نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 301

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 301
المشاهدات: 131132
تحميل: 4941


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 301 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131132 / تحميل: 4941
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 12

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ثم إنَّ هذا السّند مقدوح أيضاً كالسّندين السابقين، لوقوع ( فليح بن سليمان ) في طريقه قال النسائي في ( الضعفاء ): « فليح بن سليمان، ليس بالقوي، مدني »

وقال الذّهبي: « فليح بن سليمان العدوي مولاهم، المدني قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي. مات سنة ١٦٨ »(١) . وقال في ( المغني ) بترجمته: « وقد قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي »(٢) . وقال في ( المغني ) بترجمة محمد بن طلحة بن مصرف: « قال عبد الله بن أحمد: سمعت ابن معين يقول: ثلاثة يتّقى حديثهم: محمد بن طلحة بن مصرف، وأيوب بن عتبة، وفليح بن سليمان. قلت لابن معين: عمّن سمعت هذا؟ قال: سمعته من أبي كامل مظفر بن مدرك »(٣) .

وقال الذهبي في ( الميزان ) بترجمة فليح: « فليح بن سليمان المدني أحد العلماء الكبار عن نافع والزهري وعدّة. إحتجّا به في الصحيحين.

وقد قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي وقال أبو حاتم: سمعت معاوية بن صالح سمعت يحيى بن معين يقول: فليح بن سليمان ليس بثقة ولا ابنه ثم قال أبو حاتم: كان ابن معين يحمل على محمد بن فليح. وروى عثمان بن سعيد عن يحيى: ضعيف ما أقربه من أبي اُويس. وروى عباس عن يحيى: لا يحتجُّ به. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت ابن معين يقول: ثلاثة يتّقى حديثهم: محمد ابن طلحة بن مصرف، وأيوب بن عتبة، وفليح بن سليمان. قلت له: ممن سمعت هذا؟ قال: من مظفر بن مدرك وكنت آخذ عنه هذا الشأن. قلت: مظفر هو أبو كامل من حفّاظ بغداد من طبقة عفّان.

____________________

(١). الكاشف ٢ / ٣٨٧.

(٢). المغني في الضعفاء ٢ / ٥١٦.

(٣). المصدر نفسه ٢ / ٥٩٥.

٢٦١

وروى معاوية بن صالح عن يحيى: فليح ضعيف. وقال الساجي: يهمّ وإنْ كان من أهل الصدق. وأصعب ما رمي به ما ذكر عن ابن معين عن أبي كامل قال: كنّا نتّهمه لأنه كان يتناول من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قلت: قد اعتمد أبو عبد الله البخاري فليحاً في غير ما حديث، كحديث: إن في الجنة مائة درجة و حديث: هل فيكم أحد لم يقارف الليلة و حديث: إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض. صحّحه الترمذي. و حديث: يخالف الطريق يوم العيد.

سعيد بن منصور نبأ فليح عن أبي طوالة عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من تعلّم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يستعمله إلّا ليصيب به عرضاً من عرض الدنيا لم يجد عرف الجنة.

وقال أبو داود: لا يحتج بفليح.

وقال الدار قطني: يختلفون فيه ولا بأس به.

قلت: مات سنة ثمان وستين ومائة »(١) .

وقال ابن حجر: « قال عثمان الدارمي عن ابن معين: ما أقربه من أبي أُويس.

وقال الدوري عن ابن معين: ليس بالقوي ولا يحتجُّ بحديثه وهو دون الدراوردي.

وقال أبو حاتم: ليس بقوي.

وقال الآجري: قلت لأبي داود: أبلغك أن يحيى بن سعيد كان يقشعرّ من أحاديث فليح؟ قال: بلغني عن يحيى بن معين قال: كان أبو كامل مظفر بن مدرك يتكلّم في فليح. قال أبو كامل: كانوا يرون أنه يتناول رجال الزهري. قال أبو داود: وهذا خطأ، هو يتناول رجال مالك.

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٦٥.

٢٦٢

وقال الآجري قلت لأبي داود: قال ابن معين: عاصم بن عبيد الله وابن عقيل وفليح لا يحتج بحديثهم. قال: صدق.

وقال النسائي: ضعيف.

وقال مرة: ليس بالقوي وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم.

وقال الدارقطني: يختلفون فيه وليس به بأس.

وقال ابن أبي شيبة: قال علي بن المديني: كان فليح وأخوه عبد الحميد ضعيفين.

وقال البرقي عن ابن معين: ضعيف وهم يكتبون حديثه ويشتهونه.

وقال الساجي: هو من أهل الصدق ويهم. وقال الرملي عن داود: ليس بشيء.

وقال الطبري: ولّاه المنصور على الصدقات لأنه كان أشار عليهم بحسن ابن حسن لما طلب محمد بن عبد الله بن الحسن.

وقال ابن القطان: أصعب ما رمي به ما روي عن يحيى بن معين عن أبي كامل قال: كنّا نتّهمه لأنه كان يتناول أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . كذا ذكر هذا هكذا ابن القطان في كتاب البيان له، وهو من التصحيف الشنيع الذي وقع له. والصّواب ما تقدم. ثم رأيته مثل ما نقل ابن القطان في رجال البخاري للساجي، فالوهم منه »(١) .

