تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء5%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119824 / تحميل: 5661
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وقال أبو حنيفة : تصحّ الإقالة ، ويبطل الشرط ، ويجب ردّ الثمن ؛ لأنّ الإقالة تصحّ بغير ذكر بدل ، فإذا ذكره فاسداً ، لم تبطل ، كالنكاح(١) .

ونحن نقول : إنّه أسقط حقّه من المبيع بشرط أن يحصل له العوض الذي شرطه ، فإذا لم يسلم له الذي شرطه ولا بذل له ، لم يزل ملكه عنه ، بخلاف النكاح ، فإنّه يثبت فيه عوض آخر. ولأنّ شرط الزيادة يخرج الإقالة عن موضوعها ، فلم تصحّ ، بخلاف النكاح.

مسالة ٦٣١ : تصحّ الإقالة في بعض المـُسْلَم فيه - وبه قال عطاء وطاوُس وعمرو بن دينار والحكم بن عيينة ، وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي والثوري ، وروي عن عبد الله بن عباس أنّه قال : لا بأس به(٢) - وهو المعروف ؛ لأنّ الإقالة مستحبّة ، وهي من المعروف ، وكلّ معروف جاز في جميع العوض جاز في بعضه ، كالإبراء والإنظار.

وقال مالك وربيعة والليث بن سعد وابن أبي ليلى : لا يجوز ذلك. وكرهه أحمد وإسحاق ، ورواه ابن المنذر عن ابن عمر والحسن وابن سيرين والنخعي ؛ لأنّه إذا أقاله في بعضه فقد صار بيعاً وسَلَفاً ، وقد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن البيع والسلف(٣) . [ و ](٤) لأنّه إذا أقاله في بعضه وردّ بعض‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٢ : ١١١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٢.

(٢) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٧٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٦ / ١٠٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٦.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٣٤٨ ، شرح معاني الآثار ٤ : ٤٦.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

١٢١

رأس المال ، يصير في معنى القرض ؛ لأنّه ردّ مثله ، ويصير الباقي بيعاً(١) .

وهو منقوض بالرجوع بأرش العيب ، فإنّه في معنى ما ذكروه.

وكذلك ينتقض باليسير ، فانّ بعضهم كان يسلّم جواز الإقالة في اليسير منه.

على أنّا نمنع من كونه قرضاً. وردّ المثل لا يوجب كونه قرضاً ، وإلّا لزم أن يكون البيع إذا اُقيل منه قرضاً ؛ لوجوب ردّ المثل ، وليس كذلك.

سلّمنا ، لكن نمنع استحالة اجتماعهما في البيع ، لكن منع الاجتماع إنّما يكون إذا كان شرطاً في البيع ، وأمّا لو أسلفه شيئاً وباعه شيئاً ، جاز إذا لم يشترط أحدهما في الآخر عندهم(٢) .

مسالة ٦٣٢ : لو اشترى عبدين وتلف أحدهما ، صحّت الإقالة عندنا‌ ؛ لأنّها فسخ.

ومَنْ قال : إنّها بيع فوجهان في الإقالة في التالف بالترتيب ، إذ القائم تصادفه الإقالة فيستتبع التالف(٣) .

وإذا تقايلا والمبيع في يد المشتري ، نفذ تصرّف البائع فيه ؛ لأنّها فسخ.

ومَنْ جَعَلها بيعاً مَنَع ؛ إذ لا يصحّ التصرّف في المبيع قبل قبضه.

ولو تلف في يده ، انفسخت الإقالة عند مَنْ قال : إنّها بيع ، وبقي البيع كما كان.

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ٢٠٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٦ / ١٠٩٦.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤.

١٢٢

ومَنْ قال : إنّها فسخ صحّت الإقالة ، وكان على المشتري الضمان ؛ لأنّه مقبوض على حكم العوض ، كالمأخوذ قرضاً وسوماً. والواجب فيه إن كان متقوّماً أقلّ القيمتين من يوم العقد والقبض.

ولو تعيّب في يده ، فإن كانت بيعا ، تخيّر البائع بين إجازة الإقالة مجّانا ، وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن. وإن كانت فسخا ، غرم أرش العيب.

ولو استعمله بعد الإقالة ، فإن جعلناها بيعاً ، فهو كالمبيع يستعمله البائع. وإن جعلناها فسخاً ، فعليه الاُجرة.

