تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119642 / تحميل: 5657
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تَذْكِرَةُ الْفُقَهاءِ

الجزء الثاني عشر

تأليْفُ : العَلّامِةَ الحِليْ

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

المقصد الخامس : في تفريق الصفقة‌

مسالة ٥٥٠ : إذا جمع بين الشيئين‌ ، فإمّا أن يجمع بينهما في عقدٍ واحد أو في عقدين ، فالأوّل إمّا أن يقع التفريق في الابتداء أو في الانتهاء.

والأوّل إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع ، فالعقد باطل قطعاً في الجميع ، كما لو جمع بين أختين في النكاح.

وإن لم يكن كذلك ، فإمّا أن يجمع بين شيئين كلّ واحد قابل لما أورده عليه من العقد ، أو لا يكون كذلك ، فالأوّل كما لو جمع بين عينين في البيع ، صحّ العقد عليهما.

ثمّ إن كانا من جنسين - كعبدٍ وثوب - أو من جنس واحد لكن قيمتهما مختلفة - كعبدين - يوزّع الثمن عليهما باعتبار القيمة.

وإن كانا من جنس واحد واتّفقت قيمتهما - كقفيزي حنطة(١) واحدة - يوزّع عليهما باعتبار الأجزاء.

وإن كان الثاني ، فإمّا أن لا يكون واحد منهما قابلاً لذلك العقد - كما لو باع خمراً وميتةً - فهو باطل قطعاً ، وإمّا أن يكون أحدهما قابلاً.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « كقفيزين من حنطة ».

٦

فالذي هو غير قابل ضربان :

أحدهما : أن يكون متقوّماً ، كما لو باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة ، صحّ البيع ، ووقف البيع في عبد غيره ، فإن أجازه الغير ، وإلّا بطل.

والثاني : أن لا يكون متقوّماً ، فإمّا أن يتأتّى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيير في الخلقة ، كما لو باع عبداً وحُرّا ، فإنّ الحُرّ غير متقوّم ، لكن يمكن تقدير القيمة فيه بفرض العبوديّة من غير تغيّر في الخلقة ، ويصحّ البيع في العبد. وإمّا أن لا يتأتّى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغيّر في الخلقة ، كما لو باع خَلّاً وخمراً ، أو مذكّاةً وميتةً ، أو شاةً وخنزيراً ، فإنّه يصحّ البيع في الخَلّ والمذكّاة والشاة.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إذا باع عبده وعبد غيره صفقةً واحدة ، صحّ البيع في عبده ، ولا يقع البيع باطلاً فيه ، ويقف العقد في عبد الغير ، فإن أجاز البيع فيه ، لزم. وإن فسخ ، بطل ، ويتخيّر المشتري حينئذٍ بين فسخ البيع في الجميع وبين أخذ عبده بقسطه من الثمن ، ذهب إليه علماؤنا - وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال مالك وأبو حنيفة(١) - لأنّ كلّ واحد منهما لو انفرد بالعقد ، ثبت له حكمه ، فإذا جمع بينهما ، وجب أن يثبت لكلّ منهما حكم الانفراد ؛ لأنّ العلّة لهذا الحكم هو الماهيّة ، وهي باقية حالة الجمع ، فثبت مقتضاها ، كما لو باع شقصاً مشفوعاً وعبداً ، ثبتت الشفعة في الشقص دون العبد ، كما لو انفرد.

ولأنّ الصفقة اشتملت على صحيح وفاسد ، فانعقد التصحيح(٢) في‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٩ : ٣٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٣٨ - ١٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٩ و ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٨ ، المغني ٤ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٣.

(٢) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة. وفي نسخة من الكتاب - المحقّقة المطبوعة سنة ١٣٧٥ ه‍ في النجف الأشرف - : « الصحيح ».

٧

الصحيح وقصر الفاسد على الفاسد ، كما إذا شهد عدل وفاسق ، لا يقضى بردّ الشهادتين ولا بقبولهما ، بل تلك مقبولة وهذه مردودة. ولو أخبر بصدق وكذب في خبرٍ واحد ، لا يقضى بصدقهما ولا بكذبهما.

ولما رواه محمد بن الحسن الصفّار عن العسكريعليه‌السلام : كتب إليه في رجل كانت له قطاع أرضين فحضره الخروج إلى مكّة ، والقرية(١) على مراحل من منزله ولم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه ، وعرّف حدود القرية الأربعة فقال للشهود : اشهدوا أنّي قد بعت من فلان - يعني المشتري - جميع القرية التي حدّ منها والثاني والثالث والرابع ، وإنّما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك وإنّما له بعض القرية وقد أقرّ له بكلّها؟ فوقّععليه‌السلام « لا يجوز بيع ما ليس يملك ، وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك »(٢) .

والقول الثاني للشافعي : أنّه يبطل البيع في الجميع(٣) .

وعن أحمد روايتان(٤) .

واختلفت الشافعيّة في التعليل :

فقال بعضهم : لأنّ اللفظة واحدة لا يتأتّى تبعيضها ، فإمّا أن يغلب‌

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « والمدينة » بدل « والقرية ». وما أثبتناه من المصادر.

(٢) التهذيب ٧ : ١٥٠ - ١٥١ / ٦٦٧ ، وفي الكافي ٧ : ٤٠٢ / ٤ ، والفقيه ٣ : ١٥٣ ، ٦٧٤ بتفاوت يسير.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٩ : ٣٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٥ - ٤٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٣٨ - ١٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٨ - ٨٩ ، المغني ٤ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٣.

(٤) المغني ٤ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ ، المجموع ٩ : ٣٨٨.

٨

حكم الحرام على الحلال أو بالعكس ، والأوّل أولى ؛ لأنّ تصحيح العقد في الحرام ممتنع ، وإبطاله في الحلال غير ممتنع. ولو باع درهماً بدرهمين أو تزوّج باُختين ، حكم بالفساد ؛ تغليباً للحرمة على الحلّ.

وقال بعضهم : إنّ الثمن المسمّى يتوزّع عليهما باعتبار القيمة ولا يدرى حصّة كلّ واحد منهما عند العقد ، فيكون الثمن مجهولاً ، وصار كما لو قال : بعتك عبدي هذا بما يقابله من الألف إذا وزّع عليه وعلى عبد فلان ، فإنّه لا يصحّ(١) .

ونقلوا عن الشافعي قوليه في أنّ العلّة هذه أم تلك؟(٢) .

والجواب : الفرق بين الدرهمين والاُختين وبين صورة النزاع ظاهر ؛ لأنّ أحد الدرهمين وإحدى الاُختين ليست أولى بالفساد من الاُخرى ، فلهذا أفسدنا العقد فيهما ، وهنا بخلافه ؛ لأنّ الفساد تعيّن في إحدى الصورتين بعينها دون الاُخرى. والعوض ليس مجهولاً ، لأنّه جعل الجميع في مقابلة الجميع ، فسقوط بعضه لا يجعله مجهولاً ، كأرش العيب.

مسالة ٥٥١ : لا فرق عندنا بين أن يكون المضموم إلى ما يصحّ بيعه ما لا يصحّ بيعه بنصٍّ أو إجماع‌ ، كما في العبد والحُرّ ، أو ما ثبت التحريم فيه بغيرهما ، كما لو اشترى أمةً واُمَّ ولد ، وبه قال الشافعي(٣) ، لكن عندنا يصحّ البيع فيما يصحّ فيه البيع ، ويتخيّر المشتري بعد العلم ، فيبطل في الباقي.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٩ و ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨١.

٩

وللشافعي القولان السابقان(١) .

وقال أبو حنيفة : إن كان الفساد في أحدهما ثبت بنصٍّ أو إجماع كالحُرّ والعبد ، فسد في الكلّ. وإن كان قد ثبت بغير ذلك ، فسد فيما لا يجوز ، وصحّ فيما يجوز ، كالأمة واُمّ الولد. وإذا باع ماله ومال غيره ، صحّ في ماله ، ووقف في مال غيره على الإجازة(٢) .

وقال فيمن باع مذكّى و [ ما ](٣) ترك عليه التسمية عمداً : إنّه لا يصحّ في الكلّ(٤) . وخالفه أبو يوسف ومحمد(٥) .

