تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381
المشاهدات: 107369
تحميل: 5183


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107369 / تحميل: 5183
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 12

مؤلف:
ISBN: 964-319-224-5
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بعت بألف ، ويقول المشتري : ما اشتريت بألف وإنّما اشتريت بخمسمائة(١) .

وقال الشافعي : لو تداعيا داراً في أيديهما فادّعى كلٌّ منهما أنّ جميعها له ، حلف كلّ واحد على مجرّد نفي استحقاق صاحبه ما في يده ، ولو حلف أحدهما ونكل الآخر ، حلف الحالف يميناً اُخرى للإثبات(٢) .

قال أصحابه : ففي القولين طريقان :

أحدهما : تقرير القولين.

والفرق بينهما : أنّ في مسألة التداعي يحلف أحدهما على نفي دعوى صاحبه في النصف الذي في يده ، ويكون القول قول الآخر في النصف الآخر ، فإذا نكل ، رددنا اليمين على الأوّل ، وهنا يحلف على صفة عقدٍ تضمّن إثباتاً ونفياً ، فلهذا كفى يمين واحدة ؛ لأنّ العقد واحد اتّفاقاً والتنازع في صفته ، فكأنّ الدعوى واحدة ، فجاز التعرّض في اليمين الواحدة للنفي والإثبات ، فمنفيّ كلّ واحد منهما في ضمن مثبتة ، ومنفيّ كلّ واحد منهما في صورة الدار ممتاز عن مثبتة ، فلا معنى ليمينه على الإثبات قبل نكول صاحبه.

الثاني : التصرّف بتخريج قول من مسألة الدار فيما نحن فيه.

ووجهه : الجري على قياس الخصومات ، فإنّ يمين الإثبات لا يُبدأ بها في غير القسامة.

وهل يتصرّف بتخريج قول فيما(٣) نحن فيه من مسألة الدار أيضاً؟

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٠١ ، الوسيط ٣ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٤ - ٣٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٥ - ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٢.

(٣) كذا ، وفي المصدر : « ما » بدل « فيما ».

١٠١

قال كثير منهم : نعم ، حتى يكون قولان بالنقل والتخريج(١) .

وقال الجويني وغيره : لا ؛ لأنّ كلّ واحد لا يحتاج فيما في يده إلى الإثبات ، واليمين على الإثبات يمين الردّ ، فكيف يحلف الأوّل يمين الردّ وصاحبه لم ينكل بَعْدُ!؟ وكيف يحلفها الثاني وقد حلف صاحبه!؟(٢) .

مسالة ٦١٤ : إذا حلف البائع أنّه لم يبع العبد‌ ، وحلف المشتري أنّه لم يشتر الجارية ، انفسخ العقدان. وإن نكل المشتري عن يمين النفي ، حلف البائع يميناً اُخرى على إثبات دعواه ، وحُكم على المشتري. ومَنْ قضى بالنكول لم يكلّف البائع يمين الإثبات ، بل يحكم له بمجرّد النكول.

وعند الشافعي : إذا اكتفينا بيمينٍ واحدة ، يجمع بين النفي والإثبات ؛ لأنّه أفصل للحكم وأسهل على الحاكم ، وجوّزنا(٣) الإثبات قبل نكول. الخصم ؛ لأنّه تبع للنفي. ولأنّهما يتحالفان على الإثبات من غير نكول وإن كانت يمينين(٤) ، فإذا حلف أحدهما ونكل الثاني ، قضي للحالف ، سواء نكل عن النفي والإثبات جميعاً أو عن أحدهما. والنكول عن البعض كهو عن الكلّ(٥) .

وينبغي أن يقدّم النفي - سواء حلف يميناً واحدة أو اثنتين ؛ لأصالته في الأيمان - على الإثبات(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٢ - ٣٨٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣.

(٣) في « ي » : « جوّز ».

(٤) قوله : « لأنّه أفصل للحكم وإن كانت يمينين » لم يرد في المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة زيادة : « وقال بعض الشافعيّة : يقدّم الإثبات ؛ لأنّه المقصود ». وحذفناها لزيادتها.

١٠٢

وقال أبو سعيد : يقدّم الإثبات ؛ لأنّ الله تعالى قدّمه في اللعان على النفي ، فقال في اليمين( وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) (١) ولأنّه المقصود من الحالف(٢) .

وليس بصحيح ؛ لأنّ الأصل في الأيمان إنّما هو النفي ، وأمّا الإثبات فإنّما يكون فيها بالنكول أو تبعا للنفي ، فيجب أن يقدّم النفي ، وكلّ أيمان اللعان إثبات ، وليس فيها نفي. وقوله( إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) إثبات للصدق ، مثل قوله( إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ ) (٣) .

