تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء10%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119637 / تحميل: 5657
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تَذْكِرَةُ الْفُقَهاءِ

الجزء الثاني عشر

تأليْفُ : العَلّامِةَ الحِليْ

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

المقصد الخامس : في تفريق الصفقة‌

مسالة ٥٥٠ : إذا جمع بين الشيئين‌ ، فإمّا أن يجمع بينهما في عقدٍ واحد أو في عقدين ، فالأوّل إمّا أن يقع التفريق في الابتداء أو في الانتهاء.

والأوّل إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع ، فالعقد باطل قطعاً في الجميع ، كما لو جمع بين أختين في النكاح.

وإن لم يكن كذلك ، فإمّا أن يجمع بين شيئين كلّ واحد قابل لما أورده عليه من العقد ، أو لا يكون كذلك ، فالأوّل كما لو جمع بين عينين في البيع ، صحّ العقد عليهما.

ثمّ إن كانا من جنسين - كعبدٍ وثوب - أو من جنس واحد لكن قيمتهما مختلفة - كعبدين - يوزّع الثمن عليهما باعتبار القيمة.

وإن كانا من جنس واحد واتّفقت قيمتهما - كقفيزي حنطة(١) واحدة - يوزّع عليهما باعتبار الأجزاء.

وإن كان الثاني ، فإمّا أن لا يكون واحد منهما قابلاً لذلك العقد - كما لو باع خمراً وميتةً - فهو باطل قطعاً ، وإمّا أن يكون أحدهما قابلاً.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « كقفيزين من حنطة ».

٦

فالذي هو غير قابل ضربان :

أحدهما : أن يكون متقوّماً ، كما لو باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة ، صحّ البيع ، ووقف البيع في عبد غيره ، فإن أجازه الغير ، وإلّا بطل.

والثاني : أن لا يكون متقوّماً ، فإمّا أن يتأتّى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة ، كما لو باع عبداً وحُرّا ، فإنّ الحُرّ غير متقوّم ، لكن يمكن تقدير القيمة فيه بفرض العبوديّة من غير تغيّر في الخلقة ، ويصحّ البيع في العبد. وإمّا أن لا يتأتّى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيّر في الخلقة ، كما لو باع خَلّاً وخمراً ، أو مذكّاةً وميتةً ، أو شاةً وخنزيراً ، فإنّه يصحّ البيع في الخَلّ والمذكّاة والشاة.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إذا باع عبده وعبد غيره صفقةً واحدة ، صحّ البيع في عبده ، ولا يقع البيع باطلاً فيه ، ويقف العقد في عبد الغير ، فإن أجاز البيع فيه ، لزم. وإن فسخ ، بطل ، ويتخيّر المشتري حينئذٍ بين فسخ البيع في الجميع وبين أخذ عبده بقسطه من الثمن ، ذهب إليه علماؤنا - وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال مالك وأبو حنيفة(١) - لأنّ كلّ واحد منهما لو انفرد بالعقد ، ثبت له حكمه ، فإذا جمع بينهما ، وجب أن يثبت لكلّ منهما حكم الانفراد ؛ لأنّ العلّة لهذا الحكم هو الماهيّة ، وهي باقية حالة الجمع ، فثبت مقتضاها ، كما لو باع شقصاً مشفوعاً وعبداً ، ثبتت الشفعة في الشقص دون العبد ، كما لو انفرد.

ولأنّ الصفقة اشتملت على صحيح وفاسد ، فانعقد التصحيح(٢) في‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٩ : ٣٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٣٨ - ١٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٩ و ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٨ ، المغني ٤ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٣.

(٢) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة. وفي نسخة من الكتاب - المحقّقة المطبوعة سنة ١٣٧٥ ه‍ في النجف الأشرف - : « الصحيح ».

٧

الصحيح وقصر الفاسد على الفاسد ، كما إذا شهد عدل وفاسق ، لا يقضى بردّ الشهادتين ولا بقبولهما ، بل تلك مقبولة وهذه مردودة. ولو أخبر بصدق وكذب في خبرٍ واحد ، لا يقضى بصدقهما ولا بكذبهما.

ولما رواه محمد بن الحسن الصفّار عن العسكريعليه‌السلام : كتب إليه في رجل كانت له قطاع أرضين فحضره الخروج إلى مكّة ، والقرية(١) على مراحل من منزله ولم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه ، وعرّف حدود القرية الأربعة فقال للشهود : اشهدوا أنّي قد بعت من فلان - يعني المشتري - جميع القرية التي حدّ منها والثاني والثالث والرابع ، وإنّما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك وإنّما له بعض القرية وقد أقرّ له بكلّها؟ فوقّععليه‌السلام « لا يجوز بيع ما ليس يملك ، وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك »(٢) .

والقول الثاني للشافعي : أنّه يبطل البيع في الجميع(٣) .

وعن أحمد روايتان(٤) .

واختلفت الشافعيّة في التعليل :

فقال بعضهم : لأنّ اللفظة واحدة لا يتأتّى تبعيضها ، فإمّا أن يغلب‌

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والمدينة » بدل « والقرية ». وما أثبتناه من المصادر.

(٢) التهذيب ٧ : ١٥٠ - ١٥١ / ٦٦٧ ، وفي الكافي ٧ : ٤٠٢ / ٤ ، والفقيه ٣ : ١٥٣ ، ٦٧٤ بتفاوت يسير.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٩ : ٣٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٥ - ٤٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٣٨ - ١٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٨ - ٨٩ ، المغني ٤ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٣.

(٤) المغني ٤ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ ، المجموع ٩ : ٣٨٨.

٨

حكم الحرام على الحلال أو بالعكس ، والأوّل أولى ؛ لأنّ تصحيح العقد في الحرام ممتنع ، وإبطاله في الحلال غير ممتنع. ولو باع درهماً بدرهمين أو تزوّج باُختين ، حكم بالفساد ؛ تغليباً للحرمة على الحلّ.

وقال بعضهم : إنّ الثمن المسمّى يتوزّع عليهما باعتبار القيمة ولا يدرى حصّة كلّ واحد منهما عند العقد ، فيكون الثمن مجهولاً ، وصار كما لو قال : بعتك عبدي هذا بما يقابله من الألف إذا وزّع عليه وعلى عبد فلان ، فإنّه لا يصحّ(١) .

ونقلوا عن الشافعي قوليه في أنّ العلّة هذه أم تلك؟(٢) .

والجواب : الفرق بين الدرهمين والاُختين وبين صورة النزاع ظاهر ؛ لأنّ أحد الدرهمين وإحدى الاُختين ليست أولى بالفساد من الاُخرى ، فلهذا أفسدنا العقد فيهما ، وهنا بخلافه ؛ لأنّ الفساد تعيّن في إحدى الصورتين بعينها دون الاُخرى. والعوض ليس مجهولاً ، لأنّه جعل الجميع في مقابلة الجميع ، فسقوط بعضه لا يجعله مجهولاً ، كأرش العيب.

مسالة ٥٥١ : لا فرق عندنا بين أن يكون المضموم إلى ما يصحّ بيعه ما لا يصحّ بيعه بنصٍّ أو إجماع‌ ، كما في العبد والحُرّ ، أو ما ثبت التحريم فيه بغيرهما ، كما لو اشترى أمةً واُمَّ ولد ، وبه قال الشافعي(٣) ، لكن عندنا يصحّ البيع فيما يصحّ فيه البيع ، ويتخيّر المشتري بعد العلم ، فيبطل في الباقي.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٩ و ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨١.

٩

وللشافعي القولان السابقان(١) .

وقال أبو حنيفة : إن كان الفساد في أحدهما ثبت بنصٍّ أو إجماع كالحُرّ والعبد ، فسد في الكلّ. وإن كان قد ثبت بغير ذلك ، فسد فيما لا يجوز ، وصحّ فيما يجوز ، كالأمة واُمّ الولد. وإذا باع ماله ومال غيره ، صحّ في ماله ، ووقف في مال غيره على الإجازة(٢) .

وقال فيمن باع مذكّى و [ ما ](٣) ترك عليه التسمية عمداً : إنّه لا يصحّ في الكلّ(٤) . وخالفه أبو يوسف ومحمد(٥) .

وقالوا(٦) فيمن باع عبداً بخمسمائة نقداً ، وخمسمائة إلى العطاء ، أو ديناً على غيره : فسد في الكلّ ، لأنّ الفساد في الثمن ، والثمن كلّ جزء منه يقابل جميع المبيع(٧) . وهو ممنوع.

