تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 202109 / تحميل: 6024
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

والخلاف هنا كالخلاف هناك.

وكذا يجوز بيعها قبل بدوّ الصلاح سنتين فصاعداً.

ويجوز بيعها منضمّةً إلى الاُصول قبل بدوّ الصلاح وبعده وبشرط القطع وعدمه.

وكذا يجوز منضمّة إلى غيرها مطلقاً قبل انعقادها وبعده ، سواء كان بارزاً كالتفّاح والمشمش والعنب ، أو في قشر يحتاج إليه لادّخاره ، كالجوز في القشر الأسفل ، واللوز ، أو في قشر لا يحتاج إليه ، كالقشر الأعلى للجوز والباقلاء(١) الأخضر والهُرْطُمان(٢) والعدس.

وكذا السنبل يجوز بيعه ، سواء كان بارزاً كالشعير ، أو مستترا كالحنطة ، وسواء بيع منفردا أو مع أصله ، وسواء كان قائما أو حصيدا من غير اعتبار كيل أو وزن ، إلاّ إذا كان البيع بعد التصفية.

مسألة ١٦٨ : بدوّ الصلاح في ثمرة الأشجار الانعقادُ ، وفي الزرع عند اشتداد الحبّ‌ ؛ لأنّ عمّار بن موسى سأل الصادقَعليه‌السلام عن الكرم متى يحلّ بيعه؟ فقال : « إذا عقد وصار عنقوداً(٣) - والعنقود اسم الحِصْرِم بالنبطيّة - »(٤) .

وعن محمّد بن شريح عن الصادقعليه‌السلام في ثمر الشجر « لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته » فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : « إذا عقد بعد سقوط ورده »(٥) .

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : والباقلي.

(٢) الهُرْطُمانُ : حبٌّ متوسّط بين الشعير والحنطة نافع للإسهال والسُّعال. القاموس المحيط ٤ : ١٨٩.

(٣) في المصدر : عقوداً.

(٤) التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٥٨.

(٥) التهذيب ٧ : ٩١ / ٣٨٨ ، الاستبصار ٣ : ٨٩ / ٢٠٣.

٣٦١

وقال الشافعي : إن كانت الثمرة ممّا تحمرّ أو تصفرّ أو تسودّ ، فبدوّ الصلاح أن تحصل فيها هذه الألوان. وإن كانت ممّا تبيضّ فأن تتموّه ، وهو أن يبدو فيه الماء الحلو ويصفرّ لونه. وإن كان ممّا لا يتلوّن - كالتفّاح - فبأن يحلو ويطيب أكله. وإن كان بطّيخا فأن يقع فيه النضج. وإن كان مثل القثّاء والخيار الذي لا يتغيّر لونه ولا طعمه فبأن يتناهى عظم بعضه وهو وقت أخذه(١) .

والنقل على ما ذكرناه ، فهو أولى من الأخذ بالتخمين والاستحسان.

الثالث : الخضر - كالقثّاء والباذنجان والبطّيخ والخيار - يجوز بيعه‌ بعد انعقاده وظهوره. ولا يشترط أزيد من ذلك من تغيّر لونٍ أو طعمٍ أو غيرهما ؛ لأنّه مملوك طاهر منتفع به ، فجاز بيعه ، كغيره من المبيعات.

ويجوز بيعها منفردة ومنضمّة إلى أصولها وغير أصولها بشرط القطع والتبقية ومطلقا.

وقال الشافعي : إن كان البيع للثمرة خاصّة قبل بدوّ الصلاح ، وجب شرط القطع ، كما في ثمرة النخل. وإن باع الأصل خاصّة ، صحّ البيع.

وكذا لو باعها منضمّةً إلى الثمرة التي لم يَبْدُ صلاحها(٢) .

وإذا باع البطّيخ وغيره من الخضر بعد بدوّ الصلاح في الجميع أو في بعضه [ جاز ](٣) مطلقاً عندنا.

وقال الشافعي : يجب شرط القطع إن خِيف خروج غيره ؛ لأنّه إذا وجب‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٥ - ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٢ ، المغني ٤ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠١ - ٣٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

٣٦٢

شرط القطع خوفاً من الجائحة التي الغالب فيها العدم ، فلأن يجب خوفاً من الاختلاط الذي الغالب فيه الوجود كان أولى(١) .

والجواب : المنع من كون الاختلاط مانعاً من البيع ؛ لإمكان المخلص عنه.

وإن لم يخف اختلاطه بغيره ، صحّ بيعه بشرط القطع وبغير شرطه(٢) .

مسألة ١٦٩ : لو اُفردت اُصول البطّيخ وغيره من الخضر بالبيع بعد ظهور الثمرة عليها ، صحّ البيع‌ ، وكانت الثمرة للبائع ؛ عملاً باستصحاب الملك السالم عن شرط إدخاله في البيع ، سواء كان قد بدا صلاحها أو لا.

ولا يجب اشتراط القطع إذا لم يخف الاختلاط.

ثمّ الحمل الموجود يكون للبائع ، وما يحدث بعده للمشتري ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن خِيف اختلاط الحملين ، لم يجب شرط(٤) القطع عندنا ؛ للأصل.

وقال الشافعي : يجب(٥) .

ولو باع الاُصول قبل خروج الحمل ، فلا يجب اشتراط القطع ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا بُدّ من شرط القطع أو القلع كالزرع(٦) .

ولو باع البطّيخ مع اُصوله ، لم يجب شرط القطع عندنا ، كالثمرة مع الشجرة.

وقال بعض أصحاب الشافعي : لا بُدّ من شرط القطع ، بخلاف الثمرة مع‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « اشتراط » بدل « شرط ».

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

٣٦٣

الشجرة ؛ لأنّ الشجرة غير معرّضة للجائحة ، بخلاف البطّيخ مع أصله ؛ فإنّه متعرّض لها. أمّا لو باع البطّيخ وأصله والأرض أيضاً ، استغنى عن شرط القطع ، وكان الأرض هنا كالأشجار ثَمَّ(١) .

مسألة ١٧٠ : لو باع الثمرة الظاهرة وما يظهر بعد ذلك ، صحّ البيع عندنا‌ - وبه قال مالك(٢) - لأصالة الصحّة. ولأنّ المتجدّد هنا كالمتجدّد في الثمرة في السنة الثانية ، فكما يصحّ(٣) بيع الثمرة سنتين صحّ هنا. ولأنّ ذلك يشقّ تمييزه ، فجعل ما لم يظهر تبعاً لما يظهر ، كما أنّ ما لم يَبْدُ صلاحه تبع لما بدا صلاحه.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين : « لا بأس به »(٤) والخضراوات من جملة الثمار.

وقال الشافعي : لا يصحّ البيع - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - لأنّها ثمرة لم تخلق ، فلا يجوز بيعها ، كما لا يجوز بيعها قبل ظهور شي‌ء منها(٥) .

والجواب : الفرق ، فإنّ مع الظهور يبقى المعدوم تابعاً ، فجاز بيعه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٢) الموطّأ ٢ : ٦١٩ ذيل الحديث ١٣ ، الاستذكار ١٩ : ١٠٨ / ٢٨٣٨٧ ، و ١٠٩ /٢٨٣٨٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٧ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٦ - ٢١٨ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٩ ، المغني ٤ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢١٩.

(٣) في « ق ، ك » : صحّ.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٩.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٢١٦ - ٢١٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٦ و ١٩٧ ، الاستذكار ١٩ : ١٠٩ / ٢٨٣٩٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٣٩ ، المغني ٤ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢١٩.

٣٦٤

بخلاف عدم الظهور ؛ فإنّ العدم يبقى أصلاً.

مسألة ١٧١ : ويجوز بيع ما يجزّ جزّةً وجزّات‌ ، وكذا ما يخرط خرطةً وخرطات ، كلّ ذلك مع ظهور الجزّة الاُولى والخرطة الاُولى ، سواء بدا صلاحها أو لا ، كالكرّاث والهندباء والنعناع والتوت والحِنّاء ؛ عملاً بالأصل السالم عن معارضة المبطل.

ولما رواه ثعلبة بن زيد(١) ، قال : سألت الباقرعليه‌السلام : عن الرطبة تباع قطعتين أو الثلاث قطعات ، فقال : « لا بأس به » قال : فأكثرت السؤال عن أشباه هذا ، فجعل يقول : « لا بأس »(٢) .

وعن سماعة قال : سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال : « إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر ما شئت من خرطةٍ »(٣) .

وعن معاوية بن ميسرة قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن بيع النخل سنتين ، قال : « لا بأس به » قلت : فالرطبة نبيعها هذه الجزّة وكذا وكذا جزّة بعدها؟ قال : « لا بأس به » ثمّ قال : « كان أبي يبيع الحِنّاء كذا وكذا خرطة »(٤) .

تذنيب : مَنْ جوّز بيع الثمرة قبل ظهورها عامين‌ يحتمل تجويز بيع الورق من التوت والحنّاء وشبههما خرطتين قبل ظهورها.

أمّا ما يجزّ كالكرّاث قبل ظهوره فالأولى - تفريعاً على الجواز في‌

____________________

(١) في الكافي : عن ثعلبة عن بريد. وفي التهذيب : ثعلبة بن زيد عن بريد.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٤ ( باب بيع الثمار وشرائها ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٦.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٧٧ / ١١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٨.

