تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء20%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119843 / تحميل: 5661
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وقال أبو حنيفة : تصحّ الإقالة ، ويبطل الشرط ، ويجب ردّ الثمن ؛ لأنّ الإقالة تصحّ بغير ذكر بدل ، فإذا ذكره فاسداً ، لم تبطل ، كالنكاح(١) .

ونحن نقول : إنّه أسقط حقّه من المبيع بشرط أن يحصل له العوض الذي شرطه ، فإذا لم يسلم له الذي شرطه ولا بذل له ، لم يزل ملكه عنه ، بخلاف النكاح ، فإنّه يثبت فيه عوض آخر. ولأنّ شرط الزيادة يخرج الإقالة عن موضوعها ، فلم تصحّ ، بخلاف النكاح.

مسالة ٦٣١ : تصحّ الإقالة في بعض المـُسْلَم فيه - وبه قال عطاء وطاوُس وعمرو بن دينار والحكم بن عيينة ، وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي والثوري ، وروي عن عبد الله بن عباس أنّه قال : لا بأس به(٢) - وهو المعروف ؛ لأنّ الإقالة مستحبّة ، وهي من المعروف ، وكلّ معروف جاز في جميع العوض جاز في بعضه ، كالإبراء والإنظار.

وقال مالك وربيعة والليث بن سعد وابن أبي ليلى : لا يجوز ذلك. وكرهه أحمد وإسحاق ، ورواه ابن المنذر عن ابن عمر والحسن وابن سيرين والنخعي ؛ لأنّه إذا أقاله في بعضه فقد صار بيعاً وسَلَفاً ، وقد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن البيع والسلف(٣) . [ و ](٤) لأنّه إذا أقاله في بعضه وردّ بعض‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٢ : ١١١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٢.

(٢) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٧٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٦ / ١٠٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٠٦.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٣٤٨ ، شرح معاني الآثار ٤ : ٤٦.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

١٢١

رأس المال ، يصير في معنى القرض ؛ لأنّه ردّ مثله ، ويصير الباقي بيعاً(١) .

وهو منقوض بالرجوع بأرش العيب ، فإنّه في معنى ما ذكروه.

وكذلك ينتقض باليسير ، فانّ بعضهم كان يسلّم جواز الإقالة في اليسير منه.

على أنّا نمنع من كونه قرضاً. وردّ المثل لا يوجب كونه قرضاً ، وإلّا لزم أن يكون البيع إذا اُقيل منه قرضاً ؛ لوجوب ردّ المثل ، وليس كذلك.

سلّمنا ، لكن نمنع استحالة اجتماعهما في البيع ، لكن منع الاجتماع إنّما يكون إذا كان شرطاً في البيع ، وأمّا لو أسلفه شيئاً وباعه شيئاً ، جاز إذا لم يشترط أحدهما في الآخر عندهم(٢) .

مسالة ٦٣٢ : لو اشترى عبدين وتلف أحدهما ، صحّت الإقالة عندنا‌ ؛ لأنّها فسخ.

ومَنْ قال : إنّها بيع فوجهان في الإقالة في التالف بالترتيب ، إذ القائم تصادفه الإقالة فيستتبع التالف(٣) .

وإذا تقايلا والمبيع في يد المشتري ، نفذ تصرّف البائع فيه ؛ لأنّها فسخ.

ومَنْ جَعَلها بيعاً مَنَع ؛ إذ لا يصحّ التصرّف في المبيع قبل قبضه.

ولو تلف في يده ، انفسخت الإقالة عند مَنْ قال : إنّها بيع ، وبقي البيع كما كان.

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ٢٠٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٦ / ١٠٩٦.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤.

١٢٢

ومَنْ قال : إنّها فسخ صحّت الإقالة ، وكان على المشتري الضمان ؛ لأنّه مقبوض على حكم العوض ، كالمأخوذ قرضاً وسوماً. والواجب فيه إن كان متقوّماً أقلّ القيمتين من يوم العقد والقبض.

ولو تعيّب في يده ، فإن كانت بيعا ، تخيّر البائع بين إجازة الإقالة مجّانا ، وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن. وإن كانت فسخا ، غرم أرش العيب.

ولو استعمله بعد الإقالة ، فإن جعلناها بيعاً ، فهو كالمبيع يستعمله البائع. وإن جعلناها فسخاً ، فعليه الاُجرة.

ولو عرف البائع بالمبيع عيباً كان قد حدث في يد المشتري قبل الإقالة ، فلا ردّ له إن كانت فسخاً. وإن كانت بيعاً ، فله ردّه(١) .

ويجوز للمشتري حبس المبيع لاسترداد الثمن على القولين. ولا يشترط [ ذكر ](٢) الثمن في الإقالة.

ولو أقاله على أن ينظره بالثمن أو على أن يأخذ الصحاح عوض المكسّرة ، لم يجز.

ويجوز للورثة الإقالة بعد موت المتبايعين.

وتجوز الإقالة في بعض المبيع - كما تقدّم - إذا لم تستلزم الجهالة.

قال الجويني : لو اشترى عبدين وتقايلا في أحدهما ، لم تجز على قول [ إنّها ](٣) بيع ، للجهل بحصّة كلّ واحد منهما(٤) .

وتجوز الإقالة في بعض المسلم فيه ، لكن لو أقاله في البعض ليعجّل‌

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « ردّها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فك ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٢ - ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٤ - ١٥٥.

١٢٣

الباقي أو عجّل المـُسْلَم إليه البعض ليقيله في الباقي ، فهي فاسدة.

نعم ، لو قال للمُسْلَم إليه : عجّل لي حقّي ، وأخذ دون ما استحقّه بطيبة من نفسه ، كان جائزاً ؛ لأنّه نوع صلحٍ وتراضٍ ، وهو جائز.

وقال الشافعي : لا يجوز(١) .

مسالة ٦٣٣ : لا تسقط اُجرة الدلّال والوزّان والناقد بعد هذه الأفعال بالإقالة‌ ؛ لأنّ سبب الاستحقاق ثابت ، فلا يبطل بالطارئ.

ولو اختلفا في قيمة التالف من العبدين ، فالقول قول من ينكر الزيادة مع اليمين.

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

١٢٤

١٢٥

المقصد الثامن : في اللواحق‌

وفيه فصلان :

الأوّل : في أنواع المكاسب.

مسالة ٦٣٤ : طلب الرزق للمحتاج واجب ، وإذا لم يكن له وجه التحصيل إلّا من المعيشة، وجب عليه.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ملعون مَنْ ألقى كلّه على الناس »(١) .

