تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125329 / تحميل: 5205
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

قال المزني : يجب أن لا يبطل البيع لبطلان الرهن ؛ لأنّ الشافعي قال : ولو تبايعا على أن يرهنه هذا العصير فرهنه إيّاه فإذا هو من ساعته خمر ، فله الخيار ؛ لأنّه لم يتمّ له الرهن(١) .

وخطّأه أصحابه ؛ لأنّ الرهن صحيح ، وإنّما فسد بعد ذلك ، وهنا فاسد من أصله ، فإذا قارن العقد أوجب الفساد(٢) .

تذنيب : هل يصحّ اشتراط كون اكتسابات العبد مرهونةً؟ نظر ، أقربه : المنع ؛ لأنّها ليست من أجزاء الأصل ، فهي معدومة على الإطلاق ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) .

وعلى القول بالفساد هل يفسد الرهن؟ قولان مخرَّجان للشافعي :

أحدهما : القولان في فساد الرهن بفساد الشرط الذي ينفع المرتهن.

وثانيهما : أنّه جمع في هذا الرهن بين معلومٍ ومجهولٍ ، فيجي‌ء فيه خلاف تفريق الصفقة(٤) .

ولو رهن وشرط كون المنافع مرهونةً ، فالشرط باطل ، ولا يجري فيه‌ القولان للشافعي ، المذكوران في الزوائد.

تذنيبٌ آخَر : لو افترض بشرط أن يرهن به شيئاً وتكون منافعه مملوكةً للمقرض ، فالقرض فاسد ؛ لأنّه جرّ منفعة ، وإذا بطل بطل الرهن.

وإن شرط كون المنافع مرهونةً أيضاً ، فإن سوّغنا مثل هذا الشرط في الرهن ، صحّ الشرط والرهن ؛ لأنّه لم يجرّ القرض نفعاً.

وعند الشافعيّة يفسد الشرط ، ويصحّ القرض ، وفي الرهن القولان(٥) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٠٠.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٥٢.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

١٠١

مسألة ٩١ : لو كان له على زيد ألف بلا رهن ، فقال زيد المديون : زِدْني ألفاً ، أي : أقرضني ألفاً على أن أدفع إليك رهناً سمّاه بالألفين ، فدفع إليه ، فسد القرض ؛ لأنّه شرط فيه منفعة ، وهو الاستيثاق على الألف الاُولى ، وقد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قرضٍ جرَّ منفعة(١) .

لا يقال : أليس لو شرط أن يعطيه بما يقرضه رهناً جاز وإن كان قد شرط الاستيثاق؟

لأنّا نقول : الشرط هنا تأكيد لما اقتضاه القرض ، فإنّه يقتضي ردّ مثله ، فإذا شرطه عليه جاز ، فلم يجرّ القرض نفعاً ؛ لأنّ وجوب الردّ ثابت في أصل القرض لا من حيث شرط الرهن ، أمّا هنا فإنّه شرط الاستيثاق في هذا القرض لدَيْنه الأوّل ، فقد شرط استيثاقاً بغير موجب القرض ، فلم يجز.

وبه قال الشافعي(٢) .

وإذا فسد الفرض ، لم يملكه المقترض ، ولا يثبت في ذمّته بدله ، وإذا‌ لم يثبت في ذمّته شي‌ء لم يصحّ الرهن ؛ لأنّه رهن بالدَّيْن ولم يثبت ، ولا يصحّ بالألف الاُولى ؛ لأنّه شرط في القرض.

أمّا لو قال : بِعْني عبداً بألف على أن اُعطيك بها وبالألف التي لك عليَّ رهناً ، فباعه على هذا الشرط ، صحّ البيع والرهن عندنا ؛ لأنّه شرط سائغ في عقد بيع ، فكان لازماً ؛ للآية(٣) ، والخبر(٤) .

____________________

(١) أورده الغزّالي في الوسيط ٣ : ٤٥٣ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣.

(٢) مختصر المزني : ١٠٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٤٦.

(٣) المائدة : ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

١٠٢

وقال الشافعي : يفسد البيع والرهن ؛ لأنّه شرط في البيع رهناً على دَيْنٍ آخَر ، فصار بمنزلة بيعين في بيعة ، وهو أن يقول : بِعْنى دارك على أن أبيعك داري ، وذلك فاسد ، فكذا هنا(١) .

