تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119826 / تحميل: 5661
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

بعت بألف ، ويقول المشتري : ما اشتريت بألف وإنّما اشتريت بخمسمائة(١) .

وقال الشافعي : لو تداعيا داراً في أيديهما فادّعى كلٌّ منهما أنّ جميعها له ، حلف كلّ واحد على مجرّد نفي استحقاق صاحبه ما في يده ، ولو حلف أحدهما ونكل الآخر ، حلف الحالف يميناً اُخرى للإثبات(٢) .

قال أصحابه : ففي القولين طريقان :

أحدهما : تقرير القولين.

والفرق بينهما : أنّ في مسألة التداعي يحلف أحدهما على نفي دعوى صاحبه في النصف الذي في يده ، ويكون القول قول الآخر في النصف الآخر ، فإذا نكل ، رددنا اليمين على الأوّل ، وهنا يحلف على صفة عقدٍ تضمّن إثباتاً ونفياً ، فلهذا كفى يمين واحدة ؛ لأنّ العقد واحد اتّفاقاً والتنازع في صفته ، فكأنّ الدعوى واحدة ، فجاز التعرّض في اليمين الواحدة للنفي والإثبات ، فمنفيّ كلّ واحد منهما في ضمن مثبتة ، ومنفيّ كلّ واحد منهما في صورة الدار ممتاز عن مثبتة ، فلا معنى ليمينه على الإثبات قبل نكول صاحبه.

الثاني : التصرّف بتخريج قول من مسألة الدار فيما نحن فيه.

ووجهه : الجري على قياس الخصومات ، فإنّ يمين الإثبات لا يُبدأ بها في غير القسامة.

وهل يتصرّف بتخريج قول فيما(٣) نحن فيه من مسألة الدار أيضاً؟

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٠١ ، الوسيط ٣ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٤ - ٣٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٥ - ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٢.

(٣) كذا ، وفي المصدر : « ما » بدل « فيما ».

١٠١

قال كثير منهم : نعم ، حتى يكون قولان بالنقل والتخريج(١) .

وقال الجويني وغيره : لا ؛ لأنّ كلّ واحد لا يحتاج فيما في يده إلى الإثبات ، واليمين على الإثبات يمين الردّ ، فكيف يحلف الأوّل يمين الردّ وصاحبه لم ينكل بَعْدُ!؟ وكيف يحلفها الثاني وقد حلف صاحبه!؟(٢) .

مسالة ٦١٤ : إذا حلف البائع أنّه لم يبع العبد‌ ، وحلف المشتري أنّه لم يشتر الجارية ، انفسخ العقدان. وإن نكل المشتري عن يمين النفي ، حلف البائع يميناً اُخرى على إثبات دعواه ، وحُكم على المشتري. ومَنْ قضى بالنكول لم يكلّف البائع يمين الإثبات ، بل يحكم له بمجرّد النكول.

وعند الشافعي : إذا اكتفينا بيمينٍ واحدة ، يجمع بين النفي والإثبات ؛ لأنّه أفصل للحكم وأسهل على الحاكم ، وجوّزنا(٣) الإثبات قبل نكول. الخصم ؛ لأنّه تبع للنفي. ولأنّهما يتحالفان على الإثبات من غير نكول وإن كانت يمينين(٤) ، فإذا حلف أحدهما ونكل الثاني ، قضي للحالف ، سواء نكل عن النفي والإثبات جميعاً أو عن أحدهما. والنكول عن البعض كهو عن الكلّ(٥) .

وينبغي أن يقدّم النفي - سواء حلف يميناً واحدة أو اثنتين ؛ لأصالته في الأيمان - على الإثبات(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٢ - ٣٨٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣.

(٣) في « ي » : « جوّز ».

(٤) قوله : « لأنّه أفصل للحكم وإن كانت يمينين » لم يرد في المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة زيادة : « وقال بعض الشافعيّة : يقدّم الإثبات ؛ لأنّه المقصود ». وحذفناها لزيادتها.

١٠٢

وقال أبو سعيد : يقدّم الإثبات ؛ لأنّ الله تعالى قدّمه في اللعان على النفي ، فقال في اليمين( وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) (١) ولأنّه المقصود من الحالف(٢) .

وليس بصحيح ؛ لأنّ الأصل في الأيمان إنّما هو النفي ، وأمّا الإثبات فإنّما يكون فيها بالنكول أو تبعا للنفي ، فيجب أن يقدّم النفي ، وكلّ أيمان اللعان إثبات ، وليس فيها نفي. وقوله( إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) إثبات للصدق ، مثل قوله( إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ ) (٣) .

وهل الخلاف في الاستحباب أو الاستحقاق؟ الأظهر عندهم : الأوّل(٤) .

ونقل الجويني الثاني(٥) .

فإذا قلنا : يحلف أوّلاً على مجرّد النفي ، فلو أضاف إليه الإثبات ، كان لغواً.

وإذا حلف مَنْ وقعت البداءة به على النفي ، عُرضت اليمين على الثاني ، فإن نكل ، حلف الأوّل على الإثبات ، وقضي له.

وإن نكل عن الإثبات ، لم يقض له ، لاحتمال صدقه فيما يدّعيه(٦) صاحبه وكذبه فيما يدّعيه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه كما لو تحالفا ؛ لأنّ نكول المردود عليه عن‌

____________________

(١) النور : ٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ ، الوسيط ٣ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٣) النور : ٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٣٥.

(٦) في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ : « في نفي ما يدّعيه ».

١٠٣

يمين الردّ ينزّل في الدعوى منزلة حلف الناكل أوّلاً(١) .

ولو نكل الأوّل عن اليمين ، حلف الآخر على النفي والإثبات ، وقضي له.

ولو حلفا(٢) على النفي ، فوجهان :

أصحّهما عندهم أنّه يكفي ذلك ، ولا حاجة بعده إلى يمين الإثبات ؛ لأنّ المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن وقد حصلت.

والثاني : أنّه تُعرض يمين الإثبات عليهما ، فإن حلفا ، تمّ التحالف ، وإن نكل أحدهما ، قضي للحالف(٣) .

والقول في أنّه تُقدّم يمين النفي أو الإثبات كما ذكرنا على تقدير الاكتفاء بيمينٍ واحدة.

ولو عُرض اليمين عليهما فنكلا جميعاً ، فوجهان :

قال(٤) الجويني : إنّ تناكلهما كتحالفهما ، فإنّه إذا تداعى رجلان مولوداً ، كان ذلك كتحالفهما.

والثاني : أنّه يوقف الأمر كأنّهما تركا الخصومة(٥) .

المطلب الثالث : في حكم التحالف.

مسالة ٦١٥ : إذا حلف كلّ من المتبايعين يمين النفي‌ ، سقطت الدعويان عندنا ، كما لو ادّعى على الغير بيع شي‌ء أو شراءه ، فأنكر وحلف ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « حلف ». والظاهر ما أثبتناه من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وقال ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦. ولا يخفى أنّ في المصدرين نُسب الوجه الثاني إلى الجويني أيضاً.

١٠٤

سقطت الدعوى ، وكان الملك باقياً على حاله ، ولم يحكم بثبوت عقد حتى يحكم بانفساخه.

وأمّا الشافعي القائل بالتحالف فقال : إذا تحالف المتعاقدان ، ففي العقد وجهان :

أحدهما : أنّه لا ينفسخ بنفس التحالف.

وفيه وجه آخر : أنّه ينفسخ بالتحالف ، كما ينفسخ النكاح بتحالف المتلاعنين. ولأنّ التحالف يحقّق ما قالاه ، ولو قال البائع : بعت بألف ، فقال المشتري : اشتريت بخمسمائة ، لم ينعقد ، فكذا هنا(١) .

قال القاضي أبو الطيّب : الأوّل هو المنصوص للشافعي في كتبه القديمة والجديدة لا أعرف له غير ذلك ؛ لأنّ البيّنة أقوى من اليمين ، ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً على ما يقوله ، لا ينفسخ العقد ، فاليمين أولى بعدم الفسخ. ولا يشبه اللعان ؛ لأنّ قول الزوج يقطع النكاح ، فقامت يمينه مقام طلاقه ، بخلاف المتنازع(٢) .

مسالة ٦١٦ : لو رجع أحدهما إلى قول الآخر‌ ، فإن كان قبل التحالف ، حكم بمقتضى عقده. وإن كان بعد التحالف ، فكذلك ، فلو حلف أنّه لم يبع الجارية وحلف المشتري أنّه لم يشتر العبد ثمّ اعترف المشتري بصدق البائع ، كان حكمه حكم ما لو حلف المنكر ثمّ كذب بيمينه. قال علماؤنا : اليمين قاطعة للدعوى ، فإن جاء الحالف تائباً إلى الله تعالى ودفع ما حلف عليه ، كان لصاحبه أخذه ، فكذا يتأتّى هنا.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٥ - ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، وفيه بعض المقصود.

١٠٥

وأمّا الشافعي فله قولان :

أحدهما : فسخ العقد بمجرّد التحالف من غير حاجة إلى حكم الحاكم بالفسخ.

والثاني : أنّه لا ينفسخ إلّا بحكم الحاكم(١) .

