نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 301

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 301
المشاهدات: 131377
تحميل: 4947


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 301 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131377 / تحميل: 4947
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 12

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك، وعرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه. قالوا: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين »(١) .

« حدثنا يحيى بن بكير، حدّثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا عليّ وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك. وعرض عليّ عمر وعليه قميص اجتره. قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: الدين »(٢) .

« باب القميص في المنام. حدّثنا علي بن عبد الله، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثني أبي عن صالح عن ابن شهاب، حدّثني أبو أمامة بن سهل أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليَّ وعليهم قميص، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك. ومر عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره. قالوا: ما أوّلت يا رسول الله؟ قال: الدين ».

« باب جرّ القميص في المنام. حدّثنا سعيد بن عفير، حدّثني الليث، حدّثني عقيل عن ابن شهاب، أخبرني أبو أمامة بن سهل، عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . يقول: بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا عليَّ وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك. وعرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجترّه. قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: الدين »(٣) .

هذا من جهة. ومن جهةٍ أخرى ترى الزهري ينسب الحديث تارةً إلى أبي سعيد الخدري، كما في روايات البخاري المذكورة، وأُخرى يبهم فينسبه إلى بعض

____________________

(١). صحيح البخاري - كتاب الايمان ١ / ٧٤.

(٢). صحيح البخاري - كتاب المناقب ٥ / ٧٣.

(٣). صحيح البخاري - كتاب التعبير ٩ / ٦٥٧.

٢٢١

أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في رواية الترمذي، قال: « حدّثنا الحسين بن محمد الجريري البلخي، حدّثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي اُمامة بن سهل بن حنيف، عن بعض أصحاب النبي: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك، فعرض عليّ عمر وعليه قميص يجرّه، قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: الدّين »(١) .

ولمـّا كان الزهري مشهوراً بالتصرّف في الأسانيد، كما سبق التنبيه عليه عن قريب في قوادحه، ويلاحظه كل من راجع ترجمته في كتب الرجال، فإنّ اضطرابه في خصوص هذا الحديث يوجب وهنه وهوانه عند أهل الإِنصاف والإِمعان.

النّظر في حديث القميص دلالة

ثم إنّ هذا الحديث يشتمل على أنّ عمر كان عليه قميص يجرّه، لكنّ تطويل القميص وجرّه ممّا ثبت الوعيد عليه، كما لا يخفى على من نظر في أحاديث كتاب اللباس من ( صحيح البخاري )، وكأنّ واضع هذا الحديث غفل عمّا يستتبع هذا الحديث من نسبة تقرير الفعل غير المشروع في الشريعة إلى صاحبهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن هنا قال بعض الشرّاح بأنّ جرّ القميص في اليقظة مذموم وفي المنام محمود، لكنْ لا دليل لهم على ذلك، والاستناد فيه إلى نفس هذا الحديث مصادرة قال ابن حجر والقسطلاني: « وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام ويذمّ في اليقظة شرعاً، أعني جرّ القميص، لما ثبت من الوعيد على تطويله »(٢) .

وممّا يدلّ على بطلانه دلالة هو: إنّه ينافي مذهب أهل السنّة، لأنّه يدلّ على أفضليّة عمر من أبي بكر، فاضطرّ القوم إلى توجيهه وتأويله بنحو من الأنحاء - ولو

____________________

(١). صحيح الترمذي ٤ / ٤٦٧.

(٢). فتح الباري ١٢ / ٣٣٣، إرشاد الساري ١٠ / ١٤١.

٢٢٢

لم يكن في البخاري لأسقطوه رأساً - لكنّ كلماتهم متهافتة وأقوالهم متناقضة، « ولن يصلح العطّار ما أفسده الدهر »:

قال ابن حجر: « وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصدّيق، والجواب عنه: تخصيص أبي بكر من عموم قوله: عرض عليّ الناس. فلعلّ الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر، وإن كون عمر عليه قميص يجرّه لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ، فلعلّه كان كذلك، إلّا أن المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها. والله أعلم »(١) .

« وفيه فضيلة لعمر، وقد تقدّم الجواب عمّا يستشكل من ظاهره، وإيضاح أنه لا يستلزم أن يكون أفضل من أبي بكر، وملخّصه: إن المراد بالأفضل من يكون أكثر ثواباً والأعمال علامات الثواب، فمن كان عمله أكثر فدينه أقوى، ومن كان دينه أقوى فثوابه أكثر، ومن كان ثوابه أكثر فهو أفضل، فيكون عمر أفضل من أبي بكر. وملخّص الجواب: إنه ليس في الحديث تصريح بالمطلوب، فيحتمل أن يكون أبو بكر لم يعرض في أولئك الناس، إمّا لأنه كان قد عرض قبل ذلك، وإما لأنه لا يعرض أصلاً، أو أنّه لما عرض كان عليه قميص أطول من قميص عمر، ويحتمل أن يكون سرّ السكوت عن ذكره الاكتفاء بما علم من أفضليته.