وقالوا(٦) فيمن باع عبداً بخمسمائة نقداً ، وخمسمائة إلى العطاء ، أو ديناً على غيره : فسد في الكلّ ، لأنّ الفساد في الثمن ، والثمن كلّ جزء منه يقابل جميع المبيع(٧) . وهو ممنوع.

قال أبو حنيفة : إذا باع عبده ومكاتَبه ، فقد دخلا في العقد. وكذا الأمة واُمّ الولد ؛ لأنّ بيع اُمّ الولد تلحقه الإجازة ، وهو أن يحكم حاكم بصحّة بيعه ، فإذا دخلا فيه ثمّ فسد في أحدهما ، لعدم الإجازة ، لم يفسد في الآخَر ، كما لو باع عبدين فتلف أحدهما ، لم ينفسخ العقد في الآخَر. وأمّا‌

____________________

(١) في ص ٦ و ٧.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٦٧ ، ١٢٤٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ ، المجموع ٩ : ٣٨٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٨.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٤٣.

(٦) كذا ، وفي المصدر : « قال » بدل « قالوا ».

(٧) حلية العلماء ٤ : ١٤٣.

١٠

إذا باع حُرّاً وعبداً ، فسد فيهما ؛ لأنّ الفساد في نفس العقد ، وقبول أحدهما شرط في قبول الآخَر ، ألا ترى أنّه لا يجوز أن يقبل في أحدهما ، فإذا فسد في أحدهما ، فسد في الآخَر(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه لا يدخل في العقد ، وحكم الحاكم إذا وجد حكم بصحّة العقد من حين وجد ، وقبل ذلك هو فاسد. ولا يقف العقد عند الشافعي على الإجازة ، والقبول لا يصحّ في بعض المعقود عليه ، لإمكانه في الجميع ، وهنا لا يصحّ الإيجاب إلّا في أحدهما ، ولهذا صحّ القبول فيه خاصّة ، ويبطل [ بما ](٢) إذا باع المذكّى وما لم يسمّ عليه.

مسالة ٥٥٢ : لو باع عبداً وحُرّاً ، صحّ البيع في العبد خاصّة بقسطه من الثمن‌ ، وذلك بأن يفرض الحُرّ عبداً وينظر قيمتهما ثمّ يبسط المسمّى عليهما ، ويبطل ما قابل الحُرّ ، ويتخيّر المشتري مع الجهل.

وللشافعيّة في صحّة البيع في العبد طريقان :

أحدهما : القطع بالفساد - وبه قال أبو حنيفة ، كما تقدّم(٣) - لأنّ المضموم إلى العبد ليس من جملة المبيعات. ولأنّ الحاجة تدعو إلى التوزيع ، والتوزيع هنا يحوج إلى تقدير شي‌ء في الموزّع عليه ، وهو غير موجود فيه.

وأصحّهما عندهم : طرد القولين(٤) .

قال الجويني : ولو قلنا في صحّة البيع قولان مرتّبان على ما إذا باع عبداً مملوكاً وآخر مغصوباً ، لأفاد ما ذكرنا من نقل الطريقين(٥) .

____________________

(١) اُنظر : الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٠ ، والاختيار لتعليل المختار ٢ : ٣٥ و ٤٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « به ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في ص ٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠.

١١

مسالة ٥٣٣ : لو كان المشتري جاهلاً بأنّ المضموم ملك الغير أو حُرٌّ أو مكاتَب(١) أو اُمّ ولد ثمّ ظهر له ، فقد قلنا : إنّ البيع يصحّ فيما هو ملكه ، ويبطل في الآخر إن لم يُجز المالك ، ويكون للمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء فيما يصحّ بيعه بقسطه من الثمن ، لأنّه لم يسلم له المعقود عليه ، فكان له الفسخ. ولو كان عالماً ، صحّ البيع أيضاً ولا خيار له.

وقطع الشافعي بالبطلان فيما إذا كان عالماً ، كما لو قال : بعتك عبدي بما يخصّه من الألف إذا وزّع عليه وعلى عبد فلان ، وليس كذلك لو كان المضموم إلى العبد مكاتباً أو اُمَّ ولد ؛ لأنّ المكاتب واُمّ الولد يتقوّمان بالإتلاف ، بخلاف الحُرّ المضموم إلى العبد(٢) .

وليس بعيداً عندي من الصواب البطلانُ فيما إذا علم المشتري حُرّيّة الآخر أو كونه ممّا لا ينتقل إليه بالبيع ، كالمكاتَب واُمّ الولد ، والصحّة فيما إذا كان المضموم ملك الغير.

مسالة ٥٥٤ : لو باع خَلّاً وخمراً ، أو مذكّاةً وميتةً ، أو شاةً وخنزيراً ، صحّ البيع فيما يصحّ بيعه ، وبطل في الآخر ، ويقوَّم الخمر عند مستحلّيه وكذا الخنزير ، وبسط(٣) الثمن عليهما.

وللشافعي في صحّة البيع في الخَلّ والمذكّاة والشاة خلاف مرتّب على الخلاف في العبد والحُرّ. والفساد هنا أولى ؛ لأنّ تقدير القيمة غير ممكن هنا إلّا بفرض تغيّر الخلقة ، وحينئذٍ لا يكون المقوّم هو المذكور في العقد(٤) .

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة « أو حُرّاً أو مكاتباً » والصحيح ما أثبتناه بالرفع في الكلمتين.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « وقسط » بدل « وبسط ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٠ - ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨١ - ٣٨٢.

١٢

ولو رهن عبده وعبد غيره من إنسان أو وهبهما منه أو رهن عبداً وحُرّاً أو وهبهما ، هل يصحّ الرهن والهبة في المملوك؟.

أمّا عندنا : فنعم.

وأمّا عند الشافعي : فيترتّب ذلك على البيع إن صحّحنا ثمّ ، فكذلك هنا ، وإلّا فقولان مبنيّان على العلّتين إن قلنا بامتناع تجزئة العقد الواحد فإذا تطرّق الفساد إليه ، وجب أن لا ينقسم إذا لم يبن على الغلبة والسريان ، كالعتق والطلاق ، فلا يصحّ. وإن علّلنا بجهالة العوض ، صحّ ، إذ لا عوض هنا حتى يفرض الجهل فيه(١) .

وكذا لو تزوّج مسلمة ومجوسيّة أو اُخته وأجنبيّة ؛ لأنّ جهالة العوض لا تمنع صحّة النكاح.

مسالة ٥٥٥ : إذا وقع تفريق الصفقة في الانتهاء ، فهو على قسمين :

الأوّل : أن لا يكون اختياريّاً ، كما لو اشترى عبدين صفقةً ثمّ مات أحدهما قبل القبض فيهما معاً.

الثاني : أن يكون التفريق اختياريّاً ، كما لو اشترى عبدين صفقةً ثمّ وجد بأحدهما عيباً.

أمّا الأوّل : فإنّ العقد ينفسخ في التالف قطعاً ، ولا ينفسخ في الباقي إلّا أن يختار المشتري فسخه.

وللشافعي طريقان :

أحدهما : أنّه على القولين فيما لو جمع بين مملوك وغير مملوك تسويةً بين الفساد المقرون بالعقد وبين الطارئ قبل القبض.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ ، المجموع ٩ : ٣٨٢ - ٣٨٣.

١٣

وأظهرهما : عدم الانفساخ في الثاني ؛ لأنّ الانفساخ طرأ بعد العقد ، فلا تأثير به للآخر ، كما لو نكح أجنبيّتين دفعة واحدة ثمّ ارتفع نكاح إحداهما بردّة أو رضاع ، لا يرتفع نكاح الأخرى. ولأنّ علّة الفساد إمّا الجمع بين الحلال والحرام ، وإمّا جهالة الثمن ، ولم يوجد الجمع بين الحلال والحرام ، والثمن كلّه ثابت في الابتداء والسقوط طار ، فلا يؤثّر في الانفساخ ، كما لو خرج المبيع معيباً وتعذّر الردّ لبعض الأسباب والثمن غير مقبوض ، يسقط بعضه على سبيل الأرش ولا يلزم فيه(١) فساد العقد.

والطريقان جاريان فيما إذا تفرّقا في السّلم وبعض رأس المال غير مقبوض ، أو في الصرف وبعض العوض غير مقبوض وانفسخ العقد في غير المقبوض ، هل ينفسخ في الباقي؟(٢) .

