تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202130 / تحميل: 6024
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وثانياً : أليس الله تعالىٰ يقول :( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ... ) (١) .

فالله ينهي عن طاعة الظالمين فكيف يأمر بها نبيّه؟!

نعم ، إن معاوية وملوك بني أُمية وبني العباس وضعوا هذه الأحاديثحتّىٰ لا يخرج عليهم أحد ولا ينهاهم مسلم ، وهل يريد الحكّام الظالمون أكثر من ذلك؟!

وتعالَ إلىٰ حديث آخر شبيه بالسابق :

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من رأىٰ من أميره شيئاً فكرهه فليصبر ، فإنّه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلاّ مات ميتة جاهليّة »(٢) .

إنّ هذا الحديث كذب صريح ، وإلاّ لو كان صحيحاً فلماذا خالفه الصحابة أنفسهم ، أليس قد فارق علي بن أبي طالب جماعة المسلمين ولم يبايع أبا بكر إلاّ بعد ستة أشهر؟ أليس قد خالفت عائشة هذا الحديث وخرجت علىٰ عليّ في حرب الجمل مع طلحة والزبير؟! أليس قد فارق عبدالله بن عمر الجماعة ولم يبايع عليّاً طيلة خلافته ثم بايع بعد ذلك يزيد وعبد الملك بن مروان؟!

وهناك حديث آخر يعارض هذه الأحاديث ، يقول : عن عبدالله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « السمع والطاعة علىٰ المرء المسلم فيما أحبّ أو كره مالم يُؤمَر

__________________

١)سورة هود : ١١٣.

٢)تجد الحديث قريب منه في لفظه في مسند أحمد ٤ : ٩٦.

٤١

بمعصية ، فإن أُمر بعصية فلا سمع ولا طاعة »(١) .

وإليك فعلة شنيعة أُخرىٰ اقترفها صحابي ابن صحابي :

عن أسامة بن زيد بن حارثة قال : « بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ الحُرقة( قبيلة ) من جُهينة ، قال فصبّحنا القوم فهزمناهم ، قال ولحقتُ أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، قال : فلمّا غشيناه قال لا إله إلاّ الله ، قال : فكفّ عنه الأنصاري فطعنتُهُ برمحي حتّىٰ قتلتُه ، قال : فلمّا قدمنا بلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : فقال لي : يا أُسامة أقتلْتَهُ بعدما قال لا إلٰه إلا الله ، قال : قلتُ : يا رسول الله إنّما كان متعوّذاً ( أي قالها خوفاً من القتل لا إيماناً ) قال : أقتلته بعد أن قال لا إلٰه إلا الله؟ قال : فما زال يكرّرها عليّ حتّىٰ تمنّيتُ أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم »(٢) .

والواقع أنّ الإنسان لا يجد ما يعلق عليه في هذه الحادثة ، لذا نتركها للقارئ.

وإليك حادثة أُخرىٰ :

عن أبي هريرة قال : « شهدنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لرجل ممّن يدّعيالإسلام : هذا من أهل النار ، فلمّا حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة ، فقيل : يا رسول الله الذي قلت إنّه من أهل النار فإنّه قد قاتل اليوم قتالاً شديداً وقد مات ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلىٰ النار ، قال : فكاد بعض الناس أن يرتاب ، فبينما هم علىٰ ذلك إذ قيل : إنّه لم يمت ولكن به جراحاً

 __________________

١)صحيح البخاري ٩ : ١١٣.

٢)صحيح البخاري ٩ : ٥ ، مسند أحمد ٥ : ٢٠٠.

٤٢

شديداً ، فلمّاكان من اللّيل لم يصبر علىٰ الجراح فقَتل نفسه ، فأخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فقال : الله أكبر إني عبد الله ورسوله ، ثم أمر بلالاً فنادىٰ بالناس »(١) .

هذا رجل مسلم ، صحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغزا معه ، والله أعلم كم غزوة شارك فيها ، ولم يكفر بالله ولم يرتدّ لكنّه من أهل النار لأنّه انتحر ولم يصبرعلىٰ الجراح ، فكيف يقال : إنّ جميع الصحابة عدول؟!

نكتفي بهذا القدر اليسير من مخالفات الصحابة لله ولرسوله وننتقل إلىٰ بحث آخر وهو : رأي الصحابة في بعضهم البعض.

__________________

١)صحيح البخاري ٤ : ٨٨.

٤٣

رأي الصحابة في بعضهم البعض :

إنّ الذي يمنعنا اليوم من مجرّد ذكر حقائق وأفعال بعض الصحابةـالتي أثبتها الله ورسوله ويدّعي أنّ ذلك طعن بالصحابة ويتهمنا بسب وشتم جميع الصحابةـلا يدري أنّ الصحابة أنفسهم شتم بعضهم بعضاً ولعن بعضهم بعضاً وقاتل بعضهم بعضاً ، فهل « حلال عليهم ، حرام علينا؟! »(١) .

وإليك بعض الأمثلة علىٰ ذلك :

عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب؟! فقال : أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنّ له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبّه لان تكون لي واحدة منهنّ أَحبّ إليّمن حُمر النِّعم. سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضىٰ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسىٰ إلاّ أنه لا نبوّة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية رجلاً يُحبّ اللهَ ورسولَه ويحبّه اللهُ ورسولُه ، قال فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي عليّاً ، فأُتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ، ولمّا نزلت هذه الآية :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ

__________________

١)مثل تونسي شائع.

٤٤

أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) (١) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللّهم هؤلاء أهلي »(٢) .

ونحن نستخلص من شهادة سعد بن أبي وقاص هذه أشياء :

أولاً : لو كان سبّ الصحابي كفراً فما بال معاوية بن هند يأمر الصحابة ومن ضمنهم سعداً بسبّ علي بن أبي طالب؟! وما بال بني أُميّة اتخذوا سبّ علي بن أبي طالب سنّة ، حتّىٰ كانوا يلعنونه علىٰ المنابر طيلة سبعين سنة.

ثانياً : ثبت عن الصحابة أنّ المقصود من أهل البيت النبويّ ليس زوجات الرسول بل هم : علي وفاطمة وحسن وحسين وفيهم نزلت آية التطهير حيث يقول تعالىٰ :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) فالقرآن نزل بين الصحابة وما كانت لتخفىٰ عليهم مقاصد هذه الآية.

وثالثاً : يتبيّن كذب أحاديث قيلت علىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنها هذا الحديث التالي :

عن محمد بن إسحاق عن يونس بن محمد عن إبراهيم بن سعد عن عبيدة بن أبي رائطة عن عبد الرحمان عن عبد الله بن مغفّل قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومنآذاهم فقد آذاني ومن

__________________

١)سورة آل عمران : ٦١.

٢)صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ ، كتاب فضائل الصحابة.

٣)سورة الأحزاب : ٣٣.

٤٥

آذاني فقد آذىٰ الله ومن آذىٰ الله فيوشك أن يأخذه »(١) .

فإذا صحّ الحديث فمعاويةـوهو صحابي درجة مائةـكان يسبّ عليّاً وما أدراك ما علي ويأمر بسبّه ; وعليّعليه‌السلام قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق »(٢) .

وإليك مثال آخر علىٰ رأي الصحابة في بعضهم البعض :

عن جابر قال : « صلّىٰ معاذ بن جبل الأنصاري بأصحابه صلاة العشاء فطوّل عليهم ، فانصرف رجل منّا ، فصلّىٰ ، فأُخبر معاذ عنه فقال : إنّه منافق ، فلمّا بلغ ذلك الرجل دخل علىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره ما قال معاذ ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أتريد أن تكون فتّاناً يا معاذ؟ إذا صلّيت بالناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبّح اسم ربّك الأعلىٰ واللّيل إذا يغشىٰ واقرأ باسم ربّك »(٣) وتعليقاً علىٰ الحديث نقول : انظر إلىٰ معاذ وهو يرمي أحد المسلمين بالنفاق لانه لم يُطق تطويله وتأمّل لوم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمعاذ.

