تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202086 / تحميل: 6024
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فيها.

ج - ما يُعدّ للتداوي ، كدهن الخوخ واللوز المـُرّ وحبّة الخضراء وما أشبه ذلك ، فإنّه يجري فيه الربا ؛ لأنّه مكيل أو موزون. وعلّل الشافعي بأنّه يؤكل للتداوي(١) .

د - ما يُعدّ للاستصباح ، كالبزر ودهن السمك. ويجري فيهما الربا ؛ لأنّه مكيل أو موزون ، فيباع كلّ واحد منهما بجنسه متساوياً نقداً لا نسيئةً ، وبصاحبه متفاضلاً نقداً ونسيئةً.

وللشافعيّة وجهان(٢) ، أحدهما : جريان الربا فيه ؛ لأنّه يؤكل ، وأصله حبّ الكتّان ، وهو مأكول يطرح في الملح. والثاني : لا يجري ؛ لأنّه لا يؤكل في عادة الناس ، ولهذا لا يستطاب ، وأكله سَفَهٌ.

مسألة ٩٠ : يجوز بيع المطبوخ بالني‌ء من جنسه ومن غير جنسه‌ ، وكذا المطبوخ بالمطبوخ ، لكن يعتبر في المتّحد جنسه تساوي القدر والحلول دون غيره ، عند علمائنا ؛ عملاً بالأصل.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع المطبوخ بالني‌ء(٣) مع اتّحاد الجنس مطلقاً ؛ لأنّ النار تعقد أجزاءه فتختلف فيؤدّي ذلك إلى التفاضل بينهما لو كانا على حالة الادّخار(٤) .

____________________

(١) اُنظر : المجموع ٩ : ٣٩٨ ، و ١٠ : ١٨٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥.

(٣) في نسختين من التذكرة ، المرموز لهما بـ « خ ، ه‍ » المعتمدتين في تحقيق قسم البيع ( الجزء السابع ) منها المطبوع بمطبعة النجف عام ١٣٧٤ ه‍ زيادة : ولا بيع المطبوخ بالمطبوخ.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٨.

١٨١

وينتقض بالتمر ؛ فإنّ الشمس تُجفّفه ، ويختلف جفافها فيه. ولأنّ ذلك غير معتدّ به ؛ لعدم العلم بجفافه أزيد.

إذا ثبت هذا ، فإنّ عصير العنب جنس يباع بعضه ببعضٍ متساوياً - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ حالته حالة كمال ، ولا ينقص إذا بلغ إلى حالة كماله بالحموضة. وكذا عصير الرمّان والسفرجل والتفّاح وقصب السُّكّر.

ويجوز بيع بعض هذه الأجناس بجنس آخر منها متفاضلاً ؛ لتعدّدها جنساً. وكذا إن طُبخت بالنار أو بعضها ، عندنا مطلقاً وعند الشافعي مع اختلاف الجنس لا اتّفاقه ، فلا يجوز عنده بيع المطبوخ بالمطبوخ ولا بغيره إذا اتّفق الجنس(٢) .

مسألة ٩١ : جيّد كلّ شي‌ء ورديئه جنس لا يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً لا نقداً ولا نسيئةً‌ ، ويجوز متساوياً نقداً لا نسيئةً ، عند علمائنا ، فلا يجوز بيع درهم صحيح بدرهم مكسّر مع زيادة تقابل الصحّة ، وبه قال الشافعي ، خلافاً لمالك ، وقد تقدّم(٣) .

مسألة ٩٢ : يجوز بيع الجنسين المختلفين بأحدهما‌ إذا زاد على ما في المجموع من جنسه بحيث تكون الزيادة في مقابلة المخالف ، وذلك كمُدّ عجوة ودرهم بمُدَّيْ عجوة أو بدرهمين أو بمُدَّيْ عجوة ودرهمين ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو حنيفة(٤) - حتى لو باع ديناراً في خريطة‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦ ، المغني ٤ : ١٦٥ - ١٦٦.

(٢) اُنظر : المغني ٤ : ١٦٥ - ١٦٦ ، والشرح الكبير ٤ : ١٦٣.

(٣) تقدّم في ص ١٤٦ ، الفرع ( ب ) من المسألة ٧٧.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٧٠ - ١٧١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٣ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٧ - ٣٤٨.

١٨٢

بمائة دينار ، جاز.

لنا : الأصل السالم عن معارضة الربا ؛ لأنّ الربا هو بيع أحد المثلين بأزيد منه من الآخر ، والمبيع هنا المجموع ، وهو مخالف لأفراده.

وما رواه أبو بصير قال : سألته عن السيف المفضّض يباع بالدراهم؟

قال : « إذا كانت فضّته أقلّ من النقد فلا بأس ، وإن كانت أكثر فلا يصلح »(١) .

وسأله عبد الرحمن بن الحجّاج عن شراء ألف درهم ودينار بألفي درهم ، قال : « لا بأس بذلك »(٢) .

ولأنّ أصل العقود الصحّة ، ومهما أمكن حمله عليها لم يحمل على الفساد ، كشراء اللحم من القصّاب ، فإنّه سائغ ؛ حملاً على التذكية ، ولا يحمل على الميتة وإن كان الأصل ؛ لأنّ أصالة الصحّة أغلب. وكذا لو اشترى إنسان شيئاً بمال معه ، حُمل على أنّه له ليصحّ البيع.

وهنا يمكن حمل العقد على الصحّة بأن يجعل الخريطة في مقابلة ما زاد على الدينار ، فيصحّ العقد ، وفي مسألة مُدّ عجوة بصرف المـُدّ الآخر من التمر في مقابلة الدرهم ، أو صرف الدرهم إلى الدرهم والدرهم الآخر في مقابلة المـُدّ ، أو صرف مُدّ عجوة إلى الدرهمين والدرهم إلى المـُدَّيْن.

وقال الشافعي : لا يجوز ذلك كلّه - وبه قال أحمد - لأنّ فضالة بن عبيد قال : شريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب وخزر ، فذكرت ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « لا يباع مثل هذا حتى يفصل »(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١١٣ / ٤٨٩ ، الاستبصار ٣ : ٩٨ / ٣٣٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٦ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٨٥ / ٨٣٤ ، التهذيب ٧ : ١٠٤ / ٤٤٥.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٣ / ٩٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٤٩ / ٣٣٥٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٦ / ١٢٢٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٤ - ٨٥.

١٨٣

ولأنّ العقد إذا جمع عوضين ، وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر على قدر قيمة الآخر في نفسه ، فإن كان مختلف القيمة ، اختلف ما يأخذه(١) من العوض ، كما لو باع ثوبين بدراهم ، فإذا احتيج إلى معرفة ثمن كلٍّ منهما ، قوّم الثوبين وقسّم على قدر القيمتين ، فلو كانت قيمة أحدهما ستّة والآخر ثلاثة وبِيعا بعشرة ، بسطت عليهما أثلاثاً. وبهذا الطريق يعرف قيمة شقص الشفعة ، المنضمّ إلى غيره. وكذا لو تلف أحد العبدين المبيعين صفقةً في يد البائع قبل القبض ، فكذا هنا إذا باع مُدّاً ودرهماً بمُدَّيْن ، فينظر إلى ما يساوي الدرهم ، فيكون مُدّاً ونصفاً ، فيخصّ الدرهم ثلاثة أخماس المـُدَّيْن(٢) .

والجواب : جاز أن يكون في القلادة من الذهب ما يزيد ، فتجب معرفة القدر ، فلهذا أوجب الفصل. وقسط الثمن لا يقتضي شراء كلّ جزء بما قسط عليه من الثمن.

فروع :

أ - لو باع نوعين من جنس واحد مختلفي القيمة بنوعٍ واحد ، كدينار معزّي ودينار أبريزي بدينارين أبريزية ، جاز مع التساوي قدراً ، ولا اعتبار بالقيمة عندنا. وكذا لو باع درهماً صحيحاً بدرهم مكسور أو درهماً صحيحاً ودرهماً مكسوراً بصحيحين أو مكسورين ، سواء قلّت قيمة المكسور عن‌

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : ما يأخذ. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٧٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٤ - ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣ ، المغني ٤ : ١٦٩ - ١٧٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٧٠ - ١٧١.

١٨٤

قيمة الصحيح أو لا. وكذا درهم وثوب بدرهمين ، وبه قال أحمد في الجنس الواحد(١) ، كبيع دينارين مختلفين بدينارين متّفقين ، وكبيع مكسور وصحيح بمكسورين أو صحيحين.

وجوّزه أبو حنيفة مطلقاً ، ومَنَعه الشافعي مطلقاً ، وقد تقدّم(٢) .

والأصل أنّ الصنعة لا قيمة لها في الجنس ، ولهذا لا يجوز بيع المصوغ بأكثر متفاضلاً.

ب - لو تلف الدرهم المعيّن المنضمّ إلى المـُدّ قبل قبضه أو ظهر استحقاقه‌ وكان المثمن مُدَّيْن ودرهمين ، احتمل بطلان البيع في الجميع حذراً من الربا ؛ لاستلزام بسط الثمن على أجزاء المبيع إيّاه ، فتلفُ نصفه - على تقدير مساواة المـُدّ درهماً - يقتضي سقوط النصف من الثمن ، فيصير ثمن المـُدّ الثاني مُدّاً ودرهماً.

ويحتمل البطلان في التخالف ؛ فإنّ المقتضي لصحّة هذا البيع صرف كلّ جنس إلى ما يخالفه لتحصل السلامة من الربا ، فالدرهم في مقابلة المـُدَّيْن خاصّة ، ويبقى المـُدّ في مقابلة الدرهمين.