وقال ابن حجر: « إحتج به البخاري وأصحاب السنن، وروى له مسلم حديثاً واحداً وهو حديث الإِفك. وضعّفه يحيى بن معين والنسائي وأبو داود، وقال الساجي: هو من أهل الصدق وكان يهم. وقال الدار قطني: يختلف فيه ولا بأس به. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة وغرائب، وهو عندي لا بأس به.

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٨ / ٢٧٢.

٢٦٣

قلت: لم يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما. وإنما خرّج له أحاديث أكثرها في المتابعات وبعضها في الرقائق »(١) .

ومن غرائب الأمور: أن البخاري يذكر هذه الرواية المسندة إلى أبي سعيد الخدري مع هذا التحريف، أعني تبديل لفظة « الخوخة » بلفظة « الباب » في كتاب الصلاة، باب الخوخة والممرّ في المسجد، وهذا نصّ عبارته: « حدّثنا محمد بن سنان قال: حدّثنا فليح قال حدّثنا أبو النضر عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري قال: خطب النبي فقال: إن الله سبحانه خيّر عبداً »(٢) .

وهذا السند أيضاً مقدوح: لاشتماله على ( فليح بن سليمان ) أيضاً، وقد عرفته، ولأنّ ظاهره رواية: ( عبيد بن حنين ) عن ( بسر بن سعيد )، وهذا غلط واضح، ومن هنا انبرى أولياء البخاري لإِصلاحه بطرقٍ مختلفة، وكان الأحرى أنْ يعترفوا بالعجز عن إصلاحه قال ابن حجر في مقدمة ( فتح الباري ) في الكلام على الأحاديث التي اعترض الحفّاظ فيها على البخاري: « الحديث الرابع - قال البخاري باب الخوخة والممرّ في المسجد: حدّثنا محمد بن سنان الحديث. قال الدار قطني: هذا السّياق غير محفوظ، واختلف فيه على فليح فرواه محمد بن سنان هكذا وتابعه المعافى بن سليمان الحراني، ورواه سعيد بن منصور ويونس بن محمد المؤدّب وأبو داود الطيالسي عن فليح عن أبي النضر عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد جميعاً عن أبي سعيد.

قلت: أخرجه مسلم عن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة عن يونس، وابن حبّان في صحيحه من حديث الطيالسي، ورواه أبو عامر العقدي عن فليح عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد، ولم يذكر عبيد بن حنين، أخرجه

____________________

(١). مقدمة فتح الباري: ٤٣٥.

(٢). صحيح البخاري - كتاب الصلاة ١ / ٢٦٠.

٢٦٤

البخاري في مناقب أبي بكر. فهذه ثلاثة أوجه مختلفة. فأما رواية أبي عامر فيمكن ردّها إلى رواية سعيد بن منصور بأن يكون اقتصر فيها على أحد شيخي أبي النضر دون الآخر، وقد رواه مالك عن أبي النضر عنهما جميعاً، حدّث به القعنبي في الموطأ عنه وتابعه جماعة عن مالك خارج الموطأ، وأخرجه البخاري أيضاً عن ابن أبي أويس عن مالك في الهجرة، لكنه اقتصر فيه على عبيد بن حنين حسب. وأما رواية محمد بن سنان فوهم، لأنه صيّر بسر بن سعيد شيخاً لعبيد بن حنين، وإنما هو رفيقه في رواية هذا الحديث. ويمكن أن يكون الواو سقطت قبل قوله عن بسر، وقد صرّح بذلك البخاري فيما رواه أبو علي بن السكن الحافظ في زوائده في الصحيح قال: أنا الفربري قال قال البخاري: هكذا رواه محمد بن سنان عن فليح، وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد. يعني بواو العطف فقد أفصح البخاري بأن شيخه سقطت عليه الواو من هذا السياق، وأن من إسقاطها نشأ هذا الوهم. وإذا رجعنا إلى الإِنصاف لم تكن هذه علة قادحة مع هذا الإِيضاح. والله أعلم »(١) .

وقال بشرح الحديث: « ( قوله عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد ) هكذا في أكثر الروايات، وسقط من رواية الأصيلي عن أبي زيد ذكر بسر بن سعيد فصار عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد، وهو صحيح في نفس الأمر لكن محمد بن سنان

____________________

(١). كيف لا تكون في هذا الخبر علة قادحة، وقد اضطرب فيه فليح اضطراباً عظيماً أدّى إلى روايته بثلاثة أوجه، أوّلها وهم صريح والحمل فيه على ابن سنان كما اختاره البخاري ليس بصحيح، فقد تابعه فيه المعافى بن سليمان الحراني، فبرئ ابن سنان عن العهدة وصار الأمر إلى فليح وهو مطعون في نفسه. ومع ذلك فقد اضطرب في هذا الخبر اضطراباً لا مزيد عليه. وأما مالك فقد اضطرب أيضاً في هذا الخبر وإن كان اضطرابه دون اضطراب فليح. وهو أيضاً مطعون أما البخاري فلا يكاد يتخلص من ورطة إيراده هذا الخبر بسند قد اشتمل على وهم صريح، والعذر عنه بأنه أفصح للفربري خلط شيخه محمد بن سنان لا يجدي شيئاً، لأن الحمل على شيخه غير مسلم، بل الحمل على فليح المطعون كما عرفت، ولو سلّم فسكوت البخاري في الصحيح على هذا الغلط كائناً عمّن كان مع عدم التنبيه عليه مع الشعور به قادح. والله العاصم.