فعلى الأوّل فإنّهما يترادّان.

ولو تقارّا على أحد اليمينين(٢) ، لم يعد نافذاً ، بل لا بُدَّ من تجديد عقدٍ.

وهل ينفسخ في الحال أو يتبيّن ارتفاعه من أصله؟ للشافعيّة وجهان ، أظهرهما : الأوّل ؛ لنفوذ تصرّفات المشتري قبل الاختلاف.

وعلى هذا فالحاكم يدعوهما بعد التحالف إلى الموافقة ، فينظر هل يعطي المشتري ما يقوله البائع من الثمن؟ فإن فعل ، اُجبر البائع عليه ، وإلّا نظر هل يقنع البائع بما يقوله المشتري؟ فإن فعل فذاك ، وإلّا فحينئذٍ يحتاج إلى فسخ العقد.

ومَن الذي يفسخه؟ وجهان :

أحدهما : الحاكم ، لتعذّر إمضائه في الحكم ، وكالفسخ في العنّة ، لأنّه فسخ مجتهد فيه.

وأظهرهما عندهم : أنّ للمتعاقدين أيضاً أن يفسخا ، ولأحدهما(٣) أن‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) في « س ، ي » : « الثمنين ».

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وأحدهما ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».

١٠٦

ينفرد به ، كالفسخ بالعيب(١) .

قال الجويني : إذا قلنا : الحاكم هو الذي يفسخ ، فذلك إذا استمرّا على النزاع ولم يفسخا أو التمسا الفسخ ، فأمّا إذا أعرضا عن الخصومة ولم يتوافقا على شي‌ء ولا فَسَخا ، ففيه نظر(٢) .

وإذا فسخ العقد إمّا بفسخهما أو بفسخ الحاكم ، وقع الفسخ ظاهراً.

وهل يقع باطناً؟ فيه للشافعيّة(٣) ثلاثة أوجه :

أحدها : لا ، لأنّ سبب الفسخ تعذّر إمضائه ، لعدم الوقوف على الثمن ، وأنّه أمر يتعلّق بالظاهر ، والعقد وقع صحيحا في نفسه ، وإنّما تعذّر إمضاؤه في الظاهر ، فكان الفسخ في الظاهر دون الباطن.

والثاني : أنّه يقع ظاهرا وباطنا ، لأنّه فسخ لاستدراك الظلامة ، فأشبه الردّ بالعيب.

والثالث : أنّ البائع إن كان ظالما ، فالفسخ يقع ظاهرا لا باطنا ، لأنّه يمكنه استيفاء الثمن وتسليم المبيع ، فإذا امتنع ، كان عاصيا ، فلا يقع الفسخ بذلك. وإن كان المشتري ظالما ، وقع الفسخ ظاهرا وباطنا ، لأنّ البائع لا يصل إلى حقّه من الثمن ، فاستحقّ الفسخ ، كما لو أفلس المشتري(٤) .

وهل يجري مثل هذا الخلاف إذا فرّعنا على انفساخ العقد بنفس‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « للشافعي ».

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، حلية العلماء ٣٢٦ - ٣٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٤ - ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٦ - ٢٣٧.

١٠٧

التحالف أم يجزم بالارتفاع باطناً أيضاً؟ اختلفوا فيه(١) .

وإذا قلنا بالارتفاع باطناً ، ترادّا ، وتصرّف كلٌّ منهما فيما عاد إليه. وإن منعناه ، لم يجز لهما التصرّف ، لكن لو كان البائع صادقاً ، فهو ظافر بمال من ظلمه لما استردّ المبيع ، فله بيعه بالحاكم في أحد الوجهين ، أو بنفسه في أصحّهما عندهم(٢) ، واستيفاء حقّه من ثمنه.

إذا تقرّر هذا ، فكلّ موضع قلنا : إنّ الفسخ يقع ظاهراً وباطناً ، فإنّ للبائع التصرّف في المبيع بجميع أنواع التصرّف حتى بالوطئ. وإن قلنا : يقع ظاهراً دون الباطن ، فإن كان البائع ظالماً ، لم يجز له التصرّف في المبيع بوجه ، ووجب عليه ردّه على المشتري بالثمن المسمّى ؛ لأنّه لا يجوز له أن يستبيح ملك غيره بظلمه. وإن كان المشتري ظالماً ، فإنّ البائع قد حصل في يده ملك المشتري ، وله عليه الثمن ، وهو من غير جنسه ، فله أن يبيع جميعه أو مقدار حقّه.

وهل يبيعه بنفسه أو يتولّاه الحاكم؟ وجهان(٣) :

أحدهما : أنّه يرفعه إلى الحاكم ليبيعه ؛ لأنّ الولاية للحاكم على صاحبه دون هذا البائع.

والثاني : يبيعه بنفسه - وهو منصوص الشافعي - لأنّه يتعذّر عليه رفعه إلى الحاكم وإثبات حقّه عنده ، فجُوّز ذلك للضرورة ، كما جُوّز إمساك ملك المشتري للحاجة.

وعندنا إن تمكّن من الحاكم ، وجب ، وإلّا تولّاه بنفسه ، فإذا باعه فإن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

(٢ و ٣ ) حلية العلماء ٤ : ٣٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

١٠٨

كان الثمن وفق حقّه ، فقد استوفاه. وإن نقص ، فالباقي في ذمّة المشتري. وإن فضل ، فللمشتري. وإن تلف هذا في يده ، كان من ضمانه. وإن تحالفا بعد تلف السلعة ، وجب ردّ قيمة المبيع.

ومتى تعتبر قيمته؟ على وجهين :

أحدهما : أكثر ما كانت من حين القبض.

والثاني : حال التلف ، كالمقبوض على وجه السوم(١) .

وهذه الفروع مبنيّة على ما إذا اختلفا في قدر الثمن. وذكر الجويني عبارةً نحو(٢) هذه الصورة وغيرها ، وهي : أنّ الفسخ إن صدر من المحقّ ، فالوجه : تنفيذه باطناً. وإن صدر من المبطل ، فالوجه : منعه. وإن صدر منهما جميعاً ، قال : لا شكّ في الانفساخ ، وليس ذلك موضع الخلاف ، وكان كما لو تقايلا. وإذا صدر من المبطل ، لم ينفذ باطناً. وطريق الصادق إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه. وإن صدر الفسخ من الحاكم ، فالظاهر الانفساخ باطناً لينتفع به المحقّ(٣) .

واعلم أنّ هذا لا يتأتى على مذهبنا فيما إذا كان الاختلاف في كمّيّة الثمن ، وإنّما يقع فيما إذا اختلفا في تعيين المبيع ، كالعبد أو الجارية ، أو في تعيين الثمن ، كالذهب أو الفضّة ، وهنا نقول : إنّ المبطل لا يباح له التصرّف فيما صار إليه ، والمحقّ له التصرّف.

مسالة ٦١٧ : إذا فسخ البيع ، كان على المشتري ردّ المبيع إن كان قائماً‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ - ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « تجري » بدل « نحو ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧ ، والعبارة فيهما هكذا : « وإذا صدر من المبطل ولم ينفذه باطناً ، فطريق الصادق ».

١٠٩

بحاله ؛ لقولهعليه‌السلام : « إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادّا » رواه العامّة(١) .

وهذا عندنا صحيح فيما إذا كان الاختلاف في الأعيان المتعدّدة ، لا في قدر الثمن ، فإذا كان المشتري قد أخذ ما ادّعاه وسقطت دعواه بيمين البائع ، وجب عليه ردّ ما أخذه ؛ لظهور بطلان الأخذ بيمين البائع.

وإن تلف في يد المشتري ، فعليه قيمته ، سواء كانت أكثر من الثمن أو أقلّ.

وهل يعتبر وقت التلف ؛ لأنّ مورد الفسخ العين لو بقيت ، والقيمة خلف عنها ، فإذا فات الأصل ، فحينئذٍ ينظر إليها ، أو يوم القبض ؛ لأنّه وقت دخول المبيع في ضمانه ، أو الأقلّ ؛ لأنّها إن كانت يوم العقد أقلّ ، فالزيادة حدثت في ملك المشتري ، وإن كان يوم القبض أقلّ ، فهو يوم دخوله في ضمانه ، أو بأعلى القِيَم من يوم القبض إلى يوم التلف ؛ لأنّ يده يد ضمان ، فتعيّن أعلى القِيَم؟

وللشافعيّة هذه الاحتمالات الأربعة أقوال(٢) فيما قلناه(٣) وفيما إذا اختلفا في قدر الثمن أو الأجل أو الضمين أو غير ذلك(٤) على ما تقدّم.

مسالة ٦١٨ : لو زادت العين في يد المشتري ، فإمّا زيادة متّصلة أو منفصلة.

فإن كانت متّصلة ، فهي للبائع يردّها المشتري مع العين.

وإن كانت منفصلةً ، كالولد والثمرة والكسب والمهر ، فإن قلنا : العقد‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أقوالاً ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « نقلناه ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٥ - ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

١١٠

يرتفع من أصله - وهو الظاهر عندنا إذا وقع التنازع في تعيين المبيع أو تعيين الثمن أيّ العينين هو؟ - فالنماء للبائع ، ويجب أقصى القِيَم لو تلف المبيع.

