نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 301

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 301
المشاهدات: 131122
تحميل: 4941


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 301 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131122 / تحميل: 4941
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 12

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والنور ضد الظلام.

( والإِعراب ) وكلّ مبتدأ، آي بمد الهمزة مضاف إليه، أتى فعل ماض، الرسل فاعل، الكرام نعت الرسل، بها متعلق بأتى، فإنما حرف حصر، اتصلت فعل ماض وفاعله ضمير مستتر فيه يعود على آي، من نوره بهم متعلّقان باتّصلت، فإنه شمس، إن واسمها وخبرها فضل مضاف إليه، هم كواكبها مبتدأ وخبر والضمير المضاف إليه الشمس، يظهرن بضم الياء التحتية وكسر الهاء فعل مضارع وفاعل والنون ضمير الكواكب، أنوارها مفعول يظهرن والضمير المضاف إليه للشمس، للناس في الظلم متعلّقان بيظهرن.

( ومعنى البيتين ) أي جميع الآيات التي جاءت بها المرسلون إنما اتّصلت بهم من نور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ خلق نوره سابق عليهم، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنسبة إلى الفضل والشرف كالشمس والمرسلون كالكواكب، ونور الكواكب مستفاد من نور الشمس، فإن الكواكب تظهر أنوار الشمس للناس في الظلام، فإذا أظهرت الشمس لا يبقى للكواكب نور يرى بل تستتر عن العيون ».

وقال الشيخ إبراهيم الباجوري: « قوله: وكلّ آي أتى الرسل إلخ. أي: وكلّ المعجزات التي أتى بها الرسل الكرام لُأممهم فلم تتصل بهم إلّا من معجزاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو من نوره الذي هو أصل الأشياء كلّها، فالسماوات والأرض من نوره، والجنة والنار من نوره، ومعجزات الأنبياء من نوره، وهكذا. فالآي بمعنى المعجزات جمع آية بمعنى المعجزة، والرسل بسكون السين ويقال في غير النظم رسل بضمها جمع رسول، والكرام جمع كريم. وقوله بها متعلق بأتى والضمير راجع للآي، وإنما للحصر، والمراد بنوره معجزاته وسميت نوراً لأنه يهتدى بها، ويصح حمله على النور المحمدي الذي هو أصل المخلوقات كلها، كما حمله عليه بعض الشارحين. ومن للابتداء والباء للالصاق.

لا يقال: كيف تكون المعجزات التي أتى بها الرسل الكرام لُأممهم من نورهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنهم متقدّمون عليه في الوجود؟ لأنا نقول: هو صلّى الله

٢٠١

عليه وسلّم متقدّم على جميع الأنبياء من حيث النور المحمدي.

( قوله فإنه شمس فضل إلخ ) هذا البيت تعليل للبيت قبله والمعنى على التشبيه أي: فإنه كالشمس في الفضل وقوله هم كواكبها أي الرسل كواكب الشمس والمعنى على تشبيه أيضاً أي مثل كواكبها. ووجه التشبيه فيهما: إن الشمس جرم مضيء بذاته والكواكب أجرام غير مضيئة بذاتها لكنها صقيلة تقبل الضوء، فإذا كانت الشمس تحت الأرض فاض نورها من جوانبها فيطلب الصعود، لأن النور يطلب مركز العلو فيصادف أجرام الكواكب الصقيلة المقابلة له، فيرتسم فيها فتضيء في الظلمات وتظهر أنوار الشمس فيها للناس من غير ان ينقص من نور الشمس شيء. فنورهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذاته ونور سائر الأنبياء ممتد من نوره من غير أن ينقص من نوره شيء، فيظهرون ذلك النور في الكفر الشبيه بالظلم فلذلك قال المصنف: يظهرن أنوارها للناس في الظلم. وكما أن الشمس إذا بدت لم يبق اثر للكواكب، فكذلك شريعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما بدت نسخت غيرها من سار الشرائع، كما يشير لذلك قوله في بعض النسخ:

حتى إذا طلعت في الُأفق عمّ هدا

ها العالمين وأحيت سائر الُأمم

وظاهر هذا البيت أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسل للأمم السابقة لكن بواسطة الرسل، فهم نوّاب عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبهذا قال الشيخ السبكي ومن تبعه أخذاً ممن قوله تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) والذي عليه الجمهور: إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسل لهذا الُأمّة دون الُأمم السابقة، فالمسألة خلافية، والحق الأوّل ».

حديث النجوم موضوع

وأمّا استدلاله بحديث « أصحابي كالنجوم » فلا يخفى على ذوي العلم ما فيه، لأنّه حديث موضوع مختلق، كما ذكرنا في جواب الأعور فيما سبق، على أنّه

٢٠٢

- إنْ صحّ - يدلّ على صدق الأصحاب في النقل والرواية كما ذكر المزني، وأين هذا عن كونهم مجالي ومظاهر الكمالات النبويّة؟

هذا كلّه مع الغض عن اتصاف كثير من الأصحاب بمساوئ ومطاعن تتنافى وهذا المقام العظيم والمنزلة الرّفيعة.

