تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119908 / تحميل: 5662
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ويحرم بيع الترياق ؛ لاشتماله على الخمر ولحوم الأفاعي. ولا يجوز شربه للتداوي إلّا مع خوف التلف ، والسمّ من الحشائش.

والنبات يجوز بيعه إن كان ممّا ينتفع به ، كالسقمونيا ، وإلّا فلا.

والأقرب : المنع من بيع لبن الآدميّات.

ولو باعه داراً لا طريق لها مع علم المشتري ، جاز ، ومع جهله يتخيّر.

الرابع : ما نصّ الشارع على تحريمه عيناً ، كعمل الصُّور المجسّمة ، والغناء وتعليمه واستماعه ، وأجر المغنّية.

قال الصادقعليه‌السلام وقد سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات ، فقال : « شراؤهنّ حرام ، وبيعهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر ، واستماعهنّ نفاق »(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « المغنّية ملعونة ، ملعون مَنْ أكل كسبها »(٢) .

وأوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوارٍ له مغنّيات أن يُبعن ويُحمل ثمنهنّ إلى أبي الحسنعليه‌السلام ، قال إبراهيم بن أبي البلاد : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم ، وحملت الثمن إليه ، فقلت له : إنّ مولىً لك يقال له : إسحاق بن عمر أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات وحَمْل الثمن إليك ، وقد بعتهنّ وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : « لا حاجة لي فيه ، إنّ هذا سحت ، وتعليمهنّ كفر ، والاستماع منهنّ نفاق ، وثمنهنّ سحت »(٣) .

أمّا المغنّية في الأعراس فقد ورد رخصة بجواز كسبها إذا لم تتكلّم بالباطل ولم تلعب بالملاهي ولم يدخل الرجال عليها.

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٥٦ / ١٠١٨ ، الاستبصار ٣ : ٦١ / ٢٠١.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ / ١٠٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٦١ / ٢٠٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ / ١٠٢١ ، الاستبصار ٣ : ٦١ / ٢٠٤.

١٤١

روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال »(١) .

إذا ثبت هذا ، فإن أدخلت الرجال أو غنّت بالكذب ، كان حراماً ؛ لما تقدّم.

ولما رواه أبو بصير عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سألته عن كسب المغنّيات ، فقال : « التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول الله عزّ وجلّ :( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) (٢) »(٣) .

مسالة ٦٤٦ : القمار حرام وتعلّمه واستعماله وأخذ الكسب به حتى لعب الصبيان بالجوز والخاتم.

قال الله تعالى :( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ) (٤) وقال تعالى :( وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ ) (٥) .

قال الباقرعليه‌السلام : « لمـّا أنزل الله تعالى على رسوله( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) (٦) قيل : يا رسول الله ما الميسر؟ قال : كلّ ما يقمروا به حتى الكعاب والجوز ، فقيل : وما الأنصاب؟ قال : ما ذبحوا لآلهتهم ، قيل : والأزلام؟ قال : قداحهم‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٠ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٩٨ / ٣٧٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ / ١٠٢٢ ، الاستبصار ٣ : ٦٢ / ٢٠٥.

(٢) سورة لقمان : ٦.

(٣) الكافي ٥ : ١١٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ / ١٠٢٤ ، الاستبصار ٣ : ٦٢ / ٢٠٧.

(٤) المائدة : ٣.

(٥ و ٦ ) المائدة : ٩٠.

١٤٢

التي كانوا يستقسمون بها »(١) .

وسأل إسحاق بن عمّار الصادقَعليه‌السلام : الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون ، فقال : « لا تأكل منه فإنّه حرام »(٢) .

وكان الصادقعليه‌السلام ينهى عن الجوز يجي‌ء به الصبيان من القمار أن يؤكل ، وقال : « هو سحت »(٣) .

مسالة ٦٤٧ : الغشّ والتدليس محرَّمان‌ ، كشوب اللبن بالماء ، وتدليس الماشطة ، وتزيين الرجل بالحرام.

قال الصادقعليه‌السلام : « ليس منّا مَنْ غشّنا »(٤) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل يبيع التمر : « يا فلان أما علمت أنّه ليس من المسلمين مَنْ غشّهم »(٥) .

ونهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشاب اللبن بالماء للبيع(٦) .

ولا بأس بكسب الماشطة إذا لم تفعل التدليس.

قال [ عليّ ](٧) : سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس ليس لها معيشة غير ذلك وقد دخلها تضيّق ، قال : « لا بأس ، ولكن لا تصل الشعر بالشعر »(٨) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٢ - ١٢٣ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٩٧ / ٣٧٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧١ / ١٠٧٥ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٤ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ / ١٠٦٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٣ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ / ١٠٧٠.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٠ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٢ / ٤٨.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٢ / ٤٩.

(٦) الكافي ٥ : ١٦٠ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١٧٣ / ٧٧١ ، التهذيب ٧ : ١٣ / ٥٣.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « سماعة ». ولقد ورد في المصدر لفظ « سماعة » في الحديث السابق بسطرٍ واحد. وما أثبتناه من المصدر.

(٨) التهذيب ٦ : ٣٥٩ / ١٠٣٠ ، وفيه : « وقد دخلها ضيق ».

١٤٣

وإذا لم يحصل تدليس بالوصل ، لم يكن به بأس.

سُئل [ الباقر ](١) عليه‌السلام عن القرامل التي يضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهنّ ، فقال : « لا بأس به على المرأة ما تزيّنت به لزوجها » فقيل له : بلغنا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن الواصلة والموصولة ، فقال : « ليس هناك ، إنّما لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله [ الواصلة ](٢) التي تزني في شبابها ، فإذا كبرت قادت النساء إلى الرجال ، فتلك الواصلة والموصولة »(٣) .

مسالة ٦٤٨ : وتحرم معونة الظالمين على الظلم.

قال ابن أبي يعفور : كنت عند الصادقعليه‌السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا ، فقال له : أصلحك الله إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو(٤) الشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه ، أو النهر يكريه ، أو المسنّاة يصلحها ، فما تقول في ذلك؟ فقال الصادقعليه‌السلام : « ما أحبّ أنّي(٥) عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء وإنّ لي ما بين لابتيها لا ولا مدّة بقلم ، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد »(٦) .

مسالة ٦٤٩ : يحرم حفظُ كتب الضلال ونسخُها لغير النقض أو الحجّة وتعلُّمُها ، ونسخُ التوراة والإنجيل ؛ لأنّهما منسوخان محرَّفان ، وتعليمهما وتعلّمهما حرام ، وأخذُ الاُجرة على ذلك.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « الصادق ». وما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر ، وفيه : « أبو جعفر ».

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الكافي ٥ : ١١٩ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٦٠ / ١٠٣٢.

(٤ و ٥ ) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والشدّة إن عقدت ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٦) الكافي ٥ : ١٠٧ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٣١ / ٩١٩.

١٤٤

وكذا يحرم هجاء المؤمنين والغيبة.

قال الله تعالى :( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ) (١) .

ويحرم سبّ المؤمنين والكذب عليهم والنميمة(٢) ومدح مَنْ يستحقّ الذمّ وبالعكس ، والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة ، بلا خلافٍ في ذلك كلّه.

مسالة ٦٥٠ : تعلّم السحر وتعليمه حرام.

وهو كلام يتكلّم به أو يكتبه أو(٣) رقية أو يعمل شيئاً [ يؤثّر ](٤) في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة.

وهل له حقيقة؟ قال الشيخ : لا ، وإنّما هو تخييل(٥) .

وعلى كلّ تقدير لو استحلّه قُتل.

ويجوز حلّ السحر بشي‌ء من القرآن أو الذكر والأقسام ، لا بشي‌ء منه.

روى إبراهيم بن هاشم قال : حدّثني شيخ من أصحابنا الكوفيّين ، قال : دخل عيسى بن سيفي(٦) على الصادقعليه‌السلام - وكان ساحراً يأتيه الناس‌

____________________

(١) الحجرات : ١٢.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « التهمة » بدل « النميمة ».

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٥) الخلاف ٥ : ٣٢٧ - ٣٢٨ ، المسألة ١٤ من كتاب كفّارة القتل ، المبسوط - للطوسي - ٧ : ٢٦٠.

(٦) في الكافي : « شفقي » بدل « سيفي ». وفي التهذيب - تحقيق السيّد حسن الخرسان - وكذا الفقيه : « شقفي». وفي التهذيب - تحقيق علي أكبر الغفاري - كما في المتن.