كذلك أمر عمر بن الخطاب رجال السقيفة بأن يقتلوا سعد بن عبادة لأنّه خالف ما اتفقوا عليه ، وهكذا الأمثال عديدة ، فمن شاء فليحقّق في الصحاح وكتب السيرة.

__________________

١)مسند أحمد بن حنبل ٩ : ٨٢ ، وقريب من هذا الحديث حديث « أحسنوا إلى أصحابي » مسند أحمد بن حنبل : ٤٥ حديث رقم ١٧٨.

فهل أحسن عثمان إلى أبي ذر وهل أحسن معاوية لعليّ وهل أحسن يزيد( التابعي ) إلى الحسين الصحابي وو ...؟!

٢)أنظر سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ ، فضائل عليّ.

٣) سنن ابن ماجه ١ : ٣١٥ ، باب من أمّ قوماً فليُخفّف.

٤٦

ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما »(١) .

وإليك مثالاً آخر :

« عن جابررضي‌الله‌عنه قال : غزونا مع النبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتّىٰ كثروا ، وكان من المهاجرين رجل لعّاب فكسع أنصاريّاً فغضب الأنصاري غضباً شديداً حتّىٰ تداعوا ، وقال الأنصاري : ياللأنصار ، وقال المهاجرىّ : يا للمهاجرين ، فخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما بال دعوىٰ أهل الجاهليّة ، ثم قال : ماشأنهم؟ فأُخبر بكسعة المهاجريّ الأنصاري ، قال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوها فإنّها خبيثة.

وقال عبد الله بن أُبي بن سلول : قد تداعوا علينا لئن رجعنا إلىٰ المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، فقال عمر : ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث لعبدالله ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يتحدّث الناس أنّه كان يقتل أصحابه »(٢) .

فهاهم المهاجرون والأنصار يختلفون ويكادون يتقاتلون ، حتّىٰ وصل الأمر أن يستغلّ هذه الفرصة رأس المنافقين فيقول ما قال.

ولنتصور مدىٰ تألّم قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يرىٰ أصحابه يرفعون شعارات قبليّة ، أليست هذه إذاية للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

ثم تأمّل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : « لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه » ، فنفهم منه أنّ المنافقين بعكس ما يقول علماء أهل السنّة كانوا

__________________

١)موطّأ الإمام مالك : ٦٥٢ ، حديث رقم ١٨٤٤.

٢) صحيح البخاري ٤ : ٢٢٣ ، وكذلك في مسند أحمد ٣ : ٣٣٨.

٤٧

داخلين في دائرة الصحابة وما كان أكثرهم حتّىٰ أن الله تعالىٰ أنزل سورة كامة باسمهم(١) وقال تعالىٰ فيهم في سورة التوبة :( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ... ) (٢) فمن هم يا ترىٰ أولئك المنافقون الذين لا يعلمهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! سنعرفهم يوم القيامة إن شاء الله تعالىٰ.

كذلك تسابّ خالد بن الوليد وعبدالرحمن بن عوف أمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفحش خالد بن الوليد لعمّار بن ياسر(٣) وما أدراك ما عمّار الطيب بن الطيب(٤) كما وصفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

١) هي سورة المنافقون.

٢) سورة التوبة : ١٠١.

٣) مسند أحمد ٤ : ٨٩.

٤) سنن ابن ماجه ١ : ٥٢ ، فضائل عمّار.

٤٨
٤٩

ما لاقاه الصحابة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

● عمّار بن ياسر :

عمّار بن ياسر أبو اليقظان وهو صحابي جليل وقد استشهد أبواه ياسر وسميّةـأوّل شهيدة في الإسلامـبعد أن عُذِّبا وعمّار عذاباً شديداً من مشركي قريش.

وعمّار هو الذي نزل فيه قوله تعالىٰ :( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (١) بعدما نال من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر آلهة المشركين علىٰ رواية لشدة ما ناله من العذاب ، وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عمّار تقتله الفئة الباغية »(٢) وفعلاً استشهد عمّار يوم حرب صفّين بين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ورئيس الفرقة الباغية معاوية بن هند.

وقبل أن يقتل « الصحابي » معاوية عمّاراً كما قتل غيره ، تعرّض عمّار للضرب والشتم من عثمان ووزيره مروان بن الحكم ، وإليك القصة كما أوردها ابن قتيبة في كتابه ( الإمامة والسياسة ) :

« ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان ، وكان ممّن حضر

__________________

١)سورة النحل : ١٠٦.

٢)صحيح البخاري ٤ : ٢٥.

هذا مع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من أبغض عمّارا أبغضه الله ». أنظر مسند أحمد ٤ : ٨٩ ، فما بالك إذن بمن قتله واجترأ عليه؟

٥٠

الكتاب عمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود ، وكانوا عشرة ، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلىٰ عثمان والكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمّارحتّىٰ بقي وحده ، فمضىٰ حتّىٰ جاء دار عثمان ، فاستأذن عليه ، فأذن له في يوم شاتٍ فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أُميّة ، فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له : أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال نعم ، قال : ومن كان معك؟ قال كان معي نفر تفرّقوا فَرقاً منك ، قال : من هم؟ قال : لا أُخبرك بهم ، قال : فلم اجترأت عليّمن بينهم؟ فقال مروان : يا أمير المؤمنين إنّ هذا العبد الأسود ( يعني عمار ) قد جَرّأ عليك الناس ، وإنّك إن قتلته نكّلت به من وراءه ، قال عثمان : اضربوه ، فضربوه وضربه عثمان معهم حتّىٰ فتقوا بطنه ، فغشي عليه ، فجرّوه حتّىٰ طرحوه علىٰ باب الدار ، فأمرت به أُم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام فأدخل منزلها »(١) .

●أبو ذرّ الغفاري :

هو جندب بن جنادة من قبيلة غفار ، وكان رابع من أسلم أو خامسهم بعد خديجة وعلىٰ وزيد بن حارثة ، وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علىٰ ذي لهجة أصدق من أبي ذر »(٢) .

وأبو ذرّ هذا نفاه عثمان بن عفّان إلىٰ الشام ، لكن معاوية خاف منه ومن صرامته في الحق فأرسل لعثمان كتاباً قال له فيه : انقذني من أبي ذرّ ، فأرجعه

__________________

١)الإمامة والساسية١ : ٥٠ ـ ٥١.

٢) طبقات ابن سعد ج٤ ، ترجمة أبي ذر الغفاري.

٥١

عثمان وشتمه ونفاه إلىٰ صحراء الربذة حتّىٰ مات هناك ، فصدق فيه قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تمشي وحدك وتموت وحدك وتُبعث وحدك »(١) .

بل إنّ هذا الصحابي الجليل القدر لم يجد حين حضرته الوفاة كفناً يُكفّنُ فيه ، في حين كان مروان بن الحكم وغيره من بني أُميّة المجرمين يتنعّمون ويبذّرون مال الله علىٰ شهواتهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

●سهل بن سعد الساعدي :

صحابي من الصحابة ، وقد قال ابن الأثير في ترجمته « وعاش وطال عمره ، حتّىٰ أدرك الحجّاج بن يوسف وامتُحن معه ، أرسل الحجّاج سنة أربع وسبعين إلىٰ سهل بن سعدرضي‌الله‌عنه وقال له : ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان؟! قال : قد فعلته. قال : كذبت ، ثم أمر به فَخُتم في عُنُقه ، وخَتم أيضاً في عنق أنس بن مالكرضي‌الله‌عنه ، حتّىٰ ورد عليه كتاب عبد الملك بن مروان فيه ، وختم في يد جابر بن عبدالله ، يريد ( أي الحجّاج ) إذلالهم بذلك ، وأن يجتنبهم الناس ولا يسمعوا منهم »(٢) .

وكما ترىٰ فإنّ الحجّاج ومن قبله معاوية ويزيد لم يدعوا حرمة للصحابة بل ختموا علىٰ رقابهم وأيديهم كالأغنام ، وقد ختم يزيد علىٰ رقاب أهل المدينة بعد أن غزاها وكان فيها من الصحابة والتابعين الكثير وشرط عليهم

__________________

١)الحديث عن عبدالله بن مسعود وقد قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذرّ في غزوة تبوك ، الطبقات الكبرى لأبن سعد ٤ : ١٧٣.