وأمّا قوله: « وفي الحقيقة » فكلام بارد، فإنّ حديث مدينة العلم يدلّ على حصر الأفضلية في الامامعليه‌السلام ، فلا ربط لما ذكره بالبحث ولو فرض أن مراده من « الفضيلة » هو « الأفضلية » ففيه: إن محطّ الكلام هو الأفضلية المطلقة، لا الأفضلية من جهةٍ من الجهات فأين « المخلص والمسلك »!!

* * *

٢٠٣

(١٥)

مع ولي الله

في كلامه حول الحديث

وقال شاه ولي الله الدهلوي ما معرّبه: « لقد شاء الله تعالى أن ينتشر دينه في الآفاق بواسطة نبيّه، وذلك ما كان يمكن إلّا بسبب العلماء والقرّاء الذين أخذوا القرآن عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجرى الله على لسانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضائل جماعةٍ من الصّحابة ترغيباً في أخذ العلم والقرآن منهم، فكانت تلك الفضائل بمنزلة الإِجازات المتداولة بين المحدّثين وتلامذتهم، ليعرف الأقوال بالرجال من لا يمكنه معرفة الرجال بالأقوال، وأنّ جميع علماء الصحابة مشتركون في هذه الفضائل كما يظهر من كتب الحديث، ومن هذا الباب: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وأقرؤكم أبي وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ»(١) .

وهذا الكلام مخدوش بوجوه:

أحدها: إن انتشار دين الله تعالى ممكن بواسطة خليفة النبي المنصوص عليه من قبل الله ورسوله، المعصوم والأفضل من جميع الخلائق، بل تحقّق ذلك بواسطته أتمّ وأحسن من تحقّقه بواسطة العلماء وقرّاء القرآن من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والثاني: لو لم ينصب الخليفة المتّصف بالصفات المذكورة لأجل رواية القرآن عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا بدّ من بلوغ الرّواة عنه حدّ التواتر وإن لم يكونوا من العدول، لا أن يكونوا رواةً معدودين وإنّ الأفراد الذين ذكرهم ولي الله رواةً للقرآن عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يبلغون حدّ التواتر كما هو واضح وقد نصّ على اشتراط بلوغ الحدّ المذكور ابن تيميّة الحرّاني - الذي

____________________

(١). قرة العينين: ١١٢.

٢٠٤

طالما اقتدى به ولي الله الدهلوي وأخذ بأقواله في مباحث الإِمامة والردّ على الاماميّة - حيث قال: « ولهذا اتّفق المسلمون على أنّه لا يجوز أن يكون المبلّغ عنه العلم واحداً، بل يجب أن يكون المبلّغون أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب، وخبر الواحد لا يفيد العلم إلّا بقرائن، وتلك قد تكون منتفية أو خفيّة عن أكثر الناس، فلا يحصل لهم العلم بالقرآن والسنّة المتواترة ».

والثالث: لقد دلّت الأدلّة المتكاثرة من الكتاب والسنّة على أنّ علم الكتاب والسنة لا يؤخذ إلّا من أهل بيت النبوة، كقوله تعالى:( كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) وقوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) وقوله:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) وحديث « باب حطّة » و« حديث الثقلين » و حديث « أنا مدينة العلم » وحديث « علي مع القرآن والقرآن مع علي » وما يماثل ذلك

والرابع: تنزيل الفضائل بمنزلة الإِجازات الرّوائية سخيف جدّاً، لأنّ إجازة الحديث تتعلّق بمجرّد رواية الحديث على اللفظ المسموع أو الوجه المجاز، لكنّ الفضائل الثابتة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تدلّ على مقامات جليلة، بل إنّ حديث « أنا مدينة العلم » نص صريح في الأعلمية والأفضلية المستلزمة للخلافة والإِمامة العامّة( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) .

والخامس: إن المبلّغين إنْ بلغوا حدّ التواتر أفاد خبرهم العلم لمن يعرف الرجال بالأقوال ومن يعرف الأقوال بالرجال على السواء، وإن لم يبلغوا ذلك الحدّ لم يفد خبرهم العلم مطلقاً كذلك وإن كانوا أصحاب فضائل ومناقب، إلّا أن يكون أحدهم الامام المعصوم، فإن إخباره بوحده كافٍ.

والسادس: دعوى اشتراك جميع الصحابة في الفضائل باطلة:

أمّا أولاً: فلأنّ إطلاق صفة « علماء الصحابة » على غير المتّبعين لباب المدينة إطلاق في غير محلّه.

وأمّا ثانياً: فلأنه لا دليل على الاشتراك المذكور، ومن ادّعى فعليه البيان.

