تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202132 / تحميل: 6024
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وثانياً : أليس الله تعالىٰ يقول :( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ... ) (١) .

فالله ينهي عن طاعة الظالمين فكيف يأمر بها نبيّه؟!

نعم ، إن معاوية وملوك بني أُمية وبني العباس وضعوا هذه الأحاديثحتّىٰ لا يخرج عليهم أحد ولا ينهاهم مسلم ، وهل يريد الحكّام الظالمون أكثر من ذلك؟!

وتعالَ إلىٰ حديث آخر شبيه بالسابق :

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من رأىٰ من أميره شيئاً فكرهه فليصبر ، فإنّه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلاّ مات ميتة جاهليّة »(٢) .

إنّ هذا الحديث كذب صريح ، وإلاّ لو كان صحيحاً فلماذا خالفه الصحابة أنفسهم ، أليس قد فارق علي بن أبي طالب جماعة المسلمين ولم يبايع أبا بكر إلاّ بعد ستة أشهر؟ أليس قد خالفت عائشة هذا الحديث وخرجت علىٰ عليّ في حرب الجمل مع طلحة والزبير؟! أليس قد فارق عبدالله بن عمر الجماعة ولم يبايع عليّاً طيلة خلافته ثم بايع بعد ذلك يزيد وعبد الملك بن مروان؟!

وهناك حديث آخر يعارض هذه الأحاديث ، يقول : عن عبدالله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « السمع والطاعة علىٰ المرء المسلم فيما أحبّ أو كره مالم يُؤمَر

__________________

١)سورة هود : ١١٣.

٢)تجد الحديث قريب منه في لفظه في مسند أحمد ٤ : ٩٦.

٤١

بمعصية ، فإن أُمر بعصية فلا سمع ولا طاعة »(١) .

وإليك فعلة شنيعة أُخرىٰ اقترفها صحابي ابن صحابي :

عن أسامة بن زيد بن حارثة قال : « بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ الحُرقة( قبيلة ) من جُهينة ، قال فصبّحنا القوم فهزمناهم ، قال ولحقتُ أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، قال : فلمّا غشيناه قال لا إله إلاّ الله ، قال : فكفّ عنه الأنصاري فطعنتُهُ برمحي حتّىٰ قتلتُه ، قال : فلمّا قدمنا بلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : فقال لي : يا أُسامة أقتلْتَهُ بعدما قال لا إلٰه إلا الله ، قال : قلتُ : يا رسول الله إنّما كان متعوّذاً ( أي قالها خوفاً من القتل لا إيماناً ) قال : أقتلته بعد أن قال لا إلٰه إلا الله؟ قال : فما زال يكرّرها عليّ حتّىٰ تمنّيتُ أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم »(٢) .

والواقع أنّ الإنسان لا يجد ما يعلق عليه في هذه الحادثة ، لذا نتركها للقارئ.

وإليك حادثة أُخرىٰ :

عن أبي هريرة قال : « شهدنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لرجل ممّن يدّعيالإسلام : هذا من أهل النار ، فلمّا حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة ، فقيل : يا رسول الله الذي قلت إنّه من أهل النار فإنّه قد قاتل اليوم قتالاً شديداً وقد مات ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلىٰ النار ، قال : فكاد بعض الناس أن يرتاب ، فبينما هم علىٰ ذلك إذ قيل : إنّه لم يمت ولكن به جراحاً

 __________________

١)صحيح البخاري ٩ : ١١٣.

٢)صحيح البخاري ٩ : ٥ ، مسند أحمد ٥ : ٢٠٠.

٤٢

شديداً ، فلمّاكان من اللّيل لم يصبر علىٰ الجراح فقَتل نفسه ، فأخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فقال : الله أكبر إني عبد الله ورسوله ، ثم أمر بلالاً فنادىٰ بالناس »(١) .

هذا رجل مسلم ، صحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغزا معه ، والله أعلم كم غزوة شارك فيها ، ولم يكفر بالله ولم يرتدّ لكنّه من أهل النار لأنّه انتحر ولم يصبرعلىٰ الجراح ، فكيف يقال : إنّ جميع الصحابة عدول؟!

نكتفي بهذا القدر اليسير من مخالفات الصحابة لله ولرسوله وننتقل إلىٰ بحث آخر وهو : رأي الصحابة في بعضهم البعض.

__________________

١)صحيح البخاري ٤ : ٨٨.

٤٣

رأي الصحابة في بعضهم البعض :

إنّ الذي يمنعنا اليوم من مجرّد ذكر حقائق وأفعال بعض الصحابةـالتي أثبتها الله ورسوله ويدّعي أنّ ذلك طعن بالصحابة ويتهمنا بسب وشتم جميع الصحابةـلا يدري أنّ الصحابة أنفسهم شتم بعضهم بعضاً ولعن بعضهم بعضاً وقاتل بعضهم بعضاً ، فهل « حلال عليهم ، حرام علينا؟! »(١) .

وإليك بعض الأمثلة علىٰ ذلك :

عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب؟! فقال : أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنّ له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبّه لان تكون لي واحدة منهنّ أَحبّ إليّمن حُمر النِّعم. سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضىٰ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسىٰ إلاّ أنه لا نبوّة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية رجلاً يُحبّ اللهَ ورسولَه ويحبّه اللهُ ورسولُه ، قال فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي عليّاً ، فأُتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ، ولمّا نزلت هذه الآية :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ

__________________

١)مثل تونسي شائع.

٤٤

أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) (١) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللّهم هؤلاء أهلي »(٢) .

ونحن نستخلص من شهادة سعد بن أبي وقاص هذه أشياء :

أولاً : لو كان سبّ الصحابي كفراً فما بال معاوية بن هند يأمر الصحابة ومن ضمنهم سعداً بسبّ علي بن أبي طالب؟! وما بال بني أُميّة اتخذوا سبّ علي بن أبي طالب سنّة ، حتّىٰ كانوا يلعنونه علىٰ المنابر طيلة سبعين سنة.

ثانياً : ثبت عن الصحابة أنّ المقصود من أهل البيت النبويّ ليس زوجات الرسول بل هم : علي وفاطمة وحسن وحسين وفيهم نزلت آية التطهير حيث يقول تعالىٰ :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) فالقرآن نزل بين الصحابة وما كانت لتخفىٰ عليهم مقاصد هذه الآية.

وثالثاً : يتبيّن كذب أحاديث قيلت علىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنها هذا الحديث التالي :

عن محمد بن إسحاق عن يونس بن محمد عن إبراهيم بن سعد عن عبيدة بن أبي رائطة عن عبد الرحمان عن عبد الله بن مغفّل قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومنآذاهم فقد آذاني ومن

__________________

١)سورة آل عمران : ٦١.

٢)صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ ، كتاب فضائل الصحابة.

٣)سورة الأحزاب : ٣٣.

٤٥

آذاني فقد آذىٰ الله ومن آذىٰ الله فيوشك أن يأخذه »(١) .

فإذا صحّ الحديث فمعاويةـوهو صحابي درجة مائةـكان يسبّ عليّاً وما أدراك ما علي ويأمر بسبّه ; وعليّعليه‌السلام قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق »(٢) .

وإليك مثال آخر علىٰ رأي الصحابة في بعضهم البعض :

عن جابر قال : « صلّىٰ معاذ بن جبل الأنصاري بأصحابه صلاة العشاء فطوّل عليهم ، فانصرف رجل منّا ، فصلّىٰ ، فأُخبر معاذ عنه فقال : إنّه منافق ، فلمّا بلغ ذلك الرجل دخل علىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره ما قال معاذ ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أتريد أن تكون فتّاناً يا معاذ؟ إذا صلّيت بالناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبّح اسم ربّك الأعلىٰ واللّيل إذا يغشىٰ واقرأ باسم ربّك »(٣) وتعليقاً علىٰ الحديث نقول : انظر إلىٰ معاذ وهو يرمي أحد المسلمين بالنفاق لانه لم يُطق تطويله وتأمّل لوم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمعاذ.