قال أبو حنيفة : إذا باع عبده ومكاتَبه ، فقد دخلا في العقد. وكذا الأمة واُمّ الولد ؛ لأنّ بيع اُمّ الولد تلحقه الإجازة ، وهو أن يحكم حاكم بصحّة بيعه ، فإذا دخلا فيه ثمّ فسد في أحدهما ، لعدم الإجازة ، لم يفسد في الآخَر ، كما لو باع عبدين فتلف أحدهما ، لم ينفسخ العقد في الآخَر. وأمّا‌

____________________

(١) في ص ٦ و ٧.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٦٧ ، ١٢٤٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ ، المجموع ٩ : ٣٨٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٨.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٣.

(٦) كذا ، وفي المصدر : « قال » بدل « قالوا ».

(٧) حلية العلماء ٤ : ١٤٣.

١٠

إذا باع حُرّاً وعبداً ، فسد فيهما ؛ لأنّ الفساد في نفس العقد ، وقبول أحدهما شرط في قبول الآخَر ، ألا ترى أنّه لا يجوز أن يقبل في أحدهما ، فإذا فسد في أحدهما ، فسد في الآخَر(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه لا يدخل في العقد ، وحكم الحاكم إذا وجد حكم بصحّة العقد من حين وجد ، وقبل ذلك هو فاسد. ولا يقف العقد عند الشافعي على الإجازة ، والقبول لا يصحّ في بعض المعقود عليه ، لإمكانه في الجميع ، وهنا لا يصحّ الإيجاب إلّا في أحدهما ، ولهذا صحّ القبول فيه خاصّة ، ويبطل [ بما ](٢) إذا باع المذكّى وما لم يسمّ عليه.

مسالة ٥٥٢ : لو باع عبداً وحُرّاً ، صحّ البيع في العبد خاصّة بقسطه من الثمن‌ ، وذلك بأن يفرض الحُرّ عبداً وينظر قيمتهما ثمّ يبسط المسمّى عليهما ، ويبطل ما قابل الحُرّ ، ويتخيّر المشتري مع الجهل.

وللشافعيّة في صحّة البيع في العبد طريقان :

أحدهما : القطع بالفساد - وبه قال أبو حنيفة ، كما تقدّم(٣) - لأنّ المضموم إلى العبد ليس من جملة المبيعات. ولأنّ الحاجة تدعو إلى التوزيع ، والتوزيع هنا يحوج إلى تقدير شي‌ء في الموزّع عليه ، وهو غير موجود فيه.

وأصحّهما عندهم : طرد القولين(٤) .

قال الجويني : ولو قلنا في صحّة البيع قولان مرتّبان على ما إذا باع عبداً مملوكاً وآخر مغصوباً ، لأفاد ما ذكرنا من نقل الطريقين(٥) .

____________________

(١) اُنظر : الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٠ ، والاختيار لتعليل المختار ٢ : ٣٥ و ٤٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « به ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في ص ٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠.

١١

مسالة ٥٣٣ : لو كان المشتري جاهلاً بأنّ المضموم ملك الغير أو حُرٌّ أو مكاتَب(١) أو اُمّ ولد ثمّ ظهر له ، فقد قلنا : إنّ البيع يصحّ فيما هو ملكه ، ويبطل في الآخر إن لم يُجز المالك ، ويكون للمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء فيما يصحّ بيعه بقسطه من الثمن ، لأنّه لم يسلم له المعقود عليه ، فكان له الفسخ. ولو كان عالماً ، صحّ البيع أيضاً ولا خيار له.

وقطع الشافعي بالبطلان فيما إذا كان عالماً ، كما لو قال : بعتك عبدي بما يخصّه من الألف إذا وزّع عليه وعلى عبد فلان ، وليس كذلك لو كان المضموم إلى العبد مكاتباً أو اُمَّ ولد ؛ لأنّ المكاتب واُمّ الولد يتقوّمان بالإتلاف ، بخلاف الحُرّ المضموم إلى العبد(٢) .

وليس بعيداً عندي من الصواب البطلانُ فيما إذا علم المشتري حُرّيّة الآخر أو كونه ممّا لا ينتقل إليه بالبيع ، كالمكاتَب واُمّ الولد ، والصحّة فيما إذا كان المضموم ملك الغير.

مسالة ٥٥٤ : لو باع خَلّاً وخمراً ، أو مذكّاةً وميتةً ، أو شاةً وخنزيراً ، صحّ البيع فيما يصحّ بيعه ، وبطل في الآخر ، ويقوَّم الخمر عند مستحلّيه وكذا الخنزير ، وبسط(٣) الثمن عليهما.

وللشافعي في صحّة البيع في الخَلّ والمذكّاة والشاة خلاف مرتّب على الخلاف في العبد والحُرّ. والفساد هنا أولى ؛ لأنّ تقدير القيمة غير ممكن هنا إلّا بفرض تغيّر الخلقة ، وحينئذٍ لا يكون المقوّم هو المذكور في العقد(٤) .

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة « أو حُرّاً أو مكاتباً » والصحيح ما أثبتناه بالرفع في الكلمتين.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « وقسط » بدل « وبسط ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠ - ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨١ - ٣٨٢.

١٢

ولو رهن عبده وعبد غيره من إنسان أو وهبهما منه أو رهن عبداً وحُرّاً أو وهبهما ، هل يصحّ الرهن والهبة في المملوك؟.

أمّا عندنا : فنعم.

وأمّا عند الشافعي : فيترتّب ذلك على البيع إن صحّحنا ثمّ ، فكذلك هنا ، وإلّا فقولان مبنيّان على العلّتين إن قلنا بامتناع تجزئة العقد الواحد فإذا تطرّق الفساد إليه ، وجب أن لا ينقسم إذا لم يبن على الغلبة والسريان ، كالعتق والطلاق ، فلا يصحّ. وإن علّلنا بجهالة العوض ، صحّ ، إذ لا عوض هنا حتى يفرض الجهل فيه(١) .

وكذا لو تزوّج مسلمة ومجوسيّة أو اُخته وأجنبيّة ؛ لأنّ جهالة العوض لا تمنع صحّة النكاح.

مسالة ٥٥٥ : إذا وقع تفريق الصفقة في الانتهاء ، فهو على قسمين :

الأوّل : أن لا يكون اختياريّاً ، كما لو اشترى عبدين صفقةً ثمّ مات أحدهما قبل القبض فيهما معاً.

الثاني : أن يكون التفريق اختياريّاً ، كما لو اشترى عبدين صفقةً ثمّ وجد بأحدهما عيباً.

أمّا الأوّل : فإنّ العقد ينفسخ في التالف قطعاً ، ولا ينفسخ في الباقي إلّا أن يختار المشتري فسخه.

وللشافعي طريقان :

أحدهما : أنّه على القولين فيما لو جمع بين مملوك وغير مملوك تسويةً بين الفساد المقرون بالعقد وبين الطارئ قبل القبض.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٢ - ٣٨٣.

١٣

وأظهرهما : عدم الانفساخ في الثاني ؛ لأنّ الانفساخ طرأ بعد العقد ، فلا تأثير به للآخر ، كما لو نكح أجنبيّتين دفعة واحدة ثمّ ارتفع نكاح إحداهما بردّة أو رضاع ، لا يرتفع نكاح الأخرى. ولأنّ علّة الفساد إمّا الجمع بين الحلال والحرام ، وإمّا جهالة الثمن ، ولم يوجد الجمع بين الحلال والحرام ، والثمن كلّه ثابت في الابتداء والسقوط طار ، فلا يؤثّر في الانفساخ ، كما لو خرج المبيع معيباً وتعذّر الردّ لبعض الأسباب والثمن غير مقبوض ، يسقط بعضه على سبيل الأرش ولا يلزم فيه(١) فساد العقد.

والطريقان جاريان فيما إذا تفرّقا في السّلم وبعض رأس المال غير مقبوض ، أو في الصرف وبعض العوض غير مقبوض وانفسخ العقد في غير المقبوض ، هل ينفسخ في الباقي؟(٢) .

هذا إذا تلف أحدهما في يد البائع قبل أن يقبضهما ، فأمّا إذا قبض أحدهما وتلف الآخر في يد البائع ، فالحكم عندنا كما تقدّم ، للمشتري الخيار بين الفسخ في الجميع وأخذ الباقي بحصّته من الثمن. وعند الشافعي يترتّب الخلاف في انفساخ العقد في المقبوض على الصورة السابقة ، وهذه أولى بعدم الانفساخ ، لتأكّد(٣) العقد في المقبوض بانتقال الضمان فيه إلى المشتري.

هذا إذا كان المقبوض باقياً في يد المشتري ، فإن تلف في يده ثمّ تلف الآخر في يد البائع ، فالقول بالانفساخ أضعف ، لتلف المقبوض على ضمانه(٤) .

____________________

(١) كذا ، وفي « العزيز شرح الوجيز » : « منه » بدل « فيه ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ - ١٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ - ٩٠.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لتأكيد » والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٠.

