النفور إليهم‌

____________________

(١) التوبة : ٥.

(٢) التوبة : ٢٩.

(٣) سورة محمّد : ٤.

(٤) الحجرات : ٩.

(٥) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : هذه. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : يبلغونا. وما أثبتناه من المصدر.

(٧) هَجَر : بلدة باليمن ، واسم لجميع أرض البحرين. القاموس المحيط ٢ : ١٥٨ « هجر ».

(٨) التهذيب ٦ : ١٣٦ - ١٣٧ / ٢٣٠.

٤٤

إمّا لكفّهم أو لنقلهم إلى الإسلام ، فإن بدأوا بالقتال ، وجب جهادهم.

وإنّما يجب قتال مَنْ يُطلب إسلامه بعد دعائهم إلى محاسن الإسلام والتزامهم بشرائعه ، فإن فَعَلوا وإلّا قُوتلوا.

والداعي إنّما هو الإمام أو مَنْ نصبه.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن ، فقال : يا علي لا تقاتل أحداً حتى تدعوه ، وأيْمُ الله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت ، ولك ولاؤه يا علي »(١) .

وإنّما يشترط تقدّم الدعاء في حقّ مَنْ لم تبلغه الدعوة ولا عرف بعثة الرسول ، فيدعوهم إلى الإسلام ومحاسنه ، وإظهار الشهادتين ، والإقرار بالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة واُصول العبادات وجميع شرائع الإسلام ، فإن أجابوا وإلّا قُتلوا ؛ لقولهعليه‌السلام : « يا على لا تقاتل أحداً حتى تدعوه»(٢) .

أمّا مَنْ بلغته الدعوة وعرف البعثة ولم يُقرّ بالإسلام فيجوز قتالهم ابتداءً من غير دعاء ؛ لأنّه معلوم عندهم حيث بلغتهم دعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلموا أنّه يدعوهم إلى الإيمان وأنّ مَنْ لم يقبل منه قاتَلَه ومَنْ قبل منه آمنه ، فهؤلاء حربٌ للمسلمين يجوز قتالهم ابتداءً ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أغار على بني المصطلق وهُمْ غارّون آمنون ، وإبلهم تسقى على الماء(٣) .

وقال سلمة بن الأكوع : أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فغزونا ناساً من المشركين فبيّتناهم(٤) .

____________________

(١ و ٢) الكافي ٥ : ٢٨ / ٤ ، التهذيب ٦ : ١٤١ / ٢٤٠.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٩٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٦ / ١٧٣٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٤٢ / ٢٦٣٣ ، مسند أحمد ٢ : ١١٢ / ٤٨٤٢ ، المغني ١٠ : ٣٨٠.

(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ٤٣ / ٢٦٣٨ ، المغني ١٠ : ٣٨٠.

٤٥

والدعاء أفضل ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عليّاًعليه‌السلام حين أعطاه الراية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم(١) ، وقد بلغتهم الدعوة(٢) ، ودعا سلمان أهل فارس(٣) ، ودعا عليعليه‌السلام عمرو بن [ عبد ] ودّ العامري فلم يسلم مع بلوغه الدعوة(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لمـّا بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام إلى اليمن قال : يا علي لا تقاتل أحداً حتى تدعوه »(٥) وهو عامّ.

ولو بدر إنسان فقتل واحداً من الكفّار قبل بلوغ الدعوة إليه ، أساء ، ولا قود عليه ولا دية ؛ للأصل ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٦) ، وهو قياس قول مالك(٧) .

وقال الشافعي : يجب ضمانه ؛ لأنه كافر أصلي محقون الدم ؛ لحرمته ، فوجب ضمانه ، كالذمّي(٨) .

والفرق أنّ الذمّي التزم قبول الجزية فحرم قتله ، أمّا هنا فلم يعلم‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ٥٧ - ٥٨ ، و ٥ : ١٧١ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١٧٨ / ٢٤٧٢ ، المغني ١٠ : ٣٨١.

