تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381
المشاهدات: 106715
تحميل: 5175


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106715 / تحميل: 5175
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 12

مؤلف:
ISBN: 964-319-224-5
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تصرّفه ، لم يكن له ردّه ، وكان له على المشتري الأرش.

ثمّ إن كان الشفيع دفع إليه أوّلاً قيمة عبدٍ سليم ، فلا يرجع عليه بشي‌ء.

وإن كان دفع قيمة معيب ، فالأقرب : أنّه يرجع عليه - وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ الثمن الذي استقرّ على المشتري العبد والأرش ، فينبغي أن يرجع بهما.

والثاني : أنّه لا يرجع ؛ لأنّه استحقّه بما سمّي في العقد(٢) .

قال بعض الشافعيّة : ينبغي أن يرجع هنا وجهاً واحداً ، بخلاف ما تقدّم من قيمة الشقص ؛ لأنّ العقد اقتضى سلامة العبد ، وما دفع إلّا ما اقتضاه العقد ، بخلاف قيمة الشقص ، ولهذا إذا كان دفع إليه قيمة عبدٍ سليم ، لم يكن للشفيع أن يرجع عليه بقدر قيمة العيب ، فإذا لم يدفعه ، وجب دفْعه ، فثبت أنّه مستحقّ عليه بالبيع(٣) .

ولو رضي البائع بالعيب ولم يردّ ولا أخذ الأرش ، فالأقوى : أنّ الشفيع يدفع قيمة العبد السليم؛ لأنّ ذلك نوع إسقاط من الثمن بعد العقد ، فلا يلحق الشفيع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : تجب على الشفيع قيمة المعيب حتى لو بذل قيمة السليم ، استردّ قسط السلامة من المشتري(٤) .

وغلّط الجويني قائلَه(٥) .

تذنيب : للمشتري ردّ الشقص بالعيب على البائع ، وللشفيع ردّه على المشتري بالعيوب السابقة على البيع وعلى الأخذ. ثمّ لو وجد المشتري العيب بعد أخذ الشفيع ، فلا ردّ في الحال ، ولا أرش له على مذهب‌

____________________

(١ - ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

٢٨١

الشافعي(١) ، المشهور. ويجي‌ء فيه الخلاف فيما إذا باعه. ولو ردّ عليه الشفيع بالعيب ، ردّه حينئذٍ على البائع.

ولو وجد المشتري عيب الشقص قبل أخذ الشفيع ومَنَعه عيبٌ حادث من الردّ فأخذ الأرش القديم ، حطّ ذلك عن الشفيع.

وإن قدر على الردّ لكن توافقا على الأرش ، صحّ عندنا ؛ لأنّ الأرش أحد الحقّين.

وللشافعيّة وجهان إن صحّحناها(٢) ، ففي حطّه عن الشفيع وجهان أصحّهما عندهم : الحطّ. والثاني : لا ؛ لأنّه تبرّع من البائع(٣) ، وهو الذي اخترناه نحن.

مسالة ٧٥٥ : تثبت الشفعة للمفلَّس‌ ، فإذا بِيع شقص في شركته ، كان له الأخذ والعفو ، ولم يكن للغرماء الاعتراض عليه ؛ لأنّه إذا أراد الترك ، لم نجبره على الأخذ ؛ لأنّه تملّك ، وإن أراد الأخذ فإنّما يأخذ بثمن في ذمّته ، وليس بمحجور عليه في ذمّته.

ولو مات مفلَّس وله شقص فباع شريكه ، كان لوارثه الشفعة ، خلافاً لأبي حنيفة(٤) .

وللمكاتب أيضاً الأخذ بالشفعة والترك لها ، وليس للسيّد الاعتراضُ عليه ؛ لأنّ التصرّف وقع له دون السيّد ، بل وله الأخذ من سيّده لو كان هو المشتري ، وبالعكس.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤.

(٢) أي الموافقة التي دلّ عليها قوله : « توافقا ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٤ - ١٧٥.

(٤) المغني ٥ : ٥٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٧.

٢٨٢

والمأذونِ له في التجارة ، فإن أخذ بالشفعة ، جاز ؛ لأنّه مأذون له في الشراء ، وإن عفا ، كان للسيّد إبطال عفوه ؛ لأنّ الملك للسيّد ، فإن أسقطها السيّد ، سقطت ، ولم يكن للعبد أن يأخذ، لأنّ للسيّد الحجر عليه.

وللوكيل العامّ الأخذ بالشفعة مع الغبطة. ولو عفا معها ، صحّ عفوه ، ولم يكن للموكّل المطالبة بها.

وللسفيه أن يأخذ بالشفعة ، ويأذن الوليّ أو يتولّاه.

إذا عرفت هذا ، فلو أراد المفلَّس بعد الحجر عليه الأخذ بالشفعة بدفع الثمن ، مُنع من ذلك؛ لأنّ الحجر يقتضيه.