٢٦٥

إنما حدّث به كالذي وقع في بقية الروايات، فقد نقل ابن السكن عن الفربري عن البخاري أنه قال: هكذا حدّث به محمد بن سنان، وهو خطأ وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد. يعني بواو العطف. فعلى هذا يكون أبو النضر سمعه من شيخين حدّثه كل منهما به عن أبي سعيد، وقد رواه مسلم كذلك عن سعيد بن منصور عن فليح عن أبي النضر عن عبيد وبسر جميعاً عن أبي سعيد، وتابعه يونس بن محمد عن فليح، أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عنه. ورواه أبو عامر العقدي من فليح عن أبي النضر عن بسر وحده، أخرجه المصنف في مناقب أبي بكر. فكأن فليحاً كان يجمعهما مرّة ويقتصر مرة على أحدهما. وقد رواه مالك عن أبي النضر عن عبيد وحده عن أبي سعيد، أخرجه المصنف أيضاً في الهجرة، وهذا مما يقوي أن الحديث عند أبي النضر عن شيخين، ولم يبق إلّا أن محمد بن سنان أخطأ في حذف الواو العاطفة، مع احتمال أن يكون الخطأ من فليح حال تحديثه له به. ويؤيد هذا الاحتمال: أن المعافى بن سليمان الحراني رواه عن فليح كرواية محمد بن سنان، وقد نبّه المصنف على أن حذف الواو خطأ، فلم يبق للاعتراض عليه سبيل. قال الدار قطني: رواية من رواه عن أبي النضر عن عبيد عن بسر غير محفوظة »(١) .

وهكذا قال العيني بشرح الحديث من ( عمدة القاري )(٢) .

الرابع: ما ادعاه من كون حديث الخوخة إشارةً إلى كلّية بيت النبوّة - مع غض النظر عن بطلان الحديث المزعوم - سخيف جداً، فأين الاشارة المذكورة؟ وأين خوخة بيت أبي بكر عن بيت النبوة؟

والخامس: اللفظ الذي ذكره لحديث سدّ الأبواب لفظ مهمل، وسياقه مختلّ لم نعلم من أين ينقله ولما ذا وضع هذا اللفظ في موضع الجملة

____________________

(١). فتح البخاري ١ / ٤٤٣.

(٢). عمدة القاري ٤ / ٢٤٢.

٢٦٦

الشريفة: « سدّوا هذه الأبواب إلّا باب علي » الصريحة الواضحة الدلالة، والواردة عن أكابر الأئمة من أحمد، والنسائي، والحاكم، والضياء المقدسي، وغيرهم ...!!

والسادس: كيف تكون إضافة « الباب » إلى « علي » إضافة بيانية؟ مع أنّ شرط الإِضافة البيانية أن يكون المضاف من جنس المضاف إليه، كخاتم فضة وأيضاً: في الاضافة البيانية يجوز إظهار « من » فيقال: خاتم من فضةٍ، وهنا لا يصح: باب من علي.

والسابع: لقد اشتبه الأمر على الأورنقابادي، فتوهّم الإِتّحاد بين حديث مدينة العلم، وحديث سدّوا الأبواب، من جهة وجود لفظ « الباب » في الحديثين، لكن « الباب » في الأوّل معنوي، وفي الثاني ظاهري، كما لا يخفى على أولي الأفهام.

النظر في حديث حذيفة في بابيّة عمر

والثامن: جعله عمر باباً استناداً إلى حديث حذيفة واضح البطلان والإِعتساف، فإنّ هذا الحديث من متفرّدات أهل السنّة، على أنّه ذمّ لعمر وليس مدحاً، إذ هو ظاهر في كونه « باب الفتنة » لا « باب العلم » و قد ذكره الأورنقابادي نفسه في حاشية هذا الموضع من كتابه بقوله: « وهو مخرج في البخاري ومسلم عن سفيان [ شقيق ] عن حذيفة: قال كنّا عند عمر فقال: أيّكم يحفظ حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفتنة؟ فقلت: أنا أحفظ كما قال. قال: هات، إنك لجري، وكيف قال؟ قلت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفّرها الصيام والصّلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال عمر: ليس هذا أريد، إنما أريد التي تموج كموج البحر. قال قلت: مالك ولها يا أمير المؤمنين، إن بينك

٢٦٧

وبينها باباً مغلقاً. قال: فيكسر الباب أو يفتح؟ قال قلت: لا بل يكسر. قال: ذاك أحرى أن لا يغلق أبداً. قال: فقلنا لحذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد ليلة، إني حدّثته حديثاً ليس بالأغاليط. قال: فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب. فقلنا لمسروق: سله. فقال: عمر ».

