تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202142 / تحميل: 6026
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

على إباحة أنواع التصرّف في الملك ، وقد صار ملكاً له بالعقد.

وقول الباقر أو الصادقعليهما‌السلام في رجل اشترى الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يقبضها ، قال : « لا بأس»(١) .

وقول الصادقعليه‌السلام في الرجل يشتري الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يقبضه ، قال : « لا بأس ، ويوكّل الرجل المشتري منه بكيله وقبضه »(٢) .

والمنع مطلقاً - وبه قال الشافعي وأحمد في رواية ، وهو مرويّ عن ابن عباس ، وبه قال محمّد بن الحسن(٣) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن تُباع السَّلَع حيث تُبتاع حتى يحوزها(٤) التجّار إلى رحالهم(٥) .

ولأنّ الملك قبل القبض ضعيف ؛ لأنّه ينفسخ البيع لو تلف ، فلا يفيد ولاية التصرّف.

ولأنّ المبيع قبل القبض مضمون على البائع للمشتري ، فلو نفّذنا بيْعَه للمشتري ، لصار مضموناً للمشتري ، ولا يتوالى ضماناً عقدين من شي‌ء واحد.

والمنع في المكيل والموزون‌ مطلقاً ، والجواز في غيرهما - وبه قال أحمد في رواية ، وإسحاق ، وهو مرويّ عن عثمان وسعيد بن المسيّب‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٨٩ / ٣٧٧.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٩ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٦ / ١٥١.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٦٤ و ٢٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٦ ، منهاج الطالبين : ١٠٣ ، الوجيز ١ : ١٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٤ : ٧٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٨ ، المغني ٤ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٤.

(٤) في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : يحرزها. وما أثبتناه من المصادر.

(٥) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٢ / ٣٤٩٩ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٣ / ٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٤.

١٢١

والحسن والحكم وحمّاد بن أبي سليمان(١) - لأنّ النبي ٦ نهى عن بيع الطعام قبل قبضه(٢) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « ما لم يكن فيه(٣) كيل أو وزن فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه إلّا أن يوليه الذي قام عليه »(٤) .

والمنع في الطعام‌ خاصّةً - وبه قال مالك وأحمد في رواية(٥) - لما تقدّم في الحديثين.

قال ابن عبد البرّ : الأصحّ عن أحمد بن حنبل أنّ الذي منع من بيعه قبل قبضه هو الطعام(٦) .

وقال [ ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ من اشترى طعاماً فليس له أن يبيعه حتى ينقله من مكانه(٧) .

وقال ](٨) أصحاب الرأي : بيع المنقول قبل القبض لا يجوز.

وأمّا العقار فقال محمّد بن الحسن : لا يجوز قبل قبضه(٩) .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : يجوز ؛ لأنّ عدم القبض في المنقول‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٣٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، المجموع ٩ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢.

(٢) المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ١٢ / ١٠٨٧٥.

(٣) كلمة « فيه » لم ترد في المصدر ، كما سبق الحديث بدونها في ص ١٠١.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٥ ، ١٤٦.

(٥) بداية المجتهد ٢ : ١٤٤ ، المحلّى ٨ : ٥٢١ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٤ : ٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٧٠ ، المغني ٤ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٤.

(٦) المغني ٤ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥.

(٧) المجموع ٩ : ٢٧٠ ، المغني ٤ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥.

(٨) ما بين المعقوفين لم يرد في « ق ».

(٩) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٧.

١٢٢

مانع من الجواز ؛ لخطر انفساخ البيع بهلاك المعقود عليه ، وهذا لا يتحقّق في العقار(١) .

ولنا قولٌ خامس : المنع من المكيل والموزون خاصّةً إلّا توليةً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا اشتريت متاعاً فيه كيل أو وزن فلا تبِعْه حتى تقبضه إلّا أن توليه ، فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبِعْه »(٢) .

والأقرب عندي : الكراهيّة إلّا في الطعام فالمنع أظهر‌ وإن كان فيه إشكال.

فروع :

أ - المبيع إن كان دَيْناً ، لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين ؛ لأنّ المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع عدمه أولى ، فلا يجوز بيع [ المسْلَم فيه ](٣) قبل قبضه ولا الاستبدال به ، وبه قال الشافعي(٤) .

ب - تجوز الحوالة بالـمُسْلَم فيه بأن يُحيل الـمُسْلَمُ إليه الـمُسْلَمُ بحقّه‌ على مَنْ له عليه دَيْنٌ من قرضٍ أو إتلاف. وعليه بأن يُحيل الـمُسْلَمُ مَنْ له عليه دَيْنٌ من قرضٍ أو إتلاف على الـمُسْلَم [ إليه ](٥) لأنّ الحوالة إيفاء‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨١ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٧٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ و ٢٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، المغني ٤ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٧ - ١٢٨.

(٢) الفقيه ٣ : ١٢٩ / ٥٦٠ ، التهذيب ٧ : ٣٥ - ٣٦ / ١٤٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : السَّلَم. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٨ ، المجموع ٩ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، منهاج الطالبين : ١٠٣ ، الوجيز ١ : ١٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : فيه. والصحيح ما أثبتناه.

١٢٣

واستيفاء ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

وآخر : تجوز الحوالة به ؛ لأنّ الواجب على المسلِم إليه توفير الحقّ على المسلم وقد فَعَل ، ولا تجوز الحوالة عليه ؛ لأنّها بيع سَلَم بدَيْنٍ.

وأصحّها(١) : المنع ؛ لما فيه من تبديل الـمُسْلَمُ فيه بغيره(٢) .

ج - لو كان الدَّيْن ثمناً - كما لو باع بدراهم أو دنانير في الذمّة‌ - ففي الاستبدال عنها لنا روايتان بالجواز - وهو جديد الشافعي(٣) - لأنّ ابن عمر قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير فآخذ مكانها الورق ، وأبيع بالورق فآخذ مكانها الدنانير ، فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « لا بأس به بالقيمة »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن رجلٍ باع طعاماً بدراهم إلى أجل ، فلمـّا بلغ الأجل تقاضاه ، فقال : ليس عندي دراهم خُذْ منّي طعاماً ، قال : « لا بأس به إنّما له دراهم يأخذ بها ما شاء »(٥) .

والقديم : المنع ؛ للنهي عن بيع ما لم يقبض. ولأنّه عوض في معاوضة ، فأشبه الـمُسْلَم فيه(٦) .

د - لو باع بغير الدراهم والدنانير في الذمّة ، فجواز الاستبدال عنه مبنيّ على أنّ الثمن ما ذا؟ والمثمن ما ذا؟

والوجه : أنّ الثمن هو ما اُلصق به « الباءُ » والمثمن ما يقابله ، وهو‌

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : أصحّهما. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) المجموع ٩ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ - ٣٠٢.

(٣) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ - ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٥٤٤ / ١٢٤٢ ، مسند أحمد ٢ : ٢٠٦ / ٥٥٣٤.

(٥) الكافي ٥ : ١٨٦ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٦٦ / ٧٣٤ ، التهذيب ٧ : ٣٣ / ١٣٦ ، الاستبصار ٣ : ٧٧ / ٢٥٦.

(٦) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢.

١٢٤

أحد وجهي(١) الشافعية(٢) .

والثاني : أنّ الثمن هو النقد ، والمثمن ما يقابله ، فلو باع نقداً بنقد ، فلا مثمن فيه. ولو باع عَرْضاً بعَرْضٍ ، فلا ثمن فيه(٣) .

وأصحّهما(٤) : أنّ الثمن هو النقد ، فإن لم يكن أو كانا نقدين ؛ فالثمن ما اُلصق به « الباء »(٥) .

وعلى الأوّل - وهو أنّ الثمن ما اُلصق به « الباء » - يجوز الاستبدال عن غير الدراهم والدنانير كما(٦) يجوز الاستبدال عنهما. وعلى الآخر لا يجوز عنده(٧) .

ه- لو استبدل عن أحد النقدين الآخر ، لم يشترط قبض البدل في المجلس - قاله الشيخ(٨) ؛ للرواية(٩) - لأنّ النقدين من واحد.

ومَنَعه ابنُ إدريس(١٠) ، وهو قول الشافعي(١١) ، وكذا قال الشافعي لو استبدل عن الحنطة شعيراً على تقدير تسويغه(١٢) .

و - لا يشترط تعيين البدل في العقد‌ - وهو أصحّ وجهي الشافعي(١٣) - ويكفي الإحضار في المجلس ، كما لو تصارفا في الذمّة ثمّ عيّنا وتقابضا في المجلس.

____________________

(١) كذا ، والظاهر : وجوه. كما يستفاد من المصادر.

(٢ و ٣) المجموع ٩ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١.

(٤) كذا ، والظاهر : أصحّها.

(٥) المجموع ٩ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١.

(٦) في « ك » : كما أنّه.

(٧) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢.

(٨) النهاية : ٣٨٠.

