تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء5%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119816 / تحميل: 5661
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

تصرّفه ، لم يكن له ردّه ، وكان له على المشتري الأرش.

ثمّ إن كان الشفيع دفع إليه أوّلاً قيمة عبدٍ سليم ، فلا يرجع عليه بشي‌ء.

وإن كان دفع قيمة معيب ، فالأقرب : أنّه يرجع عليه - وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ الثمن الذي استقرّ على المشتري العبد والأرش ، فينبغي أن يرجع بهما.

والثاني : أنّه لا يرجع ؛ لأنّه استحقّه بما سمّي في العقد(٢) .

قال بعض الشافعيّة : ينبغي أن يرجع هنا وجهاً واحداً ، بخلاف ما تقدّم من قيمة الشقص ؛ لأنّ العقد اقتضى سلامة العبد ، وما دفع إلّا ما اقتضاه العقد ، بخلاف قيمة الشقص ، ولهذا إذا كان دفع إليه قيمة عبدٍ سليم ، لم يكن للشفيع أن يرجع عليه بقدر قيمة العيب ، فإذا لم يدفعه ، وجب دفْعه ، فثبت أنّه مستحقّ عليه بالبيع(٣) .

ولو رضي البائع بالعيب ولم يردّ ولا أخذ الأرش ، فالأقوى : أنّ الشفيع يدفع قيمة العبد السليم؛ لأنّ ذلك نوع إسقاط من الثمن بعد العقد ، فلا يلحق الشفيع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : تجب على الشفيع قيمة المعيب حتى لو بذل قيمة السليم ، استردّ قسط السلامة من المشتري(٤) .

وغلّط الجويني قائلَه(٥) .

تذنيب : للمشتري ردّ الشقص بالعيب على البائع ، وللشفيع ردّه على المشتري بالعيوب السابقة على البيع وعلى الأخذ. ثمّ لو وجد المشتري العيب بعد أخذ الشفيع ، فلا ردّ في الحال ، ولا أرش له على مذهب‌

____________________

(١ - ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٨١

الشافعي(١) ، المشهور. ويجي‌ء فيه الخلاف فيما إذا باعه. ولو ردّ عليه الشفيع بالعيب ، ردّه حينئذٍ على البائع.

ولو وجد المشتري عيب الشقص قبل أخذ الشفيع ومَنَعه عيبٌ حادث من الردّ فأخذ الأرش القديم ، حطّ ذلك عن الشفيع.

وإن قدر على الردّ لكن توافقا على الأرش ، صحّ عندنا ؛ لأنّ الأرش أحد الحقّين.

وللشافعيّة وجهان إن صحّحناها(٢) ، ففي حطّه عن الشفيع وجهان أصحّهما عندهم : الحطّ. والثاني : لا ؛ لأنّه تبرّع من البائع(٣) ، وهو الذي اخترناه نحن.

مسالة ٧٥٥ : تثبت الشفعة للمفلَّس‌ ، فإذا بِيع شقص في شركته ، كان له الأخذ والعفو ، ولم يكن للغرماء الاعتراض عليه ؛ لأنّه إذا أراد الترك ، لم نجبره على الأخذ ؛ لأنّه تملّك ، وإن أراد الأخذ فإنّما يأخذ بثمن في ذمّته ، وليس بمحجور عليه في ذمّته.

ولو مات مفلَّس وله شقص فباع شريكه ، كان لوارثه الشفعة ، خلافاً لأبي حنيفة(٤) .

وللمكاتب أيضاً الأخذ بالشفعة والترك لها ، وليس للسيّد الاعتراضُ عليه ؛ لأنّ التصرّف وقع له دون السيّد ، بل وله الأخذ من سيّده لو كان هو المشتري ، وبالعكس.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢) أي الموافقة التي دلّ عليها قوله : « توافقا ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤ - ١٧٥.

(٤) المغني ٥ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٧.

٢٨٢

والمأذونِ له في التجارة ، فإن أخذ بالشفعة ، جاز ؛ لأنّه مأذون له في الشراء ، وإن عفا ، كان للسيّد إبطال عفوه ؛ لأنّ الملك للسيّد ، فإن أسقطها السيّد ، سقطت ، ولم يكن للعبد أن يأخذ، لأنّ للسيّد الحجر عليه.

وللوكيل العامّ الأخذ بالشفعة مع الغبطة. ولو عفا معها ، صحّ عفوه ، ولم يكن للموكّل المطالبة بها.

وللسفيه أن يأخذ بالشفعة ، ويأذن الوليّ أو يتولّاه.

إذا عرفت هذا ، فلو أراد المفلَّس بعد الحجر عليه الأخذ بالشفعة بدفع الثمن ، مُنع من ذلك؛ لأنّ الحجر يقتضيه.

