تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202068 / تحميل: 6024
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بالنسبة إلى ما بعد البعثة فقط ، أو يجب أن تكون بالنسبة إلى ما قبلها أيضا؟(١)

والحقّ وجوب عصمتهم مطلقا من جهة الكذب مطلقا ، وغيره صغيرة وكبيرة مطلقا ، عمدا وسهوا ، بعد البعثة وقبلها.

أمّا عن الكذب في التبليغ فلمنافاته له. وأمّا عنه في غيره وعن غيره مطلقا فلوجوب الاتّباع المنافي لصدور الذنب عنه مطلقا ، أمّا بعد البعثة فظاهر ، وأمّا قبلها فلحصول النفرة المانعة عن الاتّباع ولو بعد البعثة ، ولصيرورته محلّ المناقشة والمشاجرة ، والمقصود أن يكون بعثهم بحيث لا يكون للناس على الله حجّة.

وهذا الوجه عامّ يقتضي امتناع صدور جميع المعاصي عنه في أيّ حال كان عمدا وسهوا ، وبعد البعثة وقبلها ، بل يقتضي لزوم تنزّههمعليهم‌السلام عن جميع العيوب الجسمانيّة ، والأخلاق الذميمة النفسانيّة ، والأمراض المزمنة ، وخساسة الذات ودناءتها وكفر الآباء والأمّهات ، ورذالة القبيلة ، وغيرها ممّا يوجب تنفّر الطبائع المانع عن الاتّباع والإرادة ، بل يجب اتّصافهمعليهم‌السلام بجميع صفات الكمال والأخلاق الحسنة ، والأقوال الممدوحة وكرامة الآباء وشرافة القبيلة ، ونحوها ممّا يوجب رغبة الناس إليهم وانقيادهم لهم ليحصل الغرض ، ويتحقّق اللطف الواجب على الله تعالى كما لا يخفى.

والحاصل : أنّه يدلّ على وجوب عصمة الأنبياءأوّلا العقل ؛ لأنّ بعث البشر المعصوم المرقوم لطف ؛ لعدم ارتباط الجميع بالملك ـ لو لم ندّع عدم الإمكان ـ إلاّ فيمن شذّ وندر ، فلا بدّ من بعثته ـ إتماما للحجّة ـ للغرض والحجّة ؛ مضافا إلى أنّ غيره مرجوح.

وثانيا : النقل كما قال تعالى :( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ) (٢) .

__________________

(١) انظر تفصيل هذا الخلاف في « كشف المراد » : ٣٤٩ ، المسألة الثالثة في وجوب العصمة.

(٢) يوسف (١٢) : ١٠٩.

٢١

وقال تعالى :( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) (١) .

وقال تعالى :( قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ) (٢) .

وقال تعالى :( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٣) وقال :( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) (٤) . الآية ـ إلى أن قال : ـ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) (٥) .

وقال تعالى بعد ذكر من الأنبياء :( وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ * وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٦) .

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع بيان شارح القوشجي بقوله : «( وتجب في النبيّ العصمة ليحصل الوثوق بأقواله وأفعاله فيحصل الغرض من البعثة ) وهو متابعة المبعوث إليهم في أوامره ونواهيه( ولوجوب متابعته وضدّها ) يعني لو صدر عنه الذنب ، لزم اجتماع وجوب الضدّين وهما متابعته ومخالفته.

أمّا الأوّل : فللإجماع المنعقد على وجوب متابعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقوله تعالى :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٧) .

وأمّا الثاني : فلأنّ متابعة المذنب حرام.( ولوجوب الإنكار عليه ) يعني لو صدر عنه الذنب ، لوجب منعه وزجره والإنكار عليه ؛ لعموم أدلّة الأمر بالمعروف والنهي

__________________

(١) الشورى (٤٢) : ٥١.

(٢) إبراهيم (١٤) : ١١.

(٣) البقرة (٢) : ١٢٤.

(٤) آل عمران (٣) : ٣٣ ـ ٣٤.

(٥) الأنعام (٦) : ٩٠.

(٦) الأنعام (٦) : ٨٦ ـ ٨٧.

(٧) آل عمران (٣) : ٣١.

٢٢

عن المنكر ، لكنّه حرام ؛ لاستلزامه الإيذاء المحرّم بالإجماع ؛ ولقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) (١) .

ولزم أيضا أمورا أخر كلّها منتفية :

منها : أن يكون شهادته مردودة ؛ إذ لا شهادة للفاسق بالإجماع ، ولقوله تعالى :( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (٢) واللازم باطل بالإجماع ؛ ولأنّ من لا تقبل شهادته في القليل الزائل بسرعة من متاع الدنيا كيف تسمع شهادته في الدين القيّم؟!

ومنها : استحقاقه العذاب واللعن واللوم ؛ لدخوله تحت قوله تعالى :( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ ) (٣) ، وقوله تعالى :( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٤) ؛ وقوله :( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) (٥) ؛ وقوله :( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) (٦) .

لكن ذلك منتف بالإجماع ، ولكونه من أعظم المنفّرات.

ومنها : عدم نيله عهد النبوّة ؛ لقوله تعالى :( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٧) ؛ فإنّ المراد به النبوّة أو الإمامة التي دونها.

ومنها : كونه غير مخلص ؛ لأنّ المذنب قد أغواه الشيطان والمخلص ليس كذلك ؛ لقوله تعالى حكاية عن إبليس :( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (٨) .

ومنها : كونه من حزب الشيطان ومتّبعيه ، واللازم قطعيّ البطلان.

ومنها : عدم كونه متسارعا في الخيرات معدودا عند الله من المصطفين الأخيار ؛

__________________

(١) الأحزاب (٣٣) : ٥٧.

(٢) الحجرات (٤٩) : ٦.

(٣) الجنّ (٧٢) : ٢٣.

(٤) هود (١١) : ١٨.

(٥) الصفّ (٦١) : ٢.

(٦) البقرة (٢) : ٤٤.

(٧) البقرة (٢) : ١٢٤.

(٨) الحجر (١٥) : ٣٩ ـ ٤٠.

٢٣

إذ لا خير في المذنب ، لكن اللازم منتف ؛ لقوله تعالى في حقّ بعضهم :( إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ) (١) ،( وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ ) (٢) .

بقي الكلام في أنّ العصمة من أيّ معصية تجب ؛ فإنّ ما يتوهّم صدوره عن الأنبياء من المعاصي إمّا أن يكون منافيا لما تقتضيه المعجزة كالكذب فيما يتعلّق بالتبليغ ، أولا؟ والثاني إمّا أن يكون كفرا ، أو معصية غيره ، وهي إمّا أن تكون كبيرة كالقتل والزنى ، أو صغيرة منفّرة كسرقة لقمة والتطفيف بحبّة ، أو غير منفّرة ككذبة وشتمه وهمّ بمعصية ، كلّ ذلك إمّا عمدا أو سهوا ، بعد البعثة أو قبله.

والجمهور على وجوب عصمتهم عمّا ينافي مقتضى المعجزة ، وقد جوّزه القاضي سهوا ؛ زعما منه أن لا يخلّ في التصديق المقصود بالمعجزة وعن الكفر. وقد جوّزه الأزارقة من الخوارج ؛ بناء على تجويزهم الذنب ، مع قولهم بأنّ كلّ ذنب كفر. وجوّز الشيعة إظهاره تقيّة ؛ احترازا عن إلقاء النفس في التهلكة.

وردّ بأنّ أولى الأوقات بالتقيّة(٣) ابتداء الدعوة ؛ لضعف الداعي وشوكة المخالف ، وكذا عن تعمّد الكبائر بعد البعثة ، وجوّزه الحشويّة.

وكذا عن الصغائر المنفّرة لإخلالها بالدعوة إلى الاتّباع ؛ ولهذا ذهب كثير من المعتزلة إلى نفي الكبائر قبل البعثة أيضا ، وبعض الشيعة إلى نفي الصغائر ولو سهوا ، والمذهب عند محقّقي الأشاعرة منع الكبائر والصغائر الخسيسة بعد البعثة مطلقا ، والصغائر غير الخسيسة عمدا لا سهوا.

وذهب إمام الحرمين من الأشاعرة ، وأبو هاشم من المعتزلة إلى تجويز الصغائر عمدا(٤) .

__________________

(١) الأنبياء (٢١) : ٩٠.

(٢) ص (٣٨) : ٤٧.

(٣) في الأصل : « بالبعثة » وما أثبتناه موافق لما ورد في « شرح القوشجي » : ٣٥٧ ـ ٣٥٩.

(٤) انظر تفصيل الأقوال في « كشف المراد » : ٣٥١ وما بعدها.

٢٤

فالمصنّف إن أراد وجوب العصمة عن جميع المعاصي كما هو الظاهر من كلامه والظاهر من الشروح ، فلا يخفى أنّ ما ذكره من الأدلّة لا يفي بذلك ؛ فإنّ صدور الذنب عنه سيّما الصغيرة سهوا لا يخل بالوثوق بقوله وفعله ، والمتابعة قبل البعثة غير واجبة وبعد البعثة إنّما تجب فيما يتعلّق بالشريعة وتبليغ الأحكام ، وبالجملة فيما ليس بزلّة ولا طبع.

والإنكار على ما صدر عنهم سهوا غير جائز ، وردّ الشهادة إنّما يكون بكبيرة ، أو إصرار على صغيرة من غير إنابة أو رجوع ، ولزوم الزجر والمنع واستحقاق العذاب واللعن واللوم إنّما هو على تقدير التعمّد وعدم الإنابة ، ومع ذلك فلا يتأذّى به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل يبتهج. وبمجرّد كبيرة سهوا ، أو صغيرة ولو عمدا لا يعدّ المرء من الظالمين على الإطلاق ، ولا من الذين أغواهم الشيطان ، ولا عن حزب الشيطان سيّما مع الإنابة ، وعلى تقدير كون الخيرات لعموم كلّ فعل وتركه ، فمسارعة البعض إليها وكونه من زمرة الأخيار لا ينافي صدور ذنب من آخر سيّما سهوا ، أو مع التوبة.