والحكم في الأصل ممنوع عندنا ، وقد تقدّم(٢) .

مسألة ٩٢ : لو قال : أقرضتك هذه الألف بشرط أن ترهن به وبالألف التي لي عليك كذا ، أو بذلك الألف وحده ، فسد القرض‌ على ما تقدّم(٣) .

ولو قال المستقرض(٤) : أقرضني ألفاً على أن أرهن به وبالألف القديم أو بذلك الألف كذا ، تردّد الجويني فيه بناءً على أنّ القبول من المستقرض غير معتبر ، والأصحّ اعتباره ، والتسوية بين أن يصدر الشرط من المقرض ويقبله المستقرض ، وبين عكسه(٥) .

وكذا لو باع بشرط أن يرهن بالثمن والدَّيْن القديم عند الشافعي(٦) .

ويجوز عندنا على ما تقدّم(٧) .

فلو رهن المستقرض أو المشتري كما شرط ، فإمّا أن يعلم فساد ما شرط ، أو يظنّ صحّته ، فإن علم الفساد فإن رهن بالألف القديم ، صحّ. وإن رهن بهما ، لم يصحّ بالألف الذي فسد قرضه ؛ لأنّه لم يملكه ، وإنّما هو مضمون في يده للمقرض ، والأعيان لا يرهن عليها.

____________________

(١) مختصر المزني : ١٠٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٤٧.

(٢) في ج ١٠ ، ص ٢٥٠ ، المسألة ١١٨.

(٣) في صدر المسألة (٩١ ).

(٤) في الطبعة الحجريّة : « المقترض ».

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥.

(٧) في ذيل المسألة السابقة (٩١).

١٠٣

وفي صحّته بالألف القديم للشافعيّة قولا تفريق الصفقة ، فإن صحّ ، لم يوزّع ، بل كان الكلّ مرهوناً بالألف القديم ؛ لأنّ وضع الرهن على توثيق كلّ بعضٍ من أبعاض الدَّيْن بجميع المرهون(١) .

ولو تلف الألف الذي فسد القرض فيه في يده ، صار دَيْناً في ذمّته ، وصحّ الرهن بالألفين حينئذٍ.

وأمّا عند ظنّ الصحّة فإذا رهن بالألف القديم ، قال بعض الشافعيّة : لا يصحّ الرهن ، كما لو أدّى ألفاً على ظنّ أنّ عليه ألفاً ثمّ تبيّن خلافه ، فإنّ له الاسترداد ، وظهر بطلان الأداء(٢) .

وقال بعضهم : يصحّ ، بخلاف المقيس عليه ؛ لأنّ أداء الدَّيْن يستدعي سَبْقَ ثبوته ، وصحّة الرهن لا تستدي سَبْقَ الشرط(٣) .

ولو رهن بالألفين وقلنا بتفريق الصفقة فصحّته بالألف القديم على هذا الخلاف.

وكذا لو باع بشرط بيعٍ آخَر ، فإنّه يصحّ البيع والشرط عندنا ، ولا‌ يصحّ عندهم(٤) . فلو أنشأ البيع الثاني ظانّاً صحّة الشرط ، فقولان(٥) .

وكذا لو باع مال أبيه على ظنّ الحياة فبان ميّتاً.

ولو شرط عليه رهناً في بيع فاسد بظنّ لزوم الوفاء به فرهن ، فله الرجوع.

مسألة ٩٣ : لو رهن أرضاً وفيها أشجار أو أبنية ، فالوجه : عدم دخول الأشجار والأبنية في الرهن ؛ لأنّها ليست جزءاً من المسمّى ولا نفسه ،

____________________

(١ - ٣ ) الوسيط ٣ : ٤٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

١٠٤

فلا تندرج تحته - على ما تقدّم(١) في البيع وإن قال : بحقوقها. وتدخل لو قال : بجميع ما اشتملت عليه حدودها.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : الدخول(٢) ، وقد سبق(٣) في البيع.

