نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 301

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 301
المشاهدات: 131393
تحميل: 4947


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 301 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131393 / تحميل: 4947
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 12

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وولدت له، وسدّ الأبواب إلّا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر. أخرجه أحمد، وإسناده حسن.

وأخرج النسائي من طريق العلاء بن عراء - بمهملات - قال: فقلت لابن عمر: أخبرني عن علي وعثمان. فذكر الحديث وفيه: وأما علي فلا تسأل عنه أحداً، وانظر إلى منزلته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد سدّ أبوابنا في المسجد وأقرّ بابه. ورجاله الصحيح، إلّا العلاء وقد وثّقه يحيى بن معين وغيره.

وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، وكلّ طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها»(١) .

وقال ابن حجر: « وقد اعترف ابن عمر بتقديم علي على غيره. كما تقدّم في حديثه الذي أوردته في الباب الذي قبله »(٢) .

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات في شرح المشكاة ) بشرح حديث ابن عمر في المفاضلة: « قوله: لا نفاضل بينهم. قالوا: أراد الشيوخ وذوي الأسنان، الذين إذا حزن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر شاورهم. وعليرضي‌الله‌عنه كان في زمنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث السن. وإلّا فأفضليته من ورائهم لا ينكرها أحد. وأيضاً: التفاضل ثابت بين الصحابة بلا شبهة، كأهل بدر وأهل بيعة الرضوان وعلماء الصحابة. وأخرج أحمد عن ابن عمر أنه قال: كنّا في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نرى خير الناس بعد رسول الله أبا بكر ثم عمر. وقال: وأمّا علي بن أبي طالب فقد أوتي ثلاث خصال لو كان لي واحد منها كان خيراً من الدنيا وما فيها، زوّجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنته فكان له منه ولد، وسدّ أبواب الناس إلّا بابه، وأعطاه رايته يوم خيبر.

وروى النسائي أنّه سئل ابن عمر: ما تقول في عثمان وعلي؟ فحدّث بهذا

____________________

(١). فتح الباري ٧ / ١٢.

(٢). نفس المصدر ٧ / ١٣.

١٠١

الحديث ثم قال: لا تسألوا عن علي ولا تقيسوا أحداً عليه، سدّ أبوابنا إلّا بابه ».

ويؤيّد ما أخرجه النسائي ما رواه أبو الحسن ابن المغازلي بسنده عن نافع قال: « قلت لابن عمر: من خير الناس بعد رسول الله؟ قال: ما أنت وذاك لا أم لك. ثم قال: استغفر الله، خيرهم بعده من كان يحلّ له ما كان يحلّ له، ويحرم عليه ما كان يحرم عليه. قلت: من هو؟ قال: علي سدّ أبواب المسجد وترك باب علي وقال له: لك في هذا المسجد ما لي وعليك فيه ما عليّ، وأنت وارثي ووصيّ، تقضي ديني وتنجز عداتي وتقتل على سنّتي، كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني»(١) .

وهذه الأحاديث وغيرها ألجأت الملّا علي القاري إلى أن يبذل بعض الإِنصاف، فيقول في شرح حديث ابن عمر الذي تمسّك به السخاوي: « ولعلّ هذا التفاضل بين الأصحاب، وأمّا أهل البيت فهم أخص منهم، وحكمهم يغايرهم، فلا يرد عدم ذكر علي والحسنين والعمّين رضي الله عنهم أجمعين »(٢) .

تأملات القوم في حديث ابن عمر

ثم إن حديث ابن عمر في المفاضلة - وإنْ ذكره بعض أسلاف أهل السنة في فضل المشايخ - غير واضحٍ لدى المحققين المنقّدين منهم في الحديث، فقد احتملوا فيه وجوهاً مختلفة، ولم يتحقّقّ عندهم كونه وارداً في مسألة التفضيل والتقديم فحسب. قال ابن عبد البر: « روى يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر وعبد العزيز ابن أبي سلمة عن نافع عن أبن عمر أنه قال: كنّا نقول على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت. فقيل: هذا في الفضل، وقيل: في الخلافة»(٣) .

وقال ابن الأثير: « قال: وحدّثنا محمد بن عيسى حدثنا أحمد بن إبراهيم

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي ٢٦١.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٢٧.

(٣). الاستيعاب ٣ / ١٠٣٩.

١٠٢

الدورقي، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن العطار، حدّثنا الحارث بن عمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كنّا نقول ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حي: أبو بكر وعمر وعثمان. فقيل: في التفضيل. وقيل: في الخلافة »(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني: « وقد جاء في بعض الطرق في حديث ابن عمر تقييد الخيرية المذكورة والأفضلية بما يتعلَّق بالخلافة، وذلك فيما أخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن يسار عن سالم عن ابن عمر قال: إنكم لتعلمون أنا كنّا نقول على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو بكر وعمر وعثمان - يعني في الخلافة - كذا في أصل الحديث. ومن طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر كنّا نقول في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من يكون أولى الناس بهذا الأمر. فنقول: أبو بكر ثم عمر»(٢) .