٢٠٥

وأمّا ثالثاً: فلأن ثبوت بعض الفضائل لبعض الصحابة ليكون ترغيباً للناس في الأخذ منهم، منوط باتّباعهم الثقلين ورجوعهم إلى باب مدينة العلم، ومشروط ببقائهم على حالة الإِطاعة والولاية للثقلين وركوب سفينة النجاة فظهر أنّ من ثبت في حقّه من الفضائل بعض الشيء فذلك بفضل متابعة أهل البيت، فبطلت دعوى المشاركة في الفضائل.

والسابع: إن حديث « أنا مدينة العلم » يدل على شأن جليل خاص بسيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام كما تقدّم بالتفصيل مراراً. وأمّا ما ذكره في حق أُبي ومعاذ فهو بعض الحديث الطويل الموضوع، الذي بحثنا عنه بالتفصيل في جواب كلام العاصمي، فراجع.

ثم لو كان أُبي بن كعب من علماء الدين الذين انتشر بهم دين الله وجرى على لسان نبيّه بعض فضائله ليرغب في الأخذ منه كما زعم ولي الله، فما هذا الذي كان من عمر بن الخطاب في أُبي، وقد رواه شاه ولي الله نفسه في نفس كتابه حيث قال: « وعن سليمان بن حنظلة قال: أتينا أُبي بن كعب لنتحدّث إليه، فلما قام قمنا ونحن نمشي خلفه، فرهقنا عمر فتبعه فضربه عمر بالدرة، قال: فاتّقاه بذراعيه فقال: يا أمير المؤمنين ما تضع؟! قال: أو ما ترى فتنة للمتبوع مذلّة التابع. أخرجه الدارمي »(١) .

كلام آخر لولي الله

ولوليّ الله الدهلوي كلام آخر في حديث مدينة العلم، قال ما تعريبه: « ومثلاً: أنا مدينة العلم وعلي بابها. مقرون بأحاديث كثيرة في حق الشيخين، مثل حديث الإِقتداء، وحديث رؤيا اللبن والقميص، وفي حقّ غيرهما، كفضائل ابن مسعود وعائشة ومعاذ وأُبي بن كعب، وكلّ واحدٍ من هؤلاء مبشر بالعلم، وقد أمر بأخذ العلوم منهم »(٢) .

____________________

(١). قرة العينين: ٨٤.

(٢). قرة العينين: ٢٣٢.

٢٠٦

وهذا الكلام كسابقه مرفوض ومردود من وجوه:

الأول: دعوى أنّ حديث أنا مدينة العلم مقرون بفضائل كثيرة للشيخين باطلة:

أمّا أوّلاً: فلا أحاديث دالّة على فضل الشيخين مطلقاً.

وأمّا ثانياً: فلا أحاديث دالّة على علم الشيخين، وما رواه أهل السنة في حقّهما في هذا الباب غير ثابت.

وأمّا ثالثاً: فلأنّ حديث أنا مدينة العلم متّفق عليه بين الفريقين، وما زعم من فضائل للشيخين انفرد بروايته أهل السنّة، فكيف يقارن المنفرد به المتّفق عليه؟

النظر في حديث الاقتداء

والثاني: إن حديث الإِقتداء الذي ذكره الدهلوي هنا قريناً لحديث مدينة العلم، حديث مقدوح سنداً ودلالةً عند أهل السنّة، بل نصّ بعض المحققين منهم على كونه موضوعاً، وتفصيل البحث حوله في قسم حديث الطير من ( كتابنا ) ونكتفي في هذا المقام بكلام ابن حزم وهذا نصّه:

« وأيضاً، فإنّ الرواية قد صحّت بأنّ امرأة قالت: يا رسول الله، أرأيت إنْ رجعت ولم أجدك - كأنها تريد الموت - قال: فأتْي أبا بكر. وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر.

وأيضاً، فإن الخبر قد جاء من الطرق الثابتة إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعائشة رضي الله عنها في مرضه الذي توفي فيهعليه‌السلام : لقد هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك، فأكتب كتاباً وأعهد عهداً لكيلا يقول قائل: أنا أحق. أو يتمنّى متمنّ، ويأبى الله والمؤمنون إلّا أبابكر و روي أيضاً: ويأبى الله والنبيّون إلّا أبا بكر. فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الُأمة بعده.

٢٠٧

قال أبو محمد: ولو أننا نستجيز التدليس - والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً أو أبلسوا أسفاً - لاحتججنا بما روي: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر قال أبو محمد: ولكنه لم يصح، ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح »(١) .

النظر في حديث اللبن سندا

والثالث: إنّ حديث اللبن الذي ذكره ولي الله أيضاً، مقدوح كذلك سنداً، لأنَّ عمدة أسانيده في البخاري، ومدارها جميعاً على ( ابن عمر ) و ( حمزة بن عبد الله ) و ( ابن شهاب الزهري )، وهؤلاء كلّهم مقدوحون مجروحون ولنذكر أولاً الحديث عن البخاري، فنقول:

أخرج في صحيحه: « باب فضل العلم: حدثنا سعيد بن عفير قال: حدّثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب عن حمزة بن عبد الله بن عمر: أن ابن عمر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: بينا أنا نائم أُتيت بقدح لبن فشربت حتى أني لأرى الريّ يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر ابن الخطاب. قالوا فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: العلم »(٢) .