مسالة ٧٥٦ : للعامل في المضاربة الأخذُ بالشفعة إذا بِيع شقص في شركة المضاربة‌ ، فإذا أخذُ فإن كان هناك ربح ، فلا حصّة له في ذلك ، بل الجميع للمالك ؛ لأنّ العامل لا يملكه بالبيع ، فالجميع لصاحب المال ، وكذا إن لم يكن ربح ، وللعامل الاُجرة. ولو ترك ، كان لربّ المال الأخذُ ؛ لأنّ المشتري بمال المضاربة ملكه.

هذا إذا لم يظهر في الحصّة التي اشتراها المضارب ربحٌ ، ولو كان قد ظهر فيه ربحٌ ، لم يكن هناك شفعة لا للعامل ولا لربّ المال ؛ لزيادة الشركة على اثنين.

ولو اشترى العامل بمال المضاربة شقصاً لربّ المال فيه شركة ، فهل تثبت له الشفعة؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : تثبت له ؛ لأنّ مال المضاربة كالمنفرد عن ملكه ؛ لتعلّق حقّ الغير به وهو العامل ، ويجوز أن يثبت له على ملكه حقّ لأجل الغير ، كما يثبت له على عبده المرهون حقّ الجناية.

والثاني : لا تثبت ؛ لأنّه لا يجوز أن يستحقّ أن يتملّك ملكه ، ويخالف‌

٢٨٣

الجناية ؛ لأنّها ليست بملك(١) .

وقال ابن سريج وجهاً ثالثاً : أنّ له أن يأخذ بحكم فسخ المضاربة ، وهذا ليس من الشفعة(٢) .

فأمّا إن كان العامل شفيعه ، فإن لم يكن له(٣) ربحٌ ، فله الشفعة ، وإن كان وقلنا : لا يملك بالظهور ، فكذلك. وإن قلنا : يملك بالظهور ، ففي الشفعة للشافعيّة وجهان(٤) ، كما قلنا في ربّ المال.

مسالة ٧٥٧ : الشفعة تثبت للغائب كما تثبت للحاضر‌ ، عند علمائنا كافّة ، وهو قول جميع العامّة ، إلّا النخعي ؛ فإنّه قال : الشفعة تسقط بالغيبة(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ العمومات دالّة على المتنازع.

وما رواه الخاصّة عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام قال(٦) : « للغائب شفعة »(٧) .

إذا ثبت هذا ، فإذا بلغه الخبر ، طالَب حينئذٍ ، فإن أخّر مع إمكان المطالبة ، بطلت شفعته.

مسالة ٧٥٨ : اختلفت علماؤنارحمهم‌الله في أنّ الشفعة هل تورث أم لا؟

فقال السيّد المرتضى(٨) ومَنْ(٩) تبعه : إنّها تورث ، ولا تسقط بموت‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٢٧٤.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٧٥.

(٣) كلمة « له » لم ترد في « س » وفي « ي » سقطت جملة « فإن لم يكن فله الشفعة ».

(٤) المغني ٥ : ٤٩٩.

(٥) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧١ ، المغني ٥ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٧.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فإن » بدل « قال ». وذلك تصحيف.

(٧) الفقيه ٣ : ٤٦ / ١٦٠ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٧.

(٨) الانتصار : ٢١٧.

(٩) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٧ ، المسألة ٣٦.

٢٨٤

مستحقّها ولا بترك مطالبته إن قلنا : إنّها على التراخي أو كان بعدها(١) إن قلنا : على الفور - وبه قال الشافعي ومالك وعبيد الله بن الحسن العنبري(٢) - لأنّه حقٌّ يتعلّق بالمال ، فكان موروثاً كغيره من الحقوق الماليّة. ولأنّه خيار ثابت لإزالة الضرر عن المال ، فكان موروثاً ، كخيار الردّ بالعيب.

وقال الشيخ(٣) وجماعة من علمائنا(٤) : إنّها غير موروثة ، وإذا مات المستحقّ ، بطلت - وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل(٥) - لما رواه طلحة بن زيد عن الصادق عن الباقر عن عليّعليهم‌السلام : ، قال : « لا شفعة إلّا لشريك [ غير ](٦) مقاسم » وقال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يشفع في المحدود ، وقال : لا تورث الشفعة »(٧) .

ولأنّه خيار لاستخلاف مالٍ ، فيبطل(٨) بالموت ، كخيار القبول.

وفي طريق الرواية قول ؛ لأنّ طلحة بن زيد بتريّ.

والفرق أنّ خيار القبول غير ثابت ، فإنّ للموجب أن يُبطله قبل قبول القابل.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بعده ». والظاهر ما أثبتناه. أي : كان الموت بعد المطالبة.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ / ١٩٦٦ ، المغني ٥ : ٥٣٦ - ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٦.

(٣) الخلاف ٣ : ٤٣٦ ، المسألة ١٢ ، النهاية : ٤٢٥ - ٤٢٦.

(٤) كالقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٥٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٩.

(٥) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤ و ٢٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ / ١٩٦٦ ، المغني ٥ : ٥٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٦.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٧) التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٤١.

(٨) في « س ، ي » : « فبطل ».