(٢) في « ق » : « الحجّة » بدل « الدعوة ».

(٣) سنن الترمذي ٤ : ١١٩ / ١٥٤٨ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١٧٧ / ٢٤٧٠ ، المغني ١٠ : ٣٨١.

(٤) المغازي - للواقدي - ٢ : ٤٧١ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٨١ ، تاريخ الطبري ٢ : ٢٣٩.

(٥) الكافي ٥ : ٢٨ / ٤ ، التهذيب ٦ : ١٤١ / ٢٤٠.

(٦) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٣٠ ، المغني ١٠ : ٣٨١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٤ وفيه قول أبي حنيفة.

(٧) انظر : المنتقى - للباجي - ٣ : ١٦٨.

(٨) مختصر المزني : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٣٠ ، المنتقى - للباجي - ٣ : ١٦٨.

٤٦

ذلك منه ، فلا يجب له الضمان ؛ لأنّه كافر لا عهد له ، كالحربي.

مسألة ١٨ : أصناف الكفّار ثلاثة : أهل الكتاب ، وهُم اليهود والنصارى لهم التوراة والإنجيل، فهؤلاء يُطلب منهم إمّا الاسلام أو الجزية ، فإن لم يسلموا وبذلوا الجزية ، حرم قتالهم إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( قاتِلُوا - إلى قوله -حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (١) .

ومَنْ له شبهة كتاب ، وهم المجوس كان لهم نبي قتلوه وكتاب حرقوه ، وحكمهم حكم أهل الذمّة إجماعاً إن أسلموا ، وإلّا طُلب منهم الجزية ، فإن بذلوها ، كُفّ عنهم وأُقرّوا على دينهم ، وإلّا قتلوا. قالعليه‌السلام : « سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب »(٢) .

ومَنْ لا كتاب له ولا شبهة ، كعُبّاد الأوثان وغيرهم ممّن عدا أهل الكتاب والمجوس ، فإنّه لا يُقبل منهم إلّا الإسلام خاصّة ، ولو بذلوا الجزية ، لم تُقبل منهم ، عند علمائنا كافّة - وبه قال الشافعي(٣) وأحمد في إحدى الروايتين(٤) - لقوله تعالى :( قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ) (٥) .

وقولهعليه‌السلام : « اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلّا الله »(٦)

____________________

(١) التوبة : ٢٩.

(٢) الموطّأ ١ : ٢٧٨ / ٤٢ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٩ - ١٩٠ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ٢٢٤ ، و ١٢ : ٢٤٣ ، المصنّف - لعبد الرزاق - ٦ : ٦٩ / ١٠٠٢٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٤ ، المغني ١٠ : ٣٨١ - ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٤) المغني ١٠ : ٣٨١ - ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٥) التوبة : ٣٦.

(٦) صحيح مسلم ١ : ٥٢ / ٢١ و ٥٣ / ٣٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٩٥ / ٣٩٢٧ و ٣٩٢٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٤٤ / ٢٦٤٠ ، سنن البيهقي ٩ : ٤٩ و ١٨٢.

٤٧

خرج منه القسمان الأوّلان ، فيبقى الباقي على أصله.

ولأنّ قولهعليه‌السلام في(١) المجوس : « سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب »(٢) يقتضي تخصيص أهل الكتاب بأخذ الجزية ، إذ لو شاركهم غيرهم لم تختصّ الإضافة بهم.

ولأنّ كفر مَنْ عدا الثلاثة أشدّ ؛ لإنكارهم الصانع تعالى وجميع الرسل ولم تكن لهم شبهة كتاب ، فلا يساوون مَنْ له كتاب واعتراف بالله تعالى ، كالمرتدّ.

وقال أبو حنيفة : يُقبل من عبدة الأوثان من العجم الجزيةُ ، ولا تُقبل من العرب إلّا الإسلام - وهو رواية عن أحمد(٣) - لأنّهم يقرّون على دينهم بالاسترقاق فأقرّوا بالجزية ، كأهل الكتاب والمجوس(٤) .