ويحتمل التقسيط ؛ لأنّه مقتضى مطلق العقد ، والربا المبطل إنّما يعتبر حين العقد ، وهو في تلك الحال كان منفيّاً.

ج - لو باعه مُدّاً ودرهماً بمُدَّيْن ثمّ تلف الدرهم المعيّن وكان المـُدّ المضاف إليه يساوي درهماً ، وكلٌّ من المـُدَّيْن يساوي درهماً أيضاً ، بقي مُدٌّ في مقابلة المـُدّ الآخر ، وبطل البيع في المـُدّ الثاني.

ولو كان يساوي درهمين ، فقد تلف ثلث العوض ، فيبطل من الآخر ثلثه ، فيبقى مُدٌّ في مقابلة مُدٌّ وثلث مُدٌّ ، ولا يثبت الربا هنا ؛ لأنّ الزيادة‌

____________________

(١) المغني ٤ : ١٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) في ١٤٦ - ١٤٧ ، الفرع ( ب ) من المسألة ٧٧.

١٨٥

حصلت بالتقسيط الثابت بعد صحّة البيع.

د - لو كان كلٌّ من المـُدَّيْن لواحدٍ فباعهما أحدهما ولم يُجز الآخر ، بطل البيع في مُدّه ، وسقط من الثمن نصف المـُدّ ونصف درهم ، وثبتا للبائع في مقابلة مُدّه إن تساويا قيمةً ، ولو اختلفا فكانت قيمة مُدّ الفاسخ نصفَ قيمة مُدّ البائع ، كان للبائع ثلثا مُدٍّ وثلثا درهمٍ عوض مُدّه.

ه- لو باعه مُدّاً ودرهماً بمُدَّيْن فتلف الدرهم قبل القبض وهو يساوي مُدّاً ونصفاً ، فالذي يخصّ الدرهم ثلاثة أخماس المـُدَّيْن ، فيبقى مُدٌّ في مقابلة أربعة أخماس مُدٍّ ، ويجي‌ء الاحتمالات.

و - لو باعه درهماً صحيحاً ومكسوراً بدرهمين صحيحين ثمّ تلف الصحيح المعيّن ، بسطت قيمة الصحيحين على الصحيح والمكسور ، وسقط ما قابل الصحيح منها ، ويجي‌ء الاحتمالات.

مسألة ٩٣ : يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بمثلها‌ ، وبشاة خالية من اللبن ، وبلبن من جنسها ، عند علمائنا ، خلافاً للشافعي(١) .

لنا : الأصل السالم عن معارضة الربا ؛ لأنّ الشاة ليست مقدّرةً بالكيل والوزن ، ولا اللبن الذي في ضرعها ، وإنّما يكون مكيلاً أو موزوناً بعد حلبه ، فأشبه الثمرة على رؤوس النخل. ولأنّه ما دام في الضرع يكون تابعاً للمبيع ليس مقصوداً بالذات.

احتجّ بأنّ اللبن يأخذ قسطاً من الثمن ؛ لحديث المصرّاة ، فإنّ النبيّعليه‌السلام أوجب مع ردّها بعينها صاعاً من تمر(٢) ، ولو لا دخوله في العقد وتقسيط‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٥ / ١١ ، سنن أبي داوُد ٣ : =

١٨٦

الثمن عليه ، لم يضمنه ، كما أنّ المشتري إذا ردّ المبيع بعيبٍ بعد أن حدث عنده نماء أو ولد في يده ، لم يردّ عوض ذلك. ولأنّ اللبن في الضرع كالشي‌ء في الوعاء والدراهم في الخزانة ، وإذا كان له قسط من الثمن ، كان بيع لبن مع غيره بلبن.

والجواب : المنع من أخذه قسطاً من الثمن ، وإلزامه بالصاع ؛ لأنّه فصل اللبن عن الشاة وانتفع به ، والبحث في المتّصل في أساسات الحيطان ، فإنّها تتبع الدار ، ولو قُلعت ، قُوّمت بانفرادها.

سلّمنا ، لكنّ البيع وقع للجملة لا للأجزاء ، ألا ترى أنّه لا يجوز بيعه منفرداً؟

فروع :

أ - لو باع الشاة اللبون بلبن البقر ، جاز عندنا ؛ لأنّه يجوز بيعه بلبن الشاة ، فلبن غيره أولى.

وللشافعي قولان(١) مبنيّان على أنّ الألبان هل هي جنس واحد أو أجناس متعدّدة؟ فعلى الأوّل لا يجوز ، ويجوز على الثاني. ويجب التقابض عنده في الحال قبل التفرّق ، لأنّه بيع لبن بلبن من جنس آخر.

ب - لو كانت الشاة لا لبن فيها ، جاز بيعها بلبن جنسها أو ( من غير )(٢) جنسها. وكذا لو كان في ضرعها لبن فحلبه ثمّ باعها بلبن ، جاز‌

____________________

= ٢٧٠ / ٣٤٤٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٣ / ١٢٥١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٣ و ٢٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٨ و ٣١٩.

(١) اُنظر : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٥٣ ، والحاوي الكبير ٥ : ١٢٣ - ١٢٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٢) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : بغير.

١٨٧

- وبه قال الشافعي(١) - لأنّ المتخلّف في الضرع يسير لا يحلب في العادة ، فلا عبرة له.

ج - لو كانت مذبوحةً وفي ضرعها لبن ، جاز بيعها بلبن ، وبشاة مذبوحة في ضرعها لبن ، وبخالية من لبن. وبحيّةٍ ذات لبن وخاليةٍ عنه ، وبلبن من جنسها.

وقال الشافعي : لا يجوز إذا كان في الشاة المذبوحة لبن ، وإن لم يكن في ضرعها لبن ، جاز إذا سُلّمت لتزول جهالتها(٢) .

د - قد بيّنّا أنّه يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن. ومَنَعه أكثر الشافعيّة(٣) .

وليس بشي‌ء ؛ لأنّ اللبن المتّصل بأصله لا اعتبار به في العوضين ، كما يجوز بيع السمسم بمثله من غير اعتبار الدهن فيهما ، وكذا لو باع داراً مموّهة بالذهب بمثلها أو داراً فيها بئر ماءٍ بمثلها.

احتجّوا بأنّ اللبن في الضرع بمنزلة كونه في الآنية ، فكأنّه باع شاةً ولبناً بشاة ولبن ، ولو كان اللبنان منفصلين ، لم يجز ، وكذا إذا كانا في الضرع.

ثمّ فرّقوا بين السمسم بمثله وبين المتنازع بأنّ الدهن غير موجود فيه بصفته وإنّما يحصل بالتخليص والطحن.

والماء غير مملوك عند بعضهم ، ولا يدخل في البيع ، بل كلّ مَنْ

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦١.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر. وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٦٢ ، المسألة ١٠٠.

(٣) اُنظر المصادر في الهامش (١) من ص ١٨٥.

١٨٨

أخذه استحقّه. وعند آخرين أنّه مملوك وأصل في البيع إلّا أنّ في ثبوت الربا في الماء قولين ، فإن نفيناه عنه ، فلا بحث ، وإلّا منعنا من بيع الدار بالدار وفيهما ماء.

والجواب : المنع من مساواة كون اللبن في الضرع لكونه في الإناء ؛ لأنّه بعد الحلب مقدّر بكيل أو وزن ، بخلاف كونه في الضرع. ولأنّه كالجزء من الشاة تابع للمبيع لا أصلا ، بخلاف المحلوب.

وما ذكروه في دهن السمسم ينقض عليهم المنع من بيع السمسم بالشيرج ، فإنّه إذا لم يكن في السمسم بصفته ، لم يمنع مانع من بيعه بالدهن. وكون الماء غير مملوك باطل.

ه- يجوز بيع نخلة فيها ثمر بنخلة مثمرة أو بثمرة أو بنخلة خالية ؛ لما مرّ في الشاة ، خلافاً للشافعي(١) .

مسألة ٩٤ : كلّ ما لَه حالتا رطوبة وجفاف من الربويّات يجوز بيع بعضه ببعض‌ مع تساوي الحالين إذا اتّفق الجنس. وإن اختلف ، جاز مطلقاً ، فيجوز بيع الرطب بمثله ، والعنب بمثله ، والفواكه الرطبة بمثلها ، والحنطة المبلولة بمثلها ، واللحم الطري بمثله ، والتمر والزبيب والفواكه الجافّة ، والمقدَّد والحنطة اليابسة كلّ واحد بمثله - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد وأحمد والمزني(٢) - لوجود المقتضي ، وهو عموم الحلّ ، السالم عن معارضة الربا ؛ لتساويهما في الحال وفيما بعدُ. فإن اختلفا في حالة اليبس ، فبشي‌ء يسير لا اعتبار به كالتمر الحديث‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٢٥.

(٢) المدوّنة الكبرى ٤ : ١٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٤ : ٢٤٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨٨ ، المغني ٤ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

١٨٩

بالعتيق. ولأنّ معظم منفعته في حال رطوبته ، فجاز بيع بعضه ببعضٍ ، كاللبن.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع الرطب بالرطب متساوياً ؛ لأنّهما على غير حالة الادّخار ، ولا نعلم تساويهما في حالة الادّخار ، فلم يجز بيع أحدهما بالآخر ، كالرطب بالتمر(١) .

وهو ضعيف ؛ لما بيّنّا من التفاوت اليسير.

وينتقض بالرطب الذي لا يصير تمراً في العادة ، كالبربن وشبهه ، فإنّ فيه قولين(٢) ، وكذا الفواكه التي لا تجفّف والبقول.