وإن قلنا : من حينه ، فالنماء للمشتري ، وعليه القيمة يوم التلف.

وعند الشافعي يتأتّى ذلك في هذه الصورة وفيما إذا اختلفا في قدر الثمن وغيره على ما سلف(١) .

وقال بعض الشافعيّة : هذا الخلاف السابق في القيمة متى تعتبر؟ نظرا إلى أنّ العقد يرتفع من أصله أو من حينه؟ إن قلنا بالأوّل ، فالواجب أقصى القيم. وإن قلنا بالثاني ، اعتبرنا قيمته يوم التلف(٢) .

مسالة ٦١٩ : لو اشترى عبدين وتلف أحدهما ثمّ اختلفا في قدر الثمن ، قدّم قول المشتري مع يمينه ، كما ذهبنا إليه.

وقال الشافعي : يتحالفان ، بناءً على أصله(٣) .

وهل يردّ الباقي؟ فيه الخلاف المذكور في مثله إذا وجد الباقي معيباً. وإن قلنا : يردّ ، فيضمّ قيمة التالف إليه ، وفي القيمة المعتبرة الوجوه الأربعة(٤) .

اعترض : بأنّه لِمَ كان الأصحّ هنا غير الأصحّ في القيمة المعتبرة لمعرفة الأرش؟

اُجيب : يجوز أن يكون السبب فيه أنّ النظر إلى القيمة ثَمَّ ليس ليغرم ، ولكن ليعرف منها الأرش الذي هو جزء من الثمن ، وكذلك‌

____________________

(١) في ذيل المسألة السابقة.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٧.

١١١

العوض(١) فيما إذا تلف أحد العبدين ووجدنا عيباً بالباقي وجوّزنا إفراده بالردّ ، يوزّع(٢) الثمن على قيمة التالف والباقي ، وهاهنا المغروم القيمة ، فكان النظر إلى حالة الإتلاف أليق(٣) .

ولو كان المبيع قائماً إلّا أنّه قد تعيّب ، ردّه مع الأرش ، وهو قدر ما نقص من القيمة ؛ لأنّ الكلّ مضمون على المشتري بالقيمة ، فيكون البعض مضموناً ببعض القيمة.

أمّا المبيع لو تعيّب في يد البائع وأفضى الأمر إلى الأرش ، وجب جزء من الثمن ؛ لأنّ الكلّ مضمون على البائع بالثمن ، فكذا البعض.

وهذا أصل مطّرد في المسائل أنّ كلّ موضع لو تلف الكلّ ، كان مضموناً على الشخص بالقيمة ، فإذا تلف البعض ، كان مضموناً عليه ببعض القيمة ، كالمغصوب وغيره ، إلّا في صورة واحدة ، وهي : ما إذا عجّل زكاته ثمّ تلف ماله قبل الحول وكان ما عجّل تالفاً ، يغرم المسكين القيمة ، ولو تعيّب ، ففي الأرش وجهان للشافعيّة(٤) .

تذنيب : لو اختلفا في القيمة الواجبة عليه أو الأرش ، قدّم قول المشتري مع اليمين ؛ لأنّه الغارم.

مسالة ٦٢٠ : التلف قد يكون حقيقيّاً‌ ، كما لو هلكت العين ، وقد يكون حكميّاً ، كما لو أعتق المشتري أو وقف أو باع أو وهب وأقبض وتعوّض ،

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « الفرض » وفي « ي » : « العرض » بدل « العوض ». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) في « س » والطبعة الحجريّة : « بالردّ توزيع » وفي « ي » : « بالردّ وتوزيع ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

١١٢

وهنا يكون للبائع انتزاع العين ، ويحكم ببطلان هذه العقود ، وهو قول بعض الشافعية(١) .

وقال بعضهم : إنّ هذه التصرّفات بمنزلة الإتلاف ، فتجب القيمة ، وتبقى هذه التصرّفات على الصحّة(٢) . وليس جيّداً.

والتعيّب أيضاً قد يكون حقيقيّاً ، كما لو تلف جزء من المبيع أو نقصت صفة من صفاته ، وقد يكون حكميّاً ، كما لو زوّج الجارية المبيعة أو العبد المبيع ، فعندنا يبطل النكاح إن لم يجز البائع ، وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) .

وقال بعضهم : على المشتري ما بين قيمتها مزوّجةً وخليّةً ، وتعود إلى البائع والنكاح بحاله(٤) .

مسالة ٦٢١ : لو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشتري‌ ، كان عليه قيمته للبائع إذا حلف أنّه لم يبعه ، لتعذّر الوصول إليه.

وقال الشافعي : إذا تحالفا ، لم يمتنع الفسخ ، فإنّ الإباق لا يزيد على التلف ، ويغرم المشتري القيمة(٥) كما قلناه.

ولو كاتبه المشتري كتابةً صحيحة ، كان للبائع فسخها.

وقال الشافعي : يتمّ مكاتباً ، ثمّ يغرّم المشتري القيمة ، كالإباق(٦) .

ولو رهنه ، كان للبائع انتزاعه

وقال الشافعي : تخيّر البائع بين أخذ القيمة والصبر إلى انفكاك‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٣ - ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

١١٣

الرهن(١) .

ولو آجره ، كان للبائع أخذه وفسخ الإجارة.

وقال الشافعي : يبنى على أنّ بيع المستأجر هل يجوز؟ إن قلنا : لا ، فهو كما لو رهنه. وإن قلنا : نعم ، فللبائع أخذه ، لكنّه يترك عند المستأجر إلى انقضاء المدّة ، والاُجرة المسمّاة للمشتري، وعليه للبائع اُجرة المثل للمدّة الباقية. وإن كان قد آجره من البائع ، فله أخذه لا محالة.

وفي انفساخ الإجارة وجهان ، كما لو باع الدار المستأجرة من المستأجر إن قلنا : لا ينفسخ ، فعلى البائع المسمّى للمشتري ، وعلى المشتري اُجرة مثل المدّة الباقية للبائع.

وإذا غرم القيمة في هذه الصورة ثمّ ارتفع السبب الحائل وأمكن الردّ ، هل تستردّ القيمة وتردّ العين؟ يبنى ذلك على أنّه قبل ارتفاع الحائل ملك مَنْ هو؟(٢) .

أمّا الآبق ففيه وجهان :

أحدهما : أنّه يبقى للمشتري ، والفسخ لا يرد على الآبق ، وإنّما هو وارد على القيمة.

وأصحّهما عندنا وعندهم(٣) أنّه في إباقه ملك البائع ، والفسخ وارد عليه ، وإنّما وجبت القيمة؛ للحيلولة.

وأمّا المرهون والمكاتب ففيهما طريقان :

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٨ - ٢٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٩.

١١٤

أحدهما : طرد الوجهين.

وأظهرهما عندهم : القطع ببقاء الملك للمشتري ، كما أنّ المشتري إذا أفلس بالثمن والعبد آبق ، يجوز للبائع الفسخ والرجوع إليه. ولو كان مرهوناً أو مكاتباً ، ليس له ذلك(١) .

والوجه عندنا بطلان الكتابة والرهن كما قلنا.

وأمّا المكتري إذا منعنا بيعه ، فهو كالمرهون والمكاتب ، أو كالآبق ؛ لأنّ حقّ المكري لا يتعلّق بمورد البيع والفسخ ، وهو الرقبة؟ فيه للشافعيّة احتمالات(٢) .

قال الجويني : وإذا قلنا ببقاء الملك للمشتري ، فالفسخ وارد على القيمة ، كما في صورة التلف، فلا ردّ ولا استرداد. وإذا قلنا بانقلابه إلى البائع ، ثبت الردّ والاسترداد عند ارتفاع الحيلولة(٣) .

مسالة ٦٢٢ : لو اختلف المتبايعان ، فادّعى أحدهما حُرّيّة العبد المبيع وأنكر الآخر‌ ، فالقول قول المنكر مع يمينه.

قال الشافعي : إذا حلف كلٌّ منهما ، فبعد التحالف أو قبله لم يحكم بحُرّيّة العبد المبيع إن لم يكن الأمر كما قال ، فلا يعتق العبد في الحال ؛ لأنّه ملك المشتري ، وهو صادق بزعمه(٤) .

ثمّ إن فسخ العقد أو عاد العبد إلى البائع بسببٍ آخر ، عُتق عليه ؛ لأنّ المشتري كاذب بزعمه ، والعبد قد عُتق عليه ، فهو بمنزلة مَنْ أقرّ بحُرّيّة العبد ثمّ اشتراه ، ولا يعتق في الباطن إن كان البائع كاذباً ، ويعتق على‌

____________________

(١ - ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٩.

١١٥

المشتري إن كان صادقاً ، وولاء هذا العبد موقوف لا يدّعيه البائع ولا المشتري.

ولو صدّق المشتري البائع ، حكم بعتقه عليه ، ويرد الفسخ إن تفاسخا ، كما لو ردّ العبد بعيب ثمّ قال : كنت أعتقته ، يرد الفسخ ، ويحكم بعتقه.