(٩) الكافي ٥ : ٢٤٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٨٦ / ٨٣٧ ، التهذيب ٧ : ١٠٢ - ١٠٣ / ٤٤١.

(١٠) السرائر : ٢١٨.

(١١ - ١٣) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٣.

١٢٥

وأضعفهما : الاشتراط ؛ لئلّا يكون بيع دَيْنٍ بدَيْن(١) .

ز - لو استبدل عنها ما لا يوافقها في علّة الربا ، كما لو استبدل عن الدراهم طعاماً أوثياباً ، فإن عيّن ، جاز.

وفي اشتراط قبضه في المجلس للشافعي وجهان :

الاشتراط ؛ لأنّ أحد العوضين دَيْنٌ ، فيشترط قبض الثاني ، كرأس مال المسلم في السلم.

وأصحّهما - وبه نقول - : المنع ، كما لو باع ثوباً بدرهم في الذمّة لا يشترط قبض الثوب في المجلس(٢) .

وإن لم يعيّن البدل بل وصف والتزم في الذمّة ، فعلى الوجهين عنده(٣) .

والوجه عندنا : الجواز.

ح - ما ليس بثمن ولا مثمن من الديون‌ - كدَيْن القرض والإتلاف - يجوز الاستبدال عنه إجماعاً ؛ لاستقراره في الذمّة. وفي تعيين البدل والقبض في المجلس على ما تقدّم للشافعي(٤) .

ط - يجوز بيع الدَّيْن من غير مَنْ عليه الدَّيْن ، كما لو كان له على زيد مائة فاعتاض عن عمرو عبداً ليكون المائة له ، عندنا - وهو أضعف قولي الشافعي(٥) - كما يجوز بيعه ممّن عليه ، وهو الاستبدال.

وأصحّهما : المنع ؛ لعدم القدرة على التسليم(٦) . وهو ممنوع.

وعلى الأوّل يشترط أن يقبض مشتري الدَّيْن [ الدَّيْن ](٧) ممّن عليه‌

____________________

(١ - ٣) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٣.

(٤) المجموع ٩ : ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، منهاج الطالبين : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٣ - ٣٠٤.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٤.

(٧) أضفناها لأجل السياق.

١٢٦

في المجلس عند الشافعي(١) ، وأن يقبض بائع الدَّيْن العوضَ في المجلس حتى لو تُوفّي قبل قبض أحدهما ، بطل العقد.

ي - لو كان له دَيْنٌ على إنسان ولآخر دَيْنٌ على ذلك الإنسان‌ فباع أحدهما ما لَه عليه بما لصاحبه عليه وقَبِل الآخر ، لم يصحّ ، اتّفق الجنس أو اختلف ؛ لنهيهعليه‌السلام عن بيع الكالئ بالكالئ(٢) .

يأ - لو باع شيئاً بدراهم أو دنانير معيّنة فوجدها معيبة ، لم يكن للمشتري إبدالها. ولو تلفت قبل القبض ، انفسخ البيع ، كما في طرف المبيع ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا تتعيّن(٤) . وسيأتي.

مسألة ٦٧ : وهل يصحّ بيعه من بائعه؟ أمّا المجوّزون فإنّهم جزموا بالجواز هنا. واختلف المانعون ، فبعضهم منع - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٥) - كبيعه من غيره. وبعضهم جوّز - وهو الثاني(٦) - كبيع المغصوب من الغاصب.

قال بعض الشافعيّة : الوجهان فيما إذا باع بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقيصة ، وإلّا فهو إقالة بصيغة البيع(٧) .

ولو ابتاع شيئاً يحتاج إلى قبضٍ فلقيه ببلدٍ آخر ، فالأقرب : أنّ له أخذ بدله.

ومَنَع منه الحنابلة وإن تراضيا ؛ لأنّه مبيع لم يقبض(٨) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٤.

(٢) سنن الدار قطني ٣ : ٧١ / ٢٦٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٩٠ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٧.

(٣) المجموع ٩ : ٢٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ - ٢٩٧.

(٨) المغني ٤ : ٢٣٩ - ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٩.

١٢٧

وإن كان ممّا لا يحتاج إلى قبض ، جاز.

مسألة ٦٨ : والأقرب عندي : أنّ النهي يتعلّق بالبيع لا بغيره من المعاوضات. ومنع الشيخ من إجارته قبل القبض فيما لا يجوز بيعه قبل قبضه ، لأنّ الإجارة ضرب من البيوع(١) .

وللشافعيّة وجهان : المنع ، لأنّ التسليم مستحقّ فيها ، كما في البيع.

والجواز ، لأنّ موردها غير مورد البيع ، فلا يتوالى ضمانا عقدين من جنس واحد(٢) .

ومَنَع الشيخ من الكتابة ، لأنّها نوع بيع(٣) . وهو ممنوع.

وأمّا الرهن فجوّزه الشيخ(٤) ، وهو حقّ ، لأنّه ملكه ، فصحّ منه التصرّف فيه.

وللشافعي قولان : الصحّة ؛ لأنّ التسليم غير لازم فيه. والمنع ، لضعف الملك ، فإنّه كما يمنع البيع يمنع الرهن ، كالمكاتب لا يرهن كما لا يباع(٥) .

ويجري القولان وعلّتهما في الهبة(٦) .

وعلى تقدير الصحّة فنفس العقد ليس قبضاً ، بل يقبضه المشتري من البائع ثمّ يسلّمه إلى المرتهن والمتّهب.

وفي العتق للشافعي وجهان :

أصحّهما : النفوذ ، ويصير قابضاً ؛ لقوّة العتق وغلبته ، ولهذا جاز عتق‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٢) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، الوسيط ٣ : ١٤٧ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٣ و ٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥.

١٢٨

الآبق دون بيعه.

وأضعفهما : المنع ؛ لأنّه إزالة ملك ، فأشبه البيع(١) .

وأمّا تزويج الأمة فجوّزه الشيخ(٢) ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) .

قال الشيخ : ويكون وطؤ المشتري أو الزوج قبضاً(٤) . وبه قال أبو حنيفة(٥) .

وقال الشافعي : وطؤ الزوج لا يكون قبضاً(٦) .

وأمّا السَّلَم فحكمه حكم البيع ، وكذا التولية ، إلّا على ما تقدّم من رواية منع البيع وجواز التولية.

وعن مالك جواز التولية(٧) ، وهو وجه للشافعيّة(٨) .

وأمّا الاشتراك فإنّه عندنا إنّما يكون بالمزج أو بأحد العقود الناقلة للنصف ، والأوّل يستدعي القبض ، والثاني تابع.

وجوّز مالك الشركة قبل القبض(٩) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ٧٩.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٣) الوسيط ٣ : ١٤٧ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٨٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٦) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٧) بداية المجتهد ٢ : ١٤٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٨) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

(٩) بداية المجتهد ٢ : ١٤٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦.

١٢٩

وخالف فيه الشافعي - إلّا في وجهٍ - وأبو حنيفة وأحمد ؛ لأنّها بيع بعض المبيع بقسطه من الثمن(١) .

وأمّا الإقالة فإنّها جائزة قبل القبض - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) - لأنّها ليست بيعاً على ما يأتي.

وقال مالك : إنّها بيع مطلقاً(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّها بيع في حقّ غير المتعاقدين ، وفسخ في حقّهما(٤) . وسيأتي.

والقائلون بأنّها بيع أوجبوا القبض(٥) .

مسألة ٦٩ : والمنتقل بغير البيع يجوز بيعه قبل قبضه‌ ، فلو ورث مالاً ، جاز له بيعه قبل قبضه - وبه قال الشافعي(٦) - عملاً بالأصل ، إلّا أن يكون المورّث قد اشتراه ومات قبل قبضه ، فليس للوارث بيعه عند المانعين(٧) ، كما لم يكن للمورّث.

ولو أوصى له بمال فقَبِل الوصيّة بعد الموت ، فله بيعه قبل أخذه ،

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، الحجّة على أهل المدينة ٢ : ٧٠٦ ، المغني ٤ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤ ، المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٣) المدوّنة الكبرى ٤ : ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٤) تحفة الفقهاء ٢ : ١١٠ - ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٣٠٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٤ - ٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٥) المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٦ و ٧) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٧.

١٣٠

وبه قال الشافعي(١) .

وإن باع بعد الموت وقبل القبول ، فكذلك إن قلنا : الوصيّة تملك بالموت.

وإن قلنا : تملك بالقبول أو هو موقوف ، قال الشافعي : لا يصحّ(٢) .

ويحتمل الصحّة ؛ لأنّ القبول قد يكون بالفعل.

والمال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة أو مع التفريط - ويسمّى ضمان اليد - يجوز بيعه قبل قبضه ؛ لتمام الملك فيه.

ولو باع عبداً وسلّمه ثمّ فسخ المشتري ، لعيبٍ ، فللبائع بيعه قبل قبضه ؛ لأنّه الآن صار مضموناً بالقيمة.