وأمّا إن باع بعض الجنس الواحد ببعض مع اختلاف الحالين ، كبيع الرطب بالتمر ، والعنب بالزبيب ، واللحم الطري بالمقدَّد ، والحنطة المبلولة باليابسة ، والفاكهة الجافّة بالرطبة ، فالمشهور عند علمائنا : المنع وإن تساويا قدراً - وبه قال سعد بن أبي وقّاص وسعيد بن المسيّب ومالك وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو يوسف ومحمّد(٣) - لما رواه الجمهور : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سُئل عن بيع الرطب بالتمر ، فقال : « أينقص الرطب إذا يبس؟ » فقالوا : نعم ، فقال : « فلا إذَنْ »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام

____________________

(١) مختصر المزني : ٧٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٦٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ ، المغني ٤ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٤.

(٣) المغني ٤ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦١ ، بداية المجتهد ٢ : ١٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٥٩ - ٦٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

(٤) سنن الدار قطني ٣ : ٥٠ / ٢٠٦ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٣٨ ، المغني ٤ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩.

١٩٠

قال : « لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أنّ اليابس يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص »(١) .

ولأنّه جنس يجري فيه الربا بِيع بعضه ببعض على صفة يتفاضلان في حال الكمال والادّخار ، فوجب أن لا يجوز ، كالحنطة بالدقيق.

وقال بعض(٢) علمائنا بالجواز مع التساوي - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن العنب بالزبيب ، قال : « لا يصلح إلّا مِثْلاً بمثل » قال : « والتمر والرطب مِثْلاً بمثل»(٤) .

ولأنّه وجد التساوي فيه كيلاً حال العقد ، فالنقصان بعد ذلك لا يؤثّر فيه ، كالحديث والعتيق.

والرواية ضعيفة ؛ لأنّ سماعة في طريقها. والقياس لا يُسمع في مقابلة النصّ ، مع قيام الفرق ؛ فإنّ الحديث والعتيق على صفة الادّخار ولقلّة النقصان فيه لا يمكن الاحتراز عنه.

فروع :

أ - نبّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : « أينقص إذا جفّ؟ »(٥) على علّة الفساد ، وأنّ المماثلة عند الجفاف تعتبر - وإلّا فهوعليه‌السلام يعلم النقصان عند الجفاف - [ و ](٦) جَعْل الوصف المنصوص عليه علّةً بالنصّ يقتضي‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٤ / ٣٩٨ ، الاستبصار ٣ : ٩٣ / ٣١٤.

(٢) هو ابن إدريس في السرائر ٢ : ٢٥٨ - ٢٥٩.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٣١ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٥٩ - ٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، المغني ٤ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦١.

(٤) التهذيب ٧ : ٩٧ / ٤١٧ ، الاستبصار ٣ : ٩٢ / ٣١٣.

(٥) اُنظر : المصادر في الهامش (٤) من ص ١٨٩.

(٦) أضفناها لأجل السياق.

١٩١

العموميّة في جميع صُور موارده.

ب - لا خلاف في جواز بيع الرطب بالتمر في صورة العرايا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

ج - قد بيّنّا عموميّة الحكم في جميع صُور الوصف الذي هو النقص عند الجفاف ، وأنّه لا يجوز بيع رطبه بيابسه ، سواء اتّفقت العادة بضبط الناقص أو لا. ويجوز عندنا بيع رطبه برطبه متساوياً ، خلافاً للشافعي(١) في الأخير.

وحكى إمام الحرمين وجهاً للشافعي في المشمش والخوخ وما لا يعمّ تجفيف رطبه أنّه يجوز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة ؛ لأنّ رطوبتها أكمل أحوالها ، والتجفيف ، في حكم النادر(٢) .

د - يجوز بيع الحنطة المقليّة بمثلها متساوياً وبغير المقليّة ؛ لقلّة الرطوبة فيها.

وخالف الشافعي(٣) فيهما معاً.

ه- لا يجوز بيع الحنطة وفروعها بالنخالة متفاضلاً ؛ لأنّهما جنس واحد ؛ حيث إنّ أصلهما الحنطة.

وقال الشافعي : يجوز ؛ لأنّ النخالة ليست مطعومةً(٤) .

ونحن نمنع التعليل بالطعم.

و - لا يجوز بيع الحنطة المسوّسة بالحنطة المسوّسة إذا لم يبق فيها‌

____________________

(١) اُنظر المصادر في الهامش (١) من ص ١٨٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ١٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

١٩٢

لبٌّ إلّا متساوياً ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه سوّغ البيع مع التفاضل ، حيث علّل بالطعم(١) . وهو ممنوع.

ز - المأكولات التي لا تكال ولا توزن كالمعدودات لا ربا فيها عندنا ، إلّا على رأي مَنْ يُثبت الربا في المعدودات.

وللشافعي قولان ، ففي القديم : لا ربا فيها. وفي الجديد : يثبت(٢) .

فعلى قولنا وقوله القديم يجوز التفاضل فيها ، كرُمّانة برُمّانتين وسفرجلة بسفرجلتين. وعلى الجديد لا يجوز بيع المتفاضل.

وأمّا مع التساوي : فإن كان ممّا ييبس وتبقى منفعته يابساً كالخوخ المشمّس ، فإذا جفّ ، جاز بيع بعضه ببعض متساوياً ، ولا يجوز بيع بعضه ببعض رطباً عنده(٣) ، كما لا يجوز بيع الرطب بالرطب عنده(٤) .

وإن كان ممّا لا ييبس ولا ينتفع بيابسه كالقثّاء والخيار وشبههما ، ففي جواز بيع بعضه ببعض رطباً متساوياً قولان : المنع ، نصّ عليه في الاُم ؛ لأنّ بعضه يحمل من الماء أكثر من البعض. والجواز ؛ لأنّ معظم منفعته في حال رطوبته ، فجاز ، كاللبن باللبن. وكذا حكم الرطب الذي لا يصلح للتجفيف والعنب الذي لا يصلح لذلك(٥) .

ثمّ إنّ هذا المبيع إن كان ممّا لا يمكن كيله ، كالقثّاء والبطّيخ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٧ و ٢٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٣٤ - ٣٣٧ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٤٤ ، المجموع ٩ : ٣٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٨ - ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤ - ٤٥.

(٣ و ٤ ) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ و ٥٥.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ و ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ و ٥٥.

١٩٣

والخيار وما أشبهه ، فإنّه يباع بعضه ببعض وزناً متساويين عنده ، وإن كان ممّا يمكن كيله ووزنه ، كالتفّاح والخوخ الصغار ، فوجهان : جواز بيع بعضه ببعض وزناً ؛ لأنّه أحصر له. والكيل ؛ لأنّ الاُصول الأربعة كلّها مكيلة ، فرُدّت إليها(١) .

مسألة ٩٥ : يجوز بيع مُدّ حنطة فيها قَصَل‌ٌ - وهو عقد التبن - أو زُؤان - وهو حبّ أسود غليظ الوسط - أو تراب بمجرى العادة بمُدّ حنطة مثله أو بخالص من ذلك ، عند علمائنا ، وكذا إذا كان في أحدهما شعير ، سواء كثر عن الآخر أو ساواه ، وسواء زاد في الكيل أو لا ؛ عملاً بالأصل السالم عن الربا ؛ لأنّ التقدير تساويهما وزناً أو كيلاً. والقَصَل والزُّؤان والتراب بمجرى العادة والشعير لا يؤثّر ؛ لقلّته ، فأشبه الملح في الطعام والماء اليسير في الخلّ.

وقال الشافعي : لا يجوز بيعه بمثله ولا بالخالص. أمّا بمثله : فللاختلاف ؛ إذ قد يكون القَصَل وشبهه في أحدهما أكثر. وأمّا بالخالص : فلتفاضل الحنطتين. أمّا إذا كان التراب يسيراً جدّاً بحيث لا يزيد في الكيل ، فإنّه يجوز بيعه بمثله لا بالخالص. وكذا التبن الناعم جدّاً ؛ لأنّه لا يأخذ قسطاً من المكيال ؛ لأنّه يكون في خلل الحنطة ، فلا يؤدّي إلى تفاضل الكيل وتفاوت الحنطتين. ولا يجوز فيما يوزن وإن قلّ التراب ، عنده ؛ لأنّ قليله يؤثّر في الميزان(٢) .

تذنيب : حكم الدرديّ في الخَلّ والثفل في البزر‌ حكم التراب في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٩ - ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤.

١٩٤

الحنطة.

تنبيه : لو كان أحد العوضين مشتملاً على الآخر غير مقصود ، صحّ مطلقاً ، كبيع دار مموّهة بالذهب بالذهب.

المطلب الثاني : في شرط التقدير.

قد عرفت أنّه يشترط في الربا أمران : الاتّحاد في الجنس ، وقد مضى. وكونهما مقدَّرين بالكيل أو الوزن إجماعاً.

وهل يثبت الربا مع التقدير بالعدد؟ الأصحّ : المنع ؛ عملاً بالأصل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكون الربا إلّا فيما يكال أو يوزن »(١) .

وسُئلعليه‌السلام عن البيضة بالبيضتين ، قال : « لا بأس ما لم يكن فيه كيل ولا وزن »(٢) .

إذا تقرّر هذا ، فلا ربا إلّا فيما يكال أو يوزن مع التفاوت. ولو تساويا قدراً ، صحّ البيع نقداً.

ولو انتفى الكيل والوزن معاً ، جاز التفاضل نقداً ونسيئةً ، كثوبٍ بثوبين وبيضة ببيضتين ، سواء اختلفت القيمة أو اتّفقت.