٢) أُسد الغابة ٢ : ٤٧٢ ، ترجمة سهل بن سعد الساعدي.

٥٢

أن يختم عليهم وأن يشهدوا علىٰ أنهم عبيد ليزيد.

ولاحظ حقد الحجّاج علىٰ من لم ينصر عثمان ، فما بالك بمن حارب عثمان ودعىٰ لقتله ، وقد فعل هذا كثير من الصحابة كعائشة وطلحة والزبير وعمرو بن العاص وغيرهم كثير ، وبهذا تعرف لماذا صارت لعثمان فضائل كثيرة مزعومة ومثالب وشتائم لمن عارضه أو قتله أو رضي بذلك ، فافهم!!

نكتفي بهذا القدر ، ولو أردنا التوسع فيما لقيه الصحابة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التنكيل والتبعيد والقتل والسب والشتم لاحتاج كلّ ذلك إلىٰ كتاب علىٰ أقل تقدير ، ثم يقال بعد هذا إنّ سبّ الصحابي كفر وزندقة؟!

٥٣

رأي التابعين في الصحابة :

في الواقع إنّ الباحث الفطن يكتشف أن مسألة عدالة الصحابة أجمعين أو فقل : إنّ لُغز عدالة الصحابة جميعاً هي مسألة محبوكة وموضوعة لكي تقف حجر عثرة أمام الوصول إلىٰ الحقيقة ، ولا يوجد أدنىٰ شكّ في أنّها خطة أُمويّة أسّسها معاوية بن أبي سفيان حتّىٰ لا يفتضح هو وأمثاله من أرثّاء وأخسّاء الصحابة وحتّىٰ لا تصل الأُمة بعد ذلك إلىٰ فهم القرآن الكريم وآياتهـوالتي تتضمّن طعناً بكثير من الصحابة كما أشرناـوبالتالي عدم فهم السنّة الشريفة ، وبعبارة أُخرىٰ فقل : أراد معاوية الذي أسلم يوم فتح مكة ثم صار فيما بعد أميراً للمؤمنين ، أراد أن لا يستغرب أحد من الأُمة هذه القفزة النوعيّة ولا تُثار الشكوك حولها ، وبعبارة أدقّ قام معاوية بعمليّة خلط الأوراق حتّىٰ لا يميّز المسلم يمينه من يساره ولا ناقته من جمله.

وبعد هذا الاستعراض القصير جدّاً لما شجر بين الصحابة من السب والتنابز ، نأتي إلىٰ طبقة التابعين لنرىٰ رأي بعضهم في الصحابة.

لو كان كلّ الصحابة عدولاً كما يقال ، فما كان هذا الأمر ليخفىٰ علىٰ أحد مشاهير وأعلام التابعين ، وهو الحسن البصري الفقيه البصري المعروف والذي أبدىٰ رأيه في معاويةـالصحابيـصراحة حيث يقول :

« أربع خصال كُنّ في معاوية ولو لم يكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت موبقة :

٥٤

●انتزاؤه علىٰ هذه الاُمة بالسفهاء حتّىٰ أبتزّوها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة.

●استخلافه ابنهـيقصد يزيد الشرـبعده سكّيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير.

●ادعاؤه زيادًا وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر.

قتله حجر وأصحابهـيقصد حجر بن عدي الصحابي الجليلـويل له من حجر وأصحابه ويل له من حجر وأصحابه »(١) .

فهذا التابعي يشنّع علىٰ معاويةـالصحابيـأمورا منها أنه انتزىٰ علىٰ حكم المسلمين بالقوّة والباطل رغم وجود بقية باقية من خيار الصحابة ، ولم يكتف معاوية بهذا بل جعل أناساً مجرمين ولاة علىٰ الإمارات الإسلامية كتوليته زياد بن أبيه ( الذي جعله أخاً له ) وتولية بسر بن أرطأة السفاح وكتولية المغيرة بن شعبة والضحاك بن قيس الفهري علىٰ الكوفة وغيرهم.

كذلك يشنّع الحسن البصري علىٰ معاوية توليتهُ يزيداً ابنه خليفةـملكاًعلىٰ الأصحـعلىٰ المسلمين مع ما اشتهر عنه من فسق وفجُور ، حتّىٰ قال فيه الحسين بن عليعليه‌السلام قولته الشهيرة عندما رفض مبايعة يزيد : « وعلىٰالإسلام السلام إذ بُليت الاُمة براعٍ مثل يزيد ».

ولا ينسىٰ الحسن البصري حادثة قتل معاوية لحجر بن عدي الصحابي الجليل الذي دفنه حيّاً في مرج عذراء قرب دمشق مع ثلّة من أصحابه. وَسجِلّ معاوية مليء بالاغتيالات والتصفيات التي طالت حتّىٰ كبار

__________________

١) تاريخ الطبري ٥ : ٢٧٩.

٥٥

الصحابة فضلاً عن غيرهم. فقد سمّ الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّد شباب أهل الجنة ، وقتل محمد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ويح عمّار تقتله الفئة الباغية » ، وعلىٰ هذا يكون معاوية رئيس الفرقة الباغية ، ثمّ يأتي من يقول بعد ذلك إنّ جميع الصحابةـبمن فيهم معاويةـعدول ، ثقات ، مغفور لهم ، مشهود لهم بالجنة وأنّ منهم من اجتهد فأصاب ومنهم من اجتهد فأخطأ كمعاوية ولهذا فله أجر واحد فقط؟!

اللّهم احفظ لنا عقولنا فإنّك ما كرّمت بني آدم علىٰ الدواب إلاّ بها.

٥٦
٥٧

صحابة تحت المجهر :

ولكي يتبيّن الصّبح لذي عينين ، لنضع بعض الصحابة الذين كان لهم أعمق الأثر في أن يوجد لدينا اليوم إسلام ذو شكل عجيب وغريب لا يمتّإلىٰ إسلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأيّ صلة اللّهم إلاّ الاشتراك اللّفظي ، تحت المجهر.

١ ـ أبو هريرة الدوسي :

أبو هريرة ، وما أدراك ما أبو هريرة ، راوية الإسلام الأعظم.

واختُلف في اسم أبي هريرة اختلافاً شديداً ، لكن طغىٰ عليه هذا الاسم.

وقد أسلم هذا الرجل في السنة السابعة للهجرة بعد غزوة خيبر ، يعني أنه لم يصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ مقدار ثلاث سنوات أو أقلّ ، لكن العجيب أنه أكثر الصحابة رواية ، حيث بلغ مجموع أحاديثه (٥٣٧٤) حديثاً ، علماً أنّ مجموع ما رواه الخلفاء الأربعة : أبو بكر وعمر وعثمان وعليعليه‌السلام هو (١٤٢١) حديثاً ، وكما يقول السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي فإنّ نسبة حديث هؤلاء الذين طالت صحبتهم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ حديث أبي هريرة هو أقل من ٢٧ في المائة(١) .

__________________

١) كتاب أبو هريرة للعلاّمة شرف الدين الموسوي العاملي : ٤٥.

هذا وقد أعتبر ابن حزم أن مجموع ما رواه الخلفاء الأربعة هو (١٣٦١) حديثاً في كتابه « أسماء الصحابة الرواة ، وعلىٰ كلٍّ الفارق شاسع بين ما روَوْه جميعاً وبين ما رواه أبو هريرة.

٥٨

وليت الأمر وقف عند هذا الحدّ ، بل إنّ أبا هريرة يقول : « حفظت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاءين فأمّا أحدهما فبثثته ، وأمّا الاخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم »(١) .

وقد استنكر كثير من الصحابة علىٰ هذا الرجل كثرة حديثه ، ومنهم عمر بن الخطاب ، وحتّىٰ قال فيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام : « إنّ أكذب الأحياء علىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبو هريرة الدوسي »(٢) .