كذلك أمر عمر بن الخطاب رجال السقيفة بأن يقتلوا سعد بن عبادة لأنّه خالف ما اتفقوا عليه ، وهكذا الأمثال عديدة ، فمن شاء فليحقّق في الصحاح وكتب السيرة.

__________________

١)مسند أحمد بن حنبل ٩ : ٨٢ ، وقريب من هذا الحديث حديث « أحسنوا إلى أصحابي » مسند أحمد بن حنبل : ٤٥ حديث رقم ١٧٨.

فهل أحسن عثمان إلى أبي ذر وهل أحسن معاوية لعليّ وهل أحسن يزيد( التابعي ) إلى الحسين الصحابي وو ...؟!

٢)أنظر سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ ، فضائل عليّ.

٣) سنن ابن ماجه ١ : ٣١٥ ، باب من أمّ قوماً فليُخفّف.

٤٦

ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما »(١) .

وإليك مثالاً آخر :

« عن جابررضي‌الله‌عنه قال : غزونا مع النبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتّىٰ كثروا ، وكان من المهاجرين رجل لعّاب فكسع أنصاريّاً فغضب الأنصاري غضباً شديداً حتّىٰ تداعوا ، وقال الأنصاري : ياللأنصار ، وقال المهاجرىّ : يا للمهاجرين ، فخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما بال دعوىٰ أهل الجاهليّة ، ثم قال : ماشأنهم؟ فأُخبر بكسعة المهاجريّ الأنصاري ، قال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوها فإنّها خبيثة.

وقال عبد الله بن أُبي بن سلول : قد تداعوا علينا لئن رجعنا إلىٰ المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، فقال عمر : ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث لعبدالله ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يتحدّث الناس أنّه كان يقتل أصحابه »(٢) .

فهاهم المهاجرون والأنصار يختلفون ويكادون يتقاتلون ، حتّىٰ وصل الأمر أن يستغلّ هذه الفرصة رأس المنافقين فيقول ما قال.

ولنتصور مدىٰ تألّم قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يرىٰ أصحابه يرفعون شعارات قبليّة ، أليست هذه إذاية للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

ثم تأمّل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : « لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه » ، فنفهم منه أنّ المنافقين بعكس ما يقول علماء أهل السنّة كانوا

__________________

١)موطّأ الإمام مالك : ٦٥٢ ، حديث رقم ١٨٤٤.

٢) صحيح البخاري ٤ : ٢٢٣ ، وكذلك في مسند أحمد ٣ : ٣٣٨.

٤٧

داخلين في دائرة الصحابة وما كان أكثرهم حتّىٰ أن الله تعالىٰ أنزل سورة كامة باسمهم(١) وقال تعالىٰ فيهم في سورة التوبة :( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ... ) (٢) فمن هم يا ترىٰ أولئك المنافقون الذين لا يعلمهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! سنعرفهم يوم القيامة إن شاء الله تعالىٰ.

كذلك تسابّ خالد بن الوليد وعبدالرحمن بن عوف أمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفحش خالد بن الوليد لعمّار بن ياسر(٣) وما أدراك ما عمّار الطيب بن الطيب(٤) كما وصفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

١) هي سورة المنافقون.

٢) سورة التوبة : ١٠١.

٣) مسند أحمد ٤ : ٨٩.

٤) سنن ابن ماجه ١ : ٥٢ ، فضائل عمّار.

٤٨
٤٩

ما لاقاه الصحابة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

● عمّار بن ياسر :

عمّار بن ياسر أبو اليقظان وهو صحابي جليل وقد استشهد أبواه ياسر وسميّةـأوّل شهيدة في الإسلامـبعد أن عُذِّبا وعمّار عذاباً شديداً من مشركي قريش.

وعمّار هو الذي نزل فيه قوله تعالىٰ :( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (١) بعدما نال من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر آلهة المشركين علىٰ رواية لشدة ما ناله من العذاب ، وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عمّار تقتله الفئة الباغية »(٢) وفعلاً استشهد عمّار يوم حرب صفّين بين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ورئيس الفرقة الباغية معاوية بن هند.

وقبل أن يقتل « الصحابي » معاوية عمّاراً كما قتل غيره ، تعرّض عمّار للضرب والشتم من عثمان ووزيره مروان بن الحكم ، وإليك القصة كما أوردها ابن قتيبة في كتابه ( الإمامة والسياسة ) :

« ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان ، وكان ممّن حضر

__________________

١)سورة النحل : ١٠٦.

٢)صحيح البخاري ٤ : ٢٥.

هذا مع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من أبغض عمّارا أبغضه الله ». أنظر مسند أحمد ٤ : ٨٩ ، فما بالك إذن بمن قتله واجترأ عليه؟

٥٠

الكتاب عمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود ، وكانوا عشرة ، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلىٰ عثمان والكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمّارحتّىٰ بقي وحده ، فمضىٰ حتّىٰ جاء دار عثمان ، فاستأذن عليه ، فأذن له في يوم شاتٍ فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أُميّة ، فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له : أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال نعم ، قال : ومن كان معك؟ قال كان معي نفر تفرّقوا فَرقاً منك ، قال : من هم؟ قال : لا أُخبرك بهم ، قال : فلم اجترأت عليّمن بينهم؟ فقال مروان : يا أمير المؤمنين إنّ هذا العبد الأسود ( يعني عمار ) قد جَرّأ عليك الناس ، وإنّك إن قتلته نكّلت به من وراءه ، قال عثمان : اضربوه ، فضربوه وضربه عثمان معهم حتّىٰ فتقوا بطنه ، فغشي عليه ، فجرّوه حتّىٰ طرحوه علىٰ باب الدار ، فأمرت به أُم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام فأدخل منزلها »(١) .

●أبو ذرّ الغفاري :

هو جندب بن جنادة من قبيلة غفار ، وكان رابع من أسلم أو خامسهم بعد خديجة وعلىٰ وزيد بن حارثة ، وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علىٰ ذي لهجة أصدق من أبي ذر »(٢) .

وأبو ذرّ هذا نفاه عثمان بن عفّان إلىٰ الشام ، لكن معاوية خاف منه ومن صرامته في الحق فأرسل لعثمان كتاباً قال له فيه : انقذني من أبي ذرّ ، فأرجعه

__________________

١)الإمامة والساسية١ : ٥٠ ـ ٥١.

٢) طبقات ابن سعد ج٤ ، ترجمة أبي ذر الغفاري.

٥١

عثمان وشتمه ونفاه إلىٰ صحراء الربذة حتّىٰ مات هناك ، فصدق فيه قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تمشي وحدك وتموت وحدك وتُبعث وحدك »(١) .

بل إنّ هذا الصحابي الجليل القدر لم يجد حين حضرته الوفاة كفناً يُكفّنُ فيه ، في حين كان مروان بن الحكم وغيره من بني أُميّة المجرمين يتنعّمون ويبذّرون مال الله علىٰ شهواتهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

●سهل بن سعد الساعدي :

صحابي من الصحابة ، وقد قال ابن الأثير في ترجمته « وعاش وطال عمره ، حتّىٰ أدرك الحجّاج بن يوسف وامتُحن معه ، أرسل الحجّاج سنة أربع وسبعين إلىٰ سهل بن سعدرضي‌الله‌عنه وقال له : ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان؟! قال : قد فعلته. قال : كذبت ، ثم أمر به فَخُتم في عُنُقه ، وخَتم أيضاً في عنق أنس بن مالكرضي‌الله‌عنه ، حتّىٰ ورد عليه كتاب عبد الملك بن مروان فيه ، وختم في يد جابر بن عبدالله ، يريد ( أي الحجّاج ) إذلالهم بذلك ، وأن يجتنبهم الناس ولا يسمعوا منهم »(٢) .