مسألة ٩٦ : الأجناس الأربعة - أعني الحنطة والشعير والتمر والملح - مكيلة في عهده‌صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يباع بعضها ببعض إلّا مكيلةً. ولا يجوز بيع شي‌ء منها بشي‌ء آخر من جنسها وزناً بوزن وإن تساويا ، ولا يضرّ مع الاستواء في الكيل التفاوتُ في الوزن. وأمّا الموزون : فلا يجوز بيع بعضه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٦ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ١٧٥ / ٧٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ /٧٤ ، و ١٩ ، ٨١ ، و ٩٤ ، ٣٩٧ ، و ١١٨ / ٥١٥ ، الاستبصار ٣ : ١٠١ / ٣٥٠.

(٢) التهذيب ٧ : ١١٨ / ٥١٣ ، الاستبصار ٣ : ١٠٠ - ١٠١ / ٣٤٩.

١٩٥

ببعض كيلاً ، ولا يضرّ مع الاستواء في الوزن التفاوتُ في الكيل - وبه قال الشافعي(١) - لأدائه إلى التفاضل في المكيال ؛ لاحتمال أن يتفاوتا بأن يكون أحدهما أوزن وأثقل من البعض ، فيأخذ الأخفّ في المكيال أكثر فيتفاضلا في الكيل ، وقد نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه(٢) .

أمّا لو تساويا في الثقل والخفّة وعلم التفاوت(٣) بينهما ، فالأقرب : الجواز - خلافاً للشافعي(٤) - لأنّ التفاوت اليسير لا اعتبار به ، كما في قليل التراب.

أمّا الملح إذا كان قِطَعاً كباراً ، فإنّه يباع وزناً ؛ لتجافيه في المكيال ، فيعتبر حاله الآن - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٥) - نظراً إلى ما لَه من الهيئة في الحال.

والآخر : أنّه يسحق ويباع كيلاً(٦) . وليس بمعتمد.

وكذا كلّ ما يتجافى في المكيال يباع بعضه ببعض وزناً.

وأمّا ما عدا الأجناس الأربعة : فإنّ كان موزوناً على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو موزون. وكذا إن كان مكيلاً في عهدهعليه‌السلام ، حُكم فيه بالكيل ، فلو أحدث الناس خلاف ذلك ، لم يعتدّ بما أحدثوه ، وكان المعتبر تقرير الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أو العادة في عهدهعليه‌السلام ، وبه قال الشافعي(٧) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٢١٠ / ١٥٨٧.

(٣) في « ق » : « التقارب » بدل « التفاوت ».

(٤) اُنظر : المصادر في الهامش (١).

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

(٧) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

١٩٦

وحكي عن أبي حنيفة أنّه يعتبر فيه عادات البلدان(١) .

وقد روى ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « المكيال مكيال المدينة والميزان ميزان مكة »(٢) .

ولأنّ المعتاد في زمانهعليه‌السلام يضاف التحريم إليه كيلاً أو وزناً ، فلا يجوز أن يتغيّر بعد ذلك ؛ لعدم النسخ بعدهعليه‌السلام .

وأمّا ما لم يكن على عهدهعليه‌السلام ولا عُرف أصله بالحجاز أو لم يكن أصلاً في الحجاز فإنّه يرجع فيه إلى عادة البلد ، وبه قال أبو حنيفة ؛ فإنّه قال : المكيلات المنصوص عليها مكيلات أبداً ، والموزونات موزونات أبداً ، وما لم ينصّ عليه فالمرجع فيه إلى عادة الناس(٣) ؛ لأنّ أنساً قال: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ما وزن مِثْلاً بمِثْل إذا كان نوعاً واحداً ، وما كِيل منه مِثْلاً بمِثْل إذا كان نوعاً واحداً »(٤) .

ولأنّ غير المنصوص قد عُهد من الشارع ردّ الناس فيه إلى عوائدهم ، كما في القبض والحرز والإحياء ، فإنّها تُردّ إلى العرف ، وكذا هنا.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه يردّ إلى عادة الحجاز في أقرب الأشياء شبهاً به ، كالصيد يتبع فيه ما حكمت الصحابة به في قتل المحرم. وما لم يحكم فيه بشي‌ء يردّ إلى أقرب الأشياء شبهاً به.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠.

(٢) مصابيح السنّة ٢ : ٣٣٨ ، ٢١٢١ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٢ : ٣٩٢ / ٣٩٣ ، ١٣٤٤٩ ، حلية الأولياء ٤ : ٢٠ ، وفيها : « مكيال أهل المدينة ميزان أهل مكة ».

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٢ ، الكتاب - بشرح اللباب - ١ : ٢٦٦ - ٢٦٧.

(٤) سنن ، الدارقطني ٣ : ١٨ / ٥٨ ، المغني ٤ : ١٣٦ - ١٣٧.

١٩٧

والثاني : يعتبر عادة البلاد ويحكم فيه بالغالب ، كما في الحرز والإحياء والقبض حين ردّ الناس فيه إلى العرف. وينبغي أن يكون مع استواء البلاد فيه - فكأنّه لا يعلم الكيل أغلب عليه أو الوزن - أن يردّ إلى أقرب الأشياء شبهاً ؛ لتعذّر العرف فيه(١) .

فروع :

أ - ما أصله الكيل يجوز بيعه وزناً سلفاً وتعجيلاً ، ولا يجوز بيعه بمثله وزناً ؛ لأنّ الغرض في السلف والمعجّل بغير جنسه معرفة المقدار ، وهو يحصل بهما ، والغرض هنا المساواة ، فاختصّ البيع في بعضه ببعض به.

ب - إذا كان الشي‌ء يكال مرّة ويوزن اُخرى ولم يكن أحدهما أغلب ، فالوجه : أنّه إن كان التفاوت بين المكاييل يسيراً ، جاز بيع بعضه ببعضٍ متماثلاً وزناً وكيلاً. وإن كان التفاوت كثيراً ، لم يجز بيعه وزناً ، بل كيلاً.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان أكبر جرماً(٢) ، اعتبر الوزن ؛ لأنّه لم يعهد في الحجاز الكيل فيما هو أكبر جرماً من التمر. وإن كان مثله أو أصغر ، فوجهان : الوزن ؛ لقلّة تفاوته. والكيل ؛ لعمومه ؛ فإنّ أكثر الشبه مكيل(٣) .

وقال بعضهم : ينظر إلى عادة الوقت(٤) .

____________________

(١) اُنظر العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١.

(٢) أي : أكبر جرماً من التمر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

١٩٨

ج - لو كان الشي‌ء يباع في بعض البلاد جزافا وفي بعضها كيلا أو وزنا‌ ولم يكن له أصل أو لم يعرف ، قال الشيخ : يحكم بالربا بالاحتياط(١) .

وقيل : يحكم بعادة البلد الذي يقع فيه(٢) .

د - لو اختلفت البلدان فكان في بعضها يباع كيلا وفي بعضها يباع وزناً وفي بعضها جزافاً ، فالوجه : ما تقدّم أيضاً من أنّ لكلّ بلد حكم نفسه ، فيحرم التفاضل فيه إذا كان في بلد يكال أو يوزن. ويجوز في غيره.

وقال بعض الشافعيّة : الاعتبار بعادة أكثر البلدان ، فإن اختلفت العادة ولا غالب ، اعتبر بأشبه الأشياء به(٣) .

وقال بعضهم : الاعتبار بعادة بلد البيع(٤) .

ه- لا فرق بين المكيال المعتاد في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر المكاييل المحدثة بعده ، كما أنّا إذا عرفنا التساوي بالتعديل في كفّتي الميزان ، نكتفي به وإن لم نعرف قدر ما في كلّ كفّة.

و - لا بُدّ في المكيال من معرفة مقداره ، فلا يجوز التعويل على قصعة ونحوها ممّا لا يعتاد الكيل بها ، إلّا إذا عرف نسبتها إلى الصاع. وكذا الوزن لا بُدّ من اعتباره بالأرطال المعهودة المقدّرة في نظر الشرع ، فلو عوّلا على صنجة مجهولة ، لم يصحّ.

وقد يمكن الوزن بالماء بأن يوضع الشي‌ء في ظرف ويلقى على الماء وينظر إلى مقدار غوصة. لكنّه ليس وزناً شرعيّاً ولا عرفيّاً ، فيحتمل التعويل‌

____________________

(١) النهاية : ٣٧٨.

(٢) القائل هو المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ٤٥ ، والمختصر النافع : ١٢٧.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠.

١٩٩

في الربويّات عليه.

مسألة ٩٧ : ما يباع كيلاً أو وزناً لا يجوز بيعه مجازفةً‌ - وبه قال الشافعي(١) - لما فيه من الغرر المنهيّ عنه.

ولقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « ما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح مجازفةً »(٢) .

وقال مالك : يجوز في البادية بيع المكيل دون الموزون جزافاً(٣) ؛ لأنّ المكيال يتعذّر في البادية ، وفي التكليف به(٤) مشقّة ، فجاز بالحزر والتخمين ، كبيع التمر بالرطب في العرايا.

والجواب : نمنع تعذّر المكيال ؛ لأنّه يمكن بالقصعة وشبهها ممّا لا يخلو أحد عنه غالباً ، ويُعلم تقديره إمّا تحقيقاً أو تقريباً. نعم ، الميزان يتعذّر غالباً. ويعارض بأنّ الكيل معنى يعتبر المماثلة والمساواة به فيما يجري فيه الربا ، فاستوى فيه الحضر والبادية كالوزن. وبيع العرايا مستثنى ؛ لحاجة الفقراء إلى الرطب.

فروع :

أ - المراد جنس المكيل والموزون وإن لم يدخلاه‌ إمّا لقلّته كالحبّة والحبّتين أو لكثرته كالزُّبْرة(٥) العظيمة.