ولو رهن شجرة ، لم يدخل المغرس تحت اسم الشجرة ؛ لما تقدّم.

وللشافعيّة خلافٌ مرتَّب على الخلاف في البيع ، والرهن أولى بالمنع ؛ لضعفه(٤) .

وفي معناه دخول الاُسّ تحت الجدار.

ولا تدخل الثمرة المؤبَّرة تحت رهن الشجرة بحال.

وفي غير المؤبَّرة الحقُّ عندنا ذلك وإن دخلت في البيع ؛ اقتصاراً على‌ النصّ فيه ، ولا يتعدّى إلى غيره.

وللشافعي قولان ، هذا أصحّهما ؛ لأنّ الثمار الحادثة بعد استقرار العقد لا يثبت فيها حكم الرهن ، فالموجودة عند العقد أولى ، وبهذا يفارق البيع.

والثاني : الدخول ، كالبيع(٥) ، وبه قال أبو حنيفة ، فإنّه قال : تدخل الثمار في الرهن بكلّ حال ، بناءً على أنّ رهن الشجرة دون الثمرة

____________________

(١) في ج ١٢ ، ص ٤٣ المسألة ٥٦٧.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٦ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٣) في ج ١٢ ، ص ٤٣ ، المسألة ٥٦٧.

(٤) الوسيط ٣ : ٤٨١ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٥ ، الوسيط ٣ : ٤٨١ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

١٠٥

لا يصحّ(١) .

ونفى بعضُ الشافعيّة الخلافَ هنا ، وقَطَع بعدم الدخول(٢) .

ولا يدخل البناء(٣) بين الأشجار تحت رهن الأشجار إن كانت بحيث يمكن إفراده بالانتفاع.

وإن لم ينتفع به إلّا بتبعيّة الأشجار ، فكذلك ، وهو أشهر طريقي الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : إنّه(٥) على الوجهين في المغارس(٦) .

وتدخل في رهن الأشجار الأغصانُ والأوارقُ ، وبه قال الشافعي(٧) .

أمّا التي تفصل غالباً - كأغصان الخلاف وورق الآس والفرصاد - ففيها(٨) قولان له ، كالقولين في الثمار التي لم تؤبَّر(٩) .

مسألة ٩٤ : لا يدخل الجنين تحت رهن الاُمّ الحامل - وهو أحد قولي الشافعي(١٠) - لعدم شمول الاسم له ، وكما في البيع عندنا.

____________________

(١) الفروق - للكرابيسي - ٢ : ٢٨٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٣ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، المغني ٤ : ٤٧٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٣) الظاهر : « البياض » بدل « البناء ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « إنّها » و الظاهر ما أثبتناه

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٧) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٨) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة و « ج » : « فيها ». والظاهر ما أثبتناه.

(٩) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(١٠) الوسيط ٣ : ٤٨٢ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

١٠٦

والجنين عند الشافعي أولى بالاندراج ، كالثمرة غير المؤبّرة تحت الشجرة ؛ لأنّ الحمل لا يقبل التصرّف على الانفراد(١) ، فبالحريّ أن يكون تبعاً(٢) .

وأمّا اللبن في الضرع : ففي دخوله إشكال.

وللشافعيّة طريقان ، أحدهما : القطع بأنّه لا يدخل. والمشهور : أنّه على الخلاف. ثمّ هو عند بعضهم في مرتبة الجنين ، وعند آخَرين في مرتبة الثمار ؛ لتيقّن وجوده ، وسواء أثبت الخلاف أم لا، فالظاهر أنّه لا يدخل في الرهن(٣) .

والأقرب : دخول الصوف على ظَهْر الحيوان ؛ لأنّه كالجزء من الحيوان ، فدخل تحت رهنه.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بدخوله ، كالأجزاء والأعضاء.

وأظهرهما : أنّه على قولين :

أحدهما : الدخول ، كالأغصان والأوراق في رهن الشجرة(٤) .

وأصحّهما : المنع ، كما في الثمار ؛ لأنّ العادة فيه الجَزّ(٥) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « الإفراد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، وانظر : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٥ ، والحاوي الكبير ٦ : ١٢١ ، وحلية العلماء ٤ : ٤٣٧ ، والوسيط ٣ : ٤٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٤) في « ث ، ج ، ر » : « الشجر ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٥ - ٤٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٧ ، روضة الطلابين ٣ : ٣٠٣ - ٣٠٤.