ولو عرف البائع بالمبيع عيباً كان قد حدث في يد المشتري قبل الإقالة ، فلا ردّ له إن كانت فسخاً. وإن كانت بيعاً ، فله ردّه(١) .

ويجوز للمشتري حبس المبيع لاسترداد الثمن على القولين. ولا يشترط [ ذكر ](٢) الثمن في الإقالة.

ولو أقاله على أن ينظره بالثمن أو على أن يأخذ الصحاح عوض المكسّرة ، لم يجز.

ويجوز للورثة الإقالة بعد موت المتبايعين.

وتجوز الإقالة في بعض المبيع - كما تقدّم - إذا لم تستلزم الجهالة.

قال الجويني : لو اشترى عبدين وتقايلا في أحدهما ، لم تجز على قول [ إنّها ](٣) بيع ، للجهل بحصّة كلّ واحد منهما(٤) .

وتجوز الإقالة في بعض المسلم فيه ، لكن لو أقاله في البعض ليعجّل‌

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « ردّها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فك ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ - ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤ - ١٥٥.

١٢٣

الباقي أو عجّل المـُسْلَم إليه البعض ليقيله في الباقي ، فهي فاسدة.

نعم ، لو قال للمُسْلَم إليه : عجّل لي حقّي ، وأخذ دون ما استحقّه بطيبة من نفسه ، كان جائزاً ؛ لأنّه نوع صلحٍ وتراضٍ ، وهو جائز.

وقال الشافعي : لا يجوز(١) .

مسالة ٦٣٣ : لا تسقط اُجرة الدلّال والوزّان والناقد بعد هذه الأفعال بالإقالة‌ ؛ لأنّ سبب الاستحقاق ثابت ، فلا يبطل بالطارئ.

ولو اختلفا في قيمة التالف من العبدين ، فالقول قول من ينكر الزيادة مع اليمين.

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

١٢٤

١٢٥

المقصد الثامن : في اللواحق‌

وفيه فصلان :

الأوّل : في أنواع المكاسب.

مسالة ٦٣٤ : طلب الرزق للمحتاج واجب ، وإذا لم يكن له وجه التحصيل إلّا من المعيشة، وجب عليه.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ملعون مَنْ ألقى كلّه على الناس »(١) .

وهو أفضل من التخلّي للعبادة.

روى عليّ بن عبد العزيز عن الصادقعليه‌السلام قال : « ما فعل عمر بن مسلم؟ » قال : جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة ، فقال : « ويحه أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له ، إنّ قوماً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا نزلت( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) (٢) أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة ، وقالوا : قد كفينا ، فبلغ ذلك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأرسل إليهم فقال : ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا : يا رسول الله تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة ، فقال : إنّه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطلب »(٣) .

وسأل عمر بن زيد الصادقَعليه‌السلام : رجل قال : لأقعدنّ في بيتي‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٢ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٢٧ / ٩٠٢.

(٢) الطلاق : ٢ و ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٨٤ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١١٩ - ١٢٠ / ٥٠٩ ، التهذيب ٦ : ٣٢٣ / ٨٨٥.

١٢٦

ولاُصلّينّ ولأصومنّ ولأعبدنّ ربّي عزّ وجلّ ، فأمّا رزقي فسيأتيني ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم »(١) .

وسأل العلاء بن كامل الصادقَعليه‌السلام أن يدعو له الله تعالى أن يرزقه في دعة ، فقال : « لا أدعو لك ، اطلب كما أمرك الله »(٢) .

وسأل الصادقُعليه‌السلام عن رجل ، فقيل : أصابته حاجة ، قال : « فما يصنع اليوم؟ » قيل(٣) : في البيت يعبد ربّه عزّ وجلّ ، قال : « فمن أين قوته؟ » قيل : من عند بعض إخوانه ، فقال الصادقعليه‌السلام : « والله للذي(٤) يقوته أشدّ عبادةً منه »(٥) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « مَنْ طلب الدنيا استعفافاً عن الناس وسعياً على أهله وتعطّفاً على جاره لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر »(٦) .

مسالة ٦٣٥ : وفي طلب الرزق ثواب عظيم.

قال الله تعالى :( فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ) (٧) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال »(٨) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٧ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢٣ / ٨٨٧.

(٢) الكافي ٥ : ٧٨ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ / ٨٨٨.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « قال » بدل « قيل ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بالله الذي ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٥ : ٧٨ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ / ٨٨٩.