ب - إذا خرج بالصنعة عن الوزن ، جاز التفاضل فيه ، كالثوب‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٤٤.

(٢) الفقيه ٣ : ١٤٣ / ٦٢٧ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ / ٥٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٠٢ / ٣٥٥.

(٣) حلية العلماء ٤ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٢.

(٤) في « ق ، ك» : وفي تكليفهم إيّاه.

(٥) أي : القطعة الضخمة من الحديد. لسان العرب ٤ : ٣١٦ « زبر ».

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

قولي الشافعي ، والأصحّ عنده : البطلان(١) .

وكذا الخلاف لو ربح الغاصب في المغصوب ، يكون الربح له أو للمالك؟(٢) .

والحقّ عندنا أنّه إن اشترى بعين المال ، كان للمالك الربحُ مع الإجازة. وإن لم يجز ، بطل البيع من أصله. وإن اشترى في الذمّة ، فللغاصب الربحُ ؛ لأنّه نقد المال ديناً عليه.

و - لو باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيٌّ وأنّه فضوليٌّ فظهر بعد العقد أنّه كان ميّتاً وأنّ الملك كان للبائع ، فإنّه يصحّ البيع ؛ لصدوره من المالك في محلّه ، وهو أصحّ قولي الشافعي(٣) . وهذا بخلاف ما لو أخرج مالاً وقال : إن مات مورّثي فهذا زكاة ما ورثته منه ، وكان قد ورث ، فإنّه لا يجزئه ؛ لأنّ النيّة شرط في الزكاة ، ولم يبن نيّته على أصل ، أمّا البيع فلا حاجة له إلى النيّة.

والثاني للشافعي : البطلان ، فإنّه وإن كان منجّزاً في الصورة إلّا أنّه معلّق في المعنى. والتقدير : إن مات مورّثي فقد بعتك. ولأنّه كالعابث حيث باشر العقد مع اعتقاده(٤) أنّه لغيره ، والعبث لا عبرة به في نظر الشرع(٥) .

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٣ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٤) في « ق ، ك» : اعتقاد.

(٥) الوسيط ٣ : ٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ - ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

٢٢١

وأمّا الهازل فلا ينعقد بيعه عندنا. وفي انعقاده عنده وجهان(١) .

وكذا بيع التلجئة باطل عندنا. وصورته أن يخاف غصب ماله والإكراه(٢) على بيعه فيبيعه من إنسان بيعاً مطلقاً ولكن توافقا قبله على أنّه لدفع الظلم.

وظاهر مذهب الشافعي انعقاده(٣) .

وهو خطأ ؛ لقوله تعالى :( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٤) .

وكذا الخلاف عنده لو باع العبد على [ ظنّ ](٥) أنّه آبق أو مكاتب فظهر أنّه قد رجع أو فسخ الكتابة ، وفيما إذا زوّج أمة أبيه على ظنّ أنّه حيّ ثمّ بان موته هل يصحّ النكاح؟(٦)

والوجه عندنا : صحّة ذلك.

أمّا لو قال : إن مات أبي فقد زوّجتك هذه الجارية ، فإنّ العقد هنا باطل ، لتعلّقه على شرط. وله قولان(٧) .

وهذه المسألة مع أكثر فروعها قد سبقت(٨) .

مسألة ١١١ : يجوز بيع الأعمى وشراؤه‌ ، سواء كان أكمه وهو الذي‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٢) كذا ، والظاهر : أو الإكراه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، المغني ٤ : ٣٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩.

(٤) النساء : ٢٩.

(٥) أضفناها من المصدر.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ - ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٨) في ص ١٤ وما بعدها ، المسألة ٥ وفروعها.

٢٢٢

خُلق أعمى ، أو يكون قد عمي بعد أن أبصر لكن بشرط علمه بالمبيع أو المشتري إمّا باللمس إن عرفه به أو بالذوق إن علمه به أو يوصف له وصفاً يرفع الجهالة - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(١) - لعموم الجواز. ولأنّه بيع صدر من أهله في محلّه ، فكان سائغاً. ولأنّ المقتضي موجود ، والأصل ، والمعارض لا يصلح للمانعيّة ؛ لأنّا فرضنا معرفته ، فكان كما لو باع شيئاً غائباً عنه يعلم بالمشاهدة. ولأنّ في الصحابة مَنْ كان أعمى ولم ينقل أنّهم منعوا من البيع مع كثرتهم ، ولو كانوا منعوا ، لنقل. ولأنّ الأخرس تقوم إشارته مقام عبارته فالأعمى ينبغي أن يقوم مسّه وذوقه وشمّه مقام رؤيته.

وقال الشافعي : إن كان أكمه ، لم يجز بيعه. وإن كان عمي بعد أن كان بصيراً ، فإن اشترى ما لم يره ، لم يجز البيع. وإن اشترى ما قد كان رآه ، فإن كان الزمان يسيراً لا يتغيّر في مثله أو كان المبيع ممّا لا يتغيّر وإن مرّ عليه الزمان الطويل ، فإنّ هذا يجوز له بيعه. فإنّ وجده متغيّراً ، ثبت له الخيار. وإن كان قد مضى زمان يتغيّر فيه كأن رآه صغيراً(٢) وقد صار رجلاً ، فإنّه لا يصحّ بيعه.

هذا على القول بعدم جواز بيع خيار الرؤية ، وأمّا على الجواز فهل يصحّ بيعه؟ فيه وجهان :

أحدهما : لا يجوز أيضاً ؛ لأنّ بيع خيار الرؤية يثبت فيه الخيار متعلّقاً

____________________

(١) التلقين - في الفقه المالكي - ١ - ٢ : ٣٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٧٩ ، ١١٥٧ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢.

(٢) أي : كأن رأى العبد المبيع صغيراً.

٢٢٣

بالرؤية ، وهذا منفي في حقّ الأعمى.

والثاني : يجوز ؛ لأنّ رؤيته إذا لم تكن شرطاً في صحّة البيع فلم يفقد في حقّ الأعمى إلّا الرؤية. ويمكن أن يقوم صفة غيره له مقام رؤيته في إثبات الخيار.

ووجه المنع : أنّه مبيع مجهول الصفة عند العاقد ، فلا يصحّ بيعه ، كما لو قال : بعتك عبداً(١) .

والجواب : المنع من جهل الصفة ، إذ التقدير العلمُ بها.

إذا ثبت هذا ، فقد أثبت علماؤنا وأبو حنيفة(٢) له الخيار إلى معرفته بالمبيع إمّا بمسّه أو بذوقه أو أن يوصف له إذا لم يدركه بذلك.

واعلم أنّ السَّلَم كالحالّ يجوز بيع الأعمى فيه وشراؤه كالبصير ، وبه قال الشافعي(٣) .

قال المزنيّ : أراد بذلك الأعمى الذي عرف الألوان قبل أن يعمى ، فأمّا مَنْ خُلق أعمى فلا معرفة له بالأعيان.

وصوَّب المزنيَّ أبو العباس وأبو علي ابن أبي هريرة. وخطّأه أبو إسحاق المروزي ؛ فإنّ الأعمى يجوز أن يتعرّف الصفات في نفسه‌

____________________

(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٧٠ - ١٧١ ، المسألة ٢٧٩. وانظر : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، والمجموع ٩ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، والتهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، ومختصر اختلاف العلماء ٣ : ٧٩ ، ١١٥٧ ، والمغني ٤ : ٢٩٩ ، والشرح الكبير ٤ : ٣٢.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٨ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣ و ٥٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٥.

٢٢٤

بالسماع ، فإذا أسلم في ثوب موصوف ، جاز ، ويكون بمنزلة بصير يُسلم في شي‌ء لم يره ويذكر أوصافه ، فإنّه يجوز ، كذا هنا(١) .

وهذه المسألة أيضاً قد سلفت(٢) .

مسألة ١١٢ : من الغرر جهالة الثمن على ما تقدّم‌ ، ومن صُور الجهالة أن يبيع الشي‌ء بثمنين مختلفين أحدهما حالٌّ والآخر مؤجّل ، أو أحدهما إلى أجل والآخر إلى أزيد ، فيقول مثلاً : بعتك هذا الثوب إما بعشرة دراهم نقدا أو باثني عشر نسيئة ، وإمّا بعشرة مؤجّلة إلى شهر أو باثني عشر إلى شهرين - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيعتين(٤) في بيعة(٥) .

وفسّره الشافعي بأمرين ، أحدهما هذا ، قال : ويحتمل أن يكون المراد أن يقول : بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك هذه بألف(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن‌

____________________

(١) مختصر المزني : ٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٥٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ - ٣٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣ و ٥٤.

(٢) في ص ٢٤ ، المسألة ٧.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٤ ، الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٤ ، الوسيط ٣ : ٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٦.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : بيعين. وما أثبتناه من المصادر.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٥٣٣ / ١٢٣١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٣ ، مسند أحمد ٢ : ٣٦٦ / ٦٥٩١ ، و ٣ : ٢٤٦ / ٩٧٩٥ ، و ٢٩٧ / ١٠١٥٧ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٣ / ٧٢.

(٦) مختصر المزني : ٨٨ ، الوسيط ٣ : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٤ ، المجموع ٩ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٦ - ٥٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٤.

٢٢٥

بيع ما ليس عندك ، وعن بيعين في بيع »(١) .

ولأنّ الثمن هنا مجهول ، فكان بمنزلة ما لو قال : بعتك هذا العبد أو هذه الجارية بألف.

أمّا لو قال : بعتك بعشرة نقداً وباثني عشر إلى شهر ، فإنّه كذلك عندنا ؛ لعدم التعيين.

