نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٢

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 301

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 301
المشاهدات: 131198
تحميل: 4941


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 301 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131198 / تحميل: 4941
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 12

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقام إليه سويد بن نوفل الهلالي فقال: يا أمير المؤمنين، أنت حاضر بما ذكرت وعلم به؟ فالتفت إليه بعين الغضب وقال له: ثكلتك الثواكل ونزلت بك النوازل، يا ابن الجبان الخبيث والمكذب الناكث، سيقصر بك الطول ويغلبك الغول.

أنا سرّ الأسرار، أنا شجرة الأنوار، أنا دليل السّماوات أنا أنيس المسبّحات، أنا خليل جبرائيل، أنا صفي ميكائيل، أنا قائد الأملاك، انا سمندل الأفلاك، أنا سرير الصّراح أنا حفيظ الألواح، أنا قطب الديجور، أنا البيت المعمور، أنا مزن السّحائب أنا نور الغياهب أنا فلك اللجج أنا حجة الحجج، أنا مسدّد الخلائق أنا محقّق الحقائق، أنا مأوّل التأويل أنا مفسّر الإِنجيل، أنا خامس الكساء أنا تبيان النساء، أنا ألفة الإِيلاف أنا رجال الأعراف، أنا سرّ إبراهيم أنا ثعبان الكليم، أنا ولي الأولياء أنا وارث الأنبياء، أنا أوريا الزبور أنا حجاب الغفور، أنا صفوة الجليل أنا إيلياء الإِنجيل، أنا شديد القوى أنا حامل اللواء، أنا إمام المحشر أنا ساقي الكوثر، أنا قسيم الجنان أنا مشاطر النيران، أنا يعسوب الدين أنا إمام المتقين، أنا وارث المختار أنا طهر الأطهار، أنا مبيد الكفرة أنا أبو الائمة البررة، أنا قالع الباب أنا مفرّق الأحزاب، أنا الجوهرة الثمينة أنا باب المدينة إلخ »(١) .

وقال شهاب الدين أحمد في ذكر أسماء الامامعليه‌السلام :

« ومنها الفاروق، وقد تقدّم حديثه قبل ذلك. وإنّى قد وجدت بخطّ بعض سادة العلماء والأكابر ما هذه صورته بتحبير المحابر: مما قال أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب كرّم الله تعالى وجهه، على المنبر:

أنا النون والقلم وأنا النور ومصباح الظلم، أنا الطريق الأقوم أنا الفاروق الأعظم، أنا عيبة العلم أنا أوبة الحكم، أنا النبأ العظيم أنا الصراط المستقيم،

____________________

(١). ينابيع المودة: ٤٨٦ - ٤٨٨.

٨١

أنا وارث العلوم أنا هيولى النجوم، أنا عمود الاسلام أنا مكسر الأصنام، أنا ليث الزّحام، أنا أنيس الهوام، أنا الفخار الأفخر أنا الصديق الأكبر، أنا إمام المحشر أنا ساقي الكوثر، أنا صاحب الرايات أنا سريرة الخفيات، أنا جامع الآيات أنا مؤلّف الشتات، أنا مفرّج الكربات، أنا دافع الشقاة أنا حافظ الكلمات، أنا مخاطب الأموات أنا حلّال المشكلات، أنا مزيل الشبهات أنا صنيعة الغزوات، أنا صاحب المعجزات، أنا الزمام الأطول أنا محكم المفصل، أنا حافظ القرآن، أنا تبيان الايمان، أنا قسيم الجنان أنا مشاطر النيران، أنا مكلم الثعبان أنا حاطم الأوثان، أنا حقيقة الأديان أنا عين الأعيان، أنا قرن الأقران، أنا مذل الشجعان أنا فارس الفرسان، أنا سؤال متّى أنا الممدوح بهل أتى أنا شديد القوى، أنا حامل اللواء أنا كاشف الردى أنا بعيد المدى أنا عصمة الورى أنا ذكي الوغى أنا قاتل من بغى، أنا موهوب الشذى أنا إثمد القذى أنا صفوة الصفا أنا كفو الوفا، أنا موضّح القضايا أنا مستودع الوصايا، أنا معدن الانصاف أنا محض العفاف أنا صواب الخلاف أنا رجال الأعراف، أنا سور المعارف أنا معارف العوارف، أنا صاحب الاذن أنا قاتل الجن، أنا يعسوب الدين وصالح المؤمنين وإمام المتقين، أنا أول الصدّيقين أنا الحبل المتين أنا دعامة الدين، أنا صحيفة المؤمن أنا ذخيرة المهيمن، أنا الامام الأمين أنا الدرع الحصين، أنا الضّارب بالسيفين أنا الطاعن بالرمحين أنا صاحب بدر وحنين، أنا شقيق الرسول أنا بعل البتول أنا سيف الله المسلول، أنا أُوام الغليل أنا شفاء العليل، أنا سؤال المسائل أنا نجعة الوسائل، أنا قالع الباب أنا مفرّق الأحزاب، أنا سيد العرب أنا كاشف الكرب، أنا ساقي العطاش أنا النائم على الفراش، أنا الجوهرة الثمينة أنا باب المدينة الخ »(١) .