٣٦٥

الثمرة - المنع فيه ؛ لأنّه لا أصل له ظاهراً يرجع إلى معرفة المجزوز تقريباً ، ولا فرع ظاهر له ، بخلاف ورق التوت والحنّاء.

ولو بِيع ما يُخرط أو يُجزّ مع أصله ، صحّ ، سواء بدا صلاحه أو لا.

المطلب الثاني : في الأحكام.

مسألة ١٧٢ : يجوز بيع الزرع قصيلاً(١) بشرط القطع وبشرط التبقية ومطلقاً‌ ؛ عملاً بالأصل السالم عن المبطل.

فإن شرط القصل أو أطلق واقتضت العادة فيه القصل ، وجب على المشتري قصله ، فإن لم يفعل ، فللبائع قطعه وتركه بالاُجرة.

وإن شرط التبقية ، جاز ، ووجب على البائع إبقاؤه إلى كمال حدّه ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع الزرع الأخضر إلّا بشرط القطع(٢) .

ولو باعه الزرع مع الأرض ، جاز إجماعاً.

وكذا عندنا يجوز بيع البقول دون الأرض بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها وبعده مطلقاً وبشرط القطع والتبقية منضمّةً إلى الأرض ومنفردةً ؛ عملاً بالأصل والعمومات.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع البقول في الأرض دون الأرض إلّا بشرط القطع أو القلع ، سواء كان ممّا يُجزّ مراراً أو مرّة واحدة(٣) .

____________________

(١) القَصْل : القطع. والقصيل : ما اقتصل من الزرع أخضر. لسان العرب ١١ : ٥٥٧ و ٥٥٨ « قصل ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

٣٦٦

ولو باع الزرع بعد اشتداد الحبّ ، فهو كما لو باع الثمرة بعد بدوّ الصلاح.

مسألة ١٧٣ : الثمرة إمّا بارزة ، كالتفّاح والكُمَّثْرى والخوخ والمشمش وأشباهه ، فهذا يجوز بيعه بعد ظهوره في شجره وعلى الأرض إجماعاً ، لظهوره ومشاهدته. وإمّا غير بارزة بل مستورة بالكمام ، وهو قسمان :

الأوّل : ما يكون كمامه من مصلحته يحفظ رطوبته ويبقى معه ، كالرمّان والجوز واللوز في القشر الثاني ، فهذا يجوز بيعه إجماعاً ؛ لأنّه إذا اُخرج من قشره ، سارع إليه الفساد ، فلم يقف بيعه على ذلك. ولا فرق بين أن يباع على شجرة أو مقطوعاً على الأرض.

الثاني : ما لا يكون بقاء قشره من مصلحته ، كالجوز واللوز في قشريه ، فإنّه يجوز بيعه عندنا ، سواء قشر من قشره الأعلى أو لا ، وسواء كان مقطوعاً على الأرض أو باقياً على الشجرة - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه حائل من أصل الخلقة ، فلا يمنع من جواز البيع ، كقشر الرمّان والبيض.

وكذا الباقلاء الأخضر يجوز بيعه وإن لم ينزع عنه القشر الأعلى ، سواء كان رطباً أو يابساً ، وسواء بِيع منفرداً أو منضمّاً ومقطوعاً وغير مقطوع ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(٢) - لما تقدّم.

وقال الشافعي : لا يجوز بيع ذلك كلّه إلّا بعد أن يقشر الجوز واللوز‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المعونة ٢ : ١٠١١ ، التلقين ٢ : ٣٧٤.

(٢) المغني ٤ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ - ١٠٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤.

٣٦٧

وشبههما من القشر الأعلى ، لا على رأس الشجرة ولا على وجه الأرض ، ولا بيع الباقلاء الأخضر حتى ينزع عنه القشر الأعلى(١) .

وجوّز أبو العباس بن القاص وأبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة بيع الباقلاء الأخضر في القشر الأعلى ، وهو قول الشافعي أيضاً ؛ لأنّه يؤكل رطباً ، وبقاؤه في قشره الأخضر يحفظ رطوبته. وكذا قالا في الجوز واللوز إذا كانا رطبين ، فأمّا إذا يبسا ، فلا يجوز بيعهما في القشر الأعلى(٢) .

واحتجّ الشافعي : بأنّ المقصود مستور فيما لا يدّخر عليه وفيما لا مصلحة له فيه ، فلم يجز بيعه ، كالمعادن والحيوان المذبوح قبل سلخه(٣) .

والجواب : المنع من اللازم ، فإنّه يجوز عندنا بيعُ المعادن بشرط المشاهدة ، وبيعُ الحيوان قبل سلخه إن لم نشترط فيه الوزن.

مسألة ١٧٤ : السنبل يجوز بيعه‌ ، سواء كان حبّه ظاهراً ، كالشعير والسلت ، أو مستوراً ، كالحنطة والعدس والسمسم ، قبل بدوّ الصلاح وبعده بشرط القطع والتبقية ومطلقاً - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - للأصل والعمومات.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٥ ، منهاج الطالبين : ١٠٧ ، المعونة ٢ : ١٠١١ ، المغني ٤ : ٢٢٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ - ١٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٦ ، منهاج الطالبين : ١٠٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المغني ٤ : ٢٢٥.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٢ ، التلقين ٢ : ٣٧٤ ، المعونة ٢ : ١٠١١.

٣٦٨

وقال الشافعي : إن كان الحبّ ظاهراً ، جاز بيعه مع السنبل بعد الحصاد وقبله ؛ لظهور المقصود. وإن كان مستوراً كالحنطة ، لم يجز بيعه في السنبلة دون السنبلة ، ومع السنبلة قولان :

القديم : الجواز ؛ لنهيهعليه‌السلام عن بيع الحبّ حتى يشتدّ(١) ، وقد اشتدّ ، فيزول النهي ، وإلّا انتفت فائدة الغاية.

والجديد : المنع ؛ لأنّ المقصود مستور بما لا يتعلّق به الصلاح(٢) .

أمّا الاُرز فإنّه كالشعير عنده يجوز بيعه في سنبله ؛ لأنّه يدّخر في قشره(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه كالحنطة(٤) .

مسألة ١٧٥ : إذا كان المقصود مستوراً في الأرض ، لم يجز بيعه‌ إلّا بعد قلعه ، كالجزر والثوم والبصل - وبه قال الشافعي(٥) - للجهالة ، لانتفاء المشاهدة والوصف.

ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع والإبقاء ، خلافاً للشافعي في الإبقاء(٦) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٣ / ٣٣٧١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٣ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ - ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٧ و ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٦٩

والشلجم نوعان : منه ما هو مستور لا يجوز بيعه قبل قلعه. ومنه ما يكون ظاهراً ، فيجوز(١) بيعه بشرط القطع والتبقية.

ويجوز أيضاً بيع اللوز في قشره الأعلى قبل انعقاد الأسفل ؛ لأنّه مأكول كلّه كالتفّاح ، عند الشافعي(٢) .

وعندنا يجوز مطلقاً ، سواء يبس قشره أو لا ، وسواء انعقد الأسفل أو لا.

فروع :

أ - اختلف الشافعيّة في المنع من(٣) جميع ما تقدّم قول الشافعي بالمنع فيه‌ هل هو مقطوع به أو مفرّع على قول منع بيع الغائب؟

قال الجويني : إنّه مفرّع عليه ، فلو جوّز بيع الغائب ، صحّ البيع فيها جميعاً(٤) .

وقيل : إنّ المنع في بيع الجزر في الأرض وما في معناه ليس مبنيّاً على بيع الغائب ؛ لأنّ في بيع الغائب يمكن ردّ المبيع بعد الرؤية بصفته وهنا لا يمكن(٥) .

ب - على قول الشافعي بالمنع لو باع الجوز‌ - مثلاً - في القشرة العليا مع الشجرة أو باع الحنطة في سنبلها مع الأرض ، فطريقان :

أحدهما : أنّ البيع باطل في الجوز والحبّ ، وفي الشجر والأرض قولا تفريق الصفقة.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : يجوز.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٣) في « ق ، ك» : « في » بدل « من ».

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٧٠

وأصحّهما عندهم : القطع بالمنع في الكلّ ؛ للجهل بأحد المقصودين وتعذّر التوزيع(١) .

والأقوى عندنا : الجواز ، والجهالة في بعض أجزاء المبيع غير مضرّة.

ج - لو باع أرضاً فيها بذر لم يظهر مع البذر ، صحّ عندنا إن كان البذر تابعاً.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : بطلان البيع في البذر خاصّة. وفي الأرض طريقان سبقا. ومَنْ قال بالصحّة في الأرض لا يذهب إلى التوزيع ، بل يوجب جميع الثمن بناء على أحد القولين فيما لو باع ماله ومال غيره وصحّحنا البيع في ماله وخيّرناه ، أنّه إذا أجاز يجيز بجميع الثمن(٢) .

وأمّا على مذهبنا فإذا كان البذر مقصودا ، بطل البيع في الجميع ؛ للجهالة.