وبالجملة : فدلالة الوجوه المذكورة على نفي الكبيرة سهوا ، والصغيرة غير المنفّرة عمدا محلّ نظر.

ويجب أيضا في النبيّ( كمال العقل والذكاء والفطنة وقوّة الرأي ) لأنّ من لم يتّصف بها لم يرغب في متابعته والانقياد لأوامره ونواهيه.

( ويجب أيضا عدم السهو ) لئلاّ يسهو فيما أمر بتبليغه ، ولعلّ مراده أن لا يكون السهو في الأمور ديدنا له وعادة( و ) عدم( كلّ يتنفّر عنه من دناءة الآباء ، أو عمر الأمّهات ، والفظاعة والغلظة والأبنة وشبهها ) من الأمراض التي يتنفّر عنها الطبائع ، كالبرص والجذام وسلس البول والريح ، والأكل على الطريق وشبهه من الأمور الخسيسة »(١) .

__________________

(١) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٥٧ ـ ٣٥٩.

٢٥

الفصل الثالث :

في أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله يجب أن يكون مع المعجزة المصدّقة ، بناء على

أنّ طريق معرفة صدق النبيّ صلى الله عليه وآله في ادّعاء النبوّة منحصر في ظهور المعجزة

اعلم أنّ المعجزة عبارة عن الأمر العجيب الواقعي ، الخارق للعادة المقترن لادّعاء النبوّة الممكنة ، ونحوها من الرئاسة الإلهيّة الممكنة مع المطابقة في المصدّقة.

بيان ذلك : أنّ كلّ حادث مسبّب عن سبب لاقتضاء مصلحة الله خلق الأشياء بالأسباب ، ويسمّى ذلك عادة. والأسباب المقدّرة لحدوث الحوادث على ثلاثة أنواع : الأرضيّة ، والسماويّة ، والمركّبة منهما.

والأرضيّة منحصرة في حركات الأفلاك والكواكب وأوضاعها ، والمركّبة ما حصل منهما ، كما يقال : إنّ الدواء الفلاني يؤثّر أثرا كذا إن استعمل في ساعة كذا ، وإلاّ فلا ، فكلّ ما حدث في هذا العالم بسبب قسم من الأقسام الثلاثة يكون واقعا على مجرى العادة ، وإن حدث بلا توسّط سبب من تلك الأسباب ، لكان على خلاف مجرى العادة ، ويكون خارقا للعادة ، كمجيء الشجرة عند دعوة نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما سنبيّن إن شاء الله تعالى ، فإنّه لم يكن من جهة أسباب عاديّة ؛ إذ الأسباب العاديّة للحركة منحصرة في الإرادة والطبيعة والقسر ، ولا إرادة للشجر ، والطبيعة إمّا أن تقتضي

٢٦

الحركة إلى الفوق أو التحت ، والقسر إمّا بالجذب أو بالدفع ، وحركة الشجر لم تكن داخلة في شيء من تلك الأقسام ، فتكون خارقة للعادة.

وقد يحدث الأمر بتوسّط سبب عادي خفيّ فيتوهّم كونه بلا سبب فيشتبه بخارق العادة كما في الشعبذة والطلسم والنيرنج ونحوها ، وقد لا يكون وجوده إلاّ بمجرّد التخييل من غير أن يكون له وجود الخارج كما في السحر.

والأمر الحادث لا من جهة سبب من الأسباب العاديّة يسمّى خارق العادة ، فإن اقترن بدعوى النبوّة ، أو الإمامة ، أو سائر ما لا يكون الاختصاص به إلاّ من الله وكان مطابقا لها يسمّى « معجزة » ، فما لم يكن يسمّى معجزة « مكذّبة » كما نقل أنّ مسيلمة الكذّاب لمّا سمع أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا للأعور فصار بصيرا ، دعا لأعور فذهبت عينه الصحيحة.

وما كان دالاّ على البعثة وحدث قبلها يسمّى « إرهاصا » كتضليل الغمامة لنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتسليم الأحجار لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبلها ، وسقوط أربع وعشرين شرفة من إيوان كسرى ليلة ولادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخمود نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ونحو ذلك ؛ إذ الإرهاص بمعنى الانتظار ، فكأنّه ينتظر البعثة.

وما كان غير منتظر مقترن بالدعوى المذكورة يسمّى « كرامة » كما كانت لمريم ؛ إذ( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً ) (١) . وهكذا إطاعة الكلاب لسلمان ، وغير ذلك.

فالمعجزة حيث كانت لا عن سلب لا يمكن معارضتها ، بخلاف السحر فإنّه لكونه مسبّبا عن سبب خفيّ يمكن معارضته بتعلّم سببه ، فهي ممتازة عنه ، ولكن إذا كان رجل قادرا على الإتيان بأمر يكون سببه خفيّا ، ويكون مشتبها بالمعجزة عند الأكثر ، فلو ادّعى النبوّة أو نحوها وأتى طبق دعواه بذلك الأمر ، وجب على الله إبطاله ؛ دفعا

__________________

(١) آل عمران (٣) : ٣٧.

٢٧

للإضلال العامّ كما أبطل سحر فرعون بابتلاع عصا موسى.

فالمعجزة صادرة بمجرّد إرادة الله بلا توسّط سبب من الأسباب العاديّة ، ولهذا إذا اقترنت بالدعوى المذكورة وكانت مطابقة لها تدلّ على صدق المدّعى.

ووجه انحصار طريق معرفة صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها أنّ دعوى النبوّة ـ مثلا ـ ادّعاء خصوصيّة موهبيّة لا كسبيّة ، ولا اطّلاع للعقل بسببها ، فلا يمكن له الاستدلال اللمّي ، فلا بدّ له من البرهان الإنّي الذي هو الاستدلال من الأثر إلى المؤثّر ، ولا بدّ أن يكون لذلك الأثر اختصاص تامّ بذلك المؤثّر حتّى يدلّ عليه. ولمّا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشرا لم يميّز من غيره إلاّ باستجماع الكمالات الذي هو أعمّ من النبوّة لا بدّ أن يكون له أثر مخصوص به من حيث إنّه نبيّ ، وليس ذلك المعجزة المقترنة المطابقة لدعواه ، فانحصر طريق إثبات النبوّة ونحوها في المعجزة إمّا بلا واسطة ، أو بواسطة كما في صورة بيان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنبيّ آخر ، أو نحوه.

والحاصل : أنّ المعجزة أمر واقعيّ خارج عن العادة ، بسبب كونه بلا توسّط سبب أرضيّ ، أو سماويّ أو مركّب ، وكونه ممّا لا يتمكّن الخلق على تحصيلها بالتكسّب والتعلّم ونحو ذلك ـ كما في الحوادث العاديّة المسبّبة عن سبب من تلك الأسباب جليّا كان السبب ، أو خفيّا ـ موجبا للاشتباه بخارق العادة في أمثال الشعبذة ، مع كون ذلك الأمر الخارق للعادة مقترنا بادّعاء نحو النبوّة الممكنة مطابقا له ، فيمتاز عن « الإرهاص » و « الكرامة » و « السحر » مفهوما ومصداقا.

وأنّ الحوادث المحسوسة إمّا وهميّة وخياليّة محضة ، أو واقعيّة ، والأولى قسم من السحر ، والثانية إمّا مسبّبة عن سبب أرضيّ ، أو سماويّ ، أو مركّب ، أو لا ، والأولى تسمّى بالعاديّة وهي قد تكون مسبّبة عن سبب خفيّ ، والثانية أيضا قسم من السحر.

وغير المسبّبة إمّا أن تكون لصاحب الرئاسة الإلهيّة أم لا ، وعلى الثاني تسمّى « كرامة ». وعلى الأوّل إمّا أن تكون قبل الادّعاء أو تكون مقترنة بالادّعاء ، وعلى

٢٨

الأوّل تسمّى « إرهاصا » بمعنى حالة منتظرة للرئاسة كما في تظليل الغمام ونحوه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانشقاق جدار الكعبة للوصيّ ، وعلى الثاني تسمّى « معجزة ».

وحينئذ إمّا أن تكون مطابقة للدعوة كما في ثعبان موسى ، وإحياء الأموات ، وشقّ القمر لنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو مخالفة لها كما في مسيلمة الكذّاب. والأولى تسمّى معجزة مصدّقة ، والثانية معجزة مكذّبة.

فظهر الفرق بين السحر والمعجزة بأنّ السحر أعمّ من الوهمي والواقعي دون المعجزة ، وأنّ السحر الواقعي مسبّب عن سبب خفيّ ، والمعجزة من تصديق الله أو تكذيبه من غير سبب من العبد.

مضافا إلى أنّ السّحر عند الاختفاء والاشتباه ممّا يجب على الله إبطاله ، حذرا عن عدم إتمام الغرض في صدور القبح ، والمعجزة تكون باقية ويحصل التميّز في صورة الاشتباه بذلك ؛ وبأنّ السحر ممّا يمكن تعلّمه وتحصيله بالكسب دون المعجزة ؛ وبأنّ المعجزة غير مخصوصة بشيء دون شيء ، بل كلّما يريد المخاطب وجب على النبيّ والوصيّ إيقاعه بإذن الله ، بخلاف السحر :

وأنّه يدلّ على ذلك برهانان من ربّك :

أوّلا : العقل : لأنّ اللطف ـ الواجب المقتضي لبعث البشر المعصوم ـ موقوف على تعريف ذلك المعصوم ولا يتمّ إلاّ به ، وذلك لا يتمّ إلاّ بالمعجزة المصدّقة ؛ لخفاء العصمة وتوقّف ظهورها على تصديق الله له بالمعجزة ، فيكون الاقتران بها لازما مع أنّه راجح وتركه مرجوح ، واختيار المرجوح قبيح.

وثانيا : النقل كما قال :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) (١) ونحو ذلك.

وعن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : لأيّ علّة أعطى الله عزّ وجلّ أنبياءه ورسله وأعطاكم المعجزة؟ فقال : « ليكون دليلا على صدق من أتى بها ، والمعجزة علامة لله

__________________

(١) الإسراء (١٧) : ١٠١.