وهو أفضل من التخلّي للعبادة.

روى عليّ بن عبد العزيز عن الصادقعليه‌السلام قال : « ما فعل عمر بن مسلم؟ » قال : جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة ، فقال : « ويحه أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له ، إنّ قوماً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا نزلت( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) (٢) أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة ، وقالوا : قد كفينا ، فبلغ ذلك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأرسل إليهم فقال : ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا : يا رسول الله تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة ، فقال : إنّه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطلب »(٣) .

وسأل عمر بن زيد الصادقَعليه‌السلام : رجل قال : لأقعدنّ في بيتي‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٢ / ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٢٧ / ٩٠٢.

(٢) الطلاق : ٢ و ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٨٤ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١١٩ - ١٢٠ / ٥٠٩ ، التهذيب ٦ : ٣٢٣ / ٨٨٥.

١٢٦

ولاُصلّينّ ولأصومنّ ولأعبدنّ ربّي عزّ وجلّ ، فأمّا رزقي فسيأتيني ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم »(١) .

وسأل العلاء بن كامل الصادقَعليه‌السلام أن يدعو له الله تعالى أن يرزقه في دعة ، فقال : « لا أدعو لك ، اطلب كما أمرك الله »(٢) .

وسأل الصادقُعليه‌السلام عن رجل ، فقيل : أصابته حاجة ، قال : « فما يصنع اليوم؟ » قيل(٣) : في البيت يعبد ربّه عزّ وجلّ ، قال : « فمن أين قوته؟ » قيل : من عند بعض إخوانه ، فقال الصادقعليه‌السلام : « والله للذي(٤) يقوته أشدّ عبادةً منه »(٥) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « مَنْ طلب الدنيا استعفافاً عن الناس وسعياً على أهله وتعطّفاً على جاره لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر »(٦) .

مسالة ٦٣٥ : وفي طلب الرزق ثواب عظيم.

قال الله تعالى :( فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ) (٧) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال »(٨) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٧ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢٣ / ٨٨٧.

(٢) الكافي ٥ : ٧٨ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ / ٨٨٨.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « قال » بدل « قيل ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بالله الذي ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٥ : ٧٨ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ / ٨٨٩.

(٦) الكافي ٥ : ٧٨ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ / ٨٩٠.

(٧) المـُلْك : ١٥.

(٨) الكافي ٥ : ٧٨ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ / ٨٩١.

١٢٧

وقال الصادقعليه‌السلام : « يا هشام إن رأيت الصفّين قد التقيا فلا تدع طلب الرزق في ذلك اليوم »(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إنّ محمّد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرى أنّ عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يدع خلفاً أفضل من عليّ بن الحسين حتى رأيت ابنه محمّد بن عليّعليهما‌السلام فأردت أن أعظه فوعظني ، فقال له أصحابه : بأيّ شي‌ء وعظك؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة ، فلقيني أبو جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام وكان رجلاً بادناً ثقيلاً وهو متّكئ على غلامين أسودين أو موليين ، فقلت في نفسي : سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ، أما لأعظنّه ، فدنوت منه فسلّمت عليه ، فردّ عليّ بنهر وهو يتصابّ عرقاً ، فقلت : أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ، أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع؟ فقالعليه‌السلام : لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عزّ وجلّ ، أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف أن لو جاءني(٢) الموت وأنا على معصية من معاصي الله عزّ وجلّ ، فقلت : صدقت يرحمك الله ، أردت أن أعظك فوعظتني »(٣) .

وأعتق أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ألف مملوك من كدّ يده(٤) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٨ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٢٤ / ٨٩٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « جاء » بدل « جاءني ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٥ : ٧٣ - ٧٤ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢٥ / ٨٩٤.

(٤) الكافي ٥ : ٧٤ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٢٥ - ٣٢٦ / ٨٩٥.

١٢٨

وقال الصادقعليه‌السلام : « أوحى الله عزّ وجلّ إلى داوُدعليه‌السلام أنّك نِعْم العبد لو لا أنّك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئاً » قال : « فبكى داوُدعليه‌السلام أربعين صباحاً ، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى الحديد أن لِنْ لعبدي داوُد ، فألانَ الله تعالى له الحديدَ ، فكان يعمل كلّ يوم درعاً فيبيعها بألف درهم ، فعمل ثلاثمائة وستّين درعاً ، فباعها بثلاثمائة وستّين ألفاً ، واستغنى عن بيت المال »(١) .

وقال محمّد بن عذافر عن أبيه ، قال : أعطى أبو عبد اللهعليه‌السلام أبي ألفاً وسبعمائة دينار ، فقال له : « اتّجر لي بها » ثمّ قال : « أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوباً فيه ، ولكن أحببت أن يراني الله عزّ وجلّ متعرّضاً لفوائده » قال : فربحت فيها مائة دينار ، ثمّ لقيته فقلت : قد ربحت لك فيها مائة دينار ، قال : ففرح أبو عبد اللهعليه‌السلام بذلك فرحاً شديداً ، ثمّ قال : « أثبتها لي في رأس مالي »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى :( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ) (٣) : « رضوان الله والجنّة في الآخرة ، والمعاش وحسن الخلق في الدنيا »(٤) .

وقال رجل للصادقعليه‌السلام : والله إنّا لنطلب الدنيا ونحبّ أن نؤتى بها ، فقال : « تحبّ أن تصنع بها ما ذا؟ » قال : أعود بها على نفسي وعيالي وأصل منها وأتصدّق وأحجّ وأعتمر ، فقال الصادقعليه‌السلام : « ليس هذا طلب الدنيا ،

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ٨٩٦.

(٢) الكافي ٥ : ٧٦ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢٦ - ٣٢٧ / ٨٩٨.

(٣) البقرة : ٢٠١.

(٤) الكافي ٥ : ٧١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢٧ / ٩٠٠.

١٢٩

هذا طلب الآخرة »(١) .

وقال معاذ بن كثير - صاحب الأكسية - للصادقعليه‌السلام : قد هممت أن أدع السوق وفي يدي شي‌ء ، قال : « إذن يسقط رأيك ، ولا يستعان بك على شي‌ء »(٢) .

مسالة ٦٣٦ : ولا ينبغي الإكثار في ذلك‌ ، بل ينبغي الاقتصار على ما يموّن نفسه وعياله وجيرانه ويتصدّق به.