مسالة ٧٥٦ : للعامل في المضاربة الأخذُ بالشفعة إذا بِيع شقص في شركة المضاربة‌ ، فإذا أخذُ فإن كان هناك ربح ، فلا حصّة له في ذلك ، بل الجميع للمالك ؛ لأنّ العامل لا يملكه بالبيع ، فالجميع لصاحب المال ، وكذا إن لم يكن ربح ، وللعامل الاُجرة. ولو ترك ، كان لربّ المال الأخذُ ؛ لأنّ المشتري بمال المضاربة ملكه.

هذا إذا لم يظهر في الحصّة التي اشتراها المضارب ربحٌ ، ولو كان قد ظهر فيه ربحٌ ، لم يكن هناك شفعة لا للعامل ولا لربّ المال ؛ لزيادة الشركة على اثنين.

ولو اشترى العامل بمال المضاربة شقصاً لربّ المال فيه شركة ، فهل تثبت له الشفعة؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : تثبت له ؛ لأنّ مال المضاربة كالمنفرد عن ملكه ؛ لتعلّق حقّ الغير به وهو العامل ، ويجوز أن يثبت له على ملكه حقّ لأجل الغير ، كما يثبت له على عبده المرهون حقّ الجناية.

والثاني : لا تثبت ؛ لأنّه لا يجوز أن يستحقّ أن يتملّك ملكه ، ويخالف‌

٢٨٣

الجناية ؛ لأنّها ليست بملك(١) .

وقال ابن سريج وجهاً ثالثاً : أنّ له أن يأخذ بحكم فسخ المضاربة ، وهذا ليس من الشفعة(٢) .

فأمّا إن كان العامل شفيعه ، فإن لم يكن له(٣) ربحٌ ، فله الشفعة ، وإن كان وقلنا : لا يملك بالظهور ، فكذلك. وإن قلنا : يملك بالظهور ، ففي الشفعة للشافعيّة وجهان(٤) ، كما قلنا في ربّ المال.

مسالة ٧٥٧ : الشفعة تثبت للغائب كما تثبت للحاضر‌ ، عند علمائنا كافّة ، وهو قول جميع العامّة ، إلّا النخعي ؛ فإنّه قال : الشفعة تسقط بالغيبة(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ العمومات دالّة على المتنازع.

وما رواه الخاصّة عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام قال(٦) : « للغائب شفعة »(٧) .

إذا ثبت هذا ، فإذا بلغه الخبر ، طالَب حينئذٍ ، فإن أخّر مع إمكان المطالبة ، بطلت شفعته.

مسالة ٧٥٨ : اختلفت علماؤنارحمهم‌الله في أنّ الشفعة هل تورث أم لا؟

فقال السيّد المرتضى(٨) ومَنْ(٩) تبعه : إنّها تورث ، ولا تسقط بموت‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٢٧٤.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٧٥.

(٣) كلمة « له » لم ترد في « س » وفي « ي » سقطت جملة « فإن لم يكن فله الشفعة ».

(٤) المغني ٥ : ٤٩٩.

(٥) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧١ ، المغني ٥ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٧.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فإن » بدل « قال ». وذلك تصحيف.

(٧) الفقيه ٣ : ٤٦ / ١٦٠ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٧.

(٨) الانتصار : ٢١٧.

(٩) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٧ ، المسألة ٣٦.

٢٨٤

مستحقّها ولا بترك مطالبته إن قلنا : إنّها على التراخي أو كان بعدها(١) إن قلنا : على الفور - وبه قال الشافعي ومالك وعبيد الله بن الحسن العنبري(٢) - لأنّه حقٌّ يتعلّق بالمال ، فكان موروثاً كغيره من الحقوق الماليّة. ولأنّه خيار ثابت لإزالة الضرر عن المال ، فكان موروثاً ، كخيار الردّ بالعيب.

وقال الشيخ(٣) وجماعة من علمائنا(٤) : إنّها غير موروثة ، وإذا مات المستحقّ ، بطلت - وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل(٥) - لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عن الباقر عن عليّعليهم‌السلام : ، قال : « لا شفعة إلّا لشريك [ غير ](٦) مقاسم » وقال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يشفع في المحدود ، وقال : لا تورث الشفعة »(٧) .

ولأنّه خيار لاستخلاف مالٍ ، فيبطل(٨) بالموت ، كخيار القبول.

وفي طريق الرواية قول ؛ لأنّ طلحة بن زيد بتريّ.

والفرق أنّ خيار القبول غير ثابت ، فإنّ للموجب أن يُبطله قبل قبول القابل.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بعده ». والظاهر ما أثبتناه. أي : كان الموت بعد المطالبة.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ / ١٩٦٦ ، المغني ٥ : ٥٣٦ - ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٦.

(٣) الخلاف ٣ : ٤٣٦ ، المسألة ١٢ ، النهاية : ٤٢٥ - ٤٢٦.

(٤) كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٥٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٩.

(٥) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤ و ٢٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ / ١٩٦٦ ، المغني ٥ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٦.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٧) التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٤١.

(٨) في « س ، ي » : « فبطل ».

٢٨٥

إذا ثبت هذا ، فإنّ الشفعة تثبت للورثة على قدر الأنصباء ، فللزوجة الثّمن ، وللأبوين السدسان ، وللذكر الباقي لو اجتمعوا. وبالجملة ، على قدر الميراث.