ومن الوجوه المذكورة فيه هو: أنّ الله قد رضي عن الثلاثة، فلا علاقة للحديث بالتفضيل ولا بالخلافة، قال شمس الدين الخلخالي: « قوله: [ أبو بكر وعمر وعثمان ] مقول لقوله: [ نقول ] و [ رسول الله حي ] جملة حالية معترضة، أبو بكر وما عطف عليه مبتدأ، وخبره: [ رضي الله عنهم ] »(٣) .

وقال القاري: « عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [ كنّا نقول ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حي ] جملة حالية معترضة بين القول ومقوله [ أبو بكر وعمر وعثمان ] أي على هذا الترتيب عند ذكرهم وبيان أمرهم [ رضي الله عنهم ] وقال شارحه: أبو بكر وما عطف عليه مبتدأ، خبره رضي الله عنهم، والجملة مقول القول، ورسول الله حي جملة معترضة، أي: كنا نذكر هؤلاء الثلاثة بأنّ الله تعالى رضي عنهم »(٤) .

____________________

(١). أسد الغابة ٣ / ٣٧٩.

(٢). فتح الباري ٧ / ١٣.

(٣). المفاتيح في شرح المصابيح - مخطوط.

(٤). المرقاة في المشكاة ٥ / ٥٦٢.

١٠٣

وقال عبد الحق الدهلوي في ( اللّمعات ): « قوله: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. أي: كنّا هؤلاء الثلاثة بأنّ الله تعالى رضي عنهم. ويحتمل أن يكون [ رضي الله عنهم ] دعاءً من الرواة ».

أقول: فانظر يرحمك الله وانصف أفهل يجوز التمسّك لمسألة التفضيل البالغة الأهمية بمثل حديثٍ هذا حاله عند اهل السّنة أنفسهم؟

رأي علي في الشيخين

والسادس: قول السخاوي « بل ثبت عن علي نفسه أنه قال: خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر، فقال له ابنه محمد بن الحنفية: ثم أنت يا أبت؟ فكان يقول: ما أبوك إلّا رجل من المسلمين » فرية واضحة، وكذبة لائحة، فإنّ الحديث المذكور واحد من الأخبار المتعدّدة التي وضعها القوم واختلقوها في هذا الباب، وهذا لفظه في البخاري: « حدثنا محمد بن كثير أنا سفيان، ثنا جامع بن أبي راشد، ثنا أبو يعلى عن محمد ابن الحنفية قال قلت لأبي: أيّ الناس خير بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: أبو بكر. قال قلت: ثم من؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول: عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلّا رجل من المسلمين »(١) .

إن هذا الحديث تكذبه الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة المتواترة والآثار الثابتة، الدالّة على أفضلية الإِمام أمير المؤمنين بعد النبي صلّى الله عليهما وآلهما وسلّم، وهذه الأدلّة كثيرة لا تعدّ ولا تحصى. وأيضاً تكذّبه المطاعن الثابتة بالأدلة القطعيّة للشيخين والثلاثة، وهي أيضاً تفوق حدّ الحصر والعد

ومن أبين الدلائل على بطلان هذا الحديث الموضوع هو: أنّه لا ريب في أنّ الامامعليه‌السلام كان يقول - في مسألة منع أبي بكر الزهراءعليها‌السلام من الميراث - بكذب أبي بكر وعمر وظلمهما وخيانتهما، وكان يُظهر هذا الأمر للناس

____________________

(١). صحيح البخاري ٥ / ٦٧.

١٠٤

كما اعترف به عمر بن الخطاب نفسه، ونعوذ بالله من أن ننسب إلى الامامعليه‌السلام القول بتفضيل من يراه كاذباً آثماً غادراً خائناً

أمّا أنّه كان يرى أبا بكر وعمر كذلك فذاك أمر لا يخفى على أدنى المتتبّعين والمسلّمين بالأخبار والأحاديث، إلّا أنّا نذكر هنا طرفاً من الشواهد على ذلك، فقد أخرج مسلم في ( الصحيح ) في كتاب الجهاد عن مالك بن أوس في حديث طويل أنّه قال عمر بن الخطاب لعلي والعباس ما هذا نصه:

« فلمـّا توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال أبو بكر: أنا ولّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال ابو بكر: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نوّرث ما تركنا صدقة. فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم إنه لصادق بارّ راشد تابع للحق. ثم توفي أبو بكر فكنت أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووليّ أبي بكر، فرأيتماني كاذباً غادراً خائناً، والله يعلم أني لصادق بار راشد تابع للحق »(١) .

