تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119909 / تحميل: 5662
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

اشتمال مراتب القرآن على المقدّرات الحادثة في كلّ عام:

وقال: (المسألة الثامنة) في تفسير مفردات هذه الألفاظ، أمّا قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (1) فقد قيل فيه: إنّه تعالى أنزل كلّية القرآن، يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتُدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، انتهى كلامه.

وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: (في تفسير قوله تعالى: ( إنّا أَنْزَلْناهُ ) يعني القرآن، وإن لم يجرِ له ذكر في هذه السورة؛ لأنّ المعنى معلوم، والقرآن كلّه كالسورة الواحدة، وقد قال: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( حم وَالْكِتابِ الْمُبينِ إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (2) يريد: في ليلة القدر.

وقال الشعبي: المعنى إنّا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه‌السلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزّة، وأملاه جبريل على السَفَرة، ثمّ كان جبريل ينزّله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نُجوماً نُجوماً، وكان بين أوّله وآخره ثلاث وعشرون سنة. قاله ابن عبّاس، وقد تقدّم في سورة البقرة.

وحكى الماوردي عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة جملة واحدة من عند اللَّه، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجّمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجّمه جبريل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين سنة.

قال ابن العربي: وهذا باطل؛ ليس بين جبريل وبين اللَّه واسطة، ولا بين جبريل

____________________

1) سورة الدخان: 3.

2) سورة الدخان: 1 - 3.

٢٨١

ومحمّد عليهما‌السلام واسطة.

قوله تعالى: ( في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال مجاهد: في ليلة الحكم، ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، قال ليلة الحكم. والمعنى ليلة التقدير، سمّيت بذلك لأنّ اللَّه تعالى يقدّر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلّمه إلى مدبّرات الأُمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل عليهم‌السلام .

أُمّ الكتاب في القرآن متضمّنة لتقدير كلّ شي‏ء:

وقال: وعن ابن عبّاس، قال: يكتب من أمّ الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر، وحياة وموت، حتّى الحاجّ. قال عكرمة: يكتب حجّاج بيت اللَّه تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء آبائهم، ما يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم.

وقاله سعيد بن جُبير، وقد مضى في أوّل سورة الدخان هذا المعنى. وعن ابن عبّاس أيضاً: إنّ اللَّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلّمها إلى أربابها في ليلة القدر. وقيل: إنّما سمّيت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر، أي شرف ومنزلة) (1) .

ليلة القدر عوض للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام عن غصب الخلافة:

وقال: (وفي الترمذي عن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، يعني نهراً في الجنّة، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ

____________________

1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص129 - 130، طبعة القاهرة.

٢٨٢

أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يملكها بعدك بنو أُمية. قال القاسم بن الفضل الحدّاني: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً. قال: حديث غريب.

قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) أي تهبط من كلّ سماء، ومن سدرة المنتهى، ومسكن جبريل على وسطها، فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر، فذاك قوله تعالى ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) .

حقيقة الروح النازل ليلة القدر:

وقال: ( وَالرُّوحُ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) (1) ، أي جبرئيل عليه‌السلام ، وحكى القُشيري: أنّ الروح صنف من الملائكة جُعلوا حفظة على سائرهم، وأنّ الملائكة لا يرونهم كما لا نرى نحن الملائكة. وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة وأقربهم من اللَّه تعالى.

وقيل: إنّهم جند من جند اللَّه عزّ وجلّ من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عبّاس مرفوعاً، ذكره الماوردي، وحكى القُشيري: قيل هم صنف من خلق اللَّه، يأكلون الطعام، ولهم أيدٍ وأرجل وليسوا ملائكة.

وقيل: (الروح) خلق عظيم يقوم صفّاً، والملائكة كلّهم صفّاً. وقيل: (الروح) الرحمة ينزل بها جبريل عليه‌السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها، دليله: ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (2) ، أي بالرحمة، (فِيها) أي في ليلة القدر، ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) أي بأمره، ( مِن كُلِّ أَمْرٍ ) (3) أمر بكلّ أمر قدّره اللَّه وقضاه في تلك السنة إلى قابل.

وقيل عنه: إنّها رُفعت - يعني ليلة القدر - وإنّها إنّما كانت مرّة واحدة.

____________________

1) سورة القدر: 4.

2) سورة النحل: 2.

3) سورة القدر: 5.

٢٨٣

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وقال: (والصحيح أنّها باقية... والجمهور على أنّها من كلّ عام من رمضان... وقال الفرّاء: لا يقدّر اللَّه في ليلة القدر إلاّ السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم) (1) .

وقال الطبري في تفسيره، في ذيل سورة البروج: ( فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ، بسنده إلى مجاهد: في لوح، قال: ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) (2) .

وقال ابن كثير في تفسيره، بعد ما نقل جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، والذي مرّ نقله، قال: (اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأُمم السالفة، أم هي من خصائص هذه الأُمّة؟

فقال الزهري:... وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأُمّة بليلة القدر. وقيل: إنّها كانت في الأُمم الماضين كما هي في أُمّتنا، ثمّ هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصّة) (3) .

وقال الزمخشري في الكشّاف، بعد ما ذكره جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، في ذيل قوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (4) قال: (وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها، من تنزّل الملائكة والروح، وفصل كلّ أمر حكيم).

وقال في ذيل قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (5) : أي تتنزّل من أجل كلّ أمر قضاه اللَّه لتلك السنة إلى قابل... وروي عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قرأ سورة القدر أُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيى ليلة القدر)، وذكر في هامش المطبوع: أنّ الحديث أخرجه الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، بسندهم إلى أُبَيّ ابن كعب.

____________________

1) تفسير القرطبي، ج20، ص133 - 137، في تفسير الجامع لأحكام القرآن طبعة القاهرة.

2) جامع البيان، ج30، ص176.

3) تفسير ابن كثير، ج4، ص 568.

4) سورة القدر: 2.

5) سورة القدر: 5.

٢٨٤

ليلة القدر عوض له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غصب بني أُمية خلافته، وتعدد مصادر الحديث لديهم:

وقال الآلوسي في روح المعاني: (ويستدلّ لكونها مدنية بما أخرجه الترمذي، والحاكم، عن الحسن ابن عليّ (رضي اللَّه تعالى عنهما): (أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (1) ، ونزلت: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (2) .. الحديث). وهو كما قال المزني: حديث منكر، انتهى.

وقد أخرج الجلال هذا الحديث في الدرّ المنثور عن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل أيضاً، من رواية يوسف ابن سعد، وذكر فيه: أنّ الترمذي (3) أخرجه وضعّفه، وأنّ الخطيب أخرج عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، بلفظٍ: قال نبي اللَّه: (أُريتُ بني أُمية يصعدون منبري، فشقّ ذلك عليّ فأُنزِلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، ففي قول المزني هو منكر تردّد عندي.

وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الكافي بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (أُري رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون الناس عن الصراط القهقري، فأصبح كئيباً حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللَّه مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إنّي رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي، يضلّون الناس عن الصراط القهقري. فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّي ما اطّلعت عليه. فعرّج إلى السماء فلم يلبث أن نزل بآي من القرآن يُؤنسه بها، قال: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (4) ، وأُنزل عليه: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، جعل اللَّه ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

1) سورة الكوثر: 1.

2) سورة القدر: 1.

3) سنن الترمذي، ج5، ص444، ح 3350.

4) سورة الشعراء: 205 - 207.

٢٨٥

خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية) (1) .

وروى الكُليني، عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه، قال: (سمعت أبا عبد اللَّه يقول: هبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللَّه كئيب حزين، فقال: رأيت بني أُمية يصعدون المنابر وينزلون منها. قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما علمت بشي‏ء من هذا. وصعد جبرئيل إلى السماء، ثمّ أهبطه اللَّه جلّ ذكره بآي من القرآن يعزّيه بها قوله: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (2) .

وأنزل اللَّه جلّ ذكره: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) للقوم، فجعل اللَّه ليلة القدر (لرسوله) خير، من ألف شهر) (3) .

وفي سند الصحيفة السجّادية، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام : إنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذته نَعسةٌ وهو على منبره، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقري، فاستوى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) ، يعني بني أُمية. قال: يا جبرئيل على عهدي يكونون وفي زمني؟

قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مُهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجِرَك فتلبث بذلك خمساً، ثمّ لابدّ من رحى

____________________

1) الكافي، ج4، ص159.

2) سورة الشعراء:205 - 206.

3) الكافي، ج8، ص223.

٢٨٦

ضلاله هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة. قال: وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكها بنو أُمية. فيها ليلة القدر.

قال: فأَطلع اللَّه عزّ وجلّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بني أُمية تملك سلطان هذه الأُمّة وملكها طول هذه المدّة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، حتّى يأذن اللَّه تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر اللَّه نبيّه بما يلقي أهل بيت محمّد وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم) (1) .