وقال بعض(٢) علمائنا : يكون للبائع أقلّ الثمنين في أبعد الأجلين ؛ لأنّه رضي بنقل العين في مقابلة الثمن القليل بالأجل الكثير ، فلا تجوز الزيادة عليه لأجل الزيادة في الأجل.

ولما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائهعليهم‌السلام : « أنّ عليّاًعليه‌السلام قضى في رجل باع بيعاً واشترط شرطين : بالنقد كذا ، وبالنسيئة كذا ، فأخذ المبتاع على ذلك الشرط فقال : هو بأقلّ الثمنين وأبعد الأجلين ، يقول : ليس له إلاّ أقلّ النقدين إلى الأجل الذي أجّله نسيئةً »(٣) .

والجواب : يُمنع رضاه بالأقلّ ثمناً والأزيد أجلاً ، بل رضي بالأقلّ ثمناً مع قلّة الأجل ، وبالأكثر مع زيادته.

والرواية ضعيفة جدّاً ؛ لأنّ السكوني ضعيف ، والراوي عنه النوفلي ضعيف أيضاً.

وجوّز بعض الشافعيّة هذا البيع(٤) ، ويكون له بعشرة معجّلاً ، وباثني عشر مؤجّلاً.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٥.

(٢) الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٨٧ - ٣٨٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٥٣ / ٢٣٠.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٤.

٢٢٦

إذا ثبت هذا ، فالتفسير الذي ذكره الشافعي ثانياً ليس بشي‌ء عندنا ؛ لأنّه يجوز البيع بشرط على ما يأتي إن شاء الله.

تذنيب : لو قال : بعتك نصف هذا العبد بألف ونصفه بألفين ، صحّ. ولو قال : بعتك هذا العبد بألف نصفه بستمائة ، لم يصحّ ؛ لأنّ ابتداء كلامه يقتضي توزيع الثمن على المثمن بالسويّة ، وآخره يناقضه ، هكذا قال بعض الشافعيّة(١) .

والأقوى عندي : الجواز ؛ لأنّ الأوّل كالمطلق أو العامّ ، والثاني كالمبيِّن له.

مسألة ١١٣ : من صُور جهالة الثمن ما لو استثنى بعضاً منه غير معلوم‌ كأن يقول : بعتك بعشرة إلّا شيئاً ، أو جزءاً ، أو نصيباً ، ولم يُعيّن. ولا يحمل على الوصيّة اقتصاراً بما يخالف العرف على مورد النصّ خصوصاً مع عدم التنصيص في غيره.

ولو قال : بعتك هذا القفيز من الطعام بأربعة دراهم إلّا ما يخصّ واحداً منه ، فإن أراد ما يساوي واحداً في الحال ، فإن عرفا المقدار ، صحّ ، وإلّا فلا.

وإن أراد ما يساوي واحداً عند التقويم ، بطل ؛ لأنّه مجهول.

وإن أراد ما يخصّه إذا وُزّع القفيز على المبلغ المذكور قبل الاستثناء ، صحّ ، وكان الاستثناء(٢) للربع ، فيصحّ البيع في ثلاثة أرباع القفيز بأربعة.

وإن أراد ما يخصّه إذا وُزّع الباقي بعد الاستثناء على المبلغ المذكور على معنى أن يكون قد استثنى من القفيز ما يخصّ واحداً ممّا يستقرّ عليه‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٤.

(٢) في « ق ، ك» : استثناء.

٢٢٧

البيع بعد الاستثناء ، دخلها الدور ، لأنّا لا نعلم قدر المبيع إلاّ بعد معرفة المستثنى وبالعكس ، فنقول : إنّه يبطل البيع ، للجهالة حالة العقد ، إلاّ أن يعرفا ذلك وقت العقد بطريق الجبر والمقابلة أو غيره.

وطريقه أن نقول : المستثنى شي‌ء(١) ، فالمبيع قفيز [ إلّا شيئاً ، فربع قفيز ](٢) إلّا ربع شي‌ء هو الذي يخصّ الدرهم ، وقد تقدّم أنّ الذي يخصّ الدرهم شي‌ء ، فربع قفيز كامل يعدل شيئاً وربع شي‌ء ، فالقفيز الكامل يعدل خمسة أشياء ، فالمستثنى خُمْسه ؛ لأنّ المستثنى شي‌ء وقد ظهر أنّه خُمْسة.

أو نقول : صحّ البيع في الجميع إلّا في شي‌ء - وذلك الشي‌ هو ما يقابل الواحد - بجميع الثمن ، فإذا جبرنا القفيز بشي‌ء وزِدْنا على الأربعة ما يقابله - وهو واحد - صار القفيز بأجمعه يعدل خمسة ، فالمقابل للواحد الخُمْس.

فروع :

أ - لو قال : بعتك بعشرة إلّا ثلث الثمن ، فالثمن سبعة ونصف ؛ لأنّا نفرض الثمن شيئاً فنقول : إنّه قد باعه بعشرة إلّا ثلث شي‌ء يعدل شيئاً كاملاً ، وهو جملة الثمن ، فإذا جبرنا وقابلنا، كانت العشرة الكاملة تعدل شيئاً وثلثاً ، فالشي‌ء الذي هو الثمن ثلاثة أرباع العشرة.

ولو قال : إلّا ربع الثمن ، فالثمن ثمانية. ولو قال : إلّا خُمْس الثمن ، فهو ثمانية وثلث ، وعلى هذا.

ب - لو قال : بعتك بعشرة وثلث الثمن ، فهو خمسة عشر ؛ لأنّا‌

____________________

(١) « الشي‌ء » عند المحاسبين هو العدد المجهول المضروب في نفسه ، في باب الجبر والمقابلة. كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم : ١٠٤٨.

(٢) ما بين المعقوفين من تصحيحنا.

٢٢٨

نفرض الثمن شيئاً مجهولاً ، والثمن يعدل عشرة وثلث شي‌ء ، فعشرة وثلث شي‌ء تعدل شيئاً هو جملة الثمن ، يسقط ثلث شي‌ء بثلث شي‌ء ، تبقى عشرة تعدل ثلثي شي‌ء ، فالشي‌ء الكامل يعدل خمسة عشر.

ولو باعه بعشرة وربع الثمن ، فهو ثلاثة عشر وثلث ؛ لأنّا نفرض الثمن شيئاً ، فعشرة وربع شي‌ء تعدل الثمن وهو شي‌ء ، فإذا أسقطنا ربع شي‌ء بربع شي‌ء ، بقي عشرة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، فكلّ ربع ثلاثة وثلث ، فالثمن ثلاثة عشر وثلث ، وعلى هذا.

ج - لو قال : بعتك نصيبي - وهو السدس مثلاً - من الدار من حساب مائتين ، صحّ البيع‌ وإن جهل في الحال قدر الثمن ، ويكون له سدس المائتين ؛ لأنّ المراد جَعْل المائتين في مقابلة الجميع ، ويكون له ما يقتضيه الحساب.

ولو قال : بعتك نصيبي من ميراث أبي من الدار ، فإن عرف القدر حالة العقد ، صحّ. وإن جهل ، بطل. ولو عرف عدد الورثة وقدر الاستحقاق إجمالاً ، فالأقوى الصحّة ، ويكون له ما يقتضيه الحساب.

وكذا لو قال : بعتك جزءاً من مائة وأحد عشر جزءاً ، فإنّه يصحّ وإن جهل النسبة. وكذا يصحّ لو عكس ، فقال : بعتك نصف تُسْعِ عُشْرِ هذا الموضع وجهل القدر من السهام.

وكذا لو باع من اثنين صفقةً قطعةَ أرضٍ على الاختلاف بأن ورث من أبيه حصّةً ومن اُمّه أقلّ أو أكثر ، وجعل لواحدٍ منهما أحدَ النصيبين وللآخر الباقي ، فإنّه يصحّ وإن جهلا قدر نسبة النصيب إلى الجميع في الحال ونسبة النصيب في الثمن ، ويرجعان إلى ما يقتضيه الحساب ؛ إذ الثمن في مقابلة الجملة ، فلا تضرّ جهالة الأجزاء.

٢٢٩

د - لو باعه خمسة أرطالٍ على سعر المائة باثني عشر درهماً ، صحّ‌ وإن جهل في الحال قدر الثمن ؛ لأنّه ممّا يُعلم بالحساب ، ولا يمكن تطرّق الزيادة إليه ولا النقصان ، فينتفي الغرر ، ويثبت الثمن ثلاثة أخماس درهمٍ ؛ لأنّ نسبة المائة إلى ثمنها - وهو اثنا عشر - كنسبة خمسة إلى ثمنها ، فالمجهول الرابعُ ، فيضرب الثاني - وهو اثنا عشر - في الثالث - وهو خمسة - يبلغ ستّين يقسمها على الأوّل - وهو مائة - يخرج ثلاثة أخماس درهمٍ ، وهو ثمن المبيع. أو نقول : الاثنا عشر عُشْرٌ وخُمْس عُشْر المائة ، فنأخذه بهذه النسبة من الخمسة ، وهو ثلاثة أخماس واحد.

ولو قال : بعتك بخمسة دراهم على سعر المائة باثني عشر ، أخذت ربع وسدس المائة ؛ لأنّ الخمسة ربع وسدس من الاثني عشر(١) .