فأنت ترى حذيفة يقول لعمر في هذا السياق: « إنّك بينك وبينها باباً مغلقاً » وهو ظاهر في كونه « باب الفتنة » غير أنه « مغلق » وقد توهّم الأورنقابادي أنّ كونه مغلقاً مدح لعمر، مع أنّ كون الشخص « باب الفتنة » ذم له وإن كان مغلقاً.

هذا بالنسبة إلى السياق الذي ذكره الأورنقابادي، وأمّا سياقاته الْأُخرى فلا يفيد شيء منها كون عمر باباً ففي ( صحيح مسلم ) كتاب الإِيمان: « حدّثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال ثنا أبو خالد - يعني سليمان بن حيّان - عن سعد بن طارق، عن ربعي عن حذيفة قال: كنّا عند عمر فقال: أيّكم سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلّكم تعنون فتنة الرجل في أهله وماله وجاره. قالوا: أجل. قال: تلك تكفّرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيّكم سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكر التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم. فقلت: أنا. فقال: أنت لله أبوك! قال حذيفة: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عُوداً عُوداً، فأيّ قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأيّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضرّه فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادّا كالكوز مجنحيّاً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلّا ما أُشرب من هواه. قال حذيفة: وحدّثته أن بينك وبينها باباً مغلقاً يوشك أن يكسر قال عمر: أكسراً لا أبالك، فلو أنّه فتح لعلّه كان يعاد. قلت: لا بل يكسر. وحدّثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت حديثاً ليس بالأغاليط. قال أبو خالد فقلت لسعد: يا أبا مالك، ما أسود مربادّا؟ قال: شدة

٢٦٨

البياض في سواد. قال قلت: فما الكوز مجنحيّاً؟ قال: منكوساً »(١) .

وفي هذا السياق: « إن بينك وبينها باباً مغلقاً » فالباب غير عمر ولا تخفى وجوه الفرق الأخرى بين هذا السّياق والسياق الذي ذكره الأورنقابادي.

وكيف كان، فلا دلالة في هذا الحديث على معنىَّ يصلح لأنْ يذكر في مقابلة حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها »

دعوى دلالة حديث المدينة على عدم تملّك بيت النّبوة شيئاً من المال

والتاسع: وزعم الأورنقابادي كون حديث « أنا مدينة العلم » إشارةً وإيماءً إلى أنّ بيت النبوة خالٍ من جميع الأموال إلّا العلم، ثم استشهد لذلك بما رووا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: إن الأنبياء لم يورّثوا

فنقول: أوّلاً: لا ذكر في حديث المدينة لبيت النّبوة ولا سيّما بالمعنى الذي توهّمه وثانياً: الإِشارة المذكورة ممنوعة، أفهل يجوز القول بخلوّ بيت النبوة من متاع الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد ومن متاع الزهد والورع والتقوى والشجاعة والعدالة وحسن الخلق وما سواها من الخصال الحميدة؟ نعم يدلّ الحديث على انحصار أخذ العلم من باب مدينة العلم دلالةً ظاهرةً أظهر من الشّمس وأبين من الأمس، ولكن هذا الانحصار يأتي على مذهب الأورنقابادي بالدمار. وثالثا: لو سلّمنا كون الحديث إشارة إلى انحصار متاع البيت في « العلم » فغاية ذلك هو: أنّ متاع بيت النبوة في بيت النبوة من حيث أنه بيت النبوة هو « العلم » وأنّ الأموال لا يعتنى إليها فيه، لا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو صاحب بيت النبوة - لم يكن يملك شيئاً من الأموال، كما هو مزعوم جمع من المتصوّفين، وإليه يميل كلام الأورنقابادي المهين.

وأمّا حديث: « إنّ الأنبياء » فلا يدلّ على الفقر بالمعنى الذي يتوهّمه

____________________

(١). صحيح مسلم - كتاب الايمان ١ / ٨٩.

٢٦٩

المتصوّفة، بل يدلّ على الزهد والورع والكرم والإِيثار هذا، على أنّ هذا الحديث في ( جامع الترمذي ) مقدوح سنداً، فقد قال: « حدّثنا محمود بن خداش البغدادي: نا محمد بن يزيد الواسطي نا عاصم بن رجاء بن حياة عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال: ما أقدمك يا أخي؟ قال: حديث بلغني أنك تحدّثه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: أما جئت لحاجة؟ قال: لا، قال: فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضىً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، ان الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورّثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظٍّ وافر.

ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة، وليس إسناده عندي بمتصل. هكذا حدّثنا محمود بن خداش هذا الحديث، وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا أصح من حديث محمود بن خداش »(١) .