وفي تأويل الآيات: (روي عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: قوله عزّ وجلّ: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) هو سلطان بني أُمية.

وقال: ليلة من إمام عادل خير من ألف شهر ملك بني أُمية.

وقال: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) أيّ من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد، بكلّ أمر سلام) (2) .

وفي تفسير القمّي: بسنده، في معنى سورة: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فهو القرآن... قوله: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

أقول: تكثر الروايات في غصب الخلافة من بني أُمية، وتأذّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعويضه بليلة القدر، وسيأتي معنى تعويضه بليلة القدر، وتسالم كثير من علماء الجمهور بهذه الروايات، هذا الأمر أحد الأدلّة على أنّ الخلافة في الشريعة الإلهية هي منصب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتدبّر تبصُر.

____________________

1) الصحيفة السجّادية الكاملة: 15 - 16.

2) تأويل الآيات، ج2، ص817، ح2.

٢٨٧

حقيقة النازل الذي نزل في ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : الضمير عند الجمهور للقرآن، وادّعى الإمام فيه إجماع المفسّرين، وكأنّه لم يعتقد بقول من قال منهم برجوعه لجبرئيل عليه‌السلام أو غيره؛ لضعفه. قالوا: وفي التعبير عنه بضمير الغائب مع عدم تقدّم ذكره تعظيم له، أي تعظيم لِما أنّه يشعر بأنّه لعلوّ شأنه كأنّه حاضر عند كلّ أحد.

جهل الخلق بحقيقة ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (1) : لِما فيه من الدلالة على أنّ علوّها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يُعلم ذلك، ولا يَعلم به إلاّ علاّم الغيوب.

حقيقة نزول القرآن جملة واحدة:

ثمّ ذكر جملة في تعدّد نزول القرآن جملةً واحدةً ونجوماً، وذكر في ضمنها هذه الرواية، عن ابن عبّاس: (أُنزل القرآن جملةً واحدة حتّى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، ونزل به جبريل عليه‌السلام على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب كلام العباد وأعمالهم)... ثمّ نقل الاختلاف بين المفسّرين عندهم في قوله تعالى: ( أَنْزَلْنَاهُ ) من جهة نزول القرآن جملةً واحدة، فهل تضمّن القرآن النازل جملةً واحدة هذه العبارة أم لا؟ فلابدّ من ارتكاب المجاز في الإسناد؛ لأنّه إخبار عمّا وقع فيما مضى، فكيف يكون هذا اللفظ في ضمنه؟

____________________

1) سورة القدر: 2.

٢٨٨

فذكر قولاً للرازي في حلّ الإشكال، وللقرطبي، وابن كثير، وضعّف قولهم. ونقل عن ابن حجر في شرح البخاري أنّه أُنزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، بل حكى بعضهم الإجماع عليه، ثمّ نقل جواباً لحلّ الإشكال عن السيد عيسى الصفوي، ثمّ الاختلاف بين الدَّواني وغيره، وأنّه ألّف رسالة في ذلك، في الجواب عن مسألة الحذر الأصمّ.

ثمّ نقل عن الإتقان قول أبي شامة: فإن قلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) إن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة، فما نزل جملة؟ وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة؟

قلت: لها وجهان:

أحدهما: أن يكون المعنى إنّا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به وقدّرناه في الأزل.

والثاني: أنّ لفظ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) ماضٍ ومعناه على الاستقبال، أي تنزّله جملة في ليلة القدر. ثمّ ذكر عدم ارتضائه لهذا القول وعدم حسنه.

ثمّ نقل أقوالاً أُخر، ثمّ قال: والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، أو إثباته لدى السَفَرة هناك، أو نحو ذلك ممّا لا يشكل نسبته إلى القرآن.

تقدير الأُمور في ليلة القدر على من تُنزّل؟

وقال في معنى ليلة القدر: إنّها ليلة التقدير، وسبب تسميتها بذلك لتقدير ما يكون في تلك السنة من أُمور. قال: المراد إظهار تقديره ذلك للملائكة عليهم‌السلام المأمورين بالحوادث الكونية. ثمّ نقل عن بعض تفسير ذلك: هاهنا ثلاثة أشياء:

الأوّل: نفس تقدير الأُمور، أي تعيين مقاديرها وأوقاتها، وذلك في الأزل.

٢٨٩

الثاني: إظهار تلك المقادير للملائكة عليهم‌السلام بأن تكتب في اللوح المحفوظ، وذاك في ليلة النصف من شعبان.

الثالث: إثبات تلك المقادير في نسخ وتسليمها إلى أربابها من المدبّرات، فتدفع نسخة الأرزاق، والنباتات، والأمطار، إلى ميكائيل عليه‌السلام ، ونسخة الحروب والرياح والجنود والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرئيل عليه‌السلام ، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل عليه‌السلام ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، وذلك في ليلة القدر.

وقيل: يقدّر في ليلة النصف الآجال والأرزاق، وفي ليلة القدر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في هذه ما يتعلّق به إعزاز الدين وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وفي ليلة النصف يكتب أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت، واللَّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.

أقول: إنّ المكتوب في ليلة القدر ويقدّر يُفترض أنّ كتابته وتقديره إنّما يُكتب ويقدّر لتسليمه إلى من يوكّل إليه تدبير الأُمور بإذن اللَّه، كالملائكة الموكّلين، فالتنزّل بكلّ هذه التقديرات والكتابة إلى الأرض إلى من يسلّم؟ ومن هو الذي يطّلع على ذلك من أهل الأرض؟ وما هو التناسب بين نزول ما فيه إعزاز الدين والأُمّة، والحديث النبويّ: (إنّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش) (1) ؟

أقوال علماء سنّة الجماعة في عِوَضية الليلة له عن غصب الخلافة:

قال في تفسير ( أَلْفِ شَهْرٍ ) : وقد سمعت إلى ما يدلّ أنّ الألف إشارة إلى مُلك بني أُميّة، وكان على ما قال القاسم بن الفضل: ألف شهر، لا يزيد يوماً ولا ينقص

____________________

1) المعجم الكبير للطبراني، ج2، ص232. ولاحظ: إحقاق الحق، ج13، 1 - 49.

٢٩٠

يوماً، على ما قيل: ثمانين سنة، وهي ألف شهر تقريباً؛ لأنّها ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، ولا يعكّر على ذلك ملكُهم في جزيرة الأندلس بعد؛ لأنّه ملك يسير في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب، ولذا لا يعدّ من مَلَكَ منهم هناك من خلفائهم، وقالوا بانقراضهم بهلاك مروان الحمار.

وطعن القاضي عبد الجبّار في كون الآية إشارة لما ذُكر؛ بأنّ أيام بني أُمية كانت مذمومة أي باعتبار الغالب، فيبعد أن يقال في شأن تلك الليلة إنّها خير من ألف شهر مذمومة:

ألم ترَ أنّ السيف ينقص قدره

إذا قيل إنّ السيف خيرٌ من العصا

وأُجيب: إنّ تلك الأيام كانت عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يبعد أن يقول اللَّه تعالى: أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك في السعادات الدنيوية، فلا تبقى فائدة.

ليلة القدر مع الأنبياء في ما مضى فهي مع من في ما بقي:

الروح النازل في ليلة القدر قناة غيبية كانت مع الأنبياء، فهي مع من بعد النبيّ الخاتم؟ قال: وما أشير إليه من خصائص هذه الأُمّة هو الذي يقتضيه أكثر الأخبار الواردة في سبب النزول، وصرّح به الهيثمي وغيره.

وقال القسطَلاني: إنّه معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: (يا رسول اللَّه، أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت. قال: بل هي باقية). ثمّ ذكر أنّ عمدة القائلين بذلك الخبر الذي قدّمناه في سبب النزول من رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله تقاصر أعمار أُمّته عن أعمار الأُمم، وتعقّبه بقوله هذا محتمل للتأويل، فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان: ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في فتح الباري.

٢٩١

وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وتحصّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كلّ منهما ليقع الجدّ في طلبهما:

القول الأوّل: إنّها رُفعت أصلاً ورأساً. حكاه المتولّي في التتمّة عن الروافض، والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية، وكأنّه خطأ منه، والذي حكاه السروجي أنّه قول الشيعة.

أقول: بل الشيعة الإمامية هم المذهب الوحيد على وجه الأرض القائلون ببقاء الاتّصال بين الأرض والسماء، وأنّ هناك سبب متّصل هو الإمام من عِترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يكن هذا الاتّصال وحياً نبويّاً، وهو الذي يتنزّل عليه الروح الأعظم والملائكة كلّ عام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما المذاهب الإسلامية كلّها حتّى الزيدية، وإن قالوا باستمرار الإمامة السياسية وعدم حصرها بالأئمّة المنصوص عليهم وأنّ الإمامة هي لكلّ من قام بالثورة على الظلم ولا يشترط فيها العصمة، إلاّ أنّهم قائلون بانقطاع الاتّصال أيضاً بين الغيب والشهادة.