واختلفت الشافعيّة ، فقال بعضهم : إنّ الشافعي قال : إنّها على عدد الرؤوس ، ونقله المزني عنه. وقال بعضهم : هذا لا يحفظ عن الشافعي ، فإنّ الجماعة إذا ورثوا أخذوا الشفعة بحسب فروضهم قولاً واحداً ؛ لأنّهم يرثون الشفعة عن الميّت ، لا أنّهم يأخذونها بالملك. وقال جماعة من الشافعيّة : إنّها على قولين(١) .

إذا عرفت هذا ، فإذا كان الوارث اثنين(٢) فعفا أحدهما ، صحّ عفوه في حقّ نفسه ، وسقط نصيبه من الشفعة بمعنى أنّه ليس له المطالبة بها ، وللآخَر جميع الشقص ؛ لأنّها شفعة وُضعت لإزالة الضرر ، فلا يثبت بها الضرر. ولأنّها شفعة تثبت لاثنين ، فإذا عفا أحدهما توفّر على الآخَر، كالشريكين إن أثبتنا الشفعة مع الكثرة - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - وكما لو عفا أحد الوارثين عن نصيبه في حدّ القذف.

والثاني لهم : أنّ حقّ الآخَر يسقط أيضاً ؛ لأنّهما ينوبان مناب الموروث ، ولو عفا الموروث عن بعضها ، سقط جميعها(٤) .

والفرق : أنّ الشفعة تثبت لواحدٍ هو الموروث. ولأنّه يؤدّي إلى تبعيض الشقص ، بخلاف مسألتنا.

والوجه عندي أنّ حقّ العافي للمشتري ؛ لأنّهما لو عفوا معاً ، لكان‌

____________________

(١) اُنظر : الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩ ، وحلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ - ٥٢٨ ، وروضة الطالبين ٤ : ١٨٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « اثنان ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣ و ٤ ) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩.

٢٨٦

الشقص له ، فكذا إذا عفا أحدهما ، يكون نصيبه له ، بخلاف حدّ القذف ؛ فإنّه وُضع للزجر ، فللّه تعالى فيه حقٌّ.

مسالة ٧٥٩ : إذا خرج الشقص مستحقّاً ، كانت عهدة المشتري فيه على البائع ، وعهدة الشفيع على المشتري ، سواء أخذ الشفيع الشقص من يد البائع أو من يد المشتري ؛ لأنّ المشتري يجب عليه أن يتسلّمه من البائع ويسلّمه إلى الشفيع ، فإن غاب أو امتنع ، أقام الحاكم مَنْ يسلّمه إلى المشتري ويسلّمه إلى الشفيع. ولو حكم الحاكم بتسلّمه منه ، كان كما لو سلّمه المشتري ؛ لأنّ التسليم حقّ على المشتري - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ الشفعة مستحقّة بعد الشراء وحصول ذلك للمشتري ، فإذا زال الملك من المشتري إليه بالثمن ، كانت العهدة عليه ، كالمشتري مع البائع ، بخلاف الشفيع.

وأمّا إذا أخذه من البائع ، فقد قلنا : إنّه يأخذه بأمر الحاكم إن أذن له في ذلك ؛ لأنّه تسليم مستحقّ على المشتري ، لينوب ذلك مناب قبض المشتري.

ولو انفسخ عقد المشتري ، بطلت الشفعة ؛ لأنّها استحقّت به.

وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتّي : تجب عهدة الشفيع على البائع ؛ لأنّ الحقّ ثبت له بإيجاب البائع ، فصار كالمشتري(٢) .

وقال أبو حنيفة : إن أخذه من المشتري ، كانت العهدة على‌

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٠ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٢ / ١٩٥٠ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.

٢٨٧

المشتري ، وإن أخذه من يد البائع ، كانت العهدة على البائع ؛ لأنّ الشفيع إذا أخذه من يد البائع ، تعذّر القبض ، وإذا تعذّر القبض ، انفسخ البيع بين البائع والمشتري ، فكأنّ الشفيع - إذا أخذ من البائع - مبتاع منه(١) .

وهو خطأ ؛ لأنّه لو انفسخ البيع بطلت الشفعة.

تذنيب : لو أخذ الشفيع الشقص وبنى أو غرس ثمّ ظهر الاستحقاق ، وقلع المستحقّ بناءه وغرسه ، فالقول فيما يرجع الشفيع على المشتري من الثمن وما نقص من قيمة البناء والغراس وغير ذلك كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه.

مسالة ٧٦٠ : لو كان الثمن دنانير معيّنة‌ ، تعيّنت بالعقد على قولنا وقول الشافعي(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) ، وقد سبق(٤) . فإذا تعيّنت وظهر أنّها مستحقّة ، فالشراء والشفعة باطلان.

ولو كان الشراء بمالٍ في الذمّة ، لم يتعيّن في المدفوع ، فلو ظهر المدفوع مستحقّاً ، لم يبطل البيع ولا الشفعة ؛ لأنّ الشراء صحيح ، والشفعة تابعة له.