فإن كلام الترمذي نفسه كاف لسقوط الحديث، ونضيف إلى ذلك أنّ:

كثير بن قيس - راوي الحديث عن أبي الدرداء - ضعّفه الدار قطني وغيره، قال الذهبي: « كثير بن قيس، تابعي، تقدّم في الدال تضعيف الدارقطني له »(٢) . وقال ابن حجر: « كثير بن قيس الشامي، ويقال قيس بن كثير - والأول أكثر - ضعيف، من الثالثة، ووهم ابن قانع فأورده في الصحابة »(٣) . وقال الخزرجي:

____________________

(١). جامع الترمذي ٥ / ٤٦.

(٢). ميزان الاعتدال ٣ / ٤٠٩.

(٣). تقريب التهذيب ٢ / ١٣٢.

٢٧٠

« د ت ق. كثير بن قيس - أو عكسه - عن أبي الدرداء. وعنه: داود بن جميل. والاسناد مضطرب »(١) .

وداود بن جميل راويه عن كثير بن قيس - وقد أسقطه شيخ الترمذي من السند - قال الذهبي: « داود بن جميل - وبعضهم يقول: الوليد بن جميل - عن: كثير بن قيس عن أبي الدرداء بخبر من سلك طريقاً يطلب علماً. وعنه: عاصم ابن رجا بن حياة. حديثه مضطرب، وضعّفه الأزدي. وأما ابن حبّان فذكره في الثقات، وداود لا يعرف كشيخه، وقال الدار قطني في العلل: عاصم ومن فوقه ضعفاء ولا يصح »(٢) . وهذا صريح لا في ضعف داود بن جميل فقط، بل في ضعف عاصم ومن فوقه أيضاً، فالحديث غير صحيح.

وقال الذهبي: « وثّق وأما الأزدي فضعّفه، وفيه جهالة »(٣) . وقال ابن حجر: « ضعيف »(٤) . وقال الخزرجي: « هو مضطرب »(٥) ومن هنا: تعرف السرّ في إسقاط داود بن جميل من سند الترمذي.

وعاصم بن رجاء - عرفت ضعفه عند الدار قطني، قال ابن حجر العسقلاني بعد نقل توثيقه عن بعضهم: « قلت: وتكلّم فيه »(٦) وقال هو: « صدوق يهم »(٧) .

الأئمة الأطهار في العلم سواء

العاشر: زعم الأورنقابادي في آخر كلامه أنّ أهل البيتعليهم‌السلام

____________________

(١). خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ٣٦٣.

(٢). ميزان الاعتدال ٢ / ٤.

(٣). المغني ١ / ٢١٧.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ٢٣١.

(٥). خلاصة التهذيب ١ / ٣٠٠.

(٦). تهذيب التهذيب ٥ / ٣٧.

(٧). تقريب التهذيب ١ / ٣٨٣.

٢٧١

ورثوا العلم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسب إختلاف مراتبهم في باب الإِرث نشأ من قلّة معرفته بأحوال الائمة المعصومينعليهم‌السلام ، ومن نظر في سيرهم وفضائلهم علم أنهم في العلم سواء، وقد اعترف بهذا المعنى علماء أهل السنّة أيضاً:

قال ابن الصبّاغ المالكي في ذكر الامام الحسينعليه‌السلام : « فصل في علمه وشجاعته وشرف نفسه وسيادتهعليه‌السلام قال بعض أهل العلم: علوم أهل البيت لا تتوقف على التكرار والدرس، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان في الأمس، لأنهم المخاطبون في أسرارهم والمحدّثون في النفس، فسماء معارفهم وعلومهم بعيدة عن الإدراك واللمس، ومن أراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس، وهذا مما يجب أن يكون ثابتاً ومقرراً في النفس، فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة، ويقفون على حقائق المعارف في خلوات العبادة وتناجيهم ثواقب أفكارهم في أوقات أذكارهم بما تسنّموا به غارب الشرف والسيادة وحصلوا بصدق توجّههم إلى جناب القدس، فبلغوا به منتهى السؤال والإِرادة فهم كما في نفوس أوليائهم ومحبّيهم وزيادة، فما تزيد معارفهم في زمان الشيخوخة على معارفهم في زمن الولادة، وهذه أُمور تثبت لهم بالقياس والنظر، ومناقب واضحة الحجول بادية الغرر، ومزايا تشرق إشراق الشمس والقمر، وسجايا تزيّن عيون التواريخ وعنوانات الأثر، فما سألهم مستفيد أو ممتحن فوقفوا، ولا أنكر منكر أمراً من الْأُمور إلّا علموا وعرفوا، ولا جرى معهم غيرهم في مضمار شرف إلّا سبقوا وقصر مجاروهم وتخلّفوا، سنّة جرى عليها الذين تقدّموا منهم، وأحسن أتباعهم الذين خلفوا، وكم عانوا في الجدال والجلاد أُموراً فبلغوها بالرأي الأصيل والصبر الجميل، فما استكانوا ولا ضعفوا، فبهذا وأمثاله سموا على الأمثال وشرفوا، تفتر الشقاشق إذا هدرت شقاشقهم وتصغي الأسماع إذا قال قائلهمْ أو نطق ناطقهم، ويكثف الهواء إذا قيست به خلائقهم، ويقف كل ساع عن شأوهم فلا يدرك فائتهم ولا ينال طرائقهم، وسجايا منحهم بها خالقهم، وأخبر بها صادقهم فسرّ

٢٧٢

بها أولياؤهم وأصادقهم وحزن لها مباينهم ومفارقهم »(١) .