وانقطاع الاتّصال ذهبت إليه اليهود بعد النبيّ موسى عليه‌السلام ، كما ذهبت إليه النصارى بعد النبيّ عيسى عليه‌السلام .

وقال: وقد روى عبد الرزّاق من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد اللَّه بن يخنس: قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر رُفعت، قال: كذّب من قال ذلك. ومن طريق عبد اللَّه بن شُريك قال: ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنّه أنكرها، فأراد زر بن حُبيش أن يحصبه فمنعه قومه.

الثاني: إنّها خاصّة بسنة واحدة وقعت في زمن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حكاه الفاكهاني أيضاً.

الثالث: إنّها خاصّة بهذه الأُمّة، ولم تكن في الأُمم قبلهم، جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله الجمهور، وحكاه صاحب العدّة من الشافعية ورجّحه،

٢٩٢

وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: قلت: يا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال: لا، بل هي باقية.

وعمدتهم قول مالك في الموطأ: بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تقاصر أعمار أمّته عن أعمار الأُمم الماضية، فأعطاه اللَّه ليلة القدر، وهذا يحتمل التأويل، فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر (1) .

ليلة القدر يفصل فيها المقدّرات لأحداث كلّ السنة:

وقال الآلوسي في روح المعاني في تفسير قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (2) : أي من أجل كلّ أمر تعلّق به التقدير في تلك السنة إلى قابل وأظهره سبحانه وتعالى لهم، قاله غير واحد. ف)من(بمعنى اللام التعليلية متعلّقة بتنزّل، وقال أبو حاتم: (من) بمعنى الباء، أي تنزّل بكلّ أمر، فقيل: أي من الخير والبركة، وقيل: من الخير والشرّ وجعلت الباء عليه للسببية.

والظاهر على ما قالوا إنّ المراد بالملائكة المدبّرات؛ إذ غيرهم لا تعلّق له بالأُمور التي تعلّق بها التقدير ليتنزّلوا لأجلها على المعنى السابق، وهو خلاف ما تدلّ عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبّرات (3) .

ليلة القدر يتحقّقها وتتنزّل على من شاء اللَّه تعالى من عباده:

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي قوله: (اعلم أنّ ليلة القدر موجودة... وأنّها تُرى ويتحققّها من شاء اللَّه تعالى من بني آدم كلّ سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه الأحاديث... وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر. وأمّا قول القاضي عيّاض عن المهلّب بن أبي صُفرة: لا يمكن رؤيتها حقيقةً. فغلط فاحش

____________________

1) فتح الباري، ص262 - 263، كتاب فضل ليلة القدر.

2) سورة القدر: 6.

3) روح المعاني، ج30، ص196.

٢٩٣

نبهتُ عليه لئلاّ يُغترّ به) (1) .

وقال في ذيل سورة الدخان، في قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (2) : أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعوّل عليه في ( لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) هي ليلة القدر، على ما روي عن ابن عبّاس وقتادة.

وفي تحفة المحتاج لابن حَجَر الهيتمي: (ليس لرائيها كَتْمها، ولا ينال فضلها - أي كمالها - إلاّ من أطلعه اللَّه عليها)، انتهى.

والظاهر أنّه عَنى برؤيتها: رؤية ما يحصل به العلم له بها، ممّا خُصّت به من الأنوار، وتنزّل الملائكة عليهم‌السلام ، أي: نحوٍ من الكشف ممّا لا يعرف حقيقته إلاّ أهله، وهو كالنصّ في أنّها يراها من شاء اللَّه تعالى من عباده. ثمّ حكى عن ابن شاهين: إنّه لا يراها أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ قال: وفي بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ رؤيتها مناماً وقعت لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيح مسلم وغيره، عن ابن عمر: (إنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّياً فليتحرَّها في السبع الأواخر) (3) .

وحُكي نحو قول ابن شاهين عن غيره أيضاً، وغلّط، ففي شرح صحيح مسلم وابن جُبير ومجاهد وابن زيد والحسن، وعليه أكثر المفسّرين والظواهر معهم.. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملةً إلى السماء الدنيا من اللوح، فالإنزال المنجّم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا، وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أنّ المحلّ الذي أُنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور، وهو

____________________

1) شرح مسلم، ج8، ص66.

2) سورة الدخان: 3.

3) صحيح مسلم، ج3، ص170.

٢٩٤

مسامِت للكعبة، بحيث لو نزل لنزل عليها.

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنّه قال: أُنزل القرآن جملةً على جبرئيل عليه‌السلام ، وكان جبرئيل عليه‌السلام يجي‏ء به بعدُ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ليلة القدر في سورة الشورى والنزول الأول للقرآن:

وقال في ذيل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ... ) (1) : وهو ما أُوحي إليه (عليه الصلاة والسلام)، أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية. وقيل: أي ومثل الإيحاء المشهود لغيرك، أوحينا أبو القاسم إليك. وقيل: أي مثل ذلك الإيحاء المفصّل، أوحينا إليك، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث، سواء فُسّر الوحي بالإلقاء، أم فُسّر بالكلام الشفاهي.

وقد ذُكر أنّه (عليه الصلاة والسلام) قد أُلقي إليه في المنام كما أُلقي إلى إبراهيم عليه‌السلام ، وأُلقي إليه عليه الصلاة والسلام في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه‌السلام . ففي (الكبريت الأحمر) للشعراني، نقلاً عن الباب الثاني من (الفتوحات المكّية): أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُعطي القرآن مجملاً قبل جبرئيل عليه‌السلام ، من غير تفصيل الآيات والسور. وعن ابن عبّاس تفسير الروح بالنبوّة. وقال الربيع: هو جبرئيل عليه‌السلام .

وعليه، فأوحينا مضمّن معنى أرسلنا، والمعنى: أرسلناه بالوحي إليك؛ لأنّه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله.

ونقل الطبرسي عن أبي جعفر، وأبي عبد اللَّه (رضي اللَّه تعالى عنهما): أنّ المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصعد

____________________

1) سورة الشورى 52: 42.

٢٩٥

إلى السماء. وهذا القول في غاية الغرابة، ولعلّه لا يصحّ عن هذين الإمامين.

وتنوين (روحاً) للتعظيم، أي روحاً عظيماً (1) ... وقال في ذيل قوله تعالى ( وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ ) : أي الروح الذي أوحيناه إليك. وقال ابن عطية: الضمير للكتاب، وقيل للإيمان، ورجّح بالقرب، وقيل للكتاب والإيمان ووحّد؛ لأنّ مقصدهما واحد فهو نظير ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) (2) .

____________________

1) روح المعاني، ج25، ص 80 - 81.

2) سورة التوبة: 62.

٢٩٦

ليلة القدر

في روايات أهل سنّة الخلافة

دوام ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة:

1 - فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني في (المصنّف) بسنده، عن مولى معاوية، قال: (قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر قد رُفعت، قال: كذّب من قال كذلك، قلت: فهي كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم... الحديث) (1) ، ورواه عنه بطريق آخر (2) ، ورواه كنز العمّال أيضاً (3) .

2 - وروى عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف بسنده، عن ابن عبّاس، قال: (ليلةٌ في كلّ رمضان يأتي، قال: وحدّثني يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثمّ رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل هي في كلّ سنة، بل هي في كلّ سنة) (4) .

3 - وروي عن ابن جرير، قال: (حُدّثت: أنّ شيخاً من أهل المدينة سأل أبا ذر بمنى، فقال: رُفعت ليلة القدر أم هي في كلّ رمضان؟ فقال أبو ذر: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: يا رسول اللَّه رُفعت ليلة القدر؟ قال: بل هي كلّ رمضان) (5) .

4 - وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب ليلة القدر، بسنده إلى ابن

____________________

1) المصنّف، ج3، ص216، ح 5586.

2) المصنّف، ج3، ص255، ح 7707.

3) كنز العمّال، ج3، ص634، ح 24490.

4) المصنّف، ج4، ص255، ح 7708.

5) المصنّف، ج4، ص255، ح 7709، وأخرجه هق، ج4، ص307، والطحاوي، ج2، ص50.

٢٩٧

أبي مرثد عن أبيه، قال: (كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كان أسأل الناس عنها رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا: ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رُفعت؟ قال: لا ولكن تكون إلى يوم القيامة) (1) .

5 - أخرج السيوطي في الدرّ المنثور: (عن محمّد بن نصر، عن سعيد بن المسيّب أنّه سُئل عن ليلة القدر، أهي شي‏ء كان فذهب، أم هي في كلّ عام؟ فقال: بل هي لأُمّة محمّد ما بقي منهم اثنان) (2) .