١٠٧

ونقل بعضهم بدل القولين وجهين ، وزاد وجهاً آخَر ثالثاً هو : الفرق بين القصير الذي لا يعتاد جزّه ، وبين المنتهى إلى حدّ الجَزّ(١) .

مسألة ٩٥ : لو كان في يده الحقُّ(٢) أو خريطة(٣) فقال : رهنتك هذا الحُقّ بما فيه ، أو الخريطة [ بما فيها(٤) ] وما فيهما(٥) معلوم ، صحّ الرهن إجماعاً في الظرف والمظروف.

وإن كان ما فيهما مجهولاً ، لم يصحّ الرهن قطعاً في المظروف خاصّةً ؛ للجهالة ، على إشكال ، وبه قال الشافعي(٦) .

وهل يصحّ الرهن في الظرف؟ أمّا عندنا فنعم. وأمّا عند الشافعي‌ ففيه قولا تفريق الصفقة(٧) .

ولو قال : رهنتك هذا الحُقّ دون ما فيه ، صحّ الرهن فيه قطعاً.

ولو قال : رهنتك هذا الحُقّ ، وأطلق ، صحّ الرهن فيه خاصّةً دون ما فيه.

وأمّا الخريطة فإذا قال : رهنتك هذه الخريطة بما فيها ، لم يصح مع الجهالة فيما فيها ؛ للجهل به ، ويصحّ فيها خاصّةً ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : لا يصحّ. ومبنى الخلاف تفريق الصفقة(٨) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

(٢) الحُقّ : وعاء منحوت من الخشب أو العاج أو غير ذلك ممّا يصلح أن يُنحت منه. لسان العرب ١٠ : ٥٦ « حقق».

(٣) الخريطة : وعاء من أَدَم وغيره. الصحاح ٣ : ١١٢٣ « خرط ».

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « فيها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

(٧ و ٨ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

١٠٨

ولو قال : رهنتكها دون ما فيها ، صحّ الرهن فيها خاصّةً كالحُقّ.

وقال الشافعي : لا يصحّ فيها أيضاً ؛ لأنّ الظاهر أنّها لا تُقصد ، وإنّما يُقصد ما فيها ، بخلاف الحُق(١) .

قال أصحابه : ولو كانت الخريطة ممّا تُقصد لكثرة قيمتها ، كانت كالحُقّ. ولو كان الحُقّ لا قيمة له مقصودة ، لم يصح رهنه ، كالخريطة إذا لم تكن لها قيمة مقصودة(٢) .

ولو قال : رهنتك هذا الظرف دون ما فيه ، صحّ رهنه وإن كانت قيمته قليلةً ؛ لأنّه إذا أفرده فقد وجّه الرهن نحوه ، وجَعَله المقصود.

وإن رهن الظرف ولم يتعرّض لما فيه نفياً وإثباتاً ، فإن كان بحيث يقصد بالرهن وحده ، فهو المرهون لا غير.

وإن كان لا يُقصد منفرداً لكنّه متموّل ، فالمرهون الظرف وحده ؛ لأصالة عدم رهن غيره.

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : هذا. والثاني : أنّه يكون رهناً مع المظروف(٣) .

ولو لم يكن متموّلاً ، فللشافعيّة وجهان ، أحدهما : توجّه الرهن إلى المظروف. والثاني : أنّه يلغى(٤) .

البحث الثاني : في العاقد.

مسألة ٩٦ : يُشترط في المتعاقدين التكليفُ والاختيار والقصد وانتفاء الحَجْر عنه بسفه أو فلس ، فلا يصحّ رهن الصبي ولا المجنون المطبق

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

١٠٩

ولا مَنْ يعتوره حالة الجنون إيجاباً وقبولاً ، ولا المكره ولا الغافل ولا الساهي ولا النائم ولا المغمى عليه ولا السكران ولا العابث ولا الهازل ، سواء في ذلك كلّه الإيجابُ والقبول.