٢٨٥

إذا ثبت هذا ، فإنّ الشفعة تثبت للورثة على قدر الأنصباء ، فللزوجة الثّمن ، وللأبوين السدسان ، وللذكر الباقي لو اجتمعوا. وبالجملة ، على قدر الميراث.

واختلفت الشافعيّة ، فقال بعضهم : إنّ الشافعي قال : إنّها على عدد الرؤوس ، ونقله المزني عنه. وقال بعضهم : هذا لا يحفظ عن الشافعي ، فإنّ الجماعة إذا ورثوا أخذوا الشفعة بحسب فروضهم قولاً واحداً ؛ لأنّهم يرثون الشفعة عن الميّت ، لا أنّهم يأخذونها بالملك. وقال جماعة من الشافعيّة : إنّها على قولين(١) .

إذا عرفت هذا ، فإذا كان الوارث اثنين(٢) فعفا أحدهما ، صحّ عفوه في حقّ نفسه ، وسقط نصيبه من الشفعة بمعنى أنّه ليس له المطالبة بها ، وللآخَر جميع الشقص ؛ لأنّها شفعة وُضعت لإزالة الضرر ، فلا يثبت بها الضرر. ولأنّها شفعة تثبت لاثنين ، فإذا عفا أحدهما توفّر على الآخَر، كالشريكين إن أثبتنا الشفعة مع الكثرة - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - وكما لو عفا أحد الوارثين عن نصيبه في حدّ القذف.

والثاني لهم : أنّ حقّ الآخَر يسقط أيضاً ؛ لأنّهما ينوبان مناب الموروث ، ولو عفا الموروث عن بعضها ، سقط جميعها(٤) .

والفرق : أنّ الشفعة تثبت لواحدٍ هو الموروث. ولأنّه يؤدّي إلى تبعيض الشقص ، بخلاف مسألتنا.

والوجه عندي أنّ حقّ العافي للمشتري ؛ لأنّهما لو عفوا معاً ، لكان‌

____________________

(١) اُنظر : الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩ ، وحلية العلماء ٥ : ٣١٦ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ - ٥٢٨ ، وروضة الطالبين ٤ : ١٨٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « اثنان ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣ و ٤ ) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٩.

٢٨٦

الشقص له ، فكذا إذا عفا أحدهما ، يكون نصيبه له ، بخلاف حدّ القذف ؛ فإنّه وُضع للزجر ، فللّه تعالى فيه حقٌّ.

مسالة ٧٥٩ : إذا خرج الشقص مستحقّاً ، كانت عهدة المشتري فيه على البائع ، وعهدة الشفيع على المشتري ، سواء أخذ الشفيع الشقص من يد البائع أو من يد المشتري ؛ لأنّ المشتري يجب عليه أن يتسلّمه من البائع ويسلّمه إلى الشفيع ، فإن غاب أو امتنع ، أقام الحاكم مَنْ يسلّمه إلى المشتري ويسلّمه إلى الشفيع. ولو حكم الحاكم بتسلّمه منه ، كان كما لو سلّمه المشتري ؛ لأنّ التسليم حقّ على المشتري - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ الشفعة مستحقّة بعد الشراء وحصول ذلك للمشتري ، فإذا زال الملك من المشتري إليه بالثمن ، كانت العهدة عليه ، كالمشتري مع البائع ، بخلاف الشفيع.

وأمّا إذا أخذه من البائع ، فقد قلنا : إنّه يأخذه بأمر الحاكم إن أذن له في ذلك ؛ لأنّه تسليم مستحقّ على المشتري ، لينوب ذلك مناب قبض المشتري.

ولو انفسخ عقد المشتري ، بطلت الشفعة ؛ لأنّها استحقّت به.

وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتّي : تجب عهدة الشفيع على البائع ؛ لأنّ الحقّ ثبت له بإيجاب البائع ، فصار كالمشتري(٢) .

وقال أبو حنيفة : إن أخذه من المشتري ، كانت العهدة على‌

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٠ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٢ / ١٩٥٠ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.

٢٨٧

المشتري ، وإن أخذه من يد البائع ، كانت العهدة على البائع ؛ لأنّ الشفيع إذا أخذه من يد البائع ، تعذّر القبض ، وإذا تعذّر القبض ، انفسخ البيع بين البائع والمشتري ، فكأنّ الشفيع - إذا أخذ من البائع - مبتاع منه(١) .

وهو خطأ ؛ لأنّه لو انفسخ البيع بطلت الشفعة.

تذنيب : لو أخذ الشفيع الشقص وبنى أو غرس ثمّ ظهر الاستحقاق ، وقلع المستحقّ بناءه وغرسه ، فالقول فيما يرجع الشفيع على المشتري من الثمن وما نقص من قيمة البناء والغراس وغير ذلك كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه.

مسالة ٧٦٠ : لو كان الثمن دنانير معيّنة‌ ، تعيّنت بالعقد على قولنا وقول الشافعي(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) ، وقد سبق(٤) . فإذا تعيّنت وظهر أنّها مستحقّة ، فالشراء والشفعة باطلان.