١٤

وإذا قلنا بعدم الانفساخ ، فهل له الفسخ؟ فيه للشافعيّة وجهان ، أحدهما : نعم ، وتردّ قيمته. والثاني : لا ، وعليه حصّته من الثمن(١) .

ولو استأجر دارا مدّة وسكنها بعض المدّة ثمّ انهدمت الدار ، انفسخ العقد في المستقبل.

وهل ينفسخ في الماضي؟ يخرّج على الخلاف في المقبوض التالف في يد المشتري ، فإن قلنا : لا ينفسخ ، فهل له الفسخ؟ فيه الوجهان. وإن قلنا : ليس له ذلك ، فعليه من المسمّى ما يقابل الماضي. وإن قلنا : له الفسخ ، فعليه أجرة المثل للماضي.

ولو تلف بعض المسلم فيه عند المحلّ والباقي مقبوض أو غير مقبوض وقلنا : لو انقطع الكلّ ، انفسخ العقد ، انفسخ في المنقطع ، وفي الباقي الخلاف المذكور فيما إذا تلف أحد الشيئين قبل قبضهما. وإذا قلنا : لا ينفسخ ، فله الفسخ ، فإن أجاز ، فعليه حصّته من رأس المال لا غير. وإن قلنا : إذا انقطع الكلّ ، لم ينفسخ العقد ، فالمسلم بالخيار إن شاء فسخ العقد في الكلّ ، وإن شاء أجازه في الكلّ.

وهل ينفسخ في القدر المنقطع ، والإجازة في الباقي؟ للشافعيّة(٢) قولان مبنيّان على الخلاف الذي سيأتي.

وأمّا الثاني ، وهو أن يكون اختياريّاً ، كما لو اشترى عبدين صفقةً واحدة ثمّ وجد بأحدهما عيباً ، فهل له إفراده بالردّ؟ ذهب علماؤنا إلى المنع.

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : هذا ، والمشهور : أنّه على قولين ، وبنوهما على جواز تفريق الصفقة ، فإن جوّزناه يجوز الإفراد ، وإلّا فلا.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٠.

١٥

وقياس هذا البناء أن يكون قول التجويز أظهر ، لكن صرّح كثير من الصائرين إلى جواز التفريق بأنّ منع الإفراد أصحّ ؛ لأنّ الصفقة وقعت مجتمعةً ، ولا ضرورة إلى تفريقها ، فلا تفرّق(١) . وهو ما اخترناه نحن.

والقولان مفروضان في العبدين وفي كلّ شيئين لا تصل منفعة أحدهما بالآخر ، فأمّا في زوجي الخُفّ ومصراعي الباب ونحوهما فلا سبيل إلى أفراد المعيب بالردّ قبل القبض ، ويجوز بعده.

والحقّ : المنع من الإفراد مطلقاً.

وارتكب بعض الشافعيّة طرد القولين فيه(٢) .

ولا فرق على القولين بين أن يتّفق ذلك بعد القبض أو قبله.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز إفراد المعيب بالردّ قبل القبض ، ويجوز بعده إلّا أن تتّصل منفعة أحدهما بالآخَر(٣) .

فإن لم نجوّز الإفراد ، فلو قال : رددت المعيب ، هل يكون هذا(٤) ردّاً لهما؟ لبعض الشافعيّة وجهان ، أصحّهما : لا(٥) . وهو أجود.

ولو رضي البائع بإفراده ، جاز في أصحّ الوجهين عندهم. فإن جوّزنا الأفراد فإذا ردّه ، استردّ قسطه من الثمن ، ولا يستردّ الجميع ، وإلّا لخلا بعض المبيع عن المقابل. وعلى هذا القول لو أراد ردّ السليم والمعيب معاً ، فله ذلك أيضاً(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٢ - ١٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٠ - ٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هنا » بدل « هذا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

١٦

وفيه للشافعيّة وجه ضعيف(١) .

ولو وجد العيب بالعبدين معاً وأراد إفراد أحدهما بالردّ ، لم يكن له ذلك عندنا.

ويجري القولان للشافعيّة(٢) هنا.

ولو تلف أحد العبدين أو باعه ووجد بالباقي عيباً ، ففي إفراده قولان للشافعيّة مرتّبان ، وهذه الصورة أولى بالجواز ، لتعذّر ردّهما جميعاً. فإن قلنا : يجوز الإفراد ، ردّ الباقي واستردّ من الثمن حصّته. وسبيل التوزيع تقدير العبدين سليمين وتقويمهما وبسط الثمن المسمّى على القيمتين(٣) .

ولو اختلفا في قيمة التالف ، فادّعى المشتري ما يقتضي زيادة للواجب على ما اعترف به البائع ، فقولان للشافعيّة :

أصحّهما : تقديم قول البائع مع يمينه ؛ لأنّه ملك جميع الثمن بالبيع ، فلا رجوع عليه إلّا بما اعترف به.

والثاني : أنّ القول قول المشتري ؛ لأنّه تلف في يده ، فأشبه الغاصب مع المالك إذا اختلفا في القيمة ، كان القول قول الغاصب الذي حصل الهلاك في يده.

وإن قلنا : لا يجوز الإفراد ، فقولان :

أحدهما : أنّه يضمّ قيمة التالف إلى الباقي ويردّهما ويفسخ العقد ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر في المصرّاة بردّ الشاة وبدل اللبن الهالك(٤) ، فعلى هذا‌

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣ - ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٨ / ١٥٢٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٠ / ٣٤٤٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٣ / ١٢٥١.

١٧

لو اختلفا في قيمة التالف ، فالقول قول المشتري مع يمينه ؛ لأنّه حصل التلف في يده وهو الغارم(١) .

ولهم في القيمة وجهٌ آخَر : أنّ القول قول البائع ؛ لأنّ المشتري يريد إزالة ملكه عن الثمن المملوك له(٢) .

وأصحّهما : أنّه لا فسخ له ، ولكنّه يرجع بأرش العيب ؛ لأنّ الهلاك أعظم من العيب(٣) .

ولو حدث عنده عيب ولم يتمكّن(٤) من الردّ ، فعلى هذا لو اختلفا في قيمة التالف ، عاد القولان السابقان ، لأنّه في الصورتين يردّ بعض الثمن ، إلّا أنّ(٥) على ذلك القول يردّ حصّة الباقي ، وعلى هذا القول يردّ أرش العيب(٦) .

والنظر في قيمة التالف إلى يوم العقد أو يوم القبض؟ فيه مثل الخلاف الذي سيأتي في اعتبار القيمة لمعرفة أرش العيب القديم(٧) .

مسالة ٥٥٦ : لو باع شيئاً يتوزّع الثمن على أجزائه بعضه له ، وبعضه لغيره‌ ، كما لو باع عبداً له نصفه ، أو صاع حنطة له نصفه والباقي لغيره صفقة واحدة ، صحّ فيما يملكه ، ويتخيّر المشتري مع فسخ المالك الآخَر البيع في قدر حصّته ، ويبطل في الآخر مع الفسخ.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

(٤) في « س » والطبعة الحجريّة : « لم يتمكّن » بدون الواو.

(٥) الظاهر : « أنّه » بدل « أنّ ».

(٦) في « س » والطبعة الحجريّة : « المعيب » بدل « العيب ».

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

١٨

والشافعي رتّب ذلك على ما لو باع عبدين أحدهما له والآخر لغيره ، إن صحّحنا فيما يملكه ، فكذا هنا ، وإلّا فقولان ، إن علّلنا بالجمع بين الحلال والحرام ، لم يصح. وإن علّلنا بجهالة الثمن ، صحّ ؛ لأنّ حصّة المملوك هنا معلومة(١) .

ولو باع جميع الثمرة وفيها عُشْر الصدقة ، ففي صحّة البيع في قدر الزكاة إشكال ينشأ من أنّه بالخيار بين إخراج العين وإخراج القيمة ، فإذا باعه ، كان قد اختار القيمة. ومن أنّه باع مال غيره، والضمان يثبت بعد التضمين.

وللشافعيّة قولان ، فإن قلنا : لا يصحّ ، فالترتيب في الباقي(٢) كما ذكرنا فيما لو باع عبداً له نصفه ؛ لأنّ توزيع الثمن على ما لَه بيعه وما ليس له معلوم على التفصيل(٣) .

أمّا لو باع أربعين شاةً وفيها قدر الزكاة ، فالأقرب : أنّه كالأوّل.

وقال الشافعي : إن فرّعنا على امتناع البيع في قدر الزكاة ، فالترتيب في الباقي كما مرّ فيما لو باع عبده وعبد غيره(٤) .