ولو استحقّت الدنانير التي وزنها الشفيع ، لم تبطل الشفعة ، سواء أخذ الشفعة بعين تلك الدنانير المستحقّة أو بدنانير في ذمّته ؛ لأنّه استحقّ الشفعة لا بعين ما دفعه ، بل بما يساوي الثمن الذي دفعه المشتري ، وهو أمر كلّيّ‌

____________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٢ / ١٩٥٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٤) من ص ٤٢٧ من ج ١٠ من هذا الكتاب.

(٣) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٤٢٨ من ج ١٠ من هذا الكتاب.

(٤) في ج ١٠ ، ص ٤٢٧ - ٤٢٨ ، المسألة ٢١٥.

٢٨٨

يشتمل على كلّ النقود ، فاذا أعطاه شيئاً وظهر استحقاقه ، كان عليه إبداله ؛ لأنّ الدفع ظهر بطلانه ، ولا تبطل شفعته ، وليس ذلك تركاً للشفعة ؛ لأنّه يجوز أن يعتقدها له أو تغلط البيّنة عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : البطلان ؛ لأنّه إذا أخذ بما لا يجوز الأخذ به ، صار كأنّه تركها مع القدرة عليه(١) .

ويُمنع أنّه ترك.

مسالة ٧٦١ : لو كان الثمن عبداً وأخذ الشفيع الشقص بقيمة العبد ثمّ خرج العبد مستحقّاً، فإن قامت البيّنة أنّه مغصوب ، أو أقرّ المتبايعان والشفيع أنّه مغصوب ، حكمنا ببطلان البيع والشفعة ، ويردّ العبد على صاحبه ، والشقص على بائعه ؛ لأنّ البيع إذا كان باطلاً ، لا تثبت فيه الشفعة.

فإن لم تقم البيّنة بذلك وإنما أقرّ به المتبايعان وأنكر الشفيع ، لم يقبل قولهما عليه ، ويردّ العبد على صاحبه ؛ لاعترافهما باستحقاقه له ، ويرجع البائع على المشتري بقيمة الشقص ؛ لاعتراف المشتري ببطلان البيع وقد تعذّر عليه دفع المبيع ، فكان كالإتلاف. وينبغي أن لا يرجع أحدهما بالفضل على صاحبه لو كان ؛ لأنّ الشفيع منكر لاستحقاق قيمة الشقص ، وبه قال الشافعي(٢) .

مسالة ٧٦٢ : قد بيّنّا أنّ الشفعة تتبع البيع دون غيره من العقود مطلقاً.

وأثبت الشافعي الشفعة في عقود المعاوضات(٣) .

إذا عرفت هذا ، فنقول : دية الموضحة عندنا خمس من الإبل ، أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

٢٨٩

خمسون ديناراً ، أو خمسمائة درهم ، أو خمسون شاةً ، أو عشرة من البقر ، أو من الحلل(١) على ما يأتي.

وعند الشافعي أنّها خمس من الإبل ، فإن أعوزت ، فقولان ، أحدهما : ينتقل إلى مقدّر ، وهو خمسون ديناراً أو خمسمائة درهم نصف عُشْر الدية. والثاني : إلى قيمتها.

فإن أعوزت الإبل وقلنا : ينتقل إلى مقدّر فصالَحَه منه على شقص مع معرفته ، صحّ الصلح ، وتثبت فيه الشفعة عنده بالعوض.

وإن قلنا : ينتقل إلى قيمتها فإن علماها وذكراها وتصالحا عليها ، صحّ ، وتثبت الشفعة أيضاً بذلك. وإن لم يعلما أو أحدهما ، لم يصح الصلح ، ولا تثبت شفعة.

وإن كانت الإبل موجودة فاصطلحا بالشقص عنها ، فإن كانا لا يعلمان ذلك ، ففي الصلح عنها قولان :

أحدهما : يصحّ ؛ لأنّها معلومة العدد والأسنان ، وإنّما يجهل قدّها ولونها ، وذلك يقتضي أقلّ ما يقع عليه الاسم.

والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّ القدّ واللون مقصودان ، فإذا جهل(٢) ، لم يصح الصلح ، فإذا قلنا : يصحّ ، تثبت الشفعة ، وأخذ الشقص بقيمة الإبل. وإذا قلنا : لا يصحّ الصلح ، لم تثبت شفعة(٣) .

وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسالة ٧٦٣ : إذا ارتدّ المشتري فقتل أو مات قبل رجوعه إلى‌

____________________

(١) كذا ، حيث لم يذكر المصنّفقدس‌سره عدد الحلل.

(٢) كذا ، والظاهر : « جُهلا ».

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٩٠

الإسلام ، كان للشفيع أخذه بالشفعة ؛ لأنّه استحقّها بالبيع ، والانتقال بالموت أو القتل لا يخرجه عن الاستحقاق ، كما لو مات المشتري بعد البيع ، كان للشفيع الأخذُ بالشفعة.