ولا بُدّ أن يكون الراهنُ غيرَ محجور عليه بالسفه أو الفلس ؛ لأنّهما ممنوعان من التصرّف في أموالهما ، ولا اعتبار باختيارهما ، مع أنّ عقد الرهن والتسليم لا يكون واجباً ، وإنّما يكون إلى اختيار الراهن ، فإذا لم يكن له اختيار ، لم يصح منه. ولأنّ الرهن تبرّعٌ فإن صدر من أهل التبرّع، فلا كلام ، وإلّا فلا بُدَّ من قائم يقوم مقام المالك.

ويُشترط وقوعه على وفق المصلحة والاحتياط ، فإذا رهن الوليّ مال الصبي والمجنون والسفيه أو ارتهن لهم ، فلا بُدَّ من اعتبار مصلحتهم والاحتياط ، وذلك مثل أن يشتري للطفل ما يساوي مائتين بمائة نسيئةً ويرهن به ما يساوي مائة من مال الطفل ، فإنّ ذلك جائز ؛ لأنّه إن لم يعرض تلف ، ففيه غبطة ظاهرة. وإن تلف الرهن ، كان في المشتري ما يجبره.

ولو لم يرض البائع إلّا برهن يزيد قيمته على المائة ، فإن كان الرهن ممّا لا يخشى تلفه في العادة كالعقار ، جاز رهنه ؛ لما فيه من تحصيل الغبطة والمنفعة للصبي ، الخالية عن توهّم التلف.

وظاهر مذهب الشافعي المنع من هذه المعاملة(١) .

ولو كان الرهن ممّا يخشى تلفه ، فالأقوى : الجواز في موضعٍ يجوز إيداعه.

ومَنَع الشافعي من ذلك ؛ لأنّ الرهن يمنع من التصرّف وربما يتلف فيتضرّر به الطفل(٢) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

١١٠

ولو كان الزمانُ زمانَ نَهب أو وقع حريق وخاف الوليّ على مال الطفل ، فله أن يشتري عقاراً ويرهن بالثمن شيئاً من ماله إذا لم يتهيّأ أداؤه في الحال ولم يبع صاحب العقار عقارَه إلاّ بشرط الرهن ؛ لأنّه يجوز في مثل هذه الحالة إيداع المال ممّن لا يمتد النهب إلى ما في يده ، فهذا الرهن أولى.

ولو استقرض له شيئاً والحال هذه ، لم يجز ؛ لأنّه يخاف التلف على ما يستقرضه خوفه على ما يرهنه.

ولو لم يجد الوليّ مَنْ يأخذ المال وديعةً ووجد مَنْ يأخذه رهناً وكان المرهون أكثر قيمةً من مال القرض ، جاز له الرهن.

مسألة ٩٧ : يجوز للوليّ أن يستقرض للطفل لحاجته إلى النفقة والكسوة أو لتوفية ما لزمه أو لصلاح ضياعه ومرمّتها وعمارة أبنيته أو إخراج ما يحتاج ارتفاع الغلّات فيه أو لحلول ما لَه من الدَّيْن المؤجَّل ، أو(١) النفاق متاعه الكاسد ، فإن لم يرتقب شيئاً من ذلك ، فبيع ما [ تعذّر ](٢) رهنه أولى من الاستقراض ، فإن تعذّر البيع ، استقرض ، ورهن من مال الطفل بحسب المصلحة ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٣) .

وقال بعضهم : لا يجوز للوليّ رهن ماله بحال من الأحوال(٤) .

وكذا يجوز أن يرتهن للطفل بأن يتعذّر على الوليّ استيفاء دَيْن الصبي ، فيرتهن به إلى وقت الاستيفاء.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « يقدر ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

١١١

ولو كان له دَيْنٌ مؤجَّل إمّا بأن ورثة كذلك أو بأن باع الوليّ مالَه نسيئةً بالغبطة ، فيجوز له حينئذٍ الارتهان للصبي.

ولو كان المشتري موسراً ، لم يكتف الوليّ به ، بل لا بُدَّ من الارتهان بالثمن. ولو لم يحصل أو حسن الظنّ بيساره وأمانته ، أمكن البيع نسيئةً بغير رهن ، كما يجوز إبضاع مال الطفل.