وحتّىٰ تتيقّن بنفسك أيها القارئ الكريم أنّ أبا هريرة كان مخرّفا ولم يكن محدّثاً فتعال معي لنضع جزءاً يسيراً جدّاً جدّاً من أحاديثه وانظر مخالفتها للعقل أولاً وللقرآن والسنّة ثانيًا حتّىٰ تعلم أنّ حديث أبي هريرة ليس إلاّ زخرف من الكلام ولا يمكن أن يكون كلام شخص عاقل فضلاً عن نبيّ ، وإليك هذا البعض اليسير :

عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « اختتن إبراهيمعليه‌السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم »(٣) .

ربمّا لا يدري أبو هريرة أنّ الأنبياء هم أكمل خلق الله تعالىٰ ، فلا حاجة أن يختتنوا بل يولدون مختونين مقطوعي السرّة ، كما كان شأن نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ لماذا يبقىٰ إبراهيم غير مختون إلىٰ هذا العمر المتأخّر؟!

عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « بينما أيوب يغتسل عُرياناً خرَّ

__________________

١)صحيح البخاري باب حفظ العلم ١ : ٢٤.

٢)كتاب أبوهريرة للعلاّمة شرف الدين الموسوي العاملي : ١٨٦ ، وأيضاً كتاب أبو هريرة شيخ المضيرة لمحمود أبو رية المصري : ١١٩.

٣) صحيح البخاري ٤ : ١٧٠ ، ومسند أحمد ٢ : ٣٢٢.

٥٩

عليه رجل جراد من ذهب ، فجعل يحثي في ثوبه ، فنادىٰ رَبُّهُ : يا أيوّب ألم أكن أغنيتك عمّا ترىٰ ؟ قال : بلىٰ يا ربّ ولكن لا غنىٰ لي عن بركتك »(١) .

تعليق : إنّ هذا الحديث متهاوٍ من عدة وجوه :

أوّلاً : إذا كان أيوبعليه‌السلام يغتسل عرياناً فكيف كان يضع الجراد الذهبي في ثوبه؟!

ثانياً : لماذا يعاتب الله أيوّب علىٰ أخذ هذا الجراد ، أليس هو الذي أنزله عليه؟! أم كان الأمر اختباراً لأيوّب؟! وإذا كان اختباراً فكيف يكون أيّوب حريصاً لهذه الدرجة علىٰ جمع الذهب؟!

إنّ أيوّب مدحه الله تعالىٰ وجعله أُسوة في الصبر ، وكذلك باقي الأنبياء ليس همّهم جمع الذهب والفضّة ، وماذا يعني لهم الذهب والفضّة وكل كنوز الدنيا أمام طاعة الله ورضاه؟! نعم إذا كان أبو هريرة يقيس نبي الله أيّوب بنفسه فحينئذٍ لا نستغرب منه هذا التصرف.

●ويمضي أبو هريرة في تطاوله علىٰ رُسل الله وأنبياءه فيقول : « قيل يا رسول الله من أكرم الناس؟! قال : أتقاهم ، فقالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فيوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فعن معادن العرب تسألون خيارهم في الجاهلية خيارهم فيالإسلام إذا فقهوا »(٢) .

تعليق : ما بال القوم لا يكتفون ، بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أتقاهم؟! » أليس الله تعالىٰ __________________

١) صحيح البخاري ٤ : ١٨٤ ، وكذلك في المستدرك للحاكم المجلّد ٢ : ٥٨٢.

٢) صحيح البخاري ٤ : ١٧٠.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ولا يشترط أن يكون مشخّصاً ، فلو شرط ارتهان عبد حبشي موصوف بصفات السَّلَم ، جاز وإن لم يكن له عبد في الحال.

ويشترط في الكفيل التعيينُ إمّا بالمشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب.

وهل يكفي الوصف مثل أن يقول : رجل موسر ثقة؟ الأقرب ذلك ؛ فإنّ الاكتفاء بالصفة أولى من الاكتفاء بمشاهدة مَنْ لا يعرف حاله ، خلافاً للشافعي حيث شرط تعيين شخصه(١) ، وبعضٍ الشافعيّة حيث لم يشترط التعيين مطلقاً ، بل إذا أطلق أقام مَنْ شاء(٢) .

فروع :

أ - الأقرب أنّه لا يشترط تعيين الشهود لو شرط الإشهاد ؛ لأنّ المطلوب في الشهود العدالةُ لإثبات الحقّ عند الحاجة ، بخلاف الرهن والكفيل ؛ لتفاوت الأغراض فيهما.

وقال بعض الشافعيّة : يشترط أيضاً كالرهن والكفيل ، وتفاوت الأغراض هنا متحقّق ، فإنّ بعض العدول أوجه ، وقوله أسرع قبولاً ، وعدالته أشهر وأوضح ، فتتفاوت الأغراض في أعيانهم(٣) .

وليس بجيّد ؛ إذ لا اعتبار بهذه الجزئيّات ؛ لعدم انضباطها.

ب - لو عيّن الشهود في الشرط ، تعيّنوا ، عملاً بالشرط ؛ إذ لا منافاة فيه للكتاب والسنّة. وللشافعي قولان(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٣) الوسيط ٣ : ٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨.

٢٦١

ج - لا يشترط في الرهن التعرّضُ لكون المرهون عند المرتهن أو غيره ، عملاً بأصالة عدم الاشتراط.

وللشافعيّة وجهان(١) .

فإنّ اتّفقا مع الإطلاق على وضعه عند المرتهن أو غيره ، فذاك. وإن تنازعا ، احتُمل انتزاع الحاكم له ووضْعه عند ثقة تحقيقاً للاستيثاق. وجَعْله في يد الراهن ؛ إذ لو لم يرض به المرتهن ، لشرط نزعه عنه مع أصالة استمرار الحال.

ولو شرطا في عقد الرهن وضعه عند المرتهن أو غيره ، لزم ، فإن امتنع الغير ، وضعه الحاكم مع التنازع عند الثقة.

مسألة ١٢٢ : الأقرب جواز اشتراط رهن المبيع نفسه على ثمنه.

ومَنَع أكثر الشافعيّة منه ؛ لأنّ الثمن إن كان مؤجّلاً ، لم يجز حبس المبيع لاستيفائه ، أو حالّاً ، فله حبسه لاستيفائه ، فلا معنى للحبس بحكم الرهن. ولأنّ قضيّة الرهن كون المال أمانةً وأن يسلّم الدَّيْن أوّلاً ، وقضيّة البيع بخلافه ، فيلزم تناقض الأحكام. ولأنّ فيه استثناءَ منفعةٍ ، فلا يجوز أن يستثني البائع بعض منافع المبيع لنفسه. ولأنّ المشتري لا يملك رهن المبيع إلّا بعد صحّة البيع ، فلا تتوقّف عليه صحّة البيع ، وإلّا دارَ(٢) .

والجواب : أنّ المؤجّل لا يجوز حبس المبيع عليه إذا لم يَجْر رهنٌ أو إذا جرى؟ [ الأوّل مسلّم ، والثاني ممنوع ](٣) لكنّ التقدير جريان الرهن فيه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٧٥ - ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ - ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨.

(٣) ما أثبتناه بين المعقوفين اُشير إليه في « ق ، ك» برمز « م ع » وفي الطبعة الحجريّة برمز « مم ». والمثبت توضيح لما في « ق ، ك».

٢٦٢

فهو موضوع النزاع. والحالّ قد يتقوّى أحد الجنسين بالآخر فيه. ولا امتناع في بقاء المال مضموناً بحكم البيع استيفاءً لما كان. ويسلّم الدَّيْن أوّلاً ؛ لإقدامه على الرهن. واستناء بعض المنافع جائز ؛ لما تقدّم. والدور ممنوع ؛ لأنّا نسلّم أنّه لا تتوقّف صحّة البيع على الرهن ، لكن ، لا كلام فيه ، بل في أنّه هل يمنع صحّة البيع؟

وقال بعض الشافعيّة : إن قلنا بوجوب بداءة البائع بالتسليم أو أنّهما يُجبران معاً ، أو لا إجبار ما لم يبتدئ أحدهما ، بطل البيع ؛ لأنّه شرط يُبطل مقتضى البيع ؛ لتضمّنه حبس المبيع إلى استيفاء الثمن ، فإن قلنا : البداءة بالمشتري ، فوجهان : صحّة الشرط ؛ لموافقته مقتضى العقد. والعدم ، فيفسد البيع ؛ لتناقض الأحكام(١) .