وقال مالك : الجزية تُقبل من جميع الكفّار إلّا كفّار قريش ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام كان يوصي مَنْ يبعث من الاُمراء بالدعاء إلى ثلاث خصال من جملتها الجزية(٥) ، وهو عامّ في جميع الكفّار(٦) .

____________________

(١) في « ق ، ك » : « عن » بدل « في ».

(٢) الموطّأ ١ : ٢٧٨ / ٤٢ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٩ - ١٩٠ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ٢٢٤ ، و ١٢ : ٢٤٣ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٦ : ٦٩ / ١٠٠٢٥.

(٣) المغني ١٠ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، المغني ١٠ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

(٥) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ / ٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣٧ / ٢٦١٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٤٩ ، المغني ١٠ : ٣٨٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، المغني ١٠ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.

٤٨

ونمنع إقرارهم على دينهم بالاسترقاق ، والأمر بقبول الجزية مخصوص بأهل الذمّة.

إذا عرفت هذا ، فإن كان الكفّار ممّن لا يؤخذ منهم الجزية ، عرض الأمير عليهم الإسلام ، فإن أسلموا ، حقنوا دماءهم وأموالهم ، وإن أبوا ، قاتلهم وسبى ذراريهم ونساءهم وغنم أموالهم وقسّمها ، على ما يأتي ، وإن كانوا ممّن يؤخذ منهم الجزية ، دعاهم إلى الإسلام ، فإن أجابوا ، كفّ عنهم ، وإن أبوا ، دعاهم إلى إعطاء الجزية ، فإن بذلوها ، قبل منهم الجزية ، وإن امتنعوا ، قاتلهم وسبى ذراريهم ونساءهم وغنم أموالهم وقسّمها على المستحقّين.

البحث الثاني : في الجند.

مسألة ١٩ : إذا عيّن الإمام شخصاً للجهاد معه ، وجب عليه طاعته ، وحرم عليه التخلّف عنه ، سواء وجب عليه أوّلاً الدعاء أو لا ، ولو لم يعيّن ، لم يجب عليه إلّا على الكفاية ، إلّا أن يدهم المسلمين عدوُّ يخشى منه على النفس والمال ويخاف على بيضة الإسلام ، فيجب على كلّ متمكّنٍ الجهادُ ، سواء أذن له الإمام أو لا ، وسواء كان مقلّاً أو مكثراً ، ولا يجوز لأحدٍ التخلّف إلّا مع الحاجة إلى تخلّفه ، كحفظ المكان والأهل والمال أو منع الإمام له من الخروج.

فإن أمكن استخراج إذن الإمام في جهاد فرض العين ، وجب ؛ لأنّه أعرف ، وأمر الحرب موكول إليه ؛ لعلمه بكثرة العدوّ وقلّته ، ولو لم يمكن استئذانه ؛ لغيبته ومفاجأة العدوّ ، وجب الخروج بغير إذن.

وإذا نادى الإمام بالنفير والصلاة ، فإن كان العدوّ بعيداً ، صلّوا ثمّ

٤٩

خرجوا ، وإن كان قريباً يخشى من التأخّر بالصلاة ، خرجوا وصلّوا على ظهور دوابّهم ، ولو كانوا في الصلاة ، أتمّوها ، وكذا يتمّون خطبة الجمعة.

وإذا نادى بالصلاة جامعهً لحدوث أمر يحتاج إلى المشورة ، لم يتخلّف أحد إلّا لعذر. ولا ينبغي أن تنفر الخيل إلّا عن حقيقة الأمر.

مسألة ٢٠ : إذا بعث الإمام سريّةً ، استحبّ له أن يؤمّر عليهم أميراً ثقةً جلداً ، ويأمرهم بطاعته ويوصيه بهم ، وأن يأخذ البيعة على الجند حتى لا يفرّوا ، وأن يبعث الطلائع ويتجسّس أخبار الكفّار ، ويكون الأمير له شفقة ونظر على المسلمين.