٢٩

يعطيها أنبياءه ورسله وحججه ليعرف بها صدق الصادق وكذب الكاذب »(١) . ونحو ذلك.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنفرحمه‌الله مع بيان الشارح القوشجي بقوله : «( وطريق معرفته وصدقه ) أي صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( في ) دعوى النبوّة( ظهور المعجزة على يده ، وهو ثبوت ما ليس بمعتاد ، أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى ) قيّد بذلك احترازا عن الكرامات ؛ فإنّها لا تكون مطابقة للدعوى ؛ ضرورة عدم الدعوى ، لكنّه يخرج الإرهاص والمعجزة المكذّبة لمدّعي النبوّة أيضا ، والمصنّف يسمّيها معجزة ، كما سيأتي.

وأمّا قوله : مع خرق العادة فهو لغو محض ، ولعلّه من طغيان القلم ؛ لكنّه ينبغي أن يذكر هاهنا قيدا آخر ، وهو عدم المعارضة ، ليميّز عن السحر والشعبذة.

والمشهور في تعريف المعجزة أنّه أمر خارق للعادة ، ومقرون بالتحدّي مع عدم المعارضة.

وقيل : ينتقض بما إذا دلّ على خلاف دعواه كمن ادّعى النبوّة ويقول : معجزتي أن أنطق الحجر ، فنطق ، لكنّه قال : إنّه كاذب.

فالأولى في تعريفها أن يزاد على المشهور قولنا : ومطابقة الدعوى.

أقول : قد تطلق المعجزة على مثله كما سيأتي في كلام المصنّفرحمه‌الله .

وإنّما كان ظهور المعجزة طريقا لمعرفة صدقه ؛ لأنّ الله تعالى يخلق عقيبها العلم الضروري بالصدق ، كما إذا قام رجل في مجلس ملك بحضور جماعة وادّعى أنّه رسول هذا الملك إليهم ، فطالبوه بالحجّة؟ فقال : هي أن يخالف هذا الملك عادته ويقوم على سريره ثلاث مرّات ويقعد ففعل ، فإنّه يكون تصديقا له ومفيدا للعلم الضروري بصدقه من غير ارتياب.

__________________

(١) « علل الشرائع » ١ : ١٤٨ ، الباب ١٠٠ ، ح ١ ؛ « بحار الأنوار » ١١ : ٧١ ، ح ٢.

٣٠

فإن قيل : [ هذا تمثيل و ](١) قياس للغائب على الشاهد ـ وهو على تقدير ظهور الجامع إنّما يعتبر في العمليّات ؛ لإفادة الظنّ ـ قد اعتبرتموه بلا جامع لإفادة اليقين في العلميّات التي هي أساس ثبوت الشرائع ، على أنّ حصول العلم فيما ذكرتم من المثال إنّما هو لما شوهد من قرائن الأحوال.

قلنا : التمثيل إنّما هو للتوضيح والتعريف دون الاستدلال ، ولا مدخل لمشاهدة القرائن في إفادة العلم الضروري ، لحصوله في الغائبين عن هذا المجلس عند تواتر القصّة إليهم ، وللحاضرين فيما إذا فرضنا الملك في بيت ليس فيه غيره ودونه حجب لا يقدر على تحرّيها أحد سواه ، وجعل مدّعي الرسالة حجّته ؛ لأنّ الملك يحرّك تلك الحجب من ساعته ففعل.

( وقصّة مريم وغيرها تعطي جواز ظهورها على الصالحين ) اختلفوا في جواز وقوع ما هو خارق العادة على يد غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصالحين ـ أعني المواظبين على الطاعات ، المجتنبين عن المعاصي ـ فذهب المعتزلة إلى منعه ؛ تمسّكا بما سيأتي ، والأشاعرة إلى ثبوته. واختاره المصنّف واحتجّ عليه بقصّة مريم كما دلّ عليه قوله تعالى :( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً ) (٢) وغيرها مثل قصّة آصف بن برخيا كما دلّ عليه قوله تعالى :( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (٣) وغيرها.

وأجاب عن أدلّة المعتزلة وهي وجوه :

منها : أنّه لو صدر عن غير النبيّ لكثر وقوعه ، ولصدوره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالطريق الأولى وعن غيره أيضا فخرج [ عن ] أن يكون معجزا ؛ لخروجه عن أن يكون أمرا خارقا للعادة لكثرة وقوعه.

__________________

(١) الزيادة أضفناها من المصدر.

(٢) آل عمران (٣) : ٣٧.

(٣) النمل (٢٧) : ٤٠.

٣١

وتقرير الجواب : أنّا لا نسلّم خروجه عن حدّ الإعجاز ، فإنّ صدوره من الأنبياء والأولياء لا يجعله عادة معتادة. وإلى هذا أشار بقوله :( ولا يلزم خروجه عن حدّ الإعجاز ).

ومنها : أنّه لو جاز ظهور خارق العادة على [ يد ] غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزم التنفّر عن الأنبياء ؛ لأنّ الباعث على اتّباعهم انفراد هم عن غيرهم ، وعجز غيرهم عن مشاركتهم فإذا شاركوهم هان الخطب ولزم النفرة عن اتّباعهم بمشاركة الأولياء لهم كما لا يلزم [ ذلك ] بمشاركة نبيّ آخر. وإلى هذا أشار بقوله :( ولا النفرة ).

ومنها : أنّ تميّز النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن غيره إنّما هو بظهور الأمر الخارق على يده ، فلو ظهر على يد غيره أيضا ، لزم عدم تمييز النبيّ عن غيره.

وتقرير الجواب : أنّا لا نسلّم لزوم عدم التميّز وإنّما يلزم لو لم يحصل التميّز بأمر آخر ، وهو ممنوع ؛ فإنّ النبيّ يتميّز عن الوليّ بدعوى النبوّة.

وإلى هذا أشار بقوله :( ولا عدم التميّز ) أي لا يلزم عدم التميّز.

ومنها : أنّه لو صدر عن غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبطلت دلالته على صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّ مبنى الدلالة على اختصاصه بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا بطل الاختصاص بطلت الدلالة.

والجواب : منع الزوم ، وإنّما يلزم لو ادّعى دلالة كلّ خارق على صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس كذلك ، بل لها شرائط.

منها : مقارنة الدعوى ، وإلى هذا أشار بقوله :( ولا إبطال دلالته ).

ومنها : أنّه لو جاز ظهوره على يد صادق غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجاز ظهوره على يد كلّ صادق ، فيلزم عموميّة ظهور المعجزة.

والجواب : منع اللزوم ؛ لأنّ مبنى ظهور الخارق للعادة كرامة صاحبه ، وهي إنّما توجد في الأنبياء والصالحين من عباد الله وهم الأولياء. وإلى هذا أشار بقوله :( ولا العموميّة ، ومعجزاته قبل النبوّة تعطي الإرهاص ).

اختلفوا في ظهور المعجزة على سبيل الإرهاص ـ وهو إحداث أمر خارق للعادة

٣٢

دالّ على بعثة نبيّ قبل بعثته ـ أنّه هل يجوز أم لا؟

واختار المصنّف الجواز ، واحتجّ عليه بظهور معجزات نبيّنا قبل نبوّته مثل : انكسار إيوان كسرى ، وانطفاء نار فارس ، وتظليل الغمامة ، وتسليم الأحجار عليه( وقصّة مسيلمة وفرعون وإبراهيم تعطي جواز ظهور المعجزة على العكس )

اختلفوا في أنّه هل يجوز المعجزة على الكاذبين على العكس من دعواهم إظهارا لكذبهم؟ فالذين منعوا ظهور الكرامات على غير الأنبياء منعوا من ذلك ، والذين جوّزوا ظهور الكرامات على غير الأنبياء جوّزوا ذلك ، واختاره المصنّف واحتجّ عليه بالوقوع ؛ لأنّ الوقوع دليل على الجواز.

وممّا وقع : ما نقل عن مسيلمة الكذّاب أنّه لمّا ادّعى النبوّة ، فقيل له : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا لأعور فارتدّ بصيرا ؛ فدعا مسيلمة لأعور فذهبت عينه الصحيحة.

وكما نقل أنّ فرعون لمّا ضرب موسى لبني إسرائيل طريقا في البحر يبسا ، قال فرعون : إنّا نمرّ أيضا على هذا الطريق فأتبعهم بجنوده فغشيهم الموج فأغرقوا جميعا.

وكما نقل أنّ إبراهيمعليه‌السلام لمّا جعل الله تعالى عليه النار بردا وسلاما ، قال عمّه : أنا أجعل النار على نفسي بردا وسلاما فجاءت نار فاحترقت لحيته.

( ودليل الوجوب يعطي العموميّة ، ولا تجب الشريعة )

اختلفوا في أنّه هل تجب البعثة في كلّ زمان بحيث لا يجوز خلوّ زمان عن بعثة نبيّ؟

قال الأشاعرة : لا تجب البعثة في كلّ زمان بناء على نفي الحسن والقبح العقليّين.

وقال الإماميّة : تجب البعثة في كلّ زمان ، واختاره المصنّف واحتجّ عليه بأنّ الدليل الدالّ على وجوب البعثة يعطي عموميّة الوجوب في كلّ وقت ؛ لأنّ الحثّ على الطاعات والنهي عن القبائح لا يحصل إلاّ بالبعثة ، فتكون لطفا ، فتكون واجبة

٣٣

في جميع الأوقات.

واختلفوا في أنّه هل تجب الشريعة للنبيّ المبعوث أم لا؟ فذهب أبو عليّ وأتباعه إلى أنّه يجوز بعثة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لتأكيد ما في العقول ، ولا يجب أن تكون له شريعة فإنّه يجوز بعثة نبيّ لشريعة واحدة فكذا يجوز بعثة نبيّ بمقتضى ما في العقول.

وذهب أبو هاشم وأصحابه إلى أنّه لا يجوز أن يبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ بشريعة ؛ لأنّ العقل كاف في العلم بالعقليّات ، فلو لم يكن للنبيّ شريعة ، يلزم أن تكون بعثته عبثا.