ولو صدّق البائع المشتري ، نظر إن حلف البائع بالحُرّيّة أوّلاً ثمّ المشتري ، فإذا صدّقه البائع عقيب يمينه ثمّ عاد العبد إليه ، لم يعتق ؛ لأنّه لم يكذّب المشتري بعد ما حلف بالحُرّيّة حتى يجعل مُقرّاً بعتقه. وإن حلف المشتري بحُرّيّته أوّلاً ثمّ حلف البائع وصدّقه ، عُتِق إذا عاد إليه ؛ لأنّ حلفه بعد حلف المشتري تكذيب له وإقرار بالحُرّيّة عليه.

ولو كان المبيع بعض العبد ، فإذا عاد إلى ملك البائع ، عُتق ذلك القدر عليه ، ولم يقوَّم عليه الباقي ؛ لأنّه لم يحصل العتق بمباشرته(١) ، بل بإقراره على غيره ، فصار كما لو خلّف ابنين وعبداً ، وقال أحدهما : إنّ أبي أعتق هذا العبد ، وأنكره الآخر ، فعتُق(٢) نصيب المقرّ ، ولا يقوّم عليه الباقي.

مسالة ٦٢٣ : لو كان المبيع جاريةً ووطئها المشتري ثمّ اختلفا في قدر الثمن‌ ، حلف المشتري ، عندنا إن كانت السلعة تالفةً. وإن كانت باقيةً ، حلف البائع.

وعند الشافعي يتحالفان ، ثمّ إن كانت ثيّباً ، فلا أرش عليه مع ردّها. وإن كانت بكراً ، ردّها مع أرش البكارة ؛ لأنّه نقصان جزء(٣) .

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لمباشرته ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) كذا ، والظاهر : « فيعتق ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

١١٦

ولو ترافعا إلى مجلس الحكم ولم يتحالفا بَعْدُ ، فأصحّ وجهي الشافعيّة : أنّ للمشتري وطء الجارية ؛ لبقاء ملكه(١) . وبعد التحالف وقبل الفسخ وجهان مرتّبان(٢) ، وأولى بالتحريم ؛ لإشرافه على الزوال(٣) .

مسالة ٦٢٤ : لو جرى البيع بين الوكيلين واختلفا‌ ، للشافعي في تحالفهما وجهان ، وجه المنع : أنّ غرض اليمين ليخاف الظالم فيقرّ ، وإقرار الوكيل على موكّله غير مقبول(٤) .

ولو تقايل المتبايعان أو ردّ المشتري المبيع بالعيب بعد قبض البائع الثمن واختلفا في قدر الثمن ، فالقول قول البائع مع يمينه - قاله الشافعي(٥) - لأنّ العقد قد ارتفع ، والمشتري يدّعي زيادة ، والأصل عدمها.

مسالة ٦٢٥ : لو ادّعى الفسخ قبل التفرّق وأنكر الآخر‌ ، قدّم قول المنكر مع اليمين ، لأصالة البقاء.

ولو قلنا بالتحالف فيما إذا اختلفا في قدر الثمن فاختلفا في قيمة السلعة التالفة ، رجع إلى قيمة مثلها موصوفاً بصفاتها ، فإن اختلفا في الصفة ، قُدّم قول المشتري ؛ لأصالة براءته.

ولو تقايلا البيع أو ردّ بعيب بعد قبض الثمن ثمّ اختلفا في قدره ، قدّم قول البائع مع يمينه ، لأنّه منكر لما يدّعيه المشتري بعد الفسخ(٦) .

ولو قال : بعتك وأنا صبي ، فقال : بل كنت بالغاً ، قُدّم قول مدّعي الصحّة.

ويحتمل تقديم قول البائع ؛ لأصالة البقاء.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « قريبان » بدل « مرتّبان ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤٠.

(٦) مرّ هذا الفرع في ذيل المسألة ٦٢٤.

١١٧

ولو قال : بعت وأنا مجنون ، ولم يعلم له سبقه ، قُدّم قول المشتري مع يمينه ، وإلّا فكالصبي.

خاتمة تشتمل على الإقالة :

مسالة ٦٢٦ : الإقالة بعد البيع جائزة بل تستحبّ إذا ندم أحد المتعاقدين على البيع.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ أقال أخاه المسلم صفقةً يكرهها أقاله الله عثرته يوم القيامة »(١) .

إذا عرفت هذا ، فالإقالة أن يقول المتبايعان : تقايلنا ، أو : تفاسخنا ، أو يقول أحدهما : أقلتك ، فيقبل الآخر.

ولو تقايلا بلفظ البيع ، فإن قصدا الإقالة المحضة ، لم يلحقها لواحق البيع حيث لم يقصداه.

مسالة ٦٢٧ : الإقالة فسخ للعقد الأوّل‌ ، وليست بيعاً عندنا - وهو أصحّ قولي الشافعي(٢) - لأنّها لو كانت بيعاً لصحّت مع غير البائع وبغير الثمن الأوّل.

وقال في القديم : إنّها بيع - وبه قال مالك - لأنّها نقل ملك بعوض بإيجابٍ وقبول ، فأشبهت التولية(٣) .

____________________

(١) شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ١٢٠ / ٢١١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٠.

(٢) الوسيط ٣ : ١٤٠ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٣ ، المجموع ٩ : ٢٠٠ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٣) الوسيط ٣ : ١٤٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٠٣ ، ١١٧٩ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

١١٨

والمشابهة لا تستلزم الاتّحاد ، وتُعارض بما تقدّم ، وبأنّ المبيع رجع إليه بلفظ لا ينعقد به البيع ابتداءً ، فلم يكن بيعاً ، كالردّ بالعيب.

إذا عرفت هذا ، فالإقالة إذا ذُكرت بلفظ الإقالة ، فيه الخلاف السابق ، أمّا إذا ذكرت بلفظ الفسخ ، فلا خلاف في أنّها فسخ ، وليست بيعاً ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

مسالة ٦٢٨ : والإقالة فسخ في حقّ المتعاقدين وغيرهما ؛ للأصل. ولأنّ الصيغة ليست لفظ بيع. ولأنّ ما كان فسخاً في حقّ المتعاقدين كان فسخاً في حقّ غيرهما ، كالردّ بالعيب.

وقال أبو حنيفة : إنّها فسخ في حقّ المتعاقدين ، وهي بمنزلة البيع في حقّ غيرهما ، فيثبت فيها الشفعة للشفيع ، لأنّ الإقالة نقل ملك بعوض هو مال ، فيثبت فيه الشفعة ، كالبيع(٢) .

ونمنع كونها نقل ملك ، بل إعادة للملك الأوّل ، فبها يعود الملك الأوّل إذا فسخ العقد.

وقال أبو يوسف : هي بيع بعد القبض ، وفسخ قبله ، إلّا في العقار ، فإنّها بيع فيه قبل القبض وبعده(٣) .

مسالة ٦٢٩ : لا تثبت الشفعة عندنا بالإقالة وإن أتى بها قاصداً لها بلفظ البيع ؛ لأنّ القصد المعنى.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٣.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٤ - ٥٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦ ، تحفة الفقهاء ٢ : ١١٠ - ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٣٠٦ و ٣٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، المغني ٤ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٢.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٨٦.

١١٩

وقال أبو حنيفة : يثبت فيها الشفعة وإن كان بلفظ الإقالة(١) .

ولو تقايلا في الصرف ، لم يجب التقابض في المجلس ؛ لأنّها ليست بيعاً. ومَنْ جَعَلها بيعاً أوجب التقابض فيه.

وتجوز الإقالة قبل قبض المبيع ؛ لأنّها ليست بيعاً. ومَنْ جَعَلها بيعاً مَنَع.

وتجوز في السَّلَم قبل القبض إن كانت فسخاً ، وإن كانت بيعاً ، فلا.

ولا تجوز الإقالة بعد تلف المبيع إن كانت بيعاً ، وتجوز إن كانت فسخاً.

وللشافعيّة على تقدير كونها فسخاً وجهان :

أحدهما : المنع ، كالردّ بالعيب.

وأصحّهما عندهم : الجواز ، كالفسخ بالتحالف ، فعلى هذا يردّ المشتري على البائع مثل المبيع إن كان مثليّاً ، وقيمته إن كان متقوّماً(٢) .

مسالة ٦٣٠ : يشترط في الإقالة عدم الزيادة في الثمن والنقصان فيه لا قدراً ولا وصفاً ، فلو أقاله بأكثر أو أقلّ ، فسدت الإقالة ، وكان المبيع باقياً على ملك المشتري - وبه قال الشافعي(٣) - لأنها فسخ في الحقيقة ، ومقتضاه عود كلّ عوض إلى مالكه ، وليست من الألفاظ الناقلة ، كالبيع وشبهه بحيث يحصل ملك الزيادة بها.

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٢ : ١١٠ - ١١١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٣٠٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٣ - ٤٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وإن لم يحتمله ، كما لو باع شقصاً مستوعباً يساوي ألفين بألف ، فإن ردّه الورثة ، بطل البيع في بعض المحاباة ، وهو ما زاد على الثلث. وفي صحّة البيع في الباقي للشافعيّة طريقان :

أحدهما : التخريج على الخلاف في تفريق الصفقة.