١٤٥

ويأخذ على ذلك الأجر - فقال له : جعلت فداك أنا رجل كانت صناعتي السحر وكنت آخذ عليه الاُجرة وكان معاشي ، وقد حججت ومَنَّ الله عليَّ بلقائك وقد تبت إلى الله تعالى ، فهل لي في شي‌ء منه مخرج؟ قال : فقال :الصادقعليه‌السلام : « حُلّ ولا تعقد »(١) .

وكذا يحرم تعلّم الكهانة وتعليمها ، والكاهن هو الذي له رئيٌّ(٢) من الجنّ يأتيه بالأخبار. ويقتل ما لم يتب.

والتنجيم حرام ، وكذا تعلّم النجوم مع اعتقاد تأثيرها في عالم العنصريّات على ما يقوله الفلاسفة.

والشعبذة حرام. وهي الحركات السريعة جدّاً بحيث يخفى على الحسّ الفرقُ بين الشي‌ء وشبهه لسرعة(٣) انتقاله من الشي‌ء إلى شبهه.

والقيافة حرام عندنا.

مسالة ٦٥١ : يحرم بيع المصحف‌ ، لما فيه من الابتذال له وانتفاء التعظيم ، بل ينبغي أن يبيع الجلد والورق.

قال سماعة : سألته عن بيع المصاحف وشرائها ، فقال : « لا تشتر كتاب الله ، ولكن اشتر الحديد والجلود(٤) والدفَّتين(٥) ، وقُلْ : أشتري هذا منك بكذا وكذا »(٦) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١١٥ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٦٤ / ١٠٤٣ ، وانظر : الفقيه ٣ : ١١٠ / ٤٦٣.

(٢) يقال للتابع من الجنّ : رئيٌّ ، بوزن كمِيّ ، سُمّي به لأنّه يتراءى لمتبوعه. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ١٧٨ « رأي».

(٣) في الطبعة الحجريّة : « بسرعة ».

(٤) في المصدر : « والورق » بدل « والجلود ».

(٥) في الطبعة الحجريّة : « والدفين ». وفي « س ، ي » : « والدفتر ». وما أثبتناه من المصدر.

(٦) الكافي ٥ : ١٢١ ( باب بيع المصاحف ) الحديث ٢.

١٤٦

وسأل جرّاح المدائني الصادقَعليه‌السلام : عن بيع المصاحف ، فقال(١) : « لا تبع الكتاب ولا تشتره ، وبع الورق والأديم والحديد »(٢) .

ولا بأس بأخذ الأجرة على كِتْبة القرآن.

قال الصادقعليه‌السلام وقد سأله روح بن عبد الرحيم(٣) ، فقال له : ما ترى أن أُعطي على كتابته أجراً؟ قال : « لا بأس »(٤) .

مسالة ٦٥٢ : يحرم تعشير المصاحف بالذهب وزخرفتها.

قال سماعة : سألته عن رجل يعشّر المصاحف بالذهب ، فقال : « لا يصلح » فقال : إنّها معيشتي ، فقال : « إنّك إن تركته لله جعل الله لك مخرجاً »(٥) .

والأولى عندي الكراهة دون التحريم ؛ عملاً بالأصل ، واستضعافاً للرواية ؛ لأنّها غير مستندة إلى إمام ، والرواة ضعفاء.

ويكره كِتْبة القرآن بالذهب.

قال محمّد الورّاق(٦) : عرضت على الصادقعليه‌السلام كتاباً فيه قرآن مختّم معشّر بالذهب ، وكتب في آخره سورة بالذهب ، فأريته إيّاه ، فلم يَعِبْ منه شيئاً إلّا كتابة القرآن بالذهب ، فإنّه قال : « لا يعجبني أن يكتب القرآن إلّا بالسواد كما كتب أوّل مرّة »(٧) .

____________________

(١) في « س ، ي » : « قال ».

(٢) التهذيب ٦ : ٣٦٦ / ١٠٥١.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عبد الرحمن ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) الكافي ٥ : ١٢١ - ١٢٢ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٦٦ / ١٠٥٣.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٦٦ ، ١٠٥٥.

(٦) في الكافي : « محمّد بن الورّاق ».

(٧) الكافي ٢ : ٤٦٠ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٦.

١٤٧

مسالة ٦٥٣ : السرقة والخيانة حرام بالنصّ والإجماع‌ ، وكذا بيعهما.

ولو وجد عنده سرقة ، ضمنها ، إلّا أن يقيم البيّنة بشرائها ، فيرجع على بائعها مع جهله.

روى جرّاح عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا يصلح شراء السرقة والخيانة إذا عرفت »(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها وإثمها »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام في الرجل يوجد عنده سرقة ، فقال : « هو غارم إذا لم يأت على بائعها بشهود(٣) »(٤) .

ولو اشترى بمال السرقة جاريةً أو ضيعةً ، فإن كان بالعين ، بطل البيع ، وإلّا حلّ له وطؤ الجارية ، وعليه وزر المال.

روى السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائهعليهم‌السلام : « لو أنّ رجلاً سرق ألف درهم فاشترى بها جاريةً أو أصدقها امرأة فإنّ الزوجة(٥) له حلال ، وعليه تبعة المال »(٦) .

ولو حجّ به مع وجوب الحجّ بدونه ، برئت ذمّته إلّا في الهدي.

ولو طاف أو سعى في الثوب المغصوب أو على الدابّة المغصوبة ،

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٨ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ / ١٠٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٩ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ / ١٠٩٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « شهود ». وفي التهذيب : « شهوداً ». وما أثبتناه من الكافي.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٩ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ / ١٠٩١.

(٥) في المصدر : « الفرج » بدل « الزوجة ».

(٦) التهذيب ٦ : ٣٨٦ / ١١٤٧ ، و ٨ : ٢١٥ / ٧٦٧.

١٤٨

بطل.

مسالة ٦٥٤ : التطفيف في الكيل والوزن حرام بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى :( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) (١) .

ويحرم الرشا في الحكم وإن حكم على باذله بحقّ أو باطل.

الخامس : ما يجب على الإنسان فعله يحرم أخذ الأجر عليه ، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم.

نعم ، لو أخذ الأجر على المستحبّ منها(٢) ، فالأقرب : الجواز.

وتحرم الاُجرة على الأذان ، وقد سبق(٣) ، وعلى القضاء ؛ لأنّه واجب.

ويجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال.

ويجوز أخذ الاُجرة على عقد النكاح والخطبة في الإملاك(٤) .

ويحرم الأجر على الإمامة والشهادة وقيامها.

مسالة ٦٥٥ : لو دفع إنسان إلى غيره مالا ليصرفه في المحاويج أو في قبيل وكان هو منهم ، فإن عيّن ، اقتصر على ما عيّنه ، ولا يجوز له إعطاء غيرهم ، فإن فَعَل ، ضمن.

وإن أطلق ، فالأقرب : تحريم أخذه منه ؛ لأنّ الظاهر أنّ الشخص هنا لا يتولّى طرفي القبض والإقباض.

ولما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادقعليه‌السلام في رجل أعطاه‌

____________________

(١) المطفّفين : ١ - ٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « منهما » بدل « منها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) في ج ٣ ص ٨١ ، المسألة ١٨٤.

(٤) الإملاك : التزويج. الصحاح ٤ : ١٦١٠ « ملك ».

١٤٩

رجل مالاً ليقسمه في المساكين وله عيال محتاجون ، أيعطيهم منه من غير أن يستأذن(١) صاحبه؟ قال : « نعم »(٢) .

وقال بعض علمائنا : يجوز له أن يأخذ مثل ما يعطي غيره ، ولا يفضّل نفسه عليهم(٣) .

وهو عندي جيّد إن علم بقرينة الحال تسويغ ذلك.

إذا عرفت هذا ، فإن كان الأمر بالدفع إلى قوم معيّنين ، لم تُشترط عدالة المأمور ، وإلّا اشترطت.

مسالة ٦٥٦ : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع علم الإباحة إمّا لفظاً أو بشاهد الحال. ويكره انتهابه.

فإن لم يعلم قصد الإباحة ، حرم ؛ لأنّ الأصل عصمة مال المسلم.

قال إسحاق بن عمّار : قلت للصادقعليه‌السلام : الإملاك يكون والعرس فينثر على القوم ، فقال: « حرام ، ولكن كل ما أعطوك منه »(٤) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « لا بأس بنثر الجوز والسُّكّر »(٥) .