ويحتمل أن يكون وقع ذكره فذهل عنه الراوي. وعلى التنزل بأن الأصل عدم جميع هذه الإِحتمالات فهو معارض بالأحاديث الدالّة على أفضليّة الصدّيق، وقد تواترت تواتراً معنوياً، فهي المعتمدة. وأقوى هذه الإِحتمالات أن لا يكون أبو بكر عرض مع المذكورين. والمراد من الخبر التنبيه على أنّ عمر ممن حصل له الفضل البالغ في الدين، وليس فيه ما يصرّح بانحصار ذلك فيه»(٢) .

وكذا قال غيره من شرّاح البخاري، فراجع العيني والقسطلاني في المواضع المذكورة.

____________________

(١). فتح الباري ٧ / ٤١.

(٢). فتح الباري ١٢ / ٣٣٣.

٢٢٣

وأيضاً: لو صحَّ هذا الحديث لما ظهرت عورة جهل عمر، لأنّهم قالوا في شرحه بأنّ الدين يستر عورة الجهل قال ابن حجر في كتاب التعبير: « وقال ابن العربي: إنما أوّله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدّين، لأنّ الدين يستر عورة الجهل كما يستر الثوب عورة البدن » والحال أنّ عورة جهل عمر بادية لكلّ ناظر في أحواله وسيره، كما هو مفصّل في كتب أصحابنا الأعلام، لا سيّما ( تشييد المطاعن ) ولعلّ واضع الحديث لم يقف على حقيقة حال الخليفة وإلّا لم يضعه، وهكذا يفتضح الخرّاصون بما يعملون، والله خبير بما يفتعلون ويفعلون.

إيقاظ وتنبيه

إنّ احتجاج وليّ الله الدهلوي بخبر رؤيا اللبن وحديث رؤيا القميص على علم عمر بن الخطاب، يدل بوضوح على شدّة فقره وخلوّ يده من حديث لائق بالاحتجاج في هذا الباب، وإلّا لم يتمسّك بمنامين مصنوعين، في مقابلة حديث مدينة العلم المتفق عليه بين الفريقين، لكنّ الإمامية يتمسّكون بحديث المدينة ونظائره من الأحاديث المعتبرة - مضافاً إلى الآيات القرآنية - لإثبات أعلميّة سيدنا أمير المؤمنين من جميع الخلائق بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنّ أعلميته ثابتة عن طريق المنامات أيضاً، فقد ثبت في علم تعبير الرؤيا أن من رأى الامامعليه‌السلام في المنام رزقه الله العلم، وليس هذا إلّا لكونه أعلم الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه لم ينل هذه المرتبة أحد من أصحابه وإليك كلمات بعض علماء السنّة الصريحة فيما ذكرنا:

قال أبو سعد الخركوشي: « وإنْ رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حيّاً أكرم بالعلم ورزق الشجاعة والزهد »(١) .

وقال خليل بن شاهين الظاهري: « ومن رأى علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه فإنه يكون عالي المحلّ ورفيع المكان وطلق اللسان وشجاعاً وقوي القلب

____________________

(١). كتاب التعبير. الباب الرابع.

٢٢٤

مؤثّراً مصدّقاً. وقيل: من رآه وهو طلق الوجه ينال علماً وشجاعة، ومن رآه حيّاً في مكان ينال أهل ذلك المكان العلم والعدل والانصاف، ويرفع عنهم الجور والإعتساف »(١) .

وقال عبد الغني ابن النابلسي: « وإن رآه عالم ينال علماً ونسكاً وجلالاً وقوةً على مناظرته»(٢) .

قال: « وربما دلّت رؤياه على الخلافة والامامة والأسفار الشاقة والغنائم للمؤمنين وعلى إظهار الكرامات، ومن رآه أكرم بالعلم ورزق السخاء والشجاعة والزهد، ومن رآه حيّاً صار محسوداً، وآتاه الله تعالى الحكم ونفاذ الأمر والتقوى واتّباع السّنة ».

دعوى مقارنة ما ورد في فضل ابن مسعود لحديث المدينة

ثم إن ولي الله الدهلوي ادّعى مقارنة ما ورد في فضل عبد الله بن مسعود لحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » وهذه دعوى مردودة، لأنّ ما أشار إليه الدّهلوي ممّا تفرّد به أهل السنّة، ولا يقارن المتفرد به المتّفق عليه، ولأنّ تلك الأحاديث التي رووها في باب علم ابن مسعود لا تقابل حديث المدينة من حيث السّند، فإنّه حديث متواتر كما بيّنا سابقاً، وتلك الأحاديث لم تبلغ حدّ التواتر، كما لا يخفى على من رجع إليها، وغير المتواتر لا يقارن المتواتر.

هذا، على أنّ ابن مسعود من تلامذة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن المعترفين بأعلميّته كما سيأتي إنْ شاء الله فيما بعد بالتفصيل، فكلّ فضيلةٍ تثبت له فهي ببركة تتلمذه على الإمام، فما يروونه في حقّه مؤيّد لمطلوب الامامية لا مخالف

____________________

(١). الاشارات في علم العبارات ٢ / ٢٥ هامش تعطير الأنام.