وأجاب المصنّف بأنّه يجوز أن يكون البعثة قد اشتملت على نوع من المصلحة ، بأن يكون العلم بنبوّته ودعوته إيّاهم إلى ما في العقول مصلحة لهم ، فلا يكون البعثة عبثا »(١) .

__________________

(١) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي ، ٣٥٩ ـ ٣٦١ ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.

٣٤

الفصل الرابع :

في أنّ نبيّنا محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله رسول الله المبعوث إلى

الثقلين : الجنّ ، والإنس مع المعجزات التي منها : المعراج الجسماني ،

وشقّ القمر ، والقرآن ، وأنّه صلى الله عليه وآله خاتم النبيّين ، ودينه باق إلى يوم الدين

فلنذكر أوّلا نسبه ، وثانيا حسبه :

أمّا نسبه فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب ابن المسمّى بشيبة بن عمرو ، المعروف بهاشم بن المغيرة ، المعروف بعبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان بن أدّ بن أدر بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن ثابت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل بن تارخ بن ناخور بن شروغ بن رارعو بن فالخ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن ملك بن متّوشلخ بن أخنوخ بن الناذر بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدمعليهم‌السلام .

وأمّا حسبه فهو أنّه رسول الله المبعوث إلى الثقلين ، وخاتم النبيّين بدلالة معجزاته المطابقة لدعواه.

اعلم أنّ معجزاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قسمين : ظاهرة ، وخفيّة. فالظاهرة عبارة عن

٣٥

القرآن المجيد ؛ لكونه ثابتا بالتواتر والتظافر المفيدين للقطع واليقين ، كما في العلم بالبلاد النائية ، والقرون الماضية ، والملوك الحالية ، وذوي السخاوة والشجاعة والعدالة ، ومؤلّف الكتب بحيث لا يمكن إنكاره ولا يقبل التشكيك.

وهكذا حصل القطع واليقين أنّ محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ادّعى النبوّة وأتى على طبقها بالقرآن المجيد ، وتحدّى بطلب معارضته ، وعجز عن المعارضة الفصحاء والبلغاء المشهورون ، ولم يقدروا على معارضته مع تطاول الأزمنة ، فهذا العجز والتعذّر معجز خارق للعادة.

فأمّا الذي يدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ادّعى النبوّة ، وأتى بالقرآن ، وادّعى أنّ جبرئيل يهبط عليه ، وأنّ الله قد أبانه به ، فهو اتّفاق الموافق والمخالف ، وكونه ضروريّا عند الكلّ ، والقرآن ناطق بذلك ، كقوله تعالى :( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) (١) ونحو ذلك.

وأمّا الذي يدلّ على انتفاء المعارضة منهم فهو أنّه لو وقعت المعارضة ، لوجب ظهوره ونقله ، وحيث لم ينقل قطعنا بانتفائه.

وأمّا وجوب النقل والظهور ؛ فلتوفّر الدواعي وشدّة الاهتمام بإطفاء نورهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كيف لا؟ وقد نقل عن مسيلمة الكذّاب حين ادّعى النبوّة والوحي من الله ما ليس قابلا للنقل مثل قوله : « الفيل ما الفيل ، وما أدراك ما الفيل ، له ذنب وبيل ، وخرطوم طويل »(٢) .

وأمّا انتفاء النقل فهو ظاهر ؛ إذ لم ينقل من المتصدّين لإطفائه خبر واحد دالّ على الإتيان بما يعارض القرآن فضلا عن المتواتر ، حتّى نقل أنّ الوليد بن المغيرة ـ من جهة نهاية حسده وعداوته وإجابة قومه ـ كان في الليالي متفكّرا في الإتيان

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٣.

(٢) انظر « إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة » : ١٧٥.

٣٦

بما يعارضه ، فلمّا كان الصباح جاءه قومه رجاء منه أن يأتي بما يعارضه ، فلمّا كانوا بالغين في الفصاحة عارفين قبح الكلام ، عرفوا قبح ما قاله الوليد فلم يظهروه.

وقد نقل من الوليد أنّه مرّ على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كان تاليا لسورة « حم السجدة » ولمّا أتى قومه ، قال لهم : « لقد سمعت من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آنفا كلاما ، ما هو من كلام الإنس والجنّ إنّ له لحلاوة ، وإنّ له لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وإنّ أسفله لمغدق ، وإنّه ليعلو ولا يعلى. فقال قومه : صبا الوليد ؛ نظرا إلى تحسينه إلى الحدّ المذكور »(١) .

فإن قلت : لعلّ عدم النقل كان من جهة وجود المانع منه وهو الخوف من أهل الإسلام ، وقد بلغوا من الكثرة إلى حدّ يخاف من مثلهم.

قلت : إنّ الخوف لا يقتضي انقطاع النقل من كلّ وجه وإنّما يمنع من التظاهر به ، كما أنّ فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام وغيره من الأئمّةعليهم‌السلام قد نقلت ولم ينقطع النقل بها مع الخوف الشديد من بني أميّة وغيرهم ، مضافا إلى أنّ أعداء الإسلام يعارضون الآن بما هو أشدّ من نقل المعارض ، فلو كان المعارض موجودا لكان ثابتا في كتبهم ، وكان نقل المعارض عند المعارضة أهمّ من أنّهم لا يتمسّكون إلاّ بإنكار بعض المعجزات ، أو عدم إعجاز القرآن بسبب عدم الاطّلاع على لطائفه ـ كما نقل عن بعضهم ـ مع أنّ الكثرة في الإسلام حصلت بعد الهجرة ، وكان يجب نقل المعارضة قبل ذلك في مدّة مقامه بمكّة ونحوها من أزمنة كان الأعداء فيها كثيرين مجادلين ، بل محاربين ، ولو نقلت لم يكن قوّة الإسلام موجبة لخفائها ، كيف؟ وقد نقل محاربة عمرو وكسر سنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحو ذلك ممّا كان فيه إهانة ظاهرة.

فإن قلت : لعلّ المعارضة وقعت بعد الهجرة.

قلت : في ذلك كفاية في ثبوت المعجزة وحصول خرق العادة ، على أنّ الإسلام وإن قوي حينئذ بالمدينة فقد كان لأهل الكفر ممالك كثيرة وبلاد واسعة ، ومملكة

__________________

(١) « تهذيب سيرة ابن هشام » : ٦١.

٣٧

الفرس كانت ثابتة ، وممالك الروم وغيرها كانت عريضة ، فكان الواجب ظهور المعارضة في هذه البلاد.

فإن قلت : غاية ما ذكرت عدم الوجدان ، وهو لا يدلّ على عدم الوجود.

قلت : العلم الحدسي حاصل بعدم الوجود على وجه أشرنا إليه.

وأمّا الذي يدلّ على أنّ انتفاء المعارضة كان للتعذّر ، فهو أنّا علمنا أنّ كلّ فعل لا يقع من فاعله ـ مع توفّر دواعيه إليه ـ فإنّه يدلّ على تعذّره ، وهو إمّا أن يكون بسبب وجود المانع أو بسبب عدم القدرة ، ولا سبيل إلى الأوّل ؛ لما مرّ من انتفاء المانع في جميع البلاد سيّما في صدر الإسلام ، فتعيّن الثاني وهو المعنيّ من العجز والتعذّر ، مضافا إلى أنّهم تركوا المعارضة بالحروف على المقاتلة بالسيوف ، ولا شبهة أنّ الأخيرة أشدّ من الأولى بمراتب لا تحصى ؛ لاقتضائها هلاك كثير منهم ، وأسرهم ، وإفناء أموالهم ونحو ذلك ، ممّا ثبت بالتواتر المعنوي ، فترك الأسهل وارتكاب الأصعب من الماهرين البالغين في البلاغة والغاية ، وصاحب الحميّة الجاهليّة ليس إلاّ للعجز عنه.

فإن قلت : لا يلزم من العجز كون المأتيّ به من الله ؛ لاحتمال أكمليّة الآتي من غيره بحيث لا يقدر غيره على الإتيان بمثله ، أو تعلّمه في زمان طويل لم يتمكّنوا مع قصر الزمان من معارضته.

قلت أوّلا : إنّه يجب على الله إبطال ما يأتي به غير الحقّ إذا كان ذلك المأتيّ ممّا يعجز عنه غيره في صورة ادّعاء أمر مخصوص ، ولا يكون إلاّ من الله كالنبوّة والإتيان بذلك المأتيّ لبيان حقّيّته ، فلو كان نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبطلا كان الواجب على الله إبطال ما أتى به. فلو أبطله لنقل ذلك ولو بخبر واحد ، ولم ينقل فلم يبطل ، فيكون محقّا وهو المطلوب.

وثانيا : إنّ الأفصح ليس ممّا لا يمكن الإتيان بما يقاربه ، مع أنّ الأفصح إنّما يمتنع مساواته مجازاته في جميع كلامه أو أكثر كلامه ، ولا يمتنع في البعض على من هو

٣٨

دون طبقته كما نرى في الطبقة المتأخّرة من الشعراء فإنّهم قد يساوون للمتقدّمة منهم في بعض الأبيات ، بل قد يزيدون عليهم في بعض ، فحيث وقع التحدّي بسورة قصيرة من سور القرآن ولم تكن الأفصحيّة مانعة عن الإتيان بمثله ، ولم يقدروا على الإتيان بمثل سورة من القرآن ، بل بما يدانيه وإلاّ لأتوه ، ولو أتوه لاشتهر كما مرّ ، علم أنّه خارق العادة وليس من البشر ، بل من الله العزيز.

وأمّا احتمال أنّه تعمل زمانا طويلا. ففيه ـ بعد تسليمه ـ أنّه كان ينبغي للمعارضين أيضا أن يراجع مثله فيعارضوه به ـ مع امتداد الزمان ـ لما مرّ فثبت التعذّر الخارق للعادة إمّا لكون القرآن نفسه خارقا للعادة بفصاحته ؛ لكونه في الطبقة العليا من الفصاحة ، والدرجة القصوى من البلاغة على ما لا يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم وعلماء الفرق بمهارتهم في فنّ البيان ؛ فلذلك عجزوا عن معارضته كما عن الأكثر.