وهل الخلاف في الاستحباب أو الاستحقاق؟ الأظهر عندهم : الأوّل(٤) .

ونقل الجويني الثاني(٥) .

فإذا قلنا : يحلف أوّلاً على مجرّد النفي ، فلو أضاف إليه الإثبات ، كان لغواً.

وإذا حلف مَنْ وقعت البداءة به على النفي ، عُرضت اليمين على الثاني ، فإن نكل ، حلف الأوّل على الإثبات ، وقضي له.

وإن نكل عن الإثبات ، لم يقض له ، لاحتمال صدقه فيما يدّعيه(٦) صاحبه وكذبه فيما يدّعيه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه كما لو تحالفا ؛ لأنّ نكول المردود عليه عن‌

____________________

(١) النور : ٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ ، الوسيط ٣ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٣) النور : ٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٦) في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ : « في نفي ما يدّعيه ».

١٠٣

يمين الردّ ينزّل في الدعوى منزلة حلف الناكل أوّلاً(١) .

ولو نكل الأوّل عن اليمين ، حلف الآخر على النفي والإثبات ، وقضي له.

ولو حلفا(٢) على النفي ، فوجهان :

أصحّهما عندهم أنّه يكفي ذلك ، ولا حاجة بعده إلى يمين الإثبات ؛ لأنّ المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن وقد حصلت.

والثاني : أنّه تُعرض يمين الإثبات عليهما ، فإن حلفا ، تمّ التحالف ، وإن نكل أحدهما ، قضي للحالف(٣) .

والقول في أنّه تُقدّم يمين النفي أو الإثبات كما ذكرنا على تقدير الاكتفاء بيمينٍ واحدة.

ولو عُرض اليمين عليهما فنكلا جميعاً ، فوجهان :

قال(٤) الجويني : إنّ تناكلهما كتحالفهما ، فإنّه إذا تداعى رجلان مولوداً ، كان ذلك كتحالفهما.

والثاني : أنّه يوقف الأمر كأنّهما تركا الخصومة(٥) .

المطلب الثالث : في حكم التحالف.

مسالة ٦١٥ : إذا حلف كلّ من المتبايعين يمين النفي‌ ، سقطت الدعويان عندنا ، كما لو ادّعى على الغير بيع شي‌ء أو شراءه ، فأنكر وحلف ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « حلف ». والظاهر ما أثبتناه من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وقال ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦. ولا يخفى أنّ في المصدرين نُسب الوجه الثاني إلى الجويني أيضاً.

١٠٤

سقطت الدعوى ، وكان الملك باقياً على حاله ، ولم يحكم بثبوت عقد حتى يحكم بانفساخه.

وأمّا الشافعي القائل بالتحالف فقال : إذا تحالف المتعاقدان ، ففي العقد وجهان :

أحدهما : أنّه لا ينفسخ بنفس التحالف.

وفيه وجه آخر : أنّه ينفسخ بالتحالف ، كما ينفسخ النكاح بتحالف المتلاعنين. ولأنّ التحالف يحقّق ما قالاه ، ولو قال البائع : بعت بألف ، فقال المشتري : اشتريت بخمسمائة ، لم ينعقد ، فكذا هنا(١) .

قال القاضي أبو الطيّب : الأوّل هو المنصوص للشافعي في كتبه القديمة والجديدة لا أعرف له غير ذلك ؛ لأنّ البيّنة أقوى من اليمين ، ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً على ما يقوله ، لا ينفسخ العقد ، فاليمين أولى بعدم الفسخ. ولا يشبه اللعان ؛ لأنّ قول الزوج يقطع النكاح ، فقامت يمينه مقام طلاقه ، بخلاف المتنازع(٢) .

مسالة ٦١٦ : لو رجع أحدهما إلى قول الآخر‌ ، فإن كان قبل التحالف ، حكم بمقتضى عقده. وإن كان بعد التحالف ، فكذلك ، فلو حلف أنّه لم يبع الجارية وحلف المشتري أنّه لم يشتر العبد ثمّ اعترف المشتري بصدق البائع ، كان حكمه حكم ما لو حلف المنكر ثمّ كذب بيمينه. قال علماؤنا : اليمين قاطعة للدعوى ، فإن جاء الحالف تائباً إلى الله تعالى ودفع ما حلف عليه ، كان لصاحبه أخذه ، فكذا يتأتّى هنا.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٥ - ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، وفيه بعض المقصود.