وفي ( توضيح الدلائل ) أيضاً: « قال سلطان العلماء في عصره، وبرهان العرفاء في دهره: الشيخ القدوة الامام في الأجلة الأعلام، مفتى الأنام عز الدين

____________________

(١). توضيح الدلائل - مخطوط.

٨٢

عبد العزيز بن عبد السلام، عن لسان حال أوّل الأصحاب بلا مقال، وأفضل الأتراب لدى عدّ الخصال، علي ولي الله في الأرض والسماء رضي الله تعالى عنه ونفعنا به في كل حال:

يا قوم نحن أهل البيت عجنت طينتنا بيد العناية في معجن الحماية بعد أنْ رشّ عليها فيض الهداية، ثم خمرت بخميرة النبوّة وسقيت بالوحي ونفخ فيها روح الأمر، فلا أقدامنا تزلُّ ولا أبصارنا تضل ولا أنوارنا تقل. وإذا نحن ضللنا فمن بالقوم يدل الناس؟ من أشجار شتّى وشجرة النبوة واحدة، محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم أصلها وأنا فرعها وفاطمة الزهراء ثمرها والحسن والحسين أغصانها، أصلها نور وفرعها نور وثمرها نور وغصنها نور، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور، يا قوم، لمـّا كانت الفروع تبنى على الْأُصول بنيت فصل فضلي على أطيب اصلي، فورثت علمي عن ابن عمي وكشفت به غمي، تابعت رسولاً أميناً وما رضيت غير الاسلام ديناً، فلو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً ولقد توجّني بتاج: من كنت مولاه فعلي مولاه، ومنطقني بمنطقة: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقلّدني بتقليد: أقضاكم علي. وكساني حلّة: أنا من علي وعلي منّي.

عجبت منك أشغلتني بك عنّي

أدنيتني منك حتى ظننت أنك أنّي

وكما أنه لا نبيّ بعده كذلك لا وصيّ بعدي، فهو خاتم الأنبياء وأنا خاتم الخلفاء إلخ ».

إحتجاج الامام بالحديث يوم الشورى

والسابع من وجوه بطلان هذا التأويل هو: إحتجاج الامامعليه‌السلام بحديث « أنا مدينة العلم وعلى بابها » في يوم الشورى، ضمن الفضائل الْأُخرى التي احتجّ بها على أصحاب الشورى في ذلك اليوم، وإذعان القوم بجميع ما

٨٣

احتجّ وناشدهم به. فلو كان المراد من « علي » في الحديث هو « مرتفع » لا اسم الامامعليه‌السلام لما احتج به ألبتة كما هو واضح، ولو احتجّ لردّ عليه القوم بأن المراد هو « المرتفع ».

وقد روى تلك المناشدة جمال الدين عطاء الله المحدّث الشيرازي في كتابه ( روضة الأحباب ) عن بعض كتب التواريخ.

استدلال ابن عباس بالحديث

والثامن: ما رواه جمال الدين المحدّث الشيرازي المذكور أيضاً من أن ابن عباس احتجّ بحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » في مكالمةٍ له مع عائشة، وأنّ عائشة قابلت استدلاله بالسكوت.

احتجاج عمرو بن العاص به على معاوية

والتاسع: إنه قد ورد حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » في جملةٍ من مناقب الامام، احتجّ بها عمرو بن العاص في كتاب له إلى معاوية، حيث قال فيه: « وأما ما نسبت أبا الحسن أخا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّه إلى الحسد والبغي على عثمان، وسمّيت الصّحابة فسقة وزعمت أنه أشلاهم على قتله، فهذا غواية.

ويحك يا معاوية، أما علمت أن أبا حسن بذل نفسه بين يدي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبات على فراشه، وهو صاحب السبق إلى الإِسلام والهجرة، وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو مني وأنا منه وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي.

وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

وهو الذي قال فيهعليه‌السلام يوم خيبر: لْأُعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحب

٨٤

الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.

وهو الذي قال فيهعليه‌السلام يوم الطير: أللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك، فلمّا دخل إليه قال: وإلي وإلي.