(٢). تعطير الأنام في تعبير المنام ٢ / ٧٧.

٢٢٥

دعوى مقارنة ما ورد في فضل عائشة لحديث المدينة

وأمّا دعواه مقارنة ما ورد في فضل عائشة لحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » فأضعف من سابقتها، إذ لم يثبت في فضل عائشة حديث واحد من طرق أهل السنّة، ومن ادّعى فعليه البيان وعلينا دمغ رأسه بأبين الدّليل والبرهان ومع التسليم فهو ممّا تفرّد به أهل السنّة، وهو لا يقارن ما اتفق عليه الطرفان.

ثمّ إنّ عائشة تعترف بأعلميّة الامامعليه‌السلام - كما سيأتي - فكيف يدّعى معارضة ما وضع في شأنها مع حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها؟!

وأيضاً، جهلها بأقوال النبي وحالاته، واستدراكاتها الباطلة على أصحابه من القضايا المشهورة، وقد ألّفت في ذلك الكتب الخاصة مثل ( الاصابة لإِيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، للزّركشي ) و ( عين الإِصابة في استدراك عائشة على الصّحابة، للسّيوطي )

دعوى مقارنة ما ورد في فضل معاذ وأُبيّ لحديث المدينة

وكذا الكلام في دعواه معارضة ما ورد في فضل معاذ بن جبل وأُبيّ بن كعب لحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، فلو ورد في حقّهما شيء في هذا الباب، وثبت سنداً، فإنه حديث تفرّد به أهل السنة، وهو من أخبار الآحاد قطعاً، وما كان من هذا القبيل لا يقاوم حديث مدينة العلم المتواتر المتّفق عليه بين الجميع، والدال على العصمة والأعلمية المطلقة بالأدلة والوجوه الكثيرة المتقنة.

وبما ذكرنا ظهر سقوط كلامه الأخير من أن هؤلاء الصحابة الذين ذكرهم هم المبشّرون للعلم، والذين ورد الأمر بأخذ العلومْ عنهم، إذ لم يثبت كونهم مبشّرين للعلم، فضلاً عن الأمر بأخذ العلوم عنهم، ومن ادّعى فعليه الإِثبات.

ولو سلّم كون ابن مسعود وأُبيّ مبشرين له فأين الأمر بالأخذ عنهما؟ ولو سلّم فهو بفضل تتلمذهما على الامامعليه‌السلام ، فلا ينافي ما نحن بصدده من إثبات

٢٢٦

الأعلميّة له.

توقيف فيه تعنيف

ثم إذا كان الأمر كما ذكر الدهلوي، فلما ذا نهى عمر ابن مسعود من نشر علمه وحال دون أخذ الأمّة منه؟! فقد ذكر الدهلوي نفسه: « عن محمد بن سيرين قال قال عمر لابن مسعود: ألم أنبأ - أو أنبئت - أنك تفتي ولست بأمير، ولّ حارّها من تولى قارّها - أخرجه الدارمي »(١) .

ولما ذا فعل به عثمان ما فعل ممّا طفحت به الكتب والأسفار؟!

وأيضاً: لما ذا اشتد عمر على أبيّ بن كعب وأغلظ له وأساء إليه في مواضع كثيرة:

منها: في قوله تعالى:( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا في قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ ) قال الحاكم: « حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد، ثنا محمد بن شعيب بن شابور ثنا عبد الله بن العلاء بن زبر عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس عن أبيّ بن كعب: إنه كان يقرأ:( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا في قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ ) ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ ) . فبلغ ذلك عمر فاشتدّ عليه، فبعث إليه وهو يهنا ناقة له، فدخل عليه فدعا ناساً من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال: من يقرأ منكم سورة الفتح؟ فقرأ زيد على قراءتنا اليوم، فغلظ له عمر فقال له أُبيّ: أتكلم فقال: تكلّم. فقال: لقد علمت أني كنت أدخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقرّئني وأنتم بالباب، فإنْ أحببت أن أُقرئ الناس على ما أقرأني وإلّا لم أقرأ حرفاً ما حييت. قال له: بل أقرئ الناس. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(٢) .

____________________

(١). قرة العينين: ١٨٨.

(٢). المستدرك على الصحيحين ٢ / ٢٢٥.

٢٢٧

و روى المتقي: « عن أبي إدريس الخولاني قال: كان أبيّ يقرأ: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا في قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام، فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ فبلغ ذلك عمر فاشتدّ عليه، فبعث إليه فدخل عليه فدعا ناساً من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال: من يقرأ منكم سورة الفتح؟ فقرأ زيد على قراءتنا اليوم، فغلظ له عمر. فقال أبيّ: أتكلّم؟ قال: تكلّم، فقال: لقد علمت أني كنت أدخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقرئني وأنت بالباب. فإن أحببت أن أقرئ الناس على ما أقرأني وإلّا لم أُقرئ حرفاً ما حييت! قال: بل أقرئ الناس. رن وابن أبي داود في المصاحف، ك. وروى ابن خزيمة بعضه »(١) .