١٠٥

وأمّا الشافعي فله قولان :

أحدهما : فسخ العقد بمجرّد التحالف من غير حاجة إلى حكم الحاكم بالفسخ.

والثاني : أنّه لا ينفسخ إلّا بحكم الحاكم(١) .

فعلى الأوّل فإنّهما يترادّان.

ولو تقارّا على أحد اليمينين(٢) ، لم يعد نافذاً ، بل لا بُدَّ من تجديد عقدٍ.

وهل ينفسخ في الحال أو يتبيّن ارتفاعه من أصله؟ للشافعيّة وجهان ، أظهرهما : الأوّل ؛ لنفوذ تصرّفات المشتري قبل الاختلاف.

وعلى هذا فالحاكم يدعوهما بعد التحالف إلى الموافقة ، فينظر هل يعطي المشتري ما يقوله البائع من الثمن؟ فإن فعل ، اُجبر البائع عليه ، وإلّا نظر هل يقنع البائع بما يقوله المشتري؟ فإن فعل فذاك ، وإلّا فحينئذٍ يحتاج إلى فسخ العقد.

ومَن الذي يفسخه؟ وجهان :

أحدهما : الحاكم ، لتعذّر إمضائه في الحكم ، وكالفسخ في العنّة ، لأنّه فسخ مجتهد فيه.

وأظهرهما عندهم : أنّ للمتعاقدين أيضاً أن يفسخا ، ولأحدهما(٣) أن‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) في « س ، ي » : « الثمنين ».

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وأحدهما ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».

١٠٦

ينفرد به ، كالفسخ بالعيب(١) .

قال الجويني : إذا قلنا : الحاكم هو الذي يفسخ ، فذلك إذا استمرّا على النزاع ولم يفسخا أو التمسا الفسخ ، فأمّا إذا أعرضا عن الخصومة ولم يتوافقا على شي‌ء ولا فَسَخا ، ففيه نظر(٢) .

وإذا فسخ العقد إمّا بفسخهما أو بفسخ الحاكم ، وقع الفسخ ظاهراً.

وهل يقع باطناً؟ فيه للشافعيّة(٣) ثلاثة أوجه :

أحدها : لا ، لأنّ سبب الفسخ تعذّر إمضائه ، لعدم الوقوف على الثمن ، وأنّه أمر يتعلّق بالظاهر ، والعقد وقع صحيحا في نفسه ، وإنّما تعذّر إمضاؤه في الظاهر ، فكان الفسخ في الظاهر دون الباطن.

والثاني : أنّه يقع ظاهرا وباطنا ، لأنّه فسخ لاستدراك الظلامة ، فأشبه الردّ بالعيب.

والثالث : أنّ البائع إن كان ظالما ، فالفسخ يقع ظاهرا لا باطنا ، لأنّه يمكنه استيفاء الثمن وتسليم المبيع ، فإذا امتنع ، كان عاصيا ، فلا يقع الفسخ بذلك. وإن كان المشتري ظالما ، وقع الفسخ ظاهرا وباطنا ، لأنّ البائع لا يصل إلى حقّه من الثمن ، فاستحقّ الفسخ ، كما لو أفلس المشتري(٤) .

وهل يجري مثل هذا الخلاف إذا فرّعنا على انفساخ العقد بنفس‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « للشافعي ».

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، حلية العلماء ٣٢٦ - ٣٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ - ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦ - ٢٣٧.

١٠٧

التحالف أم يجزم بالارتفاع باطناً أيضاً؟ اختلفوا فيه(١) .

وإذا قلنا بالارتفاع باطناً ، ترادّا ، وتصرّف كلٌّ منهما فيما عاد إليه. وإن منعناه ، لم يجز لهما التصرّف ، لكن لو كان البائع صادقاً ، فهو ظافر بمال من ظلمه لما استردّ المبيع ، فله بيعه بالحاكم في أحد الوجهين ، أو بنفسه في أصحّهما عندهم(٢) ، واستيفاء حقّه من ثمنه.

إذا تقرّر هذا ، فكلّ موضع قلنا : إنّ الفسخ يقع ظاهراً وباطناً ، فإنّ للبائع التصرّف في المبيع بجميع أنواع التصرّف حتى بالوطئ. وإن قلنا : يقع ظاهراً دون الباطن ، فإن كان البائع ظالماً ، لم يجز له التصرّف في المبيع بوجه ، ووجب عليه ردّه على المشتري بالثمن المسمّى ؛ لأنّه لا يجوز له أن يستبيح ملك غيره بظلمه. وإن كان المشتري ظالماً ، فإنّ البائع قد حصل في يده ملك المشتري ، وله عليه الثمن ، وهو من غير جنسه ، فله أن يبيع جميعه أو مقدار حقّه.