تحريفٌ من البخاري

والجدير بالذكر هنا أنّ البخاري قد أخرج هذا الحديث في مواضع من كتابه، مع التصرّف في متنه بأشكالٍ مختلفةٍ من التصرّف، كالتحريف والإِسقاط والتقطيع، كما هي عادته بالنسبة إلى أحاديث كثيرة، فأخرجه في باب فرض الخمس باللفظ التالي: « قال عمر: ثم توفى الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله أبا بكر فكنت أنا ولي أبي بكر فقبضتها سنتين من أمارتي، أعمل فيها بما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبما عمل فيها

____________________

(١). صحيح مسلم - كتاب الجهاد ٥ / ١٥٢.

١٠٥

أبوبكر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق »(١) .

وأخرجه في كتاب المغازي باب حديث بني النضير: « ثم توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال أبو بكر: فأنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقبضه أبو بكر فعمل فيه بما عمل به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنتم حينئذٍ، - فأقبل على علي وعباس وقال -: تذكران أن أبا بكر فيه كما تقولان، والله يعلم إنه فيه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر، فقبضته سنتين من أمارتي أعمل فيه بما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر، والله يعلم أني فيه صادق بار راشد تابع للحق »(٢) .

وأخرجه في كتاب النفقات باب حبس نفقة الرجل قوت سنته: « ثم توفى الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال أبو بكر: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنتما حينئذ - وأقبل على علي وعباس - تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا، والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر »(٣) .

وأخرجه في كتاب الفرائض باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نورّث ما تركناه صدقة: « فتوفى الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال أبو بكر: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقبضها فعمل بما عمل به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر »(٤) .

____________________

(١). صحيح البخاري ٤ / ٥٠٣.

(٢). صحيح البخاري ٥ / ١٨٨.

(٣). صحيح البخاري ٧ / ١٢٠.

(٤). صحيح البخاري ٨ / ٥٥١.

١٠٦

وأخرجه في كتاب الاعتصام باب ما يكره من التعمّق والتنازع: « ثم توفى الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال أبو بكر: أنا ولي رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقبضها أبو بكر، فعمل فيها بما عمل فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وأنتما حينئذٍ، وأقبل على علي وعباس فقال -: تزعمان أن أبا بكر فيها كذا. والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق. ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر »(١) .

وإنّ كلّ سعي البخاري ينصبُّ على ستر معايب الشيخين التي لا تخفى على كلّ ذي عينين، لكنّ شرّاح صحيح البخاري لم يهتدوا إلى الغرض الذي دعا البخاري إلى ما صنع، فباحوا بالحقيقة التي أراد البخاري كتمها، مع نسبة هذه الصنيعة الشنيعة إلى الزهري، قال ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث في باب الخمس: « قوله: ثم توفى الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال أبو بكر: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . زاد في رواية عقيل: وأنتما حينئذٍ وأقبل على علي وعباس: تزعمان أنّ أبا بكر كذا وكذا. وفي رواية شعيب: كما تقولان، وفي رواية مسلم من الزيادة: فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نورّث ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً.

وكأنّ الزهري كان يحدّث به تارةً فيصرّح، وتارةً فيكني، وكذلك مالك ».

وقال ابن حجر بشرح الحديث في باب ما يكره من التعمق والتنازع: « وقوله: تزعمان أن أبا بكر فيها كذا. هكذا هنا وقع بالإِبهام، وقد بيّنت في شرح الرواية الماضية في فرض الخمس أن تفسير ذلك وقع في رواية مسلم، وخلت

____________________

(١). صحيح البخاري ٩ / ٧٥٤.

١٠٧

الرواية المذكورة عن ذلك إبهاماً ».

تحريف من أبي بكر الجوهري

وكذلك فعل أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري، صاحب كتاب ( السقيفة )، حيث ذكر حديث « كاذباً آثماً غادراً خائناً » بألفاظ أخرى، فقد أورد في كتابه المذكور حديث مالك بن أوس باللفظ الآتي: « ثم توفي فقال أبو بكر: أنا ولي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقبضه الله وقد عمل فيها بما عمل به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنتما حينئذٍ، والتفت إلى علي والعباس: تزعمان أنّ أبا بكر فيها ظالم فاجر، والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا أولى الناس بأبي بكر وبرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقبضتها سنتين - أو قال: سنين - من أمارتي أعمل فيها مثل ما عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر، ثم قال - وأقبل على العباس وعلي - تزعمان أني فيها ظالم فاجر، والله يعلم أني لصادق بار راشد تابع للحق ».

ورواه مرةً أخرى بطريقٍ آخر أنّ عمر قال: « فلما توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقبضها أبو بكر، فجئت يا عباس تطلب ميراثك من ابن أخيك، وجئت يا علي تطلب ميراث زوجتك من أبيها، وزعمتما أنّ أبا بكر كان فيها خائنا فاجرا، والله لقد كان امرءً مطيعاً تابعاً للحق، ثم توفى أبو بكر فقبضتها فجئتماني تطلبان ميراثكما، أما أنت يا عباس فتطلب ميراثك من ابن أخيك، وأما علي فيطلب ميراث زوجته من ابيها، وزعمتما أني فيها خائن فاجر، والله يعلم أني فيها مطيع تابع للحق ».