هذا إذا تلف أحدهما في يد البائع قبل أن يقبضهما ، فأمّا إذا قبض أحدهما وتلف الآخر في يد البائع ، فالحكم عندنا كما تقدّم ، للمشتري الخيار بين الفسخ في الجميع وأخذ الباقي بحصّته من الثمن. وعند الشافعي يترتّب الخلاف في انفساخ العقد في المقبوض على الصورة السابقة ، وهذه أولى بعدم الانفساخ ، لتأكّد(٣) العقد في المقبوض بانتقال الضمان فيه إلى المشتري.

هذا إذا كان المقبوض باقياً في يد المشتري ، فإن تلف في يده ثمّ تلف الآخر في يد البائع ، فالقول بالانفساخ أضعف ، لتلف المقبوض على ضمانه(٤) .

____________________

(١) كذا ، وفي « العزيز شرح الوجيز » : « منه » بدل « فيه ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ - ١٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٩ - ٩٠.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لتأكيد » والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٠.

١٤

وإذا قلنا بعدم الانفساخ ، فهل له الفسخ؟ فيه للشافعيّة وجهان ، أحدهما : نعم ، وتردّ قيمته. والثاني : لا ، وعليه حصّته من الثمن(١) .

ولو استأجر دارا مدّة وسكنها بعض المدّة ثمّ انهدمت الدار ، انفسخ العقد في المستقبل.

وهل ينفسخ في الماضي؟ يخرّج على الخلاف في المقبوض التالف في يد المشتري ، فإن قلنا : لا ينفسخ ، فهل له الفسخ؟ فيه الوجهان. وإن قلنا : ليس له ذلك ، فعليه من المسمّى ما يقابل الماضي. وإن قلنا : له الفسخ ، فعليه أجرة المثل للماضي.

ولو تلف بعض المسلم فيه عند المحلّ والباقي مقبوض أو غير مقبوض وقلنا : لو انقطع الكلّ ، انفسخ العقد ، انفسخ في المنقطع ، وفي الباقي الخلاف المذكور فيما إذا تلف أحد الشيئين قبل قبضهما. وإذا قلنا : لا ينفسخ ، فله الفسخ ، فإن أجاز ، فعليه حصّته من رأس المال لا غير. وإن قلنا : إذا انقطع الكلّ ، لم ينفسخ العقد ، فالمسلم بالخيار إن شاء فسخ العقد في الكلّ ، وإن شاء أجازه في الكلّ.

وهل ينفسخ في القدر المنقطع ، والإجازة في الباقي؟ للشافعيّة(٢) قولان مبنيّان على الخلاف الذي سيأتي.

وأمّا الثاني ، وهو أن يكون اختياريّاً ، كما لو اشترى عبدين صفقةً واحدة ثمّ وجد بأحدهما عيباً ، فهل له إفراده بالردّ؟ ذهب علماؤنا إلى المنع.

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : هذا ، والمشهور : أنّه على قولين ، وبنوهما على جواز تفريق الصفقة ، فإن جوّزناه يجوز الإفراد ، وإلّا فلا.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٠.

١٥

وقياس هذا البناء أن يكون قول التجويز أظهر ، لكن صرّح كثير من الصائرين إلى جواز التفريق بأنّ منع الإفراد أصحّ ؛ لأنّ الصفقة وقعت مجتمعةً ، ولا ضرورة إلى تفريقها ، فلا تفرّق(١) . وهو ما اخترناه نحن.

والقولان مفروضان في العبدين وفي كلّ شيئين لا تصل منفعة أحدهما بالآخر ، فأمّا في زوجي الخُفّ ومصراعي الباب ونحوهما فلا سبيل إلى أفراد المعيب بالردّ قبل القبض ، ويجوز بعده.

والحقّ : المنع من الإفراد مطلقاً.

وارتكب بعض الشافعيّة طرد القولين فيه(٢) .

ولا فرق على القولين بين أن يتّفق ذلك بعد القبض أو قبله.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز إفراد المعيب بالردّ قبل القبض ، ويجوز بعده إلّا أن تتّصل منفعة أحدهما بالآخَر(٣) .

فإن لم نجوّز الإفراد ، فلو قال : رددت المعيب ، هل يكون هذا(٤) ردّاً لهما؟ لبعض الشافعيّة وجهان ، أصحّهما : لا(٥) . وهو أجود.

ولو رضي البائع بإفراده ، جاز في أصحّ الوجهين عندهم. فإن جوّزنا الأفراد فإذا ردّه ، استردّ قسطه من الثمن ، ولا يستردّ الجميع ، وإلّا لخلا بعض المبيع عن المقابل. وعلى هذا القول لو أراد ردّ السليم والمعيب معاً ، فله ذلك أيضاً(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٢ - ١٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٠ - ٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هنا » بدل « هذا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

١٦

وفيه للشافعيّة وجه ضعيف(١) .

ولو وجد العيب بالعبدين معاً وأراد إفراد أحدهما بالردّ ، لم يكن له ذلك عندنا.

ويجري القولان للشافعيّة(٢) هنا.

ولو تلف أحد العبدين أو باعه ووجد بالباقي عيباً ، ففي إفراده قولان للشافعيّة مرتّبان ، وهذه الصورة أولى بالجواز ، لتعذّر ردّهما جميعاً. فإن قلنا : يجوز الإفراد ، ردّ الباقي واستردّ من الثمن حصّته. وسبيل التوزيع تقدير العبدين سليمين وتقويمهما وبسط الثمن المسمّى على القيمتين(٣) .

ولو اختلفا في قيمة التالف ، فادّعى المشتري ما يقتضي زيادة للواجب على ما اعترف به البائع ، فقولان للشافعيّة :

أصحّهما : تقديم قول البائع مع يمينه ؛ لأنّه ملك جميع الثمن بالبيع ، فلا رجوع عليه إلّا بما اعترف به.

والثاني : أنّ القول قول المشتري ؛ لأنّه تلف في يده ، فأشبه الغاصب مع المالك إذا اختلفا في القيمة ، كان القول قول الغاصب الذي حصل الهلاك في يده.

وإن قلنا : لا يجوز الإفراد ، فقولان :

أحدهما : أنّه يضمّ قيمة التالف إلى الباقي ويردّهما ويفسخ العقد ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر في المصرّاة بردّ الشاة وبدل اللبن الهالك(٤) ، فعلى هذا‌

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣ - ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٨ / ١٥٢٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٠ / ٣٤٤٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٣ / ١٢٥١.

١٧

لو اختلفا في قيمة التالف ، فالقول قول المشتري مع يمينه ؛ لأنّه حصل التلف في يده وهو الغارم(١) .

ولهم في القيمة وجهٌ آخَر : أنّ القول قول البائع ؛ لأنّ المشتري يريد إزالة ملكه عن الثمن المملوك له(٢) .

وأصحّهما : أنّه لا فسخ له ، ولكنّه يرجع بأرش العيب ؛ لأنّ الهلاك أعظم من العيب(٣) .

ولو حدث عنده عيب ولم يتمكّن(٤) من الردّ ، فعلى هذا لو اختلفا في قيمة التالف ، عاد القولان السابقان ، لأنّه في الصورتين يردّ بعض الثمن ، إلّا أنّ(٥) على ذلك القول يردّ حصّة الباقي ، وعلى هذا القول يردّ أرش العيب(٦) .

والنظر في قيمة التالف إلى يوم العقد أو يوم القبض؟ فيه مثل الخلاف الذي سيأتي في اعتبار القيمة لمعرفة أرش العيب القديم(٧) .

مسالة ٥٥٦ : لو باع شيئاً يتوزّع الثمن على أجزائه بعضه له ، وبعضه لغيره‌ ، كما لو باع عبداً له نصفه ، أو صاع حنطة له نصفه والباقي لغيره صفقة واحدة ، صحّ فيما يملكه ، ويتخيّر المشتري مع فسخ المالك الآخَر البيع في قدر حصّته ، ويبطل في الآخر مع الفسخ.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

(٤) في « س » والطبعة الحجريّة : « لم يتمكّن » بدون الواو.

(٥) الظاهر : « أنّه » بدل « أنّ ».

(٦) في « س » والطبعة الحجريّة : « المعيب » بدل « العيب ».