وممّا يتفرّع على التعليلين : لو باع زيد عبده وعمرو عبده صفقةً بثمنٍ واحد ، فإنّه يصحّ عندنا ، ويوزّع الثمن على القيمتين.

وللشافعيّة في صحّة العقد قولان(٥) .

وكذا لو باع من رجلين عبدين له هذا من أحدهما وهذا من الآخَر‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « الباب » بدل « الباقي ». وما أثبتناه من المصادر.

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢.

١٩

بثمنٍ واحد إن علّلنا بالجمع بين الحلال والحرام ، صحّ. وإن علّلنا بجهالة العوض ، لم يصح ؛ لأنّ حصّة كلّ واحد منهما مجهولة.

مسالة ٥٥٧ : لو باع عبده وعبد غيره وسمّى لكلٍّ منهما ثمناً‌ ، فقال : بعتك هذا بمائة وهذا بخمسين ، فقال المشتري : قبلت ، صحّ عندنا ، وكان له ما سمّاه في مقابلة عبده.

والشافعي بناه على العلّتين ، فإن علّل باجتماع الحلال والحرام ، فسد العقد. وإن علّل بجهالة الثمن ، صحّ في عبده(١) .

وللمشتري هنا الخيار أيضاً لو فسخ مالك الآخر البيع فيه ؛ لتبعّض الصفقة عليه.

مسالة ٥٥٨ : إذا باع ماله ومال غيره صفقةً واحدة ، صحّ البيع في ماله‌ ، فإن كان المشتري جاهلاً بالحال ، فله الخيار ؛ لأنّه دخل في العقد على أن يسلم له العبدان ولم يسلم ، فإن اختار الإمضاء ، لزمه قسطه من الثمن ، وسقط عنه ما انفسخ البيع فيه عند علمائنا - وهو أصحّ قولي الشافعي(٢) - لأنّ الثمن يتقسّط(٣) على العينين على قدر قيمتهما ، فكان له أخذه بما استحقّه من الثمن ، ولا يلزمه أخذه بأكثر من ذلك ، فإنّ الثمن وقع في مقابلتهما جميعاً ، فلا يلزم في مقابلة أحدهما إلّا قسطه.

والثاني : أنّه يلزمه جميع الثمن - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّه لغا ذكر‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « يقسّط ».

(٤) الظاهر أنّ موضع قوله : « وبه قال أبو حنيفة » بعد قوله قبل أسطر : « وهو أصحّ قولي الشافعي » لأنّه في بعض المصادر في الهامش التالي - =

٢٠

المضموم إلى ماله ، فيقع جميع الثمن في مقابلة ما صحّ العقد فيه(١) . ولأنّ الإجازة ببعضه تودّي إلى جهالة العوض. ولأنّه لو تلف جزء من المبيع في يد البائع وصار معيباً ، كان بالخيار بين الإجازة بجميع الثمن أو الردّ ، كذا هنا.

وفسخ(٢) البيع فيه لا يوجب كون الكلام فيه لغواً ، بل يسقط من الثمن ما قابله. ويمنع الجهالة. ويمنع الإجازة بالجميع في المعيب. سلّمنا ، لكنّ العقد لا يقع متقسّطاً على الأجزاء.

واختلفت الشافعيّة ، فقال بعضهم : موضع القولين أن يكون المبيع ممّا يتقسّط الثمن على قيمته ، فإن كان ممّا يتقسّط على أجزائه ، فالواجب قسط المملوك من الثمن قولاً واحداً. والفرق : أنّ التقسيط هنا لا يورث جهالة الثمن عند العقد ، بخلاف ما يتقسّط على القيمة.

ومنهم مَنْ طرد القولين ، وهو الأظهر ؛ لأنّ الشافعي ذكر قولين فيما لو باع الثمرة بعد وجوب العُشْر فيها وأفسدنا البيع في قدر الزكاة دون غيره أنّ الواجب جميع الثمن أو حصّته؟ فإن قلنا : الواجب جميع الثمن ، فلا خيار للبائع إذا ظفر بما ابتغاه(٣) . وإن قلنا : الواجب القسط ، فوجهان:

____________________

= كالتهذيب والعزيز - وكذا في الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥١ ، والاختيار لتعليل المختار ٢ : ٤٠ ، نُسب القول الأصحّ للشافعي إلى أبي حنيفة ، لا الثاني.

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٢) قوله : « وفسخ » إلى آخره ، كلام المصنّفقدس‌سره في الجواب عن استدلال الشافعي على قوله الثاني.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « بما ابتعناه » وفي « س » : « ابتاعه ». وكلاهما تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه من « ي » وكما في « العزيز شرح الوجيز ».

٢١

أحدهما : أنّ له الخيار إذا لم يسلم له جميع الثمن.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا خيار له ؛ لأنّ التفريط منه حيث باع ما لا يملكه وطمع في ثمنه(١) .

وإن كان المشتري عالماً بالحال ، فلا خيار له ، كما لو اشترى معيباً يعلم بعيبه(٢) .

وكم يلزمه من الثمن؟ الوجه عندي أنّه يلزمه القسط كالجاهل ؛ لأنّه قابل جميع الثمن بجملة المبيع ، وهو يقتضي توزيع الأجزاء على الأجزاء ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) .

وقطع جماعة منهم بوجوب الجميع ؛ لأنّه التزم بالثمن عالماً بأنّ بعض المذكور لا يقبل العقد(٤) .

ولو باع عبداً وحُرّاً ، أو خَلّاً وخمراً ، أو شاةً وخنزيراً ، أو مذكّاةً وميتةً ، [ و ](٥) صحّ العقد فيما يقبله ، وكان المشتري جاهلاً بالحال فأجاز أو(٦) عالماً ، قسّط الثمن ، ولزمه بالنسبة. والتقسيط بأن ينظر إلى قيمة هذه المحرّمات عند مستحلّيها ، وهو قول الشافعيّة(٧) .

ولهم في قدر ما يلزمه من الثمن طريقان :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ - ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٢) في « س ، ي » : « عيبَه ».

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو » والصحيح ما أثبتناه.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

٢٢

أحدهما : القطع بوجوب الجميع ؛ لأنّ ما لا قيمة له لا يمكن التوزيع على قيمته.

وأصحّهما : طرد القولين.

فإن قلنا : الواجب قسط من الثمن ، فكيف تعتبر هذه الأشياء؟ وجهان :

أحدهما : كما قلناه من النظر إلى القيمة عند مستحلّيه.

والثاني : أنّه يقدّر الخمر خَلّاً ، ويوزّع عليهما باعتبار الأجزاء ، وتقدّر الميتة مذكّاة ، والخنزير شاة ، ويوزّع عليهما باعتبار القيمة(١) .

وقال بعضهم : يقدّر الخمر عصيراً ، والخنزير بقرةً(٢) .

ولو نكح مسلمةً ومجوسيّةً في عقدٍ واحد وصحّحنا العقد في المسلمة ، لم يلزمه جميع المسمّى للمسلمة إجماعاً ؛ لأنّا إذا أثبتنا الجميع في البيع - كما قاله الشافعي(٣) - أثبتنا الخيار أيضاً ، وهنا لا خيار ، فإيجاب الجميع إجحاف.

وقال بعض الشافعيّة : يلزم لها جميع المسمّى ، لكن له الخيار في ردّ المسمّى ، والرجوع إلى مهر المثل(٤) .

وهذا لا يدفع الضرر ؛ لأنّ مهر المثل قد يساوي المسمّى أو يزيد عليه.

إذا ثبت هذا ، فما الذي يلزمه؟ الأقوى عندي أنّه القسط من المسمّى إذا وزّع على مهر مثل المسلمة ومهر مثل المجوسيّة ، وهو أحد قولي الشافعي. وأظهرهما : أنّه يلزمه مهر المثل(٥) .

ولو اشترى عبدين وتلف قبل القبض أحدهما ، انفسخ العقد فيه ،

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٣) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٤.

٢٣

ويثبت له الخيار في الباقي ، فإن أجاز ، فالواجب قسطه من الثمن ؛ لأنّ الثمن وجب في مقابلتهما في الابتداء ، فلا ينصرف إلى أحدهما في الدوام.

وقال بعض الشافعيّة بطرد القولين(١) .

ولو باع شيئاً من مال الربا بجنسه ثمّ خرج بعض أحد العوضين مستحقّاً وصحّحنا العقد في الباقي وأجاز ، فالواجب حصّته إجماعاً ؛ لأنّ الفضل بينهما حرام.

ولو باع معلوماً ومجهولاً ، لم يصحّ البيع في المجهول ، وأمّا في المعلوم فيصحّ ؛ لعدم المانع.