ورواه ولي الله الدهلوي نفسه في المقصد الثاني من ( إزالة الخفاء ) وفي ( قرة العينين ) عن الحاكم.

ومنها: في قوله تعالى:( مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ ) الآية - قال المتقي: « عن أبي مجلز: إن أبي بن كعب قرأ:( مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ ) . فقال عمر: كذبت. قال: أنت أكذب. فقال رجل: تكذّب أمير المؤمنين!! قال: أنا أشدّ تعظيماً لحق أمير المؤمنين منك، ولكن كذّبته في تصديق كتاب الله، ولم أُصدّق أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله. فقال عمر: صدق. عبد بن حميد، وابن جرير، عد »(٢) .

ومنها: في قوله تعالى:( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) روى المتقي: « عن عمر بن عامر الأنصاري: إن عمر بن الخطاب قرأ: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الذين اتّبعوهم بإحسان. فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين. فقال له زيد بن ثابت: والذين اتّبعوهم بإحسان. فقال عمر: الذين اتّبعوهم بإحسان. فقال زيد: أمير المؤمنين أعلم. فقال عمر: ايتوني بأبي

____________________

(١). كنز العمال ٢ / ٥٦٨، ٥٩٤.

(٢). كنز العمال ٢ / ٥٩٦.

٢٢٨

ابن كعب، فسأله عن ذلك. فقال أبيّ: والذين اتّبعوهم بإحسان. فجعل كل واحد منهما يشير إلى أنف صاحبه بإصبعه. فقال أبيّ: والله أقرأنيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنت تتبع الخبط. فقال عمر: نعم اذن. فنعم اذن. نتابع أبيّاً. أبو عبيد في فضائله وابن جرير. وابن المنذر. وابن مردويه »(١) .

كلام آخر لوليّ الله

وفي موضع آخر من ( قرة العينين ) خصَّ وليّ الله الدهلوي « العلم » في حديث: « أنا مدينة العلم وعلي بابها » بعلم الباطن، زاعماً المساواة بين الامام وسائر الصحابة في علم الظاهر ثم ذكر أنّ لهذا الحديث نظائر: خذوا ربع العلم عن هذه الحميراء. اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. رضيت لكم ما رضي ابن أم عبد(٢) .

فنقول: أمّا التخصيص بعلم الباطن فلا دليل عليه، بل الحديث مطلق، وهو يدلّ على أعلمية عليعليه‌السلام مطلقاً، في علم الظاهر وعلم الباطن، ومن جميع الصحابة بل جميع الخلائق - ما عدا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - والأدلة والشواهد على ذلك كتاباً وسنةً واعترافاً من الصحابة وكبار العلماء، وغير ذلك، كثيرة جداً

وأمّا دعوى وجود النظائر له، فيظهر بطلانها ممّا ذكرنا، لأنّ مدلول هذا الحديث مقام عظيم يعدّ من خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام التي لا يشاركه فيها أحد من الأصحاب، وقد نصّ على ذلك أساطين العلماء قال محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني: « وإذا عرفت هذا عرفت أنه قد خصّ الله الوصيعليه‌السلام بهذه الفضيلة العجيبة، ونوّه شأنه، إذ جعله باب أشرف ما في الكون

____________________

(١). كنز العمال ٢ / ٥٩٧.

(٢). قرة العينين: ٢٢٤.

٢٢٩

وهو العلم، وأن منه يستمد ذلك من أراده، ثم إنه باب لأشرف العلوم، وهي العلوم النبوية، ثم لأجمع خلق الله علماً، وهو سيد رسلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّ هذا لشرف يتضاءل عنه كل شرف، ويطأطئ رأسه تعظيماً له كلّ من سلف وخلف »(١) .

النظر في سند حديث خذوا عن الحميراء

وأمّا تعديده حديث: « خذوا ربع العلم عن هذه الحميراء » في نظائر حديث « مدينة العلم» بزعمه فباطل من وجوه:

١ - إن حديث مدينة العلم من أحاديث الفريقين، وما ذكره من متفردات أهل السنة، بل من تقوّلات الدهلوي.

٢ - حديث مدينة العلم متواتر، وما ذكره الدهلوي لا سند له أصلاً.

٣ - حديث مدينة العلم من الأحاديث الصحاح، وما ذكره الدهلوي لا أثر له حتى في الكتب الموضوعة لجمع الموضوعات نعم يُوجد في كلمات المحدّثين ما يقرب منه مع التنصيص على قدحه وجرحه: قال ابن القيّم في جواب السؤال: « هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده » قال: « فصل - ومنها أنْ يكون الحديث باطلاً في نفسه، فيدلّ بطلانه على أنه ليس من كلامهعليه‌السلام : كحديث المجرة التي في السماء من عرق الأفعاء التي تحت العرش. و حديث: إذا غضب الرب أنزل الوحي بالفارسية، وإذا رضي أنزله بالعربية، و حديث: ست خصال تورث النسيان: سؤر الفأر، والقاء القمّل في النار، والبول في الماء الراكد، ومضغ العلك، وأكل التفاّح الحامض. و حديث: الحجامة على القفاء تورث النسيان. و حديث: يا حميراء لا تغتسلي بالماء المشمّس فإنه يورث البرص. وكلّ حديث فيه « يا حميراء » أو ذكر « الحميراء » فهو كذب مختلق، وكذا:

____________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية.

٢٣٠

يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يورث كذا وكذا. و حديث: خذوا شطر دينكم عن الحميراء »(١) .