وقال العجيلي: « قال بعض أهل العلم: علوم أهل البيت لا تتوقف على التكرار والدرس، ولا يزيد يومهم فيها على ما كان في الأمس، لأنهم المخاطبون في أسرارهم المحدّثون في النفس، فسماء معارفهم وعلومهم بعيدة عن الإِدراك واللمس، ومن أراد سترها كان كمن أراد ستر الشمس، فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة ويقعون على حقائق المعارف في خطوات العبادة، ويناجيهم ثواقب أفكارهم في أوقات أذكارهم، فهم كما في نفوس أوليائهم ومحبّيهم وزيادة، فما تزيد معارفهم في زمان الشيخوخة على معارفهم في زمن الولادة، وهذه أُمور تثبت لهم بالقياس والنظر، ومناقب واضحة الحجول والغرر، ومزايا تشرق إشراق الشمس والقمر، وسجايا تزيّن عيون التواريخ وعنوان الأثر، فما سألهم مستفيد أو ممتحن فتوقفوا، ولا أنكر منكر أمراً من الْأُمور إلّا عرفوا وعلموا، ولا جرى معهم غيرهم في مضمار شرف إلّا سبقوا وقصر مجاريهم وتخلفوا، سنّة جرى عليه الذين تقدّموا منهم وأحسن أتباعهم الذين خلفوا. وكم عانوا في الجدال والجلاد أُموراً فبلغوا بالرأي الأصيل والصبر الجميل، فما استكانوا ولا ضعفوا، سجايا منحهم بها خالقهم، وأخبر بها صادقهم، فرح بها أولياؤهم وأوصياؤهم، وحزن بها مباينهم ومفارقهم »(٢) .

لم يرث العلم إلّا الأئمة الأطهار

ثم إنّ العلم لم يرثه عن « المدينة » إلّا الأئمة الأطهار من « أهل بيت المدينة »، وقد دلّ على هذا المعنى حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » وغيره من الأدلّة، وبه صرَّح وعليه نصّ كبار الأعلام والعرفاء الكرام من أهل السنّة، كالقاضي شهاب

____________________

(١). الفصول المهمة: ١٥٩.

(٢). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٧٣

الدين في كتاب ( هداية السعداء ) والشيخ سعد الدين الحموي كما في كتاب ( ينابيع المودة للقندوزي ) والقاضي ثناء الله باني بتي في خاتمة كتابه ( سيف مسلول )

* * *

٢٧٤

(١٧)

مع القاضي ثناء الله

في كلامه حول الحديث

وحمل القاضي ثناء الله باني بتي حديث: « أنا دار الحكمة » و « حديث أنا مدينة العلم » كليهما على العلوم الباطنة إذ قال: في ذيل الآية:( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ ) ما نصّه: « وقيل: الشاهد هو علي بن أبي طالب. قال البغوي قال عليرضي‌الله‌عنه : ما من رجل من قريش إلّا وقد نزلت فيه آية من القرآن. فقال له رجل: وأنت إيش نزل فيك؟ قال: ويتلوه شاهد منه.

فإن قيل: فما وجه تسمية علي بالشاهد؟ قلت: لعلّ وجه ذلك أنه أوّل من أسلم من الناس، فهو أول من شهد بصدق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والأوجه عندي أن يقال: إن علياًرضي‌الله‌عنه كان قطب كمالات الولاية، وسائر الأولياء حتى الصحابة رضوان الله عليهم أتباع له في مقام الولاية، وأفضلية الخلفاء الثلاثة عليه بوجه آخر. كذا حقّق المجدّدرضي‌الله‌عنه في مكتوب من أواخر مكتوباته.

فكان معنى الآية:( أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ) يعني حجة واضحة وبرهان قاطع وهو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه كان على حجة واضحة من ربّه وبرهان قاطع يفيد العلم بالقطع أنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك معجزاته وأفضلها القرآن وعلومه المستندة إلى الوحي( وَيَتْلُوهُ ) أي يتبعه( شاهِدٌ ) من الله على صدقه، وهو علي ومن شاكله من الأولياء، فإن كرامات الأولياء معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلومهم المستندة إلى الإِلهام والكشف ظلال لعلوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستندة إلى الوحي، فتلك الكرامات والعلوم شاهدة على صدق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الترمذي بسند

٢٧٥

صحيح عن علي. و أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. رواه ابن عدي في الكامل والعقيلي في الضعفاء والطبراني والحاكم عن ابن عباس، وابن عدي والحاكم عن جابر، إشارة إلى علوم الأولياء دون علوم الفقهاء، فإن أخذ علوم الفقهاء لم ينحصر على عليرضي‌الله‌عنه ، بل قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ».