وكما ترىٰ فإنّ الحجّاج ومن قبله معاوية ويزيد لم يدعوا حرمة للصحابة بل ختموا علىٰ رقابهم وأيديهم كالأغنام ، وقد ختم يزيد علىٰ رقاب أهل المدينة بعد أن غزاها وكان فيها من الصحابة والتابعين الكثير وشرط عليهم

__________________

١)الحديث عن عبدالله بن مسعود وقد قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذرّ في غزوة تبوك ، الطبقات الكبرى لأبن سعد ٤ : ١٧٣.

٢) أُسد الغابة ٢ : ٤٧٢ ، ترجمة سهل بن سعد الساعدي.

٥٢

أن يختم عليهم وأن يشهدوا علىٰ أنهم عبيد ليزيد.

ولاحظ حقد الحجّاج علىٰ من لم ينصر عثمان ، فما بالك بمن حارب عثمان ودعىٰ لقتله ، وقد فعل هذا كثير من الصحابة كعائشة وطلحة والزبير وعمرو بن العاص وغيرهم كثير ، وبهذا تعرف لماذا صارت لعثمان فضائل كثيرة مزعومة ومثالب وشتائم لمن عارضه أو قتله أو رضي بذلك ، فافهم!!

نكتفي بهذا القدر ، ولو أردنا التوسع فيما لقيه الصحابة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التنكيل والتبعيد والقتل والسب والشتم لاحتاج كلّ ذلك إلىٰ كتاب علىٰ أقل تقدير ، ثم يقال بعد هذا إنّ سبّ الصحابي كفر وزندقة؟!

٥٣

رأي التابعين في الصحابة :

في الواقع إنّ الباحث الفطن يكتشف أن مسألة عدالة الصحابة أجمعين أو فقل : إنّ لُغز عدالة الصحابة جميعاً هي مسألة محبوكة وموضوعة لكي تقف حجر عثرة أمام الوصول إلىٰ الحقيقة ، ولا يوجد أدنىٰ شكّ في أنّها خطة أُمويّة أسّسها معاوية بن أبي سفيان حتّىٰ لا يفتضح هو وأمثاله من أرثّاء وأخسّاء الصحابة وحتّىٰ لا تصل الأُمة بعد ذلك إلىٰ فهم القرآن الكريم وآياتهـوالتي تتضمّن طعناً بكثير من الصحابة كما أشرناـوبالتالي عدم فهم السنّة الشريفة ، وبعبارة أُخرىٰ فقل : أراد معاوية الذي أسلم يوم فتح مكة ثم صار فيما بعد أميراً للمؤمنين ، أراد أن لا يستغرب أحد من الأُمة هذه القفزة النوعيّة ولا تُثار الشكوك حولها ، وبعبارة أدقّ قام معاوية بعمليّة خلط الأوراق حتّىٰ لا يميّز المسلم يمينه من يساره ولا ناقته من جمله.

وبعد هذا الاستعراض القصير جدّاً لما شجر بين الصحابة من السب والتنابز ، نأتي إلىٰ طبقة التابعين لنرىٰ رأي بعضهم في الصحابة.

لو كان كلّ الصحابة عدولاً كما يقال ، فما كان هذا الأمر ليخفىٰ علىٰ أحد مشاهير وأعلام التابعين ، وهو الحسن البصري الفقيه البصري المعروف والذي أبدىٰ رأيه في معاويةـالصحابيـصراحة حيث يقول :

« أربع خصال كُنّ في معاوية ولو لم يكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت موبقة :

٥٤

●انتزاؤه علىٰ هذه الاُمة بالسفهاء حتّىٰ أبتزّوها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة.

●استخلافه ابنهـيقصد يزيد الشرـبعده سكّيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير.

●ادعاؤه زيادًا وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر.

قتله حجر وأصحابهـيقصد حجر بن عدي الصحابي الجليلـويل له من حجر وأصحابه ويل له من حجر وأصحابه »(١) .

فهذا التابعي يشنّع علىٰ معاويةـالصحابيـأمورا منها أنه انتزىٰ علىٰ حكم المسلمين بالقوّة والباطل رغم وجود بقية باقية من خيار الصحابة ، ولم يكتف معاوية بهذا بل جعل أناساً مجرمين ولاة علىٰ الإمارات الإسلامية كتوليته زياد بن أبيه ( الذي جعله أخاً له ) وتولية بسر بن أرطأة السفاح وكتولية المغيرة بن شعبة والضحاك بن قيس الفهري علىٰ الكوفة وغيرهم.

كذلك يشنّع الحسن البصري علىٰ معاوية توليتهُ يزيداً ابنه خليفةـملكاًعلىٰ الأصحـعلىٰ المسلمين مع ما اشتهر عنه من فسق وفجُور ، حتّىٰ قال فيه الحسين بن عليعليه‌السلام قولته الشهيرة عندما رفض مبايعة يزيد : « وعلىٰالإسلام السلام إذ بُليت الاُمة براعٍ مثل يزيد ».

ولا ينسىٰ الحسن البصري حادثة قتل معاوية لحجر بن عدي الصحابي الجليل الذي دفنه حيّاً في مرج عذراء قرب دمشق مع ثلّة من أصحابه. وَسجِلّ معاوية مليء بالاغتيالات والتصفيات التي طالت حتّىٰ كبار

__________________

١) تاريخ الطبري ٥ : ٢٧٩.

٥٥

الصحابة فضلاً عن غيرهم. فقد سمّ الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّد شباب أهل الجنة ، وقتل محمد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ويح عمّار تقتله الفئة الباغية » ، وعلىٰ هذا يكون معاوية رئيس الفرقة الباغية ، ثمّ يأتي من يقول بعد ذلك إنّ جميع الصحابةـبمن فيهم معاويةـعدول ، ثقات ، مغفور لهم ، مشهود لهم بالجنة وأنّ منهم من اجتهد فأصاب ومنهم من اجتهد فأخطأ كمعاوية ولهذا فله أجر واحد فقط؟!

اللّهم احفظ لنا عقولنا فإنّك ما كرّمت بني آدم علىٰ الدواب إلاّ بها.

٥٦
٥٧

صحابة تحت المجهر :

ولكي يتبيّن الصّبح لذي عينين ، لنضع بعض الصحابة الذين كان لهم أعمق الأثر في أن يوجد لدينا اليوم إسلام ذو شكل عجيب وغريب لا يمتّإلىٰ إسلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأيّ صلة اللّهم إلاّ الاشتراك اللّفظي ، تحت المجهر.

١ ـ أبو هريرة الدوسي :

أبو هريرة ، وما أدراك ما أبو هريرة ، راوية الإسلام الأعظم.

واختُلف في اسم أبي هريرة اختلافاً شديداً ، لكن طغىٰ عليه هذا الاسم.

وقد أسلم هذا الرجل في السنة السابعة للهجرة بعد غزوة خيبر ، يعني أنه لم يصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ مقدار ثلاث سنوات أو أقلّ ، لكن العجيب أنه أكثر الصحابة رواية ، حيث بلغ مجموع أحاديثه (٥٣٧٤) حديثاً ، علماً أنّ مجموع ما رواه الخلفاء الأربعة : أبو بكر وعمر وعثمان وعليعليه‌السلام هو (١٤٢١) حديثاً ، وكما يقول السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي فإنّ نسبة حديث هؤلاء الذين طالت صحبتهم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ حديث أبي هريرة هو أقل من ٢٧ في المائة(١) .

__________________

١) كتاب أبو هريرة للعلاّمة شرف الدين الموسوي العاملي : ٤٥.

هذا وقد أعتبر ابن حزم أن مجموع ما رواه الخلفاء الأربعة هو (١٣٦١) حديثاً في كتابه « أسماء الصحابة الرواة ، وعلىٰ كلٍّ الفارق شاسع بين ما روَوْه جميعاً وبين ما رواه أبو هريرة.

٥٨

وليت الأمر وقف عند هذا الحدّ ، بل إنّ أبا هريرة يقول : « حفظت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاءين فأمّا أحدهما فبثثته ، وأمّا الاخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم »(١) .

وقد استنكر كثير من الصحابة علىٰ هذا الرجل كثرة حديثه ، ومنهم عمر بن الخطاب ، وحتّىٰ قال فيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام : « إنّ أكذب الأحياء علىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبو هريرة الدوسي »(٢) .