والثاني : القطع بالصحّة(١) .

وهو مذهبنا ، لكنّ المشتري بالخيار ؛ لتبعّض الصفقة عليه ، فإن اختار الشفيع أن يأخذه ، لم يكن للمشتري الردُّ. وإن لم يرض الشفيع بالأخذ ، فللمشتري الخيارُ بين أخذ الباقي وبين الردّ.

وعلى الصحّة ففيما يصحّ البيع؟ للشافعيّة قولان :

أحدهما : أنّه يصحّ في قدر الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن.

والثاني : أنّه لا يسقط من المبيع شي‌ء إلّا ويسقط ما يقابله من الثمن(٢) .

وهذا الأخير هو الأقوى عندي ، وقد تقدّم(٣) بيانه.

فإن قلنا بالأوّل ، صحّ البيع - في الصورة المفروضة - في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن. وإن قلنا بالثاني ، دارت المسألة.

وطريقه أن نقول : صحّ البيع في شي‌ء من الشقص بنصف شي‌ء ، يبقى مع الورثة ألفان يعادل شيئاً ونصفاً والشي‌ء من شي‌ء ونصف ثلثاه ، فعلمنا صحّة البيع في ثلثي الشقص ، وقيمته ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث بثلثي الثمن ، وهو نصف هذا ، فتكون المحاباة بستّمائة وستّة وستّين‌

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٦.

(٣) في ص ٢٤ ، المسألة ٥٦٠.

٢٤١

وثلثين ، يبقي للورثة ثلث الشقص وثلثا الثمن وهُما ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، وذلك ضِعْف المحاباة.

وعلى القولين(١) للمشتري الخيارُ حيث لم يسلم له جميع المثمن(٢) . فإن اختار ، أخذ الشفيع خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن على الأوّل ، وثلثيه بثلثي الثمن على الثاني.

ولو فسخ المشتري قبل طلب الشفيع ، لم تبطل الشفعة عندنا. وللشافعي قولان(٣) .

ولو أجاز الورثة ، صحّ البيع في الجميع.

ثمّ إن قلنا : إنّ إجازتهم تنفيذ لما فعله المورّث ، أخذ الشفيع الكلَّ بكلّ الثمن. وإن قلنا : إنّها ابتداء عطيّة منهم ، لم يأخذ الشفيع القدر النافذ بإجازتهم ، وأخذ القدر المستثنى عن إجازتهم. وفيه القولان المذكوران عند الردّ.

وإن كانا وارثين أو كان المشتري وارثاً ، فهي محاباة للوارث ، وهي عندنا صحيحة ، فالحكم فيه كما في الأجنبيّ.

أمّا الجمهور : فإنّهم منعوا من المحاباة للوارث ، فتكون المحاباة مردودةً(٤) .

ثمّ للشافعي قولان ، فإن لم يفرّق الصفقة ، بطل البيع في الجميع. وإن قال بالتفريق ، فإن قال في القسم الأوّل على ما سبق من التصوير : إنّ البيع‌

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « التفريق » بدل « القولين ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في جميع النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الثمن » بدل « المثمن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٦ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤ ، المغني ٥ : ٤٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٥.

٢٤٢

يصحّ في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن ، فهنا في مثل تلك الصورة يصحّ البيع في نصفه بجميع الثمن. وإن قلنا هناك : يصحّ في ثلثيه بثلثي الثمن ، فهنا يبطل البيع في الكلّ ؛ لأنّ البيع لا يبطل في شي‌ء إلاّ ويسقط بقدره من الثمن ، فما من جزء يصحّ فيه البيع إلاّ ويكون بعضه محاباةً ، وهي مردودة.

وفيه كلامان :

أحدهما : أنّ المفهوم من هذا التوجيه شيوع المعاوضة والمحاباة في جميع الشقص ، وذلك لا يمنع تخصيص قدر المحاباة بالإبطال ، كما أنّه لم يمنع في القسم الأوّل تخصيص ما وراء القدر المحتمل من المحاباة بالإبطال.

والثاني : أنّ الوصيّة للوارث - عندهم(١) - موقوفة على إجازة باقي الورثة على رأي ، كما أنّ الوصيّة بما زاد على الثلث موقوفة على إجازة الورثة على رأي ، فلنفرّق هنا أيضاً بين الإجازة والردّ ، كما في الأوّل.

إذا عرفت هذا وقلنا بالأوّل ، تخيّر المشتري بين أن يأخذ النصف بكلّ وبين أن يفسخ ، لأنّ الصفقة تفرّقت عليه ، ويكون للشفيع أن يأخذ ذلك وإن كان وارثا ، لأنّه لا محاباة فيه.

وإن أراد المشتري الردَّ وأراد الشفيع الأخذَ ، كان حقّ الشفيع مقدّماً ؛ لأنّه لا ضرر على المشتري ، وجرى مجرى المبيع المعيب إذا رضيه الشفيع لم يكن للمشتري ردّه.

وإن كان الشفيع وارثاً دون المشتري ، فعندنا يصحّ البيع فيما يحتمل‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٢

٢٤٣

الثلث ، ويكون للشفيع أخذه بالشفعة.

وقالت الشافعيّة : إن احتمل الثلث المحاباة أو لم يحتمل وصحّحنا البيع في بعض المحاباة في القسم الأوّل ومكّنّا الشفيع من أخذه ، ففيه وجوه :

أ - أنّه يصحّ البيع في الجميع ، ولا يأخذه الوارث بالشفعة ، وهو مذهب أصحاب أبي حنيفة.

أمّا صحّة البيع : فلأنّ المشتري أجنبيّ.

وأمّا بطلان الشفعة : فلأنّها لو ثبتت ، لكان المريض قد نفع وارثه بالمحاباة ؛ لأنّ الشفعة تستحقّ بالبيع ، فقد تعذّرت الشفعة ، فلم نعد ذلك بإبطال البيع ، لأنّها فرع عليه ، وإذا بطل بطلت ، فلم تبطل لأجلها - وهو أصحّ الوجوه عندهم - لأنّا إذا أثبتنا الشفعة ، فقد جعلنا للوارث سبيلاً إلى إثبات حقٍّ له في المحاباة. ويفارق الوصيّة ممّن له عليه دَيْنٌ ؛ لأنّ استحقاقه للآخَر إنّما هو بدَيْنه ، لا من جهة الوصيّة ، وهذا استحقاقه حصل بالبيع ، فافترقا.

ب - أنّه يصحّ البيع ويأخذه الوارث بالشفعة ؛ لأنّ محاباة البائع مع المشتري ، وهو أجنبيّ عنه ، والشفيع يتملّك على(١) المشتري ، ولا محاباة معه من المريض.

ج - أنّه لا يصحّ البيع أصلاً ؛ لأنّه لو صحّ لتقابلت فيه أحكام متناقضة ؛ لأنّا إن لم نثبت الشفعة ، أضررنا بالشفيع ، وإن أثبتناها ، أوصلنا إليه المحاباة.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مع » بدل « على ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

٢٤٤

د - يصحّ البيع في الجميع ويأخذ الشفيع ما يقابل الثمن منه ، ويبقى الباقي للمشتري مجّاناً ؛ لأنّ المحاباة تصحّ مع الأجنبيّ دون الوارث ، ويُجعل كأنّه باع بعض الشقص منه ووهب بعضه ، فيأخذ المبيع دون الموهوب.

ه- أنّه لا يصحّ البيع إلّا في القدر الموازي للثمن ؛ لأنّه لو صحّ في الكلّ فإن أخذه الشفيع ، وصلت إليه المحاباة ، وإن أخذ ما وراء قدر المحاباة ، كان إلزاماً بجميع الثمن ببعض المبيع ، وهو على خلاف وضع الشفعة(١) .

ويضعّف بأنّ صحّة البيع لا تقف على اختيار الشفيع للشفعة.

وقد يقال في العبارة عن هذا الوجه : إن ترك الشفيع الشفعة ، صحّت المحاباة مع المشتري ، وإلّا فهو كما لو كان المشتري وارثاً ، فلا تصحّ المحاباة.

ووجه ترتيب هذه الأقوال أن يقال : في صحّة البيع وجهان ، إن صحّ فيصحّ في الجميع أو فيما وراء قدر المحاباة؟ وجهان ، إن صحّ في الجميع فيأخذ الجميع بالشفعة أو ما وراء قدر المحاباة أو لا يأخذ شيئاً؟ ثلاثة أوجه(٢) .

وهذا - عندنا - كلّه ساقط.

مسالة ٧٣٥ : من شرط الشفعة : تقدّم ملك الآخذ على ملك المأخوذ منه على ما سبق ، فلو كان في يد اثنين ملك اشترياه بعقدين وادّعى كلٌّ

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٧٨ - ٧٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٢ - ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٣.

٢٤٥

منهما سبق عقده على عقد صاحبه ، وأنّه يستحقّ الشفعة عليه ، فمن أقام البيّنة منهما على دعواه حُكم له بها ، وسقطت دعوى الآخر.