وهل يبيعه بنفسه أو يتولّاه الحاكم؟ وجهان(٣) :

أحدهما : أنّه يرفعه إلى الحاكم ليبيعه ؛ لأنّ الولاية للحاكم على صاحبه دون هذا البائع.

والثاني : يبيعه بنفسه - وهو منصوص الشافعي - لأنّه يتعذّر عليه رفعه إلى الحاكم وإثبات حقّه عنده ، فجُوّز ذلك للضرورة ، كما جُوّز إمساك ملك المشتري للحاجة.

وعندنا إن تمكّن من الحاكم ، وجب ، وإلّا تولّاه بنفسه ، فإذا باعه فإن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

(٢ و ٣ ) حلية العلماء ٤ : ٣٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

١٠٨

كان الثمن وفق حقّه ، فقد استوفاه. وإن نقص ، فالباقي في ذمّة المشتري. وإن فضل ، فللمشتري. وإن تلف هذا في يده ، كان من ضمانه. وإن تحالفا بعد تلف السلعة ، وجب ردّ قيمة المبيع.

ومتى تعتبر قيمته؟ على وجهين :

أحدهما : أكثر ما كانت من حين القبض.

والثاني : حال التلف ، كالمقبوض على وجه السوم(١) .

وهذه الفروع مبنيّة على ما إذا اختلفا في قدر الثمن. وذكر الجويني عبارةً نحو(٢) هذه الصورة وغيرها ، وهي : أنّ الفسخ إن صدر من المحقّ ، فالوجه : تنفيذه باطناً. وإن صدر من المبطل ، فالوجه : منعه. وإن صدر منهما جميعاً ، قال : لا شكّ في الانفساخ ، وليس ذلك موضع الخلاف ، وكان كما لو تقايلا. وإذا صدر من المبطل ، لم ينفذ باطناً. وطريق الصادق إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه. وإن صدر الفسخ من الحاكم ، فالظاهر الانفساخ باطناً لينتفع به المحقّ(٣) .

واعلم أنّ هذا لا يتأتى على مذهبنا فيما إذا كان الاختلاف في كمّيّة الثمن ، وإنّما يقع فيما إذا اختلفا في تعيين المبيع ، كالعبد أو الجارية ، أو في تعيين الثمن ، كالذهب أو الفضّة ، وهنا نقول : إنّ المبطل لا يباح له التصرّف فيما صار إليه ، والمحقّ له التصرّف.

مسالة ٦١٧ : إذا فسخ البيع ، كان على المشتري ردّ المبيع إن كان قائماً‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ - ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « تجري » بدل « نحو ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧ ، والعبارة فيهما هكذا : « وإذا صدر من المبطل ولم ينفذه باطناً ، فطريق الصادق ».

١٠٩

بحاله ؛ لقولهعليه‌السلام : « إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادّا » رواه العامّة(١) .

وهذا عندنا صحيح فيما إذا كان الاختلاف في الأعيان المتعدّدة ، لا في قدر الثمن ، فإذا كان المشتري قد أخذ ما ادّعاه وسقطت دعواه بيمين البائع ، وجب عليه ردّ ما أخذه ؛ لظهور بطلان الأخذ بيمين البائع.

وإن تلف في يد المشتري ، فعليه قيمته ، سواء كانت أكثر من الثمن أو أقلّ.

وهل يعتبر وقت التلف ؛ لأنّ مورد الفسخ العين لو بقيت ، والقيمة خلف عنها ، فإذا فات الأصل ، فحينئذٍ ينظر إليها ، أو يوم القبض ؛ لأنّه وقت دخول المبيع في ضمانه ، أو الأقلّ ؛ لأنّها إن كانت يوم العقد أقلّ ، فالزيادة حدثت في ملك المشتري ، وإن كان يوم القبض أقلّ ، فهو يوم دخوله في ضمانه ، أو بأعلى القِيَم من يوم القبض إلى يوم التلف ؛ لأنّ يده يد ضمان ، فتعيّن أعلى القِيَم؟

وللشافعيّة هذه الاحتمالات الأربعة أقوال(٢) فيما قلناه(٣) وفيما إذا اختلفا في قدر الثمن أو الأجل أو الضمين أو غير ذلك(٤) على ما تقدّم.

مسالة ٦١٨ : لو زادت العين في يد المشتري ، فإمّا زيادة متّصلة أو منفصلة.

فإن كانت متّصلة ، فهي للبائع يردّها المشتري مع العين.