وقال ابن أمير الحاج بعد ذكر حديث النجوم: « والثاني - أي خذوا شطر دينكم عن الحميراء - معناه إنكم ستأخذون، فلا يعارضان الأوّلين. والحق: إنهما لا يعارضانهما. أما الأول فلما قدّمناه. وأما الثاني فقد قال شيخنا الحافظ: لا أعرف له إسناداً ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلّا في النهاية لابن الأثير، ذكره في مادة - ح م ر. ولم يذكر من خرّجه. ورأيته أيضاً في كتاب الفردوس لكن بغير لفظه، ذكره من حديث أنس بغير إسناد أيضاً، ولفظه: خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء، وبيّض له صاحب مسند الفردوس فلم يخرج له إسناداً. وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير أنه سأل الحافظين المزّي والذهبي عنه فلم يعرفاه. وقال الذهبي: هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها إسناد. بل قال تاج الدين السبكي: وكان شيخنا الحافظ أبو الحجّاج المزي يقول: كلّ حديث فيه لفظ الحميراء لا أصل له إلاّ حديثا واحدا في النسائي، فلا يحتاج إلى هذا التأويل »(٢) .

وقال السخاوي: « حديث: خذوا شطر دينكم عن الحميراء قال شيخنا في تخريج ابن الحاجب من إملائه: لا أعرف له إسناداً وذكر الحافظ عماد الدين »(٣) .

وقال السيوطي: « حديث: خذوا شطر دينكم عن الحميراء - لم أقف عليه. وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب: هو حديث غريب جداً بل هو حديث منكر. سألت عنه شيخنا الحافظ أبا الحجّاج المزّي فلم يعرفه قال: ولم أقف له على سند إلى الآن. وقال شيخنا الذهبي: هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها إسناد. انتهى - لكن في الفردوس من

____________________

(١). أورد هذا القاري في الموضوعات الكبرى: ١٩٠ - ١٩١.

(٢). التقرير والتحبير في شرح التحرير ٣ / ٩٩.

(٣). المقاصد الحسنة: ١٩٨.

٢٣١

حديث أنس: خذوا ثلث دينكم من بيت عائشة. ولم يذكر له إسناداً »(١) .

وهكذا قال ابن الديبع الزبيدي في ( تمييز الطيّب من الخبيث ) والفتني في ( تذكرة الموضوعات ) والقاري في ( الموضوعات ) و ( المرقاة ) والشوكاني في ( الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ) ونظام الدين في ( الصبح الصادق - شرح المنار ) وعبد العلي في ( فواتح الرحموت في شرح مسلّم الثبوت ) وغيرهم من أئمة الحديث والرجال والأصول

النظر في حديث خذوا عن الحميراء دلالة

ثم إنّ الحديث المزعوم يدلّ بالمطابقة على علم عائشة بربع الدين. وأمّا حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » فيدلّ على: إحاطة أمير المؤمنينعليه‌السلام بجميع علوم مدينة العلم، وعلى أعلميّته المطلقة حتى من الأنبياء والمرسلين - ما عدا نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -، وعلى عصمته وأين معنى الحديث المزعوم عن معنى هذا الحديث المتواتر المعلوم؟!.

النظر في حديث الاقتداء سنداً ودلالة ً

وأمّا حديث « إقتدوا باللّذين » فباطل كذلك. أمّا دلالةً فبأكثر الوجوه المذكورة في إبطال الحديث السابق. وأمّا سنداً فقد تقدّم كلام ابن حزم فيه عن قريب، وقد تكلّمنا عليه في قسم ( حديث الثقلين ) وقسم ( حديث الطير ) بالتفصيل.

النظر في حديث « رضيت لكم »

وأمّا حديث: « رضيت لكم ما رضي ابن أم عبد » أي عبد الله بن مسعود.

____________________

(١). الدرر المنتثرة: ٧٩.

٢٣٢

فالجواب عن الاستدلال به هنا نفس الجواب عن الاستدلال بالحديثين السابقين على أنّه لا يدلّ على فضلٍ لابن مسعود، بل إنه كلام قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضية في واقعة، فقد أخرج الحاكم قائلاً: « أخبرنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب بن يوسف العدل، ثنا محمد بن عبد الوهاب العبدي، أنبأ جعفر بن عون أنبأ المسعودي عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد الله بن مسعود: إقرأ. قال: أقرأ وعليك أنزل؟ قال: إني أحبُّ أن أسمعه من غيري. قال: فافتتح سورة النساء حتى بلغ:( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) فاستعبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكفَّ عبد الله. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تكلّم.