وعند الشافعي يبنى على ما لو كانا معلومين وأحدهما لغيره ، إن قلنا :

لا يصحّ في ماله ، لم يصح هنا في المعلوم. وإن قلنا : يصحّ ، فقولان مبنيّان على أنّه كم يلزمه في الثمن؟ فإن قلنا : الجميع - كما هو قول بعض الشافعيّة - صحّ ، ولزم(٢) هنا جميع الثمن. وإن قلنا : حصّته من الثمن - كما اخترناه ، وذهب إليه بعض الشافعيّة - لم يصح ؛ لتعذّر التوزيع(٣) .

وحكى بعضهم قولا أنّه يصحّ ، وله الخيار ، فإن أجاز ، لزمه جميع الثمن(٤) . وليس شيئاً.

مسالة ٥٥٩ : لو كان الثمن يتوزّع على الأجزاء كقفيزي حنطة أحدهما له والآخر لغيره وباعهما من شخص ، فإنّه يصحّ في المملوك دون غيره ، وهو قول الشافعي(٥) .

وكذا إذا رهن ما يجوز رهنه وما لا يجوز.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤.

(٢) في المصادر : « لزمه ».

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤ ، المجموع ٩ : ٣٨٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

٢٤

وإذا وهب ما يجوز هبته وما لا يجوز ، أو تزوّج أخته وأجنبيّة ، أو مسلمة ومجوسيّة ، صحّ فيما يجوز قولاً واحداً عندنا وعند الشافعي(١) ؛ لأنّ الرهن والهبة لا عوض لهما ، والنكاح لا يفسد بفساد العوض.

ويتخيّر المشتري إذا صحّ البيع في المملوك كما قلناه. وإذا أجاز بجميع الثمن ، فلا خيار للبائع قطعاً.

وإن أخذه بقسطه ، ففي خيار البائع للشافعي وجهان :

أحدهما : له الخيار ، لتبعّض الثمن عليه.

والثاني : لا خيار له ؛ لأنّ التبعّض(٢) من فعله حيث باع ما يجوز وما لا يجوز(٣) .

وهنا مسائل دوريّة لابُدَّ من التعرّض لها :

مسالة ٥٦٠ : لو باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين بقفيز حنطة يساوي عشرة‌ ، ومات ولا مال سواه ، جاز البيع في ثلثي قفيز بثلثي قفيز ، وبطل في الثلث ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : أنّه يبطل البيع(٤) .

والأصل فيه أنّ محاباة مرض الموت - كالهبة وسائر التبرّعات - في اعتبار الثلث ، فإن زادت عليه ولم يجز الورثة ما زاد - كما لو باع عبدا يساوي ثلاثين بعشرة ولا شي‌ء له سواه - ردّ البيع في بعض العبد ، وفي الباقي للشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بصحّة البيع فيه ، لأنّه نفذ في الكلّ ظاهراً ، والردّ في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

(٢) في « س ، ي » : « التبعيض ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٥.

٢٥

البعض تداركّ حادث ؛ لأنّ المحاباة في المرض وصيّة ، والوصيّة تقبل من الغرر ما لا يقبله غيرها.

وأظهرهما عند أكثر الشافعيّة : أنّه على قولي تفريق الصفقة.

وإذا قلنا : يصحّ البيع في الباقي ، ففي كيفيّته قولان :

أحدهما : أنّ البيع يصحّ في القدر الذي يحتمله الثلث ، والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن ، ويبطل في الباقي ، لأنّه اجتمع للمشتري معاوضة ومحاباة ، فوجب أن يجمع بينهما ، فعلى هذا يصحّ العقد في ثلثي العبد بالعشرة ، ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته عشرة ، والثمن وهو عشرة ، وذلك مِثْلا المحاباة وهي عشرة.

وهذا اختيار الشيخ(١) رحمه‌الله وجماعة من الشافعيّة وغيرهم ، ولا دور على هذا القول.

والثاني : أنّه إذا ارتدّ البيع في بعض المبيع ، وجب أن يرتدّ إلى المشتري ما قابله من الثمن(٢) .

وهو الذي نختاره نحن ، فحينئذٍ يلزم الدور ؛ لأنّ ما ينفذ فيه البيع يخرج من التركة ، وما يقابله من الثمن يدخل فيها ، وما ينفذ فيه البيع يزيد بزيادة التركة وينقص بنقصانها ، فيزيد بحسب زيادة التركة ، وتزيد التركة بحسب زيادة المقابل الداخل ، ويزيد المقابل بحسب زيادة المبيع ، وهذا دور.

ويتوصّل إلى معرفة المقصود بطرق :

____________________

(١) أنظر : المبسوط - للطوسي - ٤ : ٦٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٤ ، المجموع ٩ : ٣٨٩ - ٣٩٠.

٢٦

منها : أن ينظر إلى ثلث المال وينسبه إلى قدر المحاباة ويجيز البيع في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة ، فنقول : ثلث المال عشرة ، والمحاباة عشرون ، والعشرة نصفها ، فيصحّ البيع في نصف العبد ، وقيمته خمسة عشر بنصف الثمن ، وهو خمسة ، كأنّه اشترى سدسه بخمسة ، وثلثه وصيّة له ، يبقى مع الورثة نصف العبد ، وهو خمسة عشر ، والثمن خمسة يبلغ عشرين ، وهو مِثْلا المحاباة.

ومنها : طريقة الجبر ، فنقول : صحّ البيع في شي‌ء من العبد وقابله من الثمن مثل ثلث ذلك الشي‌ء ؛ لأنّ الثمن مثل ثلث العبد ، وبقي في يد الورثة عبد إلّا شيئاً ، لكن بعض النقصان انجبر بثلث الشي‌ء العائد ، فالباقي عندهم عبد إلّا ثلثي شي‌ء ، فثلثا شي‌ء قدر المحاباة ، وعبد إلاّ ثلثي شي‌ء مثلاه ، وإذا كان عبد إلّا ثلثي شي‌ء مِثْلَي ثلثي شي‌ء ، كان عديلاً لشي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا العبد بثلثي شي‌ء وزِدْنا على عديله مثل ذلك ، كان العبد عديلاً لشيئين ، فعرفنا أنّ الشي‌ء الذي نفذ فيه البيع نصف العبد.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا بقول الشيخ ، بطل البيع في صورة الربويّين بلا خلافٍ ؛ لأنّ مقتضاه صحّة البيع في قدر الثلث وهو ستّة وثلثان ، وفي القدر الذي يقابل من قفيزه قفيز الصحيح(١) ، وهو نصفه ، فتكون خمسة أسداس قفيز في مقابلة قفيز ، وذلك ربا.

وعلى ما اخترناه نحن يصحّ البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي قفيز الصحيح ، ويبطل في الباقي.

وقطع بعض الشافعيّة بهذا القول - الذي اخترناه في الربوي - لئلّا‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « قفيزاً بصحيح ». وذلك خطأ.

٢٧

يبطل غرض الميّت في الوصيّة(١) .

فعلى طريقة النسبة ثلث مال المريض ستّة وثلثان ، والمحاباة عشرة ، وستّة وثلثان ثلثا عشرة فينفذ البيع في ثلثي القفيز.

وعلى طريقة الجبر نفذ البيع في شي‌ء وقابله من الثمن مثل نصفه ، فإنّ قفيز الصحيح نصف قفيز المريض ، وبقي في يد الورثة قفيز إلّا شي‌ء ، لكن حصل لهم نصف شي‌ء ، فالباقي عندهم قفيز إلّا نصف شي‌ء هو المحاباة ، وما في يدهم - وهو قفيز ناقص بنصف شي‌ء - مِثْلاه ، وإذا كان قفيز ناقص بنصف شي‌ء مثلَي(٢) نصف شي‌ء ، كان عديلاً للشي‌ء الكامل ، فإذا جبرنا وقابلنا ، صار قفيزُ كاملٍ عديلَ شي‌ء ونصف شي‌ء ، فعُرف أنّ الشي‌ء ثلثا قفيز.

إذا عرفت هذا ، فنقول : لا خيار هنا للورثة ، لأنّا لو أثبتنا لهم الخيار ، لأبطلنا المحاباة أصلاً ورأساً بفسخ البيع ، ولا سبيل إليه ، لأنّ الشرع سلّطه على ثلث ماله.

ولو كانت المسألة بحالها لكن قفيز المريض يساوي ثلاثين وقلنا بتقسيط الثمن ، صحّ البيع في نصف قفيز بنصف القفيز.

ولو كان قفيز المريض يساوي أربعين ، صحّ البيع في أربعة أتساع القفيز بأربعة أتساع القفيز.

ولو كان المريض قد أكل القفيز الذي أخذ ، استوت المسائل كلّها ، فيجوز بيع ثلث قفيز بثلث قفيز.