« حدّثني محمد بن الصلت أبو جعفر الكوفي، حدّثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري أخبرني حمزة عن أبيه: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بينا أنا نائم شربت - يعني اللبن - حتى أنظر إلى الرّي يجري في ظفري، أو في أظفاري. ثم ناولت عمر قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: العلم »(٣) .

« باب اللبن: حدّثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس عن الزهري، أخبرني حمزة بن عبد الله: أن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه

____________________

(١). الفصل في الملل والنحل ٤ / ٨٨.

(٢). صحيح البخاري - كتاب العلم ١ / ١٠٦.

(٣). صحيح البخاري - كتاب الفضائل، مناقب عمر ٥ / ٧٠.

٢٠٨

وسلّم يقول: بينا أنا نائم أُتيت بقدح لبن فشربت منه، حتى أني لأرى الريّ يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي - يعني عمر - قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: العلم ».

« باب إذا جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره. حدّثنا علي بن عبد الله، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب، حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر، أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى أني لأرى الريّ يخرج من أطرافي، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب فقال من حوله: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم »(١) .

« باب إذا أعطى فضله غيره في النوم: حدّثنا يحيى بن بكير، حدّثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر: ان عبد الله بن عمر قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول: بينا أنا نائم أُتيت بقدح لبن فشربت منه حتى إني لأرى الريّ يجري، ثم أعطيت فضله عمر. قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: العلم »(٢) .

« باب القدح في النوم: حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن حمزة بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب. قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: العلم »(٣) .

تحقيق في حال رواته

ثم نقول: أمّا ابن عمر فقد تكفّل ببيان قوادحه ومطاعنه كتاب ( استقصاء

____________________

(١). صحيح البخاري - كتاب تعبير الرؤيا ٩ / ٦٥٦.

(٢). صحيح البخاري - كتاب تعبير الرؤيا ٩ / ٦٦٣.

(٣). صحيح البخاري - كتاب تعبير الرؤيا ٩ / ٦٦٥.

٢٠٩

الإفحام في ردّ منتهى الكلام ) بالتفصيل، فراجعه.

وأمّا حمزة بن عبد الله بن عمر فيكفي في قدحه بيعته ليزيد بن معاوية، وقد جمع ابن عمر حشمه وولده ونهاهم عن نقض بيعة يزيد، أخرج البخاري في كتاب الفتن: « باب إذا قال عند قومٍ شيئاً ثم خرج فقال بخلافه: حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال: لمـّا خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إني سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله، ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلّا كانت الفيصل بيني وبينه »(١) .

وأمّاابن شهاب الزهري فقد ذكر القوم له قوادح كثيرة جداً، ذكر جملة منها في ( تشييد المطاعن )، وإليك بعضها:

١ - كونه من المنحرفين عن أمير المؤمنينعليه‌السلام - قال ابن أبي الحديد: « وكان الزهري من المنحرفين عنه. وروى جرير بن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال: شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليّاً، فنالا منه، فبلغ ذلك علي بن الحسين -عليهما‌السلام - فجاء حتى وقف عليهما فقال: أما أنت يا عروة فإن أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي علي أبيك. وأما أنت يا زهري فلو كنت بمكة لأريتك كير أبيك »(٢) .

ومن انحرافه ما ذكره ابن عبد البر بترجمة زيد بن حارثة إنّه « قال: ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة. قال عبد الرزاق: وما أعلم أحداً ذكره غير الزهري »(٣) .

____________________

(١). صحيح البخاري ٩ / ٦٩٠.

(٢). شرح نهج البلاغة ٩ / ٦٩٠.

(٣). الاستيعاب ٢ / ٥٤٦.

٢١٠

٢ - روايته عن عمر بن سعد قاتل الحسينعليه‌السلام - ذكر ذلك علماء الرجال بترجمة عمر بن سعد قال الذهبي: « عنه الزهري وقتادة. قال ابن معين: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟»(١) .

٣ - مجالسته لبني أميّة وعمله لهم - وحكم من خالط الظالمين وجالسهم، وعمل لهم وأخذ جوائزهم - واضح. قال الذهبي: « قال سعيد بن عبد العزيز: أدّى هشام عن الزهري سبعة آلاف دينار ديناً، وكان يؤدّب ولده ويجالسه، قلت: وفد في حدود سنة ٨٠ على الخليفة عبد الملك، فأعجب بعلمه ووصله وقضى دينه »(٢) .