والجواب : أنّ مقتضى البيع عند الإطلاق وجوب بداءة تسليم البائع ، أمّا عند الشرط فلا.

والحاصل : أنّ الشرط يقتضي شيئاً لا يقتضيه العقد ، فإن اقتضى ما ينافيه ، بطل ، وإلّا فلا. ونحن نمنع اقتضاء إطلاق العقد ما ينافي هذا الشرط ، بل إطلاقه صالح لاقتران قيد الشرط به وعدمه.

فروع :

أ - لو شرط أن يرهنه المبيع بالثمن بعد القبض ويردّه إليه ، صحّ البيع والشرط عندنا ، خلافاً للشافعي(٢) .

لنا : أنّه شرط سائغ لا ينافي مقتضى العقد ولا يخالف الكتاب‌

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨.

٢٦٣

والسنّة ، فيكون لازماً.

ب - لو رهنه بالثمن من غير شرط ، صحّ عندنا مطلقاً وعند الشافعي إن كان بعد القبض. وإن كان قبله ، فلا إن كان الثمن حالّاً ؛ لأنّ الحبس ثابت له. وإن كان مؤجّلاً ، فهو كما لو رهن المبيع قبل القبض بدَيْنٍ آخر(١) .

ج - لو شرط رهن غير المبيع على الثمن أو شرط رهن المبيع على غيره ، صحّ عندنا ، وقد تقدّم.

مسألة ١٢٣ : لو لم يرهن المشتري ما شرطه أو لم يتكفّل الذي عيّنه‌ ، فلا خيار له ، بل للبائع الخيار. ولا يقوم رهن ولا كفيل آخر مقام المعيّن ؛ لتفاوت الأغراض في خصوصيّات الأعيان هنا ، فإن فسخ البائع ، فلا بحث ، وإن أجاز ، فلا خيار للمشتري ، لأنّه إسقاط حقٍّ عنه ، فإذا لم يثبت له الخيار مع ثبوته فمع إسقاطه أولى.

ولو عيّن شاهدين فامتنعا من تحمّل الشهادة ، فإن قلنا : لا بُدّ من تعيين الشاهدين ، فللبائع الخيار ، وإن أسقطنا التعيين ، فلا.

ولو شرط المشتري على البائع إقامة كفيلٍ على العهدة فلم يوجد أو امتنع المعيّن ، ثبت للمشتري الخيار. ولو أسقطه المشتري ، فلا خيار له.

فروع :

أ - لو باع بشرط الرهن فهلك الرهن قبل القبض أو تعيّب أو وجد به عيباً قديماً ، فله الخيار في البيع ، وإن تعيّب بعد القبض ، فلا خيار.

ب - لو اختلفا في تعيّب الرهن ، فادّعى الراهن حدوثه بعد القبض‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٩.

٢٦٤

والمشتري سَبْقَه ، قدّم قول الراهن استدامةً للبيع.

ج - لو هلك الرهن بعد القبض أو تعيّب ثمّ اطّلع على عيبٍ قديم به ، فلا أرش له ؛ لأصالة البراءة.

وهل له فسخ البيع؟ الأقرب : العدم ؛ لأنّ الفسخ إنّما يثبت إذا أمكنه ردّ الرهن كما أخذه.

ويحتمل الثبوت ؛ لأنّه لم يسلم إليه ما شرطه عليه ووجب له ، والردّ إنّما يجب مع بقاء العين ؛ إذ مع تلفها لا يمكن.

ثمّ إن كان التلف بغير تفريطٍ ، لم يثبت وجوب الردّ ، وإن كان بتفريطٍ ، قام ردّ العوض مقام ردّه.

مسألة ١٢٤ : من الشروط الجائزة شرط العتق‌ ، فلو اشترى عبداً أو أمةً بشرط أن يُعتقها المشتري ، صحّ البيع ولزم الشرط ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأحمد في أصحّ الروايتين عنه ، وهو أصحّ قولي الشافعي(١) أيضاً - لعموم قوله تعالى :( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢) .

وما روي من أنّ عائشة اشترت بريرة وشرط عليها مواليها أن تُعتقها ويكون ولاؤها لهم ، فأنكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شرط الولاء دون العتق ، وقال : « شرط الله أوثق ، وقضاء الله أحقّ ، والولاء لمن أعتق»(٣) .

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٦١ ، المغني ٤ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٤ و ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٦ ، الوسيط ٣ : ٧٨ - ٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٣١ / ١٢٠٩.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٩٣ و ١٩٨ - ١٩٩ ، صحيح مسلم ٢ : ١١٤١ - ١١٤٢ / ٦ ، =

٢٦٥

وروى أبو ثور عن الشافعي أنّه لو باع عبداً بشرط العتق ، صحّ البيع ، وبطل الشرط(١) .

والمشهور عن أبي حنيفة وأصحابه : أنّ البيع فاسد ؛ لأنّه شرط على المشتري إزالة ملكه عنه ، فكان فاسداً ، كما لو شرط عليه أن يبيعه(٢) .

والحكم في الأصل ممنوع عندنا ، وإنّما هو لازم للشافعي.

ثمّ قال أبو حنيفة : إنّه مضمون بالثمن المسمّى في العقد(٣) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : يضمنه بالقيمة(٤) .

وأجاب(٥) الشافعي عن قياسه : بأنّ العتق يخالف البيع ، فإنّه يقصد بالعوض في الكتابة ، وإذا قال : أعتق عبدك وعليَّ كذا ، صحّ. ولأنّه يضمن فيما ذكروه بالقيمة وهنا بالثمن عند أبي حنيفة ، فافترقا.

وروي عن أبي حنيفة أنّ البيع جائز(٦) ، كما قلناه نحن.

____________________

= و ١١٤٣ / ٨ ، سنن البيهقي ١ : ٣٣٨ ، شرح معاني الآثار ٤ : ٤٤ وفيها نحوه. وفي العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠ مثله.

(١) حلية العلماء ٤ : ١٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٣٢ / ١٠٢٩.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٣٠ / ١٠٢٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٦ ، الوسيط ٣ : ٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٦ ، المغني ٤ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٢.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٣٠ / ١٢٠٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٧ ، المجموع ٩ : ٣٦٦ - ٣٦٧.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٣٠ / ١٢٠٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٧ ، المجموع ٩ : ٣٦٧.

(٥) لم نعثر على الجواب فيما بين أيدينا من المصادر.

(٦) حلية العلماء ٤ : ١٢٧.

٢٦٦

فروع :

أ - يجوز اشتراط العتق مطلقاً وبشرط أن يعتقه عن المشتري نفسه ، وبه قال الشافعي على أصحّ القولين من جواز شرط العتق(١) . أمّا لو شرط العتق عن البائع ، فإنّه يجوز عندنا - خلافاً له(٢) - لأنّه شرط لا ينافي الكتاب والسنّة.

ب - الأقوى عندي : أنّ العتق المشروط اجتمع فيه حقوق : حقٌّ لله تعالى ، وحقٌّ للبائع ، وحقّ آخر للعبد أيضاً.

وللشافعي وجهان : أنّه حقّ الله تعالى ، كالملتزم بالنذر. وأنّه حقّ البائع ؛ لأنّ اشتراطه يدلّ على تعلّق غرضه به(٣) . والظاهر أنّه بواسطة هذا الشرط تسامح في الثمن.

فإن قلنا : إنّه حقّ البائع ، فله المطالبة به قطعاً. وإن قلنا : إنّه حقّ الله تعالى ، فكذلك عندنا - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّه ثبت بشرطه ، وله غرض في تحصيله.

وله آخر : أنّه ليس للبائع المطالبة به ؛ إذ لا ولاية له في حقوق الله تعالى(٥) .