وعن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن النثار من السّكّر واللوز وأشباهه أيحلّ أكله؟ قال : « يكره أكل ما انتهب »(٦) .

مسالة ٦٥٧ : الولاية من قبل العادل مستحبّة. وقد تجب إذا ألزمه بها ، أو كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتمّ إلّا بولايته.

____________________

(١) في المصدر : « يستأمر » بدل « يستأذن ».

(٢) التهذيب ٦ : ٣٥٢ - ٣٥٣ / ١٠٠١.

(٣) المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٢.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٧٠ / ١٠٧١ ، الاستبصار ٣ : ٦٦ / ٢٢٠.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٧٠ / ١٠٧٣ ، الاستبصار ٣ : ٦٦ - ٦٧ / ٢٢٢.

(٦) الكافي ٥ : ١٢٣ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٧٠ / ١٠٧٢.

١٥٠

وتحرم من الجائر ، إلّا مع التمكّن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو مع الإكراه بالخوف على النفس أو المال أو الأهل أو بعض المؤمنين ، فيجوز حينئذٍ اعتماد ما يأمره إلّا القتل الظلم ، فإنّه لا يجوز له فعله وإن قُتل.

ولو خاف ضررا يسيرا بترك الولاية ، استحبّ له تحمّله ، وكرهت له الولاية.

روى عمّار قال : سئل الصادقعليه‌السلام : عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل ، قال : « لا ، إلّا أن لا يقدر على شي‌ء [ ولا ](١) يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخُمْسه إلى أهل البيت »(٢) .

وعن الوليد بن صبيح قال : دخلت على الصادقعليه‌السلام فاستقبلني زرارة خارجاً من عنده ، فقال لي الصادقعليه‌السلام : « يا وليد أما تعجب من زرارة سألني عن أعمال هؤلاء أيّ شي‌ء كان يريد؟ [ أيريد ](٣) أن أقول له : لا ، فيروي ذلك عليّ؟ » ثمّ قال : « يا وليد متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم؟ إنّما كانت الشيعة تقول : يؤكل من طعامهم ، ويشرب من شرابهم ، ويستظلّ بظلّهم ، متى كانت الشيعة تسأل عن هذا؟ »(٤) .

وروى حمّاد عن حميد قال : قلت للصادقعليه‌السلام : إنّي(٥) ولّيت عملا‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٣٠ / ٩١٥.

(٣) ما بين المعقوفين من الكافي.

(٤) الكافي ٥ : ١٠٥ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٣٠ - ٣٣١ ، ٩١٧.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أن » بدل « إنّي ». وما أثبتناه كما في المصدر.

١٥١

فهل لي من ذلك مخرج؟ فقال : « ما أكثر مَنْ طلب [ من ](١) ذلك المخرج فعسر عليه » قلت : فما ترى؟ قال : « أرى أن تتّقي الله عزّ وجلّ ولا تعود »(٢) .

وكان النجاشي - وهو رجل من الدهاقين - عاملاً على الأهواز وفارس ، فقال بعض أهل عمله للصادقعليه‌السلام : إنّ في ديوان النجاشي عليَّ خراجاً وهو ممّن يدين بطاعتك ، فإن رأيت أن تكتب إليه كتاباً ، قال : فكتب إليه كتاباً : بسم الله الرحمن الرحيم ، سرّ أخاك يسرّك الله » فلمـّا ورد عليه الكتاب وهو في مجلسه وخلا ناوله الكتاب وقال : هذا كتاب الصادقعليه‌السلام ، فقبّله ووضعه على عينيه وقال : ما حاجتك؟ فقال : عليّ خراج في ديوانك ، قال له : كم هو؟ قال : عشرة آلاف درهم ، قال : فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه ، ثمّ أخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل ، ثمّ قال : هل سررتك؟ قال : نعم ، قال : فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى ، فقال : هل سررتك؟ فقال : نعم ، جعلت فداك ، قال : فأمر له بمركب ثمّ أمر له بجارية وغلام وتخت ثياب في كلّ ذلك يقول : هل سررتك؟ فكلّما قال : نعم ، زاده حتى فرغ قال له : احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إليّ كتاب مولاي فيه ، وارفع إليّ جميع حوائجك ، قال : ففعل ، وخرج الرجل فصار إلى الصادقعليه‌السلام بعد ذلك ، فحدّثه بالحديث على جهته ، فجعل يستبشر بما فعله ، قال له الرجل : يا بن رسول الله فإنّه قد سرّك ما فعل بي؟ قال : « إي والله لقد سرّ الله ورسوله »(٣) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين من التهذيب. وفي الكافي : « مَنْ طلب المخرج من ذلك ».

(٢) الكافي ٥ : ١٠٩ / ١٥ ، التهذيب ٦ : ٣٣٢ / ٩٢٢.

(٣) الكافي ٢ : ١٥٢ ( باب إدخال السرور على المؤمنين ) الحديث ٩ ، التهذيب ٦ : ٣٣٣ - ٣٣٤ / ٩٢٥.

١٥٢

مسالة ٦٥٨ : جوائز الجائر إن علمت حراماً لغصبٍ وظلم وشبهه حرم أخذها‌ ، فإن أخذها، وجب عليه ردّها على المالك إن عرفه. وإن لم يعرفه ، تصدّق بها عنه ويضمن ، أو احتفظها أمانةً في يده ، أو دفعها إلى الحاكم. ولا يجوز له إعادتها إلى الظالم ، فإن أعادها ، ضمن، إلّا أن يقهره الظالم على أخذها ، فيزول التحريم.

أمّا الضمان فإن كان قد قبضها اختياراً ، لم يزل عنه بأخذ الظالم لها كرهاً. وإن كان قد قبضها مكرهاً ، زال الضمان أيضاً.

وإن لم يعلم تحريمها ، كانت حلالاً بناءً على الأصل.

قال محمّد بن مسلم وزرارة : سمعناه يقول : « جوائز العمّال ليس بها بأس »(١) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « إنّ الحسن والحسين ٨ كانا يقبلان جوائز معاوية »(٢) .

ولو علم أنّ العامل يظلم ولم يعلم أنّ المبيع بعينه ظلم ، جاز شراؤه.

قال معاوية بن وهب : قلت للصادقعليه‌السلام : أشتري من العامل الشي‌ء وأنا أعلم أنّه يظلم ، فقال : « اشتر منه »(٣) .

قال أبو المغراء : سأل رجلٌ الصادقَعليه‌السلام وأنا عنده ، فقال : أصلحك الله أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال : « نعم » قلت : وأحجّ بها؟ قال : « نعم »(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٣٦ / ٩٣١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٣٧ / ٩٣٥.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٣٨ / ٩٣٨.

(٤) الفقيه ٣ : ١٠٨ / ٤٥٠ ، التهذيب ٦ : ٣٣٨ / ٩٤٢.

١٥٣

مسالة ٦٥٩ : ما يأخذ الجائر من الغلّات باسم المقاسمة‌ ، ومن الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض ، ومن الأنعام باسم الزكاة يجوز شراؤه واتّهابه ، ولا تجب إعادته على أصحابه وإن عُرفوا ؛ لأنّ هذا مال لا يملكه الزارع وصاحب الأنعام والأرض ، فإنّه حقّ لله أخذه غير مستحقّه ، فبرئت ذمّته ، وجاز شراؤه.

ولأنّ أبا عبيدة سأل الباقرَعليه‌السلام : عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها وهو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم ، فقال : « ما الإبل والغنم إلّا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه » قيل له : فما ترى في مصدّقٍ يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا(١) ، نقول : بعناها ، فيبيعناها ، فما ترى في شرائها منه؟ قال : « إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس » قيل له : فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا ويأخذ حظّه فيعزله بكيل ، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال : « إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل »(٢) .

روى عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : قال لي : « ما لك لا تدخل مع عليّ في شراء الطعام؟ إنّي أظنّك ضيّقاً » قال : قلت : نعم ، فإن شئت وسّعت عليَّ ، قال : « اشتره »(٣) .

مسالة ٦٦٠ : إذا كان له مال حلال وحرام ، وجب عليه تمييزه منه‌ ، ودفع الحرام إلى أربابه ، فإن امتزجا ، أخرج بقدر الحرام ، فإن جهل أربابه ،

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « أغنيائنا » بدل « أغنامنا ». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٨ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٥ / ١٠٩٤.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٣٦ / ٩٣٢.