وقال ابن حجر بترجمة الأعمش: « حكى الحاكم عن ابن معين أنّه قال: أجود الأسانيد: الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله. فقال له إنسان: الأعمش مثل الزهري. فقال: تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري! الزهري يرى العرض والإِجازة، ويعمل لبني أمية. والأعمش فقير صبور مجانب للسلطان، ورع عالم بالقرآن »(٣) .

وقال عبد الحق الدهلوي: « ويقال: إنه قد ابتلي بصحبة الُأمراء بقلّة الديانة، لضرورات عرضت له، وكان أقرانه من العلماء والزهّاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه، وكان يقول: أنا شريك في خيرهم دون شرّهم، فيقولون: ألا ترى ما هم فيه وتسكت »(٤) .

كتاب أبي حازم إلى الزهري

ومن هنا كتب إلى الزهري أخ له في الدّين كتاباً ينكر عليه ما كان منه من

____________________

(١). الكاشف ٢ / ٣١١. وأنظر تهذيب التهذيب ٧ / ٣٩٦. وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ٢٧٠.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ١٠٨.

(٣). تهذيب التهذيب ٤ / ١٩٧.

(٤). رجال المشكاة - ترجمة الزهري.

٢١١

مخالطة سلاطين الجور قال أبو حامد الغزّالي: « ولما خالط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه: عافانا الله وإيّاك أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك، أصبحت شيخاً كبيراً قد أثقلتك نعم الله لما فهّمك من كتابه وعلّمك من سنّة نبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء. قال الله تعالى:( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ) واعلم أن أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك آنست وحشة الظالم وسهّلت سبيل البغي، بدنوّك ممن لم يؤدِّ حقاً ولم يترك باطلاً حين أدناك، اتّخذوك قطباً تدور عليك رحى ظلمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلائهم، وسلّمـاً يصعدون فيه إلى ضلالتهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خرّبوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ ) الآية. وإنك تعامل من لا يجهل ويحفظ عليك من لا يغفل فداو دينك فقد دخله سقم، وهيّئ زادك فقد حضر سفر بعيد، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء. والسلام »(١) .

وأورده جار الله الزمخشري في تفسير قوله تعالى:( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (٢)

وقال الطيبي بشرح الحديث: « إذا مدح الفاسق غضب الرب تعالى واهتزّ له العرش » ما نصّه: « قوله: اهتز له العرش. اهتزاز العرش عبارة عن وقوع أمر عظيم وداهية دهياء، لأن فيه رضىً بما فيه سخط الله وغضبه، بل يقرب أن يكون كفراً، لأنه يكاد يفضي إلى استحلال ما حرّمه الله تعالى. وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقرّاء والمرائين في زماننا هذا. وإذا كان هذا حكم من مدح

____________________

(١). احياء علوم الدين - كتاب الحلال والحرام ٢ / ١٤٣.

(٢). تفسير الكشاف ٢ / ٤٣٣.

٢١٢

الفاسق فكيف بمن مدح الظالم وركن إليه ركوناً وقد قال تعالى:( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) .

الكشاف: النهي متناول للإِنحطاط في هواهم والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم والرضا بأعمالهم والتشبّه بهم، والتزّيي بزيّهم ومدّ العين إلى زهرتهم وذكرهم بما فيه تعظيم لهم. ولمـّا خالط الزهري السلاطين »(١) .

وقد نقل عبارة الطيبي الملّا علي القاري في شرح الحديث المذكور في ( المرقاة )(٢) .

ويظهر من ( شرح الإِحياء ) أنّ الكتاب أطول ممّا ذكروا، وأنّ كاتبه هو « أبو حازم الأعرج»(٣) ، فلأمر مّا لم يذكروا النصّ الكامل للكتاب، ولم يذكروا اسم كاتبه، وإليك ما أورد الزبيدي بعد شرح النّص المتقدّم القصّة كاملةً عن ( حلية الأولياء ) ننقلها لفوائدها الجمّة: « هذه القصّة أوردها أبو نعيم في الحلية في ترجمة أبي حازم بأطول مما هنا، وها أنا أسوقها بتمامها. قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن مقسم أبو الحسن، وأبو بكر محمد بن أحمد بن هارون الوراق الأجهاني قالا: حدّثنا أحمد بن محمد بن عبد الله صاحب ابن شجرة، حدّثنا هارون بن حميد الذهلي، حدثنا الفضيل بن عتبة عن رجل قد سمّاه وأراه عبد الحميد بن سليمان، عن الذيالي ابن عباد قال: كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: عافانا الله وإيّاك أبا بكر من الفتن ورحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك بها،

____________________

(١). الكاشف للطيّبي - مخطوط.

(٢). المرقاة في شرح المشكاة ٤ / ٦٤٠.