قال الباقرعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع : ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتّقوا الله عزّ وجلّ ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنّكم استبطاء شي‌ء من الرزق أن تطلبوه بشي‌ء من معصية الله ، فإنّ الله تعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالا ، ولم يقسّمها حراماً ، فمن اتّقى الله عزّ وجلّ وصبر أتاه الله برزقه من حلّه ، ومَنْ هتك حجاب الستر وعجّل فأخذه من غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال ، وحوسب عليه يوم القيامة»(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيّع ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئنّ إليها ، ولكن أنزل نفسك(٤) من ذلك بمنزلة النصف(٥) المتعفّف ، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف ، وتكتسب ما لا بُدَّ للمؤمن منه ، إنّ الذين أعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٢ / ١٠ بتفاوت يسير فيه ، التهذيب ٦ : ٣٢٧ - ٣٢٨ / ٩٠٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٩ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٢٩ / ٩٠٨.

(٣) الكافي ٥ : ٨٠ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢١ / ٨٨٠.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « ولكن اترك لنفسك ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) في الكافي و « ي » : « المنصف » بدل « النصف ». والنصف : العدل. القاموس المحيط ٣ : ٢٠٠.

١٣٠

لهم »(١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « منهومان لا يشبعان : منهوم دنيا ، ومنهوم علم ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلّ الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلّها هلك إلّا أن يتوب ويراجع ، ومَنْ أخذ العلم من أهله وعمل به نجا ، ومَنْ أراد به الدنيا فهي حظّه »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ما أعطى الله عبدا ثلاثين ألفا وهو يريد به خيرا » وقال : « ما جمع رجل قطّ عشرة آلاف درهم من حلّ(٣) وقد يجمعها لأقوام ، إذا اعطي القوت ورزق العمل ، فقد جمع الله له الدنيا والآخرة »(٤) .

مسالة ٦٣٧ : فقد ثبت من هذا أنّ التكسّب واجب إذا احتاج إليه الإنسان لقوت نفسه وقوت من تجب نفقته عليه ، ولا وجه له سواه ، وأمّا إذا قصد التوسعة على العيال ونفع المحاويج وإعانة من لا تجب عليه نفقته مع حصول قدر الحاجة بغيره ، فإنّه مندوب إليه ، لما تقدّم من الأحاديث.

وأمّا ما يقصد به الزيادة في المال لا غير مع الغناء عنه ، فإنّه مباح. وقد يكون مكروها إذا اشتمل على وجه نهي الشارع عنه نهي تنزيه ، كالصرف ، فإنّه لا يسلم من الربا ، وبيع الأكفان ، فإنّه يتمنّى موت الأحياء ، والرقيق واتّخاذ الذبح والنحر صنعة ، لما في ذلك من سلب الرحمة من القلب ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَنْ قسا قلبه بعد من رحمة ربّه »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٨١ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٢٢ / ٨٨٢.

(٢) الكافي ١ : ٣٦ ، ١ ، التهذيب ٦ : ٣٢٨ ، ٩٠٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « عشرة ألف من حلّ ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٢٨ ، ٩٠٧.

(٥) وجدنا الحديث من دون « رحمة » في الكافي ٣ : ١٩٩ / ٥ ، والتهذيب ١ : ٣١٩ ، ٩٢٨ عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

١٣١

قال إسحاق بن عمّار : دخلت على الصادقعليه‌السلام فخبّرته أنّه ولد لي غلام ، فقال : « ألا سمّيته محمّداً؟ » قال : قد فعلت ، فقال : « لا تضرب محمّداً ولا تشتمه ، جَعَله الله قرّة عين لك في حياتك وخَلَف صدْقٍ من بعدك » قلت : جعلت فداك فأيّ الأعمال(١) أضعه؟ قال : « إذا عدلته [ عن ](٢) خمسة أشياء فضَعْه حيث شئت ، لا تسلّمه صيرفيّاً ، فإنّ الصيرفيّ لا يسلم من الربا ، ولا تسلّمه بيّاع الأكفان ، فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء إذا كان ، ولا تسلّمه بيّاع طعام ، فإنّه لا يسلم من الاحتكار ، ولا تسلّمه جزّاراً فإنّ الجزّار تسلب [ منه ](٣) الرحمة ، ولا تسلّمه نخّاساً ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : شرّ الناس من باع الناس »(٤) .

وقال الكاظمعليه‌السلام : « جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله قد علّمت ابني هذا الكتابة ففي أيّ شي‌ء أسلمه؟ فقال : أسلمه - لله أبوك - ولا تسلّمه في خمسة أشياء : لا تسلّمه سبّاء(٥) ولا صائغاً ولا قصّاباً ولا حنّاطاً ولا نخّاساً قال : فقلت : يا رسول الله ما السبّاء؟ فقال : الذي يبيع الأكفان ويتمنّى موت اُمّتي ، وللمولود من اُمّتي أحبّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس ، وأمّا الصائغ فإنّه يعالج زين اُمّتي ، وأمّا القصّاب فإنّه يذبح حتى تذهب الرحمة من قلبه ، وأمّا الحنّاط فإنّه يحتكر الطعام على اُمّتي ، ولأن يلقى الله العبد سارقاً أحبّ إليَّ من أن يلقاه قد احتكر طعاماً أربعين يوماً ، وأمّا النخّاس فإنّه أتاني جبرئيلعليه‌السلام فقال : يا محمّد إنّ شرّ اُمّتك الذين‌

____________________

(١) في المصدر : « في أيّ الأعمال ».

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) ما بين المعقوفين من التهذيب.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٦١ - ٣٦٢ / ١٠٣٧ ، الاستبصار ٣ : ٦٢ - ٦٣ / ٢٠٨.

(٥) في النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٤٣٠ : « سيّاء » بالياء المثنّاة التحتانيّة.

١٣٢

يبيعون الناس »(١) .

مسالة ٦٣٨ : ويكره اتّخاذ الحياكة والنساجة صنعةً‌ ؛ لما فيهما من الضعة والرذالة.

قال الله تعالى في قصّة نوحعليه‌السلام :( قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ) (٢) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام للأشعث بن قيس : « حائك بن حائك ، منافق بن كافر »(٣) .

قيل : إنّه كان ينسج الإبراد(٤) .

وقيل : إنّ قومه كانوا كذلك(٥) .