ولو كان الشراء بمالٍ في الذمّة ، لم يتعيّن في المدفوع ، فلو ظهر المدفوع مستحقّاً ، لم يبطل البيع ولا الشفعة ؛ لأنّ الشراء صحيح ، والشفعة تابعة له.

ولو استحقّت الدنانير التي وزنها الشفيع ، لم تبطل الشفعة ، سواء أخذ الشفعة بعين تلك الدنانير المستحقّة أو بدنانير في ذمّته ؛ لأنّه استحقّ الشفعة لا بعين ما دفعه ، بل بما يساوي الثمن الذي دفعه المشتري ، وهو أمر كلّيّ‌

____________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٢ / ١٩٥٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣١١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، المغني ٥ : ٥٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٠.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٤) من ص ٤٢٧ من ج ١٠ من هذا الكتاب.

(٣) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٤٢٨ من ج ١٠ من هذا الكتاب.

(٤) في ج ١٠ ، ص ٤٢٧ - ٤٢٨ ، المسألة ٢١٥.

٢٨٨

يشتمل على كلّ النقود ، فاذا أعطاه شيئاً وظهر استحقاقه ، كان عليه إبداله ؛ لأنّ الدفع ظهر بطلانه ، ولا تبطل شفعته ، وليس ذلك تركاً للشفعة ؛ لأنّه يجوز أن يعتقدها له أو تغلط البيّنة عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : البطلان ؛ لأنّه إذا أخذ بما لا يجوز الأخذ به ، صار كأنّه تركها مع القدرة عليه(١) .

ويُمنع أنّه ترك.

مسالة ٧٦١ : لو كان الثمن عبداً وأخذ الشفيع الشقص بقيمة العبد ثمّ خرج العبد مستحقّاً، فإن قامت البيّنة أنّه مغصوب ، أو أقرّ المتبايعان والشفيع أنّه مغصوب ، حكمنا ببطلان البيع والشفعة ، ويردّ العبد على صاحبه ، والشقص على بائعه ؛ لأنّ البيع إذا كان باطلاً ، لا تثبت فيه الشفعة.

فإن لم تقم البيّنة بذلك وإنما أقرّ به المتبايعان وأنكر الشفيع ، لم يقبل قولهما عليه ، ويردّ العبد على صاحبه ؛ لاعترافهما باستحقاقه له ، ويرجع البائع على المشتري بقيمة الشقص ؛ لاعتراف المشتري ببطلان البيع وقد تعذّر عليه دفع المبيع ، فكان كالإتلاف. وينبغي أن لا يرجع أحدهما بالفضل على صاحبه لو كان ؛ لأنّ الشفيع منكر لاستحقاق قيمة الشقص ، وبه قال الشافعي(٢) .

مسالة ٧٦٢ : قد بيّنّا أنّ الشفعة تتبع البيع دون غيره من العقود مطلقاً.

وأثبت الشافعي الشفعة في عقود المعاوضات(٣) .

إذا عرفت هذا ، فنقول : دية الموضحة عندنا خمس من الإبل ، أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٣.

٢٨٩

خمسون ديناراً ، أو خمسمائة درهم ، أو خمسون شاةً ، أو عشرة من البقر ، أو من الحلل(١) على ما يأتي.

وعند الشافعي أنّها خمس من الإبل ، فإن أعوزت ، فقولان ، أحدهما : ينتقل إلى مقدّر ، وهو خمسون ديناراً أو خمسمائة درهم نصف عُشْر الدية. والثاني : إلى قيمتها.

فإن أعوزت الإبل وقلنا : ينتقل إلى مقدّر فصالَحَه منه على شقص مع معرفته ، صحّ الصلح ، وتثبت فيه الشفعة عنده بالعوض.

وإن قلنا : ينتقل إلى قيمتها فإن علماها وذكراها وتصالحا عليها ، صحّ ، وتثبت الشفعة أيضاً بذلك. وإن لم يعلما أو أحدهما ، لم يصح الصلح ، ولا تثبت شفعة.

وإن كانت الإبل موجودة فاصطلحا بالشقص عنها ، فإن كانا لا يعلمان ذلك ، ففي الصلح عنها قولان :

أحدهما : يصحّ ؛ لأنّها معلومة العدد والأسنان ، وإنّما يجهل قدّها ولونها ، وذلك يقتضي أقلّ ما يقع عليه الاسم.

والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّ القدّ واللون مقصودان ، فإذا جهل(٢) ، لم يصح الصلح ، فإذا قلنا : يصحّ ، تثبت الشفعة ، وأخذ الشقص بقيمة الإبل. وإذا قلنا : لا يصحّ الصلح ، لم تثبت شفعة(٣) .

وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسالة ٧٦٣ : إذا ارتدّ المشتري فقتل أو مات قبل رجوعه إلى‌

____________________

(١) كذا ، حيث لم يذكر المصنّفقدس‌سره عدد الحلل.

(٢) كذا ، والظاهر : « جُهلا ».

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

٢٩٠

الإسلام ، كان للشفيع أخذه بالشفعة ؛ لأنّه استحقّها بالبيع ، والانتقال بالموت أو القتل لا يخرجه عن الاستحقاق ، كما لو مات المشتري بعد البيع ، كان للشفيع الأخذُ بالشفعة.