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٩١.

١٨

والشافعي رتّب ذلك على ما لو باع عبدين أحدهما له والآخر لغيره ، إن صحّحنا فيما يملكه ، فكذا هنا ، وإلّا فقولان ، إن علّلنا بالجمع بين الحلال والحرام ، لم يصح. وإن علّلنا بجهالة الثمن ، صحّ ؛ لأنّ حصّة المملوك هنا معلومة(١) .

ولو باع جميع الثمرة وفيها عُشْر الصدقة ، ففي صحّة البيع في قدر الزكاة إشكال ينشأ من أنّه بالخيار بين إخراج العين وإخراج القيمة ، فإذا باعه ، كان قد اختار القيمة. ومن أنّه باع مال غيره، والضمان يثبت بعد التضمين.

وللشافعيّة قولان ، فإن قلنا : لا يصحّ ، فالترتيب في الباقي(٢) كما ذكرنا فيما لو باع عبداً له نصفه ؛ لأنّ توزيع الثمن على ما لَه بيعه وما ليس له معلوم على التفصيل(٣) .

أمّا لو باع أربعين شاةً وفيها قدر الزكاة ، فالأقرب : أنّه كالأوّل.

وقال الشافعي : إن فرّعنا على امتناع البيع في قدر الزكاة ، فالترتيب في الباقي كما مرّ فيما لو باع عبده وعبد غيره(٤) .

وممّا يتفرّع على التعليلين : لو باع زيد عبده وعمرو عبده صفقةً بثمنٍ واحد ، فإنّه يصحّ عندنا ، ويوزّع الثمن على القيمتين.

وللشافعيّة في صحّة العقد قولان(٥) .

وكذا لو باع من رجلين عبدين له هذا من أحدهما وهذا من الآخَر‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « الباب » بدل « الباقي ». وما أثبتناه من المصادر.

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢ ، المجموع ٩ : ٣٨٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢.

١٩

بثمنٍ واحد إن علّلنا بالجمع بين الحلال والحرام ، صحّ. وإن علّلنا بجهالة العوض ، لم يصح ؛ لأنّ حصّة كلّ واحد منهما مجهولة.

مسالة ٥٥٧ : لو باع عبده وعبد غيره وسمّى لكلٍّ منهما ثمناً‌ ، فقال : بعتك هذا بمائة وهذا بخمسين ، فقال المشتري : قبلت ، صحّ عندنا ، وكان له ما سمّاه في مقابلة عبده.

والشافعي بناه على العلّتين ، فإن علّل باجتماع الحلال والحرام ، فسد العقد. وإن علّل بجهالة الثمن ، صحّ في عبده(١) .

وللمشتري هنا الخيار أيضاً لو فسخ مالك الآخر البيع فيه ؛ لتبعّض الصفقة عليه.

مسالة ٥٥٨ : إذا باع ماله ومال غيره صفقةً واحدة ، صحّ البيع في ماله‌ ، فإن كان المشتري جاهلاً بالحال ، فله الخيار ؛ لأنّه دخل في العقد على أن يسلم له العبدان ولم يسلم ، فإن اختار الإمضاء ، لزمه قسطه من الثمن ، وسقط عنه ما انفسخ البيع فيه عند علمائنا - وهو أصحّ قولي الشافعي(٢) - لأنّ الثمن يتقسّط(٣) على العينين على قدر قيمتهما ، فكان له أخذه بما استحقّه من الثمن ، ولا يلزمه أخذه بأكثر من ذلك ، فإنّ الثمن وقع في مقابلتهما جميعاً ، فلا يلزم في مقابلة أحدهما إلّا قسطه.

والثاني : أنّه يلزمه جميع الثمن - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّه لغا ذكر‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٣ ، المجموع ٩ : ٣٨٣.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « يقسّط ».

(٤) الظاهر أنّ موضع قوله : « وبه قال أبو حنيفة » بعد قوله قبل أسطر : « وهو أصحّ قولي الشافعي » لأنّه في بعض المصادر في الهامش التالي - =

٢٠

وجاء به فقال: أخاف أن يكون الواثق لم يمت، قال: فمرَّ به فنظر إليه مُسَجَّىً، فجاء فجلس فألبسه أحمد بن أبي دؤاد الطويلة وعممه وقبَّله بين عينيه، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. ثم غُسِّلَ الواثق وصُلِّيَ عليه ودفن، ثم صاروا من فورهم إلى دار العامة ولم يكن لُقَّبَ المتوكل. وذكر أنه كان يوم بويع له ابن ست وعشرين سنة، ووضع العطاء للجند لثمانية أشهر، وكان الذي كتب البيعة له محمد بن عبد الملك الزيات، وهوإذ ذاك على ديوان الرسائل واجتمعوا بعد ذلك على اختيار لقب له، فقال ابن الزيات: نسميه المنتصر بالله وخاض الناس فيها حتى لم يشكوا فيها، فلما كان غداة يوم بَكَّرَ أحمد بن أبي دؤاد إلى المتوكل فقال: قد رَوِيتُ « وصلتُ اليه بعد رَوِيَّة » في لقب أرجوأن يكون موافقاً حسناً إن شاء الله وهو: المتوكل على الله. وأمر بإمضائه، وأحضر محمد بن عبد الملك فأمر بالكتاب بذلك إلى الناس فنفذت إليهم الكتب نسخة ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم أَمَرَ، أبقاك الله، أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، أن يكون الرسم الذي يجرى به ذكره على أعواد منابره، وفى كتبه إلى قضاته وكتابه وعماله وأصحاب قضاته وكتابه وعماله وأصحاب دواوينه، وغيرهم من سائر من تجرى المكاتبة بينه وبينه: من عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين. فرأيك في العمل بذلك، وإعلامي بوصول كتابي إليك، موفقاً إن شاء الله.

وذُكر أنه لما أمر للأتراك برزق أربعة أشهر، وللجند والشاكرية ومن يجرى مجراهم من الهاشميين برزق ثمانية أشهر، أمر للمغاربة برزق ثلاثة أشهر، فأبوا

٢١

أن يقبضوا فأرسل إليهم من كان منكم مملوكاً فليمض إلى أحمد بن أبي دؤاد حتى يبيعه، ومن كان حراً صيرناه أسوة الجند، فرضوا بذلك، وتكلم وصيف فيهم « مع المتوكل » حتى رضيَ عنهم فأعطوا ثلاثة، ثم أجروا بعد ذلك مجرى الأتراك.

وبويع للمتوكل ساعة مات الواثق بيعة الخاصة، وبايعته العامة حين زالت الشمس من ذلك اليوم ».

وفي وفيات الأعيان « 5 / 99 » : « لما مات الواثق بالله أخ المتوكل، أشار محمد المذكور « الزيات » بتولية ولد الواثق، وأشار القاضي أحمد بن أبي دواد المذكور بتولية المتوكل وقام في ذلك وقعد حتى عممه بيده وألبسه البُرْدَة، وقبَّله بين عينيه ».

وقال الخطيب البغدادي في تاريخه « 3 / 145 »: « كان بين محمد بن عبد الملك وبين أحمد بن أبي دؤاد عداوةٌ شديدةٌ، فلما وليَ المتوكل دارَ ابن أبي داود على محمد، وأغرى به المتوكل حتى قبض عليه وطالبه بالأموال ».

وقال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 3 »: « فلما كان في اليوم الثاني لقبه أحمد بن أبي داود المتوكل على الله ».

أقول: لكن روايتنا تدل على أنه كان يوجد صراع على الخلافة بعد الواثق، بين رئيس وزرائه ابن الزيات من جهة، وبين إيتاخ القائد التركي الذي ربى المتوكل ومعه القائد التركي وصيف، ومعهما القاضي ابن أبي دؤاد من جهة أخرى. وكان المتوكل في السجن فتمكن وصيف وابن دُؤاد من إخراجه، وعقدوا له البيعة ولقَّبَوه بالمتوكل!

٢٢

قال خيران الأسباطي: « قدمت على أبي الحسن « الإمام الهادي (ع) » المدينة فقال لي: ما خبر الواثق عندك؟ قلت: جعلت فداك خَلَّفْتُهُ في عافية، أنا من أقرب الناس عهداً به، عهدي به منذ عشرة أيام. قال فقال لي: إن أهل المدينة يقولون: إنه مات. فلما أن قال لي: الناس، علمت أنه هو. ثم قال لي: ما فعل جعفر « المتوكل »؟ قلت: تركته أسوأ الناس حالاً في السجن. قال فقال: أما إنه صاحب الأمر!