ولو فسخ السَّلَم ؛ لانقطاع الـمُسْلَم فيه ، فللمُسْلِم بيع رأس المال قبل استرداده. وكذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بإفلاس المشتري قبل قبضه.

وبهذا كلّه قال الشافعي(٣) .

أمّا ما هو مضمون في يد الغير بعوضٍ في عقد معاوضةٍ فالوجه : جواز بيعه قبل قبضه ، كمال الصلح والأجرة المعيّنة ، لما تقدّم.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لتوهّم الانفساخ بتلفه ، كالمبيع(٤) (٥) .

وأمّا الصداق فيجوز للمرأة بيعه قبل قبضه ، نصّ عليه الشيخ(٦) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٢) المجموع ٩ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٣) المجموع ٩ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ - ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : كالبيع. وما أثبتناه من المصادر.

(٥) المجموع ٩ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٦) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠ ، الخلاف ٣ : ٩٨ ، المسألة ١٦٠.

١٣١

وللشافعي قولان مبنيّان على أنّه مضمون في يد الزوج ضمان العقد أو ضمان اليد؟

فعلى الأوّل - وهو أصحّهما عنده - لا يصحّ.

ويجريان في بيع الزوج بدل الخلع قبل القبض ، وبيع العافي عن القود المال المعفوّ عليه عنده(١) .

وعندنا يجوز ذلك كلّه.

وأمّا الأمانات فيصحّ بيعها قبل قبضها - وبه قال الشافعي(٢) - فلمالك الوديعة بيعها قبل قبضها ، وكذا بيع مال الشركة والقراض في يد الشريك والعامل ، وبيع المال في يد الوكيل والمرتهن بعد الفكّ ، والمال في يد الولي بعد بلوغ الصبي ورشده ، وما احتطبه العبد واكتسبه وقبله بالوصيّة قبل أن يأخذه السيّد ، لتمام الملك عليها ، وحصول القدرة على التسليم.

ومنع الشيخ من بيع الصرف قبل قبضه(٣) .

ومال الغنيمة إذا تعيّن عليه ملكه. صحّ بيعه قبل قبضه ، قاله الشيخ(٤) . وهو جيّد.

مسألة ٧٠ : قد بيّنّا أنّ السَّلَم نوع من البيع‌ ، فمَنْ مَنَع من بيع غير المقبوض مَنَعه هنا. ومَنْ جوّزه هناك جوّزه هنا.

فلو أسلم في طعامٍ ثمّ باعه من آخر ، قال الشيخ : لا يصحّ إلّا أن يجعله وكيله في القبض ، فإذا قبض عنه ، صار حينئذٍ قبضاً عنه(٥) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨.

(٢) المجموع ٩ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٧.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠ - ١٢١.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢١.

١٣٢

وإذا حلّ عليه الطعام بعقد السَّلَم فدفع إلى الـمُسْلَم دراهم وقال : خُذْها بدل الطعام ، قال الشيخ : لم يجز ؛ لأنّ بيع الـمُسْلَم فيه لا يجوز قبل القبض ، سواء باعه من الـمُسْلَم إليه أو من أجنبي(١) .

وإن قال : اشتر بها الطعام لنفسك ، قال : لم يصحّ ؛ لأنّ الدراهم باقية على ملك الـمُسْلَم إليه ، فلا يصحّ أن يشتري بها طعاماً لنفسه ، فإن اشترى بالعين ، لم يصحّ ، وإن اشترى في الذمّة ، ملك الطعام وضمن الدراهم(٢) .

ولو كان عليه طعام قرضاً فأعطاه من جنسه ، فهو نفس حقّه.

وإن غايره فإن كان في الذمّة وعيّنه قبل التفرّق وقبضه ، جاز ، وإن فارقه قبل قبضه ، قال الشيخ : لا يجوز ؛ لأنّه يصير بيعَ دَيْنٍ بدَيْن(٣) .

وإن كان معيّناً وفارَقه قبل القبض ، جاز.

مسألة ٧١ : لو كان له في ذمّة غيره طعام فباع منه طعاماً بعينه‌ ليقبضه الطعام الذي في ذمّته منه ، لم يصحّ ؛ لأنّه شرط قضاء الدَّيْن الذي في ذمّته من هذا الطعام بعينه ، وهذا لا يلزم ، ولا يجوز أن يُجبر على الوفاء به ، فيفسد الشرط فيفسد البيع ؛ لاقترانه به ، لأنّ الشرط يحتاج أن يزيد بقسطٍ من الثمن وهو مجهول ففسد البيع. ولو قلنا : يفسد الشرط ويصحّ البيع ، كان قويّاً. هذا كلّه كلام الشيخ(٤) .

والوجه عندي : صحّتهما معاً ؛ لأنّه شرط لا ينافي الكتاب والسُّنّة.

قال الشيخ : ولو باع منه طعاماً بعشرة دراهم على أن يقبضه الطعام‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢١.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢١.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٢ - ١٢٣.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٣.

١٣٣

الذي له عليه أجود منه ، لم يصحّ ؛ لأنّ الجودة لا يجوز أن تكون ثمناً بانفرادها ، وإن قضاه أجود ليبيعه طعاماً بعينه بعشرة ، لم يجز(١) .

والوجه عندي : الجواز في الصورتين ؛ لأنّه شرط في البيع ما هو مطلوب للعقلاء سائغ فكان مشروعاً ، وليست الجودة هنا ثمناً بل هي شرط.

مسألة ٧٢ : إذا باع طعاما بعشرة مؤجّلة فلمـّا حلّ الأجل أخذ بها طعاما ، جاز‌ إن أخذ مثل ما أعطاه. وإن أخذ أكثر ، لم يجز. وقد روي أنّه يجوز على كلّ حال. هذا قول الشيخ(٢) .

والوجه عندي ما تضمّنته الرواية ؛ لأنّه صار مالاً له ، فجاز له بيعه بمهما أراد ، كغيره.

القسم الثاني : الربا.

وتحريمه معلوم بالضرورة من دين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالـمُبيح له مرتدّ.

قال الله تعالى :( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٣) وقال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٤) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اجتنبوا السبع الموبقات » قيل : يا رسول الله وما هي؟ قال : « الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرّم الله إلّا‌

____________________

(١ و ٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٣.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) البقرة : ٢٧٨ و ٢٧٩.

١٣٤

بالحقّ ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولّي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات »(١) .

ولعَنَ آكلَ الربا ومؤكلَه وشاهدَيْه وكاتبَه(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « درهم ربا أعظم عند الله تعالى من سبعين زنية كلّها بذات محرم »(٣) .

وأجمعت الاُمّة على تحريمه.

وهو لغةً : الزيادة(٤) . واصطلاحاً : بيع أحد المثلين بالآخر مع الزيادة ، وانضمام شرائط تأتي إن شاء الله تعالى.

وهو قسمان : ربا الفضل ، وربا النسيئة ، وقد أجمع العلماء على تحريمهما.

وقد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة ، فحكي عن ابن عباس واُسامة بن زيد وزيد بن أرقم وابن الزبير أنّ الربا في النسيئة خاصّة ؛ لقولهعليه‌السلام : « لا ربا إلّا في النسيئة »(٥) (٦) ثمّ رجع ابن عباس إلى قول‌

____________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٩٢ / ١٤٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١١٥ ، ٢٨٧٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٢٨٤ ، و ٨ : ٢٠ و ٢٤٩ ، المغني ٤ : ١٣٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٣.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٤٤ / ٣٣٣٣ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ٥٥٩ / ٢٠٤٢ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ٣١٥ - ٣١٦ / ١٥٣٥١ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٤ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٤ / ٧٨٢ ، التهذيب ٧ : ١٤ / ٦١ بتفاوت يسير.

(٤) الصحاح ٦ : ٢٣٤٩ ، تهذيب اللغة ١٥ : ٢٧٢.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٩٨ ، سنن النسائي ٧ : ٢٨١ ، مسند أحمد ٦ : ٢٦٢ / ٢١٢٥٥ ، المعجم الصغير - للطبراني - ٢ : ١٨ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١ : ١٧٢ / ٤٢٩ و ٤٣١ - ٤٣٣.

(٦) الحاوي الكبير ٥ : ٧٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٤.

١٣٥

الجماعة(١) ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تبيعوا الذهب بالذهب إلّا مِثْلاً بمِثْل »(٢) .

والنظر فيه يتعلّق [ بأمرين ](٣) :

الأوّل : الشرائط‌ ، وهي اثنان : الاتّفاق في الجنس ، ودخول التقدير ، فهنا مطلبان :

الأوّل : في الجنس. والمراد به الماهيّة ، كالحنطة والاُرز وإن اختلفت صفاتها. وهو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها ، والنوع الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها ، وقد ينقلب كلّ منهما إلى صاحبه ، فكلّ نوعين اجتمعا في اسم خاصّ فهُما جنس ، كالتمر كلّه جنس وإن كثرت أنواعه كالبَرْنيّ والمعقلًيّ.