ه- لو كان له ثلاث قطائع من الغنم ثانيها ثلاثة أمثال أوّلها ، وثالثها ثلاثة أمثال ثانيها ، فاشترى آخر منه ثلثي الأوّل وثلاثة أرباع الثاني وخمسة أسداس الثالث ، اجتمع له مائة وخمسة وعشرون رأساً ، فطريق معرفة قدر كلّ قطيع أن نقول : نفرض القطيع الأوّل شيئاً فالثاني ثلاثة أشياء والثالث تسعة أشياء ، فنأخذ ثلثي شي‌ء وثلاثة أرباع ثلاثة أشياء وخمسة أسداس تسعة أشياء ، ونجمعها ، فتكون عشرة أشياء وربع وسدس شي‌ء ، وهو يعدل مائة وخمسة وعشرين ، فالشي‌ء يعدل اثني عشر.

و - لو تطرّقت الجهالة بعد البيع ، لم تثمر فساده ، بل وقع صحيحاً. ثمّ إن لم يمكن تدارك العلم ، اصطلحا ، ويجبرهما الحاكم عليه قطعاً للتنازع. وإن أمكن ، وجب المصير إليه ، فلو كان له قطعة أرض بين‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : وسدس الاثني عشر.

٢٣٠

شجرتين وقدرها ، أربعة عشر ذراعاً وطول إحدى الشجرتين ستّة وطول الاُخرى ثمانية ، فاجتاز ظبيٌ بينهما فطار إليه طائران من الرأسين بالسويّة حتى تلاقيا على رأس الظبي ، فباع القطعة من اثنين بثمنٍ واحد صفقةً واحدة لأحدهما من أصل شجرته إلى موضع الظبي وللآخر من موضع الظبي إلى أصل الاُخرى ، ثمّ خفي موضع الالتقاء ، فطريق معرفة حقّ كلٍّ منهما أن يجعل ما بين أصل الشجرة القصيرة إلى موضع الظبي شيئاً ونضربه في نفسه ، فيكون الحاصل مالاً(١) ، ونضرب طولها - وهو ستّة - في نفسه ، فيكون المجموع مالاً وستّة وثلاثين ، وجَذْرُه مقدار ما طار الطائر؛ لأنّه وَتَر القائمة ، فيكون مُربَّعه مساوياً لمجموع مُربَّعي صاحبتها بشكل العروس(٢) ، ويبقى من موضع الظبي إلى أصل الاُخرى أربعة عشر إلّا شيئاً مُربّعه مائة وستّة وتسعون ومالٌ إلّا ثمانية وعشرين شيئاً ، ومربّع الطويلة أربعة وستّون مجموعهما مائتان وستّون ومال إلّا ثمانية وعشرين شيئاً ، وهو يعدل مالاً وستّةً وثلاثين ، لتساوي الوَتَرين حيث طارا بالسويّة ، فإذا جبرت وقابلت ، بقي مائتان وأربعة وعشرون تعدل ثمانية وعشرين شيئاً ، فالشي‌ء يعدل ثمانية ، وهو ما بين أصل القصيرة والظبي ، فيبقى ما بينه وبين أصل الاُخرى يعدل ستّةً ، فكلّ وَتَر عشرةٌ.

ز - لو باع اثنين صفقةً قطعة على شكل مثلّث قاعدته أربعة عشر‌

____________________

(١) المال عند المحاسبين هو الحاصل من ضرب الشي‌ء في نفسه ، في الجبر والمقابلة. كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم : ١٤٢٢.

(٢) شكل العروس عند المهندسين هو : أنّ كلّ مثلّث قائم الزاوية فإنّ مربّع وتر زاويته القائمة يساوي مربّعي ضلعيها. وإنّما سُمّي به ؛ لحسنه وجماله. كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم : ١٠٤١.

٢٣١

ذراعاً وأحد ضلعيه الباقيين ثلاثة عشر والآخر خمسة عشر على أن يكون لأحدهما من مسقط العمود في القاعدة إلى أحد الضلعين ، وللآخر منه إلى الضلع الآخر وبسط الثمن على الأذرع ، فطريق معرفة نصيب كلٍّ منهما أن نقول : نفرض ما بين الضلع الأقصر ومسقط العمود شيئاً ، فيكون مربّعه مالاً ومربّع الضلع مائة وتسعة وستون ، وإذا نقص المال منه ، بقي مربّع العمود مائة وتسعة وستّون إلّا مالاً ، ويبقى من مسقط العمود إلى الطرف الآخر أربعة عشر إلّا شيئاً ، ومربّعها مائة وستّة وتسعون ومال إلّا ثمانية وعشرين شيئاً ، ويسقط(١) من مربّع الأوّل ، وهو مائتان وخمسة وعشرون ، تبقى تسعة وعشرون وثمانية وعشرون شيئاً إلّا مالاً ، وهو مربّع العمود ، ويكون معادلاً لمائة وتسعة وستّين إلّا مالاً ، فإذا قابلت ، بقي مائة وأربعون تعدل ثمانيةً وعشرين شيئاً ، فالشي‌ء خمسة ، وهو ما بين طرف القاعدة التي تلي الأقصر ومسقط العمود ، ومربّعه خمسة وعشرون ، وإذا(٢) أسقطناه من مائة وتسعة وستّين ، بقي مائة وأربعة وأربعون ، وهو مربّع العمود. ومن الجانب الآخر يكون ما بين مسقط العمود وطرف القاعدة تسعة مربّعة أحد وثمانون ، وإذا أسقطناه من مائتين وخمسة وعشرين ، تبقى مائة وأربعة وأربعون ، وهو مربّع العمود ، والعمود يكون اثني عشر.

ح - لو قال زيد لعمرو : بعتك داري بثمن [ ما معي و ](٣) ثلث ما معك تمام ثمن المبيع ، فقال عمرو : قبلت(٤) بثمن [ ما معي ](٥) وربع ما معك‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : « وينقص » بدل « ويسقط ».

(٢) في « ك» : فإذا.

(٣ و ٥) ما بين المعقوفين من تصحيحنا.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة زيادة : وبعتك داري. وهي غلط.

٢٣٢

تمامه ، فطريق معرفة قدر الثمن وقدر ما مع كلٍّ منهما أن نفرض ما مع زيد شيئاً وما مع عمرو ثلثه تصحيحاً للثلث ، فإذا أخذ زيد واحداً ، صار معه شي‌ء وواحد ، وهو ثمن المبيع ، وإذا أخذ عمرو ربع ما مع زيد ، صار معه ثلثه وربع شي‌ء ، وهو ثمن المبيع ، فشي‌ء واحد يعدل ثلثه وربع شي‌ء ، فإذا قابلت ، صار ثلاثة أرباع شي‌ء يعدل اثنين ، والشي‌ء يعدل اثنين وثلثي واحد ، فالثمن ثلاثة وثلثا واحدٍ ، فإذا صحّحت الكسر ، كان مع زيد ثمانية ومع عمرو تسعة وثمن المبيع أحد عشر.

ط - لو باعه حوض ماء ركز فيه رمح ظهر حال انتصابه ستّة أذرع ثمّ مال حتى غاب رأسه في الماء ، وكان بين موضعه وقت الانتصاب وموضع رأسه عند المغيب عشرة أذرع من الجانبين ، فطريق معرفة قدر عمقه أن نفرض القدر(١) الغائب من الرمح وقت الانتصاب شيئاً ، فيكون مُربّعه مع مُربّع العشرة مساوياً لمـُربّع الرمح بشكل العروس ، ومُربّع الشي‌ء مالٌ ، ومُربّع العشرة مائة، فمُربّع طول الرمح مالٌ ومائة ، فكان طول الرمح وقت الانتصاب شيئاً وستّة ، ومُربّعه مالٌ واثنا عشر شيئاً وستّة وثلاثون ؛ لأنّ الخطّ إذا انقسم بقسمين ، فإنّ مُربّعه مساوٍ لمـُربّع كلّ قسم ولضرب أحد القسمين في الآخر مرّتين ، فالمال ضرب الشي‌ء في نفسه ، وستّة وثلاثون ضرب ستّة في نفسها ، واثنا عشر شيئاً ضرب ستّة في الشي‌ء مرّتين ، وهو معادل المال ومائة ، وبعد المقابلة تبقى أربعة وستّون تعدل اثني عشر شيئاً ، ويكون الشي‌ء خمسةُ وثلثا ، وطول الرمح أحد عشر وثلث ذراع ، فالفاضل عن ستّة عمق الماء.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : قدر.

٢٣٣

مسألة ١١٤ : يجوز ابتياع الجزء المشاع المعلوم النسبة من كلّ جملة يصحّ بيعها ، سواء كان عقاراً أو حيواناً أو نباتاً أو ثمرةً معلومة القدر أو طعاماً معلوم القدر ؛ للأصل ، وانتفاء المانع وهو الجهالة.

ولو باع جزءاً شائعاً من شي‌ء بمثله من ذلك الشي‌ء - كما لو كانت العين بينهما نصفين فباع أحدهما الآخر نصفه بنصف صاحبه - جاز عندنا ؛ للأصل. ولأنّه بيع صدر من أهله في محلّه فكان صحيحاً.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما. والثاني : لا يصحّ ؛ لانتفاء فائدته(١) .

ونمنع انتفاء الفائدة ، بل له فوائد :

منها : ما لو ملكا أو أحدهما نصيبه بالهبة ، انقطعت ولاية الرجوع بالتصرّف.

ومنها : لو ملكه بالشراء ثمّ اطّلع بعد هذا التصرّف على عيب ، لم يملك الردّ على بائعه.

ومنها : لو ملّكتْه صداقاً وطلّقها الزوج قبل الدخول ، لم يكن له الرجوع فيه.

وكذا يجوز ابتياع الجملة واستثناء الجزء الشائع ، كربع الثمرة وقدر الزكاة.

مسألة ١١٥ : قد بيّنّا أنّ بيع الغائب لا يصحّ إلّا مع تقدّم الرؤية‌ أو الوصف الرافع للجهالة؛ لما فيه من الغرر.