وقال أبو إسماعيل الصيقل الرازي(٦) : دخلت على الصادقعليه‌السلام ومعي ثوبان ، فقال لي : « يا أبا إسماعيل تجيئني من قبلكم أثواب كثيرة وليس يجيئني مثل هذين الثوبين اللّذين تحملهما أنت» فقلت : جعلت فداك تغزلهما اُمّ إسماعيل وأنسجهما أنا ، فقال لي : « حائك؟ » قلت : نعم ، قال : « لا تكن حائكاً » قلت : فما أكون؟ قال : « كُنْ صيقلاً » وكان معي مائتا دينار(٧) فاشتريت بها سيوفاً ومرايا عُتْقاً وقدمت بها الريّ ، وبعتها بربح‌

____________________

(١) الفقيه ٣ : ٩٦ / ٣٦٩ ، التهذيب ٦ : ٣٦٢ / ١٠٣٨ ، الاستبصار ٣ : ٦٣ / ٢٠٩.

(٢) الشعراء : ١١١.

(٣) نهج البلاغة - بشرح محمّد عبده - ١ : ٥١ - ٥٢ / ١٨.

(٤) شرح نهج البلاغة - لابن ميثم البحراني - ١ : ٣٢٤ ، حدائق الحقائق ١ : ٢١٢.

(٥) اُنظر : شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - ١ : ٢٩٧.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المرادي » بدل « الرازي ». وما أثبتناه من المصدر.

(٧) في المصدر : « درهم » بدل « دينار ».

١٣٣

كثير(١) .

مسالة ٦٣٩ : يكره كسب الحجّام مع الشرط.

قال الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي أعطيت خالتي غلاما ونهيتها أن تجعله قصّابا أو حجّاماً أو صائغاً »(٢) .

وسأل أبو بصير الباقرَعليه‌السلام عن كسب الحجّام ، فقال : « لا بأس به إذا لم يشارط »(٣) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ الاُجرة ليست حراماً ؛ للأصل.

وقال الباقرعليه‌السلام : « احتجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حجمه مولى لبني بياضة وأعطاه(٤) ، ولو كان حراماً ، ما أعطاه ، فلمـّا فرغ قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أين الدم؟ قال : شربته يا رسول الله ، فقال : ما كان ينبغي لك أن تفعل ، وقد جَعَله الله عزّ وجلّ حجاباً لك من النار ، فلا تَعُد»(٥) .

تذنيب : إذا شارط ، كره له الكسب مع الشرط ، ولم يكره الشرط لمن يشارطه.

قال زرارة : سألت الباقرَعليه‌السلام عن كسب الحجّام ، فقال : « مكروه له أن يشارط ، ولا بأس عليك أن تشارطه وتماكسه ، وإنّما يكره له ، ولا بأس(٦) عليك »(٧) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١١٥ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٦٣ - ٣٦٤ / ١٠٤٢ ، الاستبصار ٣ : ٦٤ / ٢١٣.

(٢) الكافي ٥ : ١١٤ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٦٣ / ١٠٤١ ، الاستبصار ٣ : ٦٤ / ٢١٢.

(٣) الكافي ٥ : ١١٥ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٨ ، الاستبصار ٣ : ٥٨ / ١٩٠.

(٤) في التهذيب : « وأعطاه الأجر ».

(٥) الكافي ٥ : ١١٦ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٩٧ / ٣٧٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٥ / ١٠١٠ ، الاستبصار ٣ : ٥٩ / ١٩٢.

(٦) في « س ، ي » : « فلا بأس ». وما أثبتناه من المصدر.

(٧) الكافي ٥ : ١١٦ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٥٥ / ١٠١١ ، الاستبصار ٣ : ٥٩ / ١٩٣.

١٣٤

وقال الصادقعليه‌السلام : « إنّ رجلاً سأل رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كسب الحجّام ، فقال : لك ناضح؟ فقال له : نعم ، فقال : اعلفه إيّاه ولا تأكله »(١) .

وهذا يدلّ على حكمين : الكراهة حيث نهاه عن أكله ، وعلى الإباحة حيث أمره أن(٢) يعلف الناضح به.

وكذا القابلة كسبها مكروه مع الشرط ، ولا معه طلق.

مسالة ٦٤٠ : لا بأس بأجر النائحة بالحقّ‌ ، ويكره مع الشرط ، ويحرم بالباطل.

قال حنان بن سدير : كانت امرأة معنا في الحيّ ولها جارية نائحة فجاءت إلى أبي ، فقالت : يا عمّ أنت تعلم معيشتي من الله وهذه الجارية النائحة ، وقد أحببت أن تسأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن ذلك ، فإن كان حلالاً ، وإلّا بعتها وأكلت من ثمنها حتى يأتي الله عزّ وجلّ بالفرج ، فقال لها أبي : والله إنّي لاُعظّم أبا عبد اللهعليه‌السلام أن أسأله عن هذه المسألة ، قال : فلمـّا قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « أتشارط؟ » قلت : والله ما أدري أتشارط أم لا ، قال : « قُلْ لها : لا تشارط وتقبل كلّما اُعطيت »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميّت »(٤) .

مسالة ٦٤١ : يكره اُجرة الضراب ؛ لأنّه في معنى بيع عسيب الفحل. ويكره إنزاء الحمير على الخيل ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن ينزى حمار على‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٦ / ١٠١٤ ، الاستبصار ٣ : ٦٠ ، ١٩٦.

(٢) في « س ، ي » : « بأن ».

(٣) الكافي ٥ : ١١٧ - ١١٨ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ / ١٠٢٦ ، الاستبصار ٣ : ٦٠ - ٦١ / ٢٠٠.

(٤) الفقيه ٣ : ٩٨ / ٣٧٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٩ / ١٠٢٨ ، الاستبصار ٣ : ٦٠ / ١٩٩.

١٣٥

عتيق ، رواه السكوني عن الصادق(١) عليه‌السلام . وفي السند ضعف.

وليس محرَّماً ؛ للأصل.

ولما رواه هشام بن إبراهيم عن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن الحمير تنزيها على الرَّمَك(٢) لتنتج البغال أيحلّ ذلك؟ قال : « نعم ، انزها »(٣) .

ولا تنافي بين الروايتين ؛ لأنّ الإمامعليه‌السلام سُئل عن الحلّ ، فأجاب بثبوته ، وقوله : « أنزها » على سبيل الإباحة ، والنهي الوارد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هو على سبيل التنزيه.

مسالة ٦٤٢ : كسب الصبيان ومَنْ لا يجتنب(٤) المحارم مكروه‌ ؛ لعدم تحفّظهم من المحارم ، وعدم الوثوق بإباحة ما حصّلوه.