(٦) الكافي ٥ : ٧٨ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ / ٨٩٠.

(٧) المـُلْك : ١٥.

(٨) الكافي ٥ : ٧٨ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ / ٨٩١.

١٢٧

وقال الصادقعليه‌السلام : « يا هشام إن رأيت الصفّين قد التقيا فلا تدع طلب الرزق في ذلك اليوم »(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إنّ محمّد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرى أنّ عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يدع خلفاً أفضل من عليّ بن الحسين حتى رأيت ابنه محمّد بن عليّعليهما‌السلام فأردت أن أعظه فوعظني ، فقال له أصحابه : بأيّ شي‌ء وعظك؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة ، فلقيني أبو جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام وكان رجلاً بادناً ثقيلاً وهو متّكئ على غلامين أسودين أو موليين ، فقلت في نفسي : سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ، أما لأعظنّه ، فدنوت منه فسلّمت عليه ، فردّ عليّ بنهر وهو يتصابّ عرقاً ، فقلت : أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ، أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع؟ فقالعليه‌السلام : لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عزّ وجلّ ، أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف أن لو جاءني(٢) الموت وأنا على معصية من معاصي الله عزّ وجلّ ، فقلت : صدقت يرحمك الله ، أردت أن أعظك فوعظتني »(٣) .

وأعتق أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ألف مملوك من كدّ يده(٤) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٨ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ / ٨٩٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « جاء » بدل « جاءني ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٥ : ٧٣ - ٧٤ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢٥ / ٨٩٤.

(٤) الكافي ٥ : ٧٤ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٢٥ - ٣٢٦ / ٨٩٥.

١٢٨

وقال الصادقعليه‌السلام : « أوحى الله عزّ وجلّ إلى داوُدعليه‌السلام أنّك نِعْم العبد لو لا أنّك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئاً » قال : « فبكى داوُدعليه‌السلام أربعين صباحاً ، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى الحديد أن لِنْ لعبدي داوُد ، فألانَ الله تعالى له الحديدَ ، فكان يعمل كلّ يوم درعاً فيبيعها بألف درهم ، فعمل ثلاثمائة وستّين درعاً ، فباعها بثلاثمائة وستّين ألفاً ، واستغنى عن بيت المال »(١) .

وقال محمّد بن عذافر عن أبيه ، قال : أعطى أبو عبد اللهعليه‌السلام أبي ألفاً وسبعمائة دينار ، فقال له : « اتّجر لي بها » ثمّ قال : « أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوباً فيه ، ولكن أحببت أن يراني الله عزّ وجلّ متعرّضاً لفوائده » قال : فربحت فيها مائة دينار ، ثمّ لقيته فقلت : قد ربحت لك فيها مائة دينار ، قال : ففرح أبو عبد اللهعليه‌السلام بذلك فرحاً شديداً ، ثمّ قال : « أثبتها لي في رأس مالي »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى :( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ) (٣) : « رضوان الله والجنّة في الآخرة ، والمعاش وحسن الخلق في الدنيا »(٤) .

وقال رجل للصادقعليه‌السلام : والله إنّا لنطلب الدنيا ونحبّ أن نؤتى بها ، فقال : « تحبّ أن تصنع بها ما ذا؟ » قال : أعود بها على نفسي وعيالي وأصل منها وأتصدّق وأحجّ وأعتمر ، فقال الصادقعليه‌السلام : « ليس هذا طلب الدنيا ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ٨٩٦.

(٢) الكافي ٥ : ٧٦ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢٦ - ٣٢٧ / ٨٩٨.

(٣) البقرة : ٢٠١.

(٤) الكافي ٥ : ٧١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢٧ / ٩٠٠.

١٢٩

هذا طلب الآخرة »(١) .

وقال معاذ بن كثير - صاحب الأكسية - للصادقعليه‌السلام : قد هممت أن أدع السوق وفي يدي شي‌ء ، قال : « إذن يسقط رأيك ، ولا يستعان بك على شي‌ء »(٢) .

مسالة ٦٣٦ : ولا ينبغي الإكثار في ذلك‌ ، بل ينبغي الاقتصار على ما يموّن نفسه وعياله وجيرانه ويتصدّق به.