أو لكون أسلوبه الغريب ونظمه العجيب مخالفا لأسلوب كلام العرب ونظمه في الأشعار والخطب والرسائل ، أو لمجموع الأمر الأوّل والثاني.

ولأنّ الله تعالى صرفهم عن معارضته ، ولولاه لعارضوه لقدرتهم عليها. وعلى أيّ تقدير يثبت المطلوب حتّى في الصورة الأخيرة ؛ لأنّ الله لا يصدّق كاذبا ولا يخرق العادة لمبطل ، بل يبطل ما يأتي به إن اشتبه بالمعجزة كما مرّ.

فنقول : إنّ محمّد بن عبد الله قد ادّعى النبوّة ، وأظهر المعجزة بالقرآن ـ كما يثبت بالتواتر ـ وكلّ من ادّعى النبوّة وأتى بالمعجزة فهو نبيّ ؛ لما بيّنا من أنّ المعجزة دالّة على صدق صاحبها ، فينتج أنّ محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّ وهو المطلوب.

وأمّا المعجزات الباهرة الظاهرة بالمعنى الدالّة على نبوّته سوى القرآن :

[١] فمنها : شقّ القمر نصفين بمكّة ، وقد نطق به القرآن(١) .

__________________

(١) الانشقاق (٨٤) : ١.

٣٩

وعن عبد الله بن مسعود أنّه قال : « انشقّ القمر حتّى صار فرقتين ، فقال كفّار أهل مكّة ؛ هذا سحر سحركم به ، قال : فسئل السفار وقد قدموا من كلّ وجه ، فقالوا : رأيناه »(١) .

وبيانه على ما روي عن الصادقعليه‌السلام : « أنّه كان في الليلة الرابعة عشرة من ذي الحجّة باستدعاء أربعة عشر نفرا من أصحاب العقبة ـ بعد تخيير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم في اختيار أيّ معجزة يريدون واختارهم شقّ القمر ـ ونزل جبرئيل من الله تعالى واختاره فيه بأنّ جميع مكوّنات العالم العلوي والسفلي مطيعة له ، فعند ذلك أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقمر بالانشقاق ، فانشقّ ، فسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنون شكرا ، وبعد رفع الرأس قال المنافقون : قل للقمر أن يرجع إلى حاله الأوّل ، فأمر ، فرجع ، ثمّ لمّا قالوا : قل له أن ينشق ثانيا ، فانشقّ ، فقالوا : إخواننا في السفر إلى الشام واليمن فإذا رجعوا نسألهم عن حال القمر فإن رأوا كما رأيناه ، علمنا أنّه من الله ، وإلاّ فنقول : هذا سحر مستمرّ »(٢) .

ودفعه أنّه لو كان سحرا لما وقع ذلك ، ولمّا كان.

[٢] ومنها : مجيء الشجرة إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال : « لقد كنت معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أتاه الملأ من قريش فقالوا : يا محمّد ، إنّك قد ادّعيت عظيما لم يدّعه آباؤك ، ولا أحد من بيتك ، ونحن نسألك أمرا إن أجبنا إليه وأريناه علمنا أنّك نبيّ ورسول ، وإن لم تفعل علمنا أنّك ساحر كذّاب ، فقال لهم : وما تسألون؟ » قالوا : تدعو لنا هذه الشجرة حتّى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله على كلّ شيء قدير ، فإن فعل ذلك بكم تؤمنون وتشهدون بالحقّ؟ قالوا : نعم ، قال : فإنّي سأريكم ما تطلبون ، وإنّي لأعلم أنّكم لا تفيئون إلى خير ، وإنّ فيكم من يطرح في

__________________

(١) « إعلام الورى » ١ : ٨٤.

(٢) « بحار الأنوار » ١٧ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، ح ١ ، بتفاوت يسير.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وقال ابن سيرين : الجنس الواحد هو العلّة(١) .

وليس بصحيح ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أن يؤخذ البعير بالبعيرين لـمّا أنفذ بعض الجيوش وقد نفدت الإبل(٢) .

وهذا البحث ساقط عنّا ؛ لأنّا نعتبر النصّ لا القياس ، فمهما دلّ على شي‌ء عملنا به ، وقد سُئل الصادقعليه‌السلام عن البيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس به » والثوب بالثوبين ، قال : « لا بأس به » والفرس بالفرسين ، فقال : « لا بأس به » ثمّ قال : « كلّ شي‌ء يُكال أو يُوزن فلا يصلح مِثْلين بمِثْلٍ إذا كان من جنسٍ واحد ، فإذا كان لا يُكال ولا يُوزن ولا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد »(٣) .

مسألة ٧٦ : قد بيّنّا أنّ كلّ مكيل أو موزون يجري فيه الربا مع الشرائط سواء اُكل أو لا.

أمّا الشافعي حيث علّل بالطعم اعتبره ، فكلّ موضع لا يثبت فيه الطعم لا يثبت فيه الربا إلّا النقدين.

ولا فرق عنده بين أن يُؤكل للتداوي ، كالهليلج والسقمونيا وغيرهما ، وبين ما يؤكل لسائر الأغراض.

وقسّم المطعومات إلى أربعة : ضرْب يؤكل قوتاً ، وآخر يؤكل تأدّماً ، وثالث يؤكل تفكّهاً ، ورابع يؤكل تداوياً. ويجري الربا في ذلك كلّه لا في مأكول الدوابّ ، كالقضب والحشيش والنوى(٤) .

وحُكي وجهٌ للشافعيّة : أنّ ما يهلك كثيره ويستعمل قليله في الأدوية‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢. المغني والشرح الكبير ٤ : ١٣٨.

(٢) علل الحديث ١ : ٣٩٠ / ١١٦٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٧.

(٣) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٧ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥١.

(٤) المجموع ٩ : ٣٩٧ و ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ و ٧٣.

١٤١

- كالسقمونيا - لا يجري فيه الربا(١) .

وفي الزعفران عندهم وجهان :

أصحّهما : جريان الربا فيه ؛ لأنّ المقصود الأظهر منه الأكل تنعّماً أو تداوياً إلّا أنّه يمزج بغيره.

والثاني : لا يجري ؛ لأنّه يقصد منه الصبغ واللون(٢) ، وهو قول القاضي أبي حامد(٣) .

والطين الخراساني لا يُعدّ مأكولاً ، ويُسفَّه آكِلُه - وإنّما يأكله قومٌ لعارضٍ بهم - ولو كان مستطاباً ؛ لاشتراك الكلّ في استطابته ، وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة : « لا تأكلي الطين فإنّه يُصفّر اللون »(٤) ويجري آكل ذلك مجرى من يأكل التراب والخزف ، فإنّ من الممكن من يأكل ذلك ، فلا ربا فيه.

وعند بعضهم أنّه ربويّ(٥) .

والأرمني دواء ، كالهليلج.

وفيه وجه آخر لهم : أنّه لا ربا فيه ، كسائر أنواع الطين(٦) ، وهو قول القاضي ابن كج(٧) .

وأمّا دهن البنفسج والورد واللبان ففيه لهم وجهان ، أحدهما : ثبوت الربا ؛ لأنّها متّخذة من السمسم اكتسبت رائحة من غيره ، وإنّما لا يؤكل في‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٢) المجموع ٩ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ - ٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٤) كما في المغني ٤ : ١٣٩.

(٥و٦) المجموع ٩ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

١٤٢

العادة ضنّاً بها(١) .

وفي دهن الكتّان وجهان عندهم ، أصحّهما : أنّه ليس بربويّ ؛ لأنّه لا يُعدّ للأكل(٢) .

وكذا دهن السمك ؛ لأنّه يُعدّ للاستصباح وتدهين السُّفُن لا للأكل(٣) .

وفي وجهٍ : أنّه مال ربا ؛ لأنّه جزء من السمك(٤) .

وفي حبّ الكتّان وجهان(٥) ، وكذا في ماء الورد(٦) .

ولا ربا عندهم في العُود والمصطكي(٧) .

وأمّا الماء ففي صحّة بيعه وثبوت الملك فيه وجهان ، فعلى الجديد فيه وجهان أيضاً :

أصحّهما : أنّه ربويّ ؛ لأنّه مطعوم ، لقوله تعالى :( وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ) (٨) .

والثاني : لا ربا فيه ؛ لأنّه ليس مأكولاً(٩) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣٩٨ - ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، الوسيط ٣ : ٤٩ و ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٢) المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، الوسيط ٣ : ٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٧٣.

(٣ و٤ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، الوسيط ٣ : ٤٩.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، الوسيط ٣ : ٤٩.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥.

(٧) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣.

(٨) البقرة : ٢٤٩.

(٩) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ - ٧٤.

١٤٣

ولا ربا في الحيوان ؛ لأنّه لا يؤكل على هيئته ، وما يُباح أكله على هيئته كالسمك الصغير على وجهٍ يجري فيه الربا(١) .

والحقّ عندنا في ذلك كلّه ثبوت الربا في كلّ مكيل أو موزون ، سواء كان مأكولاً أو لا. والسمك يوزن ، فيجري فيه الربا مطلقاً.

مسألة ٧٧ : إذا بِيع مالٌ بمالٍ فأقسامه ثلاثة :

الأوّل : أن لا يكون شي‌ء منهما ربويّاً.

الثاني : أن يكون أحدهما ربويّاً دون الآخر.

الثالث : أن يكونا ربويّين.

فالأوّل لا يجب فيه رعاية التماثل قدراً ولا الحلول ولا التقابض في المجلس ، اتّحدا جنساً أو لا ، فيجوز بيع ثوبٍ بثوبين ، وعبد بعبدين ، ودابّة بدابّتين ، وبيع ثوبٍ بعبد وعبدين نقداً ونسيئةً ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عبد الله بن عمرو بن العاص أن يشتري بعيراً ببعيرين إلى أجل(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سأله منصور بن حازم عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس به ما لم يكن فيه كيل ولا وزن »(٤) .