(٣). هذا بناءً على ما جاء في كتب القوم، لكن الصحيح أنّ الكاتب هو الامام علي بن الحسين السجّاد عليه الصلاة والسلام كما في كتاب ( تحف العقول عن آل الرسول ) لكن في المتن الوارد في كتب القوم زيادات على المتن الوارد في الكتاب المذكور. فلأمرٍ مّا كتموا اسم الكاتب أو نسبوه إلى غيره وزادوا فيه!

٢١٣

أصبحت شيخاً كبيراً قد أثقلتك نعم الله عليك بما أصح من بدنك وأطال من عمرك، وعلمت حجج الله تعالى بما حمّلك من كتابه وفقّهك فيه من دينه وفهّمك من سنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرمى بك في كل نعمة أنعمها عليك وكلّ حجة يحتج بها عليك الغرض الأقصى، ابتلى في ذلك شكرك وأبدى فيه فضله عليك، وقد قال:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ) .

أُنظر أيّ رجل تكون إذا وقفت بين يدي الله فيسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها، وعن حججه عليك كيف قضيتها، ولا تحسبن الله تعالى راضياً منك بالتغرير، ولا قابلاً منك التقصير، هيهات ليس كذلك في كتابه إذ قال:( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ ) الآية. إنك تقول: إنك جدل ماهر عالم، قد جادلت الناس فجدلتهم وخاصمتهم فخصمتهم، إدلالاً منك بفهمك واقتداراً منك برأيك، فأين تذهب عن قول الله تعالى:( ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) الآية.

إعلم أن أدنى ما ارتكبت وأعظم ما اقتفيت أنْ آنست الظالم وسهّلت له طريق الغي بدنوّك حين أدنيت وبإجابتك حين دعيت، فما أخلقك أن ينوّه باسمك غداً مع الجرمة، وأن تسئل بإغضائك عمّا أردت عن ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لمن أعطاك، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقّاً ولا يرد باطلاً حين أدناك، وأجبت من أراد للتدليس بدعائه إيّاك حين دعاك، جعلوك قطباً تدور رحى باطلهم وجسراً يعبرون بك إلى بلائهم، وسلمـّاً إلى ضلالتهم، وداعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم لهم إلّا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم. فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خرّبوا عليك، وما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسئول، وانظر كيف إعظامك أمر من جعلك بدينه في الناس مبجّلاً، وكيف صيانتك من جعلك بكسوته ستيراً،

٢١٤

وكيف قربك وبعدك ممن أمرك أن تكون منه قريباً.

مالك لا تنتبه من نومتك وتستقل من عثرتك فتقول: والله ما قمت لله مقاماً واحداً أحيي له فيه ديناً ولا أمتُّ فيه باطلاً، إنما شكرك لمن استحملك كتابه واستودعك علمه، فما يؤمنك أن تكون من الذين قال الله تعالى:( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى ) . إنك لست في دار مقام وإخلاد، اذنت بالرحيل فما بقاء امرئ بعد أقرانه. طوبى لمن كان في الدنيا على وجل، يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده. إنك لن تؤمر بالنظر لوارثك على نفسك، ليس أحد أهلاً أنْ تتركه على ظهرك، ذهبت اللذّة وبقيت التبعة، ما أشقى من سعد بكسبه غيره، إحذر فقد اُتيت وتخلّص فقد ذهبت. إنك تعامل من لا يجهل والذي يحفظ عليك لا يغفل، تجهّز فقد دنا منك سفر بعيد، وداوِ دينك فقد دخله سقم شديد. ولا تحسبنّي أني أردت توبيخك أو تعييرك وتعنيفك، ولكن أردت أن تنعش ما فات من رأيك، وترد عليك ما غرب عنك من حلمك، وذكرت قوله تعالى( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) .

أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك، وبقيت بعدهم كقرن أعضب. فانظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به، أو دخلوا في مثل ما دخلت فيه، وهل تراه ادخر لك خيراً منعوه، أو عملت شيئاً جهلوه، بل جهلت ما ابتليت به من حالك في صدور العامة. وكلفهم بك، أنْ صاروا يقتدون برأيك ويعملون بأمرك، إن أحللت أحلوا وإن حرّمت حرّموا، وليس ذلك عندك ولكنهم أكبّهم عليك رغبتهم فيما في يدك وتغلب عماهم وغلبة الجهل عليك وعليهم وحب الرياسة وطلب الدنيا منك ومنهم. أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة، ابتليتهم بالشغل عن مكاسبهم وفتنتهم بما رأوا من أثر العلم عليك، وتاقت أنفسهم إلى أن يدركوا بالعلم ما أدركت ويبلغوا منه مثل الذي بلغت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك قعره وفي بلاء لا يقدّر قدره، فالله لنا ولك ولهم المستعان.