ولو باع البذر وحده ، بطل عندنا وعند كلّ من يوجب العلم في المبيع ، سواء عرف قدر البذر وشاهده قبل رميه أو لا ، لخفاء حاله عند العقد ، وإمكان تجدّد الفساد بعد العقد ، فخالف بيع الغائب بعد المشاهدة ، فإنّ فساده معلوم الوقت.

ولو باع الأرض وحدها ، صحّ البيع ، ووجب عليه الصبر إلى وقت أخذ الزرع. وله الخيار في الفسخ والإمضاء مجّانا إن لم يكن عالما بالحال.

مسألة ١٧٦ : كما يصحّ بيع الثمرة يصحّ بيع أبعاضها على رؤوس الأشجار‌ ومقطوعة قبل بدوّ الصلاح وبعده مع شرط القطع والتبقية والإطلاق‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٦.

٣٧١

بشرطين : الإشاعة والعلم بالجزئيّة - كالنصف والثلث مثلاً - في كلّ صورة يصحّ بيع الجميع فيها ، عند علمائنا أجمع.

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ البيع قبل بدوّ الصلاح ؛ لأنّ البيع يفتقر إلى شرط القطع ، ولا يمكن قطع النصف إلّا بقطع الجميع ، فيتضرّر البائع بنقصان غير المبيع(١) .

والجواب : المنع من اشتراط القطع ، وقد تقدّم.

سلّمنا ، لكن لا يلزم ثبوته ؛ لإمكان قسمة الثمار على رؤوس الأشجار.

سلّمنا ، لكن هذا الضرر أدخله البائع على نفسه ، كما لو باع ثمرة تفتقر إلى سقي يضرّ بالأصل.

فروع :

أ - لو باع نصف الثمرة مع نصف النخل ، صحّ إجماعا ، وكانت الثمرة تابعة عند المانعين(٢) من البيع قبل بدوّ الصلاح.

ب - لو كانت الثمرة لإنسان والشجرة لآخر ، فباع صاحب الثمرة نصف ثمرته من صاحب الشجرة ، صحّ عندنا مطلقا على ما تقدّم.

وللشافعي وجهان بناء على الخلاف في اشتراط القطع هنا(٣) .

ج - لو كانت الأشجار والثمار مشتركةً بين رجلين ، فاشترى أحدهما نصيب صاحبه من الثمرة ، جاز عندنا.

ومَنَع الشافعي من الجواز(٤) .

ولو اشترى نصيب صاحبه من الثمرة بنصيبه من الشجرة ، جاز عندنا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٣.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

٣٧٢

ومَنَع الشافعي من جوازه مطلقاً ، وجوّزه بشرط القطع ؛ لأنّ جملة الثمار تصير لمشتري الثمرة ، وجملة الأشجار للآخر ، وعلى مشتري الثمرة قطع الكلّ ؛ لأنّه بهذه المقابلة(١) اُلزم قطع النصف المشتري بالشرط ، واُلزم تفريغ الأشجار لصاحبها ، وبيع الشجرة على أن يفرغها المشتري جائز(٢) .

وكذا لو كانت الأشجار لأحدهما والثمرة بينهما ، فاشترى صاحب الشجرة نصيب صاحبه من الثمرة بنصف الشجرة ، جاز مطلقاً عندنا ، وبشرط القطع عند الشافعي(٣) .

مسألة ١٧٧ : يجوز للبائع أن يستثني جزءاً مشاعاً - كالثلث وشبهه‌ - إجماعاً ؛ لأنّه لا يؤدّي إلى جهالة المستثنى منه.

وكذا يجوز أن يستثني نخلاتٍ بعينها إجماعاً ، وأن يستثني عذقاً معيّناً مشخّصاً من أعذاق النخلة الواحدة ، ولا يجوز أن يستثني نخلةً غير معيّنة ولا عذقاً غير مشخّص إجماعاً ، ولا الأجود ولا الأردأ ؛ لأنّ الاستثناء غير معلوم ، فصار المبيع مجهولاً.

وهل يجوز استثناء أرطال معلومة وإمداد معلومة؟ ذهب علماؤنا إلى جوازه - وبه قال مالك(٤) - لأنّه استثنى معلوماً ، فأشبه ما لو استثنى جزءاً مشاعاً.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله ربعي : إنّ لي نخلاً بالبصرة فأبيعه واُسمّي الثمن وأستثني الكرَّ من التمر أو أكثر ، قال : « لا بأس »(٥) .

____________________

(١) في المصدر : « المعاملة » بدل « المقابلة ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٤.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ١٦٤ ، المنتقى - للباجي - ٤ : ٢٣٦ - ٢٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤.

(٥) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ - ٨٨ / ٣٠٠.

٣٧٣

وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل : لا يجوز ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع السنين وعن الثنيا(١) . ولأنّ المبيع معلوم بالمشاهدة لا بالقدر ، فالاستثناء منه يُغيّر حكم المشاهدة ؛ لأنّه(٢) لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة منه فلم يجز(٣) .

والجواب : المراد بالنهي : الثنيا المجهولة ؛ لجواز استثناء الجزء المشاع والنخلة المعلومة إجماعاً. والعلم بالمشاهدة حاصل مع الاستثناء وعدمه ، وجهالة القدر حاصلة فيهما معاً ، فلا وجه للتخصيص.

فروع :

أ - إذا استثنى جزءاً مشاعاً أو أرطالاً معيّنة فتلف من الثمرة شي‌ء ، سقط من الثنيا بحسابه.

أمّا في الجزء المشاع : فظاهر.

وأمّا في الأرطال المعلومة : فيؤخذ منه بالحزر والتخمين ، فيقال : هل ذهب ثلث الثمرة أو نصفها؟ فيذهب من الثنيا بقدر تلك النسبة.

أمّا لو استثنى مائة رطل - مثلاً - من الثمرة وممّا(٤) يتخلّف منها ، احتمل بطلان البيع.

ب - لو استثنى نخلاتٍ بعينها أو عذقاً معيّناً من نخلة‌ فذهب بعض‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٣٠٤ ، مسند أحمد ٤ : ٣٣٨ ، ١٤٥٠٤.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : فالاستثناء منه بغير حكم المشاهدة ولأنّه.

والصحيح ما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠ ، الاُم ٣ : ٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٢٢ ، المغني ٤ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٤.

(٤) في « ق » : وما.

٣٧٤

الثمرة ، فإن كان من الثنيا ، سقط التالف. وإن كان التالف غير المستثنى ، كان المستثنى للبائع.

ج - لو قال : بعتك من هذه الصبرة قفيزاً إلّا مكّوكاً ، صحّ البيع ؛ لأنّ القفيز معلوم القدر ، والمكّوك أيضاً معلوم ، فكان الباقي معلوماً. هذا إذا علم وجود القفيز في الصبرة.

مسألة ١٧٨ : لو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح على شرط القطع‌ ومطلقاً عندنا ، أو باع لقطة واحدة من القثّاء والبطّيخ وشبههما ثمّ تجدّد في النخل ثمرة اُخرى أو في اُصول الخضر ، كان المتجدّد للبائع تبعاً للأصل إذا لم يشترطه المشتري.

فإنّ تميّزت ، فلا بحث. وإن اختلطت بغيرها بحيث لا تتميّز ، فإمّا أن يكون بعد القبض أو قبله.

فإن كان بعد القبض ، كان المشتري شريكاً للبائع ، فإن علم القدر دون العين ، أخذ كلّ منهما من الثمرة بقدر الذي له من الجملة. فإن لم يعلم القدر ولا العين ، اصطلحا ، كما لو وقع طعام شخص على طعام غيره ولم يعلما قدرهما.

وإن كان قبل القبض ، تخيّر المشتري بين الفسخ والإمضاء ؛ للتعيّب في يد البائع ، فإن فسخ ، أخذ الثمن الذي دفعه. وإن أمضى البيع ، كان شريكاً : إن علما مقدار ما لكلٍّ منهما ، أخذ القدر الذي له. وإن جهلاه ، اصطلحا. وحكم ما إذا لم يتميّز البعض حكم ما إذا لم يتميّز الجميع.

وأمّا عند الشافعي : إذا امتزجت الاُولى بالثانية ولم تتميّزا ، فقولان :

أحدهما : فسخ البيع - قاله في الإملاء - لتعذّر التسليم جملةً ، فانفسخ البيع ، كما لو تلف المبيع قبل القبض.

٣٧٥

والثاني : أنّه لا ينفسخ البيع ، فإن سلّم البائع الجميعَ إلى المشتري ، اُجبر المشتري على قبوله ، ومضى البيع. وإن امتنع ، فسخ البيع - وبه قال المزني - لأنّ المبيع زاد ، وذلك لا يوجب بطلان العقد ، كما لو طالت الشجرة أو بلغت الثمرة(١) .

والفرق ظاهر ؛ لأنّ الزيادة في الطول والبلوغ زيادة في عين المبيع فيرجع في الحقيقة إلى زيادة صفة ، فوجب عليه قبولها ، بخلاف الامتزاج ؛ فإنّه يتضمّن زيادة العين ، فلا يجب قبولها ، كما لو باع ثوباً فاختلط الثوب بآخر فدفعهما البائع ، لم يجب على المشتري قبولهما ، ولا يجبر البائع على تسليمهما ، بخلاف طول الغصن وبلوغ الثمرة ؛ فإنّه يجب على البائع تسليم الأصل والزيادة.