وسأل منصورُ بن حازم الصادقَعليه‌السلام عن البيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس به » والثوب بالثوبين ، قال : « لا بأس به » والفرس بالفرسين ، فقال :

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.

(٢) المجموع ٩ : ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ - ٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٥.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٠ / ٣٣٥٧ ، سنن الدار قطني ٣ : ٦٩ / ٢٦١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٧ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٦ - ٥٧.

(٤) التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١٣ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ - ١٠١ / ٣٤٩.

١٤٤

« لا بأس به » ثمّ قال : « كلّ شي‌ء يُكال أو يُوزن فلا يصلح مِثْلين بمِثْلٍ إذا كان من جنسٍ واحد ، فإذا كان لا يُكال ولا يُوزن فليس به بأس اثنين بواحد »(١) .

وعن الباقرعليه‌السلام : « لا بأس بالثوب بالثوبين »(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز إسلاف الشي‌ء في جنسه(٣) . فلا يجوز بيع فرس بفرسين سلفاً ولا نسيئةً ، بل يجب التقابض في المجلس عنده ، وهو إحدى الروايات عن أحمد ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة(٤) . ولأنّ الجنس أحد وصفَي علّة تحريم التفاضل ، فيحرم فيه النسأ، كالوصف الآخر(٥) .

وتُحمل الرواية على النساء في الطرفين ، أو على أنّ النهي للتنزيه نهي كراهة لا نهي تحريم. والربا عندنا يثبت لا لعلّة ، بل للنصّ على ثبوته في كلّ مكيل أو موزون ، وإباحة التفاضل فيما عداهما ، على أنّه منقوض بإسلاف الدراهم في الحديد.

وقال مالك : يجوز إسلاف أحد الشيئين في مثله متساوياً لا متفاضلاً.

ولا يجوز بيع حيوان بحيوانين من جنسه بصفة يقصد بهما أمراً واحداً إمّا الذبح أو غيره ؛ لأنّ الغرض إذا كان بهما سواء ، كان بيع الواحد باثنين نسيئةً ذريعةً إلى الربا(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٧ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥١.

(٢) التهذيب ٧ : ١١٩ / ٥١٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦.

(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٠ / ٣٣٥٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٣ / ٢٢٧٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٨ / ١٢٣٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٤٧ / ٦٨٤٧ ، و ٢٤٨ / ٦٨٥١ ، و ٢٧٣ / ٦٩٤٠.

(٥) المغني ٤ : ١٤٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٧٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٣٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٥.

١٤٥

ويبطل بقولهعليه‌السلام : « إذا اختلف الجنسان فبِيعوا كيف شئتم »(١) .

الثاني : أن يكون أحدهما ربويّاً دون الآخر ، كبيع ثوبٍ بدراهم أو دنانير ، أو بيع حيوان بحنطة أو شعير. وحكمه كالأوّل ، فيجوز بيع أحدهما بالآخر - وإن كان أزيد قيمةً منه - نقداً ونسيئةً؛ للإجماع على السلف والنسيئة مع تغاير الثمن - الذي هو أحد النقدين - والمثمن ، إلّا الصرف خاصّةً ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

الثالث كالأوّل عندنا ؛ للإجماع على إسلاف أحد النقدين في البُرّ أو الشعير أو غيرهما من الربويّات والمكيلات ، والنسيئة أيضاً ، وهو قول أبي حنيفة(٢) .

وقال الشافعي : إن اختلفت العلّة فيهما ، كالذهب بالقوت ، فلا تجب رعاية التماثل ولا الحلول ولا التقابض ، فيجوز إسلاف أحد النقدين في البُرّ ، أو بيع الشعير بالذهب نقداً أو نسيئةً.

وإن اتّفقت العلّة ، فإن اتّحد الجنس ، وجب فيه رعاية التماثل والحلول والتقابض في المجلس ، كما لو باع الذهب بالذهب والبُرّ بالبُرّ ، وثبت فيه أنواع الربا الثلاثة - وعندنا لا يجب الثالث إلّا في الصرف - وإن اختلف الجنس ، لم يجب التماثل ، بل الحلول والتقابض في المجلس ؛ لقولهعليه‌السلام : « ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبُرّ بالشعير والشعير بالبُرّ كيف شئتم يداً بيد »(٣) (٤) .

____________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١٠ : ٨٦ ، المغني ٤ : ١٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٧.

(٢) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، شرح معاني الآثار ٤ : ٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧ - ٤٨.

١٤٦

والجواب : يحتمل أن يكون التقييد باليد على سبيل الأولويّة ، أو في الصرف.

فروع :

أ - يكره بيع الجنسين المختلفين متفاضلاً نسيئةً ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شي‌ء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مِثْلين بمِثْل يداً بيد ، فأمّا نظرةٌ فلا يصلح »(١) .

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام « ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شي‌ء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مِثْلين بمِثْل يداً بيد ، فأمّا نظرةٌ فإنّه لا يصلح »(٢) .

ب - المصوغ من أحد النقدين لا يجوز بيعه بجنسه‌ من التبر أو المضروب متفاضلاً بل بوزنه وإن كان المصوغ أكثر قيمةً. وكذا الصحيح والمكسّر لا يجوز التفاضل فيهما مع اتّحاد الجنس - وبه قال الشافعي(٣) - لما رواه عطاء بن يسار أنّ معاوية باع سقايةً من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها ، فقال أبو الدرداء : سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ينهى عن مثل هذا إلّا مِثْلاً بمثل ، فقال له معاوية : ما أرى بهذا بأساً ، قال أبو الدرداء : مَنْ يعذرني من هذا ، اُخبره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ويُخبرني عن رأيه ، والله لا ساكنتك بأرضٍ أنت فيها ، ثمّ قدم أبو الدرداء على عمر فذكر له ذلك ، فكتب عمر إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلّا وزناً بوزن مِثْلاً بمِثْلٍ(٤) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٩١ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٩٣ / ٣٩٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٩٣ - ٩٤ / ٣٩٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٤١.

(٤) سنن البيهقي ٥ : ٢٨٠ ، المغني ٤ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٣.

١٤٧

وقال مالك : يجوز أن يبيعه بقيمته من جنسه(١) . وأنكر أصحابه ذلك ، ونفوه عنه(٢) .

واحتجّ مَنْ أجازه : بأنّ الصنعة لها قيمة ، ولهذا لو أتلفه وجبت قيمته وإن زادت.

والجواب : لا نسلّم أنّ الصنعة تدخل في البيع وإن قوّمت على الغاصب. سلّمنا لكن لا نسلّم أنّه يقوّم بجنسه بل بغير جنسه.

ج - الفلوس يثبت الربا فيها عندنا ؛ لأنّها موزونة ، وبه قال أبو حنيفة(٣) ، وهو وجه ضعيف للشافعيّة ؛ لحصول معنى الثمنيّة(٤) .

وفي الأظهر عندهم : انتفاء الربا ؛ لانتفاء الثمنيّة والطعم ، والوزن والكيل ليسا علّةً عندهم(٥) وقد تقدّم بطلان التعليل.

د - يكره بيع أفراد الجنس الواحد إذا لم يدخله الكيل والوزن متفاضلاً نسيئةً ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « البعير بالبعيرين والدابّة بالدابّتين يداً بيد ليس به بأس »(٦) وهو يدلّ بمفهومه على كراهيّة النسيئة فيه.

ه- لا يشترط التقابض في المجلس مع اتّحاد الجنس واختلافه إلّا في الصرف‌ - وبه قال بعض الشافعيّة(٧) - لأنّهما عينان من غير جنس الأثمان ، فجاز التفرّق فيهما قبل القبض ، كالحديد. نعم ، يشترط الحلول‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤ ، حلية العلماء ٤ : ١٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٤١.

(٢) المصادر في الهامش (١) ما عدا العزيز شرح الوجيز.

(٣) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.

(٤ و ٥) المجموع ٩ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٤.

(٦) الكافي ٥ : ١٩٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٧ / ٧٩٧ ، التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١١ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ / ٣٤٧.

(٧) روضة الطالبين ٣ : ٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٥.

١٤٨

مع الاتّفاق جنساً.

وقال بعض الشافعيّة : إذا كانا ربويّين ، وجب فيهما القبض قبل التفرّق ، كالذهب والفضّة(١) ؛ لقولهعليه‌السلام : « لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البُرّ بالبُرّ ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلّا سواء بسواء عيناً بعين يداً بيد »(٢) .

والجواب : أنّه لا يدلّ على المنع مع عدم التقابض إلّا من حيث المفهوم ، وهو ضعيف.

مسألة ٧٨ : لعلمائنا قولان في أنّ الحنطة والشعير هل هُما جنس واحد أو جنسان؟

والأقوى عندي : الأوّل - وبه قال مالك والليث والحكم وحمّاد(٣) - لأنّ معمر بن عبد الله بعث غلاماً له ومعه صاع من قمح ، فقال : اشتر شعيراً ، فجاءه بصاع وبعض صاع ، فقال له : ردّه ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الطعام بالطعام إلّا مِثْلاً بمِثْلٍ ، وطعامنا يومئذٍ الشعير(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا يصلح الشعير بالحنطة إلّا واحداً بواحد »(٥) .

____________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٠ ، ١٥٨٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ٣٣ - ٣٤ ، ١١٠٢١.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ١٣٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١١ ، المغني ٤ : ١٥١ - ١٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٩ - ١٥٠.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٤ / ١٥٩٢ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٤ / ٨٣ و ٨٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٣ ، المغني ٤ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٠.

(٥) الكافي ٥ : ١٨٩ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٨.

١٤٩

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة إلّا مِثْلاً بمِثْلٍ » وسُئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد إلّا شعيراً أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال : « لا ، إنّما أصلهما واحد »(١) .

وعن الباقرعليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لا تبع الحنطة بالشعير إلّا يداً بيد ، ولا تبع قفيزاً من حنطة بقفيزين من شعير »(٢) .

ولأنّ أحدهما يُغشّ بالآخر ، فهُما كنوعي جنسٍ واحد.