قال الشافعي : إنّه بقتله أو موته ينتقل الشقص عنه إلى المسلمين(١) ، وذلك لا يمنع الشفعة ، كما لو اشترى شقصاً فيه شفعة ثمّ باعه ، ويكون المطالب الإمام أو نائبه. وعندنا إلى ورثته إن كان له وارث مسلم ، وإلّا كان ميراثه للإمام ، فتكون الشفعة على من انتقل الملك إليه.

ولو ارتدّ الشفيع وقُتل بالردّة أو مات ، كانت الشفعة للمسلمين عند الشافعي(٢) - وعندنا لوارثه - إن كان قد طالَب بها ، وإن لم يطالب ، فإن جعلناه كالكافر ، سقطت شفعته ، وهو الأقوى عندي. وإن جعلناه كالمسلم ، فالشفعة لوارثه.

ولو مات الشفيع المسلم ولا وارث له ، انتقل نصيبه إلى الإمام عندنا ، وعند الشافعي إلى المسلمين(٣) . فعلى قولنا يكون المستحقّ للشفعة الإمامَ ، وعلى قوله المسلمون ، ويطالب لهم الإمام.

مسالة ٧٦٤ : إذا اشترى شقصاً فيه شفعة ووصّى به فمات ثمّ جاء الشفيع والموصى له يطالبان ، كان الشقص للشفيع ؛ لسبق استحقاقه ، ويدفع الثمن إلى الورثة دون الموصى له ؛ لأنّه لم يوصَ له إلّا بالشقص وقد سقط حقّه.

____________________

(١ و ٢ ) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٢.

(٣) اُنظر : الحاوي الكبير ٧ : ٢٥٧ - ٢٥٨.

٢٩١

البحث الخامس : في التنازع.

مسالة ٧٦٥ : لو اختلف المشتري والشفيع في قدر الثمن‌ ، فقال المشتري : اشتريته بمائة ، وقال الشفيع : بل بخمسين ، فأيّهما أقام البيّنة على ما ادّعاه حُكم له بها.

ويثبت ذلك بشاهدَيْن وشاهدٍ وامرأتين ، وشاهدٍ ويمين ؛ لأنّه مال.

ولا تُقبل فيه شهادة البائع ؛ لأنّه يشهد على فعل نفسه ، وقد تلحقه التهمة إذا شهد للشفيع ، فإنّه إذا نقص الثمن نقص ضمان الدرك ، وبه قال الشافعي ؛ لأنّه يشهد بحقّ لنفسه وفعل نفسه(١) .

وقال بعض أصحابه : تُقبل ؛ لأنّه لا يجرّ لنفسه نفعاً ، والثمن ثابت له بإقرار المشتري(٢) .

وقد ذكرنا في القواعد(٣) احتمالاً حسناً ، وهو أنّه تُقبل شهادة البائع على الشفيع بعد القبض، وللشفيع بدون القبض ؛ لأنّه إذا شهد على الشفيع بالمائة ، انتفت التهمة عنه ؛ لاعترافه بأنّه ضامن لمائة ، وإذا شهد له بخمسين قبل القبض ، فقد اعترف أنّه لا يستحقّ على المشتري أكثر من الخمسين ، وأنّ المشتري لا يجب عليه أكثر منها ، فإذا دفعها ، برئت ذمّته باعترافه ، وكان ضامناً لها خاصّة ؛ إذ لا يقبض البائع أكثر منها.

ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً ، قال الشيخرحمه‌الله : تُقدّم بيّنة المشتري ؛ لأنّه هو المدّعي للثمن ، والشفيع ينكره(٤) . ولأنّه أعلم بعقده - وهو أحد قولي‌

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٢٦٧.

(٤) الخلاف ٣ : ٤٣١ - ٤٣٢ ، المسألة ٦ من كتاب الشفعة.

٢٩٢

الشافعي(١) - كما تُقدّم بيّنة الداخل على الخارج ، و [ المشتري ](٢) هنا داخل. ولأنّ [ المشتري](٣) كالبائع ، فيقدّم قوله في قدر الثمن عندنا مع بقاء السلعة ، وبه قال أبو يوسف(٤) أيضاً.

وقال أبو حنيفة ومحمّد : القول قول الشفيع ؛ لأنّه منكر. ولأنّه الخارج(٥) .

ولا بأس به عندي.

وللشافعي قولٌ آخَر : إنّ البيّنتين تتعارضان هنا ، ولا تُقدّم بيّنة المشتري لأجل اليد ؛ لأنّهما لا يتنازعان في اليد ، وإنّما يتنازعان فيما وقع عليه العقد ، فحينئذٍ تسقطان ، ويكون الحال كما لا بيّنة لواحدٍ منهما(٦) .

وقال بعض الشافعيّة : يقرع وتُقدّم بالقرعة. وهل يحلف مَنْ خرجت له القرعة؟ قولان(٧) .