وحتّىٰ تتيقّن بنفسك أيها القارئ الكريم أنّ أبا هريرة كان مخرّفا ولم يكن محدّثاً فتعال معي لنضع جزءاً يسيراً جدّاً جدّاً من أحاديثه وانظر مخالفتها للعقل أولاً وللقرآن والسنّة ثانيًا حتّىٰ تعلم أنّ حديث أبي هريرة ليس إلاّ زخرف من الكلام ولا يمكن أن يكون كلام شخص عاقل فضلاً عن نبيّ ، وإليك هذا البعض اليسير :

عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « اختتن إبراهيمعليه‌السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم »(٣) .

ربمّا لا يدري أبو هريرة أنّ الأنبياء هم أكمل خلق الله تعالىٰ ، فلا حاجة أن يختتنوا بل يولدون مختونين مقطوعي السرّة ، كما كان شأن نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ لماذا يبقىٰ إبراهيم غير مختون إلىٰ هذا العمر المتأخّر؟!

عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « بينما أيوب يغتسل عُرياناً خرَّ

__________________

١)صحيح البخاري باب حفظ العلم ١ : ٢٤.

٢)كتاب أبوهريرة للعلاّمة شرف الدين الموسوي العاملي : ١٨٦ ، وأيضاً كتاب أبو هريرة شيخ المضيرة لمحمود أبو رية المصري : ١١٩.

٣) صحيح البخاري ٤ : ١٧٠ ، ومسند أحمد ٢ : ٣٢٢.

٥٩

عليه رجل جراد من ذهب ، فجعل يحثي في ثوبه ، فنادىٰ رَبُّهُ : يا أيوّب ألم أكن أغنيتك عمّا ترىٰ ؟ قال : بلىٰ يا ربّ ولكن لا غنىٰ لي عن بركتك »(١) .

تعليق : إنّ هذا الحديث متهاوٍ من عدة وجوه :

أوّلاً : إذا كان أيوبعليه‌السلام يغتسل عرياناً فكيف كان يضع الجراد الذهبي في ثوبه؟!

ثانياً : لماذا يعاتب الله أيوّب علىٰ أخذ هذا الجراد ، أليس هو الذي أنزله عليه؟! أم كان الأمر اختباراً لأيوّب؟! وإذا كان اختباراً فكيف يكون أيّوب حريصاً لهذه الدرجة علىٰ جمع الذهب؟!

إنّ أيوّب مدحه الله تعالىٰ وجعله أُسوة في الصبر ، وكذلك باقي الأنبياء ليس همّهم جمع الذهب والفضّة ، وماذا يعني لهم الذهب والفضّة وكل كنوز الدنيا أمام طاعة الله ورضاه؟! نعم إذا كان أبو هريرة يقيس نبي الله أيّوب بنفسه فحينئذٍ لا نستغرب منه هذا التصرف.

●ويمضي أبو هريرة في تطاوله علىٰ رُسل الله وأنبياءه فيقول : « قيل يا رسول الله من أكرم الناس؟! قال : أتقاهم ، فقالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فيوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فعن معادن العرب تسألون خيارهم في الجاهلية خيارهم فيالإسلام إذا فقهوا »(٢) .

تعليق : ما بال القوم لا يكتفون ، بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أتقاهم؟! » أليس الله تعالىٰ __________________

١) صحيح البخاري ٤ : ١٨٤ ، وكذلك في المستدرك للحاكم المجلّد ٢ : ٥٨٢.

٢) صحيح البخاري ٤ : ١٧٠.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ونحن نمنع ذلك كما قبل الذبح و(١) لو قصده حالة الشراء أو شرطه فيه.

ب - يجوز بيع الأكارع والرؤوس بعد الإبانة وقبلها من المذبوح نيئةً ومشويّةً ، ولا اعتبار بما عليها من الجلد ، فإنّه مأكول ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

ج - لو رأى بعض الثوب وبعضه الآخر في صندوق أو جِرابٍ لم يره ولا وُصف ، لم يصحّ ، وهو أحد قولي الشافعي ؛ للجهالة ، سواء قال ببطلان بيع الغائب أو لا.

أمّا على البطلان : فظاهر.

وأمّا على الصحّة : فلأنّه ناظرٌ إلى بعضه فيسهل النظر إلى باقية ، بخلاف الغائب فقد(٣) يعسر إحضاره وتدعو الحاجة إلى بيعه ، فجاز هناك ولم يجز هنا. ولأنّ الرؤية فيما رآه سبب اللزوم ، وعدمها فيما لم يُر سبب الجواز ، والعقد الواحد لا يتصوّر إثبات الجواز واللزوم فيه معاً ، ولا يمكن تبعيض المعقود عليه في الحكمين(٤) .

وهذان [ الفرقان ](٥) باطلان ؛ لأنّهم جوّزوا بيع ما في الكُمّ مع سهولة‌

____________________

(١) كلمة « و» لم ترد في « ق ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ - ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١ ، وفيها جواز بيع الأكارع والرؤوس بعد الإبانة فقط ، مع وجهٍ شاذّ لصحّة بيع الأكارع قبلها.

(٣) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : قد. وما أثبتناه - كما هو الأنسب بالعبارة - من العزيز شرح الوجيز.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١ ، المجموع ٩ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : القدران. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

٢٤١

إخراجه(١) . وسبب الردّ في البعض يكفي في ردّ الكلّ ، كما لو وجد البعض معيباً.

د - لو كان شيئين(١) فرأى أحدهما دون الآخر ، فإن وُصف له وصفاً يرفع الجهالة ، صحّ البيع ، وإلّا بطل ، عند علمائنا ؛ للجهالة.

أمّا الشافعي فإنّه جوّز بيع الغائب من غير وصفٍ في قولٍ ، وأبطله في آخر ، فعلى البطلان لا يصحّ البيع فيما لم يره ، وفيما يراه قولا تفريق الصفقة.

وعلى الصحّة ففي صحّة العقد فيهما قولان ، أحدهما : البطلان ؛ لأنّه جمع في صفقة واحدة بين مختلفي الحكم ؛ لأنّ ما رآه لا خيار فيه ، وما لم يره يثبت فيه الخيار ، فإن صحّحناه ، فله ردّ ما لم يره وإمساك ما رآه(٣) .

وعلى مذهبنا إذا خرج ما لم يره على غير الوصف ، كان بالخيار في الفسخ والإمضاء.

ه- لو خرج الموصوف على خلاف الوصف ، فللمشتري الخيار في طرف الرداءة ، وللبائع في طرف الزيادة على ما تقدّم.

ومَنْ جوّز بيع الغائب من غير وصفٍ - كالشافعي - أثبت له الخيار هنا عند الرؤية ، سواء شرطه أولا ؛ لأنّه شرط شيئاً ولم يحصل ، فثبت الخيار(٤) .

وقال بعض الشافعيّة : لو خرج على غير الوصف ، لم يثبت الخيار إلّا أن يشترطه(٥) .

وهل له الخيار قبل الرؤية؟ مقتضى مذهبنا أنّه ليس له ذلك ؛ إذ ثبوت‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١.

(٢) أي : لو كان المبيع شيئين.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٦.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

٢٤٢

الخيار منوط بخروجه على خلاف(١) الوصف.

أمّا الشافعي فظاهر مذهبه - على قوله بمنع بيع الغائب - أنّ الإجازة لا تنفذ ؛ لأنّ الإجازة رضا بالعقد والتزامٌ له ، وذلك يستدعي العلم بالمعقود عليه وهو جاهل بحاله. ولو كفى قوله : أجزت ، مع الجهل ، لأغنى قوله في الابتداء : اشتريت(٢) .

وله وجه آخر بالنفوذ تخريجاً من تصحيح الشرط إذا اشترى بشرط أنّه لا خيار(٣) .