ورواه مرةً ثالثة عن أبي البختري: « فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتصّدق به ويقسم فضله، ثم توفي فوليه أبو بكر سنتين، يصنع فيها ما كان يصنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنتما تقولان أنه كان بذلك خاطئاً وكان بذلك ظالماً، وما كان بذلك إلّا راشداً، ثم وليته بعد أبي بكر فقلت لكما: إنْ شئتما

١٠٨

قبلتكماه على عمل رسول الله وعهده الذي عهد فيه، فقلتما: نعم، وجئتماني الآن تختصمان يقول هذا: أريد نصيبي من ابن أخي، ويقول هذا: أريد نصيبي من امرأتي، والله لا أقضي بينكما إلّا بذلك ».

نظرة في سند حديث مختلق

وإنّ ما ذكرناه يكفي في الدلالة على فساد الحديث المزعوم الذي تمسّك به السخاوي، هذا مع أنّه مخدوش سنداً، فقد عرفت أن البخاري يرويه عن محمد ابن كثير وهو العبدي وهذا مجروح كما ذكر الذهبي بترجمته، حيث قال: « وروى أحمد ابن أبي خيثمة قال لنا: ابن معين لا تكتبوا عنه لم يكن بالثقة »(١) .

وقال العسقلاني: « قال ابن معين: لم يكن بالثقة ». قال: « وقال ابن الجنيد عن ابن معين: كان في حديثه ألفاظ كامنة ضعيفة، ثم سألت عنه فقال: لم يكن بأهل أن يكتب عنه »(٢) .

وفي طريقهسفيان الثوري وقد كان يدلّس عن الضعفاء كما ذكره الذهبي وابن حجر العسقلاني(٣) وغيرهما.

بل لقد اشتهر بتدليس التسوية، الذي قالوا بأنّه أفحش أنواع التدليس مطلقاً وشرّها(٤) ، قال السّيوطي: « قال العراقي: وهو قادح فيمن تعمّد فعله، وقال شيخ الاسلام: لا شك أنه جرح وإنْ وصف به الثوري والأعمش، فلا اعتذار أنهما لا يفعلانه إلّا في حق من يكون ثقة عندهما ضعيفاً عند غيرهما »(٥) . وقال القاري: « وهذا القسم من التدليس مكروه جدّاً، وفاعله مذموم عند أكثر

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٤ / ١٨.

(٢). تهذيب التهذيب ٩ / ٣٧١.

(٣). ميزان الاعتدال ٢ / ١٦٩، تقريب التهذيب ١ / ٣١١.

(٤). أنظر تدريب الراوي ١ / ١٨٦ وغيره.

(٥). تدريب الراوي ١ / ١٨٦.

١٠٩

العلماء، ومن عرف به فهو مجروح عند جماعة، لا يقبل روايته بيّن السّماع أو لم يبيّنه »(١) .

وقال ابن الجوزي في ذم التدليس: « هذا خيانة منهم على الشرع »(٢) .

وقال أيضاً: « هو من أعظم الجنايات على الشريعة »(٣) .

وقال النووي: « التدليس قسمان: أحدهما: أنْ يروي عمّن عاصره ما لم يسمع منه، موهماً سماعه، قائلاً: فلان أو عن فلان أو نحوه، وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره، ضعيفاً أو صغيراً، تحسيناً لصورة الحديث. وهذا القسم مكروه جداً، ذمّه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدّهم ذمّاً له، وظاهر كلامه أنه حرام، وتحريمه ظاهر، فإنه يوهم الاحتجاج بما لا يجوز الاحتجاج به، ويسبب أيضاً إلى اسقاط العمل بروايات نفسه، مع ما فيه من الغرور، ثم إنّ مفسدته دائمة، وبعض هذا يكفي في التحريم، فكيف باجتماع هذه الْأُمور »(٤) .

هذا،ولسفيان الثوري قوادح أخرى، منها: القول بمذهب الخوارج، ومنها: الحسد لأبي حنيفة والعداوة له والطعن فيه ذكرها أبو المؤيّد محمود بن محمد الخوارزمي(٥) ، وهذا القوادح تسقط الثوري عن درجة الاعتبار لدى أهل السنة، لا سيّما الحنفية منهم كما لا يخفى.

ومن أعظم قوادح « سفيان الثوري » اعتراضه على الإِمام الصادقعليه‌السلام ، قال الشعراني: « ودخل عليه الثوريرضي‌الله‌عنه ، فرأى عليه جبّة من خز، فقال له: إنكم من بيت نبّوةٍ تلبسون هذا!! فقال: ما تدري، أدخل يدك، فإذا تحته مسح من شعر خشن، ثم قال: يا ثوري أرني تحت جبّتك، فوجد تحتها

____________________

(١). شرح شرح نخبة الفكر ١١٢.

(٢). تلبيس إبليس ٣٤.

(٣). الموضوعات ١ / ٥٢.

(٤). المنهاج في شرح صحيح مسلم ١ / ٣٣.