ولو أتلف المريض المحابي القفيز الذي أخذه ثمّ مات وفرّعنا على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٥.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « مثل » والصحيح ما أثبتناه.

٢٨

الدور ، صحّ البيع في ثلثه بثلث قفيز صاحبه ، سواء كانت قيمة قفيز المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر ، لأنّ ما أتلفه قد نقص من ماله. أمّا ما صحّ فيه البيع فهو ملكه وقد أتلفه. وأمّا ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه ، فينتقص قدر الغُرْم من ماله ، ومتى كثرت القيمة كان المصروف إلى الغُرْم أقلّ والمحاباة أكثر ، ومتى قلّت كان المصروف إلى الغرم أكثر والمحاباة أقلّ.

مثاله : إذا كانت قيمة قفيز المريض عشرين ، وقيمة قفيز الصحيح عشرة ، وقد أتلفه المريض ، فعلى طريقة النسبة مال المريض عشرون وقد أتلف عشرة يحطّها من ماله ، فيبقى عشرة كأنّها كلّ ماله ، والمحاباة عشرة ، فثلث ماله هو ثلث المحاباة ، فيصحّ البيع في ثلث القفيز على القياس الذي مرّ.

وعلى طريقة الجبر صحّ البيع في شي‌ء من قفيز المريض ، ورجع إليه مثل نصفه ، فعند ورثته عشرون إلّا نصف شي‌ء ، لكن قد أتلف عشرة ، فالباقي في أيديهم عشرة إلّا نصف شي‌ء ، وذلك مِثْلا نصف شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كانت عشرة مثل شي‌ء ونصف شي‌ء ، فالعشرة نصف القفيز ، فيكون القفيز الكامل مثل ثلاثة أشياء ، فالشي‌ء ثلث القفيز.

وامتحانه أن نقول : ثلث قفيز المريض ستّة وثلثان ، وثلث قفيز الصحيح في مقابلة ثلاثة وثلث ، فتكون المحاباة بثلاثة وثلث ، وقد بقي في يد الورثة ثلثا قفيز ، وهو ثلاثة عشر وثلث يؤدّى منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح ، وهي ستّة وثلثان ، ويبقى في أيديهم ستّة وثلثان ، وهي مِثْلا المحاباة.

٢٩

ولو كان قفيز المريض يساوى ثلاثين وباقي المسألة بحالها ، فعلى طريقة النسبة نقول : مال المريض ثلاثون وقد أتلف عشرة يحطّها من ماله يبقى عشرون كأنّه كلّ ماله ، والمحاباة عشرون ، فثلث ماله هو ثلث المحاباة ، فصحّ البيع في ثلث القفيز.

وبالجبر نقول : صحّ البيع في شي‌ء من قفيز المريض ، ورجع إليه مثل ثلثه ، فالباقي ثلاثون إلّا ثلثي شي‌ء ، لكنّه أتلف عشرة ، والباقي عشرون إلّا ثلثي شي‌ء ، وذلك مِثْلا ثلثي شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كان عشرون مثل شيئين ، فعرفنا أن الشي‌ء عشرة ، وهي ثلث الثلاثين.

وامتحانه أن نقول : ثلث قفيز المريض عشرة ، وثلث قفيز الصحيح في مقابله ثلاثة وثلث ، فالمحاباة ستّة وثلثان ، وقد بقي في يدي الورثة ثلثا قفيز ، وهو عشرون يؤدّى منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح ، وهي ستّة وثلثان يبقى في أيديهم ثلاثة عشر وثلث ، وهي مِثْلا المحاباة.

هذا إذا أتلف صاحب القفيز الجيّد ما أخذه ، أمّا إذا أتلف صاحب القفيز الردي‌ء ما أخذه ولا مال له سوى قفيزه ، ففي الصورة الاُولى - وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه عشرين وقيمة قفيز الآخر عشرة - يصحّ البيع في الحال في نصف القفيز الجيّد وقيمته عشرة ، ويحصل للورثة في مقابله نصف القفيز الردي‌ء وقيمته خمسة تبقى المحاباة بخمسة ، ولهم نصفه الآخر غرامةً لما أتلف عليهم ، فيحصل لهم عشرة وهي مِثْلا المحاباة ، والباقي في ذمّة متلف القفيز الجيّد ، ولا تجوز المحاباة في شي‌ء إلّا بعد أن يحصل للورثة مِثْلاه.

وفي الصورة الثانية - وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه ثلاثين - قال بعض‌

٣٠

الشافعيّة : يصحّ البيع في نصف الجيّد ، وهو خمسة عشر ، والمحاباة ثلثه ، وهو خمسة ، وقد حصل للورثة القفيز الردي‌ء وقيمته عشرة ، وهي ضٍعْف المحاباة ، فيبقى في ذمّة المشتري خمسة عشر كلّما حصل منها شي‌ء جازت المحاباة في مثل ثلثه(١) .

وغلّطه بعضهم ؛ لأنّا إذا صحّحنا البيع في نصف الجيّد ، فإنّما نصحّحه بنصف الردي‌ء ، وهو خمسة ، فتكون المحاباة بعشرة لا بخمسة ، وإذا كانت المحاباة بعشرة ، فالواجب أن يكون في يد الورثة عشرون ، وليس في أيديهم إلّا عشرة. فالصواب أن يقال : يصحّ البيع في ربع القفيز الجيّد ، وهو سبعة ونصف بربع الردي‌ء ، وهو درهمان ونصف ، فتكون المحاباة بخمسة وفي يد الورثة ضعفها عشرة(٢) .

مسالة ٥٦١ : كما تعتبر محاباة المريض في البيع من الثلث‌ ، كذا تعتبر محاباته في الإقالة من الثلث ، سواء قدّرت الإقالة فسخاً كما هو مذهبنا ، أو بيعاً جديداً كما هو مذهب الشافعي(٣) .

إذا ثبت هذا ، فنقول : إذا باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين من مريض بقفيز حنطة يساوي عشرة ثمّ تقايلا وماتا في المرض والقفيزان بحالهما ولا مال لهما سواهما ولم تجز الورثة ما زاد من محاباتهما على الثلث ، فإن منعنا من تفريق الصفقة - كما هو مذهب الشافعي(٤) - وقلنا بالتصحيح بجميع الثمن ، فلا بيع ولا إقالة.

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٢.

(٣) الوسيط ٣ : ٤٩٢ - ٤٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٣.

٣١

وإن قلنا بالتصحيح بالقسط ، فيدور كلّ واحد - ممّا نفذ فيه البيع والإقالة - على الآخَر ؛ لأنّ البيع لا ينفذ إلّا في الثلث ، وبالإقالة يزيد ماله فيزيد ما نفذ فيه البيع ، وإذا زاد ذلك ، زاد مال الثاني ، فيزيد ما نفذ فيه الإقالة.

فالطريق أن نقول : صحّ البيع في شي‌ء من القفيز الجيّد ، ورجع إليه من الثمن نصف ذلك ، فبقي في يده عشرون إلّا نصف شي‌ء ، وفي يد الآخر عشرة ونصف شي‌ء ، ثمّ إذا تقايلا ، فالإقالة فيهما(١) تصحّ في ثلث مال المقيل فيأخذ ثلثَ عشرة و [ ثلث ](٢) نصف شي‌ء وهو ثلاثة وثلث وسدس شي‌ء ، فيضمّه إلى مال الأوّل ، وهو عشرون إلّا نصف شي‌ء يصير ثلاثة وعشرين وثلثاً إلّا ثلث شي‌ء ، وهذا يجب أن يكون مثلَي المحاباة أوّلاً ، وهو نصف شي‌ء ، فيكون ذلك كلّه مثل شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، كان ثلاثة وعشرون وثلث مثل شي‌ء وثلث شي‌ء يبسط الشي‌ء والثلث أثلاثاً يكون أربعة والشي‌ء ثلاثة أرباعه.

فإذا أردنا أن نعرف كم الشي‌ء من ثلاثة وعشرين وثلث ، فسبيله أن نصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة ؛ لأنّ الزائد على العشرين ثلاثة وثلث ، وهو ثلث العشرة ، فإذا جعلنا كلّ عشرة ثلاثة أسهم ، صار عشرون وثلاثة وثلث سبعة أسهم ، فتزيد قسمتها على الأربعة ، والسبعة لا تنقسم على الأربعة ، فتضرب سبعة في أربعة يكون ثمانية وعشرين ، فالشي‌ء ثلاثة أرباعها ، وهي أحد وعشرون. فإذا عرفنا ذلك ، رجعنا إلى الأصل وقلنا : العشرون التي كانت قيمة القفيز صارت أربعةً وعشرين ؛ لأنّا ضربنا كلّ ثلاثة‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « إنّما » بدل « فيهما ».