مسألة ٧٣ : وقد أجمع المسلمون على ثبوت الربا في الأشياء الستّة ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الذهب بالذهب مِثْلاً بمِثْل ، والفضّة بالفضّة مِثْلاً بِمثْل ، والتمر بالتمر مِثْلاً بمِثْل ، والبُرّ بالبُرّ مِثْلاً بمِثْل ، والملح بالملح مِثْلاً بمِثْل ، والشعير بالشعير مِثْلاً بمِثْل ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى ، بيعوا الذهب بالفضّة كيف شئتم يداً بيد ، وبيعوا البرّ بالتمر كيف شئتم يدا بيد ، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد »(٤) .

واختلف فيما سواها ، فحكي عن طاوُس وقتادة وداوُد وبعض نُفاة القياس الاقتصارُ عليها ، ولا يجري في غيرها ، وهي على أصل الإباحة ؛ لقوله تعالى :( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٥) .

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٤.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٤٣ ، ١٢٤١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٢٩٠ ، ٢١٨١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك ‍» والطبعة الحجريّة : باُمور ثلاثة. وما أثبتناه مطابق لما قسّمه المؤلّفقدس‌سره .

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٥٤١ / ١٢٤٠.

(٥) المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٥ ، والآية ٢٧٥ من سورة البقرة.

١٣٦

وعند الإماميّة أنّ الضابط الكيلُ أو الوزن أو العدد على خلافٍ في الأخير ، فأين وُجد أحدها ثبت الربا ؛ لأنّه الزيادة ، وهي إنّما تثبت في المقدّر بأحد المقادير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكون الربا إلّا فيما يُكال أو يُوزن »(١) .

وقوله تعالى :( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٢) يقتضي تحريم كلّ زيادة إلّا ما أجمعنا على تخصيصه.

مسألة ٧٤ : واتّفق العلماء على أنّ ربا الفضل لا يجري إلّا في الجنس الواحد‌ ، إلّا سعيد بن جبير ؛ فإنّه قال : كلّ شيئين يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً ، كالحنطة بالشعير ، والتمر بالزبيب ، والذرّة بالدخن ؛ لتقارب نفعهما ، فجريا مجرى نوعَي جنسٍ واحد(٣) .

أمّا الأوّلان : فسيأتي البحث فيهما. وأمّا الثالث وشبهه : فهو باطل ؛ لقولهعليه‌السلام : « بيعوا الذهب بالفضّة كيف شئتم يداً بيد ، وبيعوا البُرّ بالتمر كيف شئتم »(٤) مع أنّ الذهب والفضّة متقاربان.

مسألة ٧٥ : والربا عندنا ثابت في الصُّور بالنصّ‌ ، فإنّا إنّما نُثبته في المقدّر بأحد المقادير المذكورة ، وهي : الكيل ، والوزن ، والعدد على خلافٍ فيه ؛ إذ القياس عندنا باطل.

أمّا القائلون بالقياس فقد اتّفقوا على أنّه لعلّةٍ ، ثمّ اختلفوا.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٦ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ١٧٥ / ٧٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ / ٧٤ ، و ١٩ / ٨١ ، و ٩٤ / ٣٩٧ ، و ١١٨ / ٥١٥ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥٠.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) المغني ٤ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٥ / ١٣٦.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٥٤١ / ١٢٤٠.

١٣٧

فقال النخعي والزهري والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وأحمد في روايةٍ : إنّ علّة الذهب والفضّة كونه موزونَ جنس ، وعلّة الأعيان الأربعة الباقية مكيل جنسٍ ، فيجري الربا في كلّ مكيل أو موزون بجنسه ، مطعوماً كان أو غيره(١) .

وهو الذي ذهبنا إليه ، فيجري في الحبوب والثُّوم والقُطْن والصوف والكتّان والحِنّاء والحديد والنورة والجصّ وغير ذلك ممّا يدخله الكيل والوزن دون ما عداه وإن كان مطعوماً ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن الرجل يبيع الفرس بالأفراس ، فقال : « لا بأس إذا كان يداً بيد »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « البعير بالبعيرين والدابّة بالدابّتين يداً بيد ليس به بأس »(٣) .

ولأنّ قضيّة البيع المساواة ، والمؤثّر في تحقيقها الكيل والوزن والجنس ، فإنّ الكيل والوزن سوّى بينهما صورةً ، والجنس سوّى بينهما معنىً.

وقال الشافعي في الجديد : العلّة في الأربعة أنّها مطعومة في جنسٍ واحد ، فالعلّة ذات وصفين ، وفي النقدين : جوهر الثمنيّة غالباً. وهو رواية عن أحمد - وعن بعض الشافعيّة أنّه لا علّة في النقدين(٤) - لأنّ النبي ٦‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٦ ، تحفة الفقهاء ٢ : ٢٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦١ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٨ و ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢.

(٢) مسند أحمد ٢ : ٢٥٢ / ٥٨٥١.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٧ / ٧٩٧ ، التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١١ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ / ٣٤٧.

(٤) المجموع ٩ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.

١٣٨

نهى عن بيع الطعام إلّا مِثْلاً بِمثْل(١) ، وهو عامّ في المكيل وغيره. ولأنّ الطعم وصف شرفٍ ، فإنّ به قوام الأبدان ، والثمنيّة وصف شرفٍ ، فإنّ بها قوام الأموال ، فيجري الربا في كلّ مطعوم دَخَله الكيل والوزن أولا ، كالبطّيخ والأترج والسفرجل والخيار والبيض ، وسواء اُكل نادراً ، كالبلّوط ، أو غالباً ، وسواء اُكل وحده أو مع غيره ، وسواء اُكل تقوّتاً أو تأدّماً أو تفكّهاً أو غيرها ممّا يقصد للطعم غالباً دون ما ليس بمطعوم وإن كان موزوناً ، كالحديد والرصاص والاُشنان - ويبطل بقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكون الربا إلّا فيما يُكال أو يُوزن »(٢) - لأنّ قولهعليه‌السلام : « الطعام بالطعام مثل بمثل »(٣) علّق الحكم باسم الطعام ، والحكم المعلّق بالاسم المشتقّ معلّل بما منه الاشتقاق ، كالقطع المعلّق باسم السارق ، والحدّ المعلّق باسم الزاني(٤) .

وقال الشافعي في القديم : العلّة في الأربع كونه مطعومَ جنسٍ مكيلاً أو موزوناً ، فلا يجري الربا في مطعوم لا يُكال ولا يُوزن ، ولا فيما ليس بمطعوم. وبه قال سعيد بن المسيّب وأحمد في رواية ؛ لأنّ سعيد بن المسيّب روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ربا إلّا فيما كيل أو وزن ممّا يؤكل أو‌

____________________

(١) أورد نصّه ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٧ ، وانظر : صحيح مسلم ٢ : ١٢١٤ / ١٥٩٢ ، وسنن الدار قطني ٣ : ٢٤ / ٨٤.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٣٦ ، الهامش (١).

(٣) صحيح مسلم ٢ : ١٢١٤ / ١٥٩٢ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٤ / ٨٤.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٣٤ - ٣٣٧ ، المجموع ٩ : ٣٩٣ و ٣٩٥ و ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤ - ٤٥ و ٤٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ و ٧٤ و ٧٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٧ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٣٢.

١٣٩

يشرب »(١) (٢) .

ويضعّف بقول الدار قطني : الصحيح أنّه من قول سعيد بن المسيّب ، ومَنْ رفعه فقد وهم(٣) .

وقال مالك : العلّة القوت أو ما يصلح به القوت من جنسٍ واحد من المدّخرات(٤) ؛ فإنّ علّة الطعم لا تستقيم ؛ لثبوت الطعم لكلّ شي‌ء ، فينبغي أن يعلّل بالقوت الذي يعلّل به الزكاة ، كما أنّ الجواهر لم يجر الربا إلّا فيما تجب الزكاة ، وهو الذهب والفضّة.

ويبطل بالملح ؛ فإنّه لا يُقتات ، والإدامِ يصلح به القوت ، والنارِ والحطب.

وقال ربيعة بن عبد الرحمن : الاعتبار بما تجب فيه الزكاة(٥) ، فكلّ ما وجبت فيه الزكاة جرى فيه الربا ، فلا يجوز بيع بعير ببعيرين ولا بقرة ببقرتين.

ويبطل بما تقدّم ، وبالملح ؛ فإنّه لا تجب فيه الزكاة ، ويجري فيه الربا.

____________________

(١) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ / ٣٩.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٣٧ ، المجموع ٩ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ ، المغني ٤ : ١٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٧.

(٣) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ ذيل الحديث ٣٩ ، وحكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٤ : ١٣٨ ، والشرح الكبير ٤ : ١٣٧.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٣٧ ، المجموع ٩ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٨.

(٥) المجموع ٩ : ٤٠١ ، حلية العلماء ٤ : ١٥١ ، الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٨.

١٤٠

وقال ابن سيرين : الجنس الواحد هو العلّة(١) .