وقد قال فيه يوم النضير: علي إمام البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله.

وقد قال في: علي وليّكم من بعدي.

وأكّد القول عليكم وعليَّ وعلى جميع المسلمين وقال : إني مخلّف فيك الثقلين كتاب الله عزّ وجل وعترتي.

وقد قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

وقد علمت - يا معاوية - ما أنزل الله تعالى من الآيات المتلوّات في فضائله التي لا يشرك فيها أحد كقوله تعالى:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) و( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ) وقال الله تعالى لرسولهعليه‌السلام ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى ) .

وقد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أنْ يكون سلمك سلمي وحربك حربي، وتكون أخي ووليّي في الدنيا والآخرة. يا أبا الحسن من أحبّك فقد أحبنّي ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أحبّك أدخله الله الجنة ومن أبغضك أدخله الله النار.

وكتابك يا معاوية الذي كتبت هذا جوابه، ليس مما ينخدع به من له عقل أو دين والسّلام»(١) .

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر الحديث: « فليأت عليّاً »

العاشر: لقد جاء في بعض ألفاظ الحديث: « أنا مدينة العلم وعلي بابها

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين: ١٢٩.

٨٥

فمن أراد بابها فليأت علياً » قال الزرندي: « فضيلة أخرى اعترف بها الأصحاب وابتهجوا، وسلكوا طريق الوفاق وانتهجوا: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم على بابها فمن أراد بابها فليأت علياً »(١) .

واورده شهاب الدين أحمد عن الزّرندي(٢) .

وأخرج ابن عساكر فقال: « وأخبرناه أبو علي الحسن بن المظفّر، وأبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، وأم أبيها فاطمة بنت علي بن الحسين، قالوا: أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علي بن علي الدجاجي، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر ابن محمد الحربي، أنبأنا الهيثم بن خلف الدوري، أنبأنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، أنبأنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد الباب فليأت عليا »(٣) .

ورواه صدر الدين الحموئي بسنده عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس كذلك(٤) .

وعبارة الزرندي صريحة في اتفاق جميع الأصحاب واعترافهم بهذه الفضيلة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، فالتأويل المذكور مخالف لفهم الصحابة وإجماعهم على هذا المعنى، وقد تقرر عند أهل السنة أنّ المخالف لإِجماع الصحابة مصداق لقوله تعالى:( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) .

____________________

(١). نظم درر السمطين: ١١٣.

(٢). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٣). ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ٢: ٤٦٩.

(٤). فرائد السمطين ١: ٩٨.

٨٦

القرائن في بعض الألفاظ

والحادي عشر: إنّ في بعض ألفاظ حديث المدينة قرائن تبطل هذا التأويل بكلّ وضوح، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري: « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية وهو آخذ بيد علي: هذا أمير البررة، منصور من نصره مخذول من خذله، فمد بها صوته وقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب ».

رواه الخطيب(١) وغيره. وفيه دلالة على إمامة الامام وخلافته من وجوه.

وقال الكنجي الشافعي: « الباب الثامن والخمسون في تخصيص عليعليه‌السلام بقوله: أنا مدينة العلم وعلي بابها، أخبرنا العلامة قاضي القضاة صدر الشام أبو المفضل محمد بن قاضي القضاة شيخ المذاهب أبي المعالي محمد بن علي القرشي، أخبرنا حجة العرب زيد بن الحسن الكندي، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا زين الحفاظ وشيخ أهل الحديث على الإِطلاق أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الله، حدّثنا محمد بن المظفر، حدّثنا أبو جعفر الحسين بن حفص الخثعمي، حدثنا عبّاد بن يعقوب، حدثنا يحيى بن بشير الكندي، عن إسماعيل بن إبراهيم الهمداني، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وعن عاصم بن ضمرة عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله خلقني وعلياً من شجرة أنا أصلها وعلى فرعها والحسن والحسين ثمرها، والشيعة ورقها، فهل يخرج من الطّيب إلّا الطّيب؟. أنا مدينة العلم وعلي بابها من أراد المدينة فليأت الباب. قلت: هكذا روى الخطيب في تاريخه وطرّقه »(٢) .

وقال أبو الحسن علي بن عمر السكري الحربي في ( كتاب الأمالي ): « ثنا

____________________

(١). تاريخ بغداد ٢: ٣٧٧، ٤ / ٢١٩.

(٢). كفاية الطالب: ٢٢٠.

٨٧

إسحاق بن مروان، ثنا أبي، ثنا عامر بن كثير السّراج، عن أبي خالد عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباته، عن علي بن أبي طالب قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وأنت بابها، يا علي كذب من زعم أنّه يدخلها من غير بابها ».