أقول: وفي هذه الرواية - وإن كانت مقطوعة - دلالةٌ على أن لو بقي في الأرض رجلٌ واحد لكان الثاني هو الحجّة وخليفة اللَّه في الأرض، الذي تنزّل عليه ليلة القدر بمقادير الأُمور، وأنّ ليلة القدر هي من حقائق وخصائص روح الحجّة في الأرض.

6 - وروى الطبري بسنده عن ربيعة بن كلثوم، قال: (قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، واللَّه الذي لا إله إلاّ هو إنّها لفي كلّ رمضان، وأنّها ليلة القدر، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي اللَّه كلّ أجل وعمل ورزق إلى مثلها) (3) .

النزول في ليلة القدر وحي للأنبياء، واستمراره بعد الأنبياء:

قال ابن خزيمة في صحيحه (4) : باب ذكر أبواب ليلة القدر، والتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيها ما يحسب كثيراً من حملة العلم، ممّن لا يفهم صناعة العلم، أنّها متهاتِرةٌ متنافية، وليس كذلك هي عندنا بحمد اللَّه ونعمته، بل هي

____________________

1) المصنّف لابن أبي شيبة، ج2، ص394، ح 5، باب 341.

2) الدرّ المنثور، ج6، ص371، في ذيل سورة القدر.

3) جامع البيان، ج25، ص139، ح24000.

4) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

٢٩٨

مختلفة الألفاظ متّفقة المعنى، على ما سأبيّنه إن شاء اللَّه.

قال أيضاً: باب ذكر دوام ليلة القدر في كلّ رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء.

7 - وروى بسنده إلى أبي مرثد، قال: (قال: لقينا أبا ذر وهو عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: ما كان أحد بأَسأل لها منّي، قلت: يا رسول اللَّه ليلة القدر أُنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها ثمّ ترجع؟ فقال: بل هي إلى يوم القيامة.. الحديث) (1) ، ورواه بطريق آخر أيضاً، في باب أنّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (2) .

8 - وروى النسائي، والقسطلاني، والهيثمي، وابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره حديث أبي ذر - في ليلة القدر - قال: (يا رسول اللَّه أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: بل هي باقية).

9 - وروى أحمد بن محمّد بن سلمة في شرح معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده، إلى مالك ابن مرثد عن أبيه، قال: (سألت أبا ذر فقلت: أسألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ليلة القدر؟ قال: نعم، كنت أسأل الناس عنها، قال عكرمة: يعني أشبع سؤلاً، قلت: يا رسول اللَّه، ليلة القدر أفي رمضان هي أم في غيره؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : في رمضان. قلت: وتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا رُفعوا رُفعت؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة) (3) .

10 - وفي صحيح ابن حِبان، قال في باب ذكر البيان بأنّ ليلة القدر تكون في العشر الأواخر كلّ سنة إلى أن تقوم الساعة، ثمّ روى بسند متّصل رواية أبي ذر

____________________

1) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

2) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص321.

3) شرح معاني الآثار، ج3، ص85.

٢٩٩

المتقدِّمة واللفظ فيها... (تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قُبضوا رُفعت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هي إلى يوم القيامة) (1) .

وروى البيهقي في فضائل الأوقات رواية أبي ذر المتقدّمة بإسناده (2) ، وقال - قبل تلك الرواية -: وليلة القدر التي ورد القرآن بفضيلتها إلى يوم القيامة وهي في كلّ رمضان... ثمّ نقل الخبر المزبور. وروى الهيثمي في موارد الظمآن رواية أبي ذر بسنده (3) .

11 - وروى أحمد بن محمّد بن سَلمة في معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عمر، قال: (سُئل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: في كلّ رمضان). ففي هذا الحديث أنّها في كلّ رمضان، فقال قوم هذا دليل على أنّها تكون في أوّله وفي وسطه، كما قد تكون في آخره. وقد يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (في كلّ رمضان)، هذا المعنى، ويحتمل أنّها في كلّ رمضان إلى يوم القيامة (4) ، ورواه بطرق أخرى غير مرفوعة.

أقول: هذه الروايات عند العامّة مطابقة لما يأتي من الروايات عند أهل البيت عليهم‌السلام ، من عدّة وجوه، أهمّها:

أوّلاً: ليلة القدر كانت من لَدُن آدم عليه‌السلام ، واستمرّت إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مستمرّة إلى يوم القيامة نزولاً على خلفاء النبيّ الاثني عشر.

وثانياً: إنّ هذا الروح النازل في ليلة القدر هو قناة ارتباط الأنبياء والأوصياء مع الغيب.

وثالثاً: ممّا يدلّل على عموم الخلافة الإلهية: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

____________________

1) صحيح ابن حِبّان، ج8، ص438.

2) البيهقي، ص 219.

3) موارد الظمآن، ص 231.

4) شرح معاني الحديث، ج3، ص84.

٣٠٠

الشفيع(١) .

وإذا أخذ البائع ثمن الشقص ، فهل له مخاصمة المشتري ومطالبته بالثمن؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّ له غرضاً صحيحاً ، فإنّه قد يكون ماله أبعد عن الشبهة ، والرجوع عليه بالدرك أسهل(٢) ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) . وحينئذٍ لو حلف المشتري ، فلا شي‌ء عليه. وإن نكل ، حلف البائع ، وأخذ الثمن من المشتري ، وكانت عهدته عليه.

وأمّا ما أخذه من الشفيع فهل يؤخذ منه ويوقف أو يترك في يده؟ وجهان.

وقيل : إنّ الوجهين في أنّه هل يطالب المشتري فيما إذا لم يرض بأخذ الثمن من الشفيع؟ فإن رضي ، فليقنع(٤) به(٥) .

فإن اعترف مع البيع بقبض الثمن ، فإن قلنا : لا شفعة إذا لم يعترف بالقبض ، فهنا أولى ، وإلّا فوجهان أصحّهما عندهم : ثبوتها(٦) .

ثمّ هل يترك الثمن في يد الشفيع ، أم يأخذه القاضي ويحفظه ، أم يجبر المشتري على قبوله أو الإبراء منه؟ فيه ما تقدّم(٧) .

مسالة ٧٧٠ : لو ادّعى عليه الشراء فصدّقه وقال : لم أشتره لنفسي‌ ، بل لفلان ، فإن كان المضاف إليه حاضراً ، استدعاه الحاكم ، فإن صدّقه ، كان‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « سهل ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فليتبع » بدل « فليقنع ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢.

(٧) في ص ٢٩٦ ، ضمن المسألة ٧٦٨.

٣٠١

الشراء له ، والشفعة عليه. وإن كذّبه ، حكم بأنّ الشراء للمدّعى عليه ، وأخذ منه بالشفعة.

وإن كان غائباً ، أخذه الحاكم منه ، ودفعه إلى الشفيع ، وكان الغائب على حجّته إذا قدم ، ولا تؤخّر الشفعة إلى حضور الغائب ؛ لما فيه من إسقاط الشفعة ، إذ لكلّ مشترٍ الالتجاء إلى دعوى الشراء للغائب. ولأنّ الغائب إمّا مصدّق أو مكذّب ، وعلى التقديرين يستحقّ الشفيع الشفعة إمّا عليه أو على الحاضر.

وإن قال : اشتريته لطفل هو ابني أو لي عليه ولاية ، فالأقرب : ثبوت الشفعة إن ثبت الشراء المطلق ، وإلّا فلا.

أمّا على التقدير الأوّل : فلأنّ الشراء موجب للشفعة على كلّ مشترٍ ، سواء كان طفلاً أو لا.

وأمّا على التقدير الثاني : فلأنّ الملك للطفل ، ولا تجب الشفعة بإقرار الوليّ عليه ؛ لاشتمال ذلك على إيجاب حقٍّ في مال الصغير بإقرار الوليّ.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّه إذا أضاف الشراء إلى من له عليه ولاية ، تثبت ، لأنّ المقرّ يملك الشراء ، فصحّ إقراره فيه ، كما يصحّ في حقّ نفسه.

والثاني : لا تثبت ؛ إذ لا يُقبل إقرار الوليّ في حقّ الطفل(١) .

تذنيب : إذا ادّعى عليه الشفعة [ فيما بيده ](٢) فقال : هذا الشقص لفلان الغائب أو لفلان الصغير ، لم تثبت الشفعة إلى أن يقدم الغائب ويبلغ‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٥١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في يده ». والظاهر ما أثبتناه.

٣٠٢

الصغير فيطالبهما بذلك ، ولا يسأل المقرّ عن سبب ملك الغائب والصغير ؛ لأنّ إقراره بعد ذلك يكون إقراراً في ملك الغير ولا يُقبل ، ويفارق إذا أقرّ بالشراء ابتداءً ؛ لأنّ الملك ثبت لهما بذلك الإقرار ، فيثبت جميعه.