فروع :

أ - لو باع ما يعلم امتزاجه قبل إدراك الأوّل وعدم امتيازه ، فإن شرط القطع ، صحّ البيع قطعاً ، سواء أهمل حتى امتزج أو لا. وان لم يشترطه ، فإن قلنا ببطلان البيع على تقدير الامتزاج ، احتمل البطلان هنا حذراً من الاختلاط. والصحّة ؛ لأنّ الثمرة الآن لا موجب لفسخ البيع فيها ، والمزج مترقّب الحصول ، فلا يؤثّر في البيع السابق.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : الأوّل. والثاني : أنّ البيع يقع موقوفاً ، فإن سمح البائع بدفع المتجدّد إلى المشتري تبيّنّا صحّة البيع. وإن لم يدفع ،

____________________

(١) مختصر المزني : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٩ - ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥١ ، و ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١.

٣٧٦

يظهر عدم انعقاده من أصله(١) .

ب - لو باع بشرط القطع أو التبقية مع ندور الاختلاط فحصل الاختلاط ، فقد قلنا : إن كان قبل القبض ، كان للمشتري الفسخُ ، ولا يبطل البيع. وإن كان بعده ، لم ينفسخ.

وللشافعيّة قولان قبل القبض :

أحدهما : الفسخ ؛ لتعذّر تسليم المبيع قبل القبض(٢) . وهو ممنوع.

والثاني : عدم الفسخ ؛ لبقاء عين المبيع ، وإمكان إمضاء البيع ، فيثبت للمشتري الخيار(٣) .

وقال بعضهم : لا خيار له ، وإنّه لا فرق بين المزج قبل القبض وبعده(٤) .

ثمّ إن قال البائع : أسمح بترك المتجدّدة ، ففي سقوط خيار المشتري وجهان :

أصحّهما عندهم : السقوط ، كما في الإعراض عن نعل الدابّة المردودة بالعيب.

والثاني : عدمه ؛ لما في قبوله من المنّة(٥) . وهو الوجه عندي.

ولو باع الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتى امتزجا ، جرى القولان في الفسخ. وكذا لو باع حنطةً فانثال عليها مثلها قبل القبض ، أو المائعات(٦) .

ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها ، قال بعضهم : ينفسخ البيع قطعاً ؛ لأنّه يورث الاشتباه ، وأنّه مانع من صحّة البيع لو فُرض‌

____________________

(١ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١.

٣٧٧

في الابتداء ، وفي الحنطة غايته ما يلزم الإشاعة ، وهي غير مانعة(١) .

وفيه وجهٌ : أنّه لا ينفسخ ؛ لإمكان تسليمه بتسليم الجميع(٢) .

ولو باع جزّةً من القتّ والكرّاث وشبههما من المجزوزات بشرط القطع ولم يقطعها حتى طالت وتعذّر التميّز ، جرى القولان(٣) .

ومنهم مَنْ قطع بعدم الفسخ هنا ؛ تشبيهاً لطولها بكبر الثمرة وسمن الحيوان(٤) .

وفرّق الأوّلون : بأنّ الزيادة في الطلع وسمن الحيوان من نماء الطلع والحيوان ، الذي هو ملك المشتري ، فلهذا كانت له ، بخلاف طول القتّ والكرّاث ؛ لأنّها حدثت من الاُصول التي هي ملك البائع ، فكانت له ، فيجي‌ء القولان ؛ لحصول المزج وعدم التميّز(٥) .

ج - لو حصل الامتزاج بعد القبض ، لم يبطل البيع عندنا ، وقد سبق(٦) .

وللشافعيّة طريقان :

القطع بعدم الفسخ - وهو اختيار المزني - كالحنطة إذا امتزجت باُخرى.

والثاني : أنّه على القولين في الممتزج قبل القبض ، بخلاف مسألة الحنطة ؛ لأنّ هناك قد تمّ التسليم وانقطعت العلائق بينهما ، وفي الثمار لا تنقطع ، لأنّ البائع يدخل الحائط للسقي وغيره(٧) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٥) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٦) في ص ٣٧٤.

(٧) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

٣٧٨

د - كلّ موضع قلنا بعدم الفسخ إن تصالحا واتّفقا على شي‌ء ، فلا بحث. وإن تحاكما ، قدّم قول صاحب اليد في قدر حقّ الآخر. وهذا ظاهر في الحنطة وشبهها.

أمّا في الثمار فمَنْ هو صاحب اليد؟ للشافعيّة وجهان بناءً على الجائحة من ضمان البائع أو المشتري؟(١) .

ولهم وجه ثالث : أنّها في يدهما جميعاً(٢) .

والوجه أن نقول : إن كان البائع سلّم الثمرة بتسليم الأصل ، فهي في يد المشتري. وإن كانت الاُصول في يد البائع والثمرة في يد المشتري ، فهُما صاحبا يد. أمّا في صورة الحنطة فصاحب اليد هو المشتري ، فالقول قوله في قدر حقّ البائع. فإن كان المشتري قد أودع البائع الحنطة بعد القبض ثمّ حصل الاختلاط ، فالقول قول البائع في قدر حقّ المشتري.

مسألة ١٧٩ : لو باع شجرة عليها ثمرة ، فالثمرة للبائع‌ إلاّ في طلع النخل غير المؤبّر على ما يأتي ، فإنّه للمشتري. أمّا ثمرة النخل المؤبّرة أو ثمرة غير النخل مطلقا فهي للبائع.

فإن كانت الشجرة تُثمر في السنة مرّتين ويغلب عليها التلاحق ، صحّ البيع عندنا على ما تقدّم ، ولا يخفى الحكم السابق عندنا.

وقال الشافعي : لا يصحّ البيع إلّا بشرط أن يقطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط(٣) . ويجي‌ء خلافهم السابق فيما إذا كان المبيع الثمرة(٤) .

ثمّ إذا تبايعا بهذا الشرط ولم يتّفق القطع حتى حصل الاختلاط أو كانت الشجرة ممّا يندر فيها التلاحق فاتّفق ذلك ، فعندنا يبقى شريكاً

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

٣٧٩

ويصطلحان.

ونقل المزني عن الشافعي قولين في الانفساخ(١) .

ولأصحاب الشافعي طريقان : فعن بعضهم : القطع بعدم الانفساخ ، وتخطئة المزني في نَقْله ؛ لأنّ الاختلاط وتعذّر التسليم لم يوجد في المبيع ، بخلاف ما إذا كان المبيع الثمار(٢) .

وأثبت الأكثرون القولين وقالوا : الاختلاط وإن لم يوجد في المبيع لكنّه وجد في المقصود بالعقد ، وهو الثمرة الحادثة ، فإنّها مقصود المشتري من الشراء للاُصول ، فجاز أن يجعل كالمبيع. فإن قلنا بعدم الانفساخ ، فإن سمح البائع بترك الثمرة القديمة ، اُجبر المشتري على القبول. وان رضي المشتري بترك الثمرة الحادثة ، اُجبر البائع على القبول ، واُقرّ العقد(٣) .

ويحتمل أن يجي‌ء في الإجبار على القبول للشافعيّة خلاف.

وإن استمرّا على النزاع ، قال المثبتون للقولين : يفسخ العقد بينهما ، كما لو كان المبيع الثمرة.

وقال القاطعون : لا فسخ ، بل إن كانت الثمرة والشجرة في يد البائع ، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه المشتري مع يمينه. وإن كانتا في يد المشتري ، فالقول قوله في قدر ما يستحقّه البائع ، وهو الذي يقتضيه القياس ، لأنّ الفسخ لا يفيد رفع النزاع ، لبقاء الثمرة الحادثة للمشتري.

قالوا : ولو قلنا بالفسخ ، استردّ المشتري الثمنَ وردَّ الشجرة مع جميع الثمار(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٣ - ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

٣٨٠

مسألة ١٨٠ : إذا ضمّ ما يملكه من الثمرة إلى غيره مملوكةً لغيره وباعهما في عقدٍ واحد‌ ، فإن كان المشتري عالماً ، لزم البيع في نصيب البائع بحصّته من الثمن ، وكان نصيب غيره موقوفاً إن أجاز ، لزم البيع ، وإن لم يُجِزْ ، بطل في نصيبه خاصّة ، ولا خيار للمشتري هنا. وإن كان جاهلاً ، تخيّر مطلقاً ، سواء أجاز المالك أو لا ؛ لتفاوت الأغراض في الغرماء.

ويحتمل عدم الخيار فيما لو أجاز المالك ، وثبوتُه لو لم يُجِزْ ؛ لتبعّض الصفقة عليه.

ولو باع الثمرة بأجمعها وفيها الزكاة ، فإن كان المشتري عالماً وشرط البائع عليه نصيب الفقراء ، صحّ البيع. وكذا لو لم يشترط وضمن البائع حصّة الفقراء. ولو لم يضمن البائع ولا شرط الزكاة ، بطل البيع في نصيب الفقراء ، ولزمه في نصيب المالك.

وإن كان جاهلاً ، تخيّر بين أخذ حصّة المالك بحصّته من الثمن أو يردّ.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّه يتخيّر المشتري بين أخذ حصّة المالك بحصّته من الثمن وبين الردّ.