ما فعل ابن الزيات؟ قلت: جعلت فداك الناس معه، والأمر أمره. قال فقال: أما إنه شؤم عليه. قال: ثم سكت وقال لي: لابد أن تجري مقادير الله تعالى وأحكامه. يا خيران، مات الواثق وقد قعد المتوكل جعفر، وقد قتل ابن الزيات. فقلت: متى جعلت فداك؟ قال: بعد خروجك بستة أيام ». « الكافي: 1 / 498 ».

وقد كتبنا فقرات عن ابن دؤاد في سيرة الإمام الهادي (ع)، وسنكتب عنه وعن القادة الأتراك، فقرات في هذه السيرة.

وكان لحضرة الخليفة ندماء مخانيث!

في الإكمال لابن ماكولا العجلي « 6 / 28 »: « وأما عَبَّادَة بفتح العين وتشديد الباء، فهوعبادة المخنث، كان ينادم المتوكل، له نوادر ومضاحيك ».

وفي تاريخ الذهبي « 18 / 304 »: « قال البخاري: مات في شوال سنة خمسين ومئتين عَبَّادة المخنث ».

وفي كتاب الديارات « 1 / 44 »: « قال المتوكل لعَبَّادة ذات يوم: دع التخنث حتى أزوجك. قال: أنت خليفة أودلَّالة؟ وقال له ابن حمدون: يا عبَّادة، لوحججتَ

٢٣

لاكتسبت أجراً ورآك الناس في مثل هذا الوجه المبارك. فقال: إسمعوا ويلكم إلى هذا العيار: يريد أن ينفيني من سامراء على جمل »!

وفي تذكرة ابن حمدون « 3 / 164 »: « كان المتوكل على بِرْكة يصيد السمك، وعنده عبادة المخنث، فتحرك المتوكل فخرجت منه ريح، فقال لعبادة: أكتمها عليَّ فإنك إن ذكرتها ضربت عنقك! ودخل الفتح فقال: أي شئ صدتم اليوم؟ فقال له عبادة: ما صدنا شيئاً، والذي كان معنا أفلت »!

وفي العقد الفريد « 6 / 437 »: « كنا عند المتوكل يوماً وبين يديه عبادة المخنث، فأمر به فألقي في بعض البرك في الشتاء فابتل وكاد يموت برداً، قال: ثم أخرج من البركة وكسي وجعل في ناحية في المجلس، فقال له: يا عبادة كيف أنت وما حالك؟ قال: يا أمير المؤمنين جئت من الآخرة. فقال له: كيف تركت أخي الواثق؟ قال: لم أجُزْ بجهنم! فضحك المتوكل وأمر له بصلة ».

وفي تاريخ دمشق « 26 / 222 »: « كان لرجل على عبادة المخنث دينٌ، فكان يتردد إليه كل يوم فيقال ليس هو في البيت، فغلس عليه يوماً في الثلث الأخير فدق الباب، فقيل ليس هو هاهنا. فصاح الرجل واستغاث بالجيران، فلما اجتمعوا قال يا معشر الناس في الدنيا أحد ليس هو في بيته الساعة، فأشرف عليه عبادة من طاق له قال: نعم يا ابن الفاعلة هو ذا أنت ليس في بيتك الساعة ».

وفي جمع الجواهر للحصري « 1 / 68 »: « كان المتوكل قد بسط من عبادة المخنث للدخول معه على كل حال، فدخل عليه وهونائم مع سوداء كان يحبها، فلما رآه

٢٤

أمرها أن تغطي وجهها. فقال: يا أمير المؤمنين ومن معك؟ قال: ويلك، وبلغ فضولك إلى هذا الموضع! ومدت الجارية رجلها فبانت سوداء. فقال: يا أمير المؤمنين تنام ورجلك في الخف!

فقال المتوكل: قم عليك لعنة الله، وضحك وأمر له بصلة، فأخذها وانصرف. وكان عبادة يشرب بين يديه ويترك في القدح فضلة، فقال: يا عبادة ما تدري ما يقول الناس؟ قال: وما هو؟ قال: يقولون إن شارب النبيذ إذا شرب وعبس وجهه وفضلت في القدح فضلة فإن إبليس يضرب قفاه، ويقول: إشرب فضلة ما استطبت. فمضت الأيام واصطبح المتوكل وعبادة حاضر، وشرب قدحاً كان في يديه وفضلت فضلة. فقال: يا أمير المؤمنين، جاءك الرجل!

وتجارى الجواري بحضرة المتوكل فسبقتهن جارية ممشوقة، فقال المتوكل لعبادة: إجْرِ معها حتى ننظر من يسبق صاحبه. فقال عبادة: إن سبقتها فما لي؟ قال: هي لك، وإن سَبَقَتْكَ صَفَعَتْكَ ».

وفي كتاب الديارات لأبي الحسن الشايستي « 1 / 45 »: « خرج عَبَّادة يوماً في السحر إلى الحمام، فلقي غلاماً من أولاد الأتراك، فأعطاه عشرة دراهم وقال: إقطع أمر عمك! فبينا الغلام فوقه خلف الدرب، إذ أشرفت عجوز من غرفة لها فرأتهما فصاحت: اللصوص! فقال عبادة: يا عجوز السوء النَّقْبُ في إستي، صياحك أنت من أيش »!

٢٥

وفي جمع الجواهر للحصري « 1 / 129 »: « وركب المتوكل زُلالاً « قارباً » ومعه قَطَّاطة وعبَّادة المخنثان، وكان قطاطة طويلاً جداً فجعل يغني إلى أن هبت ريح »

وفي نثر الدرر « 5 / 194 »: ركب يوماً زلالاً ومعه جماعة، فيهم كنيز المخنث! وسيأتي أن شاعر المتوكل ومستشاره علي بن جهم كان مخنثاً أيضاً!

وكان حضرة الخليفة خَمَّاراً يهوى الغلمان!

وقد شاع ذلك عنه وذاع، وروت المصادر أنه أراد أن إجبار الإمام الهادي (ع) على أن يشرب معه فامتنع، ووعظه بشعر فأبكاه!

وممن رواه الذهبي في تاريخه « 18 / 199 » قال: « كان قد سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم، ومن نيته التوثب. فكَبَسَ بيته ليلاً، فوُجد في بيت عليه مِدْرَعَةُ صوف، متوجهٌ إلى ربه، يترنمُ بآيات، فأُخذ كهيئته إلى المتوكل وهويشرب، فأعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس، فقال: ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فأعفاه وقال: أنشدني شعراً، فأنشده:

باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ

غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ

فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا

ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا

أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ

أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً

من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ

فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ

تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل

قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا

٢٦

وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ

ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا

فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً

وساكِنُوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا »

لكن بكاء المتوكل من ذكر الموت وخوفه من الله تعالى كان آنياً، فقد بقي كل عمره يشرب ويسرف في الشرب، حتى قُتل وهوسكران!

قال نديمه علي بن الجهم: « كنت يوماً عند المتوكل وهويشرب ونحن بين يديه، فدفع إلى محبوبة تفاحة مغلَّفة فقبَّلتها، وانصرفت عن حضرته إلى الموضع الذي كانت تجلس فيه إذا شرب ». « الأغاني: 22 / 408 ».

وقال الثعالبي في ثمار القلوب « 1 / 155 »: « كان بنانُ وزَنَامُ مُطْرِبَيْ المتوكل، وكان كل منهما منقطع القرين فى طبقته، فإذا اجتمعا على الضرب والزمر أحسنا وفَتَنَا وأعْجَبَا وعَجَّبا، وكان المتوكل لا يشرب إلا على سماعهما ».

وقال ابن كثير الناصبي في النهاية « 10 / 343 »: « شرب ليلةً مع المتوكل، فعربد عليه المتوكل فهمَّ إيتاخ بقتله، فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه وقال له: أنت أبي وأنت ربيتني، ودسَّ اليه من يشير إليه بأن يستأذن للحج ».