١٥٤

تصدّق به عنهم ، فإن جهل المقدار ، صالح أربابه عليه ، فإن جهل أربابه ومقداره ، أخرج خُمْسه، وحلّ له الباقي.

قال الصادقعليه‌السلام : « أتى رجل أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : إنّي كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليَّ ، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : تصدّق بخُمْس مالك ، فإنّ الله عزّ وجلّ رضي من الأشياء بالخمس ، وسائر المال لك »(١) .

مسالة ٦٦١ : تكره معاملة مَنْ لا يتحفّظ من الحرام‌ ، فإن دفع إليه من الحرام ، لم يجز له أخذه ولا شراؤه ، فإن أخذه ، ردّه على صاحبه. وإن بايعه بمال يعلم أنّه حلال ، جاز. وإن اشتبه، كان مكروهاً.

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، وبين ذلك اُمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمَن اتّقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، ألا إنّ لكلّ ملك حمىً ، وحمى الله محارمه »(٢) .

وروى الحسن بن عليّعليهما‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان يقول : « دَعْ ما يُريبك إلى ما لا يُريبك»(٣) .

مسالة ٦٦٢ : الأجير إمّا عامّ أو خاصّ‌ ، فالعامّ هو الذي يستأجر للعمل‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٦٨ - ٣٦٩ / ١٠٦٥.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٢٠ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢١٩ / ١٥٩٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٥١١ / ١٢٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٤ باختلاف في بعض الألفاظ.

(٣) سنن الترمذي ٤ : ٦٦٨ / ٢٥١٨ ، سنن النسائي ٨ : ٣٢٧ - ٣٢٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٥ ، مسند أحمد ١ : ٣٢٩ / ١٧٢٤ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ١٣ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٣ : ٧٥ / ٢٧٠٨ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ١٣ / ٢٠٣٢.

١٥٥

المطلق ، فيجوز له فعله مباشرةً وتسبيباً. والخاصّ هو الذي يشترط عليه العمل مباشرة مدّة معيّنة ، فلا يجوز أن يعمل لغير من استأجره إلّا بإذنه.

و(١) لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم فيعينه في صنعته(٢) فيعطيه رجل آخر دراهم فيقول : اشتر لي كذا وكذا ، فما ربحت فبيني وبينك ، قال : « إذا أذن له الذي استأجره فليس به بأس »(٣) .

ويجوز للمطلق.

وثمن الكفن حلال ، وكذا ماء تغسيل الميّت واُجرة البدرقة.

مسالة ٦٦٣ : يجوز لمن مرَّ بشي‌ء من الثمرة في النخل أو الفواكه الأكلُ منها إن لم يقصد ، بل وقع المرور اتّفاقاً. ولا يجوز له الإفساد ولا الأخذ والخروج به ، ولا يحلّ له الأكل أيضاً مع القصد. ولو أذن المالك مطلقاً ، جاز.

روى محمّد بن مروان قال : قلت للصادقعليه‌السلام : أمرّ بالثمرة فآخذ(٤) منها ، قال : « كُلْ ولا تحمل » قلت : فإنّهم قد اشتروها ، قال : « كُلْ ولا تحمل » قلت : جعلت فداك إنّ التجّار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : « اشتروا ما ليس لهم »(٥) .

وعن يونس عن بعض رجاله عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر زيادة الواو حيث إنّها غير مسبوقة بذكر دليل حتى يتمّ العطف عليه.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة المعتمدة في التحقيق ، وفي المصدر : « فيبعثه في ضيعته » بدل « فيعينه في صنعته».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١١٢٥.

(٤) في المصدر : « فآكل » بدل « فآخذ ».

(٥) التهذيب ٦ : ٣٨٣ / ١١٣٤.

١٥٦

الرجل يمرّ بالبستان وقد حِيط عليه أو لم يحط ، هل يجوز له أن يأكل من ثمره وليس يحمله على الأكل من ثمره إلّا الشهوة وله ما يغنيه عن الأكل من ثمره؟ وهل له أن يأكل منه من جوع؟ قال : « لا بأس أن يأكل ، ولا يحمله ولا يفسده »(١) .

وهل حكم الزرع ذلك؟ إشكال أقربه : المنع ؛ لما رواه مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يمرّ على قراح الزرع يأخذ منه السنبلة ، قال : « لا » قلت : أيّ شي‌ء سنبلة؟ قال : « لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ سنبلة كان لا يبقى منه شي‌ء »(٢) .

وكذا الخضراوات والبقول.

ولو مَنَعه المالك ، فالوجه : أنّه يحرم عليه التناول مطلقاً إلّا مع خوف التلف.

مسالة ٦٦٤ : روي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيعتين في بيعة(٣) .

وفُسّر بأمرين :

أحدهما : أن يبيع الشي‌ء بثمن نقداً وبآخَر نسيئةً. وقد بيّنّا بطلان هذا البيع.

والثاني : أن يكون المراد به أن يقول : بعتك بكذا على أن تبيعني أنت كذا بكذا.

والثاني عندنا صحيح ، خلافاً للشافعي ؛ لأنّه شرط بيع ماله ، وذلك‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٣ - ٣٨٤ / ١١٣٥.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٨٥ / ١١٤٠.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٣٣ / ١٢٣١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٣ ، مسند أحمد ٢ : ٣٦٦ / ٦٥٩١ ، و ٣ : ٢٤٦ / ٩٧٩٥ ، و ٢٩٧ / ١٠١٥٧ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٣ / ٧٢.

١٥٧

غير واجب بالشرط(١) .

وهو ممنوع ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٢) وقد تقدّم(٣) .

مسالة ٦٦٥ : النجش حرام‌ ؛ لأنّهعليه‌السلام نهى عنه(٤) ، وهو خديعة ، وليس من أخلاق أهل الدين.

ومعناه أن يزيد الرجل في ثمن سلعة لا يريد شراءها ليقتدي به المشترون بمواطاة البائع.

وروي أنّهعليه‌السلام قال : « لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا»(٥) .

إذا ثبت هذا ، فإذا اشترى(٦) المشتري مع النجش ، كان البيع صحيحاً - وبه قال الشافعي(٧) - لأصالة صحّة البيع. وقوله تعالى :( وَأَحَلَّ اللهُ

____________________

(١) مختصر المزني : ٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٤ ، الوسيط ٣ : ٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٤ ، المجموع ٩ : ٣٣٨.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) في ج ١٠ ص ٢٢٤ و ٢٥٠ ، المسألتان ١١٢ و ١١٨.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٩١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٤ / ٢١٧٣ ، مسند أحمد ٢ : ١٧١ / ٥٢٨٢ ، و ٢٤٩ / ٥٨٢٨ ، و ٣٣٤ / ٦٤١٥.

(٥) المعجم الصغير - للطبراني - ٢ : ٨٩ ، تاريخ بغداد ٢ : ٢٧٣ ، وبتفاوت في المعجم الأوسط - للطبراني - ٧ : ١٥٧ / ٧٠٢١ ، والمصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ٥٧١ / ٢٠٧٤ ، وسنن البيهقي ٦ : ٩٢ ، ومسند أحمد ٢ : ٥٤١ / ٧٦٧٠.

(٦) في « س ، ي » : « اشتراه ».

(٧) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٢ ، بداية المجتهد ٢ : ١٦٧ ، المغني ٤ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٨.

١٥٨

الْبَيْعَ ) (١) السالم عن معارضة النهي ؛ لأنّه لمعنى في غير البيع ، وإنّما هو الخديعة.

وقال مالك : يكون مفسوخاً لأجل النهي عنه(٢) .

ويثبت للمشتري الخيار إذا علم بالنجش ، سواء كان ذلك بمواطاة البائع وعلمه أو لا إن اشتمل على الغبن ، وإلّا فلا.

وقال الشافعي : إذا علم أنّه كان نجشاً ، فإن لم يكن بمواطأة البائع وعلمٍ ، فلا خيار. وإن كان ، فقولان.

أظهرهما : عدم الخيار ؛ لأنّه ليس فيه أكثر من الغبن ، وذلك لا يوجب(٣) الخيار ؛ لأنّ التفريط من المشتري حيث اشترى ما لا يعرف قيمته ، فهو بمنزلة من اشترى ما لا يعرف قيمته ، وغبنه بائعه.

ونحن لمـّا أثبتنا الخيار بالغبن سقط هذا الكلام بالكلّيّة.

والثاني : أنّه يثبت الخيار - كما قلناه - لأنّه تدليس من جهة البائع ، فأشبه التصرية(٤) .