والثاني : أنّه يتخيّر المشتري بين أخذ حصّة المالك بجميع الثمن أو يردّ(١) .

مسألة ١٨١ : إذا باع الثمرة واحتاجت إلى السقي ليزيد نماؤها‌ ، وجب على البائع تمكينه من ذلك ؛ لنهيهعليه‌السلام عن الضرر(٢) . فإن كان سقيها يضرّ‌

____________________

(١) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٣ : ٤٤ و ٤٥ ، و ٤ : ١٤٦ ، والحاوي الكبير ٥ : ٢٠٥.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٤ ، و ٢٩٢ - ٢٩٣ / ٢ ، و ٢٩٤ / ٨ ، الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، و ١٤٧ ، ٦٤٨ ، =

٣٨١

النخل ، قدّم مصلحة المشتري.

ولا يجب على البائع صاحب الاُصول في كلّ حال سقي ثمرة المشتري ؛ لأصالة براءة ذمّته ، بل التمكين منه.

وقال الشافعي : يجب على البائع سقي الثمرة قبل التخلية وبعدها قدراً تنمو به الثمار وتسلم عن التلف والفساد ؛ لأنّ التسليم واجب عليه ، والسقي من تتمّة التسليم ، كالكيل في المكيلات والوزن في الموزونات ، فيكون على البائع(١) .

ونحن نمنع كون السقي من تتمّة التسليم ؛ لأنّ التسليم هو التخلية وقد حصل ، فلا يجب عليه إنماء المبيع كغذاء الحيوان.

فروع :

أ - قد بيّنّا أنّ السقي ليس واجباً على البائع بل التمكين(٢) ، فإن مَنَعه منه حتى تلفت أو عابت ، ضمن الأرش ؛ لأنّه سبّب في الإتلاف ، والأرش في العيب هو قدر قيمة التفاوت بين كونها حالة الأخذ وكونها بالغةً حدّ الكمال إلى وقت أخذها بمجرى العادة. مثلاً : إذا باعها وهي بُسْر واحتاجت إلى سقي حتى تصير رطباً فمنعه البائع منه فلم تبلغ كماليّة الترطيب ، كان‌

____________________

= التهذيب ٧ : ١٤٦ - ١٤٧ / ٦٥١ ، و ١٦٤ / ٧٢٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٤ / ٢٣٤٠ و ٢٣٤١ ، سنن الدار قطني ٣ : ٧٧ / ٢٨٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٩ و ٧٠ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٧ - ٥٨ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٢ : ٨٦ / ١٣٨٧ ، مسند أحمد ١ : ٥١٥ / ٢٨٦٢ ، و ٦ : ٤٤٦ - ٤٤٧ / ٢٢٢٧٢.

(١) الحاوي الكبير ٥ : ١٧٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : التمكّن. والصحيح ما أثبتناه.

٣٨٢

عليه أرش التفاوت بين كونها رطباً كاملاً وناقصاً. وفي التلف يجب عليه قيمة البُسْر.

ب - لو احتاج المشتري في السقي إلى آلة ، لم يجب على البائع إقامتها. ولو كان للبائع آلة ، كدولاب ودالية ، لم يجب عليه تمكين المشتري من السقي بها. ويجي‌ء على قول الشافعي الوجوبُ.

ج - قال الشافعي : السقي يجب على البائع ، فلو شرط على المشتري ، بطل العقد ، لأنّه خلاف مقتضاه(١) . وهو ممنوع.

مسألة ١٨٢ : لو باع الاُصول والثمرة للبائع ثمّ أراد سقيها بالماء وكان ذلك لا يضرّ النخل‌ ، وجب على المشتري تمكينه منه ؛ لأنّه ممّا ينفع ثمرته ويُبقيها ، وكان عليه تمكينه منه كتركها على الاُصول ، وبه قال الشافعي(٢) .

ثمّ اعترض أصحابه على أنفسهم بأنّ البائع لو باع الثمرة بعد بدوّ صلاحها وعطشت ، وجب على البائع سقيها عندهم ؛ لأنّه صاحب الاُصول ، فألّا قلتم هنا : يجب السقي على المشتري ؛ لأنّه صاحب الاُصول؟

والجواب : أنّهم لم يقولوا : إنّه يجب عليه السقي ؛ لأنّه صاحب الاُصول ، بل وجب عليه السقي ؛ لأنّه يجب عليه تسليم الثمرة كاملةً ، وذلك إنّما يكون بالسقي ، وهنا لم يلزمه تسليم الثمرة ولم يملكها من جهته(٣) .

وإن كان السقي ينفعهما معاً ، لم يكن لأحدهما منع الآخر منه. وإن كان يضرّهما معاً ، لم يكن لأحدهما السقي إلّا برضا الآخر.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٥ - ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٨.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣٨٣

وأمّا إن كان السقي يضرّ بالاُصول ، فإن استغنت الثمرة عنه ، مُنع صاحب الثمرة منه.

وإن استضرّت الثمرة بتركه ، أو كان المشتري يريد سقي الاُصول ؛ لحاجتها إليه وكان ذلك يضرّ بالثمرة ، قال بعض الشافعيّة : إن رضي أحدهما بإدخال الضرر عليه ، أقرّ العقد بينهما. وإن لم يرض واحد منهما ، فسخ العقد ؛ لتعذّر إمضائه إلّا بضرر أحدهما(١) .

وقال بعضهم : أيّهما احتاج إلى السقي ، اُجبر الآخر عليه وإن أضرّ به ؛ لأنّه دخل معه في العقد على ذلك ؛ لأنّ مشتري الاُصول اقتضى عقده تبقية الثمرة ، والسقي من تبقيتها ، والبائع اقتضى العقد في حقّه تمكين المشتري من حفظها وتسلّمها ، ويلزم كلّ واحد منهما ما أوجبه العقد للآخر وإن أضرّ به(٢) .

إذا تقرّر هذا ، فإنّما له أن يسقي القدر الذي له فيه صلاحه ، فإن اختلفا في ذلك ، رجع إلى أهل الخبرة ، فما احتاج إليه اُجبر عليه ، وأيّهما طلب السقي ، فالمؤونة عليه ؛ لأنّه لحاجته.

تذنيب : لو كانت الثمرة مؤبَّرةً ، فهي للبائع. فإن عطشت وتعذّر سقيها فطالبه المشتري بقطعها ، لتضرّر الاُصول ببقائها عليها ، فإن كان الضرر يسيراً ، لم يلزمه القطع. وان كان كثيراً يخاف من جفاف النخل أو نقصان حملها ، اُجبر المشتري على تركه - وهو أحد قولي الشافعي(٣) - لأنّه‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٧ - ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٥.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

٣٨٤

دخل في العقد على ذلك.

والثاني له : يُجبر البائع على قطعها ؛ لأنّ الضرر يلحقها وإن بقيت ، والاُصول تسلم بقطعها. ولأنّ ضرر الاُصول أكثر لتعذّر أمثال الثمرة في المستقبل بذلك(١) . وهذا القول لا بأس به عندي.

مسألة ١٨٣ : إذا(٢) باع الأصل خاصّةً وعليه ثمرة ظاهرة ، فالثمرة للبائع‌ ، والأصل للمشتري في غير النخل ، وفيه مع التأبير أو اشتراطه ، وللمشتري مع عدمه ، ولا يجب على البائع قلع الثمرة مع الإطلاق ، بل يجب على المشتري تبقيتها إلى أوان الجذاذ - وبه قال مالك وأحمد والشافعي(٣) - لأنّ النقل والتفريغ إنّما يجب بحسب العادة والعرف ؛ فإنّ بائع الدار يجب عليه نقل الأقمشة والأطعمة على حسب العرف نهاراً لا ليلاً شيئاً بعد شي‌ء ، كذا هنا تفريغ النخل من الثمرة إنّما يكون في أوان تفريغها في العادة ، وهو وقت الجذاذ.

وقال أبو حنيفة : يلزمه قطعها في الحال وتفريغ النخل ؛ لأنّ المبيع مشغول بملك البائع ، فلزمه(٤) نقله وتفريغه ، كما لو باع داراً فيها قماش(٥) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « لو » بدل « إذا ».

(٣) المغني ٤ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٠٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

(٤) في الطبعة الحجريّة : فيلزمه.

(٥) المغني ٤ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٠٦ - ٢٠٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ٢٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

٣٨٥

والجواب ما تقدّم.

فروع :

أ - لو شرط قطع الثمرة في الحال ، وجب على البائع قطعها في الحال ؛ عملا بـ « الشروط » وقد قالعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(١) .

ب - لو شرط الإبقاء ، صحّ عندنا ؛ لأنّه مقتضى البيع على الإطلاق ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٢) .

وقال أبو حنيفة : يفسد البيع(٣) . وليس بجيّد.

ج - المرجع في وقت القطع إلى العادة ، فما كانت العادة فيه أن يقطع قبل نضجه كالمكتوم يؤخذ بُسْراً ، كلّف البائع القطع بمجرى العادة ، ولا يكلّفه قطع الجميع إذا لم يتّفق بيعه دفعة. وإذا جاء وقت الجذاذ ، لم يمكّن من أخذها على التدريج ، ولا أن يؤخّر إلى نهاية النضج ، بل يؤخذ بالعادة في ذلك كلّه. هذا مع الإطلاق ، وأمّا مع الشرط فبحسبه.