وكذا تكره الصياغة والقصابة ، وقد تقدّم بيانه في الرواية(٥) .

ويكره ركوب البحر للتجارة ؛ لرواية محمّد بن مسلم عن الباقر والصادقعليهما‌السلام أنّهما كرها ركوب البحر للتجارة(٦) .

ولو حصل الخوف - كما في وقت اضطرابه وتكاثر الأهوية المختلفة - فإنّه يكون حراماً.

قال الباقرعليه‌السلام في ركوب البحر للتجارة : « يغرّر الرجل بدينه »(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٧٧ - ٣٧٨ / ١١٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٤.

(٢) الرَّمكة : البرذونة التي تتّخذ للنسل. والجمع : رَمَك. لسان العرب ١٠ : ٤٣٤ « رمك ».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨٤ / ١١٣٧ ، الإستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٥.

(٤) في « س ، ي » : « لا يتجنّب ».

(٥) وهي حديث الإمام الكاظم ٧ ، المتقدّم في ص ١٣١.

(٦) الكافي ٥ : ٢٥٦ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٥٨.

(٧) الكافي ٥ : ٢٥٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٥٩.

١٣٦

وسأل معلّى بن خنيس الصادقعليه‌السلام : عن الرجل يسافر فيركب البحر ، فقال : « إنّ أبي كان يقول : إنّه يضرّ بدينك هو ذا الناس يصيبون أرزاقهم ومعايشهم »(١) .

مسالة ٦٤٣ : يجوز أخذ الاُجرة على تعليم الحكم والآداب والأشعار‌ ، ويكره على تعليم القرآن ؛ لأنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام جاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين والله إنّي لاُحبّك لله ، فقال له : « ولكنّي أبغضك لله » قال : ولم؟ قال : « لأنّك تبغي في الأذان ، وتأخذ على تعليم القرآن أجراً ، وسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من أخذ على تعليم القرآن أجراً كان حظّه يوم القيامة»(٢) .

وعن إسحاق بن عمّار عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : قلت : إنّ لنا جاراً يكتب وقد سألني أن أسألك عن عمله ، فقال : « مُرْه إذا دفع إليه الغلام أن يقول لأهله : إنّي إنّما اُعلّمه الكتاب والحساب وأتّجر عليه بتعليم القرآن ، حتى يطيب له كسبه »(٣) .

وعن حسان المعلّم قال : سألت الصادقَعليه‌السلام عن التعليم ، فقال : لا تأخذ على التعليم أجراً » قلت : الشعر والرسائل وما أشبه ذلك اُشارط عليه؟ قال : « نعم ، بعد أن يكون الصبيان عندك سواءً في التعليم لا تفضّل بعضهم على بعض »(٤) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٧ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٦٠.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٧٦ / ١٠٩٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٦٤ / ١٠٤٤ ، الإستبصار ٣ : ٦٦ / ٢١٧.

(٤) الكافي ٥ : ١٢١ ( باب كسب المعلّم ) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ / ١٠٤٥ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ / ٢١٤.

١٣٧

وسأل الفضلُ بن أبي قرّة الصادقَعليه‌السلام : إنّ هؤلاء يقولون : إنّ كسب المعلّم سحت ، فقال : « كذبوا أعداء الله ، إنّما أرادوا أن لا يعلّموا القرآن ، ولو أنّ المعلّم أعطاه رجل دية ولده كان للمعلّم مباحاً »(١) .

قال الشيخرحمه‌الله : لا تنافي بين هذين الخبرين ؛ لأنّ الخبر الأوّل محمول على أنّه لا يجوز له أن يشارط في تعليم القرآن أجراً معلوماً ، والثاني على أنّه إن اُهدي إليه شي‌ء واُكرم بتحفة ، جاز له أخذه ؛ لرواية جرّاح المدائني عن الصادقعليه‌السلام قال : « المعلّم لا يعلّم بالأجر ، ويقبل الهديّة إذا اُهدي إليه »(٢) .

قال قتيبة الأعشى للصادقعليه‌السلام : إنّي أقرأ القرآن فتهدي إليَّ الهديّة فأقبلها؟ قال : « لا » قال : قلت : إن لم أشارطه؟ قال : « أرأيت لو لم تقرأه أكان يهدى لك؟ » قال : قلت : لا ، قال : « فلا تقبله »(٣) .

وهو محمول على الكراهة ، جمعا بين الأدلّة.

مسالة ٦٤٤ : ويكره خصا الحيوان‌ ؛ لما فيه من الإيلام ، ومعاملة الظالمين ؛ لعدم تحرّزهم عن المحرّمات.

وكذا تكره معاملة السفلة والأدنين والمحارفين ؛ لأنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : « شاركوا مَنْ أقبل عليه الرزق فإنّه أجلب للرزق »(٤) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٢١ ( باب كسب المعلّم ) الحديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٩ / ٣٨٤ ، التهذيب ٦ : ٣٦٥ / ١٠٤٦ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ / ٢١٦.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٦٥ ، والحديث رقم ١٠٤٧.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٦٥ / ١٠٤٨ ، الاستبصار ٣ : ٦٦ / ٢١٩.

(٤) نهج البلاغة - بشرح محمّد عبده - ٣ : ٢٠٤ / ٢٣٠ بتفاوت في بعض الألفاظ.

١٣٨

و كذا تكره معاملة ذوي العاهات والأكراد ومجالستهم ومناكحتهم ؛ لما روي من أنّهم حيّ من الجنّ(١) .

وكذا تكره معاملة أهل الذمّة.

مسالة ٦٤٥ : من التجارة ما هو حرام‌ ، وهو أقسام :

الأوّل : كلّ نجس لا يقبل التطهير ، سواء كانت نجاسته ذاتيّةً ، كالخمر والنبيذ والفقّاع والميتة والدم وأبوال ما لا يؤكل لحمه وأرواثه والكلب والخنزير وأجزائهما ، أو عرضيّةً ، كالمائعات النجسة التي لا تقبل التطهير ، إلّا الدهن النجس بالعرض لفائدة الاستصباح تحت السماء خاصّةً ، لا تحت الأظلّة ، لأنّ البخار الصاعد بالاشتعال لا بُدّ أن يستصحب شيئا من أجزاء الدهن.

ولو كانت نجاسة الدهن ذاتيّة - كالألية المقطوعة من الميتة أو الحيّة - لم يجز الاستصباح بها تحت السماء أيضا.

والماء النجس يجوز بيعه ؛ لقبوله التطهير.