(٢) أضفناها لأجل السياق.

٣٢

- وهي سهام العشرة - في أربعة ، فصارت اثني عشر ، فتكون العشرون أربعةً وعشرين وقد صحّ البيع في أحد وعشرين ، وذلك سبعة أثمان أربعة وعشرين.

وإذا عرفنا ذلك وأردنا التصحيح من غير كسر ، جعلنا القفيز الجيّد ستّة عشر ، والقفيز الردي‌ء ثمانية ، وقلنا : صحّ البيع في سبعة أثمان الجيّد - وهي أربعة عشر - بسبعة أثمان الردي‌ء ، وهي سبعة ، فتكون المحاباة سبعة ، ويبقى في يد بائع الجيّد [ تسعة ](١) : سهمان بقيا عنده ، وسبعة أخذها عوضاً ، ويحصل في يد الآخر خمسة عشر ، لأنّه أخذ أربعة عشر وكان قد بقي في يده سهم ، فلمـّا تقايلا نفذت الإقالة في عشرة - وهي خمسة أثمان القفيز الجيّد - بخمسة أثمان القفيز الردي‌ء وهي خمسة ، فقد أعطى عشرة وأخذ خمسة ، فالمحاباة بخمسة. والحاصل من ذلك كلّه : المستقرّ في يد الأوّل أربعة عشر مثلا محاباته سبعة ، وفي يد الثاني عشرة مِثْلا محاباته خمسة.

ولو كانت المسألة بحالها والقفيز الجيّد يساوي ثلاثين ، فنقول : صحّ البيع في شي‌ء منه ، ورجع إليه من الثمن مثل ثلث ذلك الشي‌ء ، فبقي في يده ثلاثون إلّا ثلثي شي‌ء ، وفي يد الآخر عشرة وثلثا شي‌ء ، فإذا تقايلا ، أخذنا ثلث عشرة وثلثي شي‌ء ، وذلك ثلاثة دراهم وثلث وتُسْعا شي‌ء يضمّ إلى مال الأوّل ، فيصير ثلاثة وثلاثين وثلثا إلّا أربعة أتساع شي‌ء ، وهو مِثْلا المحاباة ، وهي ثلثا شي‌ء ، فيكون مثل شي‌ء وثلث شي‌ء ، فإذا جبرنا وقابلنا ، صار ثلاثة وثلاثون وثلث مثل شي‌ء وسبعة أتساع شي‌ء ، فعلمنا أنّ‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « منه ». والظاهر ما أثبتناه بقرينة السياق.

٣٣

ثلاثة وثلاثين وثلثاً يجب أن تقسّم على شي‌ء وسبعة أتساع شي‌ء ، فيبسط هذا المبلغ أتساعاً يكون ستّة عشر الشي‌ء منه تسعة ، والعدد المذكور لا ينقسم على ستّة عشر ، فنصحّح السهام بأن نجعل كلّ عشرة ثلاثة ، لأنّ الزائد على الثلاثين ثلاثة وثلث ، وذلك ثلث العشرة ، فإذا فعلنا ذلك ، صارت ثلاثة وثلاثون وثلث عشرةَ أسهم يحتاج إلى قسمتهما على ستّة عشر ، وعشرة لا تنقسم على ستّة عشر ، لكن بينهما توافق بالنصف ، فنضرب جميع أحدهما في نصف الآخر يكون ثمانين ، فنرجع إلى الأصل ونقول : الثلاثون التي كانت قيمة القفيز صارت اثنين وسبعين ، والشي‌ء كان تسعة من ستّة عشر صار مضروبا في نصف العشرة ، وهو خمسة صارت خمسة وأربعين ، وذلك خمسة أثمان اثنين وسبعين ، فعرفنا صحّة البيع في خمسة أثمان القفيز الجيّد.

فإن أردنا التصحيح على الاختصار من غير كسر ، جُعل القفيز الجيّد أربعةً وعشرين ليكون للقفيز الردي‌ء - الذي هو ثلثه - ثمن صحيح ، فنقول : صحّ البيع في خمسة أثمان الجيّد - وهي خمسة عشر - بخمسة أثمان الردي‌ء ، وهي خمسة ، فتكون المحاباة بعشرة ، ويبقى في يد بائع الجيّد أربعة عشر : تسعة بقيت عنده ، وخمسة أخذها عوضاً ، ويحصل في يد الآخر ثمانية عشر ؛ لأنّه أخذ خمسة عشر ، وكان قد بقي عنده ثلاثة ، فلمـّا تقايلا نفذت الإقالة في تسعة ، وهي ثلاثة أثمان الجيّد بثلاثة أثمان الردي‌ء ، وهي ثلاثة ، فقد أعطى تسعة وأخذ ثلاثة تكون المحاباة بستّة ، ويستقرّ في يد الأوّل عشرون : تسعة أخذها بحكم الإقالة ، وأحد عشر هي التي بقيت عنده من أربعة عشر بعد ردّ الثلاثة ، وذلك مثلا محاباته عشرة ، وفي يد الثاني اثنا عشر : ثلاثة أخذها بحكم الإقالة ، وتسعة بقيت عنده من ثمانية‌

٣٤

عشر بعد ردّ التسعة ، وذلك مِثْلا محاباته.

وهنا طريقة سهلة المأخذ مبنيّة على أصول ظاهرة :

منها : أنّ القفيز الجيّد في هذه المسائل يعتبر بالأثمان ، فيقدّر ثمانية أسهم ، وينسب الرديّ إليه باعتبار الأثمان.

ومنها : أنّ محاباة صاحب الجيّد لا تبلغ أربعة أثمان أبداً ولا تنقص عن ثلاثة أثمان أبداً ، بل تكون بينهما ، فإذا أردت أن تعرف قدرها ، فانسب القفيز الردي‌ء إلى الجيّد ، وخُذْ مثل تلك النسبة من الثمن الرابع.

وإذا أردت أن تعرف ما يصحّ البيع فيه من القفيز ، فانسب الردي‌ء إلى المحاباة في الأصل وزِدْ مثل تلك النسبة على التبرّع ، فالمبلغ هو الذي يصحّ فيه البيع.

وإذا أردت أن تعرف ما يصحّ فيه تبرّع المقيل ، فانظر إلى تبرّع بائع الجيّد واضربه في ثلاثة أبداً وقابِل الحاصل من الضرب بالقفيز الجيّد ، فما زاد على القفيز فهو تبرّعه.

فإن أردت أن تعرف ما صحّت فيه الإقالة ، فزِدْ على تبرّعه بمثل نسبة زيادتك على تبرّع صاحبه ، فالمبلغ هو الذي صحّت الإقالة فيه.

مثاله في الصورة الاُولى : نقول : القفيز الجيّد ثمانية والردي‌ء أربعة ، فالردي‌ء نصف الجيّد ، فالتبرّع في ثلاثة أثمان ونصف ثمن ، وإذا نسبنا الردي‌ء إلى أصل المحاباة ، وجدناه مثله ؛ لأنّ المحاباة عشرة من عشرين ، فنزيد على المتبرّع مثله يبلغ سبعة أثمان ، فهو الذي صحّ البيع فيه.

فإذا أردنا أن نعرف تبرّع المقيل ، ضربنا تبرّع الأوّل في ثلاثة يكون عشرة ونصفا ، وزيادة هذا المبلغ على الثمانية اثنان ونصف ، فعرفنا أنّ تبرّعه في ثمنين ونصف.

٣٥

فإذا أردنا أن نعرف ما تصحّ فيه الإقالة ، زِدْنا على الثمنين والنصف مثله يكون خمسة أثمان.

ولا يخفى تخريج الصورة الاُخرى ونحوها على هذه الطريقة.

مسالة ٥٦٢ : إذا جمع في صفقة واحدة بين شيئين ، فإمّا أن يكون في عقدٍ واحد ، وقد تقدّم(١) حكمه. وإمّا أن يكون في عقدين مختلفي الحكم ، كما إذا جمع في صفقة واحدة بين إجارة وسَلَم ، أو نكاح وبيع ، أو إجارة وبيع.

وهو عندنا جائز ، للأصل ، وقوله تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) .

ولأنّهما عقدان يصحّان منفردين ، فجاز جمعهما في عقدٍ واحد ، كما لو تماثلا ، ويقسّط المسمّى على اُجرة المثل وثمن المثل ، أو مهر المثل وثمن المثل ، وهو أصحّ قولي الشافعي(٣) .