د - لو تعذّر السقي ؛ لانقطاع الماء ، أو تعذّر الآلة وعظم ضرر النخل ولم يكن في الإبقاء منفعة لصاحب الثمرة ، فالأقوى عندي : إلزام صاحب الثمرة بقطعها على ما تقدّم.

وللشافعي قولان تقدّما(٤) .

ه- لو أصاب الثمار آفة ولم يكن في إبقائها فائدة ، فإن لم يتضرّر‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ ، المغني ٤ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٠٦.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

(٤) في ص ٣٨٣ ، تذنيب المسألة ١٨٢.

٣٨٦

صاحب النخل ، كان لصاحب الثمرة الإبقاء ؛ عملاً بالإطلاق ، وانتفاء الضرر. وإن كان يتضرّر، فالأقوى : إلزامه بالقطع ؛ دفعاً للضرر مع انتفاء الفائدة.

وللشافعي قولان(١) .

و - لو احتاج صاحب الثمرة إلى السقي ، وجب على صاحب الأصل تمكينه منه مع انتفاء ضرره على ما تقدّم ، ومن الدخول إلى البستان لذلك ، فإن لم يأمنه ، نصب الحاكم أميناً للسقي ، ومؤونته على البائع.

ويحتمل تمكين البائع من السقي ، وعلى المشتري مراقبته. وهو الوجه عندي.

ز - لو لم يسق البائع وتضرّر المشتري ببقاء الثمار ، لامتصاصها رطوبة الأشجار ، أجبر البائع على السقي أو القطع ، فإن تعذّر السقي ، لانقطاع الماء ، فالاحتمالان السابقان.

ح - لو قضت العادة بأخذ بعض الثمرة بُسْراً والباقي رطباً ، وجب اتّباعها. ولو قضت بأخذها كلّها بُسْراً ، فعليه نقلها. ولو أراد إبقاءها ليأخذها شيئاً فشيئاً ليكون أنفع له ، لم يكن له ذلك ، بل يأخذها وينقلها عند إمكان نقلها. وإذا استحكمت حلاوته ، فعليه نقله. ولو قضت العادة بأخذها تمرا أو قَسْباً(١) ، اتّبعت العادة.

ط - لو كان النخل ممّا يعتاد التخفيف منه بقطع بعض ثمرته وباع الأصل‌ واستثنى الثمرة أو باع الثمرة خاصّة ، لم يجب التخفيف هنا ؛ عملاً بأصالة سلامة الملك على مالكه ، فليس لغيره التصرّف فيه بشي‌ء.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٤.

(٢) القَسْب : التمر اليابس يتفتّت في الفم. لسان العرب ١ : ٦٧٢ « قسب ».

٣٨٧

ولو باع الثمرة واشترط تخفيفها ، احتمل بطلان البيع ؛ لجهالة الباقي من المبيع.

والوجه : الصحّة ؛ لأنّ المبيع غير مجهول ، أقصى ما في الباب أنّه شرط قطع البعض ، فيبني في ذلك على العادة.

أمّا لو باع الثمرة ، فالوجه : أنّه لا يجب على المشتري تخفيفها ، سواء تضرّر النخل أو الثمرة أو لا.

ي - لو باع الأصل دون الثمرة وكانت عادة اُولئك القوم قطع الثمار قبل إدراكها ، كما لو كان الكَرْم في البلاد الشديدة البرد لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة واعتاد أهلها قطع الحِصْرم ، ففي إلحاق العرف الخاصّ بالعامّ نظر : من حيث إنّ إطلاق العقد يُحمل على المعتاد ، فيكون المعهود كالمشروط ، ومن حيث إنّ تواطؤ قوم معيّنين ليس حجّةً ، بخلاف العادة العامّة الثابتة في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

يأ - لو تبايعا بشرط القطع ، وجب الوفاء به ، فإن تراضيا على الترك ، جاز ، فكان بدوّ الصلاح بمنزلة كبر العبد الصغير.

وقال أحمد : يبطل البيع ، وتعود الثمرة إلى البائع(١) . ولا وجه له.

مسألة ١٨٤ : ولا فرق بين الثمرة وغيرها من المبيعات‌ ، فلو اشترى ثمرةً بعد بدوّ صلاحها أو قبله بشرط القطع أو مطلقاً على ما اخترناه ، وبالجملة ، على وجه يصحّ البيع فتلفت ، فإن كان التلف قبل القبض ، فهو من ضمان البائع ، وانفسخ العقد. ولو تلف البعض ، انفسخ فيه خاصّة ، وتخيّر المشتري في أخذ الباقي بحصّته ، وفي الفسخ فيه أيضاً.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧.

٣٨٨

وإن كان ذلك بعد القبض - وهو التخلية بين المشتري وبينها - فهي من ضمان المشتري - ولا فرق بين أن يكون التلف بأمرٍ سماوي ، كالريح والثلج والبرد ، أو بغير سماوي ، كالسرقة والحريق ، ولا بين أن يكون التالف أقلّ من الثلث أو أكثر - وبه قال أبو حنيفة ، وهو الجديد من قولي الشافعي(١) ؛ لأنّ امرأة أتت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : إنّ ابني اشترى ثمرةً من فلان ، فأَذْهَبَتْها الجائحةُ ، فسأله أن يضع عنه ، فتألّى(٢) أن لا يفعل ، فقالعليه‌السلام : « تألّى فلان أن لا يفعل خيراً»(٣) ولو كان ذلك واجباً عليه ، لأجبره عليه.

ولأنّ التخلية يتعلّق بها جواز التصرّف فيغلب الضمان ، كالنقل والتحويل.

وقال في القديم : إذا تلفت بعد القبض ، فهي من ضمان البائع أيضاً - فإن تلفت كلّها ، انفسخ العقد. وإن تلف بعضها ، انفسخ فيه. وهل ينفسخ في الباقي؟ مبنيّ على قولي تفريق الصفقة - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بوضع الجوائح ، ونهى عن بيع السنين(٤) .

ولأنّ التخلية ليست بقبض صحيح ، ولهذا لو عطشت الثمرة ، كان من ضمان البائع إذا تلفت(٥) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٣٣ - ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩.

(٢) أي : حلف ، مشتقّ من الألية ، وهي اليمين.

(٣) الموطّأ ٢ : ٦٢١ ، ١٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٥ ، مسند أحمد ٧ : ٢٥٢ ، ٢٤٢٢١ ، المغني ٤ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧٢ - ٢٧٣.

(٤) سنن الدار قطني ٣ : ٣١ ، ١١٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٦.

(٥) الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٩٣ ، =

٣٨٩

وقال مالك : إن كان التالف أقلّ من الثلث ، كان من ضمان المشتري.

وإن كان قدر الثلث فما زاد ، كان من ضمان البائع ؛ لأنّ الثمرة لا بدّ وأن يأكل منها الطائر ويسقط منها الريح ، فلم يكن بدّ من حدّ فاصل بين ذلك وبين الجائحة ، فقدّر بما دون الثلث(١) .

وقال أحمد : إن تلفت بأمر سماويّ ، كان من ضمان البائع. وإن تلفت بنهب أو سرقة ، كان من ضمان المشتري ؛ لأنّ ما يتلفه الآدمي يرجع إلى بدله منه ، فلهذا كان من ضمانه ، بخلاف الجائحة(٢) .

والجواب : أنّ الحديث استضعفه الشافعي(٣) ، فلا يجوز أن يحتجّ به.

ويحتمل أن يكون أراد بذلك في بيع السنين ، أو قال ذلك ندباً لا واجباً.

والتخلية قبض صحيح ؛ لأنّه يتعلّق بها جواز التصرّف ، ولا يمكن نقلها ، فأشبهت العقار.

وأمّا عطش الثمرة فيُمنع أنّه من ضمان البائع. ولو قلنا به ، فهو مبنيّ على قوله : إنّ العقد يقتضي أن يكون سقيها على البائع ، كما اقتضى تركها على الاُصول إلى أوان الجذاذ ، فإن عجز عن تسليم الماء ، ثبت للمشتري‌

____________________

= روضة الطالبين ٣ : ٢١٩ ، المغني ٤ : ٢٣٣ - ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧١ و ٢٧٣ و ٢٧٦ - ٢٧٧.

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣٤ ، المغني ٤ : ٢٣٤ - ٢٣٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨١ - ٢٨٣ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٠٥ - ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٠.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٣٤٥ ، وانظر : المغني ٤ : ٢٣٣ - ٢٣٤ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٧١ و ٢٧٨ - ٢٨٠.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧٤ - ٢٧٥.

٣٩٠

الخيار.

وقول مالك ليس بصحيح ؛ لأنّ ما يأكله الطير لا يؤثّر في العادة ولا يبلغ ما حدَّه به إلّا أن يقع عليه الجذاذ ، فيكون ذلك من جملة الجوائح.

وينتقض ما قاله أحمد بالعبد إذا مات في يد البائع أو قتل ، فإنّهما سواء وإن كان يرجع في أحدهما إلى الضمان.