وأمّا الفسخ فوجهان عنده بناءً على نفوذ الإجازة ، فإن قال بنفوذها ، فالفسخ أولى ، وإن منع من نفوذها ، ففي الفسخ وجهان : عدم النفوذ ؛ لأنّ الخيار في الخبر(٤) منوط بالرؤية. وأصحّهما عنده : النفوذ ؛ لأنّ حقّ الفسخ ثابت له عند الرؤية مغبوطاً كان أو مغبوناً ، فلا معنى لاشتراط الرؤية في نفوذه(٥) .

و - لو كان البائع قد رآه ، فإن زادت صفته وقت العقد ، تخيّر في الفسخ والإمضاء. ولو لم تزد ، فلا خيار.

والشافعي أطلق وذكر وجهين : ثبوت الخيار كما للمشتري ؛ لأنّه كخيار المجلس يشتركان فيه. وأصحّهما : لا ؛ لأنّه أحد المتبايعين ، فلا يثبت له الخيار مع تقدّم الرؤية كالمشتري(٦) .

ولو كان البائع لم يره ، فإن كان قد وصف له وصفاً يرفع الجهالة‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « غير » بدل « خلاف ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : في الجزء. وذلك تصحيف.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ - ٦٣.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

٢٤٣

ولم يزد ، فلا خيار ، وإن زاد فله الخيار. ولو لم يوصف له ، بطل البيع.

وقال الشافعي على تقدير جواز بيع الغائب : في ثبوت الخيار للبائع وجهان : المنع - وبه قال أبو حنيفة - لأنّ جانب البائع بعيد عن الخيار ، بخلاف جانب المشتري. والثبوت ؛ لأنّه جاهل بالمعقود عليه فأشبه المشتري(١) .

ز - الأقرب ثبوت خيار المجلس مع خيار الرؤية ؛ لتعدّد السبب ، فيتعدّد المسبّب ، وكما في شراء الأعيان الحاضرة.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : لا يثبت ؛ للاستغناء بخيار الرؤية عنه ، فعلى الأوّل يكون خيار الرؤية على الفور ، وإلّا لثبت خيار مجلسين ، وعلى الثاني يمتدّ بامتداد مجلس الرؤية(٢) .

ح - لو اشترى موصوفاً ثمّ تلف في يده قبل الرؤية ، لم يبطل البيع‌ إلّا أن يُثبت المشتري الخلاف ويختار الفسخ. وللشافعي قولان(٣) .

ولو باعه قبل الرؤية بوصف البائع ، صحّ عندنا - خلافاً للشافعي(٤) - كما لو باعه في زمن خيار الشرط ، فإنّه يجوز على أصحّ القولين عنده ؛ لأنّه يصير مُجيزاً للعقد(٥) .

ط - لا يشترط الرؤية مع الوصف الرافع للجهالة‌ - وهو أحد قولي‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ - ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ - ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥ - ٢٩٦.

٢٤٤

الشافعي(١) - لانتفاء الغرر ، فلا يشترط ذوق الطعم في المطعوم ، ولا الشمّ في المشموم ، ولا اللمس في الملموس.

وعلى قول الشافعي باشتراط الرؤية يشترط في هذه الإدراكُ بهذه المشاعر ؛ لأنّ كيفيّاتها المقصودة إنّما تُعرف بهذه الطرق(٢) .

وله قول آخر على اشتراط الرؤية أيضاً : عدم الاشتراط(٣) .

ى - لو كان غائباً في غير بلد التبايع ، سلّمه في ذلك البلد. ولو شرط تسليمه في بلد التبايع ، جاز عندنا ، كالسّلم.

ومَنَع بعض الشافعيّة وإن جوّزه في السَّلَم ؛ لأنّ السَّلَم مضمون في الذمّة ، والعين الغائبة غير مضمونة في الذمّة ، فاشتراط نقلها يكون بيعاً وشرطاً(٤) .

ونمنع بطلان اللازم على ما يأتي.

يأ - لو رأى ثوبين ثمّ سُرق أحدهما وجُهل بعينه ثمّ اشترى الباقي ، فإن تساويا صفةً وقدراً وقيمةً ، احتُمل صحّة البيع ؛ لكونه معيّناً مرئيّاً معلوماً. والعدم ، كبيع أحدهما. والأوّل أقرب.

ولو اختلفا في شي‌ء من ذلك ، لم يصحّ عندنا قطعاً ؛ لأنّ الرؤية لم تُفد شيئاً ، فإنّ المشتري لا يدري الباقي هل هو الطويل أو القصير؟ فلم يستفد من الرؤية حال المبيع عند العقد ، وهو أحد قولي الشافعي. وفي الثاني : يجوز ؛ لأنّه لا يقصر عن بيع الغائب في العلم(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ - ٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٢١ - ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٤.

٢٤٥

يب - لو اختلفا فقال المشتري : ما رأيت المبيع. وقال البائع : بل رأيته ، قدّم قول البائع ؛ عملاً بصحّة البيع. ولأنّ للمشتري أهليّة الشراء وقد أقدم عليه ، فكان ذلك اعترافاً منه بصحّة العقد. وهو أحد قولي الشافعي(١) بناءً على القول باشتراط الرؤية.

أمّا على القول بعدمه(٢) فوجهان ، هذا أحدهما ؛ لأنّه اختلاف في سبب الخيار ، فأشبه ما لو اختلفا في قدم العيب. وأظهرهما عندهم : تقديم قول المشتري ، كما لو اختلفا في اطّلاعه على العيب(٣) .

القسم الرابع : النهي عن بيع وشرط.

اعلم أنّ عقد البيع قابل للشروط التي لا تنافيه ، أمّا ما ينافيه فلا يقبلها.

روى الجمهور أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع وشرط(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عمّار عن الصادقعليه‌السلام قال : « بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلاً من أصحابه والياً ، فقال له : إنّي بعثتك إلى أهل الله - يعني أهل مكة - فانْهَهم عن بيع ما لم يقبض ، وعن شرطين في بيع ، وعن ربح ما لم يضمن »(٥) .

____________________

(١) في « ق ، ك» : الشافعيّة.

(٢) أي : عدم اشتراط الرؤية. وفي « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : بعدمها. والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ - ٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٩٤.

(٤) معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، المغني ٤ : ٣٠٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٣١ / ١٠٠٦.

٢٤٦

وهذان النصّان ليسا على الإطلاق إجماعاً ؛ لما يأتي من جواز الشرط في العقد ، وقبول عقد البيع للشرط.

إذا تقرّر هذا ، فكلّ شرط يخالف الكتاب والسنّة فإنّه باطل إجماعاً.

وفي بطلان البيع ببطلانه بحث سيأتي ، وما لا يخالف الكتاب والسنّة فإنّه جائز ما لم يتضمّن ما ينافي العقد ، فأقسام الشرط أربعة :

أ - ما يوافق مقتضى العقد ويؤكّده ، مثل أن يشترط التسليم أو خيار المجلس أو التقابض أو ما أشبه ذلك ، فهذا لا يؤثّر في العقد نفعاً ولا ضرّاً.

ب - شرط لا يقتضيه العقد لكن يتعلّق به مصلحة المتعاقدين للعقد. وهو قد يتعلّق بالثمن ، كالأجل والرهن والضمان ، أو بالمثمن ، كاشتراط صفة مقصودة في السلعة ، كالصناعة والكتابة ، أو بهما معاً ، كالخيار. وهو جائز.

فهذه الشروط لا تُفسد العقد ، وتصحّ في أنفسها عندنا وعند الشافعي(١) .

ج - ما لا يتعلّق به مصلحة المتعاقدين لكنّه ممّا بُني على التغليب والسراية ، كشرط العتق. وهو جائز أيضاً.

د - ما لم يُبْنَ على التغليب والسراية ولا يتعلّق به مصلحة المتعاقدين ولا يقتضيه العقد ، فهذا عندنا جائز إن لم يخالف المشروع ولم يُنافِ مقتضى العقد ، وذلك مثل أن يبيعه داراً ويشترط سكناها سنة ، وبه قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق(٢) .

وإن خالف المشروع ، مثل أن يبيع جاريةً بشرط أن لا ينتفع بها‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧١ ، المجموع ٩ : ٣٦٤.