فحمد الله في أول كلامه وأثنى على الله، وصلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشهد شهادة الحق وقال: رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً. ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رضيت لكم ما رضي لكم ابن أُم عبد.

هذا حديث صحيح الإِسناد، ولم يخرجاه »(١) .

هذا، وقد بحثنا عن هذا الحديث في قسم ( حديث الثقلين ) أيضاً فراجع.

وعلى الجملة، فإنّ شيئاً ممّا ذكره ولي الله الدهلوي لا يقابل حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها ». لا سنداً ولا دلالةً، وإنّ كلّ ما ذكره تعصب مقيت ومكابرة واضحة

____________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣١٩.

٢٣٣

(١٦)

مع الأورنق آبادي

في كلامه حول الحديث

وقال قمر الدين الأورنق آبادي في كتابه ( نور الكريمتين ): « وحديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وسدّوا كلّ خوخة إلّا خوخة أبي بكر، وسدّوا كلّ خوخة إلّا باب علي. إشارة إلى كلّية هذا البيت، وإلى أبوابه، لكن إضافة الباب إلى علي كرم الله وجهه يمكن أنْ تكون إضافة بيانيّة، لأن علياً نفسه باب، كما كان عمررضي‌الله‌عنه نفسه باباً في حديث حذيفةرضي‌الله‌عنه . وفي حديث: أنا مدينة العلم إشارة إلى أنّ ما كان في بيت النبوة من متاع فهو العلم، أمّا النقود والأعيان الأخرى فمعدومة هناك، وهذا العدم والفقدان للنقود والأعيان هو حقيقة الفقر والإفلاس، ولهذا قال: إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، إنما أورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر ».

وهذا الكلام باطل وسخيف من وجوه:

أحدها: كون حديث مدينة العلم إشارةً إلى كلّية البيت، فإنّ ذلك إنْ تمّ على مذاقه لزم أنْ يكون النبي عليه وآله السلام بيتاً كلياً للنبوة، وأن لا يكون من أهل بيت النبوة، لكنَّ هذا اللازم - مع كونه منافياً لمطلوبه - لا يلتزم به أحد من أهل الاسلام، لأنّ كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهل بيت النبوة من الأمور المسلّمة الضروريّة، ولو تمثّلت النبوة في بيت كان هو وأهله ذاك البيت بلا ريب.

الثاني: كون الحديث إشارةً إلى أبواب البيت وقد عرفت أنّ الحديث ليس إيماءً وإشارةً بل تصريح صريح بأنّ الامام علياًعليه‌السلام هو الباب الوحيد لمدينة العلم، وليس للمدينة أبواب متعدّدة، أللهم إلّا الأئمة الأطهار المتحقّقة فيهم الوحدة في عين التعدد والكثرة.

٢٣٤

النظر في حديث الخوخة

الثالث: حديث الخوخة الذي ذكره حديث موضوع، وضعه واضعه ليقابل به حديث سدّ الأبواب الوارد في حق أبي الأئمة الأطياب ولمزيد الوضوح والبيان نورده أولاً عن ( صحيح البخاري ) ثم نتكلّم على سنده:

قال البخاري: « حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي، قال حدّثنا وهب بن جرير، قال حدّثنا أبي قال سمعت يعلى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة، فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحدٌ اَمَنَّ عليّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متّخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلّة الاسلام أفضل، سدّوا عنّي كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر »(١) .

« حدّثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدّثني مالك عن أبي النضر مولى عمر ابن عبيد الله عن عبيد يعني ابن حنين، عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جلس على المنبر فقال: إنّ عبداً خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده. فبكى أبو بكر وقال فديناك بآبائنا وأُمهاتنا. فعجبنا له وقال الناس: أنظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عبد خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المخيّر وكان أبو بكر هو أعلمنا به. وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن من أَمَنِّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متّخذاً خليلاً من أُمتي لاتّخذت أبا بكر إلّا خلّة الاسلام، لا يبقينّ في المسجد خوخة إلّا خوخة أبي

____________________

(١). صحيح البخاري - باب الخوخة والممر في المسجد ١ / ٢٦٠.

٢٣٥

بكر »(١) .

ترجمة جرير بن حازم

ففي الطريق الأول ( جرير بن حازم ) وقد قدح فيه البخاري فضلاً عن غيره من الأعلام، قال الذهبي: « جرير بن الحازم ثقة إمام، تغيّر قبل موته، فحجبه ابنه وهب، فما حدّث حتى مات. قال ابن معين: هو في قتادة ضعيف. وقال البخاري: ربما يهم »(٢) .

وقال الذهبي: « وقال يحيى القطان: كان جرير يقول في حديث الضبع: عن جابر عن عمر، ثم جعله بعد عن جابر إن رسول الله سئل عن الضبع. فقال: هي من الصيد. وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشاً. تابعه ابن جريج عن عبد الله. وفي الجملة: لجرير عن قتادة أحاديث منكرة. قال عبد الله بن أحمد: سألت يحيى عن جرير بن حازم فقال: ليس به بأس فقلت: إنه يحدث عن قتادة عن أنس بمناكير! فقال: هو عن قتادة ضعيف ».