وأبوال ما يؤكل لحمه وإن كانت طاهرةً إلّا أنّ بيعها حرام ؛ لاستخباثها ، إلّا بول الإبل للاستشفاء بها.

ويجوز بيع كلب الصيد والزرع والماشية والحائط ، وإجارتها واقتناؤها وإن هلكت الماشية ، وتربيتها.

ويحرم اقتناء الأعيان النجسة إلّا لفائدة ، كالكلب والسرجين لتربية الزرع ، والخمر للتخليل.

ويحرم أيضاً اقتناء المؤذيات ، كالحيّات والعقارب والسباع.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٨ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٠ / ٣٩٠ ، التهذيب ٧ : ١١ / ٤٢.

١٣٩

الثاني : كلّ ما يكون المقصود منه حراماً ، كآلات اللهو ، كالعود ، وآلات القمار ، كالنرد والشطرنج ، وهياكل العبادة ، كالصنم ، وبيع السلاح لأعداء الدين وإن كانوا مسلمين ؛ لما فيه من الإعانة على الظلم ، وإجارة السفن والمساكن للمحرّمات ، وبيع العنب ليعمل خمراً ، والخشب ليعمل صنماً وآلة قمار ، ويكره بيعهما على مَنْ يعمل ذلك من غير شرط ، والتوكيل في بيع الخمر وإن كان الوكيل ذمّيّاً.

وليس للمسلم منع الذمّي المستأجر داره من بيع الخمر فيها سرّاً. ولو آجره لذلك ، حرم.

ولو آجر دابّةً لحمل خمر ، جاز إن كان للتخليل والإراقة ، وإلّا فلا.

ولا بأس ببيع ما يُكنّ من آلة السلاح على أعداء الدين وإن كان وقت الحرب.

الثالث : بيع ما لا ينتفع به ، كالحشرات ، مثل : الفأر والحيّات والخنافس والعقارب والسباع ممّا لا يصلح للصيد ، كالأسد والذئب والرّخَم والحَدَأة والغراب وبيوضها ، والمسوخ البرّيّة ، كالقرد وإن قصد به حفظ المتاع ، والدبّ ، أو بحريّة ، كالجرّي والسلاحف والتمساح.

ولو قيل بجواز [ بيع ](١) السباع كلّها ؛ لفائدة الانتفاع بجلودها ، كان حسناً.

ويجوز بيع الفيل والهرّ ، وما يصلح للصيد ، كالفهد ، وبيع دود القزّ والنحل مع المشاهدة وإمكان التسليم.

وكذا يجوز بيع عامّ الوجود ، كالماء والتراب والحجارة.

____________________

(١) الزيادة يقتضيها السياق.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

[ وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر ؛ لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق ، والشقص عوض عنها(١) .

ولو أخذ من المكاتب شقصاً عوضاً عن النجوم ، فلا شفعة عندنا ](٢) .

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها ؛ لأنّ النجوم هي التي قابلته(٣) .

ولو جعل الشقص اُجرة دار ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يؤخذ بقيمة المنفعة ، وهي اُجرة مثل الدار(٤) .

ولو صالح على الشقص عن دم ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمة الدم ، وهي الدية(٥) . ويعود فيه مذهب مالك(٦) .

ولو استقرض شقصاً ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا : إنّ المستقرض يردّ المثل ؛ لأنّ القرض مبنيّ على الإرفاق ، والشفعة ملحقة بالإتلاف(٧) (٨) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) بعض ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » نصّاً ، ونحوه في « التهذيب » للبغوي ، و « روضة الطالبين ». وبعضه الآخَر من تصحيحنا لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٦) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وورد في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ - تتمّةً لقول الشافعي - : « ويقود منه الجريح ويذهب ملكه » بدل « ويعود فيه مذهب مالك ».

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالإتلاف ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

٢٦١

مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجَّلاً‌ ، مثلاً : اشترى الشقص بمائة مؤجَّلة إلى سنة ، فللشيخرحمه‌الله قولان :

أحدهما - وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم(١) - : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّاً ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل(٢) .

لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدراً ووصفاً ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلّا ما قلنا توصّلاً إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

وقال الشيخ أيضاً : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(٣) - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٤) - لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات مَنْ عليه الدَّيْن المؤجَّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) النهاية : ٤٢٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.

٢٦٢

ولأنّ في ذلك تغريراً بالمشتري ؛ لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.

وهو ممنوع ؛ لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.

وللشافعي قولٌ ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ؛ لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمنٍ حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ؛ لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالّا ، ولئلّا يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع(١)

وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمنٍ مؤجّل إذا كان مليّاً موثوقاً به أو(٢) إذا أعطى كفيلاً مليّاً ، وإلّا لم يأخذه ؛ لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل(٣) .

وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ؛ لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ؛ إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ؛ لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسوراً(٤) .

ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

٢٦٣

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجي‌ء ذلك المحلّ.

ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ؛ لأنّ الثمن لو كان حالّاً فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلاً وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ؛ لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم(١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين(٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ](٣) مَنْ يعرفها.

ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلّا بالسلعة المعدلة ؛ لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخَرَيْن لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.

مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصاً مشفوعاً إلى ما لا شفعة فيه في البيع‌ ، مثل أن يبيع نصفَ دار وثوباً أو عبداً أو غيرهما صفقةً واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) ، ولا شفعة في المضموم ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

٢٦٤

لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.

وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معاً. ويروى عنه أيضاً أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ؛ لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ؛ فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ؛ فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذٍ يحصل(٢) .

وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضاً.

وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالماً بالحال.

مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.

٢٦٥

أ - أن تتعيّب من غير تلف شي‌ء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض(١) علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعند بعضهم(٣) يسقط(٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها ، فيُنظر إن تلف شي‌ء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراقٍ وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من‌

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ - ١٧٣.

(٣) اُنظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ - ١٦٢.

(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ - ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضاً : الكافي في الفقه - للحلبي -: ٣٥٥.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٦

الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(١) .

وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي - وبه قال الشافعي(٢) - وبما بعد الأرش على رأي.

وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلفٍ ، فيأخذها بالحصّة ؛ لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

ج - أن لا يتلف شي‌ء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى داراً فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ؛ لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

٢٦٧

فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.

وإن قلنا : إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ؛ لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّاناً ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

والثاني - وهو قياس الأصل المبنيّ عليه - : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاُولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(١) .