(٢) المغني ٤ : ٣٠٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٨.

٢٤٧

المشتري ، فهذا باطل.

والشافعي أبطل هذين القسمين معاً(١) ، وسيأتي.

مسألة ١١٧ : قد بيّنّا أنّ كلّ شرط ينافي مقتضى العقد‌ فإنّه يكون باطلاً ، مثل أن يشتري جارية بشرط أن لا خسارة عليه ، ومعناه أنّه متى خسر فيها فضمانه على البائع. وكذا لو شرط عليه أن لا يبيعها على إشكال ، أو لا يعتقها على إشكال ، أو لا يطأها ، فإنّ هذه الشروط باطلة ؛ لمنافاتها مقتضى العقد ، فإنّ مقتضاه ملك المشتري والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الناس مسلّطون على أموالهم »(٢) .

وسأل عبدُ الملك بن عتبة [ الكاظم ](٣) عليه‌السلام عن الرجل ابتاع منه طعاماً أو ابتاع متاعاً على أن ليس عليَّ منه وضيعة هل يستقيم هذا؟ وكيف يستقيم وحدّ ذلك(٤) ؟ قال : « لا ينبغي »(٥) .

وإذا بطلت الشروط ، بطل البيع - خلافاً لبعض(٦) علمائنا - لأنّ التراضي إنّما وقع على هذا الشرط ، فبدونه لا تراضي ، فتدخل تحت قوله تعالى :( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٧) وبه قال الشافعي والنخعي والحسن البصري وأبو حنيفة وأحمد‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٨ و ٣٦٩ و ٣٧٦ و ٣٧٨.

(٢) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المسألة ٢٩٠.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : الرضا. وما أثبتناه موافق لما في المصدر.

(٤) في التهذيب : وكيف يستقيم وجه ذلك؟

(٥) التهذيب ٧ : ٥٩ / ٢٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٤ / ٢٨٤.

(٦) الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ١٤٩.

(٧) النساء : ٢٩.

٢٤٨

ابن حنبل(١) .

وقال ابن شُبْرُمة : البيع جائز والشرط جائز أيضاً(٢) ؛ لأنّ جابراً قال : ابتاع منّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعيراً بمكة ، فلمـّا نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة(٣) .

وقال ابن أبي ليلى : البيع صحيح والشرط باطل - وهو رواية أبي ثور عن قولٍ للشافعي(٤) - لأنّ عائشة اشترت بَرِيرَة بشرط أن تُعتقها ويكون ولاؤها لمواليها ، فأجاز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله البيع وأبطل الشرط(٥) (٦) .

والجواب عن الأوّل : أنّا نقول بموجبه ، وإنّما يرد على الشافعي حيث أبطل مثل هذا الشرط على ما تقدّم في التقسيم.

وعن الثاني : جاز أن يكون شرط الولاء في العتق ، فلا يبطل ببطلانه ، بخلاف البيع.

____________________

(١) مختصر المزني : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٨ و ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٩ ، الوسيط ٣ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٥ - ١١٦ و ١٢٠ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ ، المغني ٤ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦١.

(٢) معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٣١ ، المجموع ٩ : ٣٧٦.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٢٤٨ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٣ / ١١٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٧ بتفاوت.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٩.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٢٥١ ، صحيح مسلم ٢ : ١١٤١ / ١٥٠٤ ، وراجع أيضاً المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٥٠.

(٦) معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٣١ ، المجموع ٩ : ٣٧٦ ، المغني ٤ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦١.

٢٤٩

وقسَّم بعضُ الشافعيّة الشرطَ إلى صحيحٍ وفاسدٍ ، ففي الأوّل العقدُ صحيح قطعاً ، وفي الثاني إن لم يكن شيئاً يفرد بعقدٍ ولا يتعلّق به غرض يورث تنازعاً ، لم يؤثّر في البيع ، كما لو عيّن الشهود وقلنا : لا يتعيّنون ، لم يفسد به العقد ؛ لأنّا(١) إذا ألغينا تعيين(٢) الشهود ، أخرجناه عن أن يكون من مقاصد العقد. وإن تعلّق به غرض ، فسد العقد بفساده ؛ للنهي عن بيع وشرط(٣) . ولأنّه يوجب الجهل بالعوض.

وإن كان ممّا يفرد بعقدٍ ، كالرهن والكفيل ، ففي فساد البيع بشرطهما على نعت الفساد قولان : الفساد - وبه قال أبو حنيفة - كسائر الشروط(٤) الفاسدة. والصحّة - وبه قال المزني - لأنّه يجوز إفراده عن البيع ، فلا يوجب فسادهُ فسادَ البيع ، كالصداق لا يوجب فسادهُ فسادَ النكاح(٥) .

قال عبد الوارث بن سعيد : دخلت مكة فوجدت بها ثلاثة فقهاء كوفيّين : أبو حنيفة وابن أبي ليلى ، وابن شُبْرُمة ، فصرتُ إلى أبي حنيفة فسألته عمّن باع بيعاً وشرط شرطاً ، فقال : البيع والشرط فاسدان ، فأتيت ابن أبي ليلى فسألته ، فقال : البيع جائز والشرط باطل ، فأتيت ابن شُبْرُمة فسألته ، فقال : البيع والشرط جائزان ، فرجعت إلى أبي حنيفة فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك ، فقال : لست أدري ما قالا ، حدّثني عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع وشرط. ثمّ أتيت ابن أبي ليلى ، فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك ، فقال : ما أدري ما قالا ، حدّثني هشام بن‌

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : ولأنّا. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : تعيّن. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٤٥ ، الهامش (٤).

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « العقود » بدل « الشروط ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٠ - ١٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٥ - ٧٦.

٢٥٠

عروة عن أبيه عن عائشة أنّها قالت : لمـّا اشتريت بَرِيرَة جاريتي شرطَتْ عليَّ مواليها أن أجعل ولاءها لهم إذا أعتقتها ، فجاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « الولاء لمن أعتق » فأجاز البيع وأفسد الشرط، فأتيت ابن شبرمة فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك ، فقال : ما أدري ما قالا ، حدّثني مسعر عن محارب عن جابر قال : ابتاع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله [ منّي ](١) بعيراً بمكة ، فلمـّا نقدني الثمن شرطتُ عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة ، فأجاز النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الشرط والبيع(٢) .

مسألة ١١٨ : ومن الشروط الجائزة عندنا أن يبيعه شيئاً ويشترط في متن العقد أن يشتري منه شيئاً أو يبيعه شيئاً آخر أو يقرضه شيئا أو يستقرض منه ، لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم»(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترطه عليه ، والمسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب الله عزّ وجلّ »(٥) .

وهذه الشروط كلّها سائغة لا تخالف كتاب الله تعالى ، فوجب جوازها ولزومها وصحّة العقد معها.

وقال الشافعي : لا يجوز ذلك ؛ لأنّه جَعَل الثمن والرفق بالعقد الثاني‌

____________________

(١) أضفناها من كتاب الخلاف للشيخ الطوسي ، وكما ورد سابقاً في ص ٢٤٨.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٩ - ٣٠ ، المسألة ٤٠ ، معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ١٣ - ١٤ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ - ٤١٦.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٧ / ٥٥٣ ، التهذيب ٧ : ٢٢ / ٩٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٢ / ٩٤ ، وفيهما : « فيما وافق ».

٢٥١

ثمناً ، واشتراط العقد الثاني فاسد ، فبطل(١) بعض الثمن ، وليس له قيمة يتعلّق به حتى يفرض التوزيع عليه وعلى الباقي(٢) .

والجواب : المنع من جَعْل الرفق بالعقد الثاني جزءاً من الثمن.

ولا نسلّم بطلان اشتراط العقد الثاني ، فإنّه المتنازع. ثمّ ينتقض بشرط العتق وما حكم بجوازه من الشروط.