ولو لم يكن لواحدٍ منهما بيّنة ، قُدّم قول المشتري مع يمينه ؛ لأنّه المالك ، فلا تزول يده إلّا بما يدّعيه إذا لم تكن بيّنة ، كما أنّ المشتري لا يملك المبيع إلّا بما يقرّ به البائع من الثمن.

لا يقال : الشفيع غارم فيُقدّم قوله ، كما في الغاصب والمتلف والضامن لنصيب شريكه إذا أعتق شريكه نصيبه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

(٢ و ٣ ) بدل ما بين المعقوفين في الموضعين في النسخ الخطّيّة والحجريّة « الشفيع ».

وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤ و ٥ ) بدائع الصنائع ٥ : ٣١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٦ ، المغني ٥ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٥.

(٦ و ٧ ) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٦.

٢٩٣

لأنّا نقول : الشفيع ليس بغارم ؛ لأنّه لا شي‌ء عليه ، وإنّما يريد أن يتملّك الشقص ، بخلاف الغاصب والمتلف ، وأمّا المعتق فإن [ قلنا : ](١) العتق يسري باللفظ ، فقد وجب عليه قيمته وهو غارم ، وإذا قلنا : يسري بأداء القيمة أو مراعى ، كان القول قول المالك ؛ لأنّ العتق لا يثبت عليه القيمة مثل مسألتنا.

لا يقال : لِمَ لا قلتم : يتحالف المشتري والشفيع ، كما قلتم في البائع والمشتري إذا اختلفا في الثمن؟

لأنّا نقول : إذا اختلف المتبايعان ، فكلٌّ منهما مُدّعٍ ومدّعى عليه ، فتحالفا ، وليس كذلك هنا؛ فإنّ الشفيع مُدّعٍ للشقص ، والمشتري لا يدّعي عليه شيئاً ؛ لأنّ المشتري إذا ثبت له ما قال، كان الشفيع بالخيار. ولأنّ المتبايعين قد باشرا العقد ، بخلاف الشفيع والمشتري.

ولو نكل المشتري عن اليمين ، حلف الشفيع على دعواه ، وأخذ بما ادّعاه.

ولو شهد البائع للشفيع ، فللشافعيّة وجوه :

أحدها : لا تُقبل ، وقطع به العراقيّون ؛ لأنّه يشهد على فعله ، كما مرّ.

والثاني : نعم ، وصحّحه البغوي ؛ لأنّه ينقض حقّه.

والثالث : إن شهد قبل قبضه الثمن ، قُبلت ؛ لأنّه ينقض حقّه ؛ إذ لا يأخذ أكثر ممّا شهد به. وإن شهد بعده ، فلا ؛ لأنّه يجرّ إلى نفسه نفعاً ، فإنّه إذا قلّ الثمن قلّ ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق(٢) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

٢٩٤

تذنيب : لو ادّعى المشتري أنّ هذا البناء ممّا أحدثه بعد الشراء وأنكر ذلك الشفيعُ ، قُدّم قول المشتري ؛ لأنّ ذلك ملكه ، والشفيع يريد تملّكه عليه ، فكان القول قول المالك ، وبه قال ابن سريج(١) .

مسالة ٧٦٦ : إذا اختلف المتبايعان في الثمن‌ ، فقد قلنا : إنّ القول قول البائع مع يمينه مع بقاء السلعة ، فإذا حلف البائع ، أخذ من المشتري ما حلف عليه.

ثمّ الشفيع إن صدّق البائع ، دفع ما حلف عليه ، وليس للمشتري المطالبة به ؛ لأنّه يدّعي أنّ ما أخذه البائع زائداً عمّا ادّعاه ظلم ، فلا يطالب غير مَنْ ظلمه.

وإن لم يعترف بما قال البائع ، أدّى ما ادّعاه المشتري ثمناً.

ولو قلنا : إنّ القول قول المشتري في الثمن فيثبت قول البائع بالبيّنة أو باليمين المردودة ، فالحكم كما تقدّم.

وتُقبل شهادة الشفيع للبائع ؛ لأنّه الغارم في الحقيقة أن أخذ الشفعة ، وإلّا فلا تهمة ، ولا تُقبل للمشتري ؛ لأنّه متّهم في تقليل الثمن ، فإنّه يدفع عن نفسه المطالبة بالزائد.

ولو تحالفا - كما هو مذهب الشافعي(٢) - عند عدم البيّنة ، وفسخ عقدهما أو انفسخ ، فإن جرى ذلك بعد ما أخذ الشفيع الشقص ، أقرّ في يده ، وعلى المشتري قيمة الشقص للبائع.