(٥). جامع مسانيد أبي حنيفة ٢ / ٤٦٨.

١١٠

قميصاً أرق من بياض البيض، فخجل سفيان، ثم قال: يا ثوري لا تكثر الدخول علينا، تضرّنا ونضرّك »(١) .

فظهر أنّ الحديث الذي أخرجه البخاري عن محمد بن الحنفية، حديث مختلق مكذوب.

حديث مختلق آخر

ومثله في الاختلاق والبطلان الحديث الآخر، الذي رواه المتقي: « عن زيد ابن علي بن الحسيني قال: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين ابن علي يقول: قلت لأبي بكر: يا أبا بكر من خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال لي: أبوك. فسألت أبي علياً فقلت: من خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: أبو بكر - الدغولي، كر »(٢) .

فإنّ آثار الكذب والإِفتراء لائحة عليه وبادية فيه، كما لا يخفى على كلّ منصفٍ نبيه، على أنّه حديث لم نقف له على سندٍ، وقد صرّح ( الدهلوي ) بأنّ كلّ حديث لا سند صحيح له فهو ساقط عن درجة الاعتبار.

حديث مختلق آخر

ولمـّا رأى بعض الوضّاعين من أهل السنّة وضوح فظاعة ما وضع عن لسان الامامعليه‌السلام في تفضيل الشيخين مطلقاً، عمد إلى وضع حديث عن لسانه ينصّ على أفضليتهما من جميع الأصحاب سوى أهل البيت، فقد روى المتقي: « عن أبي البختري قال: خطب على فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبّيها أبو بكر وعمر. فقال رجل: وأنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: نحن أهل البيت لا يوازينا

____________________

(١). لواقح الانوار ١ / ٣٢.

(٢). كنز العمال ١٢ / ٤٨٩.

١١١

أحد. حل »(١) . وهذا أيضاً حديث مختلق، فإنّ من يرى الشيخين « كاذبين آثمين غادرين خائنين» كيف يفضّلهما على سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار بن ياسر ونظرائهم؟! إن هذا إلّا إفك مبين.

على أنّ راويه « أبو البختري » لم يسمع من الامامعليه‌السلام شيئاً، وإنما كان يرسل عنه كثيراً، قال ابن حجر: « سعيد بن فيروز، وهو ابن أبي عمران، أبو البختري الطائي مولاهم الكوفي، روى عن: أبيه، وابن عباس، وابن عمر، وأبي سعيد، وأبي كبشة وأبي برزة، ويعلى بن مرة، وأبي عبد الرحمن السلمي، والحارث الأعور. وأرسل عن: عمر، وعلي وحذيفة، وسلمان، وابن مسعود. وعنه: عمرو بن مرة، وعبد الأعلى بن عامر، وعطاء بن السائب، وسلمة بن كهيل ويونس بن حبان، وحبيب بن أبي ثابت، ويزيد بن أبي زياد، وغيرهم.

قال عبد الله بن شعيب عن ابن معين: أبو البختري الطائي اسمه سعيد، وهو ثبت، ولم يسمع من علي شيئاً »(٢) .

ولكثرة روايته عن الأصحاب مع عدم سماعه منهم حكم بعض نقدة الحديث بضعف مراسيله قال ابن سعد: « كان كثير الحديث، يرسل حديثه ويروي عن الصحابة، ولم يسمع من كثير أحد، فما كان من حديثه سماعاً فهو حسن، وما كان عن إرسال فهو ضعيف »(٣) .

وقال بن حجر ايضاً: « قال أبو أحمد الحاكم في الكنى: ليس بالقوي عندهم » ثم قال ابن حجر: « كذا قال وهو سهو »(٤) قلت: وهو تحكّم محض.

____________________

(١). كنز العمّال ١٣ / ٧.

(٢). تهذيب التهذيب ٤ / ٦٥.

(٣). تهذيب التهذيب ٤ / ٦٥.

(٤). تهذيب التهذيب ٤ / ٦٥.

١١٢

(٧)

مع السيوطي

في كلامه حول الحديث

وممّن تنطّع وتعنّت في باب حديث مدينة العلم: جلال الدين السّيوطي، إذ قال بشرح حديث: أنا دار الحكمة: « قال الطيبي: تمسّك الشيعة بهذا الحديث في أنّ أخذ العلم والحكمة مختص به، لا يتجاوزه إلى غيره إلّا بواسطته، لأن الدار إنما يدخل إليها من بابها. ولا حجة لهم فيه، إذ ليس دار الجنة بأوسع من دار الحكمة، ولها ثمانية أبواب »(١) .

وهذا نفس كلام الطّيبي الذي تقدّم الكلام عليه بالتّفصيل، وأوضحنا بطلانه بما لا مزيد عليه، والله ولي التوفيق.

* * *

____________________

(١). قوت المغتذي في شرح الترمذي. كتاب المناقب، باب مناقب علي.