قال الشافعي : إنّه بقتله أو موته ينتقل الشقص عنه إلى المسلمين(١) ، وذلك لا يمنع الشفعة ، كما لو اشترى شقصاً فيه شفعة ثمّ باعه ، ويكون المطالب الإمام أو نائبه. وعندنا إلى ورثته إن كان له وارث مسلم ، وإلّا كان ميراثه للإمام ، فتكون الشفعة على من انتقل الملك إليه.

ولو ارتدّ الشفيع وقُتل بالردّة أو مات ، كانت الشفعة للمسلمين عند الشافعي(٢) - وعندنا لوارثه - إن كان قد طالَب بها ، وإن لم يطالب ، فإن جعلناه كالكافر ، سقطت شفعته ، وهو الأقوى عندي. وإن جعلناه كالمسلم ، فالشفعة لوارثه.

ولو مات الشفيع المسلم ولا وارث له ، انتقل نصيبه إلى الإمام عندنا ، وعند الشافعي إلى المسلمين(٣) . فعلى قولنا يكون المستحقّ للشفعة الإمامَ ، وعلى قوله المسلمون ، ويطالب لهم الإمام.

مسالة ٧٦٤ : إذا اشترى شقصاً فيه شفعة ووصّى به فمات ثمّ جاء الشفيع والموصى له يطالبان ، كان الشقص للشفيع ؛ لسبق استحقاقه ، ويدفع الثمن إلى الورثة دون الموصى له ؛ لأنّه لم يوصَ له إلّا بالشقص وقد سقط حقّه.

____________________

(١ و ٢ ) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٢.

(٣) اُنظر : الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ - ٢٥٨.

٢٩١

البحث الخامس : في التنازع.

مسالة ٧٦٥ : لو اختلف المشتري والشفيع في قدر الثمن‌ ، فقال المشتري : اشتريته بمائة ، وقال الشفيع : بل بخمسين ، فأيّهما أقام البيّنة على ما ادّعاه حُكم له بها.

ويثبت ذلك بشاهدَيْن وشاهدٍ وامرأتين ، وشاهدٍ ويمين ؛ لأنّه مال.

ولا تُقبل فيه شهادة البائع ؛ لأنّه يشهد على فعل نفسه ، وقد تلحقه التهمة إذا شهد للشفيع ، فإنّه إذا نقص الثمن نقص ضمان الدرك ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّه يشهد بحقّ لنفسه وفعل نفسه(١) .

وقال بعض أصحابه : تُقبل ؛ لأنّه لا يجرّ لنفسه نفعاً ، والثمن ثابت له بإقرار المشتري(٢) .

وقد ذكرنا في القواعد(٣) احتمالاً حسناً ، وهو أنّه تُقبل شهادة البائع على الشفيع بعد القبض، وللشفيع بدون القبض ؛ لأنّه إذا شهد على الشفيع بالمائة ، انتفت التهمة عنه ؛ لاعترافه بأنّه ضامن لمائة ، وإذا شهد له بخمسين قبل القبض ، فقد اعترف أنّه لا يستحقّ على المشتري أكثر من الخمسين ، وأنّ المشتري لا يجب عليه أكثر منها ، فإذا دفعها ، برئت ذمّته باعترافه ، وكان ضامناً لها خاصّة ؛ إذ لا يقبض البائع أكثر منها.

ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً ، قال الشيخرحمه‌الله : تُقدّم بيّنة المشتري ؛ لأنّه هو المدّعي للثمن ، والشفيع ينكره(٤) . ولأنّه أعلم بعقده - وهو أحد قولي‌

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٢٦٧.

(٤) الخلاف ٣ : ٤٣١ - ٤٣٢ ، المسألة ٦ من كتاب الشفعة.

٢٩٢

الشافعي(١) - كما تُقدّم بيّنة الداخل على الخارج ، و [ المشتري ](٢) هنا داخل. ولأنّ [ المشتري](٣) كالبائع ، فيقدّم قوله في قدر الثمن عندنا مع بقاء السلعة ، وبه قال أبو يوسف(٤) أيضاً.

وقال أبو حنيفة ومحمّد : القول قول الشفيع ؛ لأنّه منكر. ولأنّه الخارج(٥) .

ولا بأس به عندي.

وللشافعي قولٌ آخَر : إنّ البيّنتين تتعارضان هنا ، ولا تُقدّم بيّنة المشتري لأجل اليد ؛ لأنّهما لا يتنازعان في اليد ، وإنّما يتنازعان فيما وقع عليه العقد ، فحينئذٍ تسقطان ، ويكون الحال كما لا بيّنة لواحدٍ منهما(٦) .

وقال بعض الشافعيّة : يقرع وتُقدّم بالقرعة. وهل يحلف مَنْ خرجت له القرعة؟ قولان(٧) .

ولو لم يكن لواحدٍ منهما بيّنة ، قُدّم قول المشتري مع يمينه ؛ لأنّه المالك ، فلا تزول يده إلّا بما يدّعيه إذا لم تكن بيّنة ، كما أنّ المشتري لا يملك المبيع إلّا بما يقرّ به البائع من الثمن.