٢١٥

إعلم أن الجاه جاهان: جاه يجريه الله على يدي أوليائه لأوليائهم فهؤلاء قال الله تعالى:( أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ ) وما أخوفني أن تكون نظيراً لمن عاش مستوراً عليه في دينه مقتوراً عليه في رزقه، معزولة عنه البلايا مصروفة عنه الفتن في عنفوان شبابه وظهور جلده وكمال شهوته، فغنى بذلك، حتى إذا كبرت سنّة ودقّ عظمه وضعفت قوته وانقطعت شهوته ولذّته فتحت عليه الدنيا شر مفتوح، فلزمته تبعتها وعلقته فتنتها وأعشت عينيه زهرتها وصفت لغيره منفعتها. فسبحان الله ما أبين هذا الغبن وأخسر هذا الأمر، فهلاّ إذا عرضت لك فتنها ذكرت أمير المؤمنين عمررضي‌الله‌عنه في كتابه إلى سعد حين خاف عليه مثل الذي وقعت فيه - عند ما فتح الله على سعد - أمّا بعد فأعرض عن زهرة ما أنت فيه حتى تلقى الماضين الذين دفنوا في أرماسهم لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب، لم تفتنهم الدنيا ولم يفتتنوا بها رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا.

فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا في كبر سنّك ورسوخ علمك وحضور أجلك فمن يلوم الحَدَث في شبيبته الجاهل في علمه في رأيه المدخول في عقله. إنّا لله وإنّا إليه راجعون على من المعوّل وعند من المستغاث. ونشكو إلى الله شيئا وما نرى منك. ونحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به. والسلام عليك ورحمة الله تعالى »(١) .

ترجمة أبي حازم الأعرج

ولا يخفى أنّ أبا حازم الأعرج من كبار علماء أهل السنّة، ومن مشاهير رجال الصحاح الستّة، قال ابن حبان: « سلمة بن دينار وكان قاصّ أهل المدينة، من عبّادهم وزهّادهم، بعث إليه سليمان بن عبد الملك بالزهري أن ايتني، فقال

____________________

(١). حلية الأولياء ٣ / ٢٤٦ - ٢٤٩.

٢١٦

له الزهري: أجب الأمير، فقال له: مالي إليه حاجة، فإن كان له حاجة فليأتني »(١) .

وقال ابن الأثير: « من عبّاد أهل المدينة وثقاتهم، والمشهورين من تابعيهم »(٢) .

وقال الذهبي: « أحد الأعلام قال ابن خزيمة: ثقة لم يكن في زمانه مثله. توفي سنة ١٤٠ وقيل ١٣٥ وقيل ١٤٢ »(٣) .

وقال الذهبي: « مناقب أبي حازم كثيرة، وكان فقيهاً ثبتاً كبير القدر »(٤) .

وقال ابن حجر: « ثقة عابد، من الخامسة، مات في خلافة المنصور »(٥) .

حال والد الزهري وجدّه

ولا يخفى أنّ الزهري قد ورث العداء لأهل البيت من أجداده، فقد « كان أبو جدّه عبد الله بن شهاب شهد مع المشركين بدراً، وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقتلنّه أو ليقتلنّ دونه. وروي: أنه قيل للزهري: هل شهد جدك بدراً؟ فقال: نعم ولكن من ذلك الجانب. يعني إنه كان في صف المشركين.

وكان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير »(٦) .

بل ذكر بعض العلماء: أن جدّه هو الذي شجّ وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧) .

____________________

(١). الثقات ٤ / ٣١٦.

(٢). جامع الأصول - مخطوط.

(٣). الكاشف ١ / ١٣٤.

(٤). تذكرة الحفاظ ١ / ١٣٤.

(٥). تقريب التهذيب ١ / ٣١٦.

(٦). وفيات الأعيان ٣ / ٣١٧.

(٧). أنظر ترجمة عبد الله بن شهاب من الاستيعاب وأسد الغابة، وغزوة أحد من كتب السّير: السيرة =

٢١٧

٤ - اشتهاره بالتّدليس - قال الذهبي: « كان يدلِّس في النادر »(١) . وقال أيضاً: « قال قدامة السرخسي قال يحيى بن سعيد: مرسل الزهري شرّ من مرسل غيره »(٢) . وذكره سبط ابن العجمي في ( التبيين لأسماء المدلّسين ) ونصّ على أنّه « مشهور به ».

هذا، وقد أعرض ولي الله الدهلوي نفسه عن حديث الزهري في المتعة في كتاب ( قرة العينين ) وقال بأنّ ما رواه لم يروه الثقات. ومن أراد أن يقف على تفصيل هذا المرام، فليرجع إلى مبحث تحريم المتعة من كتاب ( تشييد المطاعن ).