وقال بعض(٣) علمائنا : إنّهما جنسان يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً يداً بيد ونسيئةً - وبه قال الشافعي(٤) - لقولهعليه‌السلام : « بيعوا الذهب بالورق ، والورق بالذهب ، والبُرّ بالشعير ، والشعير بالبُرّ كيف شئتم يداً بيد »(٥) .

ولأنّهما لا يشتركان في الاسم الخاصّ ، فكانا جنسين ، كالشعير والذرّة.

وأجابوا عن حديث معمر بأنّه أعمّ من هذا الحديث. والغشّ ينتقض بالفضّة ، فإنّه يُغشّ بها الذهب.

والجواب : أنّ الراوي فهم تناول الطعام لصورة النزاع. وبالجملة فالتعويل على أحاديث الأئمّةعليهم‌السلام . والاختصاص بالاسم لا يُخرج الماهيّات عن التماثل ، كالحنطة والدقيق.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٨.

(٣) هو ابن إدريس في السرائر ٢ : ٢٥٤.

(٤) الاُمّ ٣ : ٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٣٥ ، المحلّى ٨ : ٤٩٢ ، المغني ٤ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٩.

(٥) سنن البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ٣٣ - ٣٤ / ١١٠٢١.

١٥٠

مسألة ٧٩ : ثمرة النخل كلّها جنس واحد‌ ، كالبَرْنِيّ والمعقلي والآزاد والدقل وإن كان رديئاً في الغاية لا يجوز التفاضل فيه نقداً ولا نسيئةً ، فلا يباع مُدٌّ من البَرْنيّ بمُدَّيْن من الدقل وكذا البواقي لا نقداً ولا نسيئةً ، وكذا ثمرة الكرم كلّها جنس واحد ، كالأسود والأبيض والطيّان والرازقي ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يباع مختومان من شعير بمختومٍ من حنطة إلّا مِثْلاً بمِثْلٍ ، والتمر مِثْل ذلك»(١) .

وكان عليّعليه‌السلام يكره أن يستبدل وسقين من تمر المدينة بوسق من تمر خيبر(٢) .

وفي حديثٍ آخر ذلك وزيادة : « ولم يكنعليه‌السلام يكره الحلال »(٣) .

وسُئل عن الطعام والتمر والزبيب ، فقال : « لا يصلح شي‌ء منه اثنان بواحد إلّا أن تصرفه نوعاً إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنان بواحد وأكثر »(٤) وإطلاق التمر يدلّ على اتّحاده حقيقةً.

وقال الباقرعليه‌السلام : « يكره وسق من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ، لأنّ تمر المدينة أجودهما»(٥) .

تذنيب : الطلع كالثمرة في الاتّفاق وإن اختلفت اُصولهما‌ ، وطلع الفحل كطلع الإناث.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٨٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٩.

(٢) الكافي ٥ : ١٨٨ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٩٤ / ٤٠٠ ، و ٩٧ / ٤١٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٨٨ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٩٦ - ٩٧ / ٤١٢ ، وصدر الحديث فيهما هكذا :

كان عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر.

(٤) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٤ ، التهذيب ٧ : ٩٥ / ٤٠٦.

(٥) الفقيه ٣ : ١٧٨ / ٨٠٥ ، التهذيب ٧ : ٩٥ - ٩٦ / ٤٠٨.

١٥١

مسألة ٨٠ : اللحوم أجناس مختلفة باختلاف اُصولها‌ ، فلحم الغنم ضأنه وما عزه جنس واحد ، ولحم البقر جاموسها وعرابها جنس واحد مغاير للأوّل ، ولحم الإبل عرابها وبخاتيّها جنس آخر مغاير للأوّلين ، وكذا باقي اللحوم ، عند علمائنا أجمع - وهو أصحّ قولي الشافعي ، وبه قال المزني وأبو حنيفة وأحمد في رواية(١) - لأنّها فروع اُصول مختلفة هي أجناس متعدّدة ، وكانت أجناساً كاُصولها ، كما في الأدقّة والخلول. ولأنّها متفاوتة في المنافع ومتخالفة في الأغراض والغايات ، فأشبهت المختلفات جنساً.

وللشافعي قول آخر : إنّها جنس واحد ، فلحم البقر والغنم والإبل والسموك والطيور والوحوش كلّها جنس واحد - وهو رواية عن أحمد أيضاً - لأنّها اشتركت في الاسم في حال حدوث الربا فيها الذي لا يقع بعده التمييز إلّا بالإضافة ، فكانت جنساً واحداً ، كأنواع الرطب والعنب ، وتخالف الثمار المختلفة بالحقيقة ، فإنّها وإن اشتركت في اسم الثمرة لكنّها امتازت بأساميها الخاصّة(٢) .

والجواب : المنع من الاشتراك في الاسم الخاصّ ، وليس إطلاق لفظ اللحم عليها إلّا كإطلاق الحيوان والجسم عليها.

وقال مالك : اللُّحْمان(٣) ثلاثة أصناف : الإنسي والوحشي صنف واحد ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٦١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، الوسيط ٣ : ٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٥٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٦١ - ١٦٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، الوسيط ٣ : ٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤.

(٣) اللحمان : جمع لحم. لسان العرب ١٢ : ٥٣٥ « لحم ».

١٥٢

والطير صنف ، ولحوم ذوات الماء صنف واحد - وهو رواية اُخرى عن أحمد إلّا أنّه جعل الوحشي صنفاً آخر - لأنّ لحم الطير لا تختلف المنفعة به ، ولا يختلف القصد في أكله(١) .

والجواب : يبطل بلحم الإبل ولحم الغنم ، فإنّها تختلف المنفعة بها والقصد إلى أكلها.

فروع :

أ - الوحشيّ من كلّ جنس مخالف لأهليّة ، فالبقر الأهلي مع البقر الوحشيّ جنسان مختلفان ، والغنم الأهليّة والغنم الوحشيّة - وهي الظباء - جنسان ، والحُمُر الوحشيّة والأهليّة جنسان أيضاً عندنا ، وبه قال الشافعي في أصحّ القولين وأحمد(٢) ، خلافاً لمالك(٣) ، وقد سبق.

ب - لحم السمك مخالف لباقي اللحوم ، عند علمائنا أجمع ، وهو أصحّ قولي الشافعي وأحمد في رواية(٤) .

وللشافعي قول : إنّ اللُّحْمان كلّها صنف واحد(٥) ، فعلى هذا القول في السمك عنده قولان:

أحدهما : أنّ لحومها ولحوم باقي الحيوانات البرّيّة جنس واحد ؛

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٣ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤ - ١٥٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٣ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤.

(٣) اُنظر : المصادر في الهامش (١).

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، وانظر : المغني ٤ : ١٥٥ ، والشرح الكبير ٤ : ١٥٤.

(٥) اُنظر : المصادر في الهامش (٢) من ص ١٥١.

١٥٣

لشمول الاسم لها ، قال الله تعالى :( وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا ) (١) (٢) .

والجواب : أنّه كشمول الثمار للتمر والتفّاح.

والثاني : أنّ الحيتان مخالفة لباقي اللحوم ؛ لأنّ لها اسماً خاصّاً ، ولهذا لو حلف لا يأكل اللحم ، لم يحنث بلحوم الحيتان. ولأنّه لا يسمّى لحماً عند الإطلاق ، ولهذا لا يضاف اللحم إلى اسمه فيقال : لحم السمك ، كما يقال : لحم الإبل(٣) .

ج - لحم السمك هل هو جنس واحد أو أجناس؟ الأقوى : الأوّل ؛ لشمول اسم السمك للكلّ ، والاختلاف بالعوارض لا يوجب الاختلاف في الحقيقة.

ويحتمل أن يكون أجناساً متعدّدة ، فكلّ ما اختصّ باسمٍ وصفةٍ كان جنساً مخالفاً لما غايره ممّا اختصّ باسمٍ آخر وصفة اُخرى ، فالشبّوط والقطّان والبُنّي أجناس مختلفة ، وكذا ما عداها.

د - الأقوى في الحمام - وهو ما عبّ وهَدَر ، أو كان مطوّقاً على اختلاف التفسير - أنّه جنس واحد ، فلحم القماري والدباسي والفواخت جنس واحد ؛ لشمول اسم الحمام لها ، وتقاربها في المنافع.

ويحتمل تعدّدها بتعدّد ما يضاف إليه.

أمّا الحمام مع غيره من الطيور كالعصافير والدجج فأولى بالتغاير.

ه- الجراد جنس بانفراده مغاير لسائر اللحوم البرّيّة والبحريّة ، وهو ظاهر عند علمائنا حيث أوجبوا اختلاف اللحوم باختلاف اُصولها ، وهو‌

____________________

(١) فاطر : ١٢.

(٢ و ٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥.

١٥٤

أصحّ قولي الشافعي(١) . وفي قول آخر للشافعي : إنّه من جنس اللحوم ، فحينئذٍ هل هو من البرّيّة أو البحريّة؟ وجهان(٢) .

و - أعضاء الحيوان الواحد كلّها جنس واحد مع لحمه ، كالكرش والكبد والطحال والقلب والرئة ، والأحمر والأبيض واحد ، وكذا الشحوم كلّها بعضها مع بعض ومع اللحم جنس واحد ؛ لأنّ أصلها واحد ، وتدخل تحت اسمه.

وللشافعيّة في ذلك طريقان :

الأشهر عندهم أن يقال : إن جعلنا اللحوم أجناساً ، فهذه أولى ؛ لاختلاف أسمائها وصفاتها ، وإن قلنا : إنّها جنس واحد ، ففيها وجهان ؛ لأنّ مَنْ حلف أن لا يأكل اللحم لا يحنث بأكل هذه الأشياء على الصحيح.

والثاني عن القفّال أن يقال : إن جعلنا اللحوم جنساً واحداً ، فهذه مجانسة لها ، وإن جعلناها أجناساً ، فوجهان ؛ لاتّحاد الحيوان ، فأشبه لحم الظهر مع شحمه(٣) .

وكذا المخ جنس آخر عندهم. والجلد جنس آخر. وشحم الظهر مع شحم البطن جنسان. وسنام البعير معهما جنس آخر ، أمّا الرأس والأكارع فمن جنس اللحم(٤) .