وإن كانت منفصلةً ، كالولد والثمرة والكسب والمهر ، فإن قلنا : العقد‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أقوالاً ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « نقلناه ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ - ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

١١٠

يرتفع من أصله - وهو الظاهر عندنا إذا وقع التنازع في تعيين المبيع أو تعيين الثمن أيّ العينين هو؟ - فالنماء للبائع ، ويجب أقصى القِيَم لو تلف المبيع.

وإن قلنا : من حينه ، فالنماء للمشتري ، وعليه القيمة يوم التلف.

وعند الشافعي يتأتّى ذلك في هذه الصورة وفيما إذا اختلفا في قدر الثمن وغيره على ما سلف(١) .

وقال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف السابق في القيمة متى تعتبر؟ نظرا إلى أنّ العقد يرتفع من أصله أو من حينه؟ إن قلنا بالأوّل ، فالواجب أقصى القيم. وإن قلنا بالثاني ، اعتبرنا قيمته يوم التلف(٢) .

مسالة ٦١٩ : لو اشترى عبدين وتلف أحدهما ثمّ اختلفا في قدر الثمن ، قدّم قول المشتري مع يمينه ، كما ذهبنا إليه.

وقال الشافعي : يتحالفان ، بناءً على أصله(٣) .

وهل يردّ الباقي؟ فيه الخلاف المذكور في مثله إذا وجد الباقي معيباً. وإن قلنا : يردّ ، فيضمّ قيمة التالف إليه ، وفي القيمة المعتبرة الوجوه الأربعة(٤) .

اعترض : بأنّه لِمَ كان الأصحّ هنا غير الأصحّ في القيمة المعتبرة لمعرفة الأرش؟

اُجيب : يجوز أن يكون السبب فيه أنّ النظر إلى القيمة ثَمَّ ليس ليغرم ، ولكن ليعرف منها الأرش الذي هو جزء من الثمن ، وكذلك‌

____________________

(١) في ذيل المسألة السابقة.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

١١١

العوض(١) فيما إذا تلف أحد العبدين ووجدنا عيباً بالباقي وجوّزنا إفراده بالردّ ، يوزّع(٢) الثمن على قيمة التالف والباقي ، وهاهنا المغروم القيمة ، فكان النظر إلى حالة الإتلاف أليق(٣) .

ولو كان المبيع قائماً إلّا أنّه قد تعيّب ، ردّه مع الأرش ، وهو قدر ما نقص من القيمة ؛ لأنّ الكلّ مضمون على المشتري بالقيمة ، فيكون البعض مضموناً ببعض القيمة.

أمّا المبيع لو تعيّب في يد البائع وأفضى الأمر إلى الأرش ، وجب جزء من الثمن ؛ لأنّ الكلّ مضمون على البائع بالثمن ، فكذا البعض.

وهذا أصل مطّرد في المسائل أنّ كلّ موضع لو تلف الكلّ ، كان مضموناً على الشخص بالقيمة ، فإذا تلف البعض ، كان مضموناً عليه ببعض القيمة ، كالمغصوب وغيره ، إلّا في صورة واحدة ، وهي : ما إذا عجّل زكاته ثمّ تلف ماله قبل الحول وكان ما عجّل تالفاً ، يغرم المسكين القيمة ، ولو تعيّب ، ففي الأرش وجهان للشافعيّة(٤) .

تذنيب : لو اختلفا في القيمة الواجبة عليه أو الأرش ، قدّم قول المشتري مع اليمين ؛ لأنّه الغارم.

مسالة ٦٢٠ : التلف قد يكون حقيقيّاً‌ ، كما لو هلكت العين ، وقد يكون حكميّاً ، كما لو أعتق المشتري أو وقف أو باع أو وهب وأقبض وتعوّض ،

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « الفرض » وفي « ي » : « العرض » بدل « العوض ». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في « س » والطبعة الحجريّة : « بالردّ توزيع » وفي « ي » : « بالردّ وتوزيع ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

١١٢

وهنا يكون للبائع انتزاع العين ، ويحكم ببطلان هذه العقود ، وهو قول بعض الشافعية(١) .

وقال بعضهم : إنّ هذه التصرّفات بمنزلة الإتلاف ، فتجب القيمة ، وتبقى هذه التصرّفات على الصحّة(٢) . وليس جيّداً.

والتعيّب أيضاً قد يكون حقيقيّاً ، كما لو تلف جزء من المبيع أو نقصت صفة من صفاته ، وقد يكون حكميّاً ، كما لو زوّج الجارية المبيعة أو العبد المبيع ، فعندنا يبطل النكاح إن لم يجز البائع ، وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) .