مسالة ٧٧١ : لو قال المشتري : إنّي اشتريت الشقص بألف‌ ، فدفع الشفيع إليه الألف وأخذ الشقص بالشفعة فادّعى البائع أنّه باع الشقص بألفين ، قضي له بالألفين ؛ عملاً بالبيّنة ، ولم يكن للمشتري الرجوع على الشفيع بما زاد على الألف - وبه قال الشافعي(١) - لاعتراف المشتري بكذب بيّنة البائع ، وأنّه قد ظلمه في الزيادة ، فلم يحكم له بها ؛ وإنّما حكمنا للبائع بها ؛ لأنّه لم يكذّبها.

وقال أبو حنيفة : يأخذ الشفيع بالألفين ؛ لأنّ الحاكم إذا حكم عليه بالبيّنة ، فقد أبطل إقراره ، وثبت أنّ البيع كان بألفين(٢) .

ونمنع كذب المشتري ، وإبطال الحاكم إقراره في حقّ البائع لا يقتضي إبطاله في حقّ نفسه.

ولو قال المشتري : صدقت البيّنة وقد كنت نسيت(٣) الثمن ، لم يُقبل قوله ؛ لأنّه رجوع عن إقرار تعلّق به حقّ غيره ، فلا يُقبل ، كما لو أقرّ الإنسان بشي‌ء ثمّ قال : نسيت ، هو دونه ، لم يُقبل.

مسالة ٧٧٢ : لو ادّعى كلٌّ من الشريكين أنّ له الشفعة على صاحبه فيما في يده‌ ، رجعنا إليهما وقلنا : متى ملكتما؟ فإن قالا : ملكنا دفعةً واحدةً ، فلا شفعة ؛ لعدم السبق الذي هو شرط الأخذ بالشفعة.

____________________

(١) المغني ٥ : ٥٢٠ - ٥٢١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٦.

(٢) المغني ٥ : ٥٢١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٦.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنسيت ». وهو غلط.

٣٠٣

ولو ادّعى كلٌّ منهما السبق ، فقد تقدّم حكمه ما لو أقاما بيّنتين أو أقام أحدهما خاصّةً.

ولو لم يكن لأحدهما بيّنة ، نظر إلى السابق بالدعوى فقدّمنا دعواه ، وكان القول قول الآخَر مع يمينه ؛ لأنّه منكر ، فإذا حلف ، استحقّ نصيبه بالشفعة ، ولم تسمع دعواه على الأوّل ؛ لأنّ ملكه الذي يستحقّ به الشفعة قد زال.

مسالة ٧٧٣ : لو ادّعى أحد الشريكين أنّه قد باع حصّته على زيد فأنكر زيد‌ ، قُدّم قول المنكر - وهو زيد - مع اليمين وعدم البيّنة ، فإن صدّق الشفيع شريكه على البيع ، وطلب الشفعة وبذل الثمن ليأخذ الشقص ، فالأقرب : ثبوت الشفعة في حقّ البائع للشريك - وهو أحد قولي الشافعي ، وقول أبي حنيفة وأحمد(١) - لأنّ البائع أقرّ بحقّ للمشتري ، وحقٍّ للشفيع ، وقد سقط حقّ المشتري بإنكاره ، فلا يسقط حقّ الشفيع ، كما لو أقرّ بحقٍّ لاثنين فردّه أحدهما.

والقول الثاني للشافعي : [ لا ](٢) لأنّه لا شفعة هنا - وبه قال مالك - لأنّ الشفعة فرع على البيع ، فإذا لم يثبت البيع ، لم تثبت الشفعة ، فإنّ النسب إذا لم يثبت بإقرار أحد الورثة ، لم يثبت الميراث(٣) .

والفرق : أنّ النسب يتضمّن حقّاً له وحقّاً عليه ، فإذا لم يثبت ما له ، لم يثبت ما عليه ، وهنا يثبت ما له ، وهو الثمن ، فتثبت.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١ ، المغني ٥ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٨.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨١ ، المغني ٥ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٨.

٣٠٤

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا : لا تثبت الشفعة ، فللبائع مخاصمة المشتري وإحلافه ، فإن حلف ، سقطت الدعوى. وإن نكل ، حلف البائع ، ويثبت البيع ، وتثبت فيه الشفعة.

وهل للشفيع دون البائع إحلاف المشتري؟ الأقرب ذلك.

وكذا للشفيع إحلاف المشتري لو ملك(١) البائع.

ولو حلف المشتري للبائع ، فهل عليه أن يحلف للشفيع؟ الأقرب ذلك ، لأنّه مُدّعٍ آخَر ، فإن حلف ، سقطت الشفعة ، ولا تسقط بحلف المشتري للبائع. وإن نكل ، حلف الشفيع ، وكان حكمه مع البائع حكم الشفيع لو لم يُقرّ المشتري بالبيع وأقرّ البائع.

وأمّا إن قلنا : تثبت الشفعة ، فإن رضي البائع بتسليم الشقص إلى الشفيع وأخذ الثمن منه ، كانت العهدة عليه ولا كلام. وإن قال : أنا أُطالب المشتري بتسليم الثمن وبتسليم المبيع ، فهل له ذلك؟ فيه وجهان :

أحدهما : ليس له ذلك ؛ لأنّه قد حصل له مقصود دعواه من جهة الشفيع ، فلا حاجة له إلى المخاصمة.

والثاني : له ذلك ؛ لأنّه قد يكون له غرض بأن تكون معاملة المشتري أحبّ إليه في حقوق العقد وفي الدرك.

فإن قلنا : لا يخاصم المشتري ، دفعه إلى الشفيع ، وأخذ الثمن.

لا يقال : أليس لو ادّعى على رجل بدَيْن ، فقال رجل : أنا أدفع إليك الذي تدّعيه ولا تخاصمه ، لم يلزمه قبوله ، فهلّا(٢) قلتم هنا : لا يلزمه قبول الثمن من الشفيع؟

____________________

(١) كذا ، والظاهر « هلك » بدل « ملك ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فألّا » بدل « فهلّا » والصحيح ما أثبتناه.

٣٠٥

لأنّا نقول : الفرق ثبوت المنّة في قبول الدّين من الدافع إليه تبرّعاً ، وهنا بخلافه.

وإن قلنا : له مخاصمة المشتري ، فإن حلف ، سقطت دعواه عنه ، وأخذه الشفيع ، وكانت العهدة على البائع. وإن نكل ، حلف البائع ، وثبت(١) الشراء ، وطُولب بالثمن ، وكانت الشفعة عليه ، والعهدة للشفيع.

وأمّا إن كان البائع يدّعي البيع ويُقرّ بقبض الثمن والمشتري ينكر ، فهل تثبت الشفعة؟ قال بعض الشافعيّة : لا تثبت ، لأنّها لو ثبتت ، لكان الشفيع يأخذه بغير عوض ، وذلك لا يثبت له، كما لا تثبت له الشفعة في الهبة(٢) .

وقال بعضهم : تثبت الشفعة ؛ لأنّه قد أقرّ بالشفعة ، فلزمه ، ويأخذه الشفيع(٣) .

ويكون في الثمن ما تقدّم(٤) إمّا أن يأخذه المشتري أو يبرئ ، وإمّا أن يحفظه الحاكم ، وإمّا أن يبقى في ذمّة الشفيع.

مسالة ٧٧٤ : لو أثبتنا الشفعة مع الكثرة - كما هو رأي بعض علمائنا والعامّة(٥) - إذا كانت دار بين أربعة ، فباع أحدهم نصيبه من أجنبيّ فادّعى المشتري على أحدهم أنّه عفا ، وشهد له الشريكان الآخَران ، قُبلت شهادتهما إن كانا قد عفوا(٦) عن الشفعة ؛ لأنّهما لا يجرّان بهذه الشهادة نفعاً إلى أنفسهما. وإن لم يكونا قد عفوا ، لم تسمع شهادتهما ؛ لأنّهما يجرّان‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

(٢ و ٣ ) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) في ص ٢٩٦ ، ضمن المسألة ٧٦٨.

(٥) تقدّم في ص ٢٠٢ ، ضمن المسألة ٧٠٦.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة هنا وفيما يأتي : « عفيا » فصحّحناه بما ترى.

٣٠٦

إلى أنفسهما استحقاق جميع المبيع.

ولو شهدا بالعفو قبل أن يعفوا فردّت شهادتهما ثمّ عفوا وشهدا ، لم تُقبل ؛ لأنّ الشهادة إذا ردّت للتهمة ثمّ زالت التهمة ، لم تُقبل الشهادة ، كما لو شهد الفاسق فردّت شهادته فتاب ثمّ أقامها ، لم تسمع.