ولو أقاما بيّنتين على السبق - بأن شهدت بيّنة هذا بسبق عقده على عقد صاحبه ، وشهدت بيّنة صاحبه بسبق عقده على العقد الأوّل ، أو شهدت إحداهما لأحدهما أنّه اشترى يوم السبت وصاحبه اشترى يوم الأحد ، وشهدت الاُخرى للآخَر أنّه اشترى يوم السبت والآخَر يوم الأحد - تعارضتا ، وينبغي أن يُحكم لأكثرهما عدداً وعدالةً ، فإن تساويا ، احتُمل القرعة ؛ لأنّه أمر مشكل ، وكلّ أمر مشكل ففيه القرعة ، والقسمة بينهما.

وللشافعي هنا قولان :

أحدهما : تساقط البيّنتين كأنّه لا بيّنة لواحد منهما.

والثاني : أنّهما تُستعملان ، وفي كيفيّته أقوال :

أحدها : القرعة ، فعلى هذا مَنْ خرجت قرعته أخذ نصيب الآخَر بالشفعة.

والثاني : القسمة ، ولا فائدة لها إلاّ مع تفاوت الشركة ، فيكون التنصيف تعبّدا(١) .

والثالث : الوقف ، وعلى هذا يوقف حقّ التملّك إلى أن يظهر الحال(٢) .

ومن الشافعيّة مَنْ لا يجري قول الوقف هنا ؛ لانتفاء معناه مع كون الملك في يدهما(٣) .

____________________

(١) كذا ، وفي المصدر : « مقيّداً » بدل « تعبّداً ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٣ - ٥٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٧ - ١٦٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.

٢٤٦

ولو عيّنت كلّ واحدة من البيّنتين وقتاً واحداً ، فلا تنافي بينهما ؛ لاحتمال وقوع العقدين معاً ، ولا شفعة لواحدٍ منهما ؛ لأنّا تبيّنّا وقوع العقدين دفعةً.

وللشافعيّة وجه : أنّهما تسقطان ؛ لأنّ كلّ واحدة منهما لم تتعرّض لمقصود مقيمها فكأنّه لا بيّنة(١) .

البحث الرابع : في كيفيّة الأخذ بالشفعة.

مسالة ٧٣٦ : يملك الشفيع الأخذ بالعقد إمّا بالفعل بأن يأخذ الحصّة ويدفع الثمن إلى المشتري ، أو يرضى بالصبر فيملكه حينئذٍ ، وإمّا باللفظ ، كقوله : أخذته ، أو : تملّكه ، أو : اخترت الأخذ ، وما أشبه ذلك ؛ عملاً بالأصل من عدم اشتراط اللفظ.

وقال بعض الشافعيّة : لا بدّ من لفظٍ ، ك‍ « تملّكت » وما تقدّم ، وإلّا فهو من باب المعاطاة(٢) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ المعاطاة تتوقّف على رضاهما ، ولا يتوقّف الأخذ بالشفعة على رضا المشتري.

ولا يكفي أن يقول : لي حقّ الشفعة وأنا مطالب بها ، عنده(٣) ؛ لأنّ المطالبة رغبة في الملك ، والملك(٤) لا يحصل بالرغبة المجرّدة(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.

(٣) أي : عند البعض من الشافعيّة ، المتقدّم قوله آنفاً.

(٤) في جميع النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فالملك ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.

٢٤٧

وقال بعضهم(١) بقولنا.

ولا يملك الشفيع بمجرّد اللفظ ، بل يعتبر مع ذلك أحد اُمور :

إمّا أن يسلّم العوض إلى المشتري ، فيملك به إن تسلّمه ، وإلّا خلّى بينه وبينه ، أو رفع الأمر إلى الحاكم حتى يلزمه التسليم.

و [إمّا ](٢) أن يسلّم المشتري الشقص ، ويرضى بكون الثمن في ذمّته.

ولو كان المبيع داراً عليها صفائح من أحد النقدين والثمن من الآخَر ، وجب التقابض فيما قابَلَه خاصّةً.

ولو رضي بكون الثمن في ذمّته ولم يسلّم الشقص ، حصل الملك عندنا - وهو أحد وجهي الشافعيّة - لأنّه معاوضة ، والملك في المعاوضات لا يتوقّف على القبض.

والثاني لهم : لا يحصل الملك ، وقول المشتري ما لم يتّصل به القبض في حكم الوعد.

وإمّا أن يحضر في مجلس القاضي ، ويثبت حقّه في الشفعة ، ويختار التملّك ويقضي القاضي له بالشفعة - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة - لأنّ الشرع نزّل الشفيع منزلة المشتري حتى كأنّ العقد له ، إلّا أنّه مخيّر بين الأخذ والترك ، فإذا طلب وتأكّد طلبه بالقضاء ، وجب أن يحكم له بالملك.

والثاني لهم : لا يحصل الملك ، ويستمرّ ملك المشتري إلى أن يصل إليه عوضه ، أو يرضى بتأخيره.

وإمّا أن يشهد عدلان على الطلب واختيار الشفعة ، فإن لم نثبت‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٢٤٨

الملك بحكم القاضي ، فهنا أولى ، فإن(١) أثبتناه ، فوجهان لهم ؛ لقوّة قضاء القاضي(٢) .

وهذا كلّه غير معتبر عندنا.

مسالة ٧٣٧: لا يشترط في تملّك الشفيع بالشفعة حكمُ الحاكم ولا حضور الثمن أيضاً ولا حضور المشتري ورضاه ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ حكم الشفعة يثبت بالنصّ والإجماع ، فيستغني عن حكم الحاكم ، كمدّة الإيلاء والردّ بالعيب. ولأنّه تملّك بعوض ، فلا يفتقر إلى إحضار العوض ، كالبيع ، ولا إحضار المشتري ورضاه به ، كالردّ بالعيب.

وقال أبو حنيفة : يعتبر حضور المشتري أو حكم الحاكم ، ولا يحكم الحاكم إلّا إذا اُحضر الثمن(٤) .

وعن الصعلوكي أنّ حضور المأخوذ منه أو وكيله شرط(٥) . وهو ممنوع.

وإذا ملك الشفيع بغير تسليم الثمن - بل إمّا بتسليم المشتري الشقص ويرضى بكون الثمن في ذمّته ، أو بحضوره في مجلس القاضي وإثبات حقّه في الشفعة ويختار الملك فيقضي له القاضي - لم يكن له أن يتسلّم الشقص حتى يؤدّي الثمن إلى المشتري وإن سلّمه المشتري قبل أداء الثمن ، ولا يلزمه أن يؤخّر حقّه بأن أخّر البائع حقّه.

مسالة ٧٣٨ : يجب على الشفيع دفع الثمن معجّلاً ، فإن تعذّر تعجيله‌

____________________

(١) الظاهر : « وإن ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٨.

٢٤٩

أو ادّعى غيبته ، اُجّل ثلاثة أيّام لإحضاره ؛ لأنّ تحصيله في الحال يتعذّر في غالب العادات ، فلو شرط إحضاره في الحال ، أدّى إلى إسقاط الشفعة ، وذلك إضرار بالشفيع ، فإن أحضر الثمن في مدّة الثلاثة ، فهو أحقّ ، وإلاّ بطلت شفعته بعدها.

ولو ذكر أنّ الثمن في بلد آخر ، أجّل بقدر وصوله من ذلك البلد وثلاثة أيّام بعده ما لم يتضرّر المشتري.

ولو هرب الشفيع بعد الأخذ ، كان للحاكم فسخ الأخذ ، وردّه إلى المشتري وإن لم يكن له ذلك في البيع لو هرب المشتري أو أخّر الدفع ؛ لأنّ البيع حصل باختيارهما ، فلهذا لم يكن للحاكم فسخه عليهما ، وهنا أخذه الشفيع بغير اختيار المشتري لإزالة الضرر عن نفسه ، فإذا اشتمل على إضرار بالمشتري ، مَنَعه الحاكم وردّه.

ولو هرب قبل الأخذ ، فلا شفعة له ، وكذا العاجز عن الثمن.

وقال بعض الشافعيّة : إذا قصّر في الأداء ، بطل حقّه من الشفعة. وإن لم يوجد ، رفع إلى الحاكم ( وفسخ منه )(١) (٢) .

والمعتمد : الأوّل ؛ لما قلناه.

ولما روى عليّ بن مهزيار أنّه سأل الجوادَعليه‌السلام : عن رجل طلب شفعة أرض ، فذهب على أن يحضر المال فلم ينضّ ، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها أيبيعها أو ينتظر مجي‌ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال : « إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيّام ، فإن أتاه بالمال‌

____________________

(١) ورد ما بين القوسين سهواً في النسخ الخطّيّة والحجريّة بعد تمام الرواية الآتية في نفس المسألة. وموضعه هنا تتمّةً لقول بعض الشافعيّة كما في « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٩.

٢٥٠

وإلّا فليبع وبطلت شفعته في الأرض ، وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيّام إذا قدم ، فإن وافاه ، وإلّا فلا شفعة له »(١) .

مسالة ٧٣٩ : ولا يثبت في الشفعة خيار المجلس عند علمائنا‌ ؛ للأصل الدالّ على عدمه.

ولدلالة قولهعليه‌السلام : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا »(٢) على اختصاص الخيار بالبيع ؛ لأنّه وصف علّق عليه حكم ، فينتفي بانتفائه.