ولو قال البائع : أعطيت في هذه السلعة كذا وكذا ، فصدّقه المشتري فاشتراها بذلك ، ثمّ ظهر له كذبه ، فإنّ البيع صحيح ، والخيار على هذين‌

____________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) بداية المجتهد ٢ : ١٦٧ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، المغني ٤ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٨.

(٣) ظاهر الطبعة الحجريّة : « لا يجيز » بدل « لا يوجب ». وظاهر « س ، ي » : « لا يعيّن ».

وما أثبتناه من نسخة بدل في هامش الطبعة الحجريّة.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٠٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٢ ، المغني ٤ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٨.

١٥٩

الوجهين(١) .

والأقرب عندي : انتفاء الخيار هنا ؛ لأنّ التفريط من المشتري.

مسالة ٦٦٦ : نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع البعض على البعض‌ ، فقال : « لا يبيع(٢) بعضكم على بيع بعض »(٣) .

ومعناه أنّ المتبايعين إذا عقدا البيع وهُما في مجلس الخيار ، فجاء آخَر إلى المشتري فقال له : أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون ثمنها الذي اشتريت به ، أو أنا أبيعك خيراً منها بثمنها ، أو عرض عليه سلعة حسب ما ذكره.

والأقرب : أنّه مكروه.

وقال الشافعي : إنّه محرَّم ؛ عملاً بظاهر النهي ؛ لأنّ الحديث وإن كان ظاهره ظاهر الخبر إلّا أنّ المراد به النهي. ولأنّه إضرار بالمسلم(٤) وإفساد عليه ، فكان حراماً(٥) .

ويُمنع ذلك.

فإن خالَف وفَعَل ذلك وبائع المشتري ، صحّ البيع ؛ لأنّ النهي لمعنى في غير البيع ، فأشبه البيع حالة النداء.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٢.

(٢) كذا ، وفي بعض المصادر : « لا يبع ».

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٩٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٤ / ١٤١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٣ / ٢١٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨٧ / ١٢٩٢ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٤ ، مسند أحمد ٢ : ١٧١ / ٥٢٨٢ ، و ٢٤٩ / ٥٨٢٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بالمسلمين ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٥) الحاوي الكبير ٥ : ٣٤٣ - ٣٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٨ ، الوسيط ٣ :

٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٠ - ١٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨١ ، المغني ٤ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

اشتمال مراتب القرآن على المقدّرات الحادثة في كلّ عام:

وقال: (المسألة الثامنة) في تفسير مفردات هذه الألفاظ، أمّا قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (1) فقد قيل فيه: إنّه تعالى أنزل كلّية القرآن، يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتُدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، انتهى كلامه.

وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: (في تفسير قوله تعالى: ( إنّا أَنْزَلْناهُ ) يعني القرآن، وإن لم يجرِ له ذكر في هذه السورة؛ لأنّ المعنى معلوم، والقرآن كلّه كالسورة الواحدة، وقد قال: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( حم وَالْكِتابِ الْمُبينِ إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (2) يريد: في ليلة القدر.

وقال الشعبي: المعنى إنّا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه‌السلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزّة، وأملاه جبريل على السَفَرة، ثمّ كان جبريل ينزّله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نُجوماً نُجوماً، وكان بين أوّله وآخره ثلاث وعشرون سنة. قاله ابن عبّاس، وقد تقدّم في سورة البقرة.

وحكى الماوردي عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة جملة واحدة من عند اللَّه، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجّمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجّمه جبريل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين سنة.

قال ابن العربي: وهذا باطل؛ ليس بين جبريل وبين اللَّه واسطة، ولا بين جبريل

____________________

1) سورة الدخان: 3.

2) سورة الدخان: 1 - 3.

٢٨١

ومحمّد عليهما‌السلام واسطة.

قوله تعالى: ( في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال مجاهد: في ليلة الحكم، ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، قال ليلة الحكم. والمعنى ليلة التقدير، سمّيت بذلك لأنّ اللَّه تعالى يقدّر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلّمه إلى مدبّرات الأُمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل عليهم‌السلام .

أُمّ الكتاب في القرآن متضمّنة لتقدير كلّ شي‏ء:

وقال: وعن ابن عبّاس، قال: يكتب من أمّ الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر، وحياة وموت، حتّى الحاجّ. قال عكرمة: يكتب حجّاج بيت اللَّه تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء آبائهم، ما يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم.

وقاله سعيد بن جُبير، وقد مضى في أوّل سورة الدخان هذا المعنى. وعن ابن عبّاس أيضاً: إنّ اللَّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلّمها إلى أربابها في ليلة القدر. وقيل: إنّما سمّيت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر، أي شرف ومنزلة) (1) .

ليلة القدر عوض للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام عن غصب الخلافة:

وقال: (وفي الترمذي عن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، يعني نهراً في الجنّة، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ

____________________

1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص129 - 130، طبعة القاهرة.

٢٨٢

أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يملكها بعدك بنو أُمية. قال القاسم بن الفضل الحدّاني: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً. قال: حديث غريب.

قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) أي تهبط من كلّ سماء، ومن سدرة المنتهى، ومسكن جبريل على وسطها، فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر، فذاك قوله تعالى ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) .

حقيقة الروح النازل ليلة القدر:

وقال: ( وَالرُّوحُ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) (1) ، أي جبرئيل عليه‌السلام ، وحكى القُشيري: أنّ الروح صنف من الملائكة جُعلوا حفظة على سائرهم، وأنّ الملائكة لا يرونهم كما لا نرى نحن الملائكة. وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة وأقربهم من اللَّه تعالى.

وقيل: إنّهم جند من جند اللَّه عزّ وجلّ من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عبّاس مرفوعاً، ذكره الماوردي، وحكى القُشيري: قيل هم صنف من خلق اللَّه، يأكلون الطعام، ولهم أيدٍ وأرجل وليسوا ملائكة.

وقيل: (الروح) خلق عظيم يقوم صفّاً، والملائكة كلّهم صفّاً. وقيل: (الروح) الرحمة ينزل بها جبريل عليه‌السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها، دليله: ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (2) ، أي بالرحمة، (فِيها) أي في ليلة القدر، ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) أي بأمره، ( مِن كُلِّ أَمْرٍ ) (3) أمر بكلّ أمر قدّره اللَّه وقضاه في تلك السنة إلى قابل.

وقيل عنه: إنّها رُفعت - يعني ليلة القدر - وإنّها إنّما كانت مرّة واحدة.

____________________

1) سورة القدر: 4.

2) سورة النحل: 2.

3) سورة القدر: 5.

٢٨٣

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وقال: (والصحيح أنّها باقية... والجمهور على أنّها من كلّ عام من رمضان... وقال الفرّاء: لا يقدّر اللَّه في ليلة القدر إلاّ السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم) (1) .

وقال الطبري في تفسيره، في ذيل سورة البروج: ( فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ، بسنده إلى مجاهد: في لوح، قال: ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) (2) .

وقال ابن كثير في تفسيره، بعد ما نقل جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، والذي مرّ نقله، قال: (اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأُمم السالفة، أم هي من خصائص هذه الأُمّة؟

فقال الزهري:... وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأُمّة بليلة القدر. وقيل: إنّها كانت في الأُمم الماضين كما هي في أُمّتنا، ثمّ هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصّة) (3) .

وقال الزمخشري في الكشّاف، بعد ما ذكره جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، في ذيل قوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (4) قال: (وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها، من تنزّل الملائكة والروح، وفصل كلّ أمر حكيم).

وقال في ذيل قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (5) : أي تتنزّل من أجل كلّ أمر قضاه اللَّه لتلك السنة إلى قابل... وروي عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قرأ سورة القدر أُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيى ليلة القدر)، وذكر في هامش المطبوع: أنّ الحديث أخرجه الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، بسندهم إلى أُبَيّ ابن كعب.

____________________

1) تفسير القرطبي، ج20، ص133 - 137، في تفسير الجامع لأحكام القرآن طبعة القاهرة.

2) جامع البيان، ج30، ص176.

3) تفسير ابن كثير، ج4، ص 568.

4) سورة القدر: 2.

5) سورة القدر: 5.