ولو شهدا بعد أن عفا أحدهما ، سُمعت شهادة العافي ، وحلف معه الذي لم يعف ، وسقطت شفعة المشهود عليه. وإن عفا الآخر بعد ما شهد ، حلف المشتري مع الشاهد ، وأخذ جميع الشقص.

فرعان :

أ - لو شهد البائع على الشفيع بالعفو ، فإن كان قبل قبضه الثمن ، لم تقبل شهادته ، لأنّه يجرّ إلى نفسه نفعاً ، وهو أن يفلس المشتري فيرجع إليه دون الشفيع. وإن كان بعد قبضه الثمن ، قبلت ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : لا تُقبل ؛ لأنّه ربّما توقّع العود إلى العين بسببٍ مّا(١) .

ب - لو شهد السيّد على مكاتبه بالعفو عن الشفعة ، قُبل ؛ لأنّ ذلك في الحقيقة شهادة عليه.

ولو شهد بالشراء فيما لمكاتبه الشفعة فيه ، قال بعض الشافعيّة :

تُقبل ، ثمّ تثبت فيه الشفعة تبعاً ، ولو شهد له بالشفعة ، لم تُقبل(٢) .

وفيه نظر.

مسالة ٧٧٥ : لو كان ملكٌ بين اثنين أحدهما حاضر والآخَر غائب‌ ، ونصيب الغائب في يد وكيله ، فادّعى الحاضر على الوكيل أنّه اشترى نصيب‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٤.

٣٠٧

الغائب وله فيه الشفعة ، وأقام بذلك بيّنةً ؛ فإنّ الحاكم يسمع بيّنته ، ويثبت الشراء والشفعة ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) .

قال المزني : وهذا قضاء على الغائب بالشراء(٢) ، يريد أنّ الشراء يثبت وهو على الغائب ، فقال بعض(٣) الشافعيّة : إنّه ليس قضاءً على الغائب ، وإلّا احتيج إلى اليمين مع الشهادة.

وهذا الفرع ساقط عنّا ؛ لأنّا نحكم على الغائب.

مسالة ٧٧٦ : دار بين أخوين وأجنبيّ أثلاثا فباع الأجنبيّ نصيبه من رجل فطالب أحد الشريكين الأخوين بالشفعة ، فقال المشتري : إنّما اشتريته لأخيك ، فكذّبه وقال : بل اشتريته لنفسك ، فإن صدّقه الذي أقرّ له ، كان الشقص بين الأخوين ، وكذا إن كذّبه وطالَب بالشفعة فإن قال : أحلفوه أنّه اشتراه لأخي ، لم يحلف ، لأنّ المدّعي يستحقّ نصفه سواء صدّق أو كذّب.

وقد أثبت أبو العباس من الشافعيّة الشفعة للمشتري في هذا الفرع(٤) .

فإن قال أحد الأخوين للمشتري : شراؤك باطل ، وصدّقه الآخر على ( صحّة الشراء )(٥) كانت الشفعة للمصدّق خاصّةً.

وكذا إن قال أحدهما : لم يبعه وإنّما اتّهبه ، وصدّقه الآخَر على الشراء ، كانت الشفعة للمصدّق ؛ لأنّ المكذّب أسقط حقّ نفسه وأقرّ أنّه لا شفعة.

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٤ ، المغني ٥ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٠ - ٥٣١.

(٢) مختصر المزني : ١٢١.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٢٩٨.

(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٥) بدل ما بين القوسين في « س ، ي » : « صحّته ».

٣٠٨

تذنيب : لو كانت دار في يد رجل فادّعى آخر عليه أنّه يستحقّ سدسها ، فأنكره ثمّ قال له المدّعى عليه : خذ منّي السدس الذي ادّعيته بسدس دارك ، فإذا فعل هذا ، صحّ ، ووجبت الشفعة في كلّ واحد من الشقصين للشفيع ، عند الشافعي(١) .

وعندنا لا تثبت الشفعة وإن كان له ، وليس ذلك صلحاً على الإنكار ؛ لأنّ المدّعى عليه باع المدّعى ، دون المدّعي.

مسالة ٧٧٧ : لو كان في يد اثنين دار بالشركة بينهما‌ ، فادّعى أحدهما على الآخر بأنّ النصف الذي في يده اشتراه من زيد ، وصدّقه زيد على ذلك ، وقال الشريك : ما اشتريته وإنّما ورثته من أبي ولا شفعة لك ، فأقام الشفيع شاهدين شهدا بأنّ زيداً ملك هذا الشقص ميراثاً عن أبيه ، لم يشهدا بأكثر من ذلك ، قال محمّد بن الحسن : تثبت الشفعة للشفيع ، ويقال له : إمّا أن تدفع الشقص إليه وتأخذ الثمن ، أو تردّه على البائع ليأخذه الشفيع من البائع ويأخذ الثمن يدفعه إليك ، لأنّ الشاهدين يشهدان لزيد بالملك ، وزيد يقرّ أنّ المشتري قد ملكه منه بالشراء ، فكأنّهما شهدا لزيد بالملك ، وعليه بالبيع(٢) .

قال ابن سريج من الشافعيّة : هذا غلط ، ولا شفعة لهذا المدّعي بذلك ، لأنّ البيّنة لم تشهد بالبيع. وأمّا إقراره فليس بينه وبين المشتري منازعة فيثبت إقراره ، وإنّما يقرّ على المشتري بالشفعة ، وليست الشفعة من حقوق العقد على البائع ، فيقبل فيها قول البائع. ولأنّ شهادته مقبولة ؛ لأنّه‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) حكاه عنه الشيخ الطوسي في المبسوط ٣ : ١٦٠.

٣٠٩

يشهد على فعل نفسه.

وقال : هذا بمنزلة أن يحلف رجل أنّي ما اشتريت هذه الدار من زيد ، فيقول زيد : أنا ما بعتها منه ، وقد كانت ملكاً لزيد ، فإنّه لا يُقبل قوله عليه في الحنث ، كذا هنا(١) .

مسالة ٧٧٨ : لو مات شفيع وله وارثان‌ ، فادّعى المشتري أنّهما عفوا عن الشفعة ، ولا بيّنة، فالقول قولهما في عدم العفو ، فإن حلفا ، تثبت لهما الشفعة ، فإن حلف أحدهما ونكل الآخَر ، لم يحلف المشتري مع نكوله ؛ لأنّه إذا حلف مع نكوله ، عاد حقّ الشفعة إلى الشريك الحالف ، ولم ينتفع المشتري بيمينه.

ثمّ يُنظر في الشريك الحالف ، فإن صدّق شريكه على عدم العفو ، كانت الشفعة بينهما ، ويأخذ الناكل بالتصديق لا بيمين غيره ، ودركه على المشتري. وإن كذّبه ، أحلف الناكل له ، ولا يكون النكول مسقطاً ؛ لأنّ ترك اليمين عذر ، على إشكال. وإن ادّعى أنّه عفا ، حلف هو مع نكوله ، وتثبت الشفعة كلّها له. فإن عفا هذا الحالف بعد يمينه ، كان للمشتري أن يحلف مع نكول الآخَر ؛ لأنّه الآن تسقط عنه الشفعة.

ولو شهد أجنبيّ بعفو أحدهما ، فإن حلف بعد عفو الآخَر ، بطلت الشفعة ، وإلّا أخذ الآخَر الجميعَ.

ولا فرق في هذا الفرع بين أن يكون الشفيعان ورثا الشفعة أو كانا شريكين عند مثبتي الشفعة مع الشركة.

مسالة ٧٧٩ : لو ادّعى على شريكه أنّه اشتراه وله عليه شفعة‌ ، فأنكر‌

____________________

(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في المبسوط ٣ : ١٦٠.

٣١٠

الشريك الشراء وادّعى الميراث ، قُدّم قول الشريك ؛ لأصالة عدم الشفعة ، وقد سبق(١) .

ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً ، قيل : يُقرع ؛ لأنّه مشتبه.

ويُحتمل قويّاً الحكم ببيّنة الشفيع ؛ لأنّ القول قول مدّعي الإرث مع اليمين ، فتكون البيّنة بيّنة الآخَر.

مسالة ٧٨٠ : لو ادّعى الشفعة فأنكر المدّعى عليه ملكيّة المدّعي‌ ، فالأقرب : القضاء له باليد على ما تقدّم(٢) .

ولو ادّعى أحدُ المتشبّثين الجميع والآخر النصف فقضي له بالنصف باليمين وقضي لصاحب الجميع بالنصف ؛ لعدم المزاحمة فيه ثمّ باعه مدّعي الكلّ ، لم يكن لمدّعي النصف شفعة إلّا مع القضاء باليد.