ومنهم مَنْ كان يطلق قولين - تفريعاً على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(٢)

ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نَقْصٌ حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذِ بالحصّة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصاً وسيفاً.

واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(٣) .

وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ - ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

٢٦٨

وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :

أ - منهم مَنْ قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ؛ لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع داراً ، لم يدخل فيها ما كان منفصلاً عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.

ب - ما ذُكر في الطريقة الاُولى إلّا في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولاً واحداً.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ؛ لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلاً.

د - المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرقٍ أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقيةً وإنّما ذهب البناء.

ه- إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(١) .

وبهذه(٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(٣) .

أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا )(٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».

٢٦٩

لم يسقط شي‌ء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.

ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.

مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه‌ ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّاناً ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.

وإن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره - بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر(١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى(٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجي‌ء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ؛ لأنّه ملكه.

فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ؛ لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،

____________________

(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».

(٢) في « س ، ي » : « خفي ».

٢٧٠

ويصير الملك له ، وأن يُجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.

وقيل : رابعٌ : أن يُبقيه في الأرض باُجرة(١) .

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي(٣) ؛ لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يُجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.

وقال أبو حنيفة والثوري : يُجبر على قلعه ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقَّةً(٤) .

وفرّق(٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(٦) .

وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملكٌ غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذٍ وجب أن لا تبقى الشفعة ؛ لاندفاع الضرر الذي كُنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداءً للجار.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».

(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

٢٧١

لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلّا أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلاً بالشفعة ؛ لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي(١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.

وهل للشفيع أن يطالبه باُجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الاُجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالاُجرة(٢) . وقد بيّنّا الفرق.

وكذا لو باع أرضاً مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالاُجرة لمدّة بقاء الزرع.

وللشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة - وجهان في وجوب الاُجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الاُجرة ، وفي الصورتين الاُخريين المنع ؛ للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه(٣) .

وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضاً . .». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.

٢٧٢

في ملكه.

تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذٍ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ؛ لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بِيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع(٢) . ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة(٣) .

وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلاً.

مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ‌ ؛ لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرَّفاته باطلة ؛ لأنّ للشفيع حقّاً لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن(٥) .

وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن - وهو الظاهر من قول الشافعيّة(٦) - أنّه يُنظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

٢٧٣

الشقص بالشفعة ، وإلّا تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.

وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(١) .

واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :

فمنهم مَنْ خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.

ومنهم مَنْ عمّم وقال : تصرّف المشتري يُبطل حقَّ الشفيع ، كما يُبطل تصرّف المشتري المفلس حقَّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقَّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوعَ الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعاً ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(٢) .

وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضاً ؛ لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلاً للشفعة ، لا يكون مثبتاً لها ، كما إذا تحرّم(٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّةً وتكبيراً ، لا تنعقد بها الصلاة ؛ لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(٤) .

ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ؛ لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

٢٧٤

رضا ولا تسليم(١) .

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا عُتقت الأمة تحت عبد وطلّقها قبل أن تختار الفسخ ، هل ينفذ الطلاق؟

ووجه الشبه : أنّ الطلاق يُبطل حقّها في الفسخ ولم تسلّطه عليه ، كما ذكرنا في الشفيع(٢) .

وحكي عن بعضهم أنّه لا ينقض الشفعةَ تصرّفُ الوقف ، وينقض ما عداه(٣) .

مسالة ٧٥٢ : النخل تتبع الأرض في الشفعة‌ ، وبه قال الشافعي(٤) .

فإن طالب بالشفعة وقد زادت النخل بطولٍ وسعفٍ ، رجع في ذلك ؛ لأنّ هذه زيادة غير متميّزة ، فتبعت الأرض في الرجوع ، كسمن الجارية.

اعترض بعض الشافعيّة بأنّه كيف جعلتم النخل تبعاً للأرض في الشفعة وقد قلتم : إنّ الأرض تتبع النخل في المساقاة ، فتجوز المزارعة على ما بين النخل من البياض تبعاً للنخيل!؟

واُجيب : بأنّه يجوز أن تكون الأرض تبعاً في حكمٍ يختصّ بالنخل ، والنخل تبعاً لها في حكم آخَر يختصّ بالأرض ، وإنّما لا يجوز أن يكون الشي‌ء تابعاً ومتبوعاً في أمرٍ واحد ، وقد عرفت الكلبُ مقيس على الخنزير في النجاسة ، والخنزير مقيس عليه في الغَسْل من ولوغه عندهم(٥) .

ولو طلّق الزوج قبل الدخول وكان الصداق نخلاً وقد طالت ، لا يرجع في النصف ، لأنّ الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذّر الرجوع في‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٥) لم نعثر على الاعتراض والجواب عنه في المصادر المتوفّرة لدينا.

٢٧٥

العين ، والقيمة تنوب منابها ، وفي الشفعة إذا لم يرجع في ذلك ، سقط حقّه من الشفعة ، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.

إذا عرفت هذا ، فإن كان في هذه النخل طلع حدث ، نُظر فإن كان قد اُبّر وتشقّق ، كان للمشتري ؛ لأنّه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.

وإن كان لم يؤبّر ، فهل يتبع في الشفعة؟

أمّا عندنا فلا ؛ لاختصاص الشفعة بالبيع خاصّةً.

وأمّا عند الشافعي فقولان(١) ، كالمفلس إذا ابتاع نخلاً وحدث فيها طلع لم يؤبّر وأراد البائع الرجوع في النخل.

ويفارق ذلك البيعَ ؛ لأنّه أزال ملكه باختياره ، وكان الطلع تابعاً إذا لم يكن ظاهراً ، ويكون في الردّ بالعيب كالشفعة.

وكذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض - كالهبة ، وفسخ الهبة - فيه قولان(٢) .

فإن كان المشتري اشترى النخل وفيها الطلع ، فإن كان مؤبَّراً ، فإنّه لا يتبع في البيع ، وإذا اشترطه ، دخل في البيع ، ولا تثبت فيه الشفعة ، وإنّما يأخذ الأرض والنخل بحصّتهما من الثمن.

فإن كانت غير مؤبَّرة ، تبعت بمطلق العقد.

فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبّر الثمرة ، لم يأخذه الشفيع بالثمرة إن تجدّدت بعد الشراء.

وإن كانت موجودةً حال البيع ، فالأقوى : الدخول في الشفعة ، كما دخلت في البيع ، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.