ولو كان القائد معروفاً بشرب الخمر أو غيره من المعاصي ، لم ينفروا معه ، ولو كان شجاعاً ذا رأي ، جاز النفور معه ؛ لقولهعليه‌السلام : « إنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر »(١)

هذا كلّه مع الحاجة إلى النفير من غير إذن الإمام العادل ، أمّا مع عدم الحاجة فلا يجوز بحال.

وإذا احتاج إلى إخراج النساء لمداراة المرضى وشبهها ، استحبّ له أن يُخرج العجائز ، ويكره إخراج الشوابّ منهنّ حذراً من ظفر الكفّار بهم فينالوا منهنّ الفاحشة ، فإن احتاج إلى إخراجهنّ ، جاز ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج بعائشة في غزواتٍ(٢) .

مسألة ٢١ : تجوز الاستعانة بأهل الذمّة وبالمشرك المأمون غائلته‌ إذا‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ٨٨ و ٥ : ١٦٩ و ٨ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ١ : ١٠٥ - ١٠٦ / ١١١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤١ ، مسند أحمد ٢ : ٥٩٦ / ٨٠٢٩ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٣٦٦.

(٢) المغازي - للواقدي - ١ : ٢٤٩ و ٤٠٧ و ٢ : ٧٩١ ، صحيح البخاري ٤ : ٤٠.

٥٠

كان في المسلمين قلّة ؛ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استعان بصفوان بن اُميّة على حرب هوازن قبل إسلامه(١) ، واستعان بيهود بني قينقاع ورضخ لهم(٢) .

ولو لم يكن مأموناً أو كان بالمسلمين كثرة ، لم يستعن بهم.

قال الله تعالى :( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) (٣) .

وقالعليه‌السلام : « إنّا لا نستعين بالمشركين على المشركين »(٤) وأرادعليه‌السلام مع فقد أحد الشرطين.

ولأنّهم مغضوب عليهم ، فلا تحصل النصرة بهم ، ومع عدم الأمن منهم لا يجوز استصحابهم. وهذا كلّه مذهب الشافعي(٥) .

وله قول آخر : جواز الاستعانة بشرط كثرة المسلمين بحيث لو خان المستعان بهم وانضمّوا إلى الكفّار ، تمكّن المسلمون من مقاومتهم جميعاً(٦) .

ومنع ابن المنذر من الاستعانة بالمشركين مطلقاً(٧) . وعن أحمد روايتان(٨) .

ويجوز أن يستعين بالعبيد مع إذن السادة ، وبالمراهقين ، والذمّيُّ إذا‌

____________________

(١) المغازي - للواقدي - ٢ : ٨٥٤ - ٨٥٥ سنن البيهقي ٩ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨١.

(٢) سنن البيهقي ٩ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٣) الكهف : ٥١.

(٤) سنن البيهقي ٩ : ٣٧.

(٥) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٠ - ٣٨١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٣١ و ١٣٢ ، المغني ١٠ : ٤٤٧.

(٦) روضة الطالبين ٧ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨١.

(٧ و ٨) المغني ١٠ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢١.

٥١

حضر بإذنٍ ، رُضخ له ، وبغير إذن لا يُرضخ.

وللشافعي في استحقاقه الرضخ مع عدم الإذن قولان ، ولو نهي لم يستحق(١) .