وقال أبو الحسن الجلابي المعروف بابن المغازلي: « أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي رحمه ‌الله تعالى - فيما أذن لي في روايته - أنّ أبا طاهر إبراهيم ابن عمر بن يحيى حدّثهم: نا محمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله بن المطلب، نا أحمد بن محمد بن عيسى سنة ٣١٠، نا محمد بن عبد الله بن عمر بن مسلم اللاحقي الصفار بالبصرة ٢٤٤، نا أبو الحسن علي بن موسى الرضا قال: حدّثني أبي عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلّا من قبل الباب »(١)

شواهد الحديث تكذّب التأويل

والثاني عشر: إنّ لحديث مدينة العلم شواهد ومؤيّدات من الأحاديث الْأُخرى، وهي الْأُخرى تبطل هذا التأويل وتكَذّبه، ومن ذلك:

ما رواه ابن المغازلي باسناده عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أتاني جبرئيل بدرنوك من الجنة، فجلست عليه، فلما صرت بين يدي ربي كلّمني وناجاني، فما علمت شيئاً إلّا علمه علي، فهو باب مدينة علمي. ثم دعاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه فقال له: يا علي سلمك سلمي وحربك حربي، وأنت العلم بيني وبين أمتي من بعدي »(٢) .

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٨٥.

(٢). المناقب لابن المغازلي: ٥٠.

٨٨

وما رواه العاصمي بإسناده: « عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي: إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأعلّمك لتعي، وأنزلت عليّ هذه الآية:( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) فأنت الْأُذن الواعية لعلمي يا علي، وأنا المدينة وأنت الباب، ولا يؤتى المدينة إلّا من بابها »(١) .

وما رواه السيد علي الهمداني عن أبي نعيم بإسناده: « عن أبي ذررضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي باب علمي ومبيّن لْأُمتي ما أرسلت به من بعدي، حبّه إيمان وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفةً ومودّةً عبادة »(٢) .

وما رواه الخوارزمي بإسناده قائلاً: « حدّثنا سيّد الحفاظ أبو منصور شهردار ابن شيرويه بن شهردار الديلمي - فيما كتب إليَّ من همدان - حدّثنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابةً، أخبرنا الشيخ أبو طاهر الحسين ابن علي مسلمةرضي‌الله‌عنه - من مسند زيد بن عليرضي‌الله‌عنه - حدّثنا الفضل ابن العباس، حدثنا أبو عبد الله محمد بن سهل، حدّثنا محمد بن عبد الله البلدي، حدّثني إبراهيم بن عبيد الله بن العلا، حدّثني أبي عن زيد بن عليرضي‌الله‌عنه عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتحت خيبر:

لو لا أنْ يقول فيك طوائف من أُمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمرّ على ملأ من المسلمين إلّا أخذوا من تراب رجليك وفضل طهورك، يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك، ترثني وأرثك.

وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي، وأنت تؤدّي ديني وتقاتل عن سنّتي، وأنت في الآخرة أقرب الناس منّي، وأنك غداً على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين، وأنت أوّل من يرد عليّ الحوض، وأنت أوّل داخل

____________________

(١). زين الفتى بتفسير سورة هل أتى - مخطوط.

(٢). المودة في القربى، ينابيع المودّة: ٣٠٢.

٨٩

الجنة من أُمتي، وأن شيعتك على منابر من نور رواء مرويّين مبيضّة وجوههم حولي، أشفع لهم فيكونون غداً في الجنة جيراني، وان عدوّك ظماء مضمئون مسودّة وجوههم مقمحون حربك حربي وسلمك سلمي وسرّك سرّي وعلانيتك علانيتي، وسريرة صدرك كسريرة صدري، وأنت باب علمي، وأن ولدك ولدي ولحمك لحمي ودمك دمي، وأن الحق معك والحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأن الله عزّ وجلّ أمرني أن أبشرك أنك وعترتك في الجنة، وأن عدوّك في النار، لا يرد الحوض عليّ مبغض لك ولا يغيب عنه محب لك.

قال عليّ: فخررت له سبحانه وتعالى ساجداً، وحمدته على ما أنعم به عليّ من الاسلام والقرآن، وحبّبني إلى خاتم النبيين وسيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

وما رواه الخوارزمي أيضاً بسنده:

« عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي. وقال: يا أم سلمة اشهدي واسمعي، هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين وغيبة علمي وبابي الذي أوتى منه، أخي في الدنيا وخدني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلى »(٢) .