٢٨٤

ليلة القدر عوض له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غصب بني أُمية خلافته، وتعدد مصادر الحديث لديهم:

وقال الآلوسي في روح المعاني: (ويستدلّ لكونها مدنية بما أخرجه الترمذي، والحاكم، عن الحسن ابن عليّ (رضي اللَّه تعالى عنهما): (أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (1) ، ونزلت: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (2) .. الحديث). وهو كما قال المزني: حديث منكر، انتهى.

وقد أخرج الجلال هذا الحديث في الدرّ المنثور عن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل أيضاً، من رواية يوسف ابن سعد، وذكر فيه: أنّ الترمذي (3) أخرجه وضعّفه، وأنّ الخطيب أخرج عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، بلفظٍ: قال نبي اللَّه: (أُريتُ بني أُمية يصعدون منبري، فشقّ ذلك عليّ فأُنزِلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، ففي قول المزني هو منكر تردّد عندي.

وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الكافي بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (أُري رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون الناس عن الصراط القهقري، فأصبح كئيباً حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللَّه مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إنّي رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي، يضلّون الناس عن الصراط القهقري. فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّي ما اطّلعت عليه. فعرّج إلى السماء فلم يلبث أن نزل بآي من القرآن يُؤنسه بها، قال: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (4) ، وأُنزل عليه: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، جعل اللَّه ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

1) سورة الكوثر: 1.

2) سورة القدر: 1.

3) سنن الترمذي، ج5، ص444، ح 3350.

4) سورة الشعراء: 205 - 207.

٢٨٥

خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية) (1) .

وروى الكُليني، عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه، قال: (سمعت أبا عبد اللَّه يقول: هبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللَّه كئيب حزين، فقال: رأيت بني أُمية يصعدون المنابر وينزلون منها. قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما علمت بشي‏ء من هذا. وصعد جبرئيل إلى السماء، ثمّ أهبطه اللَّه جلّ ذكره بآي من القرآن يعزّيه بها قوله: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (2) .

وأنزل اللَّه جلّ ذكره: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) للقوم، فجعل اللَّه ليلة القدر (لرسوله) خير، من ألف شهر) (3) .

وفي سند الصحيفة السجّادية، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام : إنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذته نَعسةٌ وهو على منبره، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقري، فاستوى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) ، يعني بني أُمية. قال: يا جبرئيل على عهدي يكونون وفي زمني؟

قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مُهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجِرَك فتلبث بذلك خمساً، ثمّ لابدّ من رحى

____________________

1) الكافي، ج4، ص159.

2) سورة الشعراء:205 - 206.

3) الكافي، ج8، ص223.

٢٨٦

ضلاله هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة. قال: وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكها بنو أُمية. فيها ليلة القدر.

قال: فأَطلع اللَّه عزّ وجلّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بني أُمية تملك سلطان هذه الأُمّة وملكها طول هذه المدّة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، حتّى يأذن اللَّه تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر اللَّه نبيّه بما يلقي أهل بيت محمّد وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم) (1) .

وفي تأويل الآيات: (روي عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: قوله عزّ وجلّ: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) هو سلطان بني أُمية.

وقال: ليلة من إمام عادل خير من ألف شهر ملك بني أُمية.

وقال: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) أيّ من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد، بكلّ أمر سلام) (2) .

وفي تفسير القمّي: بسنده، في معنى سورة: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فهو القرآن... قوله: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

أقول: تكثر الروايات في غصب الخلافة من بني أُمية، وتأذّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعويضه بليلة القدر، وسيأتي معنى تعويضه بليلة القدر، وتسالم كثير من علماء الجمهور بهذه الروايات، هذا الأمر أحد الأدلّة على أنّ الخلافة في الشريعة الإلهية هي منصب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتدبّر تبصُر.

____________________

1) الصحيفة السجّادية الكاملة: 15 - 16.

2) تأويل الآيات، ج2، ص817، ح2.

٢٨٧

حقيقة النازل الذي نزل في ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : الضمير عند الجمهور للقرآن، وادّعى الإمام فيه إجماع المفسّرين، وكأنّه لم يعتقد بقول من قال منهم برجوعه لجبرئيل عليه‌السلام أو غيره؛ لضعفه. قالوا: وفي التعبير عنه بضمير الغائب مع عدم تقدّم ذكره تعظيم له، أي تعظيم لِما أنّه يشعر بأنّه لعلوّ شأنه كأنّه حاضر عند كلّ أحد.

جهل الخلق بحقيقة ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (1) : لِما فيه من الدلالة على أنّ علوّها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يُعلم ذلك، ولا يَعلم به إلاّ علاّم الغيوب.

حقيقة نزول القرآن جملة واحدة:

ثمّ ذكر جملة في تعدّد نزول القرآن جملةً واحدةً ونجوماً، وذكر في ضمنها هذه الرواية، عن ابن عبّاس: (أُنزل القرآن جملةً واحدة حتّى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، ونزل به جبريل عليه‌السلام على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب كلام العباد وأعمالهم)... ثمّ نقل الاختلاف بين المفسّرين عندهم في قوله تعالى: ( أَنْزَلْنَاهُ ) من جهة نزول القرآن جملةً واحدة، فهل تضمّن القرآن النازل جملةً واحدة هذه العبارة أم لا؟ فلابدّ من ارتكاب المجاز في الإسناد؛ لأنّه إخبار عمّا وقع فيما مضى، فكيف يكون هذا اللفظ في ضمنه؟

____________________

1) سورة القدر: 2.

٢٨٨

فذكر قولاً للرازي في حلّ الإشكال، وللقرطبي، وابن كثير، وضعّف قولهم. ونقل عن ابن حجر في شرح البخاري أنّه أُنزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، بل حكى بعضهم الإجماع عليه، ثمّ نقل جواباً لحلّ الإشكال عن السيد عيسى الصفوي، ثمّ الاختلاف بين الدَّواني وغيره، وأنّه ألّف رسالة في ذلك، في الجواب عن مسألة الحذر الأصمّ.

ثمّ نقل عن الإتقان قول أبي شامة: فإن قلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) إن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة، فما نزل جملة؟ وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة؟

قلت: لها وجهان:

أحدهما: أن يكون المعنى إنّا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به وقدّرناه في الأزل.

والثاني: أنّ لفظ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) ماضٍ ومعناه على الاستقبال، أي تنزّله جملة في ليلة القدر. ثمّ ذكر عدم ارتضائه لهذا القول وعدم حسنه.

ثمّ نقل أقوالاً أُخر، ثمّ قال: والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، أو إثباته لدى السَفَرة هناك، أو نحو ذلك ممّا لا يشكل نسبته إلى القرآن.

تقدير الأُمور في ليلة القدر على من تُنزّل؟

وقال في معنى ليلة القدر: إنّها ليلة التقدير، وسبب تسميتها بذلك لتقدير ما يكون في تلك السنة من أُمور. قال: المراد إظهار تقديره ذلك للملائكة عليهم‌السلام المأمورين بالحوادث الكونية. ثمّ نقل عن بعض تفسير ذلك: هاهنا ثلاثة أشياء:

الأوّل: نفس تقدير الأُمور، أي تعيين مقاديرها وأوقاتها، وذلك في الأزل.

٢٨٩

الثاني: إظهار تلك المقادير للملائكة عليهم‌السلام بأن تكتب في اللوح المحفوظ، وذاك في ليلة النصف من شعبان.

الثالث: إثبات تلك المقادير في نسخ وتسليمها إلى أربابها من المدبّرات، فتدفع نسخة الأرزاق، والنباتات، والأمطار، إلى ميكائيل عليه‌السلام ، ونسخة الحروب والرياح والجنود والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرئيل عليه‌السلام ، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل عليه‌السلام ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، وذلك في ليلة القدر.

وقيل: يقدّر في ليلة النصف الآجال والأرزاق، وفي ليلة القدر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في هذه ما يتعلّق به إعزاز الدين وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وفي ليلة النصف يكتب أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت، واللَّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.

أقول: إنّ المكتوب في ليلة القدر ويقدّر يُفترض أنّ كتابته وتقديره إنّما يُكتب ويقدّر لتسليمه إلى من يوكّل إليه تدبير الأُمور بإذن اللَّه، كالملائكة الموكّلين، فالتنزّل بكلّ هذه التقديرات والكتابة إلى الأرض إلى من يسلّم؟ ومن هو الذي يطّلع على ذلك من أهل الأرض؟ وما هو التناسب بين نزول ما فيه إعزاز الدين والأُمّة، والحديث النبويّ: (إنّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش) (1) ؟

أقوال علماء سنّة الجماعة في عِوَضية الليلة له عن غصب الخلافة:

قال في تفسير ( أَلْفِ شَهْرٍ ) : وقد سمعت إلى ما يدلّ أنّ الألف إشارة إلى مُلك بني أُميّة، وكان على ما قال القاسم بن الفضل: ألف شهر، لا يزيد يوماً ولا ينقص

____________________

1) المعجم الكبير للطبراني، ج2، ص232. ولاحظ: إحقاق الحق، ج13، 1 - 49.