مسألة ٢٢ : لا يجوز للإمام ولا للأمير من قِبَله أن يخرج معه مَنْ يُخذّل الناس‌ ويُثبّطهم(٢) عن الغزو ويُدَهْدِهُهم(٣) في الخروج ، كمن يقول : الحَرّ شديد أو البرد ، والمشقّة عظيمة ، والمسافة بعيدة ، والكفّار كثيرون والمسلمون أقلّ ولا يؤمن هزيمتهم. ولا المرجف ، وهو الذي يقول : هلكت سريّة المسلمين ولا طاقة لكم بهم ولهم قوّة وشوكة ومدد وصبر ، ولا يثبت لهم مقاتل. ونحوه ، ولا مَنْ يعين على المسلمين بالتجسّس للكفّار ومكاتبتهم بأخبار المسلمين ، واطّلاعهم على عوراتهم وإيواء جاسوسهم ، ولا مَنْ يوقع العداوة بين المسلمين ويمشي بينهم بالنميمة ويسعى بالفساد ؛ لقوله تعالى :( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) (٤) .

فإن خرج واحد منهم ، لم يُسهم له ولا يُرضخ ، ولو قتل كافراً ، لم يستحق سَلَبه وإن أظهر إعانة المسلمين ؛ لأنّه نفاق.

ولو كان الأمير أحدَ هؤلاء ، لم يخرج الناس معه ؛ لأنّ التابع يُمنع منه فالمتبوع أولى(٥) ؛ لأنّه أكثر ضرراً.

____________________

(١) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤١.

(٢) ثبّطه عن الشي‌ء تثبيطاً : إذا شغله عنه. لسان العرب ٧ : ٢٦٧ « ثبط ».

(٣) الدهدهة : قذفك الحجارة من أعلى إلى أسفل دحرجةً. لسان العرب ١٣ : ٤٨٩ « دهده ».

(٤) التوبة : ٤٧.

(٥) ورد في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : لأنّ المتبوع يُمنع منه فالتابع أولى. وما أثبتناه هو الصحيح.

٥٢

مسألة ٢٣ : إذا خرج الإمام بالنفير ، عقد الرايات ، فجَعَل كلّ فريق تحت راية ، وجَعَل لكلّ مَنْ تابعه شعاراً يتميّز به عندهم حتى لا يقتل بعضهم بعضاً بياناً ، ويدخل دار الحرب بجماعته ؛ لأنّه أحوط وأهيب ، وأن ينتظر الضعفاء فيسير على مسيرهم إلّا مع الحاجة إلى قوّة السير ، ويدعو عند التقاء الصفّين ، ويكبّر من غير إسراف من رفع الصوت ، وأن يحرّض الناس على القتال وعلى الصبر والثبات.

ولو تجدّد عذر أحد معه ، فإن كان لمرض في نفسه ، كان له الانصراف وإن كان بعد التقاء الصفّين ؛ لعدم تمكّنه من القتال ، وإن كان لغير مرض ، كرجوع صاحب الدَّيْن أو أحد الأبوين ، فإن كان بعد التقاء الصفّين ، لم يجز الانصراف ، وإن كان قبله ، جاز.

ولا ينبغي له أن يقتل أباه الكافر بل يتوقّاه ؛ لقوله تعالى :( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (١) إلّا أن يسبّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ أبا عبيدة قتل أباه حين سبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمـّا قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لِمَ قتلته؟ » قال : سمعته يسبّك. فسكت عنه(٢) .

ولا يميل الأمير مع موافقة في المذهب والنسب على مخالفه فيهما ؛ لئلّا يكسر قلوب غيرهم فيخذلونه عند الحاجة.

وينبغي أن يستشير بأصحاب الرأي من أصحابه ؛ للآية(٣) .

ويتخيّر لأصحابه المنازل الجيّدة وموارد المياه ومواضع العشب.

____________________

(١) لقمان : ١٥.

(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٩ - ٣٩٠.

(٣) آل عمران : ١٥٩.

٥٣

ويحمل مَنْ نفقت(١) دابّته إذا كان فضل معه أو مع أتباعه.

ولو خاف رجل تلف آخر لموت دابّته ، احتمل وجوب بذل فاضل مركوبه ليحيى به صاحبه ، كما يجب بذل فاضل الطعام للمضطرّ ، وتخليصه من عدوّه.