١١٣

(٨)

مع السمهودي

في كلامه حول الحديث

وحاول علي بن عبد الله السمهودي صرف حديث أنا مدينة العلم عن مفاده الصّريح فيه، بما يحيّر الأفهام، فقال بعد أن أورد بعض ما يدل على أعلميّة الإِمامعليه‌السلام : « قلت: وهذا وأشباهه مما جاء في فضيلة علي في هذا الباب شاهد لحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، رواه الامام أحمد في الفضائل عن عليرضي‌الله‌عنه ، والحاكم في المناقب من مستدركه، والطبراني في معجمه الكبير، وأبو الشيخ ابن حيان في السنة له، وغيرهم كلّهم عن ابن عباس مرفوعاً به بزيادة: فمن أتى العلم فليأت الباب.

ورواه الترمذي من حديث علي مرفوعاً: انا مدينة العلم وعلي بابها، وقال الترمذي عقب هذا: انه منكر. وكذا قال شيخه البخاري، وقال الحاكم عقب الأول: إنه صحيح الإِسناد، أورده ابن الجوزي من الثاني في الموضوعات. وقال الحافظ أبو سعيد العلائي: الصواب أنه حسن باعتبار طرقه، لا صحيح ولا ضعيف، فضلاً عن أن يكون موضوعاً. وكذا قال الحافظ ابن حجر في فتوى له.

ولا ينافيه تفضيل أبي بكررضي‌الله‌عنه مطلقاً، بشهادة علي وغيره بذلك له، وشهد له بالعلم أيضاً، فقد قال علي: أبو بكر أعلمهم وأفضلهم وما اختلفوا في شيء إلّا كان الحق معه وعدم اشتهار علمه لعدم طول مدّته بعد الاحتياج إليه بموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

وفي هذا الكلام نظر من وجوه:

١ - نسبة الطعن إلى البخاري والترمذي كذب

إنّ السمهودي - وإن لم ينكر أصل الحديث، بل حقّقه وأثبته عن جماعة من

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

١١٤

أئمة مذهبه - نسب إلى الترمذي أنه قال عقب الحديث: « هذا منكر ». وقد أثبتنا سابقاً عدم صحّة هذه النسبة، وأنّ الترمذي لم يقل هذا بعد هذا الحديث أبداً، بل صريح الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( اللمعات في شرح المشكاة ) أنّ الترمذي قال: إنه حسن.

ويؤيّد هذا أنّ الترمذي قد حسّن حديث « أنا دار الحكمة » - المؤيّد لحديث:

« أنا مدينة العلم » - كما صرّح به المحبّ الطبري في ( ذخائر العقبى ) وفي ( الرياض النضرة ). وكما نسب بعض المفسّرين إلى الترمذي القدح في حديث « أنا مدينة العلم » فقد نسب إليه ذلك بالنسبة إلى حديث « أنا دار الحكمة » أيضاً، كما فصّلناه فيما مضى في ردّ كلام النووي.

على أنّ كثيراً من محققي أهل السنّة ينقلون الحديثين معاً عن الترمذي، وظاهر عباراتهم أنّه قد أخرجهما في ( الصحيح ) من دون أيّ غمزٍ فيهما، كما لا يخفى على من راجع ما ذكرناه سابقاً في إثبات إخراج الترمذي لحديث مدينة العلم، وفي إثبات إخراجه لحديث دار الحكمة، من عبارات أئمة القوم الدالّة على ذلك، وعليك بالتأمّل فيما ذكره ابن حجر المكي في ( الصواعق ) وما قاله العيدروس اليمني في ( العقد النبوي ) وما أورده الصبان المصري في ( إسعاف الراغبين ). فإن عبارات هؤلاء الأعلام أصرح في المقصود والمطلوب.

وعلى الجملة، فإن نسبة السمهودي القدح في حديث « أنا مدينة العلم » إلى الترمذي كذب واضح، ولعلّه ذكر ذلك من غير أنْ يراجع جامع الترمذي، فلو كان راجع النسخة الصحيحة منه لما نسب إلى الترمذي ذلك، بل النسخة المحرّفة من الترمذي كذلك، لأنّ الذي فعله المحرّفون هو إسقاط حديث « أنا مدينة العلم » وإبقاء حديث « أنا دار الحكمة » مع إضافة كلمة « منكر » إليه، ولم نجد نسخة صحيحة ولا محرّفة ذكر فيها حديث « أنا مدينة العلم » مع لفظة « منكر »، ومن ادّعى فعليه البيان.

وأما نسبة القول بأنّه منكر إلى البخاري فباطلة كذلك، ففي ( اللآلي

١١٥

المنثورة ) و ( المقاصد الحسنة ) أنّ البخاري قاله بالنسبة إلى حديث « أنا دار الحكمة ». فذكر هذا بالنّسبة إلى حديث « أنا مدينة العلم » باطل.