٢٩٠

يوماً، على ما قيل: ثمانين سنة، وهي ألف شهر تقريباً؛ لأنّها ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، ولا يعكّر على ذلك ملكُهم في جزيرة الأندلس بعد؛ لأنّه ملك يسير في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب، ولذا لا يعدّ من مَلَكَ منهم هناك من خلفائهم، وقالوا بانقراضهم بهلاك مروان الحمار.

وطعن القاضي عبد الجبّار في كون الآية إشارة لما ذُكر؛ بأنّ أيام بني أُمية كانت مذمومة أي باعتبار الغالب، فيبعد أن يقال في شأن تلك الليلة إنّها خير من ألف شهر مذمومة:

ألم ترَ أنّ السيف ينقص قدره

إذا قيل إنّ السيف خيرٌ من العصا

وأُجيب: إنّ تلك الأيام كانت عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يبعد أن يقول اللَّه تعالى: أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك في السعادات الدنيوية، فلا تبقى فائدة.

ليلة القدر مع الأنبياء في ما مضى فهي مع من في ما بقي:

الروح النازل في ليلة القدر قناة غيبية كانت مع الأنبياء، فهي مع من بعد النبيّ الخاتم؟ قال: وما أشير إليه من خصائص هذه الأُمّة هو الذي يقتضيه أكثر الأخبار الواردة في سبب النزول، وصرّح به الهيثمي وغيره.

وقال القسطَلاني: إنّه معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: (يا رسول اللَّه، أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت. قال: بل هي باقية). ثمّ ذكر أنّ عمدة القائلين بذلك الخبر الذي قدّمناه في سبب النزول من رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله تقاصر أعمار أُمّته عن أعمار الأُمم، وتعقّبه بقوله هذا محتمل للتأويل، فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان: ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في فتح الباري.

٢٩١

وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وتحصّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كلّ منهما ليقع الجدّ في طلبهما:

القول الأوّل: إنّها رُفعت أصلاً ورأساً. حكاه المتولّي في التتمّة عن الروافض، والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية، وكأنّه خطأ منه، والذي حكاه السروجي أنّه قول الشيعة.

أقول: بل الشيعة الإمامية هم المذهب الوحيد على وجه الأرض القائلون ببقاء الاتّصال بين الأرض والسماء، وأنّ هناك سبب متّصل هو الإمام من عِترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يكن هذا الاتّصال وحياً نبويّاً، وهو الذي يتنزّل عليه الروح الأعظم والملائكة كلّ عام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما المذاهب الإسلامية كلّها حتّى الزيدية، وإن قالوا باستمرار الإمامة السياسية وعدم حصرها بالأئمّة المنصوص عليهم وأنّ الإمامة هي لكلّ من قام بالثورة على الظلم ولا يشترط فيها العصمة، إلاّ أنّهم قائلون بانقطاع الاتّصال أيضاً بين الغيب والشهادة.

وانقطاع الاتّصال ذهبت إليه اليهود بعد النبيّ موسى عليه‌السلام ، كما ذهبت إليه النصارى بعد النبيّ عيسى عليه‌السلام .

وقال: وقد روى عبد الرزّاق من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد اللَّه بن يخنس: قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر رُفعت، قال: كذّب من قال ذلك. ومن طريق عبد اللَّه بن شُريك قال: ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنّه أنكرها، فأراد زر بن حُبيش أن يحصبه فمنعه قومه.

الثاني: إنّها خاصّة بسنة واحدة وقعت في زمن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حكاه الفاكهاني أيضاً.

الثالث: إنّها خاصّة بهذه الأُمّة، ولم تكن في الأُمم قبلهم، جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله الجمهور، وحكاه صاحب العدّة من الشافعية ورجّحه،

٢٩٢

وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: قلت: يا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال: لا، بل هي باقية.

وعمدتهم قول مالك في الموطأ: بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تقاصر أعمار أمّته عن أعمار الأُمم الماضية، فأعطاه اللَّه ليلة القدر، وهذا يحتمل التأويل، فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر (1) .

ليلة القدر يفصل فيها المقدّرات لأحداث كلّ السنة:

وقال الآلوسي في روح المعاني في تفسير قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (2) : أي من أجل كلّ أمر تعلّق به التقدير في تلك السنة إلى قابل وأظهره سبحانه وتعالى لهم، قاله غير واحد. ف)من(بمعنى اللام التعليلية متعلّقة بتنزّل، وقال أبو حاتم: (من) بمعنى الباء، أي تنزّل بكلّ أمر، فقيل: أي من الخير والبركة، وقيل: من الخير والشرّ وجعلت الباء عليه للسببية.

والظاهر على ما قالوا إنّ المراد بالملائكة المدبّرات؛ إذ غيرهم لا تعلّق له بالأُمور التي تعلّق بها التقدير ليتنزّلوا لأجلها على المعنى السابق، وهو خلاف ما تدلّ عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبّرات (3) .

ليلة القدر يتحقّقها وتتنزّل على من شاء اللَّه تعالى من عباده:

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي قوله: (اعلم أنّ ليلة القدر موجودة... وأنّها تُرى ويتحققّها من شاء اللَّه تعالى من بني آدم كلّ سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه الأحاديث... وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر. وأمّا قول القاضي عيّاض عن المهلّب بن أبي صُفرة: لا يمكن رؤيتها حقيقةً. فغلط فاحش

____________________

1) فتح الباري، ص262 - 263، كتاب فضل ليلة القدر.

2) سورة القدر: 6.

3) روح المعاني، ج30، ص196.

٢٩٣

نبهتُ عليه لئلاّ يُغترّ به) (1) .

وقال في ذيل سورة الدخان، في قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (2) : أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعوّل عليه في ( لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) هي ليلة القدر، على ما روي عن ابن عبّاس وقتادة.

وفي تحفة المحتاج لابن حَجَر الهيتمي: (ليس لرائيها كَتْمها، ولا ينال فضلها - أي كمالها - إلاّ من أطلعه اللَّه عليها)، انتهى.

والظاهر أنّه عَنى برؤيتها: رؤية ما يحصل به العلم له بها، ممّا خُصّت به من الأنوار، وتنزّل الملائكة عليهم‌السلام ، أي: نحوٍ من الكشف ممّا لا يعرف حقيقته إلاّ أهله، وهو كالنصّ في أنّها يراها من شاء اللَّه تعالى من عباده. ثمّ حكى عن ابن شاهين: إنّه لا يراها أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ قال: وفي بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ رؤيتها مناماً وقعت لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيح مسلم وغيره، عن ابن عمر: (إنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّياً فليتحرَّها في السبع الأواخر) (3) .

وحُكي نحو قول ابن شاهين عن غيره أيضاً، وغلّط، ففي شرح صحيح مسلم وابن جُبير ومجاهد وابن زيد والحسن، وعليه أكثر المفسّرين والظواهر معهم.. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملةً إلى السماء الدنيا من اللوح، فالإنزال المنجّم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا، وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أنّ المحلّ الذي أُنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور، وهو

____________________

1) شرح مسلم، ج8، ص66.

2) سورة الدخان: 3.

3) صحيح مسلم، ج3، ص170.

٢٩٤

مسامِت للكعبة، بحيث لو نزل لنزل عليها.

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنّه قال: أُنزل القرآن جملةً على جبرئيل عليه‌السلام ، وكان جبرئيل عليه‌السلام يجي‏ء به بعدُ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ليلة القدر في سورة الشورى والنزول الأول للقرآن:

وقال في ذيل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ... ) (1) : وهو ما أُوحي إليه (عليه الصلاة والسلام)، أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية. وقيل: أي ومثل الإيحاء المشهود لغيرك، أوحينا أبو القاسم إليك. وقيل: أي مثل ذلك الإيحاء المفصّل، أوحينا إليك، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث، سواء فُسّر الوحي بالإلقاء، أم فُسّر بالكلام الشفاهي.