ولو ادّعى عليه أنّه اشترى حصّة الغائب ، التي في يده ، فصدّقه ، احتُمل ثبوت الشفعة ؛ لأنّه إقرار من ذي اليد. وعدمُه ؛ لأنّه إقرار على الغائب ، فإن قضي بالشفعة فقدم الغائب وأنكر البيع، قُدّم قوله مع اليمين ، وانتزع(٣) الشقص ، وطالَب بالأجرة مَنْ شاء منهما ، ولا يرجع أحدهما على الآخَر.

مسالة ٧٨١ : لو قال أحد الوارثين أو أحد الشريكين - إن أثبتنا [ الشفعة ](٤) مع الكثرة - : شراؤك باطل‌ ، وقال الآخَر : بل هو صحيح ، فالشفعة بأجمعها للمعترف بالصحّة.

____________________

(١) في ص ٢٩٨ - ٢٩٩ ، المسألة ٧٦٩.

(٢) في ص ٢٩٥ ، المسألة ٧٦٧.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « وانتزعه ».

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الشركة ». والصحيح ما أثبتناه.

٣١١

وكذا لو قال : أنت اتّهبته ، أو ورثته ، وقال الآخَر : بل اشتريته.

ولو ادّعى المتبايعان غصبيّة الثمن المعيّن ، لم ينفذ في حقّ الشفيع ، بل في حقّهما ، ولا يمين عليه ، إلّا أن يدّعى عليه العلم ، فيحلف على نفيه.

ولو أقرّ الشفيع والمشتري خاصّةً ، لم تثبت الشفعة ، وعلى المشتري ردّ قيمة الثمن على صاحبه ، ويبقى الشقص معه يزعم أنّه للبائع ويدّعي وجوب ردّ الثمن ، والبائع ينكرهما ، فيشتري الشقص منه اختياراً ، ويتباريان ، وللشفيع في الثاني الشفعة.

ولو أقرّ الشفيع والبائع خاصّةً ، ردّ البائع الثمن على المالك ، وليس له مطالبة المشتري ، ولا شفعة.

ولو ادّعى مِلْكاً على اثنين ، فصدّقه أحدهما ، فباع حصّته على المصدّق ، فإن كان المكذّب نفى الملك عنه ، فلا شفعة. وإن نفى دعواه عن نفسه ، فله الشفعة.

مسالة ٧٨٢ : لو أقام المشتري بيّنةً على الشفيع بأنّه قد عفا عن الشفعة‌ ، وأقام الشفيع بيّنةً بأخذه بالشفعة ، والشقص في يد الشفيع ، فالأقرب : الحكم ببيّنة السابق ، فإن اتّحد أو أطلق التاريخان ، احتُمل تقديم بيّنةِ الشفيع ؛ لقوّتها باليد ، وبيّنةِ المشتري ؛ لزيادة علمها بالعفو.

وأصحّهما عند الشافعيّة : الثاني(١) .

وفيه نظر ؛ فإنّ بيّنة الآخذ تزيد أيضاً الشهادة بالأخذ.

مسالة ٧٨٣ : لو خرج الشقص مستحقّاً بعد بناء الشفيع فيه وغرسه‌ ، وقلع المستحقّ البناء والغرس ، فالقول فيما يرجع به الشفيع على المشتري‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٣.

٣١٢

من الثمن وما نقص من قيمة البناء والغرس وغير ذلك كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه.

البحث السادس : في مسقطات الشفعة.

مسالة ٧٨٤ : المشهور عند علمائنا أنّ الشفعة على الفور‌ ، فإن أخّر الشفيع الطلب مع عدم العذر ، بطلت شفعته - وهو المشهور من أقوال الشافعي(١) ، وهو المذكور في كتبه الجديدة، وبه قال أبو حنيفة إلّا أنّه يقدّره بالمجلس(٢) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الشفعة لمن واثبها »(٣) .

وعنهعليه‌السلام « الشفعة كنشط العقال إن قُيّدت ثبتت ، وإن تُركت فاللوم على مَنْ تركها »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عليّ بن مهزيار عن الجوادعليه‌السلام في حديثٍ أنّه حدَّ للشفيع مجي‌ء الثمن ثلاثة أيّام إن كان الثمن في البلد ومدّة غيبته ، وثلاثة أيّام بعد حضوره إن كان في غير البلد، ثمّ قالعليه‌السلام : « فإن‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٦ - ٣٨٧ ، الوجيز ١ : ٢٢٠ ، الوسيط ٤ : ٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨ ، المغني ٥ : ٤٧٧ و ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٣.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٥١ - ٥٢ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٢٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤١ / ١٩٤٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ - ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩ ، المغني ٥ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٣ و ٤٧٤.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٧ ، المغني ٥ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٤.

(٤) المغني ٥ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٧ - ٥٣٨.

٣١٣

وافاه وإلّا فلا شفعة له »(١) ولو كانت الشفعة على التراخي ، لم تسقط الشفعة بتأخير الثمن ، بل كانت تفتقر إلى تجديد فسخ ، كما افتقر البائع إذا أخّر المشتري أداء الثمن بعد ثلاثة أيّام.

ولأنّ خيار الشفعة إنّما يثبت لإزالة الضرر عن المال ، فكان على الفور ، كخيار الردّ بالعيب.

والقول الثاني للشافعي : أنّ له الخيار ثلاثة أيّام ، فإن شاء أخذ بالشفعة ، وإن شاء ترك ، فإن خرجت الثلاثة ولم يختر الأخذ ، بطلت شفعته - وبه قال ابن أبي ليلى والثوري - لأنّ إثبات الخيار على التراخي إضرار بالمشتري ؛ لأنّ ملكه لا يستقرّ على المبيع ، ولا يتصرّف بعمارته على حسب اختياره ؛ لأنّه يخاف أن يؤخذ منه فيضيع بعض نفقته ، ولا يمكن جَعْلها على الفور ؛ لأنّ الشفيع يحتاج إلى أن يتفكّر وينظر هل الحظّ في الأخذ أو الترك؟ ويتسبّب في تحصيل الثمن ، فإذا جعل على الفور ، أضرّ به ، فلم يكن بُدٌّ من حدٍّ فاصل ، وليس إلّا الثلاثة ، كما حدّ بها خيار الشرط عندهم - وخيار الحيوان عندنا - وهي آخر حدّ القلّة(٢) .

وهو يبطل بخيار الردّ بالعيب.

والثالث : أنّه على التراخي لا يسقط إلّا بإسقاطه والتصريح بالترك ، وليس للمشتري مطالبته بالأخذ أو الترك - وبه قال مالك ، إلّا أنّ عند مالك‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦٧ / ٧٣٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٧ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٤ ، الوجيز ١ : ٢٢٠ ، الوسيط ٤ : ٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨ ، المغني ٥ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٣.

٣١٤

في انقطاعه روايتين(١) : إحداهما : أنّها تنقطع بعد سنة. والثانية : تنقطع بأن يمضي عليه من الزمان ما يعلم أنّه تارك لها - لأنّ هذا الخيار لا ضرر في تأخيره ؛ لأنّ المنفعة تكون للمشتري ، وإن أحدث فيه عمارةً من بناء أو غرس ، فإنّه يأخذ قيمته ، وما لا ضرر في تأخيره يكون على التراخي ، كخيار القصاص(٢) .

ونمنع عدم التضرّر(٣) وقد سبق.

[ و ] الرابع : قال في القديم : إنّه على التراخي لا يسقط إلّا بإسقاطه ، أو يوجد منه ما يدلّ على إسقاطه ، مثل أن يقول المشتري : يعني هذا الشقص ، أو : بِعْه لمن شئت ، أو : هَبْة لي أو لمن شئت ، أو : قاسمني(٤) .

وقال بعض الشافعيّة. لا يبطل بهذا ، وللمشتري أن يرفعه إلى الحاكم ، فيقول له : إمّا أن تأخذ أو تدع(٥) .

أمّا التراخي : فلما مرّ.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « روايتان ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٥ و ٢٨٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٠ ، الوسيط ٤ : ٩٧ - ٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٨ و ٥٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٦٣ ، المعونة ٢ : ١٢٧٤ ، المغني ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٣.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « الضرر ».

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨ ، وانظر : الوسيط ٤ : ٩٨.

(٥) الحاوي الكبير ٧ : ٢٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨ ، وانظر : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٦ - ٣٨٧ ، وحلية العلماء ٥ : ٢٨٥ ، والوسيط ٤ : ٩٨.

٣١٥

وأمّا المطالبة : فليزول عن المشتري ما يخافه من أخذ الشفيع ، وذلك يمنعه من العمارة والتصرّف على حسب اختياره ، وقد يلزمه على العمارة أكثر ممّا يقوم به ، فيلحقه الضرر.

وليس بجيّد ؛ لوجود التضرّر مع التراخي.

والخامس : أنّه على التراخي يمتدّ مدّة تتّسع لتأمّل المصلحة في الأخذ(١) .

وهو إضرار بالمشتري.