النظر في حديث اللبن دلالة ً

والرابع: إنّ حديث اللبن مقدوح من حيث المعنى والدّلالة أيضاً، فقد كان حينذاك في الأصحاب من هو أفضل من عمر بن الخطاب، فيقتضي هذا الحديث أنْ يكون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رجّح المفضول على الفاضل، وهو قبيح قطعاً، ولا يجوز نسبة القبيح إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأيضاً: ينافي مذهب أهل السنة في التفضيل، لأنّه يقتضي تفضيل عمر بن الخطاب على أبي بكر

وأيضاً: يصادم الواقع والعيان، فقد علم الكلّ بجهل عمر بأوضح المسائل، فلو كان للحديث حظ من الصحّة، وكان عمر قد حصل على قطرةٍ من بحار علوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ولو في عالم المنام - لما كان بهذه الدرجة من الجهل والغباوة حتى أنهم رووا عنه قوله: « وإني لا أدع بعدي شيئاً أهم إليّ من الكلالة، وما أغلظ لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شيء منذ صاحبته

____________________

= النبويّة لابن هشام، وزاد المعاد لابن القيّم، وسبل الهدى والرشاد، وإنسان العيون لنور الدين الحلبي.

(١). ميزان الاعتدال ٤ / ٤٠.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ١٠٨.

٢١٨

ما أغلظ لي في الكلالة، وما راجعته في شيء ما راجعته في الكلالة، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء »(١) . وعنه أنّه قال في الكلالة: « ما أراني أعلمها أبداً، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال »(٢) .

ومن هنا يعلم عدم اطّلاع واضع الخبر على واقع حال عمر.

ثم أيّ مناسبة لهذا الحديث من حديث أنا مدينة العلم؟ فإنه لو سلّمنا صحته سنداً، وفرضنا ثبوت معناه، فإنّ غاية مدلوله حصول جزءٍ يسير ممّا فضل عن علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر بن الخطاب، وأين من حصل على جزء يسير من العلم عمّن كان باب مدينة العلم!!

إنّ حديث مدينة العلم يدلّ على المساواة بين النبي وعلي عليهما وآلهما السلام في العلم، وقد تحقّق ذلك فيما سبق بنصوص أساطين أهل السنة، وحديث اللبن يدلّ على حصول ما فضل عن علم النبي لعمر، وقد نصّ على ذلك أساطين أهل السنة كذلك، فقد قال الحافظ ابن حجر: « قوله: باب فضل العلم. الفضل هنا بمعنى الزيادة، أي ما فضل عنه »(٣) وقال بشرحه في كتاب المناقب: « والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واختص عمر بذلك لطول مدّته بالنسبة إلى أبي بكر، وباتّفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان، فإن مدّة أبي بكر كانت قصيرة، فلم

____________________

(١). مسند أحمد ١ / ٢٧.

(٢). كنز العمال ١١ / ٧٨: « عن سعيد بن المسيّب: انّ عمر سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف يورث الكلالة؟ قال: أو ليس قد بيّن الله ذلك؟ قرأ( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ ) إلى آخر الآية. وكان عمر لم يفهم. فأنزل الله( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ في الْكَلالَةِ ) إلى آخر الآية. فكان عمر لم يفهم. فقال لحفصة: إذا رأيت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيب نفسٍ اسأليه عنها! فقال: أبوك ذكر لك هذا؟ ما أرى أباك يعلمها أبداً! فكان يقول: ما أراني أعلمها أبداً وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال. ابن راهويه وابن مردويه. وهو صحيح ».

(٣). فتح الباري ١ / ١٤٦.

٢١٩

يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف، ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدّته الناس، بحيث لم يخالفه أحد، ثم ازدادت اتّساعاً في خلافة عثمان، فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء، ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له، فنشأت من ثم الفتن إلى أنْ أفضى الأمر إلى قتله، واستخلف علي فما ازداد الأمر إلّا اختلافاً والفتن إلّا انتشاراً »(١) .

وقال في كتاب التعبير: « وأمّا إعطاؤه فضله عمر ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله، بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لائم »(٢) .

وكذا قال غيره من شراح البخاري كالعيني والقسطلاني فراجع.

ولا تجد أحداً منهم يجرأ على القول بتساوي النبي وعمر في العلم، إستناداً إلى هذا الحديث المصنوع الموضوع

النظر في حديث القميص سندا ً

والخامس: إنّ حديث القميص الذي ذكره ولي الله، في مقابلة حديث مدينة العلم، من أضغاث أحلام أسلاف السنّية، وليس له ذكر في أخبار الشيعة الاماميّة، بخلاف حديث مدينة العلم المتفق عليه بين الفريقين، وهذا كافٍ لبطلان كلام ولي الله.

على أنّه حديث مقدوح سنداً كحديث اللّبن، فإن مدار عمدة أسانيده - وهي أسانيد البخاري - على « ابن شهاب الزهري » الذي عرفت حاله عن قريب، وإن شئت التأكّد ممّا ذكرناه فانظر إلى سنده في ( صحيح البخاري ):

« حدثنا محمد بن عبيد الله قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليَّ وعليهم قمص، منها

____________________

(١). المصدر نفسه ٧ / ٣٥.

(٢). المصدر نفسه ١٢ / ٣٣٢.

٢٢٠