ويجوز العقبة بأن يكون الفرس الواحد لاثنين ، لما فيه من الإرفاق.

مسألة ٢٤ : قد بيّنّا أنّه لا يخرج المـُخذِّل وشبهه ، فإن نهاه الإمام عن الخروج فخرج ، لم يستحق اُجرةً ولا رضخاً ؛ لأنّه متّهم بموالاة أهل دينه(٢) ، وللإمام أن يعزّره إذا رآه.

ولو لم يأمره ولا نهاه ، لم يستحق رضخاً عندنا - وهو أصحّ وجهي الشافعية(٣) - لأنّه ليس من أهل الذبّ عن الدين ، بل هو متّهم بالخيانة.

والثاني : أنّه يستحقّ ؛ لأنّه بالعهد المؤبّد صار من أهل الدار وأهل نصرتها(٤) .

وليس بشي‌ء ؛ لأنّ المخذِّل أقوى منه في دفع التهمة عنه.

وليس له إخراج نساء أهل الذمّة ولا ذراريهم ، لأنّه لا قتال فيهم ولا رأي ولا يتبرّك(٥) بدعائهم.

وللشافعي قولان(٦) .

فعلى الجواز هل له أن يرضخ لهنّ؟ وجهان ، أحدهما : المنع(٧) .

____________________

(١) نفقت الدابّة : إذا ماتت. لسان العرب ١٠ : ٣٥٧ « نفق ».

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : أهل ذمّته. والظاهر أنّ ما أثبتناه هو الصحيح.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ و ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢.

(٥) ورد في « ق ، ك » : ولا يترك. وهو ظاهر الطبعة الحجريّة. والصحيح ما أثبتناه.

(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤١.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٣ و ١١ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٠.

٥٤

وأخرج(١) النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معه عبد الله بن اُبيّ(٢) مع ظهور التخذيل منه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يطّلع بالوحي على أفعاله فلا يتضرّر بكيده.

ولو قهر الإمام جماعةً من المسلمين على الخروج والجهاد معه ، لم يستحقّوا اُجرةً ، قاله بعض الشافعيّة(٣) .

والوجه : أنّه إن كان الجهاد تعيّن عليهم(٤) ، فلا اُجرة لهم(٥) ، وإلّا فلهم الاُجرة من حين إخراجهم إلى أن يحضروا الوقعة ، والأقرب : إلى فراغ القتال.

وللإمام استئجار عبيد المسلمين بإذن ساداتهم ، كالأحرار.

وللشافعيّة قولان ، هذا أحدهما(٦) . والثاني : أن يقال : إن جوّزنا استئجار الأحرار ، جاز استئجار العبيد ، وإلّا فوجهان مخرّجان مبنيّان على أنّه إذا وطئ الكفّار طرفا من بلاد الإسلام هل يتعيّن الجهاد على العبيد؟ إن قلنا : نعم ، فهم من أهل فرض الجهاد ، فإذا وقفوا في الصفّ ، وقع عنهم ، وإلّا جاز استئجارهم(٧) .

____________________

(١) الظاهر أنّ موضع قوله : « وأخرج بكيده » في صدر المسألة بعد قوله : « قد بيّنّا وشبهه ».

(٢) اُنظر : سنن البيهقي ٩ : ٣١.

(٣) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢.

(٤) في « ق ، ك‍ » والطبعة الحجريّة : « عليه » بدل « عليهم » وما أثبتناه لأجل سياق العبارة.

(٥) في « ق » والطبعة الحجريّة : « له » بدل « لهم » ولم يرد لفظ « له » في « ك ‍» وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٤١ وفيهما : يجوز الاستعانة بالعبيد إذا أذن السادة.

(٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢ - ٤٤٣.

٥٥

ولو أخرج العبيد قهراً ، فإن كان مع الحاجة ، فلا اُجرة ، وإلّا لزمته الاُجرة من يوم الإخراج إلى العود إلى ساداتهم.