فروع :

أ - لو تبايعا بشرط أن يبيعه شيئاً آخر ، فقد قلنا : إنّه يصحّ عندنا ، خلافاً للشافعي(٣) . وينصرف الثاني إلى البيع الصحيح ، فإذا باعه الثاني صحيحاً ، صحّ ، ووفى بالشرط. وإن باعه باطلاً ، لم يعتدّ به ، ووجب عليه استئناف عقد صحيح ، عملاً بمقتضى الشرط وتحصيلاً له.

ب - لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه إيّاه ، لم يصحّ ، سواء(٤) اتّحد الثمن قدراً ووصفاً وعيناً أو لا ، وإلّا جاء الدور ؛ لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيّته له ، المتوقّفة على بيعه ، فيدور.

أمّا لو شرط أن يبيعه على غيره ، فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب والسنّة.

لا يقال : ما ألزمتموه من الدور آتٍ هنا.

لأنّا نقول : الفرق ظاهر ؛ لجواز أن يكون جارياً على حدّ التوكيل أو‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فيبطل.

(٢ و ٣) الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ و ٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٦٨ و ٣٧٣ ، المغني ٤ : ٣١٤.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : وسواء. والصحيح ما أثبتناه.

٢٥٢

عقد الفضولي ، بخلاف ما لو شرط البيع على البائع.

ج - لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه آخَرَ(١) أو يُقرضه بعد شهر أو في الحال ، لزمه الوفاء بالشرط ، فإن أخلّ به ، لم يبطل البيع ، لكن يتخيّر [ البائع ](٢) بين فسخه للبيع وبين إلزامه بما شرطه ، فإن فسخ البيع ، فالنماء المتجدّد بين العقد والفسخ للمشتري ، أمّا المتّصل فللبائع ؛ لأنّه تابع للعين.

د - لو باعه شيئاً بشرط أن يُقرضه أو يبيعه أو يؤجره ، صحّ عندنا على ما قلناه ، خلافاً للشافعي ، فعلى قوله لو تبايعا البيع الثاني ، فإن كانا يعلمان بطلان الأوّل ، صحّ ، وإلّا فلا ؛ لإتيانهما به على حكم الشرط الفاسد(٣) .

وقال بعض أصحابه : يصحّ أيضاً(٤) .

وهذا التفريع لا يتأتّى على قولنا إلّا فيما لو كان البيع الأوّل فاسداً ، كما لو قال : بعتك هذا بما شئت بشرط أن تبيعني كذا بكذا ، فحينئذٍ نقول : إن كانا يعلمان بطلان الأوّل وتبايعا الثاني صحيحاً ، كان لازماً ؛ لأنّه كابتداء العقد ؛ إذ لا عبرة بالشرط الفاسد مع علم فساده. وإن لم يعلما بطلانه ، صحّ أيضاً إن اُثبت لهما الخيار إن قصدا معاً بالذات البيعَ الأوّل ، وإلّا اختصّ بالخيار مَنْ قصده بالذات دون مَنْ قصده بالعرض.

ه- لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه على زيد بكذا ، فباعه بأزيد ، فإن قصد إرفاقَ زيد أو غرضاً معتبراً عند العقلاء ، تخيّر بين الفسخ والإمضاء ؛

____________________

(١) أي : شيئاً آخر.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : المشتري. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٣.

٢٥٣

لمخالفة الشرط ، فإن فسخ ، رجع بالعين ، وليس لزيد خيار. وإن لم يقصد ، فلا خيار.

ولو باعه بأقلّ ، تخيّر ، إلّا مع تعلّق الغرض.

ولو أطلق الثمن ، باع بما شاء ولا خيار.

ولو باعه على عمرو ، تخيّر ، سواء باعه بثمن عيّنه أو بأزيد أو بأنقص أو بأقلّ من ثمن المثل أو أطلق.

ولو عيّن الثمن وأطلق المشتري فباع بأقلّ أو أزيد ، تخيّر مع تعلّق الغرض ، وإلّا فلا.

و - لو شرط أن يبيعه على زيد فامتنع زيد من شرائه ، احتُمل ثبوت الخيار‌ بين الفسخ والإمضاء. والعدم ، إذ تقديره : بِعْه على زيد إن اشتراه.

مسألة ١١٩ : من الشروط الفاسدة شرْطُ ما لا يدخل تحت قدرة البائع عليه‌ ، فلو اشترى الزرع بشرط أن يجعله سنبلاً ، أو البُسْر بشرط أن يجعله تمراً ، بطل ويبطل البيع على ما اخترناه ، خلافاً لبعض(١) علمائنا.

نعم ، يجوز اشتراط تبقيته في الأرض أو على رؤوس النخل إلى أوان ذلك.

وكذا يصحّ اشتراط ما يدخل تحت قدرة البائع من منافعه ، مثل أن يشتري ثوباً ويشترط خياطته عليه ، أو غزلاً ويشترط نساجته ، أو فضّةً ويشترط عليه صياغتها ، أو طعاماً ويشترط عليه طحنه(٢) أو خبزه ، أو قزّاً ويشترط سلّه(٣) ، وكذا كلّ منفعة مقصودة ، عملاً بالعمومات السالمة عن‌

____________________

(١) لم نتحقّقه.

(٢) في الطبعة الحجريّة : طبخه.

(٣) السَّلُّ : انتزاع الشي‌ء وإخراجه في رفق. لسان العرب ١١ : ٣٣٨ « سلل ».

٢٥٤

معارضة مخالفة فعل هذه الشروط للكتاب والسنّة.

وكذا لو اشترى زرعاً وشرط على بائعه أن يحصده ، أو اشترى ثوباً وشرط صبغه ، أو لبناً وشرط عليه طبخه ، أو نعلاً على أن ينعل به دابّته ، أو عبداً رضيعاً على أن يتمّ إرضاعه ، أو متاعاً على أن يحمله إلى بيته والبائع يعرف البيت ، فهذا كلّه سائغ لازم عندنا ؛ لما تقدّم.

وللشافعيّة أقوال :

أحدها : أنّه يفسد قطعاً ؛ لأنّه شراء للعين واستئجار للبائع على العمل ، فقد شرط العمل في العين كالزرع قبل أن يملكه ، فأشبه ما لو استأجره لخياطة ثوب لم يملكه. ولأنّ الحصاد - مثلاً - يجب على المشتري ، فإذا شرطه على البائع ، فقد شرط ما لا يقتضيه العقد. ولأنّه شرط تأخير التسليم ، لأنّ معنى ذلك أن يسلّمه إليه مقطوعاً.

والثاني : أنّ الاستئجار يبطل ، وفي البيع قولا تفريق الصفقة.

والثالث : أنّهما باطلان ، أمّا شرط العمل : فلما تقدّم. وأمّا البيع : فلأنّ الشرط إذا فسد فسد البيع(١) .

والجواب : لا نسلّم أنّه استئجار وإن أفاد فائدته ، بل هو شرط لزم البائع بعقد البيع ، ثمّ إنّه يبطل بشرط الرهن مع الثمن في المبيع.

والثاني باطل ؛ لأنّ هذا يصحّ إفراده بالعقد ، فخالف سائر الشروط.

وكذا الثالث إنّه ليس بتأخير ؛ لأنّه يمكن تسليمه خالياً عن العمل ويسلّم الزرع قائماً. ولأنّ الشرط من التسليم ، فلم يكن ذلك تأخيراً للتسليم.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ - ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٣ - ٣٧٤.

٢٥٥

فروع :

أ - يشترط في العمل المشروط في العقد على البائع أن يكون محلَّلاً ، فلو اشترى العنب على شرط أن يعصره البائع خمراً ، لم يصحّ الشرط والبيع على إشكال ينشأ من جواز إسقاط المشتري الشرطَ عن البائع والرضا به خالياً عنه ، وهو المانع من صحّة البيع ، ومن اقتران البيع بالمبطل.

وبالجملة ، فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلانَ البيع من أصله بحيث لو رضي صاحبه بإسقاطه لا يرجع البيع صحيحاً ، أو إيقاف البيع إن لم يرض بدونه بطل ، وإلّا صحّ؟ نظر.