فروع :

أ - لو تلفت الثمرة بعد التخلية وبلوغ أوان الجذاذ وإمكانه من المشتري ، فعلى ما قلناه الضمان على المشتري ؛ لأنّا نوجبه عليه وإن لم يبلغ أوان الجذاذ فمع بلوغه وإمكان الجذاذ منه يكون أولى. وكذا على جديد الشافعي(١) .

وعلى قديمه قولان :

أحدهما : أنّه يكون من ضمان البائع أيضاً ؛ لأنّ الآفة أصابته قبل نقله فكان كما لو أصابته قبل أوان الجذاذ. ولأنّ التسليم لا يتمّ ما دامت الثمار متّصلة بملك البائع.

والثاني : أنّها من ضمان المشتري ؛ لأنّه بتركه(٢) النقل مع قدرته عليه يكون مفرّطاً ، فانتقل الضمان إليه. ولانقطاع العلقة بينهما ؛ إذ لا يجب السقي على البائع حينئذٍ(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٢٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٤ و ٣٤٦.

(٢) في الطبعة الحجريّة : بترك.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩.

٣٩١

ب - لو تلف بعض الثمار ، فكالكلّ ، إلّا أن يتلف قبل التخلية ، فإنّه يثبت للمشتري الخيار في التسليم.

ولو عابت الثمار بالجائحة ولم تتلف ، فإن كان بعد التخلية ، فلا خيار للمشتري ، وهو جديد الشافعي(١) . وعلى قديمه يكون له الخيار(٢) .

وإن كان قبلها ، فمن ضمان البائع.

ج - لو ضاعت الثمار بغصبٍ أو سرقة ، فإن كان قبل التخلية ، فمن ضمان البائع. وإن كان بعدها ، فمن المشتري.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّها من ضمان البائع ؛ لأنّ التسليم لا يتمّ بالتخلية ، على القديم.

والثاني : أنّها من ضمان المشتري ، على القديم أيضاً ؛ لتمكّنه من الاحتراز عنه بنصب الحفاظ. ولأنّ الرجوع على الجاني بالضمان يتيسّر(٣) .

د - لو اختلفا في الجائحة أو في قدرها ، فالقول قول البائع‌ - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ الثمن قد لزم بالبيع ، والأصل أن لا جائحة.

ه- إذا لم يُمكّن البائعُ المشتريَ من السقي أو لم يسقه عند مَنْ أوجب السقي عليه ، أو شرطه عند مَنْ لا يوجبه وأخلّ به وعرض في الثمار آفة بسبب العطش ، فإن تلفت ، وجب على البائع الضمان ، لأنّه سبب في الإتلاف.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٩ ، المغني ٤ : ٢٣٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٠.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٢٢٠.

٣٩٢

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّ في انفساخ البيع قولين.

وأصحّهما : القطع بالفسخ ؛ لأنّ استحقاق السقي بالعقد قبل التخلية ، وما يستند إلى سبب سابق على القبض فهو بمنزلة ما لو سبق بنفسه. وعلى تقدير عدم الفسخ فعلى البائع الضمان للقيمة أو المثل ، وإنّما يجب ضمان ما تلف ، ولا ينظر إلى ما كان ينتهي إليه لو لا العارض(١) .

ولو تعيّبت ولم تفسد ، تخيّر المشتري وإن جعلنا الجائحة من ضمانه ؛ لأنّ الشرع ألزم البائع تنمية الثمار بالسقي إمّا بالشرط عندنا أو مطلقاً عند الشافعي(٢) ، فالعيب الحادث بترك السقي كالعيب المتقدّم على القبض.

ولو أفضى التعيّب إلى تلفه ، نُظر إن لم يشعر به المشتري حتى تلف ، عاد البحث في الانفساخ ، ولزم الضمان على البائع إن قلنا بعدم الفسخ ، ولا خيار بعد التلف.

وإن شعر به ولم يفسخ حتى تلف ، فوجهان : أحدهما : يغرم البائع ، لعدوانه. وعدمه ، لتقصير المشتري بترك الفسخ مع القدرة عليه(٣) .

و - لو باع الأصل والثمرة معاً فتلفت الثمرة بجائحة قبل التخلية ، بطل العقد فيها ، ويتخيّر المشتري في الأشجار مع إمضاء البيع بقدر حصّتها من الثمن ، وفسخ البيع فيها أيضاً.

وللشافعي في بطلان بيع الاُصول قولان(٤) .

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٠.

٣٩٣

وإن تلفت بعد التخلية ، فهي من ضمان المشتري عندنا وعند الشافعي(١) أيضاً قولاً واحداً ؛ لانقطاع العلائق هنا ، والثمرة متّصلة بملك المشتري.

ز - لو اشترى طعاماً مكايلةً وقبضه جزافاً فهلك في يده ، فهو من ضمان المشتري ؛ لحصول القبض. وإن جعلنا الكيل شرطاً فيه ، فالأقرب أنّه من ضمان البائع.

وللشافعي وجهان ؛ لبقاء الكيل بينهما(٢) .

ح - ليس للبائع تكليف مشتري الثمرة قطعها قبل بدوّ صلاحها إلّا أن يشرطه ، بل يجب عليه تبقيتها إلى أوان أخذها عرفاً بالنسبة إلى جنس الثمرة ، فما قضت العادة بأخذه بُسْراً اقتصر عليه ، وما قضت بأخذه رطباً أو قسْباً اُخّر إلى وقته. وكذا لو باع الأصل واستثنى الثمرة وأطلق ، وجب على المشتري إبقاؤها.

ط - لو أتلف الثمرة أجنبيّ قبل التخلية ، تخيّر المشتري بين فسخ البيع وإلزام المـُتلف. والأقرب : إلحاق البائع به ، فيتخيّر المشتري بين فسخ البيع وإلزام البائع بالمثل ، أو القيمة ، سواء زادت عن الثمن المسمّى المدفوع إلى البائع أو نقصت عنه.

ولو تلفت المشتري ، فكالقبض يكون من ضمانه.

مسألة ١٨٥ : يجوز بيع الثمرة بجميع العروض والأثمان إلّا بالثمرة‌ ، وهي المزابنة ، وبيع الزرع كذلك إلّا بالحبّ ، وهي المحاقلة ، هذا هو المشهور من تفسير المحاقلة والمزابنة.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٠.

٣٩٤

والمحاقلة مأخوذة من الحَقْل ، وهي الساحة التي تزرع ، سُمّيت محاقلةً ؛ لتعلّقها بزرع في حقل. والمزابنة مأخوذة من الزَّبْن ، وهو الدفع ، سُمّيت بذلك ؛ لأنّها مبنيّة على التخمين ، والغبن فيها ممّا يكثر فيريد المغبون دفعه والغابن إمضاءه فيتدافعان.

والأصل في تحريم المحاقلة والمزابنة النصُّ.

روى جابر أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن المحاقلة والمزابنة.

فالمحاقلة : أن يبيع الرجل الزرع بمائة فَرْقٍ(١) من حنطة. والمزابنة : أن يبيع الثمرة بمائة فرق من تمر(٢) .

وهذا التفسير إن كان من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذاك. وإن كان من الراوي ، فهو أعرف بتفسير ما رواه.

ولأنّه مجهول المقدار بِيع بجنسه وهُما ربويّان فلم يصحّ ؛ لجواز زيادة أحدهما على صاحبه ، بل هو الغالب ؛ لندور التساوي.

مسألة ١٨٦ : قد عرفت أنّ المحاقلة هي بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة الصافية‌ على وجه الأرض ، والمزابنة : بيع الرطب على رأس النخل بالتمر على وجه الأرض ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد(٣) .

وقال مالك : المحاقلة إكراء الأرض ببعض ما يخرج منها من الثلث أو‌

____________________

(١) الفرق : مكيال ضخم لأهل المدينة ، معروف. لسان العرب ١٠ : ٣٠٥ « فرق ».

(٢) مختصر المزني : ٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، وفي سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٢ / ٢٢٨٦ ، وسنن النسائي ٧ : ٣٧ ، وسنن البيهقي ٥ : ٣٠٧ ، بدون التفسير.

(٣) الوجيز ١ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٨ و ٣٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٩٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢١٢ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٩٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤٤ ، المغني ٤ : ٢٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٦٥.

٣٩٥

الربع أو غيرهما(١) . ونُقل عنه أيضاً ما يقاربه ، وهو أنّ المحاقلة إكراء الأرض للزرع بالحبّ(٢) ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن المحاقلة والمزابنة ، والمحاقلة : كراء الأرض(٣) .

وذكر ابن المنذر في بعض ألفاظه : والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ إكراء الأرض بالحنطة إنّما هو بذل الحنطة في مقابلة المنفعة ، والمنفعة ليست بحنطة. وإذا باع السنبل بالحنطة ، فقد باع حنطةً بحنطة مع الجهالة بالتساوي ، وهو غير جائز.

والمزابنة هي ضمان الصُّبْرة بقدر معلوم بأن يقول الشخص لغيره في صُبْرة مشاهدة : ضمنت لك صُبْرتك هذه بمائة قفيز ، فيقول المالك : هي أقلّ من ذلك ، فيقول لمالكها : يكال الآن إن زاد فلي ، وإن نقص فعليَّ.