وإن جرى قبل الأخذ ، فالأقرب : عدم سقوط حقّه ؛ لاعترافهما معاً بجريان البيع واستحقاقه للشفعة ، فيأخذها بما قال البائع ؛ لحلفه عليه ،

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

٢٩٥

لا بما حلف عليه المشتري ؛ لأنّ للبائع فسخ البيع ، فإذا أخذه بما قال المشتري ، مُنع منه. وإن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع ، جاز ، وملك الشفيع أخذه بما قال المشتري ، فإن عاد المشتري وصدّق البائع وقال : كنت غالطاً ، فالأقرب : أنّ للشفيع أخذه بما حلف عليه

وللشافعيّة في سقوط الشفعة وجهان سبقا في خروجه معيباً ، فإن قلنا : لا تسقط ، أخذه بما حلف عليه البائع - كما قلناه - لاعتراف البائع باستحقاق الشفيع الأخذ بذلك الثمن ، فيأخذ منه ، وتكون عهدته على البائع خاصّة ، لا على المشتري ؛ لانفساخ عقده(١) .

مسالة ٧٦٧ : لو ادّعى على رجل شفعة في شقص اشتراه‌ ، فقال له المدّعى عليه : ليس لك ملك في شركتي ، قُدّم قول المدّعى عليه مع اليمين ، وكان على طالب الشفعة البيّنة أنّه يملك شقصاً في شركة المشتري - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومحمّد بن الحسن(٢) - لأنّ الملك لا يثبت بمجرّد اليد ، وإذا لم يثبت الملك المستحقّ به الشفعة ، لم تثبت الشفعة. ومجرّد الظاهر لا يكفي ، كما لو ادّعى ولد أمة في يده.

وقال أبو يوسف : إذا كان في يده ، استحقّ به الشفعة ؛ لأنّ الظاهر من اليد الملك(٣) . ولا بأس به عندي.

ولو لم تكن بيّنة ، حلف المشتري - إن ادّعى الطالب علمه بالشركة - على نفي علمه بالشركة ؛ لأنّها يمين على نفي فعل الغير ، فإذا حلف ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٠ ، المغني ٥ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٢.

(٣) المغني ٥ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٢.

٢٩٦

سقطت دعواه ، ولا يحلف على نفي شركته. ولو نكل ، حلف الطالب على القطع بأنّه شريك ؛ لأنّها يمين على إثبات فعل ، فإن حلف ، استحقّ الشفعة ، وإن نكل ، سقطت.

فلو اعترف الشريك - بعد نكول الطالب وسقوط شفعته - بصدقه ، كان عليه دفع الحصّة بالشفعة ، ولم يضرّ التأخير ؛ لأنّه لعذر ، ويكون نكوله عن اليمين عذراً له في التأخير على إشكال.

وكذا الحكم لو أنكر تقدّم ملك الطالب على ملكه.

مسالة ٧٦٨ : دار بين اثنين فغاب أحدهما ورأينا نصيبه في يد ثالثٍ‌ ، فادّعى الحاضر أنّه اشتراه ، وأنّه يستحقّه بالشفعة ، فإن أقام المدّعي بيّنةً بالشراء وأقام المتشبّث بيّنةً(١) ، قضي بها ، وأخذ بالشفعة.

ثمّ إن اعترف المدّعى عليه ، سلّم إليه الثمن ؛ لثبوت البيع بالبيّنة.

وإن لم يعترف ، فإمّا أن يترك الثمن في يد المدّعي إلى أن يقرّ المدّعى عليه ، أو يأخذه القاضي حافظاً له ، أو يجبر على قبوله أو الإبراء منه ، فيه احتمالات ثلاثة.

ولو أقام المدّعي بيّنةً بالشراء وأقام المتشبّث بيّنةً بأنّه ورثه أو اتّهبه ، تعارضت البيّنتان ؛ لأنّ الشراء والميراث متنافيان ، وكذا الشراء والاتّهاب.

ومع التعارض يكون له حكم عندنا سيأتي في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى.

وعند الشافعي قولان : التساقط ، واستعمالهما ، وسيأتي.

ولو أقام المتشبّث أنّ الغائب أودعه إيّاه أو أعاره ، فإن لم يكن‌

____________________

(١) كذا ورد قوله : « وأقام المتشبّث بيّنةً ». والظاهر زيادتها.

٢٩٧

للبيّنتين تأريخ أو كان تأريخ الإيداع سابقاً ، قضي بالشفعة ؛ لعدم التنافي بين البيّنتين ؛ لجواز أن يودعه ثمّ يبيعه.

ولو سبق تأريخ البيع ، فلا منافاة أيضا ، لاحتمال أنّ البائع غصبه بعد البيع ثمّ ردّه إليه بلفظ الإيداع ، أو بردّ مطلق فاعتمده الشهود ، أو يكون المشتري قد عجز عن الثمن ، فقال له البائع : خذه وديعة إلى أن تجد الثمن فتزنه وتقبضه.

ولو انتفى الاحتمال - بأن تأخّر تأريخ الإيداع وشهدت بيّنة الإيداع بأنّه أودعه ما هو ملكه ، وبيّنة الشراء مطلقة - كانت بيّنة الإيداع أولى ؛ لأنّها صرّحت بالملك ، ثمّ يراسل الغائب فإن قال : هو لي وديعة ، بطلت بيّنة الشراء. وإن قال : لا حقّ لي فيه ، قضي ببيّنة الشراء فالشفعة.

ولو صرّحت بيّنة الشراء بالملك فقال : باع ما هو ملكه ، وأطلقت بيّنة الإيداع ، قُدّمت بيّنة الشراء.