ب - لو اشترط شرطاً مجهولاً ، كما لو باعه بشرط أن يعمل فيه ما يأمره به بعد العقد ، أو يصبغ له ثوباً ويطلقهما أو أحدهما ، فالوجهان.

ج - لا فرق في الحكم بين اقتران البيع والعمل في الثمن وتعدّده‌ بأن يقول : بعتك هذا الثوب بعشرة و [ استأجرني ](١) على خياطته بدرهم ، أو يقول : بعتك هذا الثوب وآجرتك نفسي على خياطته بعشرة ، فيقول : قبلت.

وللشافعيّة الأقوال(٢) السابقة.

د - لو اشترى حطباً على ظهر بهيمة مطلقاً ، صحّ ، ويسلّمه إليه في موضعه.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : استأجرتك. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٣ و ٣٧٤.

٢٥٦

وللشافعيّة قولان ، هذا أحدهما. والثاني : لا يصحّ البيع حتى يشترط تسليمه إليه في موضعه ؛ لأنّ العادة قد تقتضي حمله إلى داره(١) .

والمعتمد : الأوّل ، فعلى هذا لو شرط حمله إلى داره ، صحّ عندنا وعندهم بمقتضى الثاني.

ه- لو شرط على البائع عملاً سائغاً ، تخيّر المشتري‌ بين الفسخ والمطالبة به أو بعوضه إن فات وقته وكان ممّا يتقوّم ، كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغاً فأتاه به غير مصبوغ وتلف في يد المشتري. ولو لم يكن ممّا يتقوّم ، تخيّر بين الفسخ والإمضاء مجّاناً.

و - لو كان الشرط على المشتري ، مثل أن باعه داره بشرط أن يصبغ المشتري له ثوبه ، فتلف الثوب ، تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء بقيمة الفائت إن كان ممّا له قيمة ، وإلّا مجّاناً.

مسألة ١٢٠ : لو اشترى بشرط تأجيل الثمن عليه إلى مدّة معيّنة ، صحّ ، وهو بيع النسيئة ، عند علمائنا - وهو قول الشافعي(٢) أيضاً وإن منع من شرط غير الأجل(٣) - لورود النصّ فيه.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « مَنْ ساوم بثمنين أحدهما عاجلاً والآخر نظرةً فليسمّ أحدهما قبل الصفقة »(٤) .

إذا ثبت هذا ، فشرط الأجل المشروط في البيع أن يكون مضبوطاً محروساً من الزيادة والنقصان ، فلو شرط قدوم الحاجّ أو نزول المطر أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٧٤.

(٢) الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦.

(٤) الكافي ٥ : ٢٠٦ ( باب الشرطين في البيع ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٤٧ / ٢٠١.

٢٥٧

إقباض المبيع ، بطل العقد والشرط ؛ لاشتماله على الغرر وقد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه(١) .

ولو شرط تأجيل الثمن إلى ألف سنة مثلاً ، فالأقوى الجواز ، عملاً بالعموم الدالّ على تسويغ مثله. والقطعُ بالموت قبله باطل ؛ لمنعه أوّلاً ، ولمنع صلاحيّته للتأثير - كشكّ حياته - في المدّة القليلة ، فكما لا يمنع الشكّ كذا اليقين.

وقال بعض الشافعيّة : لو أجّل الثمن إلى ألف سنة ، بطل العقد ؛ للعلم بأنّه لا يبقى إلى هذه المدّة(٢) .

ولو سُلّم ، لم يقتض المنع ؛ لجواز انتقاله عنه إلى وارثه.

فروع :

أ - إذا أجّل الثمن إلى مدّة معلومة ، سقط الأجل بموت مَنْ عليه‌ على ما يأتي.

وهل يثبت للورثة الخيارُ؟ إشكال ينشأ من زيادة الثمن في مقابلة الأجل ولم يسلم لهم الارتفاق به ، ومن لزوم البيع وانعقاده وانتقال السلعة إلى المشتري ، فلا يبطل بالتعجيل المستند إلى حكم الشرع مطلقاً.

ب - لو آجر ثوباً ألف سنة ، لم يصحّ ، لا باعتبار زيادة الأجل ، بل للعلم بفساد العين وعدم الانتفاع به طول المدّة.

ج - لا فرق بين أن يشترط الأجل في الثمن المعيّن المشخّص‌ أو‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ / ٢١٩٤ و ٢١٩٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٦ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٢ / ٦٢٧١ ، و ٣ : ٧١ / ٨٦٦٧ ، و ٢٨٤ / ١٠٠٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

٢٥٨

الثابت في الذمّة ، فلو شرط ثمناً معيّناً ، كهذه الدنانير ، وتأديتها في أجل معلوم ، صحّ. وكذا لو شرط تسليم المبيع المعيّن في مدّة معيّنة كأن يشتري منه هذا الثوب بعشرة بشرط أن يسلّم الثوب بعد شهر ، صحّ عند علمائنا أجمع ، خلافاً للشافعي فيهما ؛ فإنّه قال : يفسد لو كان الأجل في المبيع أو الثمن المعيّن ؛ لأنّ الأجل رفق اُثبت ليحصل الحقّ في الذمّة والمعيّن حاصل(١) . وليس بجيّد.

د - لو حلّ الأجل فأجّل البائع المشتري مدّة أو زاد في الأجل قبل حلول الأجل المضروب أوّلاً ، فهو وعد غير لازم ؛ لعدم وجود المقتضي له ، إذ الوعد غير موجب ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يلزم(٣) . ويبطل على قوله ببدل الإتلاف ، فإنّه لا يتأجّل وإن أجّله(٤) .

وقال مالك : يتأجّل(٥) .

ه- لو أوصى مَنْ له دَيْنٌ حالٌّ على إنسان بإمهاله مدّة ، فعلى ورثته إمهاله تلك المدّة ؛ للزوم التبرّعات بعد الموت ، والوصيّة هنا لم تتناول العين ، فلا تخرج من الثلث على إشكال.

و - لو كان عليه دين مؤجّل فأسقط المديون الأجل ، لم يسقط ، وليس للمستحقّ مطالبته في الحال ؛ لأنّ الأجل صفة تابعة والصفة لا تفرد بالإسقاط ، ولهذا لو أسقط مستحقّ الحنطة الجيّدةَ أو الدنانير الصحاح الجودةَ أو الصحّةَ ، لم تسقط.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧.

٢٥٩

وللشافعي وجهان(١) .

مسألة ١٢١ : يصحّ اشتراط الخيار على ما يأتي‌ ، وشرطُ وثيقةٍ بالرهن والكفيل والشهادة ، وبه قال الشافعي(٢) أيضاً ، فيصحّ البيع بشرط أن يرهن المشتري بالثمن أو يتكفّل به كفيل أو يشهد عليه ، سواء كان الثمن حالّاً أو مؤجّلاً.

وكذا يجوز أن يشترط المشتري على البائع كفيلاً بالعهدة ، عملاً بعموم قولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٣) السالم عن معارضة مخالفته للكتاب والسنّة ، بل هي موافقة لهما ؛ لقوله تعالى :( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (٤) ( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) (٥) .

وهل يجوز أن يشترط المشتري على البائع رهناً على عهدة الثمن المقبوض لو خرج المبيع مستحقّاً؟ الأقرب ذلك.

ولا بُدّ من تعيين الرهن بالمشاهدة أو الوصف ، كما يوصف المـُسْلَم فيه - وبه قال الشافعي(٦) - دفعاً للغرر ، وحسماً لمادّة التنازع.

وقال مالك : لا يشترط التعيين ، بل ينزّل المطلق على ما يصلح أن يكون رهناً لمثل ذلك في العادة(٧) .

وقال أبو حنيفة : لو قال : رهنتك أحد هذين العبدين ، جاز ، كالبيع(٨) .

وقد تقدّم بطلانه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩ - ٣٤٠.

(٢) الوسيط ٣ : ٧٤ ، الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) البقرة : ٢٨٣.

(٥) البقرة : ٢٨٢.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٧ و ٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458