وقال بعضهم : على المشتري ما بين قيمتها مزوّجةً وخليّةً ، وتعود إلى البائع والنكاح بحاله(٤) .

مسالة ٦٢١ : لو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشتري‌ ، كان عليه قيمته للبائع إذا حلف أنّه لم يبعه ، لتعذّر الوصول إليه.

وقال الشافعي : إذا تحالفا ، لم يمتنع الفسخ ، فإنّ الإباق لا يزيد على التلف ، ويغرم المشتري القيمة(٥) كما قلناه.

ولو كاتبه المشتري كتابةً صحيحة ، كان للبائع فسخها.

وقال الشافعي : يتمّ مكاتباً ، ثمّ يغرّم المشتري القيمة ، كالإباق(٦) .

ولو رهنه ، كان للبائع انتزاعه

وقال الشافعي : تخيّر البائع بين أخذ القيمة والصبر إلى انفكاك‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٣ - ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

١١٣

الرهن(١) .

ولو آجره ، كان للبائع أخذه وفسخ الإجارة.

وقال الشافعي : يبنى على أنّ بيع المستأجر هل يجوز؟ إن قلنا : لا ، فهو كما لو رهنه. وإن قلنا : نعم ، فللبائع أخذه ، لكنّه يترك عند المستأجر إلى انقضاء المدّة ، والاُجرة المسمّاة للمشتري، وعليه للبائع اُجرة المثل للمدّة الباقية. وإن كان قد آجره من البائع ، فله أخذه لا محالة.

وفي انفساخ الإجارة وجهان ، كما لو باع الدار المستأجرة من المستأجر إن قلنا : لا ينفسخ ، فعلى البائع المسمّى للمشتري ، وعلى المشتري اُجرة مثل المدّة الباقية للبائع.

وإذا غرم القيمة في هذه الصورة ثمّ ارتفع السبب الحائل وأمكن الردّ ، هل تستردّ القيمة وتردّ العين؟ يبنى ذلك على أنّه قبل ارتفاع الحائل ملك مَنْ هو؟(٢) .

أمّا الآبق ففيه وجهان :

أحدهما : أنّه يبقى للمشتري ، والفسخ لا يرد على الآبق ، وإنّما هو وارد على القيمة.

وأصحّهما عندنا وعندهم(٣) أنّه في إباقه ملك البائع ، والفسخ وارد عليه ، وإنّما وجبت القيمة؛ للحيلولة.

وأمّا المرهون والمكاتب ففيهما طريقان :

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨ - ٢٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٩.

١١٤

أحدهما : طرد الوجهين.

وأظهرهما عندهم : القطع ببقاء الملك للمشتري ، كما أنّ المشتري إذا أفلس بالثمن والعبد آبق ، يجوز للبائع الفسخ والرجوع إليه. ولو كان مرهوناً أو مكاتباً ، ليس له ذلك(١) .

والوجه عندنا بطلان الكتابة والرهن كما قلنا.

وأمّا المكتري إذا منعنا بيعه ، فهو كالمرهون والمكاتب ، أو كالآبق ؛ لأنّ حقّ المكري لا يتعلّق بمورد البيع والفسخ ، وهو الرقبة؟ فيه للشافعيّة احتمالات(٢) .

قال الجويني : وإذا قلنا ببقاء الملك للمشتري ، فالفسخ وارد على القيمة ، كما في صورة التلف، فلا ردّ ولا استرداد. وإذا قلنا بانقلابه إلى البائع ، ثبت الردّ والاسترداد عند ارتفاع الحيلولة(٣) .

مسالة ٦٢٢ : لو اختلف المتبايعان ، فادّعى أحدهما حُرّيّة العبد المبيع وأنكر الآخر‌ ، فالقول قول المنكر مع يمينه.

قال الشافعي : إذا حلف كلٌّ منهما ، فبعد التحالف أو قبله لم يحكم بحُرّيّة العبد المبيع إن لم يكن الأمر كما قال ، فلا يعتق العبد في الحال ؛ لأنّه ملك المشتري ، وهو صادق بزعمه(٤) .

ثمّ إن فسخ العقد أو عاد العبد إلى البائع بسببٍ آخر ، عُتق عليه ؛ لأنّ المشتري كاذب بزعمه ، والعبد قد عُتق عليه ، فهو بمنزلة مَنْ أقرّ بحُرّيّة العبد ثمّ اشتراه ، ولا يعتق في الباطن إن كان البائع كاذباً ، ويعتق على‌

____________________

(١ - ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٩.

١١٥

المشتري إن كان صادقاً ، وولاء هذا العبد موقوف لا يدّعيه البائع ولا المشتري.