وليس بصحيح ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أن يؤخذ البعير بالبعيرين لـمّا أنفذ بعض الجيوش وقد نفدت الإبل(٢) .

وهذا البحث ساقط عنّا ؛ لأنّا نعتبر النصّ لا القياس ، فمهما دلّ على شي‌ء عملنا به ، وقد سُئل الصادقعليه‌السلام عن البيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس به » والثوب بالثوبين ، قال : « لا بأس به » والفرس بالفرسين ، فقال : « لا بأس به » ثمّ قال : « كلّ شي‌ء يُكال أو يُوزن فلا يصلح مِثْلين بمِثْلٍ إذا كان من جنسٍ واحد ، فإذا كان لا يُكال ولا يُوزن ولا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد »(٣) .

مسألة ٧٦ : قد بيّنّا أنّ كلّ مكيل أو موزون يجري فيه الربا مع الشرائط سواء اُكل أو لا.

أمّا الشافعي حيث علّل بالطعم اعتبره ، فكلّ موضع لا يثبت فيه الطعم لا يثبت فيه الربا إلّا النقدين.

ولا فرق عنده بين أن يُؤكل للتداوي ، كالهليلج والسقمونيا وغيرهما ، وبين ما يؤكل لسائر الأغراض.

وقسّم المطعومات إلى أربعة : ضرْب يؤكل قوتاً ، وآخر يؤكل تأدّماً ، وثالث يؤكل تفكّهاً ، ورابع يؤكل تداوياً. ويجري الربا في ذلك كلّه لا في مأكول الدوابّ ، كالقضب والحشيش والنوى(٤) .

وحُكي وجهٌ للشافعيّة : أنّ ما يهلك كثيره ويستعمل قليله في الأدوية‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢. المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٨.

(٢) علل الحديث ١ : ٣٩٠ / ١١٦٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٧.

(٣) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٧ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥١.

(٤) المجموع ٩ : ٣٩٧ و ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ و ٧٣.

١٤١

- كالسقمونيا - لا يجري فيه الربا(١) .

وفي الزعفران عندهم وجهان :

أصحّهما : جريان الربا فيه ؛ لأنّ المقصود الأظهر منه الأكل تنعّماً أو تداوياً إلّا أنّه يمزج بغيره.

والثاني : لا يجري ؛ لأنّه يقصد منه الصبغ واللون(٢) ، وهو قول القاضي أبي حامد(٣) .

والطين الخراساني لا يُعدّ مأكولاً ، ويُسفَّه آكِلُه - وإنّما يأكله قومٌ لعارضٍ بهم - ولو كان مستطاباً ؛ لاشتراك الكلّ في استطابته ، وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة : « لا تأكلي الطين فإنّه يُصفّر اللون »(٤) ويجري آكل ذلك مجرى من يأكل التراب والخزف ، فإنّ من الممكن من يأكل ذلك ، فلا ربا فيه.

وعند بعضهم أنّه ربويّ(٥) .

والأرمني دواء ، كالهليلج.

وفيه وجه آخر لهم : أنّه لا ربا فيه ، كسائر أنواع الطين(٦) ، وهو قول القاضي ابن كج(٧) .

وأمّا دهن البنفسج والورد واللبان ففيه لهم وجهان ، أحدهما : ثبوت الربا ؛ لأنّها متّخذة من السمسم اكتسبت رائحة من غيره ، وإنّما لا يؤكل في‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٢) المجموع ٩ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ - ٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٤) كما في المغني ٤ : ١٣٩.

(٥و٦) المجموع ٩ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

١٤٢

العادة ضنّاً بها(١) .

وفي دهن الكتّان وجهان عندهم ، أصحّهما : أنّه ليس بربويّ ؛ لأنّه لا يُعدّ للأكل(٢) .

وكذا دهن السمك ؛ لأنّه يُعدّ للاستصباح وتدهين السُّفُن لا للأكل(٣) .

وفي وجهٍ : أنّه مال ربا ؛ لأنّه جزء من السمك(٤) .

وفي حبّ الكتّان وجهان(٥) ، وكذا في ماء الورد(٦) .

ولا ربا عندهم في العُود والمصطكي(٧) .

وأمّا الماء ففي صحّة بيعه وثبوت الملك فيه وجهان ، فعلى الجديد فيه وجهان أيضاً :

أصحّهما : أنّه ربويّ ؛ لأنّه مطعوم ، لقوله تعالى :( وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ) (٨) .

والثاني : لا ربا فيه ؛ لأنّه ليس مأكولاً(٩) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣٩٨ - ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، الوسيط ٣ : ٤٩ و ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٢) المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، الوسيط ٣ : ٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٧٣.

(٣ و٤ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، الوسيط ٣ : ٤٩.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، الوسيط ٣ : ٤٩.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥.

(٧) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٨) البقرة : ٢٤٩.

(٩) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ - ٧٤.

١٤٣

ولا ربا في الحيوان ؛ لأنّه لا يؤكل على هيئته ، وما يُباح أكله على هيئته كالسمك الصغير على وجهٍ يجري فيه الربا(١) .

والحقّ عندنا في ذلك كلّه ثبوت الربا في كلّ مكيل أو موزون ، سواء كان مأكولاً أو لا. والسمك يوزن ، فيجري فيه الربا مطلقاً.

مسألة ٧٧ : إذا بِيع مالٌ بمالٍ فأقسامه ثلاثة :

الأوّل : أن لا يكون شي‌ء منهما ربويّاً.

الثاني : أن يكون أحدهما ربويّاً دون الآخر.

الثالث : أن يكونا ربويّين.

فالأوّل لا يجب فيه رعاية التماثل قدراً ولا الحلول ولا التقابض في المجلس ، اتّحدا جنساً أو لا ، فيجوز بيع ثوبٍ بثوبين ، وعبد بعبدين ، ودابّة بدابّتين ، وبيع ثوبٍ بعبد وعبدين نقداً ونسيئةً ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عبد الله بن عمرو بن العاص أن يشتري بعيراً ببعيرين إلى أجل(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سأله منصور بن حازم عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس به ما لم يكن فيه كيل ولا وزن »(٤) .

وسأل منصورُ بن حازم الصادقَعليه‌السلام عن البيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس به » والثوب بالثوبين ، قال : « لا بأس به » والفرس بالفرسين ، فقال :

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.

(٢) المجموع ٩ : ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ - ٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٥.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٠ / ٣٣٥٧ ، سنن الدار قطني ٣ : ٦٩ / ٢٦١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٧ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٦ - ٥٧.

(٤) التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١٣ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ - ١٠١ / ٣٤٩.

١٤٤

« لا بأس به » ثمّ قال : « كلّ شي‌ء يُكال أو يُوزن فلا يصلح مِثْلين بمِثْلٍ إذا كان من جنسٍ واحد ، فإذا كان لا يُكال ولا يُوزن فليس به بأس اثنين بواحد »(١) .

وعن الباقرعليه‌السلام : « لا بأس بالثوب بالثوبين »(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز إسلاف الشي‌ء في جنسه(٣) . فلا يجوز بيع فرس بفرسين سلفاً ولا نسيئةً ، بل يجب التقابض في المجلس عنده ، وهو إحدى الروايات عن أحمد ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة(٤) . ولأنّ الجنس أحد وصفَي علّة تحريم التفاضل ، فيحرم فيه النسأ، كالوصف الآخر(٥) .

وتُحمل الرواية على النساء في الطرفين ، أو على أنّ النهي للتنزيه نهي كراهة لا نهي تحريم. والربا عندنا يثبت لا لعلّة ، بل للنصّ على ثبوته في كلّ مكيل أو موزون ، وإباحة التفاضل فيما عداهما ، على أنّه منقوض بإسلاف الدراهم في الحديد.

وقال مالك : يجوز إسلاف أحد الشيئين في مثله متساوياً لا متفاضلاً.

ولا يجوز بيع حيوان بحيوانين من جنسه بصفة يقصد بهما أمراً واحداً إمّا الذبح أو غيره ؛ لأنّ الغرض إذا كان بهما سواء ، كان بيع الواحد باثنين نسيئةً ذريعةً إلى الربا(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٧ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥١.

(٢) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦.

(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٠ / ٣٣٥٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٣ / ٢٢٧٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٨ / ١٢٣٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٤٧ / ٦٨٤٧ ، و ٢٤٨ / ٦٨٥١ ، و ٢٧٣ / ٦٩٤٠.

(٥) المغني ٤ : ١٤٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٧٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٣٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٥.

١٤٥

ويبطل بقولهعليه‌السلام : « إذا اختلف الجنسان فبِيعوا كيف شئتم »(١) .

الثاني : أن يكون أحدهما ربويّاً دون الآخر ، كبيع ثوبٍ بدراهم أو دنانير ، أو بيع حيوان بحنطة أو شعير. وحكمه كالأوّل ، فيجوز بيع أحدهما بالآخر - وإن كان أزيد قيمةً منه - نقداً ونسيئةً؛ للإجماع على السلف والنسيئة مع تغاير الثمن - الذي هو أحد النقدين - والمثمن ، إلّا الصرف خاصّةً ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

الثالث كالأوّل عندنا ؛ للإجماع على إسلاف أحد النقدين في البُرّ أو الشعير أو غيرهما من الربويّات والمكيلات ، والنسيئة أيضاً ، وهو قول أبي حنيفة(٢) .