قال الباقرعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع : ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتّقوا الله عزّ وجلّ ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنّكم استبطاء شي‌ء من الرزق أن تطلبوه بشي‌ء من معصية الله ، فإنّ الله تعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالا ، ولم يقسّمها حراماً ، فمن اتّقى الله عزّ وجلّ وصبر أتاه الله برزقه من حلّه ، ومَنْ هتك حجاب الستر وعجّل فأخذه من غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال ، وحوسب عليه يوم القيامة»(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيّع ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئنّ إليها ، ولكن أنزل نفسك(٤) من ذلك بمنزلة النصف(٥) المتعفّف ، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف ، وتكتسب ما لا بُدَّ للمؤمن منه ، إنّ الذين أعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٢ / ١٠ بتفاوت يسير فيه ، التهذيب ٦ : ٣٢٧ - ٣٢٨ / ٩٠٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٩ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٢٩ / ٩٠٨.

(٣) الكافي ٥ : ٨٠ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢١ / ٨٨٠.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « ولكن اترك لنفسك ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) في الكافي و « ي » : « المنصف » بدل « النصف ». والنصف : العدل. القاموس المحيط ٣ : ٢٠٠.

١٣٠

لهم »(١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « منهومان لا يشبعان : منهوم دنيا ، ومنهوم علم ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلّ الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلّها هلك إلّا أن يتوب ويراجع ، ومَنْ أخذ العلم من أهله وعمل به نجا ، ومَنْ أراد به الدنيا فهي حظّه »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ما أعطى الله عبدا ثلاثين ألفا وهو يريد به خيرا » وقال : « ما جمع رجل قطّ عشرة آلاف درهم من حلّ(٣) وقد يجمعها لأقوام ، إذا اعطي القوت ورزق العمل ، فقد جمع الله له الدنيا والآخرة »(٤) .

مسالة ٦٣٧ : فقد ثبت من هذا أنّ التكسّب واجب إذا احتاج إليه الإنسان لقوت نفسه وقوت من تجب نفقته عليه ، ولا وجه له سواه ، وأمّا إذا قصد التوسعة على العيال ونفع المحاويج وإعانة من لا تجب عليه نفقته مع حصول قدر الحاجة بغيره ، فإنّه مندوب إليه ، لما تقدّم من الأحاديث.

وأمّا ما يقصد به الزيادة في المال لا غير مع الغناء عنه ، فإنّه مباح. وقد يكون مكروها إذا اشتمل على وجه نهي الشارع عنه نهي تنزيه ، كالصرف ، فإنّه لا يسلم من الربا ، وبيع الأكفان ، فإنّه يتمنّى موت الأحياء ، والرقيق واتّخاذ الذبح والنحر صنعة ، لما في ذلك من سلب الرحمة من القلب ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ قسا قلبه بعد من رحمة ربّه »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٨١ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٢٢ / ٨٨٢.

(٢) الكافي ١ : ٣٦ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢٨ ، ٩٠٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « عشرة ألف من حلّ ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٢٨ ، ٩٠٧.

(٥) وجدنا الحديث من دون « رحمة » في الكافي ٣ : ١٩٩ / ٥ ، والتهذيب ١ : ٣١٩ ، ٩٢٨ عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

١٣١

قال إسحاق بن عمّار : دخلت على الصادقعليه‌السلام فخبّرته أنّه ولد لي غلام ، فقال : « ألا سمّيته محمّداً؟ » قال : قد فعلت ، فقال : « لا تضرب محمّداً ولا تشتمه ، جَعَله الله قرّة عين لك في حياتك وخَلَف صدْقٍ من بعدك » قلت : جعلت فداك فأيّ الأعمال(١) أضعه؟ قال : « إذا عدلته [ عن ](٢) خمسة أشياء فضَعْه حيث شئت ، لا تسلّمه صيرفيّاً ، فإنّ الصيرفيّ لا يسلم من الربا ، ولا تسلّمه بيّاع الأكفان ، فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء إذا كان ، ولا تسلّمه بيّاع طعام ، فإنّه لا يسلم من الاحتكار ، ولا تسلّمه جزّاراً فإنّ الجزّار تسلب [ منه ](٣) الرحمة ، ولا تسلّمه نخّاساً ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : شرّ الناس من باع الناس »(٤) .