ولو صدّق المشتري البائع ، حكم بعتقه عليه ، ويرد الفسخ إن تفاسخا ، كما لو ردّ العبد بعيب ثمّ قال : كنت أعتقته ، يرد الفسخ ، ويحكم بعتقه.

ولو صدّق البائع المشتري ، نظر إن حلف البائع بالحُرّيّة أوّلاً ثمّ المشتري ، فإذا صدّقه البائع عقيب يمينه ثمّ عاد العبد إليه ، لم يعتق ؛ لأنّه لم يكذّب المشتري بعد ما حلف بالحُرّيّة حتى يجعل مُقرّاً بعتقه. وإن حلف المشتري بحُرّيّته أوّلاً ثمّ حلف البائع وصدّقه ، عُتِق إذا عاد إليه ؛ لأنّ حلفه بعد حلف المشتري تكذيب له وإقرار بالحُرّيّة عليه.

ولو كان المبيع بعض العبد ، فإذا عاد إلى ملك البائع ، عُتق ذلك القدر عليه ، ولم يقوَّم عليه الباقي ؛ لأنّه لم يحصل العتق بمباشرته(١) ، بل بإقراره على غيره ، فصار كما لو خلّف ابنين وعبداً ، وقال أحدهما : إنّ أبي أعتق هذا العبد ، وأنكره الآخر ، فعتُق(٢) نصيب المقرّ ، ولا يقوّم عليه الباقي.

مسالة ٦٢٣ : لو كان المبيع جاريةً ووطئها المشتري ثمّ اختلفا في قدر الثمن‌ ، حلف المشتري ، عندنا إن كانت السلعة تالفةً. وإن كانت باقيةً ، حلف البائع.

وعند الشافعي يتحالفان ، ثمّ إن كانت ثيّباً ، فلا أرش عليه مع ردّها. وإن كانت بكراً ، ردّها مع أرش البكارة ؛ لأنّه نقصان جزء(٣) .

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لمباشرته ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) كذا ، والظاهر : « فيعتق ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

١١٦

ولو ترافعا إلى مجلس الحكم ولم يتحالفا بَعْدُ ، فأصحّ وجهي الشافعيّة : أنّ للمشتري وطء الجارية ؛ لبقاء ملكه(١) . وبعد التحالف وقبل الفسخ وجهان مرتّبان(٢) ، وأولى بالتحريم ؛ لإشرافه على الزوال(٣) .

مسالة ٦٢٤ : لو جرى البيع بين الوكيلين واختلفا‌ ، للشافعي في تحالفهما وجهان ، وجه المنع : أنّ غرض اليمين ليخاف الظالم فيقرّ ، وإقرار الوكيل على موكّله غير مقبول(٤) .

ولو تقايل المتبايعان أو ردّ المشتري المبيع بالعيب بعد قبض البائع الثمن واختلفا في قدر الثمن ، فالقول قول البائع مع يمينه - قاله الشافعي(٥) - لأنّ العقد قد ارتفع ، والمشتري يدّعي زيادة ، والأصل عدمها.

مسالة ٦٢٥ : لو ادّعى الفسخ قبل التفرّق وأنكر الآخر‌ ، قدّم قول المنكر مع اليمين ، لأصالة البقاء.

ولو قلنا بالتحالف فيما إذا اختلفا في قدر الثمن فاختلفا في قيمة السلعة التالفة ، رجع إلى قيمة مثلها موصوفاً بصفاتها ، فإن اختلفا في الصفة ، قُدّم قول المشتري ؛ لأصالة براءته.

ولو تقايلا البيع أو ردّ بعيب بعد قبض الثمن ثمّ اختلفا في قدره ، قدّم قول البائع مع يمينه ، لأنّه منكر لما يدّعيه المشتري بعد الفسخ(٦) .

ولو قال : بعتك وأنا صبي ، فقال : بل كنت بالغاً ، قُدّم قول مدّعي الصحّة.

ويحتمل تقديم قول البائع ؛ لأصالة البقاء.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « قريبان » بدل « مرتّبان ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

(٦) مرّ هذا الفرع في ذيل المسألة ٦٢٤.

١١٧

ولو قال : بعت وأنا مجنون ، ولم يعلم له سبقه ، قُدّم قول المشتري مع يمينه ، وإلّا فكالصبي.

خاتمة تشتمل على الإقالة :

مسالة ٦٢٦ : الإقالة بعد البيع جائزة بل تستحبّ إذا ندم أحد المتعاقدين على البيع.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ أقال أخاه المسلم صفقةً يكرهها أقاله الله عثرته يوم القيامة »(١) .