وقال الشافعي : إن اختلفت العلّة فيهما ، كالذهب بالقوت ، فلا تجب رعاية التماثل ولا الحلول ولا التقابض ، فيجوز إسلاف أحد النقدين في البُرّ ، أو بيع الشعير بالذهب نقداً أو نسيئةً.

وإن اتّفقت العلّة ، فإن اتّحد الجنس ، وجب فيه رعاية التماثل والحلول والتقابض في المجلس ، كما لو باع الذهب بالذهب والبُرّ بالبُرّ ، وثبت فيه أنواع الربا الثلاثة - وعندنا لا يجب الثالث إلّا في الصرف - وإن اختلف الجنس ، لم يجب التماثل ، بل الحلول والتقابض في المجلس ؛ لقولهعليه‌السلام : « ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبُرّ بالشعير والشعير بالبُرّ كيف شئتم يداً بيد »(٣) (٤) .

____________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١٠ : ٨٦ ، المغني ٤ : ١٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٧.

(٢) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، شرح معاني الآثار ٤ : ٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧ - ٤٨.

١٤٦

والجواب : يحتمل أن يكون التقييد باليد على سبيل الأولويّة ، أو في الصرف.

فروع :

أ - يكره بيع الجنسين المختلفين متفاضلاً نسيئةً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شي‌ء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مِثْلين بمِثْل يداً بيد ، فأمّا نظرةٌ فلا يصلح »(١) .

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام « ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شي‌ء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مِثْلين بمِثْل يداً بيد ، فأمّا نظرةٌ فإنّه لا يصلح »(٢) .

ب - المصوغ من أحد النقدين لا يجوز بيعه بجنسه‌ من التبر أو المضروب متفاضلاً بل بوزنه وإن كان المصوغ أكثر قيمةً. وكذا الصحيح والمكسّر لا يجوز التفاضل فيهما مع اتّحاد الجنس - وبه قال الشافعي(٣) - لما رواه عطاء بن يسار أنّ معاوية باع سقايةً من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها ، فقال أبو الدرداء : سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ينهى عن مثل هذا إلّا مِثْلاً بمثل ، فقال له معاوية : ما أرى بهذا بأساً ، قال أبو الدرداء : مَنْ يعذرني من هذا ، اُخبره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويُخبرني عن رأيه ، والله لا ساكنتك بأرضٍ أنت فيها ، ثمّ قدم أبو الدرداء على عمر فذكر له ذلك ، فكتب عمر إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلّا وزناً بوزن مِثْلاً بمِثْلٍ(٤) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٩١ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٩٣ / ٣٩٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٩٣ - ٩٤ / ٣٩٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٤١.

(٤) سنن البيهقي ٥ : ٢٨٠ ، المغني ٤ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٣.

١٤٧

وقال مالك : يجوز أن يبيعه بقيمته من جنسه(١) . وأنكر أصحابه ذلك ، ونفوه عنه(٢) .

واحتجّ مَنْ أجازه : بأنّ الصنعة لها قيمة ، ولهذا لو أتلفه وجبت قيمته وإن زادت.

والجواب : لا نسلّم أنّ الصنعة تدخل في البيع وإن قوّمت على الغاصب. سلّمنا لكن لا نسلّم أنّه يقوّم بجنسه بل بغير جنسه.

ج - الفلوس يثبت الربا فيها عندنا ؛ لأنّها موزونة ، وبه قال أبو حنيفة(٣) ، وهو وجه ضعيف للشافعيّة ؛ لحصول معنى الثمنيّة(٤) .

وفي الأظهر عندهم : انتفاء الربا ؛ لانتفاء الثمنيّة والطعم ، والوزن والكيل ليسا علّةً عندهم(٥) وقد تقدّم بطلان التعليل.

د - يكره بيع أفراد الجنس الواحد إذا لم يدخله الكيل والوزن متفاضلاً نسيئةً ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « البعير بالبعيرين والدابّة بالدابّتين يداً بيد ليس به بأس »(٦) وهو يدلّ بمفهومه على كراهيّة النسيئة فيه.

ه- لا يشترط التقابض في المجلس مع اتّحاد الجنس واختلافه إلّا في الصرف‌ - وبه قال بعض الشافعيّة(٧) - لأنّهما عينان من غير جنس الأثمان ، فجاز التفرّق فيهما قبل القبض ، كالحديد. نعم ، يشترط الحلول‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٤١.

(٢) المصادر في الهامش (١) ما عدا العزيز شرح الوجيز.

(٣) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.

(٤ و ٥) المجموع ٩ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.

(٦) الكافي ٥ : ١٩٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٧ / ٧٩٧ ، التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١١ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ / ٣٤٧.

(٧) روضة الطالبين ٣ : ٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٥.

١٤٨

مع الاتّفاق جنساً.

وقال بعض الشافعيّة : إذا كانا ربويّين ، وجب فيهما القبض قبل التفرّق ، كالذهب والفضّة(١) ؛ لقولهعليه‌السلام : « لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البُرّ بالبُرّ ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلّا سواء بسواء عيناً بعين يداً بيد »(٢) .

والجواب : أنّه لا يدلّ على المنع مع عدم التقابض إلّا من حيث المفهوم ، وهو ضعيف.

مسألة ٧٨ : لعلمائنا قولان في أنّ الحنطة والشعير هل هُما جنس واحد أو جنسان؟

والأقوى عندي : الأوّل - وبه قال مالك والليث والحكم وحمّاد(٣) - لأنّ معمر بن عبد الله بعث غلاماً له ومعه صاع من قمح ، فقال : اشتر شعيراً ، فجاءه بصاع وبعض صاع ، فقال له : ردّه ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الطعام بالطعام إلّا مِثْلاً بمِثْلٍ ، وطعامنا يومئذٍ الشعير(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا يصلح الشعير بالحنطة إلّا واحداً بواحد »(٥) .

____________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٠ ، ١٥٨٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ٣٣ - ٣٤ ، ١١٠٢١.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ١٣٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١١ ، المغني ٤ : ١٥١ - ١٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٩ - ١٥٠.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٤ / ١٥٩٢ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٤ / ٨٣ و ٨٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٣ ، المغني ٤ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٠.

(٥) الكافي ٥ : ١٨٩ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٨.

١٤٩

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة إلّا مِثْلاً بمِثْلٍ » وسُئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد إلّا شعيراً أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال : « لا ، إنّما أصلهما واحد »(١) .

وعن الباقرعليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا تبع الحنطة بالشعير إلّا يداً بيد ، ولا تبع قفيزاً من حنطة بقفيزين من شعير »(٢) .

ولأنّ أحدهما يُغشّ بالآخر ، فهُما كنوعي جنسٍ واحد.

وقال بعض(٣) علمائنا : إنّهما جنسان يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً يداً بيد ونسيئةً - وبه قال الشافعي(٤) - لقولهعليه‌السلام : « بيعوا الذهب بالورق ، والورق بالذهب ، والبُرّ بالشعير ، والشعير بالبُرّ كيف شئتم يداً بيد »(٥) .

ولأنّهما لا يشتركان في الاسم الخاصّ ، فكانا جنسين ، كالشعير والذرّة.

وأجابوا عن حديث معمر بأنّه أعمّ من هذا الحديث. والغشّ ينتقض بالفضّة ، فإنّه يُغشّ بها الذهب.

والجواب : أنّ الراوي فهم تناول الطعام لصورة النزاع. وبالجملة فالتعويل على أحاديث الأئمّةعليهم‌السلام . والاختصاص بالاسم لا يُخرج الماهيّات عن التماثل ، كالحنطة والدقيق.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٨.

(٣) هو ابن إدريس في السرائر ٢ : ٢٥٤.

(٤) الاُمّ ٣ : ٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٣٥ ، المحلّى ٨ : ٤٩٢ ، المغني ٤ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٩.

(٥) سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ٣٣ - ٣٤ / ١١٠٢١.

١٥٠

مسألة ٧٩ : ثمرة النخل كلّها جنس واحد‌ ، كالبَرْنِيّ والمعقلي والآزاد والدقل وإن كان رديئاً في الغاية لا يجوز التفاضل فيه نقداً ولا نسيئةً ، فلا يباع مُدٌّ من البَرْنيّ بمُدَّيْن من الدقل وكذا البواقي لا نقداً ولا نسيئةً ، وكذا ثمرة الكرم كلّها جنس واحد ، كالأسود والأبيض والطيّان والرازقي ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يباع مختومان من شعير بمختومٍ من حنطة إلّا مِثْلاً بمِثْلٍ ، والتمر مِثْل ذلك»(١) .