٢ - دعوى عدم المنافاة بين الحديث وتفضيل أبي بكر باطلة

ثم إنّ حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » يدل من وجوه كثيرة وبدلالةٍ واضحة على إمامة الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولا يشك عاقل في دلالته على أفضليّة الامام وأعلميتّه المطلقة، فإمّا ينكر هذا الحديث ويحكم بوضعه - كما صنع بعض النواصب - وإمّا ترفع اليد عن الاعتقاد بتفضيل أبي بكر على الامامعليه‌السلام . فظهر بطلان قول السمهودي - بعد إثبات الحديث وتحقيقه -: « ولا ينافيه تفضيل أبي بكر مطلقا »، إذ لا مناص من القول بأفضلية الإمامعليه‌السلام مطلقا، بعد القول بثبوت الحديث الشريف.

٣ - دعوى شهادة الامام بتفضيل أبي بكر باطلة

ومثله في البطلان دعواه شهادة الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام بتفضيل أبي بكر، فقد عرفت في جواب السخاوي: أن لا أصل للروايات المتضمّنة لهذا المعنى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فإنها روايات مختلقة مكذوبة، باطلة سنداً ومتناً، ولا سيّما ما أخرجه البخاري وهو العمدة فيها، كما لا يخفى.

٤ - دعوى شهادة غير الامام بذلك باطلة

ومن الذي شهد بذلك غير الامامعليه‌السلام حتّى يقول السمهودي: « بشهادة علي وغيره بذلك له »؟ لم نجد أحداً شهد بذلك من الصحابة العدول، ومن ادّعى فعليه البيان، وعلينا إبطاله بأوضح الدليل والبرهان وعلى فرض صدور شيء في حق أبي بكر من أحدهم فلا ريب في عدم صلاحيته لأن يقابل به الوجوه الكثيرة على أفضلية أمير المؤمنين المطلقة.

٥ - دعوى شهادة الامام له بالعلم كاذبة

ومن الدعاوى الكاذبة للسمهودي في هذا الكلام قوله: « وشهد له بالعلم أيضاً، فقد قال علي: أبو بكر أعلمهم وأفضلهم ». فمن الذي روى ذلك؟ وليت

١١٦

السمهودي ذكر له مصدراً ولو من موضوعات أسلافه؟! فالعجب منه كيف يستدلّ بما لا عين له ولا أثر في الموضوعات فضلاً عن الكتب الموصوفة بالصحاح!! مع أنّه لو كان قد أخرج في الصحاح عندهم فضلاً عن الموضوعات لم يكن حجة على الإِمامية، وما كان يجوز الاحتجاج به في مقابلتهم

٦ - دعوى كون الحق مع أبي بكر في موارد الاختلاف كاذبة

ومن الدعاوى الكاذبة قول السمهودي: « وما اختلفوا في شيء إلّا كان الحق معه »، وهي دعوى بلا برهان، بل الأدلّة والبراهين على بطلانها لا تعد ولا تحصى، ولو لم يمكن إلّا واقعة السقيفة وقضية فدك ومسألة الخمس لكفى دليلاً وبرهاناً على كون أبي بكر على الخطأ والباطل، فإنها أمور وقع فيها الاختلاف بين علي وأبي بكر، ولا يصدّق عاقل بكون الحق فيها مع أبي بكر، لثبوت عصمة أمير المؤمنين والصدّيقة الزهراء بالكتاب والسنة، أما أبو بكر فيعرّف نفسه بقوله: « إن لي شيطاناً يعتريني ».

٧ - الإِعتذار بقصر مدّة أبي بكر غير مسموع

وكأنّ السمهودي ملتفت إلى ورود الإِشكال عليه بأنه: لو كان أبو بكر أعلم الأصحاب مطلقاً، فأين أقواله وآراؤه في القضايا المختلفة؟ ولما ذا لم يشتهر بالعلم؟

فالتجأ إلى الاعتذار عن أبي بكر بقوله: « وعدم اشتهار علمه لعدم طول مدّته بعد الاحتياج إليه بموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ». إلّا أنّ هذا الإِعتذار غير مسموع لدى ذوي الألباب والأبصار، لوجوه:

أحدها: إن توقف اشتهار العلم على طول المدة ممنوع، بل إن ملاك اشتهار العلم هو الكمال العلمي للشخص، فكلمـّا كان العلم أكثر كان الاشتهار به أكثر، ألا ترى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على قلة مكثه في أمّته - اشتهر علمه بحيث لم يبلغ اشتهار علوم الأنبياء السابقين عليه معشار اشتهار علمه، مع وجود مثل نوحٍ فيهم الذي اشتهر بطول العمر حتى ضرب به المثل فيه.

فالحق هو أنّ أبا بكر لم يشتهر علمه لانتفاء الموضوع - وهو العلم - لا لوجود

١١٧

المانع وهو قصر مدّته.