إذا عرفت هذا ، فلو أخّر المطالبة مع عدم العذر ، بطلت شفعته وإن لم يفارق المجلس ؛ لما تقدّم(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا لم يفارق المجلس ، لم تبطل(٣) .

مسالة ٧٨٥ : إنّما يُحكم بالفوريّة في الشفعة إذا علم الشفيع بالبيع‌ ، فحينئذ إذا أخّر لغير عذر ، بطلت ، أمّا لو لم يعلم بالبيع ، فلا تبطل شفعته وإن مضت سنون كثيرة ، وهو على شفعته إذا علم.

ولو أخبره مَنْ يفيد قوله العلم ، كالمعصوم أو عدد التواتر ، فترك المطالبة وقال : لم اُصدّق المخبر ، بطلت شفعته ، وعُلم(٤) كذبه.

وإن أخبره مَنْ لا يفيد خبرُه العلم ، فإن كان ممّن تثبت الحقوق الشرعيّة بإخباره كالعدلَين أو الرجل والمرأتين مع عدالتهم ، سقطت شفعته أيضاً ، لأنّ إخبار هؤلاء حجّة في الشرع يُعمل بها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٨.

(٢) في صدر نفس المسألة.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٥١ - ٥٢ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٢٦ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « إذا علم » بدل « وعلم ».

٣١٦

وإن أخبره عَدْلٌ واحد ، فالأقرب : أنّه لا تسقط شفعته ؛ لأنّ الواحد لا تقوم به البيّنة ، وهو أحد قولي الشافعي ، ورواه الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وزفر(١) .

والثاني للشافعي : أنّه تبطل شفعته ، ولا يُقبل عذره بعدم التصديق ؛ لأنّ الواحد حجّة إذا حلف المدّعي معه(٢) .

وليس شيئاً ؛ إذ لا يمين هنا ، فإنّه غير عالم فكيف يحلف!؟ فإذا لم يحلف كيف يثبت!؟

ولو أخبره مَنْ لا يُقبل قوله - كالكافر والفاسق والصبي - لم تبطل شفعته.

والمرأة كالعبد يُقبل قولها ، وتبطل شفعته باختيارها عند الشافعي في أحد قوليه. وفي الثاني : أنّها كالفاسق(٣) .

وفي النسوة عنده وجهان بناءً على أنّ المدّعي هل يقضى له بيمينه مع امرأتين؟ إن قلنا : لا ، فهنّ كالمرأة ، وإلّا فكالعدل الواحد(٤) .

ولو بلغ هؤلاء عدد التواتر ، بطل حقّه وإن كانوا كافرين أو فسقةً ؛ لثبوت العلم عند خبرهم.

____________________

(١) الوجيز ١ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٨٠ ، عيون المسائل : ١٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٨ و ٢٨٩ ، وفي ص ٢٨٨ نسبة العكس إلى رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وزفر.

(٢) الوجيز ١ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤١ ، حلية العلماء ٥ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

(٣) حلية العلماء ٥ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٠.

٣١٧

ولو أخبره واحد فصدّقه ولم يطلب الشفعة ، بطلت وإن لم يكن عدلاً ؛ لأنّ العلم بذلك قد يحصل بالواحد للقرائن.

مسالة ٧٨٦ : إذا علم بالبيع وجهل استحقاقه للشفعة ، لم تبطل شفعته‌ ، وكان له طلبها بعد العلم. ولو علم الشفعة أيضاً ، لم نكلّفه(١) المبادرة على خلاف العادة ، والعَدْوَ حالَ مشيه ولا تحريك دابّته ، بل يمشي على حسب عادته ، بل يرجع(٢) في ذلك كلّه إلى العرف ، فكلّ ما لا يُعدّ تقصيراً لا تبطل به الشفعة ، وما يُعدّ تقصيراً أو توانياً في الطلب فإنّه مسقط لها.

مسالة ٧٨٧ : لو أخّر الطلب لعذر ، لم تسقط شفعته. والعذر ضربان :

أحدهما : ينتظر زواله عن قرب ، مثل الاشتغال بصلاةٍ واجبة أو مندوبة أو أكل أو قضاء حاجة أو كونٍ في حمّام ، فله الإتمام ، ولا يكلّف قطعها على خلاف العادة ، وهو أصحّ قولي الشافعيّة. والثاني : أنّه يكلَّف قطعها حتى الصلاة إذا كانت نافلةً(٣) .

وعلى الصحيح لو دخل وقت الأكل أو الصلاة أو قضاء الحاجة ، جاز له أن يقدّمها ، فإذا فرغ ، طلب(٤) الشفعة ، ولا يلزمه تخفيف الصلاة الواجبة ولا المندوبة ، ولا يجب عليه الاقتصار على المجزئ.

ولو علم ليلاً ، أو كان يريد الصلاة فأصبح إلى الغد ، أو أذّن وأقام وصلّى السنّة ، لم تبطل شفعته. وكذا لو انتظر الجماعة.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يكلّفه ». والصحيح : « لم يكلّف » أو ما أثبتناه.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « ويرجع » بدل « بل يرجع ».

(٣) الوجيز ١ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « يطلب ».

٣١٨

الثاني : ما لا ينتظر زواله عن قرب ، كالمرض والحبس والغيبة.

أمّا المرض فإن مَنَعه من الطلب والتوكيل فيه ، لم تبطل شفعته.

وإن لم يمنعه عن التوكيل فأخّر التوكيل مع إمكانه ، بطلت شفعته - وهو أظهر مذاهب الشافعي - لأنّه أخّر الطلب مع إمكانه.

والثاني له : لا تبطل شفعته بترك التوكيل ؛ لأنّه قد يكون له غرض بأن يطالب بنفسه ؛ لأنّه أقوم بذلك ، أو يخاف الضرر من جهة وكيله بأن يقرّ عليه فيلزمه إقراره برشوة أو غير ذلك ، فكان معذوراً في تأخيرها.

والثالث : إن لم يلحقه في التوكيل منّة ولا مؤونة ثقيلة(١) ، بطلت ، وإلّا فلا(٢) .

والمعتمد ما قلناه.

نعم ، لو خاف ضرراً على ما قلناه أوّلاً فأخّر التوكيل ، لم تبطل شفعته.

ولو لم يمكنه التوكيل ولا الطلب وأمكنه الإشهاد على الطلب ، وجب عليه الإشهاد ، فإن أهمل الإشهادَ لغير عذر ، بطلت شفعته عند بعض الشافعيّة ؛ لأنّه قد يترك الطلب للعذر وقد يتركه لغير عذر ، فإذا لم يشهد لم يعلم أنّه لعذر ، فسقطت شفعته.

والثاني - وهو الأقوى عندي - أنّه لا يحتاج إلى الإشهاد ؛ لأنّه إذا ثبت عذره ، كان الظاهر أنّه ترك الشفعة لأجل ذلك ، فقُبل قوله في ذلك(٣) .

وأمّا المحبوس فإن كان حبسه ظلماً بغير حقٍّ أو بحقٍّ هو عاجزٌ عنه ، فحكمه كالمريض إن لم يمكنه التوكيل ، لم تسقط شفعته. وإن أمكنه‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بفعله » بدل « ثقيلة » ، وما أثبتناه من المصادر.

(٢) الوجيز ١ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

٣١٩

ولم يفعل ، سقطت.

وللشافعيّة(١) الوجهان السابقان.

ولو كان محبوساً بحقٍّ يقدر على أدائه ويجب عليه دفعه وهو مُماطل به ، فإن وكّل ، جاز. وإن لم يوكّل ، بطلت شفعته ؛ لأنّه تركها مع القدرة عليها ، وبه قال الشافعي(٢) .

وأمّا الغائب فإذا بلغته الشفعة ، فإن أمكنه المسير فسار أو وكّل في الطلب ، لم تسقط شفعته. وإن تعذّر عليه المسير والتوكيل ، فحقّه باقٍ. وإن أمكنه التوكيل فلم يوكّل ، كان على الوجهين في المريض.

إذا ثبت هذا ، فكلّ موضعٍ أخّر لعذرٍ ، فهل يجب عليه أن يُشهد على نفسه أنّه على الطلب؟ وجهان تقدّما.

والخوف من العدوّ كالمرض.

وكذا خوف الطريق أو عدم الرفيق مع الحاجة إليه والخوف على ضياع شي‌ء من ماله أعذار.

والمسافر إذا بلغه الخبر ، يخرج طالباً عند بلوغ الخبر ، أو يبعث وكيلاً مع أمن الطريق ، وإلّا انتظر مَنْ يعتمد عليه ويثق بالسفر معه فيسافر ، أو يبعث معه الوكيل.

والحَرّ والبرد المفرطان اللّذان يتعذّر السير معهما كالخوف.

وإذا لم يُشهد على الطلب مع إمكانه ، ففي بطلان الشفعة ما تقدّم من الوجهين.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣٩ - ٥٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٩.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381