وكان عليّعليه‌السلام يكره أن يستبدل وسقين من تمر المدينة بوسق من تمر خيبر(٢) .

وفي حديثٍ آخر ذلك وزيادة : « ولم يكنعليه‌السلام يكره الحلال »(٣) .

وسُئل عن الطعام والتمر والزبيب ، فقال : « لا يصلح شي‌ء منه اثنان بواحد إلّا أن تصرفه نوعاً إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنان بواحد وأكثر »(٤) وإطلاق التمر يدلّ على اتّحاده حقيقةً.

وقال الباقرعليه‌السلام : « يكره وسق من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، لأنّ تمر المدينة أجودهما»(٥) .

تذنيب : الطلع كالثمرة في الاتّفاق وإن اختلفت اُصولهما‌ ، وطلع الفحل كطلع الإناث.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٨٨ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٤٠٠ ، و ٩٧ / ٤١٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٨ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٩٦ - ٩٧ / ٤١٢ ، وصدر الحديث فيهما هكذا :

كان عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر.

(٤) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٤ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٦.

(٥) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٥ ، التهذيب ٧ : ٩٥ - ٩٦ / ٤٠٨.

١٥١

مسألة ٨٠ : اللحوم أجناس مختلفة باختلاف اُصولها‌ ، فلحم الغنم ضأنه وما عزه جنس واحد ، ولحم البقر جاموسها وعرابها جنس واحد مغاير للأوّل ، ولحم الإبل عرابها وبخاتيّها جنس آخر مغاير للأوّلين ، وكذا باقي اللحوم ، عند علمائنا أجمع - وهو أصحّ قولي الشافعي ، وبه قال المزني وأبو حنيفة وأحمد في رواية(١) - لأنّها فروع اُصول مختلفة هي أجناس متعدّدة ، وكانت أجناساً كاُصولها ، كما في الأدقّة والخلول. ولأنّها متفاوتة في المنافع ومتخالفة في الأغراض والغايات ، فأشبهت المختلفات جنساً.

وللشافعي قول آخر : إنّها جنس واحد ، فلحم البقر والغنم والإبل والسموك والطيور والوحوش كلّها جنس واحد - وهو رواية عن أحمد أيضاً - لأنّها اشتركت في الاسم في حال حدوث الربا فيها الذي لا يقع بعده التمييز إلّا بالإضافة ، فكانت جنساً واحداً ، كأنواع الرطب والعنب ، وتخالف الثمار المختلفة بالحقيقة ، فإنّها وإن اشتركت في اسم الثمرة لكنّها امتازت بأساميها الخاصّة(٢) .

والجواب : المنع من الاشتراك في الاسم الخاصّ ، وليس إطلاق لفظ اللحم عليها إلّا كإطلاق الحيوان والجسم عليها.

وقال مالك : اللُّحْمان(٣) ثلاثة أصناف : الإنسي والوحشي صنف واحد ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٦١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، الوسيط ٣ : ٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٥٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٦١ - ١٦٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، الوسيط ٣ : ٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤.

(٣) اللحمان : جمع لحم. لسان العرب ١٢ : ٥٣٥ « لحم ».

١٥٢

والطير صنف ، ولحوم ذوات الماء صنف واحد - وهو رواية اُخرى عن أحمد إلّا أنّه جعل الوحشي صنفاً آخر - لأنّ لحم الطير لا تختلف المنفعة به ، ولا يختلف القصد في أكله(١) .

والجواب : يبطل بلحم الإبل ولحم الغنم ، فإنّها تختلف المنفعة بها والقصد إلى أكلها.

فروع :

أ - الوحشيّ من كلّ جنس مخالف لأهليّة ، فالبقر الأهلي مع البقر الوحشيّ جنسان مختلفان ، والغنم الأهليّة والغنم الوحشيّة - وهي الظباء - جنسان ، والحُمُر الوحشيّة والأهليّة جنسان أيضاً عندنا ، وبه قال الشافعي في أصحّ القولين وأحمد(٢) ، خلافاً لمالك(٣) ، وقد سبق.

ب - لحم السمك مخالف لباقي اللحوم ، عند علمائنا أجمع ، وهو أصحّ قولي الشافعي وأحمد في رواية(٤) .

وللشافعي قول : إنّ اللُّحْمان كلّها صنف واحد(٥) ، فعلى هذا القول في السمك عنده قولان:

أحدهما : أنّ لحومها ولحوم باقي الحيوانات البرّيّة جنس واحد ؛

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٣ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤ - ١٥٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٣ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤.

(٣) اُنظر : المصادر في الهامش (١).

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، وانظر : المغني ٤ : ١٥٥ ، والشرح الكبير ٤ : ١٥٤.

(٥) اُنظر : المصادر في الهامش (٢) من ص ١٥١.

١٥٣

لشمول الاسم لها ، قال الله تعالى :( وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا ) (١) (٢) .

والجواب : أنّه كشمول الثمار للتمر والتفّاح.

والثاني : أنّ الحيتان مخالفة لباقي اللحوم ؛ لأنّ لها اسماً خاصّاً ، ولهذا لو حلف لا يأكل اللحم ، لم يحنث بلحوم الحيتان. ولأنّه لا يسمّى لحماً عند الإطلاق ، ولهذا لا يضاف اللحم إلى اسمه فيقال : لحم السمك ، كما يقال : لحم الإبل(٣) .

ج - لحم السمك هل هو جنس واحد أو أجناس؟ الأقوى : الأوّل ؛ لشمول اسم السمك للكلّ ، والاختلاف بالعوارض لا يوجب الاختلاف في الحقيقة.

ويحتمل أن يكون أجناساً متعدّدة ، فكلّ ما اختصّ باسمٍ وصفةٍ كان جنساً مخالفاً لما غايره ممّا اختصّ باسمٍ آخر وصفة اُخرى ، فالشبّوط والقطّان والبُنّي أجناس مختلفة ، وكذا ما عداها.

د - الأقوى في الحمام - وهو ما عبّ وهَدَر ، أو كان مطوّقاً على اختلاف التفسير - أنّه جنس واحد ، فلحم القماري والدباسي والفواخت جنس واحد ؛ لشمول اسم الحمام لها ، وتقاربها في المنافع.

ويحتمل تعدّدها بتعدّد ما يضاف إليه.

أمّا الحمام مع غيره من الطيور كالعصافير والدجج فأولى بالتغاير.

ه- الجراد جنس بانفراده مغاير لسائر اللحوم البرّيّة والبحريّة ، وهو ظاهر عند علمائنا حيث أوجبوا اختلاف اللحوم باختلاف اُصولها ، وهو‌

____________________

(١) فاطر : ١٢.

(٢ و ٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥.

١٥٤

أصحّ قولي الشافعي(١) . وفي قول آخر للشافعي : إنّه من جنس اللحوم ، فحينئذٍ هل هو من البرّيّة أو البحريّة؟ وجهان(٢) .

و - أعضاء الحيوان الواحد كلّها جنس واحد مع لحمه ، كالكرش والكبد والطحال والقلب والرئة ، والأحمر والأبيض واحد ، وكذا الشحوم كلّها بعضها مع بعض ومع اللحم جنس واحد ؛ لأنّ أصلها واحد ، وتدخل تحت اسمه.

وللشافعيّة في ذلك طريقان :

الأشهر عندهم أن يقال : إن جعلنا اللحوم أجناساً ، فهذه أولى ؛ لاختلاف أسمائها وصفاتها ، وإن قلنا : إنّها جنس واحد ، ففيها وجهان ؛ لأنّ مَنْ حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بأكل هذه الأشياء على الصحيح.

والثاني عن القفّال أن يقال : إن جعلنا اللحوم جنساً واحداً ، فهذه مجانسة لها ، وإن جعلناها أجناساً ، فوجهان ؛ لاتّحاد الحيوان ، فأشبه لحم الظهر مع شحمه(٣) .

وكذا المخ جنس آخر عندهم. والجلد جنس آخر. وشحم الظهر مع شحم البطن جنسان. وسنام البعير معهما جنس آخر ، أمّا الرأس والأكارع فمن جنس اللحم(٤) .

والكلّ عندنا باطل ؛ فإنّ الحقّ تساوي هذه الأشياء. والتعلّق بالحنث أو بعدمه غير مفيد ؛ فإنّ اليمين يتبع الاسم وإن كانت الحقيقة واحدةً ، كما لو حلف أن لا يأكل خبزاً ، فأكل دقيقاً ، لم يحنث وإن كان واحداً.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

١٥٥

تنبيه : كلّ ما حكمنا فيه باختلاف الجنس وتغايره ، فإنّه يجوز بيع بعضه ببعض‌ متفاضلاً نقداً ونسيئةً إلّا الصرف ، فلا يجوز النسيئة فيه ، وكلّ ما حكمنا فيه بالتماثل فإنّه لا يجوز التفاضل فيه.