وقال الكاظمعليه‌السلام : « جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله قد علّمت ابني هذا الكتابة ففي أيّ شي‌ء أسلمه؟ فقال : أسلمه - لله أبوك - ولا تسلّمه في خمسة أشياء : لا تسلّمه سبّاء(٥) ولا صائغاً ولا قصّاباً ولا حنّاطاً ولا نخّاساً قال : فقلت : يا رسول الله ما السبّاء؟ فقال : الذي يبيع الأكفان ويتمنّى موت اُمّتي ، وللمولود من اُمّتي أحبّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس ، وأمّا الصائغ فإنّه يعالج زين اُمّتي ، وأمّا القصّاب فإنّه يذبح حتى تذهب الرحمة من قلبه ، وأمّا الحنّاط فإنّه يحتكر الطعام على اُمّتي ، ولأن يلقى الله العبد سارقاً أحبّ إليَّ من أن يلقاه قد احتكر طعاماً أربعين يوماً ، وأمّا النخّاس فإنّه أتاني جبرئيلعليه‌السلام فقال : يا محمّد إنّ شرّ اُمّتك الذين‌

____________________

(١) في المصدر : « في أيّ الأعمال ».

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) ما بين المعقوفين من التهذيب.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٦١ - ٣٦٢ / ١٠٣٧ ، الاستبصار ٣ : ٦٢ - ٦٣ / ٢٠٨.

(٥) في النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٤٣٠ : « سيّاء » بالياء المثنّاة التحتانيّة.

١٣٢

يبيعون الناس »(١) .

مسالة ٦٣٨ : ويكره اتّخاذ الحياكة والنساجة صنعةً‌ ؛ لما فيهما من الضعة والرذالة.

قال الله تعالى في قصّة نوحعليه‌السلام :( قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ) (٢) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام للأشعث بن قيس : « حائك بن حائك ، منافق بن كافر »(٣) .

قيل : إنّه كان ينسج الإبراد(٤) .

وقيل : إنّ قومه كانوا كذلك(٥) .

وقال أبو إسماعيل الصيقل الرازي(٦) : دخلت على الصادقعليه‌السلام ومعي ثوبان ، فقال لي : « يا أبا إسماعيل تجيئني من قبلكم أثواب كثيرة وليس يجيئني مثل هذين الثوبين اللّذين تحملهما أنت» فقلت : جعلت فداك تغزلهما اُمّ إسماعيل وأنسجهما أنا ، فقال لي : « حائك؟ » قلت : نعم ، قال : « لا تكن حائكاً » قلت : فما أكون؟ قال : « كُنْ صيقلاً » وكان معي مائتا دينار(٧) فاشتريت بها سيوفاً ومرايا عُتْقاً وقدمت بها الريّ ، وبعتها بربح‌

____________________

(١) الفقيه ٣ : ٩٦ / ٣٦٩ ، التهذيب ٦ : ٣٦٢ / ١٠٣٨ ، الاستبصار ٣ : ٦٣ / ٢٠٩.

(٢) الشعراء : ١١١.

(٣) نهج البلاغة - بشرح محمّد عبده - ١ : ٥١ - ٥٢ / ١٨.

(٤) شرح نهج البلاغة - لابن ميثم البحراني - ١ : ٣٢٤ ، حدائق الحقائق ١ : ٢١٢.

(٥) اُنظر : شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - ١ : ٢٩٧.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المرادي » بدل « الرازي ». وما أثبتناه من المصدر.

(٧) في المصدر : « درهم » بدل « دينار ».

١٣٣

كثير(١) .

مسالة ٦٣٩ : يكره كسب الحجّام مع الشرط.

قال الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي أعطيت خالتي غلاما ونهيتها أن تجعله قصّابا أو حجّاماً أو صائغاً »(٢) .

وسأل أبو بصير الباقرَعليه‌السلام عن كسب الحجّام ، فقال : « لا بأس به إذا لم يشارط »(٣) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ الاُجرة ليست حراماً ؛ للأصل.

وقال الباقرعليه‌السلام : « احتجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حجمه مولى لبني بياضة وأعطاه(٤) ، ولو كان حراماً ، ما أعطاه ، فلمـّا فرغ قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أين الدم؟ قال : شربته يا رسول الله ، فقال : ما كان ينبغي لك أن تفعل ، وقد جَعَله الله عزّ وجلّ حجاباً لك من النار ، فلا تَعُد»(٥) .

تذنيب : إذا شارط ، كره له الكسب مع الشرط ، ولم يكره الشرط لمن يشارطه.