قال: « وقال البخاري: ربّما يهمّ في الشيء »(٣) .

وقال ابن حجر: « وقال عبد الله بن أحمد: سألت ابن معين عنه فقال: ليس به بأس فقلت: إنه يحدّث عن قتادة عن أنس أحاديث مناكير؟ فقال: ليس بشيء هو عن قتادة ضعيف ».

« وقال ابن عدي: وقد حدّث عنه أيوب السختياني والليث بن سعد، وله أحاديث كثيرة عن مشايخه، وهو مستقيم الحديث صالح فيه إلّا روايته عن قتادة، فإنه يروي عنه أشياء لا يرويها غيره».

____________________

(١). صحيح البخاري - باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة ٥ / ١٣٨.

(٢). المغني في الضعفاء ١ / ١٢٩.

(٣). ميزان الاعتدال ١ / ٣٩٣.

٢٣٦

« وقال مهنا عن أحمد: جرير كثير الغلط. وقال ابن حبان في الثقات: كان يخطئ لأن أكثر ما كان يحدّث من حفظه ».

« وقال الساجي: صدوق حدّث بأحاديث وهم فيها وهي مقلوبة. حدّثني حسين عن الأثرم قال قال أحمد: جرير بن حازم حدّث بالوهم بمصر ولم يكن يحفظ. وحدّثني عبد الله بن خراش ثنا صالح عن علي بن المديني قلت ليحيى بن سعيد: أبو الأشهب أحب إليك أم جرير بن حازم؟ قال: ما أقربهما، ولكن كان جرير أكبرهما، وكان يهم في الشيء، وكان يقول في حديث الضبع عن جابر عن عمر ثم صيّره عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال وحدّثت عن عبد الله ابن أحمد حدثني أبي عن عفان قال: راح أبو جري نصر بن طريف إلى جرير يشفع لإنسان يحدّثه فقال جرير: حدّثنا قتادة عن أنس قال: كانت قبيعة سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فضة. فقال أبو جري: ما حدّثناه قتادة إلّا عن سعيد ابن أبي الحسن. قال أبي: القول قول أبي جري وأخطأ جرير » « وقال الحسن بن علي الحلواني: ثنا عفان ثنا جرير بن حازم سمعت أبا فروة يقول حدّثني جار لي أنه خاصم إلى شريح قال عفان فحدّثني غير واحد عن الأغصف قال: سألت جريراً عن حديث أبي فروة هذا فقال: حدّثنيه الحسن بن عمارة.

وذكره العقيلي من طريق عفان قال: إجتمع جرير بن حازم وحماد بن زيد فجعل جرير يقول سمعت محمداً يقول سمعت شريحاً يقول، فقال له حماد: يا أبا النضر محمد عن شريح.

وقال الميموني عن أحمد: كان حديثه عن قتادة غير حديث الناس، يوقف أشياء ويسند أشياء. ثم أثنى عليه. وقال: صالح صاحب سنّة وفضل.

وقال الأزدي: جرير صدوق خرج عنه بمصر أحاديث مقلوبة ولم يكن بالحافظ، حمل رشدين وغيره عنه مناكير » « ونسبه يحيى الحماني إلى التدليس »(١) .

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٢ / ٦٠.

٢٣٧

ترجمة عكرمة

وفيه ( عكرمة الخارجي )، وقوادح هذا الرجل لا تعدّ ولا تحصى: قال ابن سعد بترجمته في كتاب ( الطبقات ): « أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال: نبّئت عن سعيد بن جبير أنه قال: لو كفّ عنهم عكرمة من حديثه لشدّت إليه المطايا ».

« أخبرنا سليمان بن حرب، قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب، قال قال عكرمة: أرأيت هؤلاء الذين يكذّبوني من خلفي أفلا يكذّبوني في وجهي، فإذا كذّبوني في وجهي فقد والله كذّبوني. أخبرنا سليمان بن حرب، قال ثنا حماد بن زيد قال قال رجل لأيوب يا أبا بكر عكرمة كان يتّهم؟ قال: فسكت ثم قال: أما أنا فإني لم أكن أتّهمه ».

« أخبرنا عفّان بن مسلم، قال ثنا حماد بن زيد، قال ثنا أيوب عن إبراهيم ابن ميسرة عن طاوس قال: لو أنّ مولى ابن عباس هذا اتّقى الله وكفّ من حديثه لشدّت إليه المطايا ».

« أخبرنا شبابة بن سوار، قال أخبرني أبو الطيّب موسى بن يسار، قال رأيت عكرمة جائياً من سمرقند وهو على حمار، تحته جوالقان أو خرجان فيهما حرير، أجازه بذلك عامل سمرقند، ومعه غلام. قال وسمعت عكرمة بسمرقند - وقيل له: ما جاء بك إلى هذه البلاد؟ - قال: الحاجة ».