وفي الآخر : أنّ العقدين معاً يبطلان ، لأنّهما مختلفا الحكم ، فإنّ الإجارة والسّلم يختلفان(٤) في أسباب الفسخ والانفساخ. وكذا النكاح والبيع ، والإجارة والبيع يختلفان في الحكم أيضاً ، فإنّ التأقيت يشترط في الإجارة ويبطل البيع ، وكمال القبض في الإجارة لا يتحقّق إلّا بانقضاء المدّة ؛ لأنّه قبل ذلك معرض للانفساخ ، بخلاف البيع ، وإذا اختلفت الأحكام ، فربما يعرض ما يوجب فسخ أحدهما ، فيحتاج إلى التوزيع ، وتلزم الجهالة(٥) .

____________________

(١) في ص ٥ ، المسألة ٥٥٠.

(٢) المائدة : ١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٦.

(٤) في « ي » والطبعة الحجريّة : مختلفان.

(٥) نفس المصدر في الهامش (٣).

٣٦

وهو غلط ؛ فإنّ اختلاف الحكم لا أثر له ، كما لو باع شقص دار وثوباً ، فإنّهما اختلفا في حكم الشفعة واحتجنا إلى التوزيع فيه(١) .

وصورة الإجارة والسَّلَم أن يقول : آجرتك هذه الدار سنة ، وبعتك العبد سَلَماً بكذا. والإجارة والبيع : أن يقول : بعتك هذا الثوب وآجرتك داري سنة بكذا. والنكاح والبيع : بعتك هذه الجارية وزوّجتك ابنتي بكذا.

وعلى قولي الشافعي ما إذا جمع بين [ بيع ](٢) عين وسَلَم ، أو بيع صرف وغيره بأن باع ديناراً وثوباً بدراهم ؛ لاختلاف الحكم ، فإنّ قبض رأس المال شرط في السَّلَم ، والتقابض شرط في الصرف ، ولا يشترط ذلك في سائر البيوع(٣) .

ولو قال : زوّجتك ابنتي وبعتك عبدها بكذا ، فهو جمع بين بيع ونكاح ، ولا خلاف في صحّة النكاح ، أمّا البيع والمسمّى في النكاح فإنّهما عندنا صحيحان أيضاً.

وللشافعي القولان : إن صحّ ، وزّع المسمّى على قيمة المبيع ومهر مثل المرأة ، وإلّا وجب في النكاح مهر المثل عنده(٤) .

ولو جمع بين بيع وكتابة بأن قال لعبده : كاتبتك على نجمين ، وبعتك عبدي بألف ، صحّا عندنا.

وأمّا الشافعي : فإن حكم بالبطلان في صورة النكاح ، فهنا أولى ، وإلّا فالبيع باطل ؛ إذ ليس للسيّد البيع منه قبل أداء النجوم. وفي الكتابة‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « بسببه » بدل « فيه ».

(٢) إضافة من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٧.

٣٧

قولان(١) .

وقال بعض الشافعيّة : هذا لا يعدّ من صُور تفريق الصفقة ؛ لأنّا في قولٍ نُبطل العقدين جميعاً ، وفي قولٍ نصحّحهما جميعاً ، فلا تفريق(٢) .

مسالة ٥٦٣ : إنّما يثبت الخلاف لو اتّحدت الصفقة‌ ، أمّا إذا تعدّدت ، فلا ، بل يصحّ الصحيح ، ويبطل الباطل ، فلو باع مالَه في صفقةٍ ومالَ غيره في اُخرى ، صحّت الاُولى إجماعاً ، ويتعدّد العقد إذا عيّن لكلّ شي‌ء ثمنا مفصّلاً ، فيقول : بعتك هذا بكذا ، وهذا بكذا ، فيقول المشتري : قبلت ذلك على التفصيل.

ولو جمع المشتري بينهما في القبول ، فقال : قبلت فيهما ، فكذلك - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ القبول ترتّب على الإيجاب ، فإذا وقع مفرّقاً ، فكذا القبول.

وقال بعض الشافعيّة : إن لم نجوّز تفريق الصفقة ، لم يجز الجمع في القبول(٤) .

ولو تعدّد البائع ، تعدّدت الصفقة أيضاً وإن اتّحد المشتري والمعقود عليه ، كما لو باع اثنان عبداً من رجل صفقةً واحدة ، وبه قال الشافعي(٥) .

وهل تتعدّد الصفقة بتعدّد المشتري خاصّة ، كما لو اشترى اثنان عبداً من رجل؟ المشهور عند علمائنا : عدم التعدّد ، فليس لهما الافتراق في الردّ بالعيب وعدمه ؛ لأنّ المشتري بأنٍ على الإيجاب السابق ، فالنظر إلى مَنْ صدر منه الإيجاب ، وهو أحد قولي الشافعي. وأصحّهما عنده : التعدّد ، كما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧.

(٥-٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

٣٨

في طرف البائع(١) .

مسالة ٥٦٤ : من فوائد التعدّد والاتّحاد : أنّا إذا حكمنا بالتعدّد فوفّى أحد المشتريين نصيبه من الثمن ، وجب على البائع تسليم قسطه من المبيع ، كما يسلّم المشاع. وإن حكمنا بالاتّحاد ، لم يجب تسليم شي‌ء إلى أحدهما وإن وفّى جميع ما عليه حتى يوفي الآخر ؛ لثبوت حقّ الحبس للبائع ، كما لو اتّحد المشتري ووفّى بعض الثمن ، لا يسلّم إليه قسطه من المبيع.

وفيه وجه للشافعيّة : أنّه يسلّم إليه قسطه إذا كان المبيع ممّا يقبل القسمة(٢) .

ومنها : أنّا إذا قلنا بالتعدّد ، فلو خاطب واحد رجلين ، فقال : بعت منكما هذا العبد بألف ، فقَبِل أحدهما نصفه بخمسمائة ، ففي صحّته للشافعيّة وجهان : الصحّة ، لأنّه في حكم صفقتين. وأصحّهما : البطلان ، لأنّ الإيجاب وقع عليهما ، وأنّه يقتضي جوابهما جميعاً(٣) .

ويجري الوجهان فيما لو قال مالكا عبدٍ لرجلٍ : بِعْنا منك هذا العبد بألف ، فقبل نصيب أحدهما بعينه بخمسمائة(٤) .

ولو باع رجلان عبدا مشتركا بينهما من إنسان ، هل لأحدهما أن ينفرد بأخذ شي‌ء من الثمن؟ وجهان للشافعيّة ، أحدهما : لا. والثاني : نعم(٥) .

والأوّل مذهبنا مع اتّحاد الصفقة.

مسالة ٥٦٥ : هل الاعتبار في الوحدة والتعدّد بالعاقد الوكيل أو المعقود له الموكّل‌ ، كما لو وكّل رجلان رجلاً بالبيع أو بالشراء وقلنا : إنّ الصفقة‌

____________________

(٤-١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ ، المجموع ٩ : ٣٨٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٨.

٣٩

تتعدّد بتعدّد المشتري ، أو وكّل رجل رجلين بالبيع أو الشراء؟ فيه للشافعيّة وجوه :

أحدها : أنّ الاعتبار بالعاقد ؛ لأنّ أحكام العقد تتعلّق به ، ولهذا يعتبر رؤيته دون رؤية الموكّل ، وخيار المجلس يتعلّق به دون الموكّل.

والثاني : أنّ الاعتبار بالمعقود له ؛ لأنّ الملك يثبت له.

والثالث : أنّ الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له ، وفي طرف الشراء بالعاقد.

والفرق : أنّ العقد يتمّ في جانب الشراء بالمباشر دون المعقود له ، وفي جانب البيع لا يتمّ بالمباشر حتى لو أنكر المعقود له الإذن ، بطل البيع.

وهذا الفرق إنّما يتمّ فيما إذا كان الشراء بثمن في الذمّة ، أمّا إذا وكّله في الشراء بمعيّن ، فهو كالوكيل بالبيع.

والرابع : أنّ الاعتبار في جانب الشراء بالموكّل ، وفي البيع بهما جميعاً ، فأيّهما تعدّد تعدّد العقد ، لأنّ العقد يتعدّد بتعدّد الموكّل في حقّ الشفيع ، ولا يتعدّد بتعدّد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصاً لاثنين ، كان للشفيع أن يأخذ حصّة أحدهما ، وبالعكس لو اشترى وكيلان شقصا لواحدٍ ، لم يجز للشفيع أخذ بعضه ، وفي جانب البيع حكم تعدّد الوكيل والموكّل واحد حتى لو باع وكيل رجلين شقصاً من رجل ، ليس للشفيع أخذ بعضه ، وإذا ثبت ما ذكرناه في حكم الشفعة ، فكذا في سائر الأحكام(١) .

ويتفرّع على هذه الوجوهفروع :

أ - لو اشترى شيئاً بوكالة رجلين ، فخرج معيباً ، وقلنا : الاعتبار‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥٨ - ١٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٨ - ٩٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٥ - ٣٨٦.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381