وما رواه الكنجي بسنده:

« عن ابن عباس قال: ستكون فتنة فمن أدركها منكم فعليكم بخصلتين: كتاب الله وعلي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بيد علي، وهو يقول: هذا أوّل من آمن بي وأوّل من يصافحني، وهو فاروق هذه الْأُمة، يفرّق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب

____________________

(١). مناقب الخوارزمي: ٧٥.

(٢). المناقب للخوارزمي: ٨٦.

٩٠

الظالمين، وهو الصدّيق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي من بعدي »(١) .

وما رواه الهمداني عن ابن عباس قال:

« قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي بن أبي طالب باب الدين، من دخل فيه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً. رواه صاحب الفردوس »(٢) .

وما رواه القندوزي:

« عن ياسر الخادم عن علي الرضا عن أبيه عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يا علي أنت حجة الله وأنت باب الله، وأنت الطريق إلى الله، وأنت النبأ العظيم، وأنت الصراط المستقيم، وأنت المثل الأعلى، وأنت إمام المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيّين وسيّد الصدّيقين. يا علي، أنت الفاروق الأعظم، وأنت الصدّيق الاكبر، وإن حزبك حزبي وحزبي حزب الله، وإن حزب أعدائك حزب الشيطان »(٣) .

وما رواه السيوطي:

« عن ابن عباس: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: علي بن أبي طالب باب حطّة من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً. أخرجه الدارقطني في الافراد »(٤) .

وقد عرفت سابقاً - من كلام الحافظ السخاوي - كون حديث « باب حطّة » من مؤيّدات حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها ».

وما روي بطرقٍ متكاثرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله: « علي

____________________

(١). كفاية الطالب: ١٨٧.

(٢). السبعين في مناقب أمير المؤمنين، ينابيع المودّة: ٢٨١.

(٣). ينابيع المودة.

(٤). القول الجلي في مناقب علي. رقم الحديث: ٣٩.

٩١

مني وأنا منه ولا يؤدّي عني إلّا أنا أو علي » أخرجه أحمد(١) وغيره.

ردّ أعلام القوم التأويل المذكور

والثالث عشر: وقد بلغ هذا التأويل من السخافة والهوان حدّاً، دعا طائفة من أعلام القوم - وفيهم بعض المتعصّبين - إلى الردّ عليه، والتنصيص على بطلانه وهو انه، وإليك نصوص عبارات هؤلاء:

العاصمي: « وإنما أرادوا بذلك الوقيعة في المرتضى رضوان الله عليه، والحط عن رتبته، وهيهات لا يخفى على البصير النهار »(٢) .

ابن حجر المكي: « واحتجّ بعض من لا تحقيق عنده على الشيعة بان « علي » اسم فاعل من العلو، أي « عال بابها »، فلا ينال لكلّ أحد. وهو بالسفساف أشبه، لا سيّما وفي روايةٍ رواها ابن عبد البر في استيعابه: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه، إذ مع تحديق النظر في هذه الرواية لا يبقى تردد في بطلان ذلك الرأي، فاستفده بهذا »(٣) .

المناوي: « ومن زعم أنّ المراد بقوله « وعلي بابها » إنه مرتفع من العلو، فقد تمحّل لغرضه الفاسد بما لا يجديه ولا يسمنه ولا يغنيه »(٤) .

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير في ( الروضة النديّة ): « وأمّا ما قيل في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وعلي بابها » إن عليّاً هنا صفة مشبهة بالفعل، أي مرتفع بابها على متناوله، وعال عن أيدي متعاطيه، فكلام من جنس كلام الباطنيّة لا تقبله الأسماع. أمّا أوّلاً: فلأنه خلاف ما فهمه الناس أجمعون من الحديث. وأما ثانياً: فلأنه ينافي ما ثبت من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بعثت بالحنيفية

____________________

(١). مسند أحمد بن حنبل ٤ / ١٦٤ - ١٦٥.

(٢). زين الفتى - مخطوط.

(٣). المنح المكيّة في شرح القصيدة الهمزية.

(٤). فيض القدير ٣ / ٤٦. وانظر التيسير ١: ٣٧٧.

٩٢

السّمحة السهلة، فانّ علومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علوم واضحة الألفاظ ظاهرة الدلالات فهمها أهل الحضر البوادي. وأمّا ثالثاً: فلأنه لا طائل تحت الإِخبار بأن باب علومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عال مرتفع، إلّا تبعيد العلم وتوعير مسلكه وسدّ بابه، وقد علم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما شدد في ذلك، ولا كان من هديهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توعير مسالك العلم، سيّما العلوم النبوية، وكيف يوعر مسالك علم الشريعة؟ وقد بعث مبيّناً للناس ما نزل إليهم، وبالجملة: لو لا عمى البصائر والعصبيّة التي تكنّها الضمائر لما كان مثل هذا الكلام يكتب، ولا يفتقر إلى الجواب ».