وللإمام أن يستعمل الذمّي للجهاد بمال يبذله إمّا على وجه الإجارة أو الجُعالة.

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّه جُعالة ؛ لجهالة أعمال القتال. وأصحّهما عندهم : الإجارة، ولا يضرّ جهالة الأعمال ، فإن المقصود القتال على ما يتّفق والمقاصد هي المرغّبة(١) (٢) .

إذا عرفت هذا. فلا حجر في قدر الاُجرة ، بل يجوز بما يتراضيان عليه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - كغيرها من الإجارات.

والثاني : أنّه لا يجوز أن يبلغ به سهم راجل ، لأنّه ليس من أهل فرض الجهاد ، فلا يعطى سهم راجل ، كالمرأة.

وعلى هذا الوجه يحكم بفسخ العقد والردّ إلى أجرة المثل إذا ظهر أنّ الأجرة أزيد من سهم من الغنيمة ، وإلاّ ففي الابتداء لا ندري قدر الغنيمة وسهم الراجل(٤) .

والأقرب : أنّ لآحاد المسلمين استيجار الذمّي للجهاد.

وأصحّ وجهي الشافعيّة : المنع ، لأنّ الآحاد لا يتولّون المصالح العامّة خصوصاً والذميّ مخالف في الدين وقد يخون إذا حضر ، فليفوّض أمره إلى الإمام(٥) .

____________________

(١) في العزيز شرح الوجيز : والمقاصد هي المرعيّة.

(٢) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

(٥) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

٥٦

مسألة ٢٥ : لو أخرج الإمام أهل الذمّة ، فالأولى أن يعيّن لهم اُجرةً ، فإن ذكر شيئاً مجهولاً ، مثل : نرضيكم ونعطيكم ما تستعينون(١) به ، وجب اُجرة المثل.

وإن أخرجهم قهراً ، وجب اُجرة المثل كالاستئجار في سائر الأعمال. ولو خرجوا باختيارهم ولم يسمّ لهم شيئاً ، فهو موضع الرضخ ، وسيأتي بيان محلّه.

وأما الاُجرة الواجبة سواء كانت مسمّاةً أو اُجرة المثل : فالأقرب خروجها من رأس مال الغنيمة؛ إذ لحضورهم أثر في تحصيل الغنيمة ، فيخرج منها ما يدفع إليهم ، كسائر المؤن ، وهو أحد وجوه الشافعيّة(٢) .

والثاني : أنّه من خُمس الخُمس سهم المصالح ؛ لأنهم يحضرون للمصلحة لا أنّهم من أهل الجهاد(٣) .

والثالث : أنّها تؤدّى من أربعة أخماس الغنيمة ؛ لأنها تؤدّى بالقتال ، كسهام الغانمين(٤) .

ولو أخرجهم الإمام قهراً ثمّ خلّى سبيلهم قبل أن يقفوا في الصف ، أو فرّوا ولم يقفوا ، فلا اُجرة لهم عن الذهاب وإن تعطّلت منافعهم في الرجوع ؛ لأنّه لا حبس هناك ولا استئجار.

____________________

(١) لعلّها : تستغنون.

(٢) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ - ٦٨٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ - ٦٨٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ - ٦٨٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

٥٧

ولو وقف المقهورون على الخروج ولم يقاتلوا ، فالأقرب أنّ لهم اُجرةَ الوقوف والحضور ؛ لأنّه كالقتال في استحقاق سهم الغنيمة ، وكذا في استحقاق اُجرة الجهاد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) .

وأظهرهما عندهم : المنع ؛ لأنّ الاُجرة في مقابلة العمل ، والفائدة المقصودة لم تحصل(٢) .

ويحتمل أن يقال : إن استؤجروا للقتال ، فلا اُجرة ، وإلّا فلهم.

البحث الثالث : في كيفيّة القتال‌.