وعلى ما اخترناه نحن للعبد المطالبةُ بالعتق على إشكال ينشأ من ثبوت حقٍّ له للانتفاع به ، فكان له المطالبة به. ومن أنّه منوط باختيار‌

____________________

(١ و ٢ ) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٩ ، المجموع ٩ : ٣٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٩ - ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٤.

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٥.

٢٦٧

المشتري ؛ إذ له الامتناع ، فيتخيّر البائع حينئذٍ بين الفسخ والإمضاء ، لكنّ الأوّل أقرب.

ج - الولاء عند علمائنا إنّما يثبت مع العتق المتبرّع به‌ لا مع العتق الواجب بنذرٍ وكفّارة وشبهه على ما يأتي.

أمّا العتق المشترط في البيع فيحتمل إلحاقه بالواجب ؛ لوجوبه عليه بعقد البيع ، وإجباره على فعله. وبالمتبرّع به ؛ إذ له الإخلال بالشروط المشترطة في البيع من عتقٍ وغيره ، ويثبت الخيار للبائع ، فكأنّ العتق في الحقيقة هنا مستند إلى اختياره ، فيكون متبرّعاً به.

فعلى الأوّل لا ولاء هنا ، أمّا للبائع : فلانتقال الملك عنه ، وصدور العتق من غيره ، ولا يصحّ شرط الولاء. وأمّا للمشتري : فلوجوب العتق عليه.

وأمّا على الثاني فيثبت الولاء للمشتري.

د - إذا أعتقه المشتري ، فقد وفى بما وجب عليه والتزم به ، والولاء له إن أثبتناه وإن قلنا : إنّ العتق حقّ البائع ؛ لأنّه صدر عن ملك المشتري.

وإن امتنع ، اُجبر عليه إن قلنا : إنّه حقٌّ لله تعالى. وإن قلنا : إنّه حقٌّ للبائع ، لم يُجبر ، كما في شرط الرهن والكفيل ، لكن يتخيّر البائع في الفسخ ؛ لعدم سلامة ما شرطه له.

وللشافعي قولان : الإجبار وعدمه(١) .

فإن قلنا بالإجبار ، حبس عليه حتى يعتق ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

والثاني : أنّ القاضي يعتق عليه(٢) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٥.

٢٦٨

والأولى عندي الإجبار في شرط الرهن والكفيل لو امتنع ، كما لو شرط تسليم الثمن معجّلاً فأهمل.

ه- إن قلنا : إنّ العتق حقٌّ للبائع ، فلو أسقطه ، سقط ، كما لو شرط رهناً أو كفيلاً ثمّ عفا عنه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ شرط الرهن والكفيل أيضاً لا يفرد بالإسقاط ، كالأجل(١) .

و - هل يجوز إعتاق هذا العبد عن الكفّارة؟ الوجه أن نقول : إن شرط البائع عتقه عن كفّارة المشتري ، أجزأه ، وتكون فائدة الشرط التخصيصَ لهذا العبد بالإعتاق.

وإن لم يشرط ، فإن قلنا : إنّ العتق هنا حقٌّ لله تعالى ، لم يجزئ ، كإعتاق المنذور عتقُه عن الكفّارة. وإن قلنا : إنّه حقٌّ للبائع ، فكذلك إن لم يسقط حقّه ، وإن أسقطه ، جاز ؛ لسقوط وجوب العتق حينئذٍ.

وللشافعيّة على هذا التقدير وجهان ، هذا أحدهما. والثاني : المنع ؛ لأنّ البيع بشرط العتق لا يخلو عن محاباة ، فكأنّه أخذ عن العتق عوضاً(٢) .

ز - يجوز للمشتري الاستخدام ؛ لعدم خروجه عن ملكه إلّا بالعتق ولم يحصل بَعْدُ.

ويجوز أيضاً الوطؤ ، فإن حملت ، صارت اُمَّ ولد ، فإن أعتقها ، صحّ عندنا ؛ لعدم خروجها بالاستيلاد عن ملكه ، وهو أصحّ قولي الشافعيّة(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢.

(٣) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، والمجموع ٩ : ٣٦٥.

٢٦٩

وقال بعضهم : ليس له عتقها ؛ لأنّ عتقها قد استحقّ بالإحبال فقد تعذّر عليه عتقها(١) .

ح - لو استخدم أو أحبل ولم يعتق ، فإن أجبرناه على العتق ، لم يضمن شيئاً. وإن خيّرنا البائع بين الفسخ والإمضاء ، فكذلك ؛ لأنّ النماء المتجدّد في زمان خيار البائع للمشتري ، سواء فسخ البائع بعد ذلك أو لا.

والأقرب : أنّ الإحبال كالإتلاف.

ولو اكتسب العبد قبل عتقه ، فهو للمشتري أيضاً.

ط - لو قُتل هذا العبد قبل عتقه ، كانت القيمة للمشتري ، ويُقوَّم عبداً مشروط العتق ، ولا يكلّف صرف القيمة إلى عبدٍ آخر ليعتقه ؛ لتعلّق الشرط بالعين وقد تلفت.

ي - لو قتله المشتري أو مات أو تلف سواء كان بتفريطه أو لا ، لم يجب شراء غيره ، لكن يرجع البائع بما يقتضيه شرط العتق ، فيقال : كم قيمته لو بِيع مطلقاً وبشرط العتق؟ فيرجع البائع بالنسبة من الثمن ، فإذا قيل : إنّه يساوي مائة بغير شرط وتسعين بشرط العتق ، زِيد على الثمن تسعه. وله الفسخ ، لعدم الوفاء بالشرط ، فيدفع ما أخذه من الثمن ويرجع بقيمة العبد. وفي اعتبارها إشكال.

وللشافعيّة أقوال :

أحدها : أنّه لا يلزم المشتري إلّا الثمن المسمّى ؛ لأنّه لم يلتزم غيره.

الثاني : أنّ عليه مع ذلك قدر التفاوت ، كما قلناه.

الثالث : أنّ البائع بالخيار إن شاء أجاز العقد ولا شي‌ء له ، وإن شاء‌

____________________

(١) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، والمجموع ٩ : ٣٦٥.

٢٧٠

فسخ وردّ ما أخذه من الثمن ورجع بقيمة العبد.

الرابع : أنّ العقد ينفسخ ؛ لتعذّر إمضائه ؛ إذ لا سبيل إلى إيجاب شي‌ء على المشتري من غير تفويت ولا التزام ، ولا إلى الاكتفاء بالمسمّى ؛ فإنّ البائع لم يرض به إلّا بشرط العتق.

وهل هذه الوجوه متفرّعة على أنّ العتق للبائع أو مطّردة سواء قلنا : إنّه للبائع أو لله تعالى؟ فيه رأيان ، أظهرهما : الثاني(١) .

ونحن قد قلنا : إنّه بالخيار بين الفسخ والإمضاء مع المطالبة بالنقص ، وهو جارٍ فيما إذا قلنا : إنّه حقٌّ لله تعالى أو للبائع.

يأ - شرط العتق إنّما يتناول السبب المباح ، فلو نكل به فانعتق ، لم يأت بالشرط ، وكان للبائع الخيار بين الفسخ والإمضاء ، ويكون بمنزلة التالف ، وقد تقدّم.

يب - شرط العتق إنّما يتناول العتق مجّاناً ، فلو أعتقه المشتري وشرط عليه الخدمة أو شيئاً ، تخيّر البائع بين فسخ البيع والإمضاء ، فإن فسخ ، فالأقرب نفوذ العتق ، ويرجع البائع بالقيمة ، كالتالف.

ويحتمل فساده ؛ لوقوعه على خلاف ما وجب عليه ، وسقوط الشرط خاصّة ، فينفذ العتق ، ولا خيار للبائع ولا شي‌ء له.

يج - لو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه ، تخيّر البائع بين فسخ البيع والإمضاء ، فإن فسخ البيع ، بطلت هذه العقود ؛ لوقوعها في غير ملكٍ تامّ.

ويخالف هنا العتق بشرط ؛ لأنّ العتق مبنيّ على التغليب والسراية ، فلا سبيل إلى فسخه مع القول بصحّته.

وهل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما فَعَله المشتري؟ فيه احتمال.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢ - ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٥ - ٣٦٦.