* * *

٩٣

(٦)

مع السخاوي

في كلامه حول الحديث

وقد أغرب السخاوي إذْ قال بعد ذكر حديث مدينة العلم وتحقيقه:

« وليس في هذا كلّه ما يقدح في إجماع أهل السنّة، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، على أنّ أفضل الصحابة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإِطلاق أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كنّا نقول ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حي: أفضل هذه الْأُمة بعد نبيّها أبو بكر وعمر وعثمان، فيسمع ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا ينكره. بل ثبت عن علي نفسه أنه قال: خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر، فقال له ابنه محمد بن الحنفية: ثم أنت يا أبت؟ فكان يقول: ما أبوك إلاّ رجل من المسلمين. رضي الله عنهم وعن سائر الصحابة أجمعين»(١) .

نقول: لا يخفى على المتتبّع الخبير أنّ السخاوي قد ذكر في هذا المقام حديث ابن عمر بسياقٍ يخالف سياقٍ البخاري، وفيه زيادات عديدة منكرة مكذوبة قطعاً، لا سيّما قوله: « فيسمع ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا ينكره » فإنه أنكر شيء في هذا الخبر، ولم توجد هذه الزيادة، إلّا في طريقٍ مقدوحٍ جدّاً، وليس في جامع البخاري وأمثاله منه عين ولا أثر، وبالجملة فليت السخاوي إذ ذكر هذا الإِفك ذكره بلفظ إمامه البخاري، الذي أورده في صحيحه الذي يعدّونه أصحّ الكتب بعد كتاب الباري، مع أن لفظ البخاري أيضاً محرّف غير صحيح كما ستراه عن قريب، إن شاء الله تعالى، فيما سيأتي.

وأيضاً: فإنّ الذي ذكره السخاوي منسوباً إلى الإِمام عليعليه‌السلام ،

____________________

(١). المقاصد الحسنة: ٤٧.

٩٤

وإنْ كان كذباً بجميع سياقاته، ولكن السيّاق الذي أورده هاهنا أردى وأخبث وأظهر كذباً من الجميع، وهو أيضاً مخالف لسياق البخاري، كما ستعرف أيضاً، وفيه زيادات باطلة لا يخفى بطلانها على متأمّل، منها: وقال: ثم رجل آخر. فإنها زيادة أقحمت لإِظهار فضل عثمان، والمقصود منها أنّ يظن الناظر أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام - والعياذ بالله - بعد ما اعترف بفضل الشيخين أبان فضل عثمان أيضاً بقوله: ثم رجل آخر.

ولعمري إن واضع هذه الزيادة أجرأ من واضع أصل الخبر، لأن واضع أصل الخبر - كما ستعرف عن سياق البخاري - اقتصر على تفضيل الشيخين، ولم يجترء على عزو تفضيل عثمان إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، نعم وضع على محمد ابن الحنفية أنه بعد ما سمع من أبيه تفضيل الشيخين قال: وخشيت أن يقول عثمان، فقلت: ثم أنت؟ وهذا المتجاسر الذي زاد هذه الزيادة قد نسب تفضيل عثمان أيضا إلى عليعليه‌السلام ولو بالإبهام، حتى يتم له تفضيل الثلاثة.

ثم لا أدري أيّ داع دعا هذا الواضع إلى اختلاق هذه الزيادة بهذا الإِبهام؟ ولعلّه استحيى أن يعزو تفضيل عثمان إلى عليعليه‌السلام صراحةً، فلهذا أتى بقوله: ثم رجل آخر.

وعلى الجملة: فسياق البخاري يشهد ببطلان هذه الزيادة.

وأمّا بطلان أصل الخبرين وما ذكره السخاوي في هذا الكلام فيظهر بالوجوه الآتية:

دعوى إجماع الصحابة والتابعين على أفضلية الشيخين فاسدة

أحدها: إن دعوى اجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أنّ أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر، كذب محض، ولنا على بطلانها وجوه عديدة وبراهين سديدة، ذكرناها في قسم ( حديث الطير ).

٩٥

لو سلّمنا انعقاده فحديث مدينة العلم وغيره يبطله

والثاني: وعلى فرض انعقاد هذا الاجماع، فإن حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » وغيره من أحاديث مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، الدالّة على أفضليّته تبطل هذا الإِجماع، وتسقطه عن الإِعتبار، لأن الإِجماع القائم على خلاف النّص لا اعتبار به ولا يصغى إليه.