« أخبرنا شبابة بن سوار قال أنا شعبة عن عمران بن حدير قال: رأيت عكرمة وعمامته متخرقة فقلت: ألا أعطيك عمامتي؟ فقال: إنا لا نقبل إلّا من الُأمراء.

أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال: أنا عمران بن حدير قال: إنطلقت أنا ورجل إلى عكرمة فرأينا عليه عمامة مشقّقة فقال له صاحبي: ما هذه العمامة؟ إن عندنا عمائم. فقال عكرمة: إنا لا نأخذ من الناس شيئاً إنما نأخذ من

٢٣٨

الُأمراء. قلت: بل الانسان على نفسه بصيرة. فسكت قلت: إن الحسن قال: يا ابن آدم عملك أحق بك. قال: صدق الحسن ».

« أخبرنا عبيد الله بن موسى قال أنا حسن بن صالح عن سماك قال: رأيت في يد عكرمة خاتماً من ذهب ».

« أخبرنا محمد بن عمر قال حدثتني ابنة عكرمة ان عكرمة توفي سنة خمس ومائة وهو ابن ثمانين سنة. أخبرنا محمد بن عمر قال حدّثني خالد بن القاسم البياضي قال: مات عكرمة وكثير عزّة الشاعر في يوم واحد سنة خمس ومائة، فرأيتهما جميعاً صلّي عليهما في موضع واحد بعد الظهر في موضع الجنائز فقال الناس: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس. قال وقال غير خالد بن القاسم: وعجب الناس من اجتماعهما في الموت واختلاف رأيهما، عكرمة يظن أنه يرى رأى الخوارج يكفّر بالنظرة، وكثير شيعي يؤمن بالرجعة.

وقد روى عكرمة عن ابن عباس وأبي هريرة والحسين بن علي وعائشة وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: مات عكرمة سنة سبع ومائة. وقال غير الفضل بن دكين: سنة ست ومائة. أخبرنا مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري قال: كان عكرمة يرى رأي الخوارج فطلبه بعض ولاة المدينة فتغيّب عند داود بن الحصين حتى مات عنده. قالوا: وكان عكرمة كثير الحديث والعلم بحراً من البحور، وليس يحتج بحديثه، ويتكلّم الناس فيه »(١) .

وقال ابن قتيبة: « عكرمة مولى ابن عباس، كان عبداً لابن عباس ومات وعكرمة عبد، فباعه علي بن عبد الله بن عباس على خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فأتى عكرمة علياً فقال له: ما خير لك بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار. فاستقاله فأقاله وأعتقه، وكان يكنى أبا عبد الله. وروى جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال: دخلت على عليّ بن عبد الله بن

____________________

(١). الطبقات لابن سعد ٥ / ٢٢٨ - ٢٩٣.

٢٣٩

عباس وعكرمة موثّق على باب كنيف، فقلت: أتفعلون هذا بمولاكم؟ قال: إن هذا يكذب على أبي. حدثني ابن الخلّال قال سمعت يزيد بن هارون يقول: قدم عكرمة البصرة فأتاه أيوب وسليمان التيمي ويونس، فبينا هو يحدّثهم سمع صوت غناء فقال عكرمة: أُسكتوا فتسمّع ثم قال: قاتله الله لقد أجاد أو قال: ما أجود ما غنّى. فأما سليمان ويونس فلم يعودا إليه وعاد إليه أيوب. قال يزيد: وقد أحسن أيوب.

حدثني الرياشي عن الأصمعي عن نافع المدني قال: مات كثير الشاعر وعكرمة في يوم واحد قال الرياشي: فحدثني ابن سلام أن الناس ذهبوا في جنازة كثير. وكان عكرمة يرى رأي الخوارج وطلبه بعض الولاة فتغيّب عند داود بن الحصين حتى مات عنده. ومات عكرمة سنة خمس ومائة وقد بلغ ثمانين سنة »(١) .

« وبرد مولاه وقال له: يا برد إيّاك وأن تكذب عليّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس. فقال كلّ حديث حدّثكموه برد ليس معه غيره مما تنكرون فهو كذب »(٢) .

وقال الطبري في ( ذيل المذيّل ): « حدثني الضرار بن محمد بن إسماعيل قال نا إسماعيل قال ثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: كان سعيد بن المسيب يقول لبرد مولاه: يا برد لا تكذب عليّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس، كلّ حديث حدّثكموه برد عنّي مما تنكرون ليس معه فيه غيره فهو كذب. ثنا ابن حميد قال ثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال: دخلت على عليّ بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيّد على باب الحشّ قال قلت له: ما لهذا كذا؟ قال: إنه يكذب على أبي ».

« وقال آخرون ممن لا يرى الاحتجاج بخبر عكرمة: لم ننكر من أمر عكرمة روايته ما روى من الأخبار، وإنما أنكرنا من أمره مذهبه. وقالوا: إنّه كان يرى رأي

____________________

(١). المعارف - ترجمة عكرمة: ٢٥٨.

(٢). المعارف - ترجمة سعيد بن المسيب: ٢٤٨.

٢٤٠