إذا عرفت هذا ، فالإقالة أن يقول المتبايعان : تقايلنا ، أو : تفاسخنا ، أو يقول أحدهما : أقلتك ، فيقبل الآخر.

ولو تقايلا بلفظ البيع ، فإن قصدا الإقالة المحضة ، لم يلحقها لواحق البيع حيث لم يقصداه.

مسالة ٦٢٧ : الإقالة فسخ للعقد الأوّل‌ ، وليست بيعاً عندنا - وهو أصحّ قولي الشافعي(٢) - لأنّها لو كانت بيعاً لصحّت مع غير البائع وبغير الثمن الأوّل.

وقال في القديم : إنّها بيع - وبه قال مالك - لأنّها نقل ملك بعوض بإيجابٍ وقبول ، فأشبهت التولية(٣) .

____________________

(١) شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ١٢٠ / ٢١١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٠.

(٢) الوسيط ٣ : ١٤٠ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٣ ، المجموع ٩ : ٢٠٠ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٣) الوسيط ٣ : ١٤٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٠٣ ، ١١٧٩ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

١١٨

والمشابهة لا تستلزم الاتّحاد ، وتُعارض بما تقدّم ، وبأنّ المبيع رجع إليه بلفظ لا ينعقد به البيع ابتداءً ، فلم يكن بيعاً ، كالردّ بالعيب.

إذا عرفت هذا ، فالإقالة إذا ذُكرت بلفظ الإقالة ، فيه الخلاف السابق ، أمّا إذا ذكرت بلفظ الفسخ ، فلا خلاف في أنّها فسخ ، وليست بيعاً ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

مسالة ٦٢٨ : والإقالة فسخ في حقّ المتعاقدين وغيرهما ؛ للأصل. ولأنّ الصيغة ليست لفظ بيع. ولأنّ ما كان فسخاً في حقّ المتعاقدين كان فسخاً في حقّ غيرهما ، كالردّ بالعيب.

وقال أبو حنيفة : إنّها فسخ في حقّ المتعاقدين ، وهي بمنزلة البيع في حقّ غيرهما ، فيثبت فيها الشفعة للشفيع ، لأنّ الإقالة نقل ملك بعوض هو مال ، فيثبت فيه الشفعة ، كالبيع(٢) .

ونمنع كونها نقل ملك ، بل إعادة للملك الأوّل ، فبها يعود الملك الأوّل إذا فسخ العقد.

وقال أبو يوسف : هي بيع بعد القبض ، وفسخ قبله ، إلّا في العقار ، فإنّها بيع فيه قبل القبض وبعده(٣) .

مسالة ٦٢٩ : لا تثبت الشفعة عندنا بالإقالة وإن أتى بها قاصداً لها بلفظ البيع ؛ لأنّ القصد المعنى.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٣.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٤ - ٥٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦ ، تحفة الفقهاء ٢ : ١١٠ - ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٣٠٦ و ٣٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٨٦.

١١٩

وقال أبو حنيفة : يثبت فيها الشفعة وإن كان بلفظ الإقالة(١) .

ولو تقايلا في الصرف ، لم يجب التقابض في المجلس ؛ لأنّها ليست بيعاً. ومَنْ جَعَلها بيعاً أوجب التقابض فيه.

وتجوز الإقالة قبل قبض المبيع ؛ لأنّها ليست بيعاً. ومَنْ جَعَلها بيعاً مَنَع.

وتجوز في السَّلَم قبل القبض إن كانت فسخاً ، وإن كانت بيعاً ، فلا.

ولا تجوز الإقالة بعد تلف المبيع إن كانت بيعاً ، وتجوز إن كانت فسخاً.

وللشافعيّة على تقدير كونها فسخاً وجهان :

أحدهما : المنع ، كالردّ بالعيب.

وأصحّهما عندهم : الجواز ، كالفسخ بالتحالف ، فعلى هذا يردّ المشتري على البائع مثل المبيع إن كان مثليّاً ، وقيمته إن كان متقوّماً(٢) .

مسالة ٦٣٠ : يشترط في الإقالة عدم الزيادة في الثمن والنقصان فيه لا قدراً ولا وصفاً ، فلو أقاله بأكثر أو أقلّ ، فسدت الإقالة ، وكان المبيع باقياً على ملك المشتري - وبه قال الشافعي(٣) - لأنها فسخ في الحقيقة ، ومقتضاه عود كلّ عوض إلى مالكه ، وليست من الألفاظ الناقلة ، كالبيع وشبهه بحيث يحصل ملك الزيادة بها.

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٢ : ١١٠ - ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٣٠٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٣ - ٤٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤.

١٢٠