عدم صحّة معنى حديث ابن عمر في المفاضلة

والثالث: إنّ الاستدلال بحديث ابن عمر من قبيل استشهاد ابن آوى بذنبه، فمن هو ابن عمر وأيّ وزنٍ لكلامه في مثل هذه الْأُمور؟ على أنّه رجل مقدوح مطعون فيه، كما لا يخفى على من يراجع كتاب ( إستقصاء الإِفحام في ردّ منتهى الكلام ). ومع ذلك كلّه فقد نصّ الحافظ ابن عبد البر على انّه لا يصح معناه حيث قال ما نصّه: « قال أبو عمر: من قال بحديث ابن عمر: كنّا نقول على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت. يعني فلا نفاضل. وهو الذي أنكر ابن معين، وتكلّم فيه بكلام غليظ، لأن القائل بذلك قد قال خلاف ما اجتمع عليه السنّة من السلف والخلف، من أهل الفقه والآثار، أنّ عليا كرم الله وجهه أفضل الناس بعد عثمان، هذا ممّا لم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان. واختلف السلف أيضاً في تفضيل عليرضي‌الله‌عنه وأبي بكررضي‌الله‌عنه . وفي إجماع الجميع الذين وصفناه دليل على أن حديث ابن عمر وهم وغلط، وأنّه لا يصح معناه وإنْ كان اسناده صحيحاً، ويلزم من قال به أن يقول بحديث جابر وحديث أبي سعيد: كنّا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم لا يقولون بذلك، فقد ناقضوا. وبالله التوفيق »(١) .

____________________

(١). الاستيعاب ٣ / ١١١٦.

٩٦

عدم صحّة سند حديث ابن عمر

والرّابع: إنّه وإنْ نصّ ابن عبد البر على بطلان حديث ابن عمر معنىً، فإنّه لم ينصف في وصف هذا الحديث بالصحة سنداً، وشرح ذلك: أنّ لهذا الحديث طريقين فقط في البخاري، وكلاهما مقدوح ومجروح. ونحن نذكر أوّلاً كلا طريقي الحديث ثم نتكلّم في سنديهما:

قال البخاري في مناقب أبي بكر: « حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله، ثنا سليمان عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال: كنا نخيّر بين الناس في زمان [ زمن ] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنخيّر أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان »(١) .

وقال في مناقب عثمان: « حدّثنا محمد بن حاتم بن بزيع، ثنا شاذان، ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كنّا في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان. ثم نترك أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نفاضل بينهم. تابعه عبد الله بن صالح عن عبد العزيز »(٢) .

النّظر في الطريق الأوّل

أما الطريق الأول - ففيه: « عبد العزيز بن عبد الله الأويسي » ضعّفه أبو داود، قال ابن حجر: « وفي سؤالات أبي عبيد الآجري عن أبي داود قال: عبد العزيز الأويسي ضعيف »(٣) .

وفيه: « سليمان بن بلال » وهو أيضاً مجروح، قال ابن حجر: « وقال ابن

____________________

(١). صحيح البخاري ٥ / ٦٣.

(٢). صحيح البخاري ٥ / ٧٦.

(٣). تهذيب التهذيب ٦ / ٢٠٨.

٩٧

الجنيد عن ابن معين انما وضعه عند اهل المدينة أنّه كان على السوق، وكان أروى الناس عن يحيى بن سعيد »(١) . قال: « قال ابن شاهين في كتاب الثقات: قال عثمان بن أبي شيبة: لا بأس به وليس ممن يعتمد على حديثه »(٢) .

وفيه: « نافع » وهو أيضاً مجروح، قال ابن عبد البر: « وقد روي عن أبي حنيفة أنه قيل له: مالك لا تروي عن عطا؟ قال: لأني رأيته يفتي بالمتعة. وقيل له: مالك لا تروي عن نافع؟ قال: رأيته يفتي بإتيان النساء في أعجازهنّ فتركته »(٣) وفي ( تفسير الرازي ): « ذهب أكثر العلماء إلى ان المراد من الآية: أنّ الرجل مخيّر بين أن يأتيها من قبلها في قبلها، وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها. فقوله:( أَنَّى شِئْتُمْ ) محمول على ذلك. ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهنّ، وسائر الناس كذبّوا نافعاً في هذه الرواية »(٤) .

أقول: وقد كان على أهل الإِنصاف تكذيب نافع في هذه الرّواية أيضاً.

