تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء20%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119857 / تحميل: 5661
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ولا تدخل الحجارة المدفونة ولا الآجر المدفون ؛ لأنّه مودع فيها ، إلّا أن تكون الحجارة والآجر مثبتين فيها.

مسالة ٥٧٨ : إذا كان في الدار بئر الماء ، دخلت في المبيع‌ ؛ لأنّها من أجزاء الدار ، وبه قال الشافعي(١) .

وأمّا الماء الحاصل في البئر فالأقرب دخوله.

وللشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه مملوك لصاحب الدار ؛ لأنّه نماء ملكه ، فكان داخلاً في ملكه كلبن الشاة ، وبه قال ابن أبي هريرة.

والثاني : أنّه غير مملوك ، لأنّه يجري تحت الأرض ويجي‌ء إلى ملكه ، فهو بمنزلة الماء يجري من النهر إلى ملكه لا يملكه بذلك. ولأنّه لو كان ملكاً لصاحب الدار ، لم يجز للمستأجر إتلافه ، لأنّ الإجارة لا تستحقّ إتلاف الأعيان ، فعلى هذا لو دخل داخل فاستقى ماءً بغير إذن صاحب الدار ، ملك الماء وإن كان متعدّياً بالدخول(٢) .

وإذا باع الماء الذي في البئر ، لم يصحّ البيع على الوجهين عند الشافعي(٣) ؛ لأنّه في أحد الوجهين لا يملك الماء ، فلا يصحّ. وفي الآخر : يكون الماء مجهولاً فيها ، ولا يمكن تسليمه ؛ لأنّه إلى أن يسلّمه يختلط به غيره ، فإذا باع الدار ، لم يدخل الماء في البيع المطلق على الوجهين.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٢.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٦ ، و ٦ : ٢٣٩ - ٢٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٢ ، و ٤ : ٣٧٣ ، المغني ٤ : ٢١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٠٣.

(٣) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤٢ ، وروضة الطالبين ٤ : ٣٧٥.

٦١

وأمّا عندنا فإنّه يجوز بيعه منضمّاً إلى الدار ، والجهالة لا تضرّ ؛ لأنّها تابعة ، كأساسات الحيطان.

وإن شرط دخول الماء في البيع ، صحّ عندنا وعنده على قوله : إنّ الماء مملوك(١) .

وأمّا العيون المستنبطة فإنّها مملوكة.

وهل يملك الذي فيها؟ أمّا عندنا : فنعم. وأمّا عند الشافعي :

فوجهان(٢) .

ولا يمكن بيع الماء الذي فيها منفرداً ؛ للجهالة. ويجوز بيع العين وجزء منها.

وأمّا المياه التي في الأنهار - كالفرات ودجلة وما دونها من المياه في الجبال والعيون - فليست مملوكةً ، ومَنْ أخذ منها شيئاً وحازه(٣) ملَكَه ، وجاز له بيعه.

وإذا جرى من هذه المياه شي‌ء إلى ملك إنسان ، لم يملكه بذلك ، كما لو توحّل ظبي في أرضه أو نزل ثلج إلى ساحته.

وكذا إذا حفر نهراً فجرى الماء إليه من هذه الأنهار ، لم يملكه بذلك ، فيجوز لغيره الشرب منه.

أمّا لو حفر النهر وقصد بذلك إجراء الماء وكان النهر مملوكاً له ، فالأولى أنّه يملكه ؛ لأنّه قد حازه(٤) حيث أجراه في نهره ، فكان كما لو أخذ في آنيته.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٢.

(٢) انظر : العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤٠ ، وروضة الطالبين ٤ : ٣٧٣ ، والمغني ٤ : ٢١٧ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٠٣.

(٣ و ٤ ) في الطبعة الحجريّة و « س ، ي » : « أحازه ». والصحيح ما أثبتناه.

٦٢

مسالة ٥٧٩ : لو كان في الأرض أو الدار معدن ظاهر - كالنفط والملح والغاز والكبريت - فهو كالماء هل يملكه صاحب الأرض؟ للشافعيّة وجهان(١) .

وعندنا أنّه مملوك له إذا كان في ملكه.

وإن كان باطناً كالذهب والفضّة وغيرهما من الجامدات ، فهي مملوكة تتبع الأرض في الملك وفي البيع ؛ لأنّها جزء منها - وبه قال الشافعي(٢) - إلّا أنّه لا يجوز بيع معدن الذهب بالذهب.

ولو بِيع بالفضّة ، جاز عندنا ، وعنده قولان(٣) سبقا في الجمع بين البيع والصرف.

مسالة ٥٨٠ : لو باع داراً في طريقٍ غير نافذٍ ، دخل حريمها في البيع وطريقها.

وفي دخول الأشجار فيه ما سبق. وإن كانت في طريقٍ نافذ ، لم يدخل الحريم والأشجار في البيع ، بل لا حريم لمثل هذه الدار ، قاله الشافعي(٤) .

مسالة ٥٨١ : لو باع داراً ، دخل فيها الأعلى والأسفل‌ ؛ لأنّ اسم الدار يشملهما ، إلّا أن تشهد العادة باستقلال الأعلى بالسكنى ، فلا يدخل. وكذا الخان.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٩٩ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٢.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٠ - ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٢ - ٢٠٣.

٦٣

البحث الخامس : العبد.

مسالة ٥٨٢ : إذا باع عبده أو أمته ، لم يتناول العقد مالَ العبد إن كان له مال وقلنا : إنّه يملك بالتمليك ؛ اقتصاراً على ما يتناوله اللفظ وإبقاءً لغيره على أصله.

ولو شرط البائع المال لنفسه ، فلا بحث في أنّه له ؛ لأنّ ملك العبد ناقص ، وللمولى انتزاعه منه دائماً.

وإن باعه مع المال ، فإن قلنا : إنّه لا يملك ما ملّكه مولاه ، اعتبر فيه شرائط البيع ، فلو كان مجهولاً ، لم يصح. وكذا لو كان دَيْناً والثمن دَيْنٌ ، أو كان ذهباً والثمن منه.

ولو كان ذهباً والثمن فضّة أو بالعكس ، جاز عندنا.

وللشافعي قولان(١) .

وإن قلنا : إنّه يملك ، انتقل المال إلى المشتري مع العبد ، ولا تضرّ الجهالة عند الشافعي(٢) ؛ لأنّ المال هنا تابع وجهالة التابع محتملة كجهالة الأساسات والحمل واللبن وحقوق الدار ، بخلاف الأصل ؛ فإنّه لا يحتمل الجهالة.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ المال ليس بمبيع لا أصلاً ولا تبعاً ولكن شرطه للمبتاع تبقية له على العبد كما كان ، فللمشتري انتزاعه ، كما كان للبائع الانتزاع ، فلو كان المال ربويّا والثمن من جنسه ، فلا بأس. وعلى الأوّل لا يجوز ذلك ، ولا يحتمل الربا في التابع كما في الأصل(٣) .

____________________

(١ - ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٣.

٦٤

والتحقيق أن نقول : إن باعه العبد وماله بحيث كان المال جزءاً من المبيع ، شرط فيه ما شرط في المبيع. وإن باعه العبد وشرط له المال ، كان المال للمشتري ، واشترط فيه شرائط البيع.

مسالة ٥٨٣ : الأقرب : عدم دخول الثياب التي للعبد في بيعه‌ ، اقتصارا على ما تناوله حقيقة اللفظ ، كالسرج لا يدخل في بيع الدابّة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : تدخل ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنّ ما عليه من الثياب يدخل اعتباراً بالعرف ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

ولا بأس بهذا القول عندي ، وهو الذي اخترناه في كتاب القواعد(٢) .

والثاني : يدخل ساتر العورة دون غيره(٣) .

ولا وجه له ؛ لأنّ العرف يقضي بالثاني واللغة بالأوّل ، فهذا لا اعتبار به.

ولو جرّده من الثياب وباعه ، لم تدخل قطعاً.

وكذا البحث في عذار الدابّة ومفقودها.

ويدخل نعلها ؛ لأنّه متّصل بها ، فصار كالجزء منها.

مسالة ٥٨٤ : ولا يدخل حمل الجارية ولا الدابّة في بيعهما إلّا مع الشرط‌ ، ولا ثمرة شي‌ء من الأشجار إلّا النخل إذا لم يؤبَّر. ولو شرط خلاف ذلك ، جاز. وقد تقدّم(٤) البحث في هذا كلّه.

____________________

(١ و ٣ ) الحاوي الكبير ٥ : ١٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٧ - ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٣.

(٢) قواعد الأحكام ٢ : ٨٥.

(٤) في ج ١٠ ص ٢٧٥ و ٣١٥ - ٣١٦ و ٣٨٤ ، المسائل ١٢٥ و ١٤٠ و ١٨٣.

٦٥

البحث السادس : الشجر.

مسالة ٥٨٥ : إذا باع شجرة ، دخل أغصانها في البيع‌ ؛ لأنّها معدودة من أجزائها.

أمّا الغصن اليابس فالأقرب : دخوله ، ولهذا يحنث لو حلف لا يمسّ جزءا منها ، فلمسه. والقطع لا يخرجه عن الجزئيّة ، والدخول في مسمّى الشجرة كالصوف على الغنم.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما. والثاني : أنّه لا يدخل ؛ لأنّ العادة فيه القطع ، كما في الثمار(١) .

ولو كانت الشجرة يابسةً ، دخلت أغصانها اليابسة قطعاً.

وتدخل العروق أيضاً في مسمّى الشجرة ؛ لأنّها جزء منها. وكذا الأوراق ؛ لأنّها جزء من الشجرة.

وفي أوراق التوت ، الخارجة(٢) في زمن الربيع نظر ينشأ : من أنّها كثمار سائر الأشجار ، فلا تدخل. ومن أنّها جزء من الشجرة(٣) فتدخل ، كما في غير الربيع. وهو الأقوى عندي.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

وكذا شجر النبق يدخل فيه ورقه.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٤.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وفي ورق التوت الخارج ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « الشجر ».

(٤) راجع المصادر في الهامش ( ١).

٦٦

وللشافعيّة طريقان ، هذا(١) أحدهما ، كأوراق سائر الأشجار. والثاني : عدم الدخول ؛ لأنّها تلتقط ليغسل بها الرأس(٢) .

مسالة ٥٨٦ : لو باع شجرة يابسة نابتة‌ ، فعلى المشتري تفريغ الأرض منها. ولو(٣) شرط إبقاءها ، فإن عيّن المدّة ، صحّ. وإن أبهم ، بطل ، إذ لا حدّ لها ينتهي إليه.

وأطلق الشافعي البطلان لو شرط الإبقاء ، كما لو اشترى الثمرة بعد التأبير ، وشرط عدم القطع عند الجذاذ(٤) . والفرق ظاهر.

ولو باعها بشرط القطع أو القلع ، جاز.

وتدخل العروق في البيع عند شرط القلع ، ولا تدخل عند شرط القطع ، بل تقطع عن وجه الأرض.

وهل له الحفر إلى أن يصل إلى منبت العروق؟ إشكال.

مسالة ٥٨٧ : لو باع شجرة رطبة بشرط الإبقاء أو بشرط القلع‌ ، اتّبع الشرط ، فإن أطلق ، فالأقرب أنّه يجب الإبقاء ؛ تبعاً للعادة ، كما لو اشترى ما يستحقّ إبقاءه.

ولا يدخل المغرس في البيع عندنا ؛ لأنّ اسم الشجرة لا يتناوله ، وهو أحد قولي الشافعي. وفي الثاني : أنّه يدخل - وبه قال أبو حنيفة - لأنّه يستحقّ منفعة المغرس لا إلى غاية ، وذلك لا يكون إلّا على سبيل الملك ، ولا وجه لتملّكه إلّا دخوله في البيع(٥) .

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « وهذا ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٤.

(٣) في « س ، ي » : « فلو ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٤ ، منهاج الطالبين : ١٠٦.

٦٧

والمقدّمتان ممنوعتان ؛ لأنّ الغاية انتهاء حياة الشجرة وقد يستحقّ غير المالك المنفعة لا إلى غاية ، كما لو أعار جداره ليضع غيره الجذع عليه.

فعلى الأوّل - الذي اخترناه - لو انقلعت الشجرة أو قلعها المالك ، لم يكن له أن يغرس بدلها ، وليس له أن يبيع المغرس ، وعلى الثاني له أن يغرس بدلها ويبيع المغرس.

وكذا لو باع بستاناً واستثنى منه البائع نخلة.

ولو اشترى النخلة أو الشجرة بحقوقها ، لم يدخل المغرس ، بل الإبقاء ، وليس له الإبقاء في المغرس ميّته إلّا أن يستخلف عوضاً من فراخها المشترطة.

مسالة ٥٨٨ : لو باع شجرة أو نخلة ولها فراخ‌ ، لم تدخل الفراخ في النخلة والشجرة ؛ لأنّها خارجة عن المسمّى ، فلا يتناولها العقد إلّا مع الشرط.

ولو تجدّدت الفراخ بعد البيع ، فهي لمشتري النخلة. ولا يستحقّ المشتري إبقاءها في الأرض إلّا مع الشرط ، فإن لم يشرط ، كان له قلعها عن أرضه عند صلاحية الأخذ لا قبله ، كما في الزرع ، ويرجع في ذلك إلى العادة.

ولو اشترى النخلة بحقوقها ، لم تدخل الفراخ.

ولو استثنى شجرة أو نخلة من البستان الذي باعه ، أو اشترى نخلة أو شجرة من جملة البستان الذي للبائع ، كان له الممرّ إليها والمخرج منها ومدّ(١) جرائدها من الأرض.

____________________

(١) في « س » : « مدى » بدل « مدّ ».

٦٨

ولو انقلعت ، لم يكن له غرس اُخرى ، سواء كان مشترياً للنخلة أو بائعاً لها ، إلّا أن يستثني الأرض.

مسالة ٥٨٩ : لو باع النخل وعليه ثمرة ظاهرة‌ ، فإن كانت مؤبّرةً ، فهي للبائع إجماعاً ، إلّا أن يشترطها المشتري ، فتكون له ؛ عملاً بمفهوم قولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(١) .

وإن لم تكن مؤبّرةً ، فهي للمشتري ، إلّا أن يشترطها البائع ، فتكون له.

ومع الإطلاق للمشتري عندنا - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل(٢) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ باع نخلاً بعد أن تؤبّر فثمرتها للبائع إلّا أن يشترط المبتاع »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ باع نخلاً قد لقح فالثمرة للبائع إلّا أن يشترطها(٤) المبتاع ، قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك »(٥) .

وعن الصادقعليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : مَنْ باع نخلاً قد أبّره فثمره للذي باع إلّا أن يشترط المبتاع » ثمّ قال : « إنّ عليّاًعليه‌السلام قال :

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) الوسيط ٣ : ١٧٧ ، حلية العلماء ٤ : ٢٠١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٥ ، المنتقى - للباجي - ٤ : ٢١٥ ، التفريع ٢ : ١٤٦ ، الذخيرة ٥ : ١٥٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٩٥ / ١١٧٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٢٠٦.

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٢٩٧ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ٦٨ / ١١١٤٧.

(٤) في المصدر : « يشترط ».

(٥) الكافي ٥ : ١٧٧ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٨٧ / ٣٦٩.

٦٩

قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك »(١) .

وهو يدلّ على أنّ النخل إذا لم تؤبّر ، تكون الثمرة للمشتري ؛ لأنّهعليه‌السلام جعل الإبار حدّاً لملك البائع ، وهو يدلّ على أنّه جعل ما قبله حدّاً لملك المشتري. ولأنّها قبل التأبير كالجزء من النخلة لا يعلم حالها من صحّة الثمرة وفسادها.

وقال ابن أبي ليلى : إنّها للمشتري بكلّ حال ؛ لأنّها متّصلة بالأصل اتّصال الخلقة ، فكانت تابعةً له ، كالأغصان(٢) .

ونمنع المساواة ؛ فإنّ الغصن يطلب بقاؤه ، بخلاف الثمرة ، وهو جزء من النخلة داخل في اسمها ، بخلاف الثمرة. ولأنّه نماء كامنٌ لظهوره غاية ، فلم يتبع أصله بعد ظهوره ، كالحمل.

وقال أبو حنيفة : تكون للبائع أبّرت أولا ؛ لأنّه نماء جذاذ انتهى إليه الحدّ ، فلم يتبع أصله ، كالزرع(٣) .

ويبطل بأنّه نماء كامن لظهوره غاية ، فكان تابعاً لأصله قبل ظهوره ، كالحمل عنده(٤) ، والزرع ليس من نماء الأرض ولا متّصلاً بها ، بل هو مودع فيها.

مسالة ٥٩٠ : النخل إمّا فحول أو إناث‌ ، وأكثر المقصود من طلع‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٨٧ / ٣٧٠.

(٢) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٩٥ / ١١٧٣ ، حلية العلماء ٤ : ٢٠١ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٧٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٢٠٦.

(٣) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٩٥ - ٩٦ / ١١٧٣ ، الوسيط ٣ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٤ : ٢٠١ ، شرح السنّة - للبغوي - ٥ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٠ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٢٠٦.

(٤) الاستذكار ١٩ : ١٤ / ٢٧٩١١ و ٢٧٩١٢.

٧٠

الفحول استصلاح ثمرة الإناث به.

والذي يبدأ(١) أوّلاً منها أكمة صغيرة ثمّ تكبر وتطول حتى تصير كآذان الحمار ، فإذا كبرت تشقّقت فتظهر العناقيد في أوساطها فيذرّ فيها طلع الفحول ليكون الحاصل من رطبها أجود ، فالتشقيق وذرّ طلع الفحول فيها هو التأبير والتلقيح.

ولا فرق بين أن يؤبّرها الملقّح أو يؤبّرها اللواقح ، فإذا كانت الفحول في ناحية الصبا فهبّ الصبا وقت التأبير فأبّرت الإناث برائحة طلع الفحول وكذا إذا تأبّرت من نفسها ، الحكم في الجميع واحد ؛ لظهور المقصود.

إذا ثبت هذا ، فالتأبير إنّما يعتبر في إناث النخل لا فحولها ، فلو باع فحولاً بعد تشقيق طلعها ، لم يندرج في البيع إجماعاً. وكذا إن لم يتشقّق عندنا - وهو أضعف وجهي الشافعيّة(٢) - عملاً بالأصل ، وعدم تناول اسم النخلة له ، السالم عن معارضة نصّ التأبير ، لأنّا قد بيّنّا أنّ جزءه ذرّ طلع الفحل فيه ، وإنّما يتحقّق ذلك في الإناث. ولأنّ طلع الفحل يؤكل على هيئته ، ويُطلب لتلقيح الإناث به ، وليس له غاية منتظرة بعد ذلك ، فكان ظهوره كظهور ثمرة لا قشر لها ، بخلاف طلع الإناث.

والثاني : الاندراج ، كما في طلع الإناث(٣) . وليس معتمدا.

مسالة ٥٩١ : لو أبّر بعض النخلة ، كان جميع طلعها للبائع‌ ، ولا يشترط لبقاء الثمرة على ملكه تأبير جميع طلعها ؛ لما فيه من العسر ، وعدم‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « يبدو » بدل « يبدأ ».

(٢ و ٣ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٥.

٧١

الضبط ، ولأنّه يصدق عليه أنّه قد باع نخلاً قد اُبّر ، فيدخل تحت نصّ أنّه للبائع ، وكان غير المؤبَّر تابعاً للمؤبَّر ، وهو أولى من العكس ، كما أنّ باطن الصبرة تبع لظاهرها في الرؤية. ولأنّ الباطن صائر إلى الظهور ، بخلاف العكس.

ولو باع نخلاتٍ اُبّر بعض نخلها وبعضه غير مؤبَّر ، فالوجه عندي : أنّ النخلة المؤبَّرة ثمرتها للبائع ، وغير المؤبَّرة للمشتري ، سواء كانت النخلات من نوعٍ واحد أو من أنواع مختلفة ، وسواء كانت في بستان واحد أو بساتين.

وقال الشافعي : إن كانت في بستان واحد واتّحد النوع وباعها صفقةً واحدة ، فالحكم كما في النخلة الواحدة إذا اُبّر بعض ثمرها دون بعض.

وإن أفرد ما لم يؤبّر طلعة ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يبقى للبائع أيضاً ؛ لدخول وقت التأبير ، والاكتفاء به عن نفس التأبير.

وأصحّهما عندهم : أنّه يكون للمشتري ؛ لأنّه ليس في المبيع شي‌ء مؤبَّر حتى يجعل غير المؤبَّر تبعاً له ، فيبقى تبعاً للأصل.

وإن اختلف النوع ، فوجهان :

أحدهما - وبه قال ابن خيران - : أنّ غير المؤبَّر يكون للمشتري ، والمؤبَّر للبائع ؛ لأنّ لاختلاف النوع تأثيراً بيّناً في اختلاف [ الأيدي ](١) وقت التأبير.

وأصحّهما : أنّ الكلّ يبقى للبائع كما لو اتّحد النوع ، دفعاً لضرر‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

٧٢

اختلاف الأيدي وسوء المشاركة.

وإن كانت في بساتين ، فحيث قلنا في البستان الواحد : إنّ كلّ واحد من المؤبَّر وغير المؤبَّر يفرد بحكمه ، فهنا أولى. وحيث قلنا بأنّ غير المؤبَّر يتبع المؤبَّر ، فهنا وجهان ، أصحّهما : أنّ كلّ بستان يفرد بحكمه.

والفرق أنّ لاختلاف البقاع تأثيراً في وقت التأبير ، وأيضاً فإنّه يلزم في البستان الواحد ضرر اختلاف الأيدي وسوء المشاركة. ولأنّ للخطّة الواحدة من التأثير في الجميع(١) ما ليس في الخطّتين ، فإنّ خطّة المسجد تجمع بين المأموم والإمام وإن اختلف البناء وتباعدت المسافة بينهما.

ولا فرق بين أن يكون البستانان متلاصقين أو متباعدين(٢) .

فروع :

أ - لو باع نخلة وبقيت الثمرة له ثمّ خرج طلع آخر من تلك النخلة أو من نخلة اُخرى حيث يقتضي الحال اشتراكهما في الحكم - كما هو عند الشافعي - احتمل أن يكون الطلع الجديد للبائع أيضاً ؛ لأنّه من ثمرة العام ، ولأنّه يصدق على تلك النخلة أنّها مؤبَّرة. وأن يكون للمشتري ؛ لأنّه نماء ملكه بعد البيع.

وللشافعيّة وجهان(٣) كهذين.

ب - لو جمع في صفقة واحدة بين فحول النخل وإناثها ، كان كما لو جمع بين نوعين من الإناث ، عند الشافعيّة(٤) .

والوجه : أنّ طلع الفحول للبائع ، وطلع الإناث للمشتري إن لم يكن‌

____________________

(١) في العزيز شرح الوجيز : « الجمع ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٧.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٨.

٧٣

مؤبّراً.

ج - لو تشقّق الطلع من قِبَل نفسه ، فقد بيّنّا أنّه كما لو أبّره.

وللشافعيّة قولان ، هذا أحدهما.

وقال بعضهم : لا يندرج تحت البيع وإن لم يؤبَّر(١) .

مسالة ٥٩٢ : غير النخل من الأشجار لا تدخل ثمارها في البيع - للأصل - إذا كانت قد خرجت ، سواء بدا صلاحها أو لا ، وسواء كانت بارزةً أو مستترةً في كمام ، وسواء تشقّق الكمام عنها أو لا. وكذا وَرْد ما يقصد وَرْدُه ، سواء تفتّح أو لا ، عند علمائنا. وكذا القطن وغيره. وبالجملة ، كلّ ما عدا النخل فإنّ ثمرته باقية على ملك البائع إذا كانت قد وجدت عند العقد ؛ عملاً بالأصل السالم عن معارضة النصّ ؛ لتخصيصه بالنخل.

وقالت الشافعيّة : ما عدا النخل أقسام :

أوّلها : ما يقصد منه الورق ، كشجر التوت. وقد سبق حكمه.

وشجر الحِنّاء ونحوه يجوز أن يلحق بالتوت. ويجوز أن يقال : إذا ظهر [ ورقه ، فهي ](٢) للبائع بلا خلاف ؛ لأنّه لا ثمر له سوى الورق ، وللتوت ثمرة مأكولة.

وثانيها : ما يقصد منها الوَرْد ، وهو ضربان :

أحدهما : ما يخرج في كمام ثمّ يتفتّح كالورد الأحمر ، فإذا بِيع أصله بعد خروجه وتفتّحه ، فهو للبائع ، كطلع النخل المؤبَّر. فإن بِيع بعد خروجه وقبل تفتّحه ، فهو للمشتري ، كالطلع قبل التأبير.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٣.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».

٧٤

وقال بعضهم : إنّه يكون للبائع أيضاً.

والثاني : ما يخرج وَرْده ظاهراً ، كالياسمين ، فإن خرج وَرْدُه ، فهو للبائع ، وإلّا فللمشتري.

وثالثها : ما يقصد منه الثمرة ، وهو ضربان :

أحدهما : ما تخرج ثمرته بارزة بلا قشر ولا كمام ، كالتين ، فهو كالياسمين ، واُلحق العنب بالتين وإن كان لكلّ حبّة منه قشر لطيف ويتشقّق ويخرج منها نَوْرٌ لطيف ؛ لأنّ مثل ذلك موجود في ثمرة النخل بعد التأبير ، ولا عبرة به.

والثاني : ما [ لا ](١) يكون كذلك ، وهو ضربان :

أحدهما : ما تخرج ثمرته في نَوْر ثمّ يتناثر النَّوْر فتبرز الثمرة بغير حائل ، كالتفّاح والمشمش والكُمّثرى وأشباهها ، فإن باع الأصل قبل انعقاد الثمرة ، فإنها تنعقد على ملك المشتري وإن كان النَّوْر قد خرج. وإن باعه بعد الانعقاد وتناثر النّور ، فهي للبائع.

وإن باع بعد الانعقاد وقبل تناثر النّوْر ، فوجهان :

أحدهما : أنّها للمشتري تنزيلا للاستتار بالنّور منزلة استتار ثمر الشجر بالكمام.

والثاني : أنّها للبائع ؛ تنزيلاً لها منزلة استتارها بعد التأبير بالقشر الأبيض. وهو أرجح عند الكرخي.

والثاني : ما يبقى له حائل على الثمرة المقصودة ، وهو قسمان :

أحدهما : ما له قشرٌ واحد ، كالرمّان ، فإذا بيع أصله وقد ظهر الرمّان‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

٧٥

بقشره ، فهو للبائع ، ولا اعتبار بقشره ؛ لأنّ إبقاءه من مصلحته ، والذي لم يظهر يكون للمشتري.

والثاني ما له قشران ، كالجوز واللوز والفستق والرانج(١) ، فإن باعها قبل خروجها ، فإنّها تخرج على ملك المشتري. وإن باعها بعد الخروج ، تبقى على ملك البائع ، ولا يعتبر في ذلك تشقّق القشر الأعلى على أصحّ الوجهين. والثاني : يعتبر.

واعلم أنّ أشجار الضربين الأخيرين منها : ما تخرج ثمرته في قشره من غير نَوْر ، كالجوز والفستق. ومنها : ما تخرج في نَوْر ثمّ يتناثر النَّوْر عنه ، كالرمّان واللوز ، وما ذكرنا من الحكم فيما إذا بِيع الأصل بعد تناثر النّور عنه ، فإن بيع قبله ، عاد الكلام السابق(٢) .

مسالة ٥٩٣ : القطن ضربان :

أحدهما : له ساق يبقى سنين ، ويثمر كلّ سنة ، وهو قطن الحجاز والشام والبصرة.

والثاني : ما لا يبقى أكثر من سنة واحدة.

[ وفي كليهما ](٣) لا يدخل الجوزق(٤) الظاهر في بيع الأصل ، سواء‌

____________________

(١) الرانج : النارجيل ، وهو جوز الهند. لسان العرب ٢ : ٢٨٤ « رنج ».

وفي « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « النارنج ». وهو غلط. والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر أيضاً.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٠ - ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٥ - ٢٠٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وكلاهما ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « الجوز » وكذا في المواضع الآتية في هذه المسألة ، ولم نعثر في اللغة على كلمة « الجوز » بهذا المعنى. والصحيح ما أثبتناه.

٧٦

تفتّح أو لا.

وقال الشافعي : القسم الأوّل كالنخل إن بِيع الأصل قبل خروج الجوزق أو بعده قبل تشقّقه ، فالحاصل للمشتري. وإن بِيع بعد التشقّق ، فهو للبائع. والثاني كالزرع ، فإن باعه قبل خروج الجوزق أو بعده قبل تكامل القطن ، فلا بدّ من شرط القطع. ثمّ إن لم يتّفق القطع حتى خرج الجوزق ، فهو للمشتري ، لحدوثه من عين ملكه(١) .

وقال بعضهم : إن باعه بعد تكامل القطن ، فإن تشقّق الجوزق ، صحّ البيع مطلقاً ، ودخل القطن في البيع ، بخلاف الثمرة المؤبَّرة ، لا تدخل في بيع الشجرة ، لأنّ الشجرة مقصودة لثمار سائر الأعوام ، ولا مقصود هنا سوى الثمرة الموجودة. وإن لم يتشقّق ، لم يجز البيع في أصحّ الوجهين ؛ لأنّ المقصود مستور بما ليس من صلاحه ، بخلاف الجوز واللوز في القشر الأسفل(٢) .

مسالة ٥٩٤ : إذا باع الثمرة ولم يشترط القطع‌ ، استحقّ المشتري الإبقاء إلى القطاف بمجرى العادة ، فإن جرى عرف قوم بقطع الثمار ، فالأقرب :

إلحاق العرف الخاصّ بالعامّ ، وذلك كما يوجد في البلاد الشديدة البرد كروم لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة واعتاد أهلها قطع الحِصْرم.

إذا عرفت هذا ، فالثمار يختلف زمان أخذها ، فما يؤخذ في العادة بُسْراً يؤخذ إذا تناهت حلاوته ، وما يؤخذ رطباً إذا تناهى ترطيبه ، وليس له إلزامه بقطعه منصّفاً ، وما يؤخذ تمراً إذا انتهى نشافه.

وكذا يرجع إلى العادة في ثمرة غير النخل من سائر الأشجار.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٧.

٧٧

تذنيب : لو خِيف على الأصل الضررُ لو بقيت الثمرة ، لم يجب القطع وإن كان الضرر كثيراً على إشكال.

مسالة ٥٩٥ : لو انتقل النخل بغير عقد البيع ، لم يثبت هذا الحكم فيه‌ ، بل الثمرة الظاهرة للناقل إذا وجدت قبل النقل ، سواء كانت مؤبّرة أو غير مؤبَّرة ، عند علمائنا.

ولا فرق بين أن يكون العقد الناقل عقد معاوضة ، كالنكاح والإجارة والصلح ، أو غير عقد معاوضة ، كما لو أصدقها نخلاً فأثمر ثمّ طلّقها وقد ظهر طلع غير مؤبّر ، فإنّه يرجع بنصف النخل دون الثمرة ؛ للأصل المانع من نقل الملك عن صاحبه إلّا بسبب شرعيّ ، السالم عن معارضة البيع.

وقال الشافعي : إنّ عقود المعاوضات تتبع البيع ، فلو أصدقها نخلاً بعد الطلع وقبل التأبير أو جَعَله مال إجارة أو عوض صلح ، دخلت الثمرة في العقد أيضاً ، قياساً على البيع(١) .

وليس بشي‌ء ؛ لأنّا نعارضه بقياس ما قبل التأبير على ما بعده.

ولو ملكها بغير عقد معاوضة ، كما إذا أصدقها نخلاً ثمّ طلّقها بعد الطلع وقبل التأبير ، فإنّه يرجع بنصف النخل خاصّة دون الثمرة ؛ لأنّ الزيادة المتّصلة لا تتبع في الطلاق فالثمرة أولى.

ولو باع نخلاً فأثمر عند المشتري ثمّ أفلس بالثمن ، رجع البائع بالنخل ، ولم تتبعه الثمرة عندنا ، لانتفاء موجبه ، وهو عقد البيع.

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّها تتبع ؛ لأنّ ملكه زال عن الأصل ، فوجب أن تتبعه‌

____________________

(١) نقله السبكي أيضاً في تكملة المجموع ١١ : ٣٤٥.

٧٨

الثمرة ، كما لو زال بالبيع.

والثاني : لا تتبعه ؛ لأنّه رجع إليه بغير عقد معاوضة ، فلم يتبعه الطلع ، كما لو طلّق امرأته(١) (٢) .

وكذا لو وهب نخلة فيها طلع غير مؤبَّر ، لم يتبع الطلع الأصلَ ، وكان باقياً على ملك الواهب، سواء كان بمعاوضة أو لا.

وللشافعي القولان(٣) السابقان.

ولو رجع في الهبة بعد الطلع قبل التأبير ، لم يدخل الطلع في الرجوع.

وللشافعي القولان(٤) .

ولو رهن نخلاً قد أطلع قبل أن يؤبَّر ، لم يدخل في الرهن ؛ اقتصاراً على ما يتناوله اللفظ. ولأنّ الرهن لا يزيل الملك ، فلا يستتبع الثمرة.

وهو جديد الشافعي. وقال في القديم : يدخل(٥) .

مسالة ٥٩٦ : لو كانت الثمرة مؤبَّرةً ، فهي للبائع‌ ، فإن تجدّدت اُخرى في تلك النخلة ، فهي له أيضاً ، وإن كان في غيرها ، فللمشتري ، فإن لم تتميّزا ، فهُما شريكان ، فإن لم يعلما قدر ما لكلٍّ منهما ، اصطلحا ، ولا فسخ ؛ لإمكان التسليم.

وكذا لو اشترى طعاماً فامتزج بطعام البائع قبل القبض ، وله الفسخ.

ولو باع أرضاً وفيها زرع أو بذر ، فهو للبائع ، فإن شرطه المشتري‌

____________________

(١) نقله السبكي أيضاً في تكملة المجموع ١١ : ٣٤٥.

(٢) وردت العبارة في « س ، ي » والطبعة الحجريّة هكذا : « ولو باع نخلاً فأثمرت ولم تتبعها الثمرة أنّه يتبع فوجب أن تتبعها الثمرة والثاني : لا تتبعها » والصحيح ما أثبتناه.

(٣ - ٥ ) كما في تكملة المجموع ١١ : ٣٤٥.

٧٩

لنفسه ، صحّ ، ولا تضرّ الجهالة ؛ لأنّه بائع.

وللبائع التبقية إلى حين الحصاد مجّاناً. فإن قلعه ليزرع غيره ، لم يكن له ذلك ، سواء قصرت مدّة الثاني عن الأوّل أو لا.

ولو كان للزرع أصل ثابت يجزّ مرّة بعد اُخرى ، فعلى البائع تفريغ الأرض منه بعد الجزّة الاُولى. ويحتمل الصبر حتى يستقلع.

ولا تدخل المعادن في البيع إلّا مع الشرط.

ولو(١) لم يعلم بها البائع وقلنا بالدخول مع الإطلاق ، تخيّر بين الفسخ والإمضاء في الجميع.

ويدخل في الأرض البئر والعين وماؤهما على ما قلناه.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « فلو ».

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٠٥ ـ رواية الحسن بن كثير :

وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل عليعليه‌السلام إلى كربلا وقف وبكى ، وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ههنا. هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل.

ـ رواية أخرى :(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٧١)

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، أن علياعليه‌السلام أتى كربلاء ، فوقف بها ، فقيل له :

يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى المكان ، فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.

ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، فقال : ههنا مهراق دمائهم. ثم مضى إلى ساباط.

٢٠٦ ـ شهداء كربلاء مثل شهداء بدر (رض):

(أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ج ٤ ص ١٤٣)

في منتخب كنز العمال عن الطبراني في الكبير ما لفظه عن شيبان بن محرم ، قال :إني لمع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقال : يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم إلا شهداء بدر.

ـ شهداء كربلاء لا يسبقهم سابق :(المنتخب للطريحي ، ص ٨٧)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : مر أمير المؤمنينعليه‌السلام بكربلاء ، فبكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال : هذا مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم ، ههنا تراق دماؤهم. طوبى لك من تربة عليها يراق دم الأحبة. مناخ ركاب ومنازل شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم.

٢٠٧ ـ إخبار عليعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام يقتل وموضع ذلك ، وما في ذلك من معجزات :(مدينة المعاجز لهاشم البحراني ، ص ١٢٠)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن ابن عباس ، قال : كنت مع عليعليه‌السلام في خروجه من صفين. فلما نزلنا نينوى ـ وهي بشط الفرات ـ قال بأعلى صوته : يابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عليعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال فبكىعليه‌السلام طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه ، وهو يقول : أوه أوه ، مالي

٢٢١

ولآل أبي سفيان مالي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبرا صبرا يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي.

وذكر نحو كلامه ، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال :يابن عباس. قلت : ها أنذا. فقال : ألا أحدثك عما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت : نامت عينك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين. قالعليه‌السلام : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ، معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم ، وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطة. ثم رأيت كأن النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضرب بدم عبيط (أي طري) ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث. وكأن الرجال البيض (الذين) نزلوا من السماء ، ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول ، فإنكم تقتلون على يدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله مشتاقة إليك. ثم يعزّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشروا فقد أقرّ الله عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا.

والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أني سأمر بها في خروجي إلى أهل البغي علينا. وهي أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسينعليه‌السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمةعليها‌السلام . وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال : يا بن عباس ، اطلب حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران. فطلبتها فوجدتها مجتمعة. فناديته : يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال عليعليه‌السلام : صدق الله ورسوله.

ـ قصة مرور عيسىعليه‌السلام بكربلاء :

ثم قام عليعليه‌السلام يهرول حتى جاء إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي ، أتعلم يابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مرّ بها ومعه الحواريون ، فرأى ههنا ظباء مجتمعة وهي تبكي ، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريون. فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ، هذه أرض من يقتل فيها

٢٢٢

فرخ رسول الله أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها أطيب من المسك ، لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء. فهذه الظباء تكلمني وتقول : انها ترعى هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده البعيرات فشمها ، وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة. فبقيت إلى يومنا هذا وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء.

ثم قال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم ، لا تبارك في قتلته والمعين لهم والخاذل له. ثم بكى طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم أفاق فأخذ البعر فصّره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك.

ثم قال : يابن عباس ، إذا رأيتها تتفجر دماء عبيطا ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد اللهعليه‌السلام قد قتل بها ودفن.

قال ابن عباس : فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لما افترض اللهعزوجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي. فبينا أنا نائم في البيت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وان كمي قد امتلأ دما عبيطا. فجلست وأنا باك ، وقلت : قتل والله الحسين ، والله ما كذبني قط في حديث ، ولا أخبر بشيء أن يكون إلا كان كذلك ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين. ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط. فجلست وأنا باك ، وقلت قتل والله الحسينعليه‌السلام .

وسمعت صوتا من ناحية البيت ، وهو يقول : اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول ، نزل الروح الأمين ببكاء وعويل. ثم بكى بأعلى صوته وبكيت. فأثبتّ عندي تلك الساعة ، وكان شهر محرم يوم عاشور لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره ، وتاريخه كذلك. فحدثت بهذا الحديث الذين كانوا معه فقالوا :والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ، ولا ندري ما هو. قلت : أترى أنه الخضرعليه‌السلام .

٢٢٣

٢٠٨ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام حين مر بكربلاء وهو سائر إلى صفين :

(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٠ ط ٢)

قال نصر بن مزاحم : حدثني مصعب بن سلام عن هرثمة بن سليم ، قال :غزونا مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام غزوة صفين. فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلى إليها ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك (وفي رواية : ليقتلن بك) قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعليعليه‌السلام ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجّبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها ، وقال : «واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب». وما علمه بالغيب؟! فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.

فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه ، قال هرثمة : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه ، نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث وعرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع عليعليه‌السلام ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري. فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسينعليه‌السلام ، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الحسينعليه‌السلام : فأنت معنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي ، أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : فولّ في الأرض هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال هرثمة :فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.

ملاحظة : هذه الفقرة هي جمع عدة روايات مع بعض ، إحداها وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٣ ص ١٦٩ ط مصر ـ تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

٢٠٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بما سيحدث في كربلاء :

(المصدر السابق ، ص ١٤١)

حدّث نصر بن مزاحم عن مصعب بن سلام عن سعيد بن وهب ، قال : بعثني

٢٢٤

مخنف بن سليم إلى عليعليه‌السلام عند توجهه إلى صفين. فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : ههنا! فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل ههنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم!.

فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال (ويل لهم منكم) تقتلونهم ، (وويل لكم منهم) يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

٢١٠ ـ حديث الإمام الحسنعليه‌السلام عن مصرع أخيه الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

روى الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : دخل الحسين على أخيه الحسنعليهما‌السلام يوما ، فلما نظر إليه بكى. فقال له الحسنعليه‌السلام : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال :أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسنعليه‌السلام : إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إلي فأقتل به(١) ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أمة جدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينتحلون بك الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كل شيء ، حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار.

٢١١ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بمقتله :

عن معاوية بن قرة قال : قال الحسينعليه‌السلام : والله ليعتدن عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت.

قال : وأنبأنا علي بن محمد ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، (قال) قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٤.

٢٢٥

أخبار أخرى

٢١٢ ـ ورود سلمان (رض) كربلاء :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٧١)

في الخبر عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : خرجت أستقبل سلمان الفارسي حين أقبل من المدينة إلى المدائن. فلما وصل إلى كربلاء تغير حاله وبكى ، وقال :هذه مصارع إخواني. هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم. يقتل بها خير الأولين وابن خير الآخرين.

٢١٣ ـ إخبار أبي ذر الغفاري بمقتل الحسينعليه‌السلام ونتائج ذلك :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٦)

في (كامل الزيارة) عن عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبا ذر ، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ، فهذا قليل في الله. فقال ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن عليعليه‌السلام قتلا (أو قال : ذبح ذبحا)؟. والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة (يعني علي بن أبي طالب) أعظم قتيلا منه. وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا. ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس. وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم. وما من سماء يمر بها روح الحسينعليه‌السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة. وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله. وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلتقيان.

٢١٤ ـ ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام . فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!. قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام قال أبي : انطلقوا بنا ننظر ، هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام . فأتينا المعركة وطوّقنا ، فإذا الأسدي مقتول.

٢٢٦

(أقول) لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحرثرحمه‌الله . وهذا درس يعلمنا أن المؤمن النبيه يسعى نحو الحق حتى يدركه ، فينال أعلى درجات السعادة والكرامة ، كما فعل أنس بن الحرث الأسدي.

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

٢١٥ ـ الحسينعليه‌السلام يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله :

(كشف الغمة ٢ / ٩ وإرشاد المفيد ص ٢٨٢ والبحار ٤٤ / ٢٦٣)

روى سالم بن أبي حفصة ، (قال) قال عمر بن سعد للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إن قبلنا أناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : إنهم ليسوا سفهاء ، ولكنهم حلماء. أما إنه يقر عيني أن لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلا.

٢١٦ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسينعليه‌السلام :

عن الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب الناس ، وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا أنبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة. فقال : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنك ستسألني عنها. وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسينعليه‌السلام . وكان عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه.

(أقول) : فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولى عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام ، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي رواية (الإرشاد) للمفيد ص ٢٠ قال له عليعليه‌السلام :

وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به. ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون.

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي قاتل الحسينعليه‌السلام وهو شاب ، فقال : ويحك ، كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟

وسيرد هذا الخبر عند الحديث عن عمر بن سعد ، الذي تولى قيادة الجيش لقتال

٢٢٧

الحسينعليه‌السلام ، وقد نصحه الحسينعليه‌السلام كثيرا ، ولكن حب الدنيا أعمى قلبه.

تنبيه حول السائل :ذكر فخر الدين الطريحي في (المنتخب) ص ١٦٦ : أن الذي سأل الإمامعليه‌السلام : كم شعرة في رأسي ، هو يزيد والد خولي بن يزيد الأصبحي.ولعل بعض الروايات تشير إلى أنه سنان بن أنس ، والله أعلم.

يقول العلامة المجلسي في البحار ، ج ٤٤ ص ٢٥٧ : لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص ، حيث أن سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة وامتنع عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فاشترى أرضا واشتغل بها ، فلم يكن ليجيء إلى الكوفة ويجلس إلى خطبة الإمام عليعليه‌السلام .ومن جهة أخرى إن عمر بن سعد قد ولد في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب وهي سنة ٢٣ ه‍ فكان عمره حين خطب الإمامعليه‌السلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على العشرين ، لا أنه سخل في بيته.

ولما كان أصل القصة مسلمة مشهورة ، عدل الشيخ المفيد في (الإرشاد) عن تسمية الرجل ، وتبعه الطبرسي في (إعلام الورى) ص ١٨٦. ولعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد ، حيث ذكر الخطبة في شرحه على النهج ، ج ١ ص ٢٥٣ عن كتاب (الغارات) لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد الباقرعليه‌السلام وقال في آخره : والرجل هو سنان بن أنس النخعي.

٢١٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزيد هو قاتل الحسينعليه‌السلام :

أخرج الطبراني عن معاذ بن جبل ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. نعي إليّ الحسينعليه‌السلام وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا (أي جماعات متفرقين).

وأخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : يزيد ، لا بارك الله في يزيد ، الطّعان اللعّان ، أما إنه نعي إلي حبيبي وسخلي حسين ، أتيت بتربته ورأيت قاتله. أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه ، إلا عمّهم الله بعقاب.

وأخرج أبو يعلى عن أبي عبيدة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد.

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والروياني والحافظ أبوبكر محمد بن اسحق ابن

٢٢٨

خزيمة السلمي النيسابوري والبيهقي وابن عساكر والضياء ، عن أبي ذر ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. وزاد الروياني : يقال له يزيد.

٢١٨ ـ رواية أخرى :

(معجم الطبراني ص ١٣٠ ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ وكنز العمال ١٣ / ١١٣ وأمالي الشجري ص ١٦٩)

في معجم الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال :خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب اللهعزوجل ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، (فإذا) أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة.كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ واحص!. قال : فلما بلغت خمسة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه. ثم قال : نعي إلي حسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : واها لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف.

أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد(١) اسم فرعون ، هادم شرائع الاسلام ، يبوء بدمه رجل من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه.

ثم قال : وبعد العشرين والمائة موت سريع وقتل ذريع ، فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس.

__________________

(١) لعل المقصود به الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وهو الذي مزّق القرآن وقال :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل : يا ربّ مزّقني الوليد

٢٢٩
٢٣٠

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

١ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام والحزن عليه

ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٣ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام ومراسم الحزن يوم عاشوراء

ـ اتخاذ بني أمية يوم عاشوراء يوم عيد وفرح

ـ أحاديث موضوعة في فضل يوم عاشوراء وأنه عيد

ـ هل يجوز صيام يوم عاشوراء؟

٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية

٢٣١
٢٣٢

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

* مقدمة الفصل :

لا يخفى أن مصيبة الحسينعليه‌السلام الكبيرة قد أقضّت مضجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحوذت عليه كل اهتمامه. فلا عجب إذا رأيناه يقيم المأتم على الحسينعليه‌السلام منذ مولده ، وفي عدة مناسبات من حياته. وعلى ذلك سار الأئمة الأطهار ودعوا كل من شايع الحسينعليه‌السلام إلى إقامة الحزن والعزاء عليه في كل مكان وزمان ، ولا سيما يوم العاشر من المحرم ، حتّى صار شعارهم :

«كل أرض كربلا ، وكل يوم عاشورا»

في حين كان بعض المسلمين عمدا أو جهلا يقيمون الفرح في ذلك اليوم ، جريا على السنّة التي اختطها لهم بنو أمية من غابر الزمان.

وسوف نتكلم في هذا الفصل حول إقامة المآتم الحسينية ، ثم فضل الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام ، ثم إقامة مراسم العزاء والحزن والحداد يوم العاشر من المحرم كل عام. ونتعرض إلى بعض خصوصيات يوم عاشوراء ، والمحاولات المغرضة لتغيير مفهومه وصرفه عن حقيقته. ثم ننهي الفصل بفلسفة المآتم الحسينية ، وتتضمن أهداف ذكرى الحسينعليه‌السلام والفوائد التي تحققها المجالس الحسينية ، وأن هدفها ليس فقط الحزن والبكاء ، وإنما العظة واليقظة والاعتبار ، وتبديل السلوك وتعديل المسار ، والخروج من مستنقع الخطايا والأوزار ، إلى رياض الأخيار وجنان الأبرار.

١ ـ مآتم الحسينعليه‌السلام

مرت في الفصل السابق روايات مستفيضة حول إخبار جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ استشهاد الحسينعليه‌السلام ، ثم إخبار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وأصحابه بذلك. وكان في

٢٣٣

تلك الأحوال يضع الحسين الطفل في حضنه ، ويبكي بكاء شديدا ، ويقبّله من فمه ونحره ، ويشمّه ويضمه إلى صدره ، فكانت تلك المشاهد أول المآتم المقامة على الحسينعليه‌السلام في حياته وقبل مماته. وعلى هذا الهدي المحمدي سار شيعة الحسينعليه‌السلام من بعده ، يقيمون المآتم والعزاء عليه ، بعد موته واستشهاده ، اقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاركة له في محنته ومصيبته.

٢١٩ ـ مأتم الحسينعليه‌السلام في دار فاطمةعليها‌السلام :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٢٠)

روى الخوارزمي عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : زارنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن وزبدا وصفحة من تمر. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكلنا معه. ثم وضّأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام فاستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء. ثم أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر. فهبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسأله!.

فوثب الحسينعليه‌السلام فقال : يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله!.فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله. وإن حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فدعوت الله لكم ، وأحزنني ذلك.

فقال الحسينعليه‌السلام : يا رسول الله ، فمن يزورنا على تشتّتنا ، ويتعاهد قبورنا؟.قال : طائفة من أمتي ، يريدون برّي وصلتي. فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ، وأخذت بأعضادها ، فأنجيتها والله من أهواله وشدائده.

٢٢٠ ـ في دار أم سلمة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٧٦)

وروى ابن عساكر بإسناده عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه (قال) قالت أم سلمة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في بيتي ، فجاء الحسينعليه‌السلام . قالت : فقصد الباب ، فسبقته على الباب مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت : ثم غفلت في شيء ، فدبّ فدخل ، فقعد على بطنه.

قالت : فسمعت نحيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به. فقال : إنما جاءني جبرئيلعليه‌السلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي :

٢٣٤

أتحبّه؟. فقلت : نعم. قال : إن أمتك ستقتله. ألا أريك التربة التي يقتل بها؟.(قال) فقلت : بلى. قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت : فإذا في يده تربة حمراء ، وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟!.

وفي رواية أخرى للخوارزمي : (قادتنا ـ ج ٦ ص ١٢٦)

قال : ثم أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمّها ويبكي ، ويقول في بكائه : الله م لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم.

ثم دفع تلك القبضة إلى أم سلمة ، وأخبرها بقتل الحسينعليه‌السلام بشاطئ الفرات ، وقال : يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك ، فإنها إذا تغيرت وتحولت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام .

إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢٢١ ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٣)

يقول الفاضل الدربندي : اعلم أن من تأمل في الأخبار المروية من طرق العامة في فضل الحسن والحسينعليه‌السلام ومناقبهما ، علم أن البكاء على الحسينعليه‌السلام وإقامة تعزيته في كل سنة ، بل في كل شهر ، بل في كل أسبوع ، بل في كل ليلة ، من أفضل العبادات وأشرف الطاعات والقربات. فلعنة الله على كل متعصب من المخالفين ، الذين يأخذون يوم عاشوراء عيدا ، ويسمّون الاجتماع للعزاء والبكاء على سيد الشهداء بدعة ، وذلك كابن حجر العسقلاني ومن مثله.

٢٢٢ ـ ثواب إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨ ط ٢)

روي أنه لما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسينعليه‌السلام وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمةعليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت : يا أبتي متى يكون ذلك؟. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في زمان خال مني ومنك ومن عليعليه‌السلام . فاشتد بكاؤها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه؟. ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال

٢٣٥

أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال. وكل من بكى على مصاب الحسينعليه‌السلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.

يا فاطمة ، كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٢٢٣ ـ البكاء على أمناء الرحمن :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

يقول فخر الدين الطريحي : فيا إخواني ، كيف لا نبكي على أمناء الرحمن ، وسادات أهل الزمان؟. وكيف لا نجدد النوح والأحزان ، في كل آن ومكان؟. على الشهيد العطشان ، النائي عن الأهل والأوطان ، المدفون بلا غسل ولا أكفان؟.فعلى الأطائب من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم تذرف الدموع من العيون.

٢٢٤ ـ فضيلة البكاء من خشية الله :

(أخبار الدول للقرماني ص ١١١)

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا وحرّم اللهعزوجل وجه صاحبها على النار. فإن سالت على الخدين دموعه ، لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة. وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة ، فإن الله تعالى يكفّر بها بحور الخطايا. ولو أن باكيا بكى في أمة ، لحرّم الله تلك الأمّة على النار.

(أقول) : ومن هذا القبيل بكاء المؤمن على الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢٢٥ ـ البكاء من خوف الله وخشيته :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٨)

يقول الفاضل الدربندي : ومنها أن البيت المبني من الطين إذا انهدم أمكن إصلاحه بقرب من الماء ، فكذلك الإنسان المخلوق أصله من الطين ، إذا فسد أمره بارتكاب المعصية ، أمكنه تداركه بإرسال العبرات على الحسرات. كما قال أمير

٢٣٦

المؤمنين ، وسيد الموحدين ، وتاج رؤوس البكّائينعليه‌السلام : أمحوا المثبّتات من العثرات بالمرسلات من العبرات.

٢٢٦ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام هو من خشية الله :

(المصدر السابق ، ص ٤٩)

ويقول الفاضل الدربندي : واعلم أن البكاء على مصاب أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سيما على مصاب سيد الشهداء روحي له الفداء ، ليس أمرا مغايرا للبكاء من خوف الله تعالى. حتّى يتمشّى سؤال : أهل البكاء من خوف الله تعالى أفضل ، أم البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟. بل إن البكاء عليه هو البكاء في محبة الله ، والبكاء المنبعث عن التقرب إلى الله.

٢٢٧ ـ البكاء من خوف الله قسمان :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : فإن شئت أن توضّح المطلب في غاية الإيضاح فقل :إن البكاء من خوف الله تعالى ينحلّ إلى نوعين وينقسم إلى قسمين :

الأول : أن يكون منشأ البكاء معاصي الإنسان ، وتذكّره لحالة الاحتضار وأهوال البرزخ والمحشر والعقوبات التي يستحقها. فهذا البكاء وإن كان يطلق عليه أيضا أنه بكاء من خوف الله وقسم منه ، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى بكائه على نفسه وعلى ذنبه.

الثاني : أن يكون ذلك البكاء في مقام محبة الله تعالى ، وملاحظة عظمة صفاته وكبريائه وجبروته ، وفي مقام التفكر في التقصير في عبادته. وهذا في مقام ذوق حلاوة مناجاته ومحبته التي انبعثت عنها المحبة والموالاة لأوليائه وحججه ، فلا يلاحظ في هذا القسم أصلا رجاء الثواب ولا الخوف من العقاب. فلا شك أن هذا القسم من البكاء هو أفضل من القسم الأول. ومما لا شك فيه أن البكاء على مصاب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا القسم ، إذ قد عرفت أن المحبة والموالاة لهم مما يرجع إلى محبة الله وموالاته. ويتضح هذا المطلب عند الفطن المتدبر ، إذا لا حظ عوم الأئمة الطاهرين ، وسباحة حجج الله المعصومين ، في بحار البلايا وقواميس المصائب ، لأجل محبة الله تعالى.

شرح : القواميس : جمع قاموس ، وهو البحر العظيم.

٢٣٧

٢٢٨ ـ ثواب البكاء عامة على الحسين ومصيبة سائر الأئمةعليه‌السلام :

(الخصال الأربعمائة ٢ / ٦٣٥ والبحار ٤٤ / ٢٨٧)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام للريان بن شبيب : إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا. فلو أن رجلا تولّى حجرا حشره الله معه يوم القيامة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام : كل عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة ، إلا عين من اختصه الله بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . (راجع مقتل العوالم ص ٥٢٥).

٢٢٩ ـ من قطرت عينه قطرة على الحسينعليه‌السلام :

(مجالس المفيد ، ص ٣٤٠ وأمالي الطوسي ١ / ١١٦ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن الإمام الحسينعليه‌السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة ، إلا بوّأه الله تعالى بها في الجنة (غرفا يسكنها) حقبا. (وفي رواية) : أحقابا أحقابا.

شرح : الحقبة من الدهر : مدة لا وقت لها ، جمعها : حقب. وهي كناية عن الدوام.

٢٣٠ ـ فضيلة البكاء على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٥٢٦)

في (تفسير علي بن إبراهيم) عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال : كان علي ابن الحسينعليه‌السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة ، حتّى تسيل على خده ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه (دمعا) حتّى يسيل دمعه على خده ، لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا ، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتّى يسيل

٢٣٨

دمعه على خديه ، من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.

٢٣١ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام يحطّ الذنوب :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٨٢)

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لفضيل : تجلسون وتتحدثون؟. قال : نعم جعلت فداك. قال : إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا.

يا فضيل ، من ذكرنا أو ذكرنا عنده ، فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر.

٢٣٢ ـ حديث : نفس المهموم لظلمنا تسبيح :

(مجالس المفيد ، ص ٣٣٨ وأمالي الطوسي ١ / ١١٥ والبحار ٤٤ / ٢٧٨)

عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمهّ لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله.

ثم قالعليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

٢٣٣ ـ حديث : من دمعت عينه فينا دمعة :

(مجالس المفيد ، ص ١٧٤ وأمالي الطوسي ١ / ٩٧ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن محمّد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول :من دمعت عينه فينا دمعة ، لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا ، بوّأه الله تعالى بها في الجنة حقبا.

٢٣٤ ـ حديث : من ذكرنا عنده :

(كامل الزيارات ، ص ١٠٤ والبحار ٤٤ / ٢٨٥)

عن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على النار.

وروي عن الصادقعليه‌السلام قال : لكل سرّ ثواب ، إلا الدمعة فينا.

٢٣٩

٢٣٥ ـ حديث الإمام الصادقعليه‌السلام لمسمع كردين :

(كامل الزيارات ، ص ١٠١ والبحار ٤٤ / ٢٨٩)

سأل الإمام الصادقعليه‌السلام مسمع كردين ، وهو من أهل العراق : هل يبكي على الحسينعليه‌السلام ؟ فقال : بلى

قال : ثم استعبر واستعبرت معه. فقالعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا. وما بكى لنا من الملائكة أكثر. وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا. وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا ، إلارحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه. فإذا سالت دموعه على خده غفر الله ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر. فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم ، لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ. وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته ، فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتّى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

٢٣٦ ـ حديث : من تذكر مصابنا وبكى :

(أمالي الصدوق ، ص ٦٨ وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨)

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

٢٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام قتيل العبرة :

(أمالي الطوسي ، ص ١٢١)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قال الحسين بن عليعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط ، إلا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرورا.

وعن الحسينعليه‌السلام قال : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381