وقد ذُكر أنّه (عليه الصلاة والسلام) قد أُلقي إليه في المنام كما أُلقي إلى إبراهيم عليه‌السلام ، وأُلقي إليه عليه الصلاة والسلام في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه‌السلام . ففي (الكبريت الأحمر) للشعراني، نقلاً عن الباب الثاني من (الفتوحات المكّية): أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُعطي القرآن مجملاً قبل جبرئيل عليه‌السلام ، من غير تفصيل الآيات والسور. وعن ابن عبّاس تفسير الروح بالنبوّة. وقال الربيع: هو جبرئيل عليه‌السلام .

وعليه، فأوحينا مضمّن معنى أرسلنا، والمعنى: أرسلناه بالوحي إليك؛ لأنّه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله.

ونقل الطبرسي عن أبي جعفر، وأبي عبد اللَّه (رضي اللَّه تعالى عنهما): أنّ المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصعد

____________________

1) سورة الشورى 52: 42.

٢٩٥

إلى السماء. وهذا القول في غاية الغرابة، ولعلّه لا يصحّ عن هذين الإمامين.

وتنوين (روحاً) للتعظيم، أي روحاً عظيماً (1) ... وقال في ذيل قوله تعالى ( وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ ) : أي الروح الذي أوحيناه إليك. وقال ابن عطية: الضمير للكتاب، وقيل للإيمان، ورجّح بالقرب، وقيل للكتاب والإيمان ووحّد؛ لأنّ مقصدهما واحد فهو نظير ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) (2) .

____________________

1) روح المعاني، ج25، ص 80 - 81.

2) سورة التوبة: 62.

٢٩٦

ليلة القدر

في روايات أهل سنّة الخلافة

دوام ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة:

1 - فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني في (المصنّف) بسنده، عن مولى معاوية، قال: (قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر قد رُفعت، قال: كذّب من قال كذلك، قلت: فهي كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم... الحديث) (1) ، ورواه عنه بطريق آخر (2) ، ورواه كنز العمّال أيضاً (3) .

2 - وروى عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف بسنده، عن ابن عبّاس، قال: (ليلةٌ في كلّ رمضان يأتي، قال: وحدّثني يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثمّ رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل هي في كلّ سنة، بل هي في كلّ سنة) (4) .

3 - وروي عن ابن جرير، قال: (حُدّثت: أنّ شيخاً من أهل المدينة سأل أبا ذر بمنى، فقال: رُفعت ليلة القدر أم هي في كلّ رمضان؟ فقال أبو ذر: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: يا رسول اللَّه رُفعت ليلة القدر؟ قال: بل هي كلّ رمضان) (5) .

4 - وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب ليلة القدر، بسنده إلى ابن

____________________

1) المصنّف، ج3، ص216، ح 5586.

2) المصنّف، ج3، ص255، ح 7707.

3) كنز العمّال، ج3، ص634، ح 24490.

4) المصنّف، ج4، ص255، ح 7708.

5) المصنّف، ج4، ص255، ح 7709، وأخرجه هق، ج4، ص307، والطحاوي، ج2، ص50.

٢٩٧

أبي مرثد عن أبيه، قال: (كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كان أسأل الناس عنها رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا: ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رُفعت؟ قال: لا ولكن تكون إلى يوم القيامة) (1) .

5 - أخرج السيوطي في الدرّ المنثور: (عن محمّد بن نصر، عن سعيد بن المسيّب أنّه سُئل عن ليلة القدر، أهي شي‏ء كان فذهب، أم هي في كلّ عام؟ فقال: بل هي لأُمّة محمّد ما بقي منهم اثنان) (2) .

أقول: وفي هذه الرواية - وإن كانت مقطوعة - دلالةٌ على أن لو بقي في الأرض رجلٌ واحد لكان الثاني هو الحجّة وخليفة اللَّه في الأرض، الذي تنزّل عليه ليلة القدر بمقادير الأُمور، وأنّ ليلة القدر هي من حقائق وخصائص روح الحجّة في الأرض.

6 - وروى الطبري بسنده عن ربيعة بن كلثوم، قال: (قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، واللَّه الذي لا إله إلاّ هو إنّها لفي كلّ رمضان، وأنّها ليلة القدر، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي اللَّه كلّ أجل وعمل ورزق إلى مثلها) (3) .

النزول في ليلة القدر وحي للأنبياء، واستمراره بعد الأنبياء:

قال ابن خزيمة في صحيحه (4) : باب ذكر أبواب ليلة القدر، والتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيها ما يحسب كثيراً من حملة العلم، ممّن لا يفهم صناعة العلم، أنّها متهاتِرةٌ متنافية، وليس كذلك هي عندنا بحمد اللَّه ونعمته، بل هي

____________________

1) المصنّف لابن أبي شيبة، ج2، ص394، ح 5، باب 341.

2) الدرّ المنثور، ج6، ص371، في ذيل سورة القدر.

3) جامع البيان، ج25، ص139، ح24000.

4) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

٢٩٨

مختلفة الألفاظ متّفقة المعنى، على ما سأبيّنه إن شاء اللَّه.

قال أيضاً: باب ذكر دوام ليلة القدر في كلّ رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء.

7 - وروى بسنده إلى أبي مرثد، قال: (قال: لقينا أبا ذر وهو عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: ما كان أحد بأَسأل لها منّي، قلت: يا رسول اللَّه ليلة القدر أُنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها ثمّ ترجع؟ فقال: بل هي إلى يوم القيامة.. الحديث) (1) ، ورواه بطريق آخر أيضاً، في باب أنّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (2) .

8 - وروى النسائي، والقسطلاني، والهيثمي، وابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره حديث أبي ذر - في ليلة القدر - قال: (يا رسول اللَّه أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: بل هي باقية).

9 - وروى أحمد بن محمّد بن سلمة في شرح معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده، إلى مالك ابن مرثد عن أبيه، قال: (سألت أبا ذر فقلت: أسألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ليلة القدر؟ قال: نعم، كنت أسأل الناس عنها، قال عكرمة: يعني أشبع سؤلاً، قلت: يا رسول اللَّه، ليلة القدر أفي رمضان هي أم في غيره؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : في رمضان. قلت: وتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا رُفعوا رُفعت؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة) (3) .

10 - وفي صحيح ابن حِبان، قال في باب ذكر البيان بأنّ ليلة القدر تكون في العشر الأواخر كلّ سنة إلى أن تقوم الساعة، ثمّ روى بسند متّصل رواية أبي ذر

____________________

1) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

2) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص321.

3) شرح معاني الآثار، ج3، ص85.

٢٩٩

المتقدِّمة واللفظ فيها... (تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قُبضوا رُفعت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هي إلى يوم القيامة) (1) .

وروى البيهقي في فضائل الأوقات رواية أبي ذر المتقدّمة بإسناده (2) ، وقال - قبل تلك الرواية -: وليلة القدر التي ورد القرآن بفضيلتها إلى يوم القيامة وهي في كلّ رمضان... ثمّ نقل الخبر المزبور. وروى الهيثمي في موارد الظمآن رواية أبي ذر بسنده (3) .

11 - وروى أحمد بن محمّد بن سَلمة في معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عمر، قال: (سُئل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: في كلّ رمضان). ففي هذا الحديث أنّها في كلّ رمضان، فقال قوم هذا دليل على أنّها تكون في أوّله وفي وسطه، كما قد تكون في آخره. وقد يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (في كلّ رمضان)، هذا المعنى، ويحتمل أنّها في كلّ رمضان إلى يوم القيامة (4) ، ورواه بطرق أخرى غير مرفوعة.

أقول: هذه الروايات عند العامّة مطابقة لما يأتي من الروايات عند أهل البيت عليهم‌السلام ، من عدّة وجوه، أهمّها:

أوّلاً: ليلة القدر كانت من لَدُن آدم عليه‌السلام ، واستمرّت إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مستمرّة إلى يوم القيامة نزولاً على خلفاء النبيّ الاثني عشر.

وثانياً: إنّ هذا الروح النازل في ليلة القدر هو قناة ارتباط الأنبياء والأوصياء مع الغيب.

وثالثاً: ممّا يدلّل على عموم الخلافة الإلهية: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

____________________

1) صحيح ابن حِبّان، ج8، ص438.

2) البيهقي، ص 219.

3) موارد الظمآن، ص 231.

4) شرح معاني الحديث، ج3، ص84.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381