أضف إلى ذلك إنكاره أن يكون على عمر بن الخطاب دين، وهذا الإِنكار يدلّ على تمادي الرجل في الكذب وجرأته على الإِفتراء، لأنّ دين عمر أمر محقّق ثابت لا يقبل الإِنكار من أي شخصٍ. أخرج البخاري عن عمر أنّه قال: « يا عبد الله بن عمر، أنظر ما عليّ من الدّين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه. قال: إنْ وفي له مال آل عمر فأدّه من أموالهم، والّا فسل في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدّ عنّي هذا المال »(٥) .

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٤ / ١٥٤.

(٢). تهذيب التهذيب ٤ / ١٤٥.

(٣). جامع بيان العلم ٢ / ١٥٣.

(٤). تفسير الرازي ٦ / ٧١.

(٥). صحيح البخاري ٥ / ٧٨.

٩٨

وقد ذكر ابن حجر إنكار نافع هذا الدّين، في شرح الحديث بقوله: « وقد أنكر نافع مولى ابن عمر أن يكون على عمر دين، فروى عمر بن شبّة في كتاب المدينة بإسناد صحيح أنّ نافعاً قال: من أين يكون على عمر دين؟ وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة ألف. انتهى » ثم قال ابن حجر: « وهذا لا ينفي أن يكون عند موته عليه دين، فقد يكون الشخص كثير المال، ولا يستلزم نفي الدين عنه، فلعلّ نافعاً أنكر أنْ يكون دينه لم يقض »(١) .

ولا يخفى عليك أنّ الاحتمال الذي ذكره ابن حجر لا يساعده لفظ الرواية عن نافع: « من أين يكون على عمر دين » فإنه ينكر أصل الدين، ولا تعرّض له لقضائه وعدم قضائه. هذا أوّلاً. وثانياً: إنما استشهد نافع ببيع أحد ورثة عمر ميراثه بمائة ألف لأجل إنكار الدين من أصله، لا لأجل انكار أنْ يكون دينه لم يقض.

على أنّ ابن حجر نفسه قال: وقد أنكر نافع مولى ابن عمر أن يكون على عمر دين، فالحمل الذي ذكره ابن حجر لا ينفع نافعاً، ولعلّه من هنا ذكر العيني إنكار نافع ولم يذكر ما ذكره ابن حجر العسقلاني(٢) .

النّظر في الطريق الثاني

وأمّا الطرق الثاني - فمداره على « نافع » وقد عرفته.

وفيه: « عبيد الله بن عمر العمري » وهو من أولاد عمر، ولذلك فهو متّهم في هذا الحديث وأمثاله.

حديث ابن عمر بلفظٍ صريح في أفضلّية الامام

والخامس: وعلى فرض التسليم بأنْ يكون لحديث ابن عمر أصل من جهة

____________________

(١). فتح الباري ٧: ٥٣.

(٢). عمدة القاري في شرح البخاري ١٦ / ٢١٠.

٩٩

السند، فإنّ أصله من جهة المتن لا يدل على مطلوب أهل السنّة، بل يدل على عكسه، وهذا نصّه « عن أبي وائل عن عبد الله بن عمررضي‌الله‌عنه قال: كنّا إذا عدّدنا أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلنا: أبو بكر وعمر وعثمان. فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن فعلي؟! قال: علي من أهل البيت لا يقاس به أحد، مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي درجته، إنّ الله يقول:( الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ففاطمة مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) في درجته وعلي معها »(١) .

فابن عمر يصرّح في هذا الحديث بأفضليّة الامامعليه‌السلام من الصحابة قاطبة، وأنه كان يفضّل الثلاثة على الترتيب المذكور في خصوص الصحابة، وأما عليعليه‌السلام فلا يقاس به، مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في درجته بحكم الآية المباركة وبعد هذا التصريح من ابن عمر ليس لأحدٍ أن ينسب إليه تفضيل أبي بكر على الامام عليه الصلاة والسّلام، ويستند إليه في مقابلة الامامية.

ومن هنا يظهر لك تحريف البخاري وتصرّفه في هذا الحديث، وهذه من عظائم مكايده في كتابه.

تصريح ابن عمر بأفضلية الامام في أحاديث أخرى

أضف إلى ذلك الأحاديث الْأُخرى، التي صرّح ابن عمر فيها بأفضلية الامامعليه‌السلام مطلقاً، ونهى عن المقايسة بينه وبين سائر الأصحاب، مستشهداً ببعض فضائله الثابتة، قال ابن حجر: « وعن ابن عمر قال: كنّا نقول زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير الناس، ثم أبو بكر ثم عمر. ولقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحبّ إليَّ من حمر النعم: زوّجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته

____________________

(١). المودة في القربى، ينابيع المودّة: ٣٠١.

١٠٠