قال زرارة : سألت الباقرَعليه‌السلام عن كسب الحجّام ، فقال : « مكروه له أن يشارط ، ولا بأس عليك أن تشارطه وتماكسه ، وإنّما يكره له ، ولا بأس(٦) عليك »(٧) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١١٥ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٦٣ - ٣٦٤ / ١٠٤٢ ، الاستبصار ٣ : ٦٤ / ٢١٣.

(٢) الكافي ٥ : ١١٤ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٦٣ / ١٠٤١ ، الاستبصار ٣ : ٦٤ / ٢١٢.

(٣) الكافي ٥ : ١١٥ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٨ ، الاستبصار ٣ : ٥٨ / ١٩٠.

(٤) في التهذيب : « وأعطاه الأجر ».

(٥) الكافي ٥ : ١١٦ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٩٧ / ٣٧٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٥ / ١٠١٠ ، الاستبصار ٣ : ٥٩ / ١٩٢.

(٦) في « س ، ي » : « فلا بأس ». وما أثبتناه من المصدر.

(٧) الكافي ٥ : ١١٦ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٥٥ / ١٠١١ ، الاستبصار ٣ : ٥٩ / ١٩٣.

١٣٤

وقال الصادقعليه‌السلام : « إنّ رجلاً سأل رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كسب الحجّام ، فقال : لك ناضح؟ فقال له : نعم ، فقال : اعلفه إيّاه ولا تأكله »(١) .

وهذا يدلّ على حكمين : الكراهة حيث نهاه عن أكله ، وعلى الإباحة حيث أمره أن(٢) يعلف الناضح به.

وكذا القابلة كسبها مكروه مع الشرط ، ولا معه طلق.

مسالة ٦٤٠ : لا بأس بأجر النائحة بالحقّ‌ ، ويكره مع الشرط ، ويحرم بالباطل.

قال حنان بن سدير : كانت امرأة معنا في الحيّ ولها جارية نائحة فجاءت إلى أبي ، فقالت : يا عمّ أنت تعلم معيشتي من الله وهذه الجارية النائحة ، وقد أحببت أن تسأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن ذلك ، فإن كان حلالاً ، وإلّا بعتها وأكلت من ثمنها حتى يأتي الله عزّ وجلّ بالفرج ، فقال لها أبي : والله إنّي لاُعظّم أبا عبد اللهعليه‌السلام أن أسأله عن هذه المسألة ، قال : فلمـّا قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « أتشارط؟ » قلت : والله ما أدري أتشارط أم لا ، قال : « قُلْ لها : لا تشارط وتقبل كلّما اُعطيت »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميّت »(٤) .

مسالة ٦٤١ : يكره اُجرة الضراب ؛ لأنّه في معنى بيع عسيب الفحل. ويكره إنزاء الحمير على الخيل ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن ينزى حمار على‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٦ / ١٠١٤ ، الاستبصار ٣ : ٦٠ ، ١٩٦.

(٢) في « س ، ي » : « بأن ».

(٣) الكافي ٥ : ١١٧ - ١١٨ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ / ١٠٢٦ ، الاستبصار ٣ : ٦٠ - ٦١ / ٢٠٠.

(٤) الفقيه ٣ : ٩٨ / ٣٧٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٩ / ١٠٢٨ ، الاستبصار ٣ : ٦٠ / ١٩٩.

١٣٥

عتيق ، رواه السكوني عن الصادق(١) عليه‌السلام . وفي السند ضعف.

وليس محرَّماً ؛ للأصل.

ولما رواه هشام بن إبراهيم عن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن الحمير تنزيها على الرَّمَك(٢) لتنتج البغال أيحلّ ذلك؟ قال : « نعم ، انزها »(٣) .

ولا تنافي بين الروايتين ؛ لأنّ الإمامعليه‌السلام سُئل عن الحلّ ، فأجاب بثبوته ، وقوله : « أنزها » على سبيل الإباحة ، والنهي الوارد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هو على سبيل التنزيه.

مسالة ٦٤٢ : كسب الصبيان ومَنْ لا يجتنب(٤) المحارم مكروه‌ ؛ لعدم تحفّظهم من المحارم ، وعدم الوثوق بإباحة ما حصّلوه.

وكذا تكره الصياغة والقصابة ، وقد تقدّم بيانه في الرواية(٥) .