لا يقال : الشفيع غارم فيُقدّم قوله ، كما في الغاصب والمتلف والضامن لنصيب شريكه إذا أعتق شريكه نصيبه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

(٢ و ٣ ) بدل ما بين المعقوفين في الموضعين في النسخ الخطّيّة والحجريّة « الشفيع ».

وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤ و ٥ ) بدائع الصنائع ٥ : ٣١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٦ ، المغني ٥ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٥.

(٦ و ٧ ) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٦.

٢٩٣

لأنّا نقول : الشفيع ليس بغارم ؛ لأنّه لا شي‌ء عليه ، وإنّما يريد أن يتملّك الشقص ، بخلاف الغاصب والمتلف ، وأمّا المعتق فإن [ قلنا : ](١) العتق يسري باللفظ ، فقد وجب عليه قيمته وهو غارم ، وإذا قلنا : يسري بأداء القيمة أو مراعى ، كان القول قول المالك ؛ لأنّ العتق لا يثبت عليه القيمة مثل مسألتنا.

لا يقال : لِمَ لا قلتم : يتحالف المشتري والشفيع ، كما قلتم في البائع والمشتري إذا اختلفا في الثمن؟

لأنّا نقول : إذا اختلف المتبايعان ، فكلٌّ منهما مُدّعٍ ومدّعى عليه ، فتحالفا ، وليس كذلك هنا؛ فإنّ الشفيع مُدّعٍ للشقص ، والمشتري لا يدّعي عليه شيئاً ؛ لأنّ المشتري إذا ثبت له ما قال، كان الشفيع بالخيار. ولأنّ المتبايعين قد باشرا العقد ، بخلاف الشفيع والمشتري.

ولو نكل المشتري عن اليمين ، حلف الشفيع على دعواه ، وأخذ بما ادّعاه.

ولو شهد البائع للشفيع ، فللشافعيّة وجوه :

أحدها : لا تُقبل ، وقطع به العراقيّون ؛ لأنّه يشهد على فعله ، كما مرّ.

والثاني : نعم ، وصحّحه البغوي ؛ لأنّه ينقض حقّه.

والثالث : إن شهد قبل قبضه الثمن ، قُبلت ؛ لأنّه ينقض حقّه ؛ إذ لا يأخذ أكثر ممّا شهد به. وإن شهد بعده ، فلا ؛ لأنّه يجرّ إلى نفسه نفعاً ، فإنّه إذا قلّ الثمن قلّ ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق(٢) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

٢٩٤

تذنيب : لو ادّعى المشتري أنّ هذا البناء ممّا أحدثه بعد الشراء وأنكر ذلك الشفيعُ ، قُدّم قول المشتري ؛ لأنّ ذلك ملكه ، والشفيع يريد تملّكه عليه ، فكان القول قول المالك ، وبه قال ابن سريج(١) .

مسالة ٧٦٦ : إذا اختلف المتبايعان في الثمن‌ ، فقد قلنا : إنّ القول قول البائع مع يمينه مع بقاء السلعة ، فإذا حلف البائع ، أخذ من المشتري ما حلف عليه.

ثمّ الشفيع إن صدّق البائع ، دفع ما حلف عليه ، وليس للمشتري المطالبة به ؛ لأنّه يدّعي أنّ ما أخذه البائع زائداً عمّا ادّعاه ظلم ، فلا يطالب غير مَنْ ظلمه.

وإن لم يعترف بما قال البائع ، أدّى ما ادّعاه المشتري ثمناً.

ولو قلنا : إنّ القول قول المشتري في الثمن فيثبت قول البائع بالبيّنة أو باليمين المردودة ، فالحكم كما تقدّم.

وتُقبل شهادة الشفيع للبائع ؛ لأنّه الغارم في الحقيقة أن أخذ الشفعة ، وإلّا فلا تهمة ، ولا تُقبل للمشتري ؛ لأنّه متّهم في تقليل الثمن ، فإنّه يدفع عن نفسه المطالبة بالزائد.

ولو تحالفا - كما هو مذهب الشافعي(٢) - عند عدم البيّنة ، وفسخ عقدهما أو انفسخ ، فإن جرى ذلك بعد ما أخذ الشفيع الشقص ، أقرّ في يده ، وعلى المشتري قيمة الشقص للبائع.

وإن جرى قبل الأخذ ، فالأقرب : عدم سقوط حقّه ؛ لاعترافهما معاً بجريان البيع واستحقاقه للشفعة ، فيأخذها بما قال البائع ؛ لحلفه عليه ،

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

٢٩٥

لا بما حلف عليه المشتري ؛ لأنّ للبائع فسخ البيع ، فإذا أخذه بما قال المشتري ، مُنع منه. وإن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع ، جاز ، وملك الشفيع أخذه بما قال المشتري ، فإن عاد المشتري وصدّق البائع وقال : كنت غالطاً ، فالأقرب : أنّ للشفيع أخذه بما حلف عليه

وللشافعيّة في سقوط الشفعة وجهان سبقا في خروجه معيباً ، فإن قلنا : لا تسقط ، أخذه بما حلف عليه البائع - كما قلناه - لاعتراف البائع باستحقاق الشفيع الأخذ بذلك الثمن ، فيأخذ منه ، وتكون عهدته على البائع خاصّة ، لا على المشتري ؛ لانفساخ عقده(١) .