٢٧١

يد - لو باعه من غيره وشرط عليه العتق ، احتُمل الصحّة ؛ لوقوع غرض البائع به ، وكما لو أعتقه بوكيله. والبطلان ؛ لأنّ شرط العتق مستحقّ عليه ، فليس له نقله إلى غيره.

وللشافعيّة(١) كالوجهين.

يه - لو قلنا بثبوت الولاء للمشتري ، لم يصح اشتراطه للبائع ؛ لمنافاته النصّ.

وفي صحّة البيع مع بطلانه خلاف كما تقدّم من صحّة البيع مع بطلان الشرط.

وللشافعي قولان فيما لو شرط مع العتق كون الولاء للبائع : بطلان العقد ؛ لأنّ شرط الولاء مغيّر لمقتضى العقد ؛ لتضمّنه نقل الملك إلى البائع وارتفاع العقد. والصحّة ؛ لحديث بَرِيرَة ، فإنّ عائشة أخبرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ مواليها لا يبيعونها إلّا بشرط أن يكون الولاء لهم ، فقالعليه‌السلام : « اشتري واشترطي لهم الولاء »(٢) أذن في الشراء بهذا الشرط ، وهو لا يأذن في باطل(٣) .

ونحن نمنع الرواية ، ولهذا لم يثبت القائلون بالفساد الإذن في شرط الولاء ؛ لأنّ هشاماً تفرّد به ، ولم يتابعه سائر الرواة عليه(٤) .

وعلى تقدير صحّة البيع ففي صحّة الشرط للشافعيّة وجهان :

العدم ؛ لأنّهعليه‌السلام خطب بعد ذلك وقال : « ما بال أقوام يشترطون‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١٢٨ - ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٧١ ، المجموع ٩ : ٣٦٥.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٩٩ ، صحيح مسلم ٢ : ١١٤٢ - ١١٤٣ / ٨ نحوه.

(٣) حلية العلماء ٤ : ١٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٦ - ٥١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧١ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٤) كما في التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٧ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٤.

٢٧٢

شروطاً ليست في كتاب الله تعالى ، كلّ شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، شرط الله أوثق ، وقضاء الله أحقّ ، والولاء لمن أعتق »(١) .

والصحّة ؛ لأنّه أذن في اشتراط الولاء ولا يأذن في باطل. لكنّ المشهور بينهم فساد العقد(٢) .

يو - لو جرى البيع بشرط الولاء دون شرط العتق‌ بأن قال : بعتكه بشرط أن يكون الولاء لي إن أعتقته يوماً من الدهر ، بطل العقد - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه لم يشترط العتق حتى يحصل الولاء تبعاً له.

يز - لو اشترى مَنْ يعتق عليه بشرط الإعتاق ، لم يصحّ العقد ؛ لتعذّر الوفاء بهذا الشرط ؛ فإنّه يعتق عليه قبل أن يعتقه.

يح - لو باعه عبداً بشرط أن يعتقه بعد شهر أو سنة ، صحّ عند علمائنا ، ولزمه الشرط.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما. والثاني : أنّ العقد باطل ، وهو أصحّهما عندهم(٤) .

وعلى قولنا لو مضى الشهر ولم يعتقه ، تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء ، فيلزمه بالإعتاق كلّ وقت ، وله الترك مطلقاً ، فيرجع بالنقصان الحاصل بسبب عدم المشروط.

يط - لو لم يختر البائع شيئاً فبادر المشتري قبل تخيّره إلى العتق ،

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١١٤٢ - ١١٤٣ / ٨.

(٢) حلية العلماء ٤ : ١٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ - ١١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٧١ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٧١ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

٢٧٣

فإن قصد في الشرط الإعتاق حين خروج الأجل ، احتمل تخيّره بين الفسخ فيطالب بالعوض ، كالتالف. والإمضاء إمّا مع الأرش أو بدونه على ما تقدّم.

وإن قصد تحصيل العتق بعد الأجل مطلقاً ، فلا خيار له ؛ لحصول مقصوده.

ك - لو باعه عبداً بشرط أن يدبّره ، صحّ عندنا ؛ لقبول البيع الشرائطَ السائغة ، خلافاً للشافعي(١) ، وقد سبق.

فإن فعل المشتري ما شرط عليه ، فقد برئ وإلّا تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء بالتفاوت على ما تقدّم في العتق.

إذا تقرّر هذا ، فإذا دبّره ، لم يكن له الرجوع في تدبيره على إشكال ينشأ من الوفاء بما عليه ، وقضيّة التدبير جواز الرجوع فيه ، ومن عدم تحصيل الغرض ؛ إذ الرجوع فيه إبطالٌ له ، فينافي صحّة الشرط. وله أن يدبّره مطلقاً ومشروطاً بأن يقول : إذا متّ في سنتي هذه فأنت حُرٌّ ، فإن لم يقع الشرط ، وجب عليه استئناف تدبيرٍ آخر إن قلنا بعدم الرجوع.

كأ - لو باعه بشرط أن يكاتبه ، صحّ عندنا‌ - خلافاً للشافعي(٢) على ما تقدّم - لأنّه شرط مرغّب فيه مندوب إليه يؤول إلى العتق ، وعقد البيع قابل للشروط ، فكان لازماً.

ثمّ إن أطلق ، تخيّر المشتري في الكتابة بأيّ قدر شاء ، ويتخيّر في الكتابة المشروطة والمطلقة ، فإن طلب السيّد أزيد من قيمته وامتنع العبد ، تخيّر البائع في الفسخ والإمضاء وإلزام المشتري بالكتابة بقيمة العبد ، فإن امتنع العبد ، تخيّر البائع ، ولا يجب على المشتري الكتابة بدون القيمة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

٢٧٤

كب - لو باعه داراً بشرط أن يجعلها وقفاً ، صحّ عندنا ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : لا يصحّ(١) .

وبأيّ وجه حصل الوقف حصل الشرط مع إطلاق البائع ، فلو جعلها مسجداً أو وقفها على مَنْ يصحّ الوقف عليه ولو على ولده ومَنْ يلزمه مؤونته ، صحّ. ولا يكفي الحبس.

كج - لو باعه شيئاً بشرط أن يتصدّق به ، صحّ عند علمائنا ؛ لأنّه شرط سائغ بل مستحبّ ، وعقد البيع قابل له ، فيكون لازماً ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(٢) خلافاً للشافعي(٣) .

ومع الإطلاق تجزئ الصدقة على مَنْ شاء المشتري.

كد - لو باعه شيئاً بشرطٍ لا يقتضيه العقد ولا ينافيه ولا يتعلّق به غرض يورث تنافساً وتنازعاً، مثل : أن يشرط لا يأكل إلّا الهريسة ، ولا يلبس إلّا الخزّ ، وشبه ذلك ، فهذا الشرط لا يقتضي فساد العقد عندنا.

وهل يلغو أو يفيد تخيّر البائع لو أخلّ به بين الفسخ والإمضاء؟

الأقرب ذلك.

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : صحّة البيع وبطلان الشرط. والثاني : الفساد في العقد أيضاً حيث إنّه أوجب ما ليس بواجب ، وكذا لو باع بشرط أن يصلّي النوافل أو يصوم غير شهر رمضان أو يصلّي الفرائض في أوّل أوقاتها(٤) .

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٧ ، ٩٩ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٩ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ٥٦٨ / ٢٠٦٤.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٦٤.

٢٧٥

مسألة ١٢٥ : قد تقدّم(١) أنّ بيع الحمل لا يصحّ‌ ؛ للنهي عن بيع الملاقيح(٢) . ولأنّه غير معلوم ولا مقدور ، وكما لا يصحّ بيعه منفرداً لم يصح منضمّاً إلى غيره بأن يقول : بعتك هذه الجارية وحملها ؛ لأنّ جزء المبيع إذا كان مجهولاً كان المبيع مجهولاً.

نعم ، يجوز انضمامه تبعاً لا مستقلّاً ، كأساسات الحيطان.

فلو باع الأمة الحامل وأطلق ، لم يدخل الحمل عندنا ؛ لأنّه ليس جزءاً من المسمّى ولا تابعاً له عادة.