وروى الشابستي في الديارات خبر مجالس خمر كثيرة للمتوكل، قال « 1 / 37 »: « اجتمع مشايخ الكتاب بين يدي المتوكل، وكان فيهم يحيى بن خاقان، وابنه عبيد الله إذ ذاك الوزير، وهوواقف موقف الخدم بقباء ومنطقة، وكان يحيى لايشرب النبيذ فقال المتوكل لعبيد الله: خذ قدحاً من تلك الأقداح واصبب فيه نبيذاً وصيَّر على

٢٧

كتفك منديلاً، وامض إلى أبيك يحيى فضعه في كفه. قال ففعل، فرفع يحيى رأسه إلى ابنه فقال المتوكل: يا يحيى لاترده. قال: لا يا أمير المؤمنين، ثم شربه وقال: قد جَلَّتْ نعمتك عندنا يا أمير المؤمنين فهنأك الله النعمة ولاسلبنا ما أنعم به علينا منك. فقال: يا يحيى، إنما أردت أن يخدمك وزير بين يدي خليفة ».

وفي تاريخ بغداد « 13 / 454 »: « حدثني أبوالعباس بن طومار قال: كنتُ أنادمُ المتوكل فكنت عنده يوماً ومعنا البحتري وكان بين يديه غلام حسن الوجه يقال له راحْ. فقال المتوكل للفتح: يا فتح إن البحتري يعشق راحاً، فنظر إليه الفتح وأدمن النظر، فلم يره ينظر إليه، فقال له الفتح: يا أمير المؤمنين أرى البحتري في شغل عنه، فقال: ذاك دليلي عليه، ثم قال المتوكل: يا راح خذ رطل بلور فاملأه شراباً وادفعه إليه، ففعل ».

وفي ديوان الصبابة « 1 / 21 »: « كان للمتوكل غلامٌ إسمه شفيع، وكان من أحسن الفتيان، فكان المتوكل يجن به جنوناً، فأحب يوماً أن ينادم حسين بن الضحاك وأن يرى ما بقي من شهوته، وكان قد أسن فأحضره فسقاه حتى سكر، وقال لشفيع: إسقه فسقاه وحياه بوردة، وكانت على شفيع ثياب موردة، فمد حسين يده إلى ذراع شفيع فقال المتوكل: أتخمش أخمص قدمي بحضرتي، فكيف لوخلوت به، ما أحوجك إلى الأدب. وكان المتوكل قد غمز شفيعاً على العبث به فدعا بدواة فكتب ».

٢٨

وفي جمع الجواهر للحصري « 1 / 114 »: « شرب ابن حمدون النديم مع المتوكل وبحضرته غلامٌ مليح الوجه، فتأمله ابن حمدون تأملاً شديداً، وقد حمل الشراب إليه. فقال المتوكل: يا ابن حمدون، ما الحكم في الرجل إذا نظر إلى غلامِ فتى؟ قال: أن تقطع أذنه. قال: ليُحكم عليك بحكمك ».

أقول: يقصد المتوكل أن غلامه كزوجته، والناظر اليه ناظر الى عرضه! فاعجب لمن يدعي أنه خليفة النبي (ص) ويتجاهر بالفاحشة، ويطبق شرائع الجاهلية في الغلمان!

وكان لحضرة الخليفة أربعة آلاف جارية!

1. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء / 377: « وكان منهمكاً في اللذات والشراب، وكان له أربعة آلاف سرية، ووطأ الجميع »!

وقال الوائلي في فقه الجنس / 239: « الخليفة جعفر المتوكل ـ محيي السنة ومميت البدعة ـ كان له أربعة آلاف سرية، وإنه كما يقولون وطأ الجميع، وهو أمر لو أردنا تصديقه وقلنا إنه يقوى على الوطأ مرتين في اليوم، فلا يلحق الجارية إلا حصة واحدة كل خمس سنوات أو أكثر!

وليت شعري كيف يتسع وقت الخليفة المتوكل بالإضافة إلى مهام الخلافة، وسهره المتواصل ليلاً يَعُبُّ الخمر حتى الصباح، وكان سكيراً شديد السكر!يقول عنه المؤرخون: كان يبغض علياً (ع) وينتقصه ويغلو في بغض علي ويكثر الوقيعة والإستخفاف به ولي سؤال واحد في نهاية هذه الخاطرة: لو أن المتوكل كان يبغض عمر بن الخطاب ويشتمه، فهل سيبقى محيي السنة ومميت البدعة؟!

٢٩

إن هذا العدد من الجواري والمحظيات ترك في تاريخنا صوراً مشوهةً، وعكسَنَا أمام الناس بأننا جنسٌ متجسد، وسعارُ نهمٍ لا حدود لاستشرائه، فما جاء الإسلام ليحيل الدنيا إلى حمئة من الجنس يغرق فيها الإنسان ويجمع من الجواري ما لايستطيع تغطية حاجاته من النكاح، وبالتالي يوفر له سبل الإنحراف »!

2. وفي نهاية الإرب « 5 / 112 »: « وقال علي بن الجهم: كانت محبوبةُ لعبد الله بن طاهر، أهداها إلى المتوكل في جملة أربع مائة جارية، وكانت بارعة الحسن والظَّرف والأدب، مغنيةً محسنةً، فحظيت عند المتوكل حتى كان يجلسها خلف الستارة وراء ظهره، إذا جلس للشرب، فيدخل رأسه إليها فيراها ويحدثها في كل ساعة ».

وفي مروج الذهب « 4 / 42 »: « لما أفضت الخلافة الى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله، أهدى اليه الناس على أقدارهم، وأهدى اليه ابن طاهر هدية فيها مائتا وصيفة ووصيف، وفي الهدية جارية يقال لها محبوبة كانت لرجل من أهل الطائف، قد أدبها وثقفها وعلمها من صنوف العلم، وكانت تقول الشعر وتلحنه وتغني به على العود، وكانت تحسن كل ما يحسنه علماء الناس، فحسن موقعها من المتوكل، وحلت من قلبه محلاً جليلاً، لم يكن أحد يعدلها عنده.

قال علي « بن الجهم نديمه »: فدخلت عليه يوماً للمنادمة، فلما استقر بي المجلس قام فدخل بعض المقاصير، ثم خرج وهو يضحك، فقال لي: ويلك يا علي، دخلت

٣٠

فرأيت قيْنةً قد كتبت في خدها بالمسك جعفراً فما رأيت أحسن منه، فقل فيه شيئاً، فقلت: يا سيدي، وحدي أو أنا ومحبوبة ».

3. وفي مطالع البدور للبهائي الدمشقي « 1 / 215 »: « ومن ظرائف الهدايا ما أهدته شجرة الدر جارية المتوكل، وكان يميل إليها ميلاً كبيراً، ويفضلها على سائر حظاياه، فلما كان يوم المهرجان أهدى إليه حظاياه هدايا نفيسة، واحتفلن في ذلك، فجاءت شجرة الدر بعشرين غزالاً تربيةً، عليهن عشرون سراجاً صينياً على كل غزال خرج صغير مشبك حرير، فيه المسك والعنبر والغالية، وأصناف الطيب، ومع كل غزال وصيفة بمنطقة ذهب، وفي يدها قضيب ذهب، وفي رأسه جوهرة، فقال المتوكل لحظاياه وقد سر بالهدية: ما فيكن من تحسن مثل هذا وتقدر عليه! فحسدنها وعملن على قتلها بشئ سقينه لها، فماتت »!

4. وفي مسالك الأبصار للعدوي العمري « 10 / 468 »: « بنان: جارية المتوكل وكانت تخجل القمر بصفحتها، والغزال بلمحتها، والقضيب المتأود بقدها، والتفاح الجني بخدها، وتغير القلائد بنظمها الذي لا يحليه إلا مبسمها، ولا يضاهيه إلا الثريا لمن يتوسمها، لا تجئ عريبٌ لها بإصبع من بنان، ولا دنانيرُ إلا مما لا يُدخر للإمتنان، ولا سابقة تلحق إلا وهي معها في طيِّ عنان ».

5. وفي نهاية الأرب « 4 / 18 »: « قال المتوكل لجارية استعرضها: أنت بكر أم إيش؟ قالت: أنا إيش يا أمير المؤمنين. فضحك وابتاعها ».