مسألة ٨١ : المشهور المنع من بيع اللحم بحيوان من جنسه‌ - وبه قال الفقهاء السبعة(١) ومالك والشافعي وأحمد(٢) - لما رواه الجمهور عن سعيد بن المسيّب أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع اللحم بالحيوان(٣) . ومراسيل ابن المسيّب حجّة عندهم(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كره اللحم بالحيوان »(٥) .

ولأنّه نوعٌ في الربا بِيع بأصله الذي هو منه فلم يجز ، كما لو باع‌

____________________

(١) وهُمْ : سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمّد وعبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار. وفي السابع ثلاثة أقوال ، فقيل : سالم بن عبد الله بن عمر. وقيل : أبو سلمة بن عبد الرحمن. وقيل أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

اُنظر : تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٧٢ ، ١٤٠ ، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال ٢٠ : ١٨.

(٢) المغني ٤ : ١٥٩ - ١٦٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩ ، التفريع ٢ : ١٢٩ ، مختصر المزني : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠ ، الوسيط ٣ : ٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨.

(٣) الموطّأ ٢ : ٦٥٥ ، ٦٤ ، المراسيل - لأبي داود - : ١٣٣ ، ١٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٣٥ ، سنن الدارقطني ٣ : ٧١ ، ٢٦٦.

(٤) اُنظر : مختصر المزني : ٧٨ ، والجرح والتعديل ٤ : ٦١ ، والكفاية - للخطيب البغدادي - : ٤٠٤ ، واللمع : ١٥٩ ، والحاوي الكبير ٥ : ١٥٨ ، والمجموع ( المقدّمة ) ١ : ٦٠ و ٦١ ، وتهذيب الأسماء واللغات ١ : ٢٢١.

(٥) الكافي ٥ : ١٩١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٤٥ / ١٩٤ ، و ١٢٠ / ٥٢٥.

١٥٦

الشيرج(١) بالسمسم من غير اعتبارٍ.

والأقرب عندي : الجواز على كراهيّةٍ ؛ للأصل السالم عن معارضة ثبوت الربا ؛ لفقد شرطه ، وهو التقدير بالكيل أو الوزن ، المنفي في الحيوان الحيّ. وأمّا الكراهيّة : فللاختلاف.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والمزني بالجواز ؛ لأنّه باع ما فيه الربا بما لا ربا فيه فجاز ، كما لو باع الحيوان بالدراهم(٢) .

وقال محمّد بن الحسن : يجوز على اعتبار اللحم في الحيوان ، فإن كان دون اللحم الذي في مقابلته ، جاز(٣) .

فروع :

أ - الممنوع إنّما هو بيع لحم الحيوان بجنسه ، أمّا بغير جنسه - كلحم الشاة بالإبل - فإنّه يجوز ؛ لجواز بيع لحم أحدهما بلحم الآخر فبالآخر حيّاً أولى.

أمّا الشافعيّة : ففي كون اللحوم كلّها جنساً واحداً أو أجناساً(٤) متعدّدة عندهم قولان ، فإن قالوا بالوحدة ، لم يجز بيع لحم الشاة بالإبل الحيّة ، ولا لحم البقر بالشاة الحيّة وكذا البواقي. وإن قالوا باختلاف ، فقولان :

____________________

(١) الشيرج : دهن السمسم. تاج العروس ٢ : ٦٤ « شرج ».

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٨٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤١ / ١١١٨ ، المغني ٤ : ١٦٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩ ، مختصر المزني : ٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٨٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤١ / ١١١٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٧.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « جنس واحد أو أجناس » بالرفع.

١٥٧

أحدهما : المنع ؛ لأنّ أبا بكر منع من بيع العناق بلحم الجزور(١) .

والجواب : أنّ فعل أبي بكر وقوله ليس حجّةً.

والثاني(٢) : الجواز - وبه قال مالك وأحمد - لأنّه يجوز بيعه بلحمه فجواز بيعه به أولى(٣) .

ب - يجوز بيع اللحم بالحيوان غير المأكول كالآدمي والسبع وغيرهما ، عندنا ؛ لجواز بيعه بجنسه فبغيره حيّاً أولى. ولأنّ سبب المنع بيع مال الربا بأصله المشتمل عليه ، وهو منفيّ هنا ، وبه قال مالك وأحمد ، لأنّ الحيوان لا ربا فيه جملة فجاز بيعه بما فيه الربا(٤) .

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ، والثاني : المنع - وهو اختيار القفّال - لعموم السنّة(٥) . وهو ممنوع.

ج - يجوز بيع اللحم بالسمكة الحيّة ، ولحم السمك بالحيوان الحيّ عندنا ؛ لما تقدّم.

وعند الشافعي قولان ، أحدهما : أنّ لحم السمك إن كان من جملة اللحم ، كان كما لو باع لحم غنم ببقر. وإن كان ليس من جملة اللُّحْمان ،

____________________

(١) رواه الشافعي في مختصر المزني : ٧٨ ، وأورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب ١ : ٢٨٤ ، والماوردي في الحاوي الكبير ٥ : ١٥٨ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، وكذلك ابنا قدامة في المغني ٤ : ١٦٢ ، والشرح الكبير ٤ : ١٥٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة و « ق ، ك» هكذا : وإن قالوا بالتعدّد والثاني. وجملة « وإن قالوا بالتعدّد » زائدة ؛ حيث ذكرها المصنّفقدس‌سره آنفاً بقوله : وإن قالوا بالاختلاف.

(٣) الوسيط ٣ : ٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٤ - ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠ ، التفريع ٢ : ١٢٩ ، المغني ٤ : ١٦٣ - ١٦٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩.

(٤) التفريع ٢ : ١٢٩ ، المغني ٤ : ١٦٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٥.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

١٥٨

فقولان ؛ لوقوع اسم اللحم والحيوان عليه. والثاني : الجواز(١) .

د - يجوز بيع الشحم والألية والطحال والقلب والكِلية والرئة بالحيوان عندنا‌ - وللشافعيّة وجهان(٢) - وكذا السنام بالإبل ؛ للنهي عن بيع اللحم بالحيوان ، ولم يرد في غيره.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّه في معنى اللحم.

وكذا الوجهان في بيع الجلد بالحيوان إن لم يكن مدبوغاً [ وإن كان مدبوغاً ](٣) فلا منع. وعلى الوجهين أيضاً بيع لحم السمك بالشاة(٤) .

ه- يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية من البيض ، أو بدجاجة فيها بيضة ، أو ببيضة لا غير ؛ لوجود المقتضي ، وهو عموم( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٥) السالم عن معارضة الربا ؛ لانتفاء شرطه ، وهو الكيل أو الوزن هنا.

ومَنَع الشافعيّة من بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة قولاً واحداً ؛ لأنّ ذلك بمنزلة بيع اللبن بالحيوان اللبون(٦) . وسيأتي.

مسألة ٨٢ : الألبان تابعة لاُصولها تختلف باختلافها وتتّفق باتّفاقها‌ ، فلبن الغنم ضأنه ومعزه(٧) جنسٌ ، ولبن الإبل عرابها وبخاتيّها جنسٌ آخر مغاير للأوّل ، ولبن البقر عرابها وجاموسها جنس واحد مخالف للأوّلين.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) نفس المصدر في الهامش (٢).

(٥) البقرة : ٢٧٥.

(٦) الذي عثرنا عليه في المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٥ ، والتهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٥ هو منع بيع بيضة بدجاجة في جوفها بيض.

(٧) في « ق ، ك» : ماعزه.

١٥٩

ولبن الوحشي مخالف للإنسي ، فلبن البقر الوحشي(١) مخالف للبن البقر الإنسي. وكذا لبن الظبي ولبن الشاة جنسان ، عند علمائنا أجمع.

وقد نصّ الشافعي على أنّ الألبان أجناس(٢) ، ولم يذكر غير ذلك ، إلّا أنّ له في اللُّحْمان قولين : أحدهما : أنّها جنس واحد - قاله أصحابه - لا فرق بينها(٣) (٤) ، فجعلوا في الألبان قولين : أحدهما : أنّها جنس واحد ، وهو المشهور عن أحمد. والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : أنّها أجناس ، وبه قال أبو حنيفة(٥) .

لنا : أنّها فروع تابعة لاُصول مختلفة بالحدّ والحقيقة ، فكانت فروعها تابعةً لها ، كالأدهان والخُلول - وهذا بخلاف اللُّحْمان ، فإنّ للشافعي قولاً بالتماثل فيها(٦) - لأنّ الاُصول التي حصل اللبن منها باقية بحالها وهي مختلفة ، فيدام حكمها على الفروع ، بخلاف اُصول اللحم.

احتجّ الآخرون بأنّ الألبان اشتركت في الاسم الخاصّ في أوّل حال‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : بقر الوحش.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٠ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٥٧.

(٣) في الطبعة الحجريّة و « ق ، ك» : بينهما. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٩ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، حلية العلماء ٤ : ١٦١ - ١٦٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، الوسيط ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤ و ١٥٥.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، الوسيط ٣ : ٥٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٥٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٥.

(٦) راجع المصادر في الهامش (٤).

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458