وأمّا إذا لم يكن للمدّعي بيّنة ، فالمدّعى عليه إما أن يُقرّ بأنّه كان لذلك الغائب فاشتراه منه ، أو يُنكر أصل الشراء ، أو يقول : اشتريته لفلان. فإن أقرّ ، فالأقرب : أنّه لا يأخذه المدّعي ؛ لأنّ المتشبّت لا يُقبل قوله على الغائب ، فيوقف الأمر حتى يراسل ، فإن أقرّ بصدقه ، أخذه الشفيع ، وإلّا فلا ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والأصحّ عندهم : أنّ للمدّعي أخذه ؛ لتصادقهما على البيع ، ويكتب القاضي في السجلّ أنّه أثبت الشفعة بتصادقهما ، فإذا قدم الغائب ، فهو على حقّه(١) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

٢٩٨

وليس بجيّد ؛ لأنّه حكم على الغائب بغير بيّنة.

وإن أنكر الشراء ، صُدّق في قوله باليمين ؛ لأنّه منكر. ثمّ إمّا أن يُجيب بأنّك لا تستحقّ الشفعة ، أو أنّني لا يلزمني التسليم إليك ، فيحلف كذلك ، ولا يلزمه التعرّض لنفي الشراء ؛ لإمكان أن يكون قد اشتراه مع إسقاط الشريك الشفعة.

وإن تكلّف في الجواب : لم أشتره بل ورثته أو اتّهبته ، ففي كيفيّة الحلف احتمالان :

أحدهما : أنّه يحلف على نفي الشراء ؛ لأنّه أجاب به ، وإذا أجاب بشي‌ء ، فقد أمكنه اليمين عليه حيث عدل إليه في الجواب.

والثاني : أنّه يحلف أنّه لا يستحقّ الشفعة ؛ لأنّه لو أجاب بذلك ، لكفاه ، فكذا في اليمين ، ويمكن أن يكون قد اشتراه بحيث لا تجب فيه شفعة أو سقطت ثمّ تساهل في الجواب بعدم الشراء، فإذا كُلّف اليمين ، عدل إلى ما يمكنه الحلف عليه. وهُما وجهان للشافعيّة(١) .

ولو نكل المدّعى عليه ، حلف الطالب ، واستحقّ الشقص. وفي [ الثمن ](٢) ما تقدّم من الوجوه : إمّا أن يقرّ في يد الشفيع ، أو يقبضه الحاكم ، أو يقهره على القبض أو الإبراء.

وإن قال : اشتريته لفلان ، رجع الحال إلى المضاف إليه ، وسيأتي.

مسالة ٧٦٩ : إذا ادّعى أنّه اشترى شقصاً في شركته وأنّه يستحقّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اليمين ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٩٩

الشفعة عليه ، فإنّه يحتاج إلى أن يحرّر دعواه فيحدّد(١) المبيع الذي يدّعيه ويذكر ثمنه ويدّعي فيه الشفعة ، فإذا فعل ذلك ، سئل المدّعى عليه ، فإن أقرّ ، لزمه ، وإن أنكر فقال : وهب لي أو ورثته ولم أشتره ، أو لا يستحقّ عليّ الشفعة ، قدّم قوله - على ما تقدّم - مع اليمين ، فإن حلف ، سقطت الدعوى ، وإن نكل ، حلف المدّعي ، واستحقّ أخذه بالشفعة.

وأمّا الثمن فإمّا أن يُجعل في ذمّة الشفيع إلى أن يطالبه المشتري ؛ لأنّه أقرّ له بحقّ فأنكره ، فلم يكن له مطالبته ، وإمّا أن يلزمه الحاكم بأخذه أو الإبراء منه إذا سأل ذلك الشفيع - كما أنّ المكاتب إذا حمل لسيّده نجوم الكتابة قيل له : إمّا أن تأخذه أو تبرئ - وإمّا أن يحفظه الحاكم في بيت المال ، فمتى ادّعاه المشتري سلّم إليه ، وإلاّ كان محفوظا عليه ، لأنّ عليه ضررا في بقاء حقّ غيره في ذمّته ، ولهذا إذا طالب من عليه الدّين صاحب الدَّيْن بقبضه ، لزم صاحب الدَّيْن قبضه أو الإبراء منه.

هذا إذا أنكر المشتري الشراء ، والشريك القديم غير معترف بالبيع ، ولو اعترف والشقص في يده ، فإن لم يعترف بقبض الثمن ، ثبتت الشفعة.

وفيه وجهٌ للشافعيّة : أنّها لا تثبت(٢) .

وإذا قلنا بالثبوت ، سلّم الثمن إلى البائع ، والعهدة عليه ؛ لأنّه تلقّى الملك منه حيث لم يعترف المشتري بالشراء ولا بيّنة هناك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : ينصب القاضي أميناً يقبض الثمن منه للمشتري ويدفعه إلى البائع ، ويقبض الشقص من البائع للمشتري ويدفعه إلى‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيجدّد » بالجيم ، وهو غلط.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

٣٠٠