ولأنّ الخيار لا يثبت للمشتري ؛ لأنّه يؤخذ الملك منه قهراً ، ولا للآخذ ؛ لأنّ له العفو والإسقاط.

نعم ، لو أخذ وثبت الملك له ، لم يكن له الخيار في الفسخ ؛ للأصل.

وللشافعي قولان :

أظهرهما : ثبوت الخيار - وقد تقدّم(٣) - بأن يترك بعد ما أخذ ، أو يأخذ بعد ما ترك ما دام في المجلس ؛ لأنّ ذلك معاوضة ، فكان في أخذها وتركها خيار المجلس ، كالبيع(٤) .

وله قولٌ آخَر : إنّه يسقط ؛ لأنّ الشفعة حقّ له ثبت ، فإذا أخّره أو تركه ، سقط ، كغيره من الحقوق(٥) .

فعلى قوله بالخيار يمتدّ إلى مفارقة المجلس.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٣٩.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٨٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٦٤ / ١٥٣٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٤٧ / ١٢٤٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥.

(٣) في ج ١١ ص ١٥ ، ضمن المسألة ٢٢٧.

(٤) الوسيط ٤ : ٨١ ، العزيز ٤ : ١٧٢ ، و ٥ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٢ ، و ٥ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٩ ، المجموع ٩ : ١٧٧.

٢٥١

وهل ينقطع بأن يفارقه المشتري؟ وجهان : المنع ؛ لأنّه لا حظّ له في الخيار ، فلا اعتبار بمفارقته. والانقطاع ؛ لحصول التفريق(١) .

مسالة ٧٤٠ : يجوز للمشتري التصرّف في الشقص قبل أن يأخذه الشفيع وقبل علمه بالبيع ، فإذا تصرّف ، صحّ تصرّفه ؛ لأنّ ملكه بالعقد إجماعاً ، وفائدة الملك استباحة وجوه الانتفاعات ، وصحّ قبض المشتري له ، ولم يبق إلّا أنّ الشفيع ملك عليه أن يملك ، وذلك لا يمنع تصرّفه ، كما لو كان الثمن معيباً فتصرّف المشتري في المبيع.

وكذا الموهوب له إذا كان الواهب ممّن له الرجوع فيها ، فإنّ تصرّفه يصحّ وإن ملك الواهب [ الرجوع ](٢) فيها.

إذا ثبت هذا ، فإنّ تصرّفه إن كان ممّا تجب به الشفعة - كالبيع خاصّةً عندنا ، وكلّ معاوضة عند الشافعي(٣) ، كجَعْله عوض الصداق أو الخلع أو غير ذلك من المعاوضات - تخيّر الشفيع إن شاء فسخ تصرّفه وأخذ بالثمن الأوّل ؛ لأنّ حقّه أسبق ، وسببه متقدّم ، فإنّ الشفعة وجبت له قبل تصرّف المشتري. وإن شاء أمضى تصرّفه ، وأخذ بالشفعة من المشتري الثاني ؛ لأنّ هذا التصرّف يُثبت الشفعة ، فلو باعه المشتري بعشرة بعشرين فباعه الآخَر بثلاثين ، فإن أخذ من الأوّل ، دفع عشرة ، ورجع الثالث على الثاني بثلاثين ، والثاني على الأوّل بعشرين ، لأنّ الشقص يؤخذ من الثالث وقد انفسخ عقده ، وكذا الثاني. ولو أخذ من الثاني ، صحّ ، ودفع عشرين ؛ وبطل‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٩.

٢٥٢

الثالث ، فيرجع بثلاثين. ولو أخذ من الثالث ، صحّت العقود ، ودفع ثلاثين.

وإن كان تصرّفه لا تثبت به الشفعة كالهبة والوقف وجَعْلِه مسجداً ، فإنّ للشفيع إبطالَ ذلك التصرّف ، ويأخذ بالثمن الأوّل ، ويكون الثمن للمشتري ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال مالك : إنّه يكون الثمن للموهوب له(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ الشفيع أبطل الهبة ، وأخذ الشقص بحكم العقد الأوّل ، ولو لم يكن وهب كان الثمن له ، كذا بعد الهبة المفسوخة.

وكذا للشفيع فسخ الوقف وكونه مسجدا أو غير ذلك من أنواع التصرّفات ، وبه قال أكثر الشافعيّة(٣) .

وقال بعضهم : إنّ الوقف يُبطل الشفعة ؛ لأنّ الشفعة إنّما تثبت في المملوك وقد خرج من أن يكون مملوكاً(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ ذلك الاستحقاق سابق والوقف متأخّر ، فلا يبطل السابق ، ولا يمتنع أن يبطل الوقف لأجل حقّ الغير ، كما لو وقف المريض أملاكه أو أعتق عبيده وعليه دَيْنٌ مستوعب ، فإنّ العتق والوقف صحيحان ، وإذا مات ، فسخا لحقّ الغرماء ، كذا هنا.

مسالة ٧٤١ : إذا ملك الشفيع ، امتنع تصرّف المشتري. ولو طلب الشفيع ولم يثبت الملك بَعْدُ ، لم يمنع الشريك من التصرّف ؛ لبقائه في ملكه.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٩ ، الوسيط ٤ : ٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨ - ١٧٩ ، المغني ٥ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٥.

(٢) المغني ٥ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٦.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٩.

(٤) المغني ٥ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٥.

٢٥٣

ويحتمل قويّاً المنع ؛ لتعلّق حقّ الشفيع به وتأكّده بالطلب.

وكلاهما للشافعيّة(١) أيضاً.

ولو تصرّف الشفيع قبل القبض بعد أن سلّم الثمن إلى المشتري ، نفذ.

وللشافعيّة وجهان ، أظهرهما : المنع ، كتصرّف المشتري قبل القبض(٢) .

وهو باطل ؛ لاختصاص ذلك بالبيع ، والشفعة ليست بيعاً. ولأنّه ملك قهريّ كالإرث ، فصحّ تصرّفه فيه ، كالوارث قبل القبض.

ولو ملك بالإشهاد أو بقضاء القاضي ، نفذ تصرّفه.

وقالت الشافعيّة : لا ينفذ(٣) .

وكذا لو ملك برضا المشتري بكون الثمن عنده.

مسالة ٧٤٢ : لا يشترط علم الشفيع بالثمن ولا بالشقص في طلب الشفعة‌ ، بل في الأخذ ، فلا يملك الشقص الذي لم يره بالأخذ ولا بالطلب ؛ لأنّه غرر والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عنه(٤) ، بل يشترط علم الشفيع في التملّك بالثمن والمثمن معاً ، فلو جهل أحدهما ، لم يصح الأخذ ، وله المطالبة بالشفعة.

ولو قال : أخذته بمهما كان ، لم يصح مع جهالته بالقدر.

وقالت الشافعيّة : في تملّك الشفيع الشقص الذي لم يره طريقان :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٠.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٠.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ / ٢١٩٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥١ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٤ / ٧٥.

٢٥٤

أظهرهما : أنّه على قولي(١) بيع الغائب إن منعناه ، لم يتملّكه قبل الرؤية ، وليس للمشتري منعه من الرؤية. وإن صحّحناه ، فله التملّك.

[ ثمّ ](٢) منهم مَنْ جَعَل خيار الرؤية على الخلاف في خيار المجلس.

ومنهم مَنْ قطع به وقال : المانع هناك - على رأي - بُعْدُ اختصاص ذلك الخيار بأحد الجانبين.

والثاني : المنع ، سواء صحّحنا بيع الغائب أو أبطلناه ؛ لأنّ البيع جرى بالتراضي فأثبتنا الخيار فيه ، وهنا الشفيع يأخذ من غير رضا المشتري ، فلا يمكن إثبات الخيار فيه.

نعم ، لو رضي المشتري بأن يأخذه الشفيع ويكون بالخيار ، فعلى قولي بيع الغائب ، فإذا جوّزنا له التملّك وأثبتنا الخيار ، فللمشتري أن يمتنع من قبض الثمن وإقباض المبيع(٣) حتى يراه ليكون على ثقة فيه(٤) .

وإذا بلغه البيع فقال : قد اخترت أخذ الشقص بالثمن الذي تمّ عليه العقد ، وعلم قدره ونظر إلى الشقص أو وُصف له وصفاً يرفع الجهالة ، صحّ الأخذ وإن لم يجز المشتري ولا حضر.

وقال أبو حنيفة : لا يأخذ بالشفعة حتى يحضر الثمن ، ولا يقضي له القاضي بها حتى يحضر الثمن(٥) .

وقال محمد : إنّ القاضي يؤجّله يومين أو ثلاثة ، ولا يأخذه إلّا بحكم‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة المعتمدة في التحقيق : « قول ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة المعتمدة في التحقيق : « البائع » بدل « المبيع ».

والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٠.

(٥) المغني ٥ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢١.

٢٥٥

الحاكم أو رضا المشتري ؛ لأنّ الشفيع يأخذ الشقص بغير اختيار المشتري ، فلا يستحقّ ذلك إلّا بعد إحضار الثمن ، ولهذا كان المشتري لمـّا كان يستحقّ تسلّم المبيع بغير اختيار البائع لم يكن له إلّا بعد إحضار الثمن(١) .