والثاني: سلّمنا التوقف المذكور، لكن مدّة أبي بكر منذ إسلامه حتى موته كانت طويلة، فلو كان أعلم الصحابة لظهرت آثار أعلميته في هذه المدة، ولاشتهر علمه، وأما التعلّل بعدم الاحتياج إليه في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعند الاحتياج إليه بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تطل مدته، فليس بنافع، لأن أعلم الصحابة محتاج إليه على كلّ حال، ولذا نرى احتياج الناس إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام - وهو الأعلم في الواقع والحقيقة - على حياة النبي وبعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن هنا نرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدلّ الأمة ويرشدهم نحو الامام بقوله: « أنا مدينة العلم وعلى بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب ». وأيضاً: قد اشتهرت قضايا الامامعليه‌السلام وفتاواه على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء في سفره إلى اليمن أو في المدينة المنوّرة.

أما أبو بكر فلم ينقل عنه ما يدل على علمه فضلاً عن أعلميته في مدّة خلافته مع احتياج الامة إليه بعد النبي، فضلا عن زمان حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم إن ما ذكره السمهودي من أنّ زمان خلافة أبي بكر كان وقت اشتهار علمه، لكن منع من ذلك عدم طول مدتّه. ينافيه ما سيأتي عن البنباني من أن عصر خلافة الثلاثة لم يكن زمان ظهور علومهم، بل إنّ اشتغالهم بأمور الخلافة حال دون إفادة الْأُمة وتعليمهم، وأنّ ذلك هو السبب في رجوعهم إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام . فإنّ بين هذين الزّعمين من التضاد ما لا يخفى على أهل السداد والرشاد.

والثالث: سلّمنا أنّ السّبب في عدم اشتهار علمه عدم طول مدتّه بعد الاحتياج إليه، إلّا أنّ هذا لا يحقّق غرض السمهودي، لأنه إنْ لم يشتهر علمه فلا أقل من عدم اشتهار جهله وضلاله، ولكنّ المتتبّع للأخبار والآثار يعلم جيّداً بكثرة الموارد التي ظهر فيها جهل أبي بكر وعدم علمه بالأحكام الشرعية، وقد

١١٨

تضمّن كتاب ( تشييد المطاعن ) طرفاً من تلك الأخبار، وحينئذٍ لا مساغ لدعوى العلم لأبي بكر فضلاً عن دعوى الأعلمية المطلقة!!

٨ - اعتراف الشيخين بأعلميّة علي ورجوعهما إليه

وبعد، فالعجب من السمهودي، كيف يدّعي الأعلميّة لأبي بكر، وهو نفسه يروي - فيمن يروي - قسماً من أخبار رجوع أبي بكر وعمر إلى أمير المؤمنين واعترافهما بما يفيد أعلميّته منهما؟!

لقد ذكر السمهودي في كتابه ( جواهر العقدين ) في قضيّة حكم عمر برجم المرأة المجنونة، ونقض الامامعليه‌السلام ذلك الحكم: « وفي رواية: فقال عمر: لو لا علي لهلك عمر. وروى بعضهم: إنه اتفق لعلي مع أبي بكر رضي الله عنهما نحو ذلك ».

وقال فيه أيضاً: « وقد أخرج ابن السّمان عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه أنّه سمع عمر يقول لعلي رضي الله عنهما - وقد سأله عن شيء فأجابه ففرّج عنه -: لا أبقاني الله بعدك يا علي »، وهذا دليل واضح على أعلمّيّة الإمامعليه‌السلام . وقد اعترف السمهودي نفسه بكونه من شواهد حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » حيث قال: « قلت: هذا وأشباهه مما جاء في فضيلة علي في هذا الباب شاهد لحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ».

وقال السمهودي في ( جواهر العقدين ): « قال الزّين العراقي في شرح التقريب في ترجمة عليرضي‌الله‌عنه ، قال عمر: أقضانا علي، وكان يتعوّذ من معضلةٍ ليس لها أبو حسن ».

قال: « وهذا التعوّذ رواه الدار قطني وغيره، ولفظه: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن».

قال: « وفي روايةٍ له عن أبي سعيد الخدري قال: قدمنا مع عمر مكة ومعه علي بن أبي طالب، فذكر له علي شيئاً، فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم أبا حسن ».

١١٩

وقال: « أخرج الحافظ الذهبي عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: ذكر لعطاء أكان أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفقه من علي؟ قال: لا والله ما علمته ».

وقال: « وقول عمررضي‌الله‌عنه : علي أقضانا. رواه البخاري في صحيحه، ونحوه عن جماعةٍ من الصحابة ».

وقال: « والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود قال: كنا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة علي. وقال: إنه صحيح ولم يخرجاه ».

وقال: « وأصل ذلك: قصة بعثهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليرضي‌الله‌عنه إلى اليمن قاضياً، فقال: يا رسول الله بعثتني أقضي بينهم وأنا شاب لا أدري ما القضاء؟ فضربصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدري وقال: اللهم اهده وثبّت لسانه.

قال: فو الذي فلق الحبّة وبرئ النسمة ما شككت في قضاء بين اثنين. رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح الإِسناد ».

وقال: « روى أحمد والطبراني برجالٍ وثّقوا: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة رضي الله عنهما: أما ترضين أنْ زوّجتك أقدم أمّتي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً ».

* * *

١٢٠