وإذا ارتهن على الثمن ، جاز أن يرتهن على جميعه ، وهو الأظهر من مذهب الشافعيّة(١) .

ولهم وجهٌ آخَر : أنّه لا بُدّ أن يستوفي ما يساوي المبيع نقداً ، وإنّما يرتهن ويؤجّل بالنسبة إلى الفاضل(٢) .

والمعتمد : الأوّل.

مسألة ٩٨ : يجوز للوليّ إقراض مال الطفل مع المصلحة بأن يخاف تلفه بنَهب أو حريق. وكذا يبيعه ويرتهن بالقرض أو ثمن المبيع للطفل‌ شيئاً حفظاً لمالِه من النهب والحريق ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٣) .

ولهم قولٌ آخَر : إنّ الأولى أن لا يرتهن للطفل إذا كان المرهون ممّا يخاف تلفه ؛ لأنّه قد يتلف ويرفع الأمر إلى حاكمٍ يرى سقوط الدَّيْن بتلف الرهن(٤) .

والوجه : الأوّل.

وحيث يجوز للوليّ الرهن فالشرط أن يرهن من أمين يجوز الإيداع

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

(٢ -٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

١١٢

منه. ولا فرق بين الأولياء في ذلك ، سواء الأبُ والجدُّ للأب والوصيّ والحاكم وأمينه.

وحيث يجوز الرهن والارتهان فللأب والجدّ أن يعاملا نفسيهما ويتولّيا طرفي العقد ؛ للوثوق بشفقتهما.

وهل لغيرهما ذلك؟ مَنَع منه الشافعيّة(١) . وليس بقويّ.

مسألة ٩٩ : يجوز للمكاتب أن يرهن ويرتهن مع المصلحة والغبطة ؛ لانقطاع تصرّف المولى عنه ، ولكن يشترط النظر والمصلحة ، كما في الطفل ، وهو قول بعض الشافعيّة.

وقال بعضهم : لا يجوز له الرهن استقلالاً ، ومع إذن السيّد قولان بناءً على أنّ الرهن تبرّع(٢) .

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : أنّه لا يجوز له الاستقلال بالبيع نسيئةً بحال(٣) ، وهو المشهور عندنا.

ومع إذن السيّد يجوز عندنا.

وللشافعي مع الإذن قولان(٤) .

أمّا المأذون فإن دفع إليه السيّد مالاً ليتّجر فيه ، فهو كالمكاتب إلّا في وجهين :

أحدهما : أنّ رهنه أولى بالمنع من رهن المكاتب ؛ لأنّ الرهن ليس من عقود التجارات.

وشبّهه الجويني بإجارة الرقاب(٥) . وفي نفوذها منه خلاف بين

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ - ٤٧١ روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧١.

١١٣

الشافعيّة(١) .

والثاني : أنّ له البيع نسيئةً بإذن السيّد إجماعاً ؛ لأنّه مال السيّد ، فيكون تصرّفُ المأذون فيه بإذن المولى في الحقيقة تصرّدَ المولى في ماله.

ولو قال له مولاه : اتّجر بجاهك ، ولم يدفع إليه مالاً ، فله البيع والشراء في الذمّة حالّاً ومؤجَّلاً ، وكذا الرهن والارتهان ؛ لانتفاء الضرر فيه على المولى ، فإن فضل في يده مال ، كان للمولى ، ويكون حكمُه حكمَ ما لو دفع إليه المولى مالاً.

مسألة ١٠٠ : يشترط في الراهن أن يكون مالكاً للرهن أو في حكم المالك بأن يكون مأذوناً له في الرهن ؛ لأنّه تصرّف في مال الغير ، فلا يجوز إلّا بإذن المالك إمّا من جهة المالك ، كالمستعير للرهن ، أو من جهة الشرع ، كوليّ الطفل ، فإنّ له أن يرهن على ما تقدّم(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإذا استعار عبداً من غيره ليرهنه على دَيْنه الذي عليه فرَهَنه ، صحّ.

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ تحفظ عنه من أهل العلم على أنّ الرجل إذا استعار من الرجل شيئاً ليرهنه على دنانير معيّنة عند رجل إلى وقتٍ معلوم ففَعَل أنّ ذلك جائز(٣) .