وقد بيّنّا أنّ الشفيع يأخذ بالعوض ، فلا يشترط حضوره ، كالبيع ، والتسليم في الشفعة كالتسليم في البيع ، فإنّ الشفيع لا يتسلّم الشقص إلّا بعد إحضار الثمن ، وكون التملّك بغير اختياره يدلّ على قوّته ، فلا يمنع من اعتباره في الصحّة بالبيع.

وإذا كان الثمن مجهولاً عند الشفيع ، لم يصح الأخذ ؛ لأنّه تملّك بعوض ، فلا يصحّ مع جهالة العوض ، كالبيع.

ولو قال : أخذته بالثمن إن كان مائةً فما دونها ، لم يصح الأخذ ؛ لأنّ مثل هذا لا يجوز أن يكون ثمناً في البيع ، كذا الشفعة.

ولو لم يشاهد الشقص ولا وُصف له بما يرتفع معه الجهالة ، لم يكن له أخذه ، وبه قال بعض الشافعيّة ، سواء قالوا بجواز بيع خيار الرؤية أو لا ؛ لأنّ مع القول بالجواز أثبتوا فيه خيار الرؤية برضا البائع ، لأنّه دخل على ذلك ، وفي مسألتنا يأخذه الشفيع بغير رضا المشتري ، فلا يثبت الخيار(٢) .

و(٣) قال ابن سريج : إلّا أن يرضى المشتري بخيار الرؤية ، فيجوز ذلك على القول الذي يجيز البيع بها(٤) .

وقال بعض الشافعيّة : مَنْ قال من أصحابنا : إنّه يثبت في الشفعة خيار المجلس يجيز أيضاً خيار الرؤية فيها على أحد القولين(٥) .

إذا عرفت هذا ، فإذا أخذ الشقص بالشفعة ، وجب عليه الثمن ،

____________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ٢٤ ، وانظر : المغني ٥ : ٥١٠ ، والشرح الكبير ٥ : ٥٢١.

(٢و٤و٥) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٣) في « س ، ي » لم ترد كلمة « و».

٢٥٦

ولا يجب على المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن.

مسالة ٧٤٣ : إذا كان الشقص في يد البائع ، فقال الشفيع : لا أقبضه إلّا من المشتري‌ ، لم يكن له ذلك ، ولم يكلّف المشتري أخذه من البائع ، بل يأخذه الشفيع من يد البائع ؛ لأنّ هذا الشقص حقّ الشفيع ، فحيثما وجده أخذه. ولأنّ يد الشفيع كيد المشتري ؛ لأنّه استحقّ قبض ذلك من جهته ، كما لو وكّل وكيلاً في القبض ، ألا ترى أنّه لو قال : أعتق عبدك عن ظهاري ، فأعتقه ، صحّ ، وكان الآمر كالقابض له ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ للشفيع ذلك ؛ لأنّ الشفيع بمنزلة المشتري من المشتري ، فيلزمه أن يسلّمه بعد قبضه ، وعلى الحاكم تكليف المشتري أن يتسلّم ويُسلّم ، أو يوكّل في ذلك ، فإن كان المشتري غائباً ، نصب الحاكم مَنْ يقبضه من البائع عن المشتري ويسلّمه إلى الشفيع ، وإذا أخذه الشفيع من المشتري أو من البائع ، فإنّ عهدته على المشتري خاصّةً(١) .

ولو أفلس الشفيع وكان المشتري قد سلّم الشقص إليه راضياً بذمّته ، جاز له الاسترداد ، وكان أحقَّ بعينه من غيره.

مسالة ٧٤٤ : إنّما يأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع عليه العقد‌ ؛ لما روى العامّة عن جابر أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « فهو أحقّ به بالثمن »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « فهو أحقّ بها من غيره بالثمن »(٣) .

ولأنّ الشفيع إنّما يستحقّ الشفعة بسبب البيع ، فكان مستحقّا له‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٢.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ١٠٤ ، المغني ٥ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٠.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٨.

٢٥٧

بالثمن ، كالمشتري.

لا يقال : الشفيع استحقّه بغير اختيار مالكه ؛ لحاجته إليه ، فكان يجب أن يستحقّه بالقيمة ، كالمضطرّ إلى طعام الغير.

لأنّا نقول : المضطرّ إنّما استحقّه بسبب الحاجة خاصّةً ، فكان المرجع في بدله إلى القيمة ، والشفيع يستحقّه لأجل البيع ، فإنّه لو كان انتقاله في الهبة أو الميراث ، لم يستحقّ فيه الشفعة ، وإذا اختصّ ذلك بالبيع ، وجب أن يكون بالعوض الثابت بالبيع.

إذا ثبت هذا ، فإن بِيع بمثليٍّ - كالنقدين والحبوب - أخذه بمثله.

ثمّ إن قُدِّر بمعيار الشرع ، أخذه به. وإن قُدِّر بغيره كما لو باع بمائة رطل من الحنطة ، أخذه بمثله وزناً تحقيقاً للمماثلة.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : أنّه يأخذه بالكيل(١) .

ولو تعذّر المثل وقت الأخذ ؛ لانقطاعه أو لغيره ، عدل إلى القيمة ، كما في الغصب.

تذنيب : لا يجب على الشفيع دفع ما غرمه المشتري من دلالة واُجرة وزّان ونقّاد وكيل وغير ذلك من المؤن.

مسالة ٧٤٥ : ولو لم يكن الثمن مثليّاً بل مقوَّماً - كالعبد والثوب وشبههما - أخذه الشفيع بقيمة السلعة التي جُعلت ثمناً - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك(٢) - لأنّه أحد نوعي الثمن ، فجاز أن تثبت الشفعة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٦ ، المعونة ٢ : ١٢٧٦ ، التفريع ٢ : ٣٠٢ ، المغني ٥ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٤.

٢٥٨

بالمشتري به ، كالذي له مِثْلٌ.

وقال الشيخرحمه‌الله : تبطل الشفعة(١) - وبه قال الحسن البصري وسوار القاضي(٢) - لما رواه عليّ بن رئاب عن الصادقعليه‌السلام في رجل اشترى داراً برقيق ومتاع وبزّ وجوهر ، قال : « ليس لأحد فيها شفعة »(٣) .

ولأنّ الشفعة إنّما تجب بمثل الذي ابتاعه به ، وهذا لا مثل له ، فلم تجب.

والرواية ضعيفة السند ؛ لأنّ في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة وليس منّا.

والمثل قد يكون من طريق الصورة وقد يكون من طريق القيمة ، كما في بدل الإتلاف والغصب.

وتُعتبر القيمة يوم البيع ؛ لأنّه يوم إثبات العوض واستحقاق الشفعة ، فلا اعتبار بالزيادة بعد ذلك ولا النقصان ، وبه قال الشافعي(٤) .

وقال ابن سريج : تُعتبر قيمته يوم استقرار العقد بانقطاع الخيار(٥) .

وقال مالك : الاعتبار بقيمته يوم المحاكمة(٦) .

وليس بجيّد ؛ لما تقدّم من أنّ وقت الاستحقاق وقت العقد‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٤٣٢ ، المسألة ٧.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٩٤ ، المغني ٥ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٤.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٤٠.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٥) حلية العلماء ٥ : ٢٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٧ - ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٦) حلية العلماء ٥ : ٢٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٤.

٢٥٩

للمشتري. ولأنّ الثمن صار ملكاً للبائع ، فلا تُعتبر زيادته في حقّ المشتري.

ولو اختلفا في القيمة في ذلك الوقت ، قُدّم قول المشتري مع اليمين.

مسالة ٧٤٦ : لو جعل الشقص رأس مال سَلَمٍ ، أخذ الشفيع بمثل الـمُسْلَم فيه إن كان مثليّاً ، وبقيمته إن كان متقوَّماً.

ولو صالح من دَيْنٍ على شقص ، لم تكن له شفعة.

وعند الشافعي يأخذه بمثل ذلك الدَّيْن إن كان مثليّاً ، وبقيمته إن كان متقوَّماً(١) .

ولا فرق بين أن يكون دَيْن إتلافٍ أو دَيْن معاملة.

ولو أمهرها شقصاً ، فلا شفعة عندنا.

وعند الشافعي يأخذ بمهر مثل المرأة ؛ لأنّ البُضْع متقوَّم ، وقيمته مهر المثل. وكذا إذا خالعها على شقص. والاعتبار بمهر مثلها يوم النكاح أو يوم جريان البينونة(٢) .

وخرّج بعض الشافعيّة وجهاً أنّه يأخذه بقيمة الشقص(٣) . والأصل فيه أنّ المرأة إذا وجدت بالصداق عيباً وردّته ، ترجع بقيمته على أحد القولين ، فإذا كان المستحقّ عند الردّ بالعيب بدل المسمّى ، كذا عند الأخذ بالشفعة ، وبه قال مالك(٤) .

ولو متَّع المطلّقة بشقص ، فلا شفعة عندنا.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٣) في « العزيز شرح الوجيز » : « بقيمته يوم القبض ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381