٣١

6. وفي نثر الدر للآبى « 4 / 186 »: « عرضت على المتوكل جارية فقال لها: إيش تحسنين؟ قالت: عشرين لوناً رهزاً. فأعجبته فاشتراها ».

7. وفي منتخب ربيع الأبرار للأماسي / 99: « طلب المتوكل جارية الدقاق بالمدينة، [ وكان من أقران الجنيد ومن أكابر مصر ] فكاد يزول عقله لفرط حبها! فقالت لمولاها: أحسن الظن بالله وبي، فإني كفيلة لك بما تحب. فحملت اليه، فقال لها المتوكل: إقرئي، فقرأت: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة! ففهم المتوكل ما أرادت فردها ».

8. وفي الجماهر للبيروني « 1 / 6 »: « حُكِيَ عن المتوكل أن أعضاؤه ضعفت عن حركات الرهز، ولم يشبع من الجماع، فملئ له حوض من الزئبق، وبُسط عليه النطع ليحركه الزئبق من غير أن يتحرك، فاستلذه. وسأل عن معدنه فأشير إلى الشيز بآذربيجان، فولى حمدون النديم ثَمَّ، ليجهز إليه الزئبق »!

عنده آلاف الجواري واغتصب بنت رئيس وزرائه!

روى الجاحظ في المحاسن / 118، والتنوخي في نشوار المحاضرة « 6 / 323 » قصةً تدل على فسق المتوكل وتجبره،حيث أمر وزيره الرخجي في الليل أن يأتيه بابنته! قالا:

« وُصِفت للمتوكل عائشة بنت عمر بن فرج الرخجي، فوجه في جوف الليل والسماء تهطل، إلى عمر أن احمل إليَّ عائشة، فسأله أن يصفح عنها فإنها القيمة بأمره، فأبى! فانصرف عمر وهويقول: اللهم قني شرعبدك جعفر، ثم حملها بالليل فوطأها، ثم ردها إلى منزل أبيها ».

٣٢

دخل جِنِّيٌ في جارية المتوكل فأخرجه ابن حنبل بالقبقاب!

روى أبو يعلى في طبقات الحنابلة « 1 / 233 »: « حدثني أبي عن جدي قال: كنت في مسجد أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فأنفذ إليه المتوكل بصاحب له يعلمه أن له جارية بها صَرَعٌ، وسأله أن يدعوالله لها بالعافية، فأخرج له أحمد نعل خشب بشراك خوص للوضوء، فدفعه إلى صاحب له وقال له: تمضي إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس الجارية وتقول له: يقول لك أحمد: أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أوأصفع الآخر بهذه النعل! فمضى إليه وقال له مثل ما قال أحمد، فقال المارد على لسان الجارية: السمع والطاعة، لو أمرنا أحمد أن لا نقيم في العراق ما أقمنا به! إنه أطاع الله، ومن أطاع الله أطاعه كل شئ، وخرج من الجارية وهدأت، وزوجت ورزقت أولاداً.

فلما مات أحمد عاودها المارد، فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروذي وعرفه الحال، فأخذ المروذي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها: لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك، أحمد بن حنبل أطاع الله فأُمرنا بطاعته »!

أقول: المروزي المذكور أقرب تلاميذ أحمد، وهوإمام عندهم، لكن قبقابه لم يعمل!

وفي شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي « 2 / 115 »: « وروى علي بن الجهم قال: لما أفضت الخلافة إلى المتوكل أهدى له الناس على أقدارهم فأهدى له محمد بن عبد الله بن طاهر ثلاث مائة جارية من أصناف الجواري، وكان فيهن جارية يقال لها

٣٣

محبوبة، وقد نشأت بالطائف فوقعت من قلب المتوكل موقعاً عظيماً وحلت من نفسه محلاً جسيماً، وكانت تسامره ولا تفارقه، فغاضبها يوماً وأمرها بلزوم مقصورتها، وأمر أن لا يدخل الجواري عليها.

قال علي بن الجهم: فبينا أنا عنده جالسٌ يوماً إذ قال لي: يا علي رأيت البارحة كأنني صالحتُ محبوبة! فقلت: أقر الله عينيك وجعله حقيقة في اليقظة.

وإنا لفي ذلك إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه فقالت: يا أمير المؤمنين سمعت الساعة في منزل محبوبة غناءً، فقال لي: يا علي قم بنا الساعة، فإنا سنرد على بوادر ظريفة، فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويداً لئلا يُسْمَعَ حِسُّنَا، فوقف على باب المقصورة، وإذا بها تضرب بالعود وتغني:

أدورُ في القصر لا أرى أحداً

أشكو إليه ولا يكلمني

حتى كأني جنيتُ معصيةً

ليست لها توبةٌ تُخلصني

فهل شفيعٌ لنا إلى ملكٍ

قد زارني في الكرى وصالحني

حتى إذا ما الصباح لاحَ لنا

عاد إلى هَجْره فصارمني

فنفر المتوكل طرباً ونفرتُ معه لنفيره، فأحسَّت بنا فخرجت حافية، ثم أكبَّت على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه، ثم قالت: يا أمير المؤمنين رأيت البارحة في النوم كأني قد صالحتك! فقال لها: وأنا والله رأيت مثل ذلك.

٣٤

قالت: فإن رأى أمير المؤمنين أن يتمم المنة فهو المنعم على كل حال. فقال: أدخلي فإنا سنرد على ما نحب. قال: فمكثنا ثلاثة أيام ونحن كأننا في بعض رياض الجنة، ووصلني بعد ذلك ببدرة، فأخذتها وانصرفت »!

وكان حضرة الخليفة مسرفاً مبذراً لأموال المسلمين

قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 40 »: « وقد قيل: إنه لم تكن النفقات في عصر من الأعصار ولا وقت من الأوقات، مثلَها في أيام المتوكل!

ويقال: إنه أنفق على الهاروني والجوسق الجعفري أكثر من مائة ألف ألف درهم، هذا مع كثرة الموالي والجند والشاكرية، ودُور العطاء لهم، وجليل ما كانوا يقبضونه في كل شهر، من الجوائز والهبات ».

وفي كتاب الديارات « 1 / 38 »: « القادسية، من أحسن المواضع وأنزهها، وهي من معادن الشراب ومناخات المتطربين. جامعة لما يطلب أهل البطالة والخسارة.

وبالقادسية بنى المتوكل قصره المعروف بِبُرْكَوَار، ولما فرغ من بنائه وهبه لابنه المعتز وجعل إعذاره « ختانه » فيه، وكان من أحسن أبنية المتوكل وأجلها، وبلغت النفقة عليه عشرين ألف ألف درهم.

قال: ولما صح عزمه على إعذار « ختان » أبي عبد الله المعتز، أمر الفتح بن خاقان بالتأهب له، وأن يلتمس في خزائن الفرش بساطاً للإيوان في عرضه وطوله، وكان طوله مائة ذراع وعرضه خمسون ذراعاً، فلم يوجد إلا فيما قبض عن بني أمية، فإنه وجد في أمتعة هشام بن عبد الملك على طول الإيوان وعرضه، وكان

٣٥

بساطاً إبريسماً غَرْزٌ مُذَهَّبٌ مفروز مبطَّن، فلما رآه المتوكل أعجب به وأراد أن يعرف قيمته، فجمع عليه التجار فذكر أنه قُوَّم على أوسط القيم عشرة آلاف دينار. فبسط في الإيوان وبسط للخليفة في صدر الإيوان سرير، ومُدَّ بين يديه أربعة آلاف مرفع ذهب مرصعة بالجوهر، فيها تماثيل العنبر والنِّد والكافور المعمول على مثل الصور، منها ما هومرصع بالجوهر مفرداً، ومنها ما عليه ذهب وجوهر، وجعلت بساطاً ممدوداً، وتغدى المتوكل والناس.

وجلس على السرير، وأحضر الأمراء والقواد والندماء وأصحاب المراتب، فأجلسوا على مراتبهم، وجعل بين صوانيهم والسماط فُرْجة.