مسألة ٢٦ : الجهاد أمر كلّي من أعظم أركان الإسلام يحتاج فيه إلى المساعدة‌ والاعتضاد والاستعداد والفكر في الحيل وغيرها ، فيجب أن يكون أمره موكولاً إلى نظر الإمام واجتهاده ، ويجب على الرعايا طاعته والانقياد لقوله فيما يراه ، فيبدأ بترتيب قوم على أطراف البلاد رجالاً كفايا ليقوموا بإزاء مَنْ يليهم من المشركين ، وبعمل الحصون والخنادق وجميع ما فيه حراسة المسلمين ، ويجعل في كلّ ناحية أميراً يقلّده أمر الحروب وتدبير الجهاد ، ويكون ثقةً مأموناً على المسلمين ذا رأي وتدبير في الحرب ، وله شجاعة وقوّة وعقل ومكايدة.

ولو احتاجوا إلى مدد ، استحبّ للإمام ترغيب الناس في المقام عندهم والتردّد إليهم كلّ وقت؛ ليأمنوا فساد الكفّار ويستغنوا عن طلب الجيوش.

فإن رأى الإمام بالمسلمين قلّةً يحتاج معها إلى المهادنة ، هادنهم ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.

٥٨

وإلّا جاهدهم مع القدرة في كلّ سنة مرّةً ، وإن كان أكثر منه ، كان أفضل. ويبدأ بقتال الأقرب إلّا أن يكون الأبعد أشدّ خطراً فيبدأ به.

مسألة ٢٧ : إذا التقى الصفّان ، وجب الثبات وحرم الهرب.

قال الله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) (١) وقال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) (٢) .

وعدَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفرار من الزحف من الكبائر(٣) .

ويجوز الهرب في أحوال ثلاثة :

الاُولى : أن يزيد عدد الكفّار على ضعف عدد المسلمين ؛ لقوله تعالى :( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) (٤) .

وما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : مَنْ فرّ من اثنين فقد فرّ ، ومَنْ فرّ من ثلاثة فما فرّ(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ فرّ من رجلين في القتال من الزحف فقد فرّ ، ومَنْ فرّ من ثلاثة في القتال من الزحف فلم يفرّ »(٦) .

____________________

(١) الأنفال : ١٥.

(٢) الأنفال : ٤٥.

(٣) المعجم الكبير - للطبراني - ٦ : ١٠٣ / ٥٦٣٦.

(٤) الأنفال : ٦٦.

(٥) سنن البيهقي ٩ : ٧٦ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٨٢ ، المغني ١٠ : ٥٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥.

(٦) الكافي ٥ : ٣٤ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٧٤ / ٣٤٢.

٥٩

ولو لم يزد عدد المشركين على الضِعْف لكن غلب على ظنّ المسلمين الهلاك إن ثبتوا ، قيل : يجب الثبات ؛ لقوله تعالى :( إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) (١) (٢) .

وقيل : يجوز ؛ لقوله تعالى :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٣) (٤) .

ولو غلب على ظنّه الأسر ، فالأولى أن يقاتل حتى يُقتل ، ولا يسلّم نفسه للأسر ؛ لئلّا يعذّبه الكفّار بالاستخدام.

ولو زاد المشركون على ضِعْف المسلمين ، لم يجب الثبات إجماعاً.

ولو غلب على ظنّ المسلمين الظفر بهم ، استحب الثبات ولا يجب ، لأنهم لا يأمنون التلف.

ولو غلب على ظنّ المسلمين العطب ، قيل : يجب الانصراف ، لقوله تعالى :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٥) (٦) .

وقيل : لا يجب ؛ تحصيلاً للشهادة(٧) .

وقيل : إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية فيهم ، لزم‌

____________________

(١) الأنفال : ١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٩.

(٣) البقرة : ١٩٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٩.

(٥) البقرة : ١٩٥.

(٦ و ٧) نفس المصادر في الهامش (٤)

٦٠