ويكره ركوب البحر للتجارة ؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر والصادقعليهما‌السلام أنّهما كرها ركوب البحر للتجارة(٦) .

ولو حصل الخوف - كما في وقت اضطرابه وتكاثر الأهوية المختلفة - فإنّه يكون حراماً.

قال الباقرعليه‌السلام في ركوب البحر للتجارة : « يغرّر الرجل بدينه »(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٧٧ - ٣٧٨ / ١١٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٤.

(٢) الرَّمكة : البرذونة التي تتّخذ للنسل. والجمع : رَمَك. لسان العرب ١٠ : ٤٣٤ « رمك ».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨٤ / ١١٣٧ ، الإستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٥.

(٤) في « س ، ي » : « لا يتجنّب ».

(٥) وهي حديث الإمام الكاظم ٧ ، المتقدّم في ص ١٣١.

(٦) الكافي ٥ : ٢٥٦ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٥٨.

(٧) الكافي ٥ : ٢٥٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٥٩.

١٣٦

وسأل معلّى بن خنيس الصادقعليه‌السلام : عن الرجل يسافر فيركب البحر ، فقال : « إنّ أبي كان يقول : إنّه يضرّ بدينك هو ذا الناس يصيبون أرزاقهم ومعايشهم »(١) .

مسالة ٦٤٣ : يجوز أخذ الاُجرة على تعليم الحكم والآداب والأشعار‌ ، ويكره على تعليم القرآن ؛ لأنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام جاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين والله إنّي لاُحبّك لله ، فقال له : « ولكنّي أبغضك لله » قال : ولم؟ قال : « لأنّك تبغي في الأذان ، وتأخذ على تعليم القرآن أجراً ، وسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من أخذ على تعليم القرآن أجراً كان حظّه يوم القيامة»(٢) .

وعن إسحاق بن عمّار عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : قلت : إنّ لنا جاراً يكتب وقد سألني أن أسألك عن عمله ، فقال : « مُرْه إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله : إنّي إنّما اُعلّمه الكتاب والحساب وأتّجر عليه بتعليم القرآن ، حتى يطيب له كسبه »(٣) .

وعن حسان المعلّم قال : سألت الصادقَعليه‌السلام عن التعليم ، فقال : لا تأخذ على التعليم أجراً » قلت : الشعر والرسائل وما أشبه ذلك اُشارط عليه؟ قال : « نعم ، بعد أن يكون الصبيان عندك سواءً في التعليم لا تفضّل بعضهم على بعض »(٤) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٧ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٦٠.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٧٦ / ١٠٩٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٦٤ / ١٠٤٤ ، الإستبصار ٣ : ٦٦ / ٢١٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٢١ ( باب كسب المعلّم ) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ / ١٠٤٥ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ / ٢١٤.

١٣٧

وسأل الفضلُ بن أبي قرّة الصادقَعليه‌السلام : إنّ هؤلاء يقولون : إنّ كسب المعلّم سحت ، فقال : « كذبوا أعداء الله ، إنّما أرادوا أن لا يعلّموا القرآن ، ولو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده كان للمعلّم مباحاً »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : لا تنافي بين هذين الخبرين ؛ لأنّ الخبر الأوّل محمول على أنّه لا يجوز له أن يشارط في تعليم القرآن أجراً معلوماً ، والثاني على أنّه إن اُهدي إليه شي‌ء واُكرم بتحفة ، جاز له أخذه ؛ لرواية جرّاح المدائني عن الصادقعليه‌السلام قال : « المعلّم لا يعلّم بالأجر ، ويقبل الهديّة إذا اُهدي إليه »(٢) .

قال قتيبة الأعشى للصادقعليه‌السلام : إنّي أقرأ القرآن فتهدي إليَّ الهديّة فأقبلها؟ قال : « لا » قال : قلت : إن لم أشارطه؟ قال : « أرأيت لو لم تقرأه أكان يهدى لك؟ » قال : قلت : لا ، قال : « فلا تقبله »(٣) .

وهو محمول على الكراهة ، جمعا بين الأدلّة.

مسالة ٦٤٤ : ويكره خصا الحيوان‌ ؛ لما فيه من الإيلام ، ومعاملة الظالمين ؛ لعدم تحرّزهم عن المحرّمات.