وهذا ليس عقداً وإنّما هو قمار. والقصد النهي عن عقده ، فالمشهور ما تقدّم.

مسألة ١٨٧ : هل يشترط في المحاقلة والمزابنة اتّحاد الثمن والمثمن أم لا؟

قيل : نعم(٥) . فيكون النهي متناولاً لبيع الحنطة الثابتة في السنابل‌

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ٢٢٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٥.

(٢) كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - ٣ : ٩٤ ، المسألة ١٥٢.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١١٧٩ /١٥٤٦ ، سنن الدار قطني ٣ : ٧٥ - ٧٦ / ٢٨٥ ، مسند أحمد ٣ : ٣٦٥ / ١١١٨٣.

(٤) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر ، وفي المغني - لابن قدامة - ٤ : ٢٩٨ نقله عن أبي سعيد.

(٥) قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٤١٦.

٣٩٦

بحبٍّ منها معيّن المقدار. ولبيع ثمرة النخل ، الثابتة عليها بثمرة منها ، فيجوز بيع كلّ منهما بتمر موضوع على الأرض من غير تلك الثمرة ، وبحبٍّ موضوع على الأرض من غير تلك السنابل ؛ للأصل.

ولما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل ، فيقول أحدهما لصاحبه : [ اختر ] إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلاً مسمّى وتعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص ، وإمّا أن آخذه أنا بذلك وأردّ عليك ، قال : « لا بأس »(١) .

وفي الحسن عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام في رجل قال لآخر : بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقلّ أو أكثر يسمّي ما شاء فباعه ، فقال : « لا بأس به »(٢) .

وقال بعض(٣) علمائنا : لا يشترط ذلك ، بل يحرم بيع الزرع بالحنطة الموضوعة على الأرض وبيع الثمرة في النخلة بالتمر الموضوع على الأرض - وبه قال الشافعي(٤) - حذراً من الربا ، لأنّ كلّ واحد منهما بيع مال الربا بجنسه(٥) من غير تحقّق المساواة في المعيار(٦) الشرعي ؛ لأنّ المعتاد فيهما الكيل ، ولا يمكن كيل الحنطة في السنابل ولا الثمرة على رأس النخل.

والتخمين بالخرص لا يغني ، كما لو كان كلّ واحد منهما على وجه الأرض.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٩١ / ٣٨٩ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٦ - ١٧٧ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ٨٩ / ٣٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٩١ / ٣١٠.

(٣) ابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٦٧.

(٤) الاُم ٣ : ٦٢ - ٦٣ ، الوجيز ١ : ١٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٨ و ٣٥٢.

(٥) في الطبعة الحجريّة : من جنسه.

(٦) في « ق ، ك» : العيار.

٣٩٧

ونمنع الربا ؛ لأنّه لا يثبت إلّا في المكيل أو الموزون ، ولا شي‌ء من الثمرة على رأس(١) النخل ولا من الزرع في السنابل بمكيل أو موزون.

وقد روى ابن رباط عن أبي الصباح الكناني قال : سمعت الصادقَعليه‌السلام يقول : « إنّ رجلاً كان له على رجل خمسة عشر وسقاً من تمر وكان له نخل فقال له : خذ ما في نخلي بتمرك ، فأبى أن يقبل ، فأتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله إنّ لفلان عليَّ خمسة عشر وسقاً من تمر ، فكلّمه يأخذ ما في نخلي بتمره ، فبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا فلان خُذْ ما في نخله بتمرك ، فقال : يا رسول الله لا يفي وأبى أن يفعل ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لصاحب النخل : اجذذ نخلك ، فجذّه فكال له خمسة عشر وسقاً » فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط ولا أعلم إلّا أنّي قد سمعته منه أنّ أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : « إنّ ربيعة الرأي لمـّا بلغه هذا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : هذا ربا ، قلت : أشهد بالله إنّه من الكاذبين ، قال : صدقت »(٢) .

فروع :

أ - لو اختلف الجنس ، جاز البيع إجماعاً ، كأن يبيع الشعير في سنبله بالدخن الموضوع على الأرض ، أو ثمرة النخل فيها بعنبٍ أو زبيبٍ موضوع على الأرض.

واشترط الشافعي التقابض هنا بالنقل لما على وجه الأرض ، وبالتخلية فيما على الشجر(٣) . وهو بناءً على مذهبه من وجوب التقابض في‌

____________________

(١) في « ق ، ك ‍» : رؤوس.

(٢) التهذيب ٧ : ٩١ - ٩٢ / ٣٩٠ ، الاستبصار ٣ : ٩٢ / ٣١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٥.

٣٩٨

الربويّات مع اختلاف الجنس ، وقد سلف بحثه(١) .

ب - إن جعلنا العلّة في المحاقلة والمزابنة الربا ، لم يجز بيع غير النخل والزرع بجنسه‌ الموضوع على الأرض ، فلا يجوز بيع العنب في أصله بزبيب أو عنب موضوع على الأرض ، وكذا غيره من الفواكه ، ولا بيع الدخن في سنبله بحبِّ دخن موضوع على الأرض ؛ عملاً بتعميم الحكم عند تعميم علّته. وإن لم نجعل العلّة ذلك ، جاز جميع ذلك.

ج - الحنطة والشعير عندنا أنّهما جنس واحد في الربا‌ على ما تقدّم(٢) ، خلافاً للشافعي(٣) . فعلى أصلنا هذا إذا جعلنا العلّة الربا ، لم يجز بيع الحنطة في السنبل بالشعير الموضوع على الأرض وبالعكس ، وإلّا جاز.

د - في أكثر تفاسير المحاقلة أنّها بيع الحنطة في السنبل بحنطة‌ إمّا منها أو من غيرها على ما تقدّم ، فهل يدخل فيه الشعير الثابت في سنبله بالشعير المصفّى؟ إن جعلناه من جنس الحنطة أو قلنا : العلّة الربا ، شمل التحريم ، وإلّا فلا ؛ لكن لا يكون محاقلةً إن لم يكن من الجنس وإن قلنا بالتحريم لعلّة الربا فيه.

أمّا غير الشعير والحنطة كالدخن يباع في سنبله بحبٍّ مصفّى إمّا منه أو من غيره ، والذرّة والاُرز وغير ذلك من أنواع الزرع فهل يكون محاقلةً؟

في بعض ألفاظ علمائنا أنّ المحاقلة هي بيع الزرع بالحبّ من جنسه(٤) ، فيكون ذلك كلّه محاقلةً. وإن لم نجعل ذلك محاقلةً بل خصّصنا اسم‌

____________________

(١) في ص ١٤٧ ، الفرع ( ه‍ ) من المسألة ٧٧.

(٢) في ص ١٤٨ ، المسألة ٧٨.

(٣) الاُمّ ٣ : ٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١١٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٣٥ ، المحلّى ٨ : ٤٩٢ ، المغني ٤ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٩.

(٤) كشف الرموز ١ : ٥٠٦ - ٥٠٧ ، وكما في شرائع الإسلام ٢ : ٥٤.

٣٩٩

المحاقلة بالحنطة ، هل يثبت التحريم؟ إن جعلنا العلّة في الحنطة الربا ، ثبت هنا ، وإلّا فلا.

أمّا الثمرة فالمشهور اختصاص المزابنة بثمرة النخل منها دون غيرها ، لكن في التحريم إن جعلناه معلّلاً بالربا ، ثبت في غير النخل ، وإلّا فلا.

ه- لو باع الزرع قبل ظهور الحبّ بالحبّ ، فلا بأس‌ - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه حشيش ، وهو غير مطعوم ولا مكيل ، سواء تساويا جنساً أو اختلفا. ولا يشترط التقابض في الحال.

و - قد بيّنّا أنّ بيع الصُّبْرة باطل إلّا مع العلم بقدرها ، فلو باع صُبْرةً باُخرى مجهولتين من جنسٍ واحد ، لم يجز مطلقاً عندنا على ما تقدّم(٢) .

وقال الشافعي : إن أطلقا البيع ، لم يجز ؛ لأنّ التساوي شرط ، والجهل به كالعلم بالتفاضل ، فيكون البيع باطلاً.

وإن قال : بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلاً بكيل أو مِثْلاً بمِثْل ، فإن كِيلتا وتساويتا ، صحّ البيع. وإن تفاوتتا ، فقولان ، أحدهما : الفساد ؛ لتفاضلهما. والثاني : الصحّة ، ويأخذ بقدر صُبْرته.

وإن اختلف الجنس وأطلقا ، صحّ البيع. وإن شرطا التساوي ، فإن خرجتا متساويتين ، صحّ البيع. وإن تفاضلتا ، قيل للّذي له الفضل : أترضى بتسليمه؟ فإن أجاب ، لزم البيع. وإن أبى ، قيل للآخر : أتأخذ بقدر صُبْرتك؟ فإن رضي ، لزم البيع. وإن أبى ، فسخ العقد بينهما(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٥ ، المجموع ٩ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٧.

(٢) في ص ٧٤ ، المسألة ٤٥ ، وص ٨٠ ، الفرع ( ه‍ ) من المسألة ٤٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢ ، المغني ٤ : ١٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٤٨.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458