وهذا يقتضي تعيين المرتهن وقدر الدَّيْن وجنسه ومدّة الرهن ؛ لاختلاف العقود بذلك.

وهل يكون سبيلُ هذا العقد سبيلَ العاريّة أو الضمان؟ الحقّ عندنا

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧١.

(٢) في ص ١١٠ ، المسألة ٩٧.

(٣) المغني ٤ : ٤١٢.

١١٤

الأوّل - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّه قبض مال غيره لمنفعة نفسه منفرداً بها فكان عاريةً ، كما لو استعاره للخدمة. ولأنّ الضمان يثبت في الذمّة ، وهنا يثبت في رقبة العبد.

وأصحّهما : أنّ سبيله سبيل الضمان ، ومعناه أنّ سيّد العبد ضمّن دَيْن الغير في رقبة ماله ، كما لو أذن لعبده في ضمان دَيْن غيره ، يصحّ ، وتكون ذمّته فارغةً ، وكما ملك أن يلزم ذمّته دَيْن الغير وجب أن يملك إلزامه عين ماله ؛ لأنّ كل واحدٍ منهما محلّ حقّه وتصرّفه(٢) .

ولأنّ منفعة العبد لسيّده ، والعارية ما أفادت المنفعة ، وإنّما حصلت المنفعة للراهن لكونه وثيقةً عنه ، فهو بمنزلة الضمان في ذمّته.

لأنّ الحق المتعلّق بالذمّة ينبغي أن يتعلّق مثله بالرقبة ، كالملك.

ثمّ أجابوا عن الأوّل بأنّ المقبوض للخدمة منفعة للمستعير ، بخلاف مسألتنا(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الضمان عقد مستقلّ بنفسه يتضمّن التعهّدَ بدَيْن الغير ، وانتقالَه من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، ولم يوجد هنا ، فلم يكن ضماناً.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ هذا فيما يدور بين الراهن والمرتهن رهنٌ محض ، وفيما بين المعبر والمستعير عارية ، وفيما بين المعير والمرتهن حكم الضمان أغلب ، فيرجع فيه ما دام في يد الراهن ، ولا يرجع بعد القبض على الأصحّ عندهم ؛ لأنّه ضمن له الدَّيْن في عين ملكه ، ويقدر على إجبار الراهن على فكّه بأداء الدَّيْن ؛ لأنّه معير(٤) في حقّه إن كان الدَّيْن

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « معتبر ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

١١٥

حالّاً ، وفي المؤجَّل قولان(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ العارية هنا تكون مضمونةً على المستعير إجماعاً.

أمّا عند العامّة : فضاهرٌ حيث قالوا بأنّ العارية مطلقاً مضمونة(٢) .

وأمّا عندنا : فلأنّ المالك لم يدفعه ليملكه المستعير ، بل لينتفع به ويردّه على مالكه ، فإذا عرّضه للإتلاف بالرهن ، كان ضامناً له ، كالملتقط إذا نوى التملّك في اللقطة ، فإنّه يكون ضامناً ، كذا هنا.

واعلم أنّ هذا الرهن صحيح ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٣) .

وقال ابن سريج : إذا قلنا : إنّ ذلك عارية ، لم يصح رهنه ؛ لأنّ العارية لا تكون لازمةً ، والرهن لازم ، فعلى هذا يشترط في الرهن كون المرهون‌ ملكاً للراهن(٤) .

وأبطله باقي الشافعيّة بأنّ العارية غير لازمة من جهة المستعير ، فإنّ لصاحب العبد أن يطالب الراهن بافتكاكه قبل أن يحلّ الدَّيْن وإن كان قد أذن في رهنه بدَيْن مؤجَّل. ولأنّ العارية قد تكون لازمةً بأن يعيره جذعاً يبني عليه ، وكما لو استعار أرضاً للدفن فدفن ميّته ، وأشباههما(٥) .

ولو قال المديون : أرهن عبدك بدَيْني من فلان ، فهو كما لو قبضه فرَهَنه.

مسألة ١٠١ : إذا أذن له في رهن عبده على الدَّيْن الذي عليه لثالثٍ ،

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٦٠ - ١٦١.