مسالة ٧٦٧ : لو ادّعى على رجل شفعة في شقص اشتراه‌ ، فقال له المدّعى عليه : ليس لك ملك في شركتي ، قُدّم قول المدّعى عليه مع اليمين ، وكان على طالب الشفعة البيّنة أنّه يملك شقصاً في شركة المشتري - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومحمّد بن الحسن(٢) - لأنّ الملك لا يثبت بمجرّد اليد ، وإذا لم يثبت الملك المستحقّ به الشفعة ، لم تثبت الشفعة. ومجرّد الظاهر لا يكفي ، كما لو ادّعى ولد أمة في يده.

وقال أبو يوسف : إذا كان في يده ، استحقّ به الشفعة ؛ لأنّ الظاهر من اليد الملك(٣) . ولا بأس به عندي.

ولو لم تكن بيّنة ، حلف المشتري - إن ادّعى الطالب علمه بالشركة - على نفي علمه بالشركة ؛ لأنّها يمين على نفي فعل الغير ، فإذا حلف ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠ ، المغني ٥ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٢.

(٣) المغني ٥ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٢.

٢٩٦

سقطت دعواه ، ولا يحلف على نفي شركته. ولو نكل ، حلف الطالب على القطع بأنّه شريك ؛ لأنّها يمين على إثبات فعل ، فإن حلف ، استحقّ الشفعة ، وإن نكل ، سقطت.

فلو اعترف الشريك - بعد نكول الطالب وسقوط شفعته - بصدقه ، كان عليه دفع الحصّة بالشفعة ، ولم يضرّ التأخير ؛ لأنّه لعذر ، ويكون نكوله عن اليمين عذراً له في التأخير على إشكال.

وكذا الحكم لو أنكر تقدّم ملك الطالب على ملكه.

مسالة ٧٦٨ : دار بين اثنين فغاب أحدهما ورأينا نصيبه في يد ثالثٍ‌ ، فادّعى الحاضر أنّه اشتراه ، وأنّه يستحقّه بالشفعة ، فإن أقام المدّعي بيّنةً بالشراء وأقام المتشبّث بيّنةً(١) ، قضي بها ، وأخذ بالشفعة.

ثمّ إن اعترف المدّعى عليه ، سلّم إليه الثمن ؛ لثبوت البيع بالبيّنة.

وإن لم يعترف ، فإمّا أن يترك الثمن في يد المدّعي إلى أن يقرّ المدّعى عليه ، أو يأخذه القاضي حافظاً له ، أو يجبر على قبوله أو الإبراء منه ، فيه احتمالات ثلاثة.

ولو أقام المدّعي بيّنةً بالشراء وأقام المتشبّث بيّنةً بأنّه ورثه أو اتّهبه ، تعارضت البيّنتان ؛ لأنّ الشراء والميراث متنافيان ، وكذا الشراء والاتّهاب.

ومع التعارض يكون له حكم عندنا سيأتي في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى.

وعند الشافعي قولان : التساقط ، واستعمالهما ، وسيأتي.

ولو أقام المتشبّث أنّ الغائب أودعه إيّاه أو أعاره ، فإن لم يكن‌

____________________

(١) كذا ورد قوله : « وأقام المتشبّث بيّنةً ». والظاهر زيادتها.

٢٩٧

للبيّنتين تأريخ أو كان تأريخ الإيداع سابقاً ، قضي بالشفعة ؛ لعدم التنافي بين البيّنتين ؛ لجواز أن يودعه ثمّ يبيعه.

ولو سبق تأريخ البيع ، فلا منافاة أيضا ، لاحتمال أنّ البائع غصبه بعد البيع ثمّ ردّه إليه بلفظ الإيداع ، أو بردّ مطلق فاعتمده الشهود ، أو يكون المشتري قد عجز عن الثمن ، فقال له البائع : خذه وديعة إلى أن تجد الثمن فتزنه وتقبضه.

ولو انتفى الاحتمال - بأن تأخّر تأريخ الإيداع وشهدت بيّنة الإيداع بأنّه أودعه ما هو ملكه ، وبيّنة الشراء مطلقة - كانت بيّنة الإيداع أولى ؛ لأنّها صرّحت بالملك ، ثمّ يراسل الغائب فإن قال : هو لي وديعة ، بطلت بيّنة الشراء. وإن قال : لا حقّ لي فيه ، قضي ببيّنة الشراء فالشفعة.

ولو صرّحت بيّنة الشراء بالملك فقال : باع ما هو ملكه ، وأطلقت بيّنة الإيداع ، قُدّمت بيّنة الشراء.