____________________

(١ و ٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٧٦

وإن أخذ الشقص بعد التأبير ، لم يتبعه الطلع.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبّر الطلع ، كان في الطلع القولان ؛ لأنّه لو ثبت حقّ الشفيع في هذا الطلع ، لوجب أن يأخذه وإن تشقّق ؛ لأنّ ذلك زيادة متّصلة(١) .

والغراس تبع في الشفعة ؛ لأنّه يراد للتبقية في الأرض والتأبيد.

مسالة ٧٥٣ : إذا تبايعا بثمن ثمّ زاده المشتري عليه زيادة أو نقص البائع منه شيئاً بعد العقد، فإن كان ما اتّفقا عليه من الزيادة أو الحطّ بعد لزوم البيع وانقضاء الخيار ، لم يكن للشفيع في ذلك حقّ ، ولا عليه شي‌ء لا في حطّ الكلّ ولا في حطّ البعض ؛ لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بما استقرّ عليه العقد ، والذي استقرّ عليه المسمّى.

ولو كان في زمن الخيار ، لم يلحق أيضاً الشفيع عندنا ؛ لوقوع العقد على شي‌ء ، فلا تضرّ الزيادة والنقيصة بعده.

وقال الشافعي : يثبت ذلك التغيير في حقّ الشفيع في أحد الوجهين ؛ لأنّ حقّ الشفيع إنّما ثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثمن الذي هو ثابت في حال استحقاقه. ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتغيير يلحق بالعقد ؛ لأنّهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد(٢) .

فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم(٣) العقد فزاد أو نقص ، لم يلحق بالعقد ؛ [ لأنّ الزيادة ](٤) لا تثبت إلّا أن تكون هبةً مقبوضةً ، والنقصان يكون‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الوجيز ١ : ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « لزم » بدل « انبرم ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والزيادة ». والظاهر ما أثبتناه كما في المغني والشرح الكبير.

٢٧٧

إبراءً ، ولا يثبت [ ذلك ](١) في حقّ الشفيع ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع ، ولا تثبت الزيادة وإن كانا(٣) عنده يلحقان بالعقد ، ويقول : الزيادة تضرّ بالشفيع فلم يملكها(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ ذلك تغيّر بعد استقرار العقد ، فلم يثبت في حقّ الشفيع ، كالزيادة.

والفرق ليس بصحيح ؛ لأنّ ذلك لو لحق بالعقد ، لثبت في حقّه وإن أضرّ به ، كما لو كان في زمن الخيار.

ولو حطّ كلّ الثمن في زمن الخيار ، لم يلحق الحطّ عندنا بالشفعة - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّ ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن ، فلا شفعة للشريك ؛ لأنّه يصير هبةً ، فيبطل على رأي ، ويصحّ على رأي.

أمّا إذا حطّ منه أرش العيب ، فإنّه يثبت في حقّ الشفيع ؛ لأنّه سقط بجزء فقد من المبيع ، ولهذا فاته جزء من الثمن.

مسالة ٧٥٤ : لو كان ثمن الشقص عبداً ، ثبتت الشفعة عندنا‌ ، خلافاً لبعض علمائنا وبعض الجمهور ، وقد سبق(٦) ، ويأخذ الشفيع بقيمة العبد.

فإن وجد البائع بالعبد عيباً ، فإمّا أن يكون [ قبل ](٧) أن يحدث عنده‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المغني والشرح الكبير.

(٢) المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٧٦.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كان » بدل « كانا ». وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) المغني ٥ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٦) في ص ٢٥٧ ، المسألة ٧٤٥.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « قبل ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٧٨

عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل أن يحدث عنده عيب ، فإمّا أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.

فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع ، كان له ردّ العبد على المشتري ، ولم يكن له استرجاع الشقص ؛ لأنّ الشقص قد ملكه بالأخذ ، فلم يكن للبائع إبطال ملكه ، كما لو كان المشتري قد باعه ثمّ وجد البائع بالثمن عيباً ، فإنّه يردّه ، ولا يفسخ بيع المشتري ، ويرجع البائع إلى قيمة الشقص ، كذا هنا.

وقال بعض الشافعيّة : يستردّ المشتري الشقص من الشفيع ، ويردّ عليه ما أخذه ، ويسلّم الشقص إلى البائع ؛ لأنّ الشفيع نازل منزلة المشتري ، فردُّ البائع يتضمّن نقض ملكه ، كما يتضمّن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه(١) .

والمشهور عندهم(٢) ما قلناه.

فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري ودفع المشتري إلى البائع قيمة الشقص ، فإن تساويا ، فلا بحث. وإن تفاوتا ، لم يرجع المشتري على الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشي‌ء ، ولا يرجع الشفيع على المشتري إن كانت قيمة العبد أكثر - وهو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لأنّ الشفيع أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يلزمه أكثر من ذلك.

والثاني : يتراجعان ؛ لأنّ المشتري استقرّ عليه عوض الشفيع قيمته ، فينبغي أن يستحقّ ذلك على الشفيع ، فيرجع كلّ مَنْ كان ما دفعه أكثر على صاحبه بالزيادة(٤) .

ولو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، وأيضاً : فتح العزيز ١١ : ٤٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٧٩

لم يكن للبائع أخذه منه ، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذّر ردّ المغصوب ثمّ قدر عليه ، فإنّه يجب عليه ردّه على المالك ، واسترداد ما دفعه من القيمة ؛ لأنّ المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم ودفع القيمة ، وإنّما أخذنا القيمة للضرورة وقد زالت ، وهنا زال ملك البائع عنه وصار ملكاً للشفيع ، وانقطع حقّه عنه ، وإنّما انتقل حقّه إلى القيمة ، فإذا أخذها ، لم يبق له حقّ.

وحكى بعض الشافعيّة فيه وجهين بناءً على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد؟(١)

وأمّا إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة ، فهنا حقّان ، ففي تقديم أيّهما للشافعيّة وجهان :

أحدهما : الشفيع أولى ؛ لأنّ حقّه سبق حقّ البائع في الردّ.

والثاني : البائع أولى ؛ لأنّ الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك ، فلا نثبتها مع تضرّر البائع بإثباتها(٢) .

وحكى الجويني الجزم بتقديم البائع(٣) .

والوجه عندي : تقديم حقّ الشفيع ؛ لسبقه.

فإذا قلنا : الشفيع أحقّ ، فإنّ البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص ، ويرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يرجع على الشفيع بقيمة الشقص(٤) .

ولو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381