وقال الشافعي : يدخل الحمل في البيع تبعاً لو أطلق(٣) . وهل يقابله قسط من الثمن؟ فيه له قولان(٤) .

ولو باع الحامل واستثنى حملها ، كان تأكيداً للإخراج.

وللشافعي قولان في صحّة البيع :

أحدهما : أنّه يصحّ ، كما لو باع الشجرة واستثنى الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

وأصحّهما عنده : أنّه لا يصحّ ؛ لأنّ الحمل لا يصحّ إفراده بالعقد فلا يجوز استثناؤه ، كأعضاء الحيوان(٥) .

والملازمة ممنوعة ، وليس العلّة في امتناع الاستثناء انتفاء صحّة إفراده بالبيع.

____________________

(١) في ص ٦٦ المسألة ٣٨.

(٢) المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٢٣٠ / ١١٥٨١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦.

(٥) الوسيط ٣ : ٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

٢٧٦

ولو باع الحامل وشرط المشتري الحمل ، صحّ ؛ لأنّه تابع كأساسات الحيطان وإن لم يصحّ ضمّه في البيع مع الاُمّ ؛ للفرق بين الجزء والتابع.

ولو كانت الجارية حاملاً وكانت لواحدٍ والحمل لآخر ، لم يكن لمالك الحمل بيعه على مالك الاُمّ ، ولمالك الاُمّ بيعها من مالك الحمل وغيره ، عندنا ؛ لما بيّنّا من جواز الاستثناء للحمل. وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو كانت الجارية حاملاً بحُرّ فباعها مالكها ، صحّ.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما ، ويكون الحمل مستثنىً شرعاً.

والثاني : البطلان ؛ لأنّ الحمل لا يدخل في البيع حيث هو حُرٌّ ، فكأنّه استثناء(٢) . وقد بيّنّا جواز الاستثناء.

فروع :

أ - لو باع الجارية بشرط أنّها حامل ، صحّ عندنا ؛ لأنّه شرط يرغب لا يخالف الكتاب والسنّة ، فكان لازماً.

وللشافعي قولان مبنيّان على أنّ الحمل هل يعلم أم لا؟ إن قال : لا ، لم يصحّ شرطه. وإن قال : نعم ، صحّ ، وهو الأصحّ عنده(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : الخلاف في غير الآدمي ، كالدابّة ، أمّا الأمة فيصحّ قطعاً ؛ لأنّ الحمل فيها عيب ، فاشتراط الحمل إعلامٌ بالعيب ، فيصير كما لو باعها على أنّها آبقة أو سارقة(٤) .

ب - لو قال : بعتك هذه الدابّة وحملها ، لم يصحّ عندنا ؛ لما تقدّم(٥)

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ - ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٤ - ٣٢٥.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٣.

(٥) في ص ٢٧٥.

٢٧٧

من أنّ الحمل لا يصحّ جَعْله مستقلّاً بالشراء ولا جزءاً من المبيع(١) .

وللشافعيّة وجهان :

الصحّة ؛ لأنّه داخل في العقد عند الإطلاق ، فلا يضرّ التنصيص عليه ، كما لو قال : بعتك هذا الجدار وأساسه(٢) .

ونمنع الصغرى والمقيس عليه أيضاً.

وأصحّهما : العدم ؛ لأنّه جعل المجهول مبيعاً مع المعلوم ، ومالا يجوز بيعه منفرداً لا يجوز بيعه مقصوداً مع غيره ، بخلاف ما لو باع بشرط أنّها حامل ، فإنّه جعل الحامليّة وصفاً تابعاً(٣) .

ج - لو قال : بعتك هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن ، لم يجز عندنا. وللشافعيّة وجهان(٤) سبقا في الحمل.

ولو قال : بعتك هذه الجُبّة وحَشْوها ، صحّ ؛ لأنّه جزء منها وداخل في مسمّاها ، فذِكْرُه ذِكْرُ ما دخل في اللفظ ، فلا يضرّ التنصيص عليه ، بخلاف الحمل ؛ فإنّه ليس داخلاً في مسمّى الشاة والأمة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الآخر : أنّ الخلاف في الشاة مع حملها يجري هنا(٥) .

وعلى قولهم بالبطلان ففي بيع الظهارة والبطانة في الجُبّة قولا تفريق الصفقة ، وفي صورة الدابّة يبطل البيع في الجميع.

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : البيع. والصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٣ ، ولم نعثر على الوجهين فيما سبق.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٢٦ ، الوسيط ٣ : ٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٣.

٢٧٨

والفرق : إمكان معرفة قيمة الحَشْو عند العقد ، بخلاف الحمل واللبن ؛ لأنّه(١) لا يمكن معرفة قيمتهما عند العقد ، فيتعذّر تقسيط الثمن(٢) .

واعتُرض بجريان قولي تفريق الصفقة حيث يتعذّر التوزيع ، كما لو باع شاةً وخنزيراً(٣) .

د - لو باع حاملاً وشرط وضعها في يوم معيّن ، لم يصحّ البيع ؛ لأنّه غير مقدور عليه ، وهو قول الشافعي(٤) .

ه- لو باعه دجاجةً ذات بيضة وشرطها ، صحّ. وإن جعلها جزءاً من المبيع ، لم يصح. وكذا لو جعلها مستقلّةً بالبيع.

وبالجملة ، فالبحث والخلاف هنا كما في حمل الجارية والدابّة.

و - لو باعه شاةً بشرط أنّها لبون ، فقد سبق(٥) جوازه.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّ الخلاف فيه كالخلاف في البيع بشرط الحمل.

والثاني : القطع بصحّة البيع.

والفرق : أنّ شرط الحمل يقتضي وجوده عند العقد وليس معلوماً ، وشرط كونها لبوناً لا يقتضي وجود اللبن حينئذٍ ، وإنّما يجوز اشتراط صفة فيها ، فكان بمثابة شرط معرفة صنعه في العبد حتى لو شرط كون اللبن في الضرع ، كان بمثابة شرط الحمل(٦) .

____________________

(١) في « ق ، ك» : « فإنّه » بدل « لأنّه ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

(٣) المعترض هو إمام الحرمين الجويني كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

(٥) في ص ٢١٢ ، المسألة ١٠٧.

(٦) الوسيط ٣ : ٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

٢٧٩

وقال أبو حنيفة : لا يصحّ هذا الشرط. وكذا قال في شرط الحمل(١) ، وقد سبق(٢) .

ز - لو باع شاةً لبوناً واستثنى لبنها ، صحّ عندنا ؛ لوجود المقتضي ، وهو ورود البيع على محلٍّ معلوم.

وللشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : عدم الصحّة ، كما لو استثنى الحمل في بيع الجارية(٣) .

مسألة ١٢٦ : هنا شروط وافقنا الشافعي(٤) على صحّتها في البيع‌ ، مثل أن يبيع بشرط البراءة من العيوب ، وبيع الثمرة بشرط القطع. وسيأتي البحث عنهما. وكذا لو شرط ما يقتضيه العقد ، وقد سلف(٥) .

وهنا شروط اُخرى له فيها خلاف :

أ - لو باع مكيلاً أو موزوناً أو مذروعاً بشرط أن يكال بمكيالٍ معيّن‌ أو يوزن بميزانٍ معيّن أو يذرع بذراعٍ معيّن.

فإن كان البيع حالّاً يؤمن معه بقاء المكيال والميزان والذراع ، صحّ البيع لكن يلغو الشرط ؛ لأنّه إن كان معروفاً ، رجع إلى المتعارف منه ، وإلّا كان البيع باطلا ؛ للجهالة ، وذلك كما لو قال : بعتك عشر طاسات طعام بهذه الطاسة وهي غير معلومة النسبة إلى المكيال المعتاد ، أو : بعتك مل‌ء هذا الجُوالق ، أو : مل‌ء هذه الآنية.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، وفيه : لا يصحّ البيع بهذا الشرط.

(٢) في ص ٢١٣ ، المسألة ١٠٧.

(٣) حلية العلماء ٤ : ١٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ - ٧٤.

(٥) في ص ٢٤٦.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458