وأمّا إذا لم يكن للمدّعي بيّنة ، فالمدّعى عليه إما أن يُقرّ بأنّه كان لذلك الغائب فاشتراه منه ، أو يُنكر أصل الشراء ، أو يقول : اشتريته لفلان. فإن أقرّ ، فالأقرب : أنّه لا يأخذه المدّعي ؛ لأنّ المتشبّت لا يُقبل قوله على الغائب ، فيوقف الأمر حتى يراسل ، فإن أقرّ بصدقه ، أخذه الشفيع ، وإلّا فلا ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والأصحّ عندهم : أنّ للمدّعي أخذه ؛ لتصادقهما على البيع ، ويكتب القاضي في السجلّ أنّه أثبت الشفعة بتصادقهما ، فإذا قدم الغائب ، فهو على حقّه(١) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

٢٩٨

وليس بجيّد ؛ لأنّه حكم على الغائب بغير بيّنة.

وإن أنكر الشراء ، صُدّق في قوله باليمين ؛ لأنّه منكر. ثمّ إمّا أن يُجيب بأنّك لا تستحقّ الشفعة ، أو أنّني لا يلزمني التسليم إليك ، فيحلف كذلك ، ولا يلزمه التعرّض لنفي الشراء ؛ لإمكان أن يكون قد اشتراه مع إسقاط الشريك الشفعة.

وإن تكلّف في الجواب : لم أشتره بل ورثته أو اتّهبته ، ففي كيفيّة الحلف احتمالان :

أحدهما : أنّه يحلف على نفي الشراء ؛ لأنّه أجاب به ، وإذا أجاب بشي‌ء ، فقد أمكنه اليمين عليه حيث عدل إليه في الجواب.

والثاني : أنّه يحلف أنّه لا يستحقّ الشفعة ؛ لأنّه لو أجاب بذلك ، لكفاه ، فكذا في اليمين ، ويمكن أن يكون قد اشتراه بحيث لا تجب فيه شفعة أو سقطت ثمّ تساهل في الجواب بعدم الشراء، فإذا كُلّف اليمين ، عدل إلى ما يمكنه الحلف عليه. وهُما وجهان للشافعيّة(١) .

ولو نكل المدّعى عليه ، حلف الطالب ، واستحقّ الشقص. وفي [ الثمن ](٢) ما تقدّم من الوجوه : إمّا أن يقرّ في يد الشفيع ، أو يقبضه الحاكم ، أو يقهره على القبض أو الإبراء.

وإن قال : اشتريته لفلان ، رجع الحال إلى المضاف إليه ، وسيأتي.

مسالة ٧٦٩ : إذا ادّعى أنّه اشترى شقصاً في شركته وأنّه يستحقّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اليمين ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٩٩

الشفعة عليه ، فإنّه يحتاج إلى أن يحرّر دعواه فيحدّد(١) المبيع الذي يدّعيه ويذكر ثمنه ويدّعي فيه الشفعة ، فإذا فعل ذلك ، سئل المدّعى عليه ، فإن أقرّ ، لزمه ، وإن أنكر فقال : وهب لي أو ورثته ولم أشتره ، أو لا يستحقّ عليّ الشفعة ، قدّم قوله - على ما تقدّم - مع اليمين ، فإن حلف ، سقطت الدعوى ، وإن نكل ، حلف المدّعي ، واستحقّ أخذه بالشفعة.

وأمّا الثمن فإمّا أن يُجعل في ذمّة الشفيع إلى أن يطالبه المشتري ؛ لأنّه أقرّ له بحقّ فأنكره ، فلم يكن له مطالبته ، وإمّا أن يلزمه الحاكم بأخذه أو الإبراء منه إذا سأل ذلك الشفيع - كما أنّ المكاتب إذا حمل لسيّده نجوم الكتابة قيل له : إمّا أن تأخذه أو تبرئ - وإمّا أن يحفظه الحاكم في بيت المال ، فمتى ادّعاه المشتري سلّم إليه ، وإلاّ كان محفوظا عليه ، لأنّ عليه ضررا في بقاء حقّ غيره في ذمّته ، ولهذا إذا طالب من عليه الدّين صاحب الدَّيْن بقبضه ، لزم صاحب الدَّيْن قبضه أو الإبراء منه.

هذا إذا أنكر المشتري الشراء ، والشريك القديم غير معترف بالبيع ، ولو اعترف والشقص في يده ، فإن لم يعترف بقبض الثمن ، ثبتت الشفعة.

وفيه وجهٌ للشافعيّة : أنّها لا تثبت(٢) .

وإذا قلنا بالثبوت ، سلّم الثمن إلى البائع ، والعهدة عليه ؛ لأنّه تلقّى الملك منه حيث لم يعترف المشتري بالشراء ولا بيّنة هناك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : ينصب القاضي أميناً يقبض الثمن منه للمشتري ويدفعه إلى البائع ، ويقبض الشقص من البائع للمشتري ويدفعه إلى‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيجدّد » بالجيم ، وهو غلط.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381