وكذا تكره معاملة السفلة والأدنين والمحارفين ؛ لأنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : « شاركوا مَنْ أقبل عليه الرزق فإنّه أجلب للرزق »(٤) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٢١ ( باب كسب المعلّم ) الحديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٩ / ٣٨٤ ، التهذيب ٦ : ٣٦٥ / ١٠٤٦ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ / ٢١٦.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٦٥ ، والحديث رقم ١٠٤٧.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٦٥ / ١٠٤٨ ، الاستبصار ٣ : ٦٦ / ٢١٩.

(٤) نهج البلاغة - بشرح محمّد عبده - ٣ : ٢٠٤ / ٢٣٠ بتفاوت في بعض الألفاظ.

١٣٨

و كذا تكره معاملة ذوي العاهات والأكراد ومجالستهم ومناكحتهم ؛ لما روي من أنّهم حيّ من الجنّ(١) .

وكذا تكره معاملة أهل الذمّة.

مسالة ٦٤٥ : من التجارة ما هو حرام‌ ، وهو أقسام :

الأوّل : كلّ نجس لا يقبل التطهير ، سواء كانت نجاسته ذاتيّةً ، كالخمر والنبيذ والفقّاع والميتة والدم وأبوال ما لا يؤكل لحمه وأرواثه والكلب والخنزير وأجزائهما ، أو عرضيّةً ، كالمائعات النجسة التي لا تقبل التطهير ، إلّا الدهن النجس بالعرض لفائدة الاستصباح تحت السماء خاصّةً ، لا تحت الأظلّة ، لأنّ البخار الصاعد بالاشتعال لا بُدّ أن يستصحب شيئا من أجزاء الدهن.

ولو كانت نجاسة الدهن ذاتيّة - كالألية المقطوعة من الميتة أو الحيّة - لم يجز الاستصباح بها تحت السماء أيضا.

والماء النجس يجوز بيعه ؛ لقبوله التطهير.

وأبوال ما يؤكل لحمه وإن كانت طاهرةً إلّا أنّ بيعها حرام ؛ لاستخباثها ، إلّا بول الإبل للاستشفاء بها.

ويجوز بيع كلب الصيد والزرع والماشية والحائط ، وإجارتها واقتناؤها وإن هلكت الماشية ، وتربيتها.

ويحرم اقتناء الأعيان النجسة إلّا لفائدة ، كالكلب والسرجين لتربية الزرع ، والخمر للتخليل.

ويحرم أيضاً اقتناء المؤذيات ، كالحيّات والعقارب والسباع.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٠ / ٣٩٠ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٢.

١٣٩

الثاني : كلّ ما يكون المقصود منه حراماً ، كآلات اللهو ، كالعود ، وآلات القمار ، كالنرد والشطرنج ، وهياكل العبادة ، كالصنم ، وبيع السلاح لأعداء الدين وإن كانوا مسلمين ؛ لما فيه من الإعانة على الظلم ، وإجارة السفن والمساكن للمحرّمات ، وبيع العنب ليعمل خمراً ، والخشب ليعمل صنماً وآلة قمار ، ويكره بيعهما على مَنْ يعمل ذلك من غير شرط ، والتوكيل في بيع الخمر وإن كان الوكيل ذمّيّاً.

وليس للمسلم منع الذمّي المستأجر داره من بيع الخمر فيها سرّاً. ولو آجره لذلك ، حرم.

ولو آجر دابّةً لحمل خمر ، جاز إن كان للتخليل والإراقة ، وإلّا فلا.

ولا بأس ببيع ما يُكنّ من آلة السلاح على أعداء الدين وإن كان وقت الحرب.

الثالث : بيع ما لا ينتفع به ، كالحشرات ، مثل : الفأر والحيّات والخنافس والعقارب والسباع ممّا لا يصلح للصيد ، كالأسد والذئب والرّخَم والحَدَأة والغراب وبيوضها ، والمسوخ البرّيّة ، كالقرد وإن قصد به حفظ المتاع ، والدبّ ، أو بحريّة ، كالجرّي والسلاحف والتمساح.

ولو قيل بجواز [ بيع ](١) السباع كلّها ؛ لفائدة الانتفاع بجلودها ، كان حسناً.

ويجوز بيع الفيل والهرّ ، وما يصلح للصيد ، كالفهد ، وبيع دود القزّ والنحل مع المشاهدة وإمكان التسليم.

وكذا يجوز بيع عامّ الوجود ، كالماء والتراب والحجارة.

____________________

(١) الزيادة يقتضيها السياق.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381