وللشافعي في بيع الأعيان الغائبة والحاضرة التي لم تُر مع عدم‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٥٦ - ٢٥٧ و ٢٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨.

٢٣٤

الوصف قولان :

قال في القديم والإملاء والصرف [ من ](١) الجديد : إنّه صحيح - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد - لقولهعليه‌السلام : « من اشترى شيئاً لم يره فله الخيار إذا رآه »(٢) ومعلومٌ أنّ الخيار إنّما يثبت في العقود الصحيحة.

ولأنّه عقد معاوضة ، فلم يكن [ من ](٣) شرطه رؤية المعقود عليه ، كالنكاح.

وقال في الاُم والبويطي : لا يصحّ - وهو ما اخترناه ، وبه قال المزني - لأنّه غرر وقد نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغرر(٤) .

ولأنّه مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد فلم يصحّ بيعه ، كما لو أسلم في شي‌ء ولم يصفه(٥) .

والجواب عن الحديث : أنّا نقول بموجبه ؛ فإنّ الخيار إنّما يثبت فيما إذا لم يخرج على الوصف ؛ إذ لا وجه له على تقدير الصحّة مطلقاً سواء وصف أو لا ؛ لوجود الرضا من المتبايعين على التبادل في الثمن والمثمن‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « في ». والمثبت أنسب بالعبارة.

(٢) أورد نصّه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، وبتفاوت يسير في سنن الدار قطني ٣ : ٤ ، ١٠ وسنن البيهقي ٥ : ٢٦٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « في ». والمثبت أنسب بالعبارة.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٥ ، ٤٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٦ وفيها : نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع الغرر.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٢ - ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٥ ، المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨.

٢٣٥

مهما كانا ، فيكون بمنزلة المرئي ، ومعلومٌ أنّ المرئي لا خيار فيه ، فلمـّا أثبت الخيار علمنا اقترانه باشتراط وَصْفٍ رافعٍ للجهالة.

والقياس عندنا باطل مع قيام الفرق والقلب بأن يقال : فلا يثبت فيه خيار الرؤية ، كالنكاح.

إذا تقرّر هذا ، فنقول : اختلف أصحابه في محلّ القولين على طريقين ، أصحّهما عند أكثرهم : أنّ القولين مطّردان في المبيع الذي لم يره واحد منهما أو رآه أحدهما خاصّة.

والثاني : أنّ القولين فيما إذا شاهده البائع دون المشتري ، وأمّا إذا لم يشاهده البائع ، فإنّه يبطل البيع قولاً واحداً ؛ لسهولة الاجتناب عن هذا الغرر على البائع ، لأنّه المالك والمتصرّف في المبيع. ومنهم مَنْ عكس ؛ لأنّ البائع مُعرضٌ عن الملك والمشتري محصّل له ، فهو [ أجدر ](١) بالاحتياط.

وحينئذٍ يخرج لهم طريقة ثالثة ، وهي القطع بالصحّة إذا رآه المشتري(٢) .

فروع :

أ - لو آجر غير المرئيّ له(٢) ، فإن كان المباشر للعقد قد رآه ، صحّت الإجارة عندنا ، وإن لم يكن قد رآه ، لم تصحّ.

وعند الشافعيّة القولان السابقان في بيع الغائب مع عدم الرؤية(٤) .

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : آخذ. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز وكما هو مستفاد من عبارة النووي في المجموع فإنّه عبّر بـ « أولى » بدل « أجدر ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥.

(٣) ورد في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : لو أجاز بيع غير المرئي له. وصحّحناها بما في المتن لأجل السياق وطبقاً لما في المصادر الآتية في الهامش التالي.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٩٠.

٢٣٦

ب - لو آجر شيئاً بعينٍ غائبة أو صالح عليها أو جعلها رأس مال السَّلَم‌ ثمّ سلّم في مجلس عقد السلم ، بطل عندنا ذلك كلّه ، خلافاً للشافعي ، فإنّ فيه قولي(١) بيع الغائب عنده(٢) .

ج - لو أصدقها عيناً غائبة أو خالعها عليها أو عفا عن القصاص عليها ، صحّ النكاح عنده‌ وحصلت البينونة وسقط القصاص. وفي صحّة المسمّى القولان ، فإن لم يصحّ ، وجب مهر المثل على الرجل في النكاح وعلى المرأة في الخلع ووجبت الدية على المعفوّ عنه(٣) .

وعندي في ذلك إشكال.

د - الأقرب جواز هبة الغائب غير المرئي ولا الموصوف ورهنِه ؛ لأنّهما ليسا من عقود المغابنات ، بل الراهن والواهب مغبونان ، والمتّهب والمرتهن مرتفقان ، ولا خيار لهما عند الرؤية ؛ لانتفاء الحاجة إليه.

ه- لو رآه قبل الشراء ثمّ وجده كما رآه بعد الشراء ، فلا خيار له ، وهو قول الشافعي تفريعاً على صحّة البيع عنده(٤) .

وإن وجده متغيّراً ، لم يبطل البيع من أصله - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٥) - لبقاء(٦) العقد في الأصل على ظنٍّ غالب ، لكن له الخيار.

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : قول. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٩٠.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٤ - ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ - ٢٩١.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٨ و ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٦.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٦.

(٦) كذا في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة. والظاهر : لبناء.

٢٣٧

وأضعف الوجهين : البطلان ، لتبيّن انتفاء المعرفة(١) .

ولا نعني بالتغيّر هنا التعيّب خاصّة.

و - استقصاء الأوصاف على الحدّ المعتبر في السَّلَم لا يقوم مقام الرؤية وكذا سماع وصفه بالتواتر ؛ لأنّ الرؤية تطلع على اُمور لا يمكن التعبير عنها ، وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) .

وفي الآخر : أنّه يقوم الاستقصاء والسماع بالتواتر مقام الرؤية ؛ لأنّ ثمرة الرؤية المعرفة وهما يفيدانها ، فيصحّ البيع ، ولا خيار(٣) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ بعض الأوصاف لا يحصل علمه إلّا بالرؤية.

مسألة ١١٦ : الرؤية المشترطة في كلّ شي‌ء على حسب ما يليق به‌ ، ففي شراء الدار لا بُدّ من رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلاً وخارجاً ورؤيةِ المستحمّ والبالوعة. وفي شراء البستان لا بُدّ من رؤية الأشجار واحدة واحدة والجدران ومسيل الماء ، ولا يحتاج إلى رؤية أساس البنيان ولا عروق الأشجار.

وفي اشتراط رؤية طريق الدار إشكال.

ولا يجوز رؤية العورة في الأمة والعبد ، ولا بُدّ من رؤية باقي بدن العبد ، وهو أظهر وجهي الشافعي(٤) .

وكذا في بدن الجارية ؛ لاختلاف الصفات.

وللشافعي وجوه : اعتبار رؤية ما يُرى في العبد ، ورؤية ما يبدو عند‌

____________________

(١) اُنظر : المصادر في الهامش (٥) من ص ٢٣٦.

(٢ و ٣ ) الوسيط ٣ : ٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ - ٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

٢٣٨

المهنة ، والاكتفاء برؤية الوجه والكفّين(١) .

ويشترط رؤية الشعر ، وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) .

والأقرب اشتراط رؤية الأسنان واللسان ، وهو أحد وجهي الشافعي(٣) .

ولا بُدّ في الدوابّ من رؤية مقدّمها ومؤخّرها وقوائمها وظهرها.

ولا يشترط جري الفرس بين يديه - خلافاً لبعض الشافعيّة(٤) - للأصل.

ولو كان الثوب رقيقاً لا يختلف وجهاه ، كفى رؤية أحدهما ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٥) .

ولا بُدّ من تقليب الأوراق في شراء الكتب ورؤية جميعها.

ولا يصحّ بيع اللبن في الضرع على ما تقدّم(٦) .

ولو قال : بعتك من اللبن الذي في ضرع هذه البقرة كذا رطلاً ، لم يجز ؛ لعدم العلم بوجود القدر في الضرع ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. وفي الآخر : يجوز ، كما لو باع قدراً من اللبن في الظرف ، فيجي‌ء‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، الوسيط ٣ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩ ، المجموع ٩ : ٢٩٢.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠ ، المجموع ٩ : ٢٩٢.

(٦) في ص ٦٣ ، المسألة ٣٦.

٢٣٩

فيه حينئذٍ قولا بيع الغائب(١) .

ولو سكب شيئاً من اللبن فأراه إيّاه ثمّ باعه مُدّاً ممّا في الضرع ، لم يجز.

وفي روايةٍ لنا : الجواز ، وقد سلفت(٢) .

وللشافعي القولان(٣) .

ويحتمل عندي الجواز لو كان المبيع قدراً يسيراً يتيقّن وجوده حالة الحلب.

ولو قبض على قدر من الضرع وأحكم شدّه ثمّ باعه ما فيه ، لم يصحّ عندنا. وللشافعي وجهان(٤) .

فروع :

أ - يجوز بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ وبعده ، سواء بِيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بِيعا معاً ، لكن بعد السلخ لا يجوز إلّا بالوزن ، أمّا قبله فالأقرب جوازه من دونه.

ومَنَع الشافعي من بيعها قبل السلخ وبعده ، سواء بِيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بِيعا معاً؛ لأنّ المقصود اللحم ، وهو مجهول(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠ ، المجموع ٩ : ٣٢٦.

(٢) في ص ٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠ ، المجموع ٩ : ٣٢٦.

(٤) الوسيط ٣ : ٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠ ، المجموع ٩ : ٣٢٦.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١ ، وفيها عدم صحّة بيعها قبل السلخ فقط.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458