والكلّ عندنا باطل ؛ فإنّ الحقّ تساوي هذه الأشياء. والتعلّق بالحنث أو بعدمه غير مفيد ؛ فإنّ اليمين يتبع الاسم وإن كانت الحقيقة واحدةً ، كما لو حلف أن لا يأكل خبزاً ، فأكل دقيقاً ، لم يحنث وإن كان واحداً.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

١٥٥

تنبيه : كلّ ما حكمنا فيه باختلاف الجنس وتغايره ، فإنّه يجوز بيع بعضه ببعض‌ متفاضلاً نقداً ونسيئةً إلّا الصرف ، فلا يجوز النسيئة فيه ، وكلّ ما حكمنا فيه بالتماثل فإنّه لا يجوز التفاضل فيه.

مسألة ٨١ : المشهور المنع من بيع اللحم بحيوان من جنسه‌ - وبه قال الفقهاء السبعة(١) ومالك والشافعي وأحمد(٢) - لما رواه الجمهور عن سعيد بن المسيّب أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع اللحم بالحيوان(٣) . ومراسيل ابن المسيّب حجّة عندهم(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كره اللحم بالحيوان »(٥) .

ولأنّه نوعٌ في الربا بِيع بأصله الذي هو منه فلم يجز ، كما لو باع‌

____________________

(١) وهُمْ : سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمّد وعبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار. وفي السابع ثلاثة أقوال ، فقيل : سالم بن عبد الله بن عمر. وقيل : أبو سلمة بن عبد الرحمن. وقيل أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

اُنظر : تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٧٢ ، ١٤٠ ، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال ٢٠ : ١٨.

(٢) المغني ٤ : ١٥٩ - ١٦٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩ ، التفريع ٢ : ١٢٩ ، مختصر المزني : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠ ، الوسيط ٣ : ٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨.

(٣) الموطّأ ٢ : ٦٥٥ ، ٦٤ ، المراسيل - لأبي داود - : ١٣٣ ، ١٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٣٥ ، سنن الدارقطني ٣ : ٧١ ، ٢٦٦.

(٤) اُنظر : مختصر المزني : ٧٨ ، والجرح والتعديل ٤ : ٦١ ، والكفاية - للخطيب البغدادي - : ٤٠٤ ، واللمع : ١٥٩ ، والحاوي الكبير ٥ : ١٥٨ ، والمجموع ( المقدّمة ) ١ : ٦٠ و ٦١ ، وتهذيب الأسماء واللغات ١ : ٢٢١.

(٥) الكافي ٥ : ١٩١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٤٥ / ١٩٤ ، و ١٢٠ / ٥٢٥.

١٥٦

الشيرج(١) بالسمسم من غير اعتبارٍ.

والأقرب عندي : الجواز على كراهيّةٍ ؛ للأصل السالم عن معارضة ثبوت الربا ؛ لفقد شرطه ، وهو التقدير بالكيل أو الوزن ، المنفي في الحيوان الحيّ. وأمّا الكراهيّة : فللاختلاف.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والمزني بالجواز ؛ لأنّه باع ما فيه الربا بما لا ربا فيه فجاز ، كما لو باع الحيوان بالدراهم(٢) .

وقال محمّد بن الحسن : يجوز على اعتبار اللحم في الحيوان ، فإن كان دون اللحم الذي في مقابلته ، جاز(٣) .

فروع :

أ - الممنوع إنّما هو بيع لحم الحيوان بجنسه ، أمّا بغير جنسه - كلحم الشاة بالإبل - فإنّه يجوز ؛ لجواز بيع لحم أحدهما بلحم الآخر فبالآخر حيّاً أولى.

أمّا الشافعيّة : ففي كون اللحوم كلّها جنساً واحداً أو أجناساً(٤) متعدّدة عندهم قولان ، فإن قالوا بالوحدة ، لم يجز بيع لحم الشاة بالإبل الحيّة ، ولا لحم البقر بالشاة الحيّة وكذا البواقي. وإن قالوا باختلاف ، فقولان :

____________________

(١) الشيرج : دهن السمسم. تاج العروس ٢ : ٦٤ « شرج ».

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٨٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤١ / ١١١٨ ، المغني ٤ : ١٦٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩ ، مختصر المزني : ٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٨٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤١ / ١١١٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٧.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « جنس واحد أو أجناس » بالرفع.

١٥٧

أحدهما : المنع ؛ لأنّ أبا بكر منع من بيع العناق بلحم الجزور(١) .

والجواب : أنّ فعل أبي بكر وقوله ليس حجّةً.

والثاني(٢) : الجواز - وبه قال مالك وأحمد - لأنّه يجوز بيعه بلحمه فجواز بيعه به أولى(٣) .

ب - يجوز بيع اللحم بالحيوان غير المأكول كالآدمي والسبع وغيرهما ، عندنا ؛ لجواز بيعه بجنسه فبغيره حيّاً أولى. ولأنّ سبب المنع بيع مال الربا بأصله المشتمل عليه ، وهو منفيّ هنا ، وبه قال مالك وأحمد ، لأنّ الحيوان لا ربا فيه جملة فجاز بيعه بما فيه الربا(٤) .

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ، والثاني : المنع - وهو اختيار القفّال - لعموم السنّة(٥) . وهو ممنوع.

ج - يجوز بيع اللحم بالسمكة الحيّة ، ولحم السمك بالحيوان الحيّ عندنا ؛ لما تقدّم.

وعند الشافعي قولان ، أحدهما : أنّ لحم السمك إن كان من جملة اللحم ، كان كما لو باع لحم غنم ببقر. وإن كان ليس من جملة اللُّحْمان ،

____________________

(١) رواه الشافعي في مختصر المزني : ٧٨ ، وأورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب ١ : ٢٨٤ ، والماوردي في الحاوي الكبير ٥ : ١٥٨ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، وكذلك ابنا قدامة في المغني ٤ : ١٦٢ ، والشرح الكبير ٤ : ١٥٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة و « ق ، ك» هكذا : وإن قالوا بالتعدّد والثاني. وجملة « وإن قالوا بالتعدّد » زائدة ؛ حيث ذكرها المصنّفقدس‌سره آنفاً بقوله : وإن قالوا بالاختلاف.

(٣) الوسيط ٣ : ٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٤ - ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠ ، التفريع ٢ : ١٢٩ ، المغني ٤ : ١٦٣ - ١٦٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩.

(٤) التفريع ٢ : ١٢٩ ، المغني ٤ : ١٦٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٥.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

١٥٨

فقولان ؛ لوقوع اسم اللحم والحيوان عليه. والثاني : الجواز(١) .

د - يجوز بيع الشحم والألية والطحال والقلب والكِلية والرئة بالحيوان عندنا‌ - وللشافعيّة وجهان(٢) - وكذا السنام بالإبل ؛ للنهي عن بيع اللحم بالحيوان ، ولم يرد في غيره.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّه في معنى اللحم.

وكذا الوجهان في بيع الجلد بالحيوان إن لم يكن مدبوغاً [ وإن كان مدبوغاً ](٣) فلا منع. وعلى الوجهين أيضاً بيع لحم السمك بالشاة(٤) .

ه- يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية من البيض ، أو بدجاجة فيها بيضة ، أو ببيضة لا غير ؛ لوجود المقتضي ، وهو عموم( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٥) السالم عن معارضة الربا ؛ لانتفاء شرطه ، وهو الكيل أو الوزن هنا.

ومَنَع الشافعيّة من بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة قولاً واحداً ؛ لأنّ ذلك بمنزلة بيع اللبن بالحيوان اللبون(٦) . وسيأتي.

مسألة ٨٢ : الألبان تابعة لاُصولها تختلف باختلافها وتتّفق باتّفاقها‌ ، فلبن الغنم ضأنه ومعزه(٧) جنسٌ ، ولبن الإبل عرابها وبخاتيّها جنسٌ آخر مغاير للأوّل ، ولبن البقر عرابها وجاموسها جنس واحد مخالف للأوّلين.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٠.

(٣) أضفناها من المصدر.

(٤) نفس المصدر في الهامش (٢).

(٥) البقرة : ٢٧٥.

(٦) الذي عثرنا عليه في المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٥ ، والتهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٥ هو منع بيع بيضة بدجاجة في جوفها بيض.

(٧) في « ق ، ك» : ماعزه.

١٥٩

ولبن الوحشي مخالف للإنسي ، فلبن البقر الوحشي(١) مخالف للبن البقر الإنسي. وكذا لبن الظبي ولبن الشاة جنسان ، عند علمائنا أجمع.

وقد نصّ الشافعي على أنّ الألبان أجناس(٢) ، ولم يذكر غير ذلك ، إلّا أنّ له في اللُّحْمان قولين : أحدهما : أنّها جنس واحد - قاله أصحابه - لا فرق بينها(٣) (٤) ، فجعلوا في الألبان قولين : أحدهما : أنّها جنس واحد ، وهو المشهور عن أحمد. والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : أنّها أجناس ، وبه قال أبو حنيفة(٥) .

لنا : أنّها فروع تابعة لاُصول مختلفة بالحدّ والحقيقة ، فكانت فروعها تابعةً لها ، كالأدهان والخُلول - وهذا بخلاف اللُّحْمان ، فإنّ للشافعي قولاً بالتماثل فيها(٦) - لأنّ الاُصول التي حصل اللبن منها باقية بحالها وهي مختلفة ، فيدام حكمها على الفروع ، بخلاف اُصول اللحم.

احتجّ الآخرون بأنّ الألبان اشتركت في الاسم الخاصّ في أوّل حال‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : بقر الوحش.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٠ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٥٧.

(٣) في الطبعة الحجريّة و « ق ، ك» : بينهما. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٩ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩١ ، حلية العلماء ٤ : ١٦١ - ١٦٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٥٤ ، الوسيط ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٩ ، المغني ٤ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٥٤ و ١٥٥.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٧ ، الوسيط ٣ : ٥٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ١٥٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٥.

(٦) راجع المصادر في الهامش (٤).

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458