(٢) الوجيز ١ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٦ ، المغني ٥ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٥.

(٣-٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣.

١١٦

كان هذا التصرّف سائغاً ، بخلاف ما لو باع مال الغير لنفسه ؛ لأنّ البيع معاوضة ، فلا يملك الثمن مَنْ لا يملك المثمن ، والرهن استيثاق ، والاستيثاق يحصل بما لا يملك ، كما يحصل بالكفالة والإشهاد.

إذا ثبت هذا ، فإنّ لمالك العبد الرجوعَ في الإذن قبل الرهن إجماعاً ؛ لأنّ العارية قد بيّنّا أنّها غير لازمة ، ولم يحصل الضمان بَعْدُ ، فعلى قول العارية ظاهر ، وعلى قول الضمان : فلأنّه بَعْدُ لم يلزم.

وهل له الرجوع بعد عقد الرهن قبل الإقباض؟ إن قلنا : إنّ القبض ليس شرطاً في صحّة الرهن ، لم يكن له الرجوع ؛ لأنّ الرهن قد لزم بنفس العقد. وإن قلنا : إنّه شرط ، صحّ الرجوع ؛ لأنّ المستعير مخيّر في فسخ الرهن قبل القبض ، فإذا لم يلزم في حقّه وهو المديون ، فأولى أن لا يلزم في حقّ غيره ، وبه قالت الشافعيّة(١) .

وأمّا بعد القبض فليس للمالك الرجوعُ في إذن الرهن ، وبه قال‌ الشافعي على قول الضمان ، وأمّا على قول العارية فوجهان :

أحدهما : أنّ له أن يرجع ؛ جرياً على مقتضى العارية.

والأظهر : أنّه لا يرجع ، وإلّا لم يكن لهذا الرهن معنى ، ولا يحصل به توثّق(٢) .

وقال بعضهم : إنّه إذا كان الدَّيْن مؤجَّلاً ، ففي جواز الرجوع قبل حلول الأجل وجهان ؛ لمنافاته(٣) الإذن بمدّة ، كما لو أعار للغراس مدّةً(٤) .

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣. ١‌

(٣) كذا في « ر » الطبعة الحجريّة وفي « العزيز شرح الوجيز » : « لما فيه من » بدل « لمنافاته ». و كذا في « ج » : « لما فيه من » بدل « لمنافاته » وكذا في « ج » من دون « من ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣.

١١٧

وإذا حكمنا بالرجوع فرجع وكان الرهن مشروطاً في بيعٍ ، فللمرتهن فسخ البيع إذا كان جاهلاً بالحال.

مسألة ١٠٢ : إذا أذن له في رهن عبده ، فرهنه المديون ، فإن كان الدَّيْن حالّاً ، كان لصاحب العبد مطالبة الراهن وإجباره على افتكاكه مع قدرة المديون منه ؛ لأنّه عندنا عارية ، والعارية غير لازمة ، بل للمالك الرجوع فيها متى شاء.

وأمّا على أحد قولي الشافعيّة من أنّه ضمان(١) : فكذلك أيضاً ؛ لاستخلاص ملكه المشغول بوثيقة الرهن ، ولا يُخرَّج على الخلاف بين الشافعيّة في أنّ الضامن هل يملك إجبار الأصيل على الأداء لتبرئة ذمّته تشبيهاً للشغل الذي أثبته بأداء الدَّيْن؟(٢) .

وإن كان مؤجَّلاً وأذن له في الرهن عليه ، فليس لصاحب العبد إجباره على الفكّ قبل الحلول على القول بأنّه ضمان ، كمن ضمن دَيْناً مؤجَّلاً لا‌ يطالب الأصيل بتعجيله لإبراء ذمّته.

وإن قلنا : إنّه عارية ، كان له مطالبته بفكاكه ؛ لأنّ العارية لا تلزم.

ثمّ إذا حلّ الأجل وأمهل المرتهن الراهنَ ، فللمالك أن يقول : إمّا أن تردّ العبد إليَّ ، أو تطالبه بالدَّيْن ليؤدّيه ، فينفكّ الرهن ، كما إذا ضمن دَيْناً مؤجَّلاً