وهذا الكلام وإنْ اشتمل على بعض المطالب الصادقة مخدوش من وجوه:

الحملُ على العلوم الباطنة باطل ٌ

أحدها: إنّه وإنْ كان اعترافه بكون أمير المؤمنينعليه‌السلام « قطب كمالات الولاية، وسائر الأولياء حتى الصّحابة أتباع له في مقام الولاية » دليلاً على أفضلية الامام من الصّحابة من وجهٍ، لكنّ حديث « أنا مدينة العلم » ونظائره يدلّ على أفضليّته وأعلميّته منهم من جميع الجهات والوجوه

وحمله حديث: « أنا دار الحكمة » على أنه « إشارة إلى علوم الأولياء دون علوم الفقهاء » باطل قطعاً، لأن « الحكمة » هو « العلم النافع » ولا ريب في أنّ علوم الفقهاء من العلم النّافع.

أمّا أنّ « الحكمة » هو « العلم النافع » فقد صرّح به عبد العزيز ( الدهلوي ) في جوابٍ سؤالٍ عن ثبوت « العصمة » و« الحكمة » و« الوجاهة » و« القطبيّة » للأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام ونصّ على أنه المراد من حديث « أنا دار الحكمة وعلي بابها » وحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ولمزيد الفائدة نذكر كلمات بعض العلماء حول معنى حديث: « أنا دار الحكمة » ليتّضح لك بطلان الحمل المذكور على لسان علماء أهل السنّة:

العاصمي: « أمّا العلم والحكمة فإنّ الله تعالى قال لآدمعليه‌السلام ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ) ففضّل بالعلم العباد الذين كانوا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، واستحق بذاك منهم السجود له، فكما لا يصير العلم

٢٧٦

جهلاً والعالم جاهلاً فكذلك لم يصر آدم المفضل بالعلم مفضولاً. وكذلك حال من فضّل بالعلم. فأمّا من فضل بالعبادة فربّما يصير مفضولاً لأن العابد ربما يسقط عن درجة العبادة إنْ تركها معرضاً عنها، أو توانى فيها تغافلاً عنها، فيسقط فضله. ولذلك قيل: بالعلم يعلو ولا يعلى، والعالم يزار ولا يزور. ومن ذلك وجوب الوصف لله سبحانه بالعلم والعالم، وفساد الوصف له بالعبادة والعابد ولذلك منَّ على نبيّهعليه‌السلام بقوله( وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) . و كان فضل الله عليك عظيماً فعظم الفضل عليه بالعلم دون سائر ما أكرمه به من الخصال والأخلاق، وما فتح عليه من البلاد والآفاق.

وكذلك المرتضى رضوان الله عليه، فضّل بالعلم والحكمة ففاق بهما جميع الْأُمة ما خلا الخلفاء الماضين رضي الله عنهم أجمعين. ولذلك وصفه الرسولعليه‌السلام بهما حيث قال « يا علي ملئت علماً وحكمة » وذكر في الحديث عن المرتضى رضوان الله عليه: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ذات ليلة في بيت أُم سلمة، فبكّرت إليه بالغداة فإذا عبد الله بن عباس بالباب، فخرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المسجد وأنا عن يمينه وابن عباس عن يساره فقال النبيعليه‌السلام : يا علي ما أول نعم الله عليك؟ قال: أن خلقني فأحسن خلقي. قال: ثم ما ذا؟ قال: أنْ عرّفني نفسه. قال: ثم ما ذا؟ قال قلت:( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) قال: فضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على كتفي وقال: يا علي ملئت علماً وحكمةً. ولذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها. وفي بعض الروايات: أنا دار الحكمة وعلي بابها »(١) .

الكنجي الشافعي: « الباب الحادي والعشرون، فيما خصّ الله تعالى علياًرضي‌الله‌عنه بالحكمة. قال الله تعالى:( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) .

____________________

(١). زين الفتى - مخطوط.

٢٧٧

أخبرنا عبد اللطيف بن محمد ببغداد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أبو الفضل بن أحمد، حدّثنا أحمد بن عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني، حدّثنا الحسن بن سفيان، حدّثنا عبد الحميد بن بحر، حدّثنا شريك عن سلمة بن كهيل عن الصنابحي عن عليرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها.

قلت: هذا حديث حسن عال. وقد فسّرت الحكمة بالسنّة لقوله عزّ وجل:( وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ) . الآية. يدل على صحة هذا التأويل ما قد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوتيت الكتاب ومثله معه أراد بالكتاب القرآن. ومثله معه ما علّمه الله تعالى من الحكمة. وبيّن له من الأمر والنهي والحلال والحرام. فالحكمة هي السنّة، فلهذا قال: أنا دار الحكمة وعلي بابها »(١) .

السيد شهاب الدين أحمد: « الباب الخامس عشر: في أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم دار حكمة ومدينة علم وعلي لهما باب، وأنه أعلم بالله تعالى وأحكامه وآياته وكلامه بلا ارتياب وعن علي رحمة الله ورضوانه عليه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الحافظ أبو نعيم، والطبري، ورواه في المشكاة وقال: أخرجه الترمذي »(٢) .

المناوي: « أنا دار الحكمة وفي رواية: أنا مدينة الحكمة وعلي بابها. أي علي ابن أبي طالب هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة. وناهيك بهذه المرتبة ما أسناها وهذه المنقبة ما أعلاها. ومن زعم أنّ المراد بقوله: وعلي بابها أنه مرتفع من العلوّ وهو الإِرتفاع، فقد تمحّل لغرضه الفاسد بما لا يجديه ولا يسمنه ولا يغنيه.

أخرج أبو نعيم عن ترجمان القرآن مرفوعاً: ما أنزل الله عزّ وجل( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعلي رأسها وأميرها و أخرج عن ابن مسعود قال: كنت عند

____________________

(١). كفاية الطالب: ١١٨.

(٢). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.

٢٧٨

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسئل عن علي كرّم الله وجهه فقال: قسّمت الحكمة عشرة أجزاء فاُعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً. و عنه أيضاً: أُنزل القرآن على سبعة أحرف ما منها حرف إلّا له ظهر وبطن، وأما عليّ فعنده منه علم الظاهر والباطن و أخرج أيضاً: علي سيد المسلمين وإمام المتقين و أخرج أيضاً: أنا سيّد ولد آدم وعلي سيد العرب و أخرج أيضاً: علي راية الهدى و أخرج أيضاً: يا علي، إنّ الله أمرني أن أُدنيك وأُعلّمك لتعي، وأُنزلت عليّ هذه الآية( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) . وأخرج أيضاً عن ابن عباس: كنّا نتحدّث أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد إلى علي كرّم الله وجهه سبعين عهداً لم يعهد إلى غيره.

والأخبار في هذا الباب لا تكاد تحصى »(١) .

ابن حجر المكي في ( المنح المكيّة ): « ومما يدلّ على أنّ الله سبحانه اختص علياً من العلوم بما تقصر عنه العبارات: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقضاكم علي وهو حديث صحيح لا نزاع فيه، و قوله: أنا دار الحكمة، ورواية: أنا مدينة العلم وعلي بابها ».

العزيزي: « أنا دار الحكمة قال المناوي: وفي رواية مدينة الحكمة. وعلي ابن أبي طالب بابها. فيه التنبيه على فضل علي، واستنباط الأحكام الشرعية منه »(٢) .

نظام الدين السهالوي في ( الصبح الصادق ): « إفاضة: قال الشيخ ابن همام في فتح القدير بعد ما أثبت عتق اُم الولد وانعدام جواز بيعها عن عدّة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وبالأحاديث المرفوعة، استنتج ثبوت الإِجماع على بطلان البيع. ممّا يدل على ثبوت ذلك الإِجماع: ما أسنده عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال: سمعت علياً يقول:

____________________

(١). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٣ / ٤٦.

(٢). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢٤٤.

٢٧٩

إ جتمع رأيي ورأي عمر في اُمهات الأولاد أنْ لا يبعن، ثم رأيت بعد أن يبعن. فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إليّ من رأيك وحدك في الفرقة. فضحك علي رضي الله تعالى عنه.

واعلم أن رجوع علي رضي الله تعالى عنه يقتضي أنه يرى اشتراط إنقراض العصر في تقرّر الإِجماع، والمرجّح خلافه، وليس يعجبني أن لأمير المؤمنين شأناً يبعد اتّباعه أن يميلوا إلى دليل مرجوح ورأي مغسول ومذهب مرذول، فلو كان عدم الإِشتراط أوضح لا كوضوح شمس النهار كيف يميل هو إليه، و قد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي. رواه الصحيحان و قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى وآله وسلّم: أنا دار الحكمة وعلي بابها رواه الترمذي فالإِنقراض هو الحق.

لا يقال: إن الخلفاء الثلاثة أيضاً أبواب العلم، وقد حكم عمر بامتناع البيع. لأن غاية ما في الباب أنهما تعارضا. ثم المذهب أن أمير المؤمنين عمر أفضل، وهو لا يقتضي أن يكون الأفضلية في العلم أيضاً، وقد ثبت أنه باب دار الحكمة فالحكمة حكمه ».

هذا كلّه بالنسبة إلى حديث « أنا دار الحكمة ».

وبالنسبة إلى معنى حديث: « أنا مدينة العلم »:

ابن طلحة الشافعي في معنى « الأنزع البطين »: « ولما اكتنفت العناية الإِلهية، وأحاطت الألطاف الربانية، وأحدقت الرأفة الملكوتيّة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعلت قلبه مشكاةً لأنوار النبوّة والرسالة، وأنزل الله عليه الكتاب والحكمة وعلّمه ما لم يكن يعلم، وعلي يومئذ مشمول ببركات تربيته محصول له ثمرات حنوه عليه، فبشفقته لمع من تلك الأنوار بارقها وطلع من آفاق مشكاتها شارقها، فاستنار قلب علي بتلك الأنوار وزكا بتلك الآثار، وصفا من شوائب الأكدار واستعدّ بقبول ما يفيض عليه من أسرار العلوم وعلوم الأسرار، ويحلّ فيه من مقدار الحكم وحكم الأقدار، فتحلّى بيمن الإِيمان وتزيّن بعوارف

٢٨٠