وجاء الفراشون بزُبُل « جمع زنبيل » قد غُشِّيت بأدَم مملوءة دنانير ودراهم نصفين، فصبت في تلك الفرج حتى ارتفعت، وقام الغلمان فوقها، وأمروا الناس عن الخليفة بالشرب، وأن يَتَنَقَّلَ « من النُّقْل وهوما يؤكل مع الخمر » كل من يشرب بثلاث حفنات، ما حملت يداه من ذلك المال. فكان إذ أثقل الواحد منهم ما اجتمع في كمه أخرجه إلى غلمانه فدفعه إليهم وعاد إلى مجلسه، وكلما فرغ موضع أتى الفراشون بما يملؤونه به حتى يعود إلى حاله.

وخلع على سائر من حضر ثلاث خلع كل واحد، وأقاموا إلى أن صليت العصر والمغرب، وحملوا عند انصرافهم على الأفراس والشهاري « البغال ».

وأعتق المتوكل عن المعتز ألف عبد، وأمر لكل واحد منهم بمائة درهم وثلاثة أثواب. وكان في صحن الدار بين يدي الإيوان أربع مائة بلية « بالة » عليهن أنواع

٣٦

الثياب، وبين يديهن ألف نبيجة « صينية » خيزران، فيها أنواع الفواكه من الأترج والنارنج على قلته كان في ذلك الوقت، والتفاح الشامي والليموه، وخمسة آلاف باقة نرجس، وعشرة آلاف باقة بنفسج.

وتقدم إلى الفتح بأن ينثر على البليات وخدم الدار والحاشية، ما كان أعده لهم وهوعشرون ألف ألف درهم، فلم يُقدم أحد على التقاط شئ، فأخذ الفتح درهماً، فأكبت الجماعة على المال فنهب.

وكانت قبيحة « أم المعتز » قد تقدمت بأن تُضرب دراهم عليها: بركةٌ من الله، لإعذار أبي عبد الله المعتز بالله. فضرب لها ألف ألف درهم، نُثرت على المزين ومن في حيزه والغلمان والشاكرية وقهارمة الدار والخدم الخاصة، من البيضان والسودان. وكان ممن حضر المجلس ذلك اليوم، محمد المنتصر وأبو أحمد وأبوسليمان ابنا الرشيد، وأحمد والعباس ابنا المعتصم، وموسى بن المأمون، وابنا حمدون النديم وأحمد بن أبي رؤيم، والحسين بن الضحاك، وعلي بن الجهم، وعلي بن يحيى المنجم، وأخوه أحمد.

ومن المغنين: عمروبن بانة، أحمد بن أبي العلاء، ابن الحفصي، ابن المكي، سلمك الرازي، عثعث، سليمان الطبال، المسدود، أبوحشيشة، ابن القصار، صالح الدفاف، زنام الزامر، تفاح الزامر.

ومن المغنيات: عريب، بدعة جاريتها، سراب، شارية وجواريها، ندمان، منعم، نجلة، تركية، فريدة، عرفان.

٣٧

وقال إبراهيم بن العباس: سألت أبا حرملة المزين في هذا اليوم، فقلت: كم حصل لك إلى أن وضع الطعام؟ فقال: نيف وثمانون ألف دينار، سوى الصياغات والخواتيم والجواهر العتيدات.

قال: وأقام المتوكل ببركوارا ثلاثة أيام، ثم أصعد إلى قصره الجعفري. وتقدم بإحضار إبراهيم بن العباس، وأمره أن يعمل له عملاً بما أنفق في هذا الإعذار ويعرضه عليه ففعل ذلك، فاشتمل العمل على ستة وثمانين ألف ألف درهم.

وكان الناس يستكثرون ما أنفقه الحسن بن سهل في عرس ابنته بوران، حتى أرخ ذلك في الكتب، وسميت دعوة الإسلام، ثم أتى من دعوة المتوكل ما أنسى ذلك. وكانت الدعوات المشهورة في الإسلام ثلاثاً لم يكن مثلها، فمنها: دعوة المعتز هذه المذكورة، ومنها عرس زبيدة بن جعفر بن أبي جعفر، فإن المهدي، زوج ابنه الرشيد بأم جعفر ابنة أخيه، فاستعد لها ما لم يستعد لامرأة قبلها من الآلة وصناديق الجوهر والحلي والتيجان والأكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة ولم يُرَ في الإسلام مثلها، وحشر الناس من الآفاق، وفُرق فيهم من الأموال أمر عظيم. فكانت الدنانير تجعل في جامات فضة، والدراهم في جامعات ذهب، ونوافج المسك وجماجم العنبر والغالية في بواطي زجاج، ويفرق ذلك على الناس، ويخلع عليهم خلع الوشي المنسوجة، وأوقد بين يديه في تلك الليلة شمع العنبر في أتوار الذهب. وأحضر ـ نساء بني

٣٨

هاشم، وكان يدفع إلى كل واحدة منهن كيس فيه دنانير وكيس فيه دراهم وصينية كبيرة وفضة فيها طيب، ويخلع عليها خلعة وشي مثقل.

وبلغت النفقة في هذا العرس من بيت مال الخاصة، سوى ما أنفقه الرشيد من ماله، خمسين ألف ألف درهم ...

ومنها عُرْسُ المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل، بفم الصلح « قرب واسط ». وكانت النفقة عليه أمراً عظيماً. وسأل المأمون زبيدة عن تقدير النفقة في العرس، فقالت: ما بين خمسة وثلاثين ألف ألف إلى سبعة وثلاثين ألف ألف.

ذكر ابن خرداذبه: أن المتوكل، أنفق على الأبنية التي بناها، وهي: بركوارا، والشاه، والعروس، والبركة، والجوسق، والمختار، والجعفري، والغريب، والبديع، والصبيح، والمليح، والسندان، والقصر، والجامع، والقلاية، والبرج، وقصر المتوكلية، والبهو، واللؤلؤة: مائتي ألف ألف وأربعة وسبعين ألف ألف درهم. ومن العين مائة ألف ألف دينار.

تكون قيمة الورق عيناً بصرف الوقت مع ما فيه من العين ثلاثة عشر ألف ألف دينار، وخمس مائة ألف دينار، وخمسة وعشرين ألف دينار.

قال: شرب المتوكل يوماً في بركوارا، فقال لندمائه: أرأيتم إن لم يكن أيام الورد لا نعمل نحن شاذكلاه « فارسية بمعنى: طربوش الفرح » قالوا: يا أمير المؤمنين، لا يكون الشاذكلاه إلا بالورد. فقال: بلى. أدعوا لي عبيد الله بن يحيى، فحضر فقال: تقدم بأن تضرب لي دراهم، في كل درهم حبتان. قال: كم المقدار يا أمير

٣٩

المؤمنين؟ قال: خمسة آلاف ألف درهم. فتقدم عبيد الله في ضربها فضربت، وعرفه الخبر. فقال: إصبغ منها بالحمرة والصفرة والسواد، واترك بعضها على حاله. ففعل. ثم تقدم إلى الدم والحواشي، وكانوا سبع مائة، أن يعد كل واحد منهم قباءً جديداً وقلنسوةً على خلاف لون قباء الآخر وقلنسوته، ففعلوا.

ثم عمد إلى يوم تحركت فيه الريح، فنصبت له قبة لها أربعون باباً، فاصطبح فيها، والندماء حوله. ولبس الخدم الكسوة التي أعدها، وأمر بنثر الدراهم كما ينثر الورد. فنثرت أولاً أولاً، فكانت الريح تحمل الدراهم فتقف بين السماء والأرض كما يقف الورد. فكان من أحسن أيام المتوكل وأظرفه.

وكان البرج من أحسن أبنيته، فجعل فيه صوراً عظاماً من الذهب والفضة، وبركة عظيمة جعل فرشها ظاهرها وباطنها صفائح الفضة، وجعل عليها شجرة ذهب، فيها كل طائر يصوت ويصفر، مكللة بالجوهر، وسماها طوبى. وعمل له سرير من الذهب كبير، عليه صورتا سَبْعَيْن عظيمين، ودرج عليها صور السباع والنسور وغير ذلك، على ما يوصف به سرير سليمان بن داود (ع). وجعل حيطان القصر من داخل وخارج ملبسة بالفسيفساء والرخام المذهب. فبلغت النفقة على هذا القصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار.

وجلس فيه على السرير الذهب، وعليه ثياب الوشي المثقلة، وأمر ألا يدخل عليه أحد إلا في ثياب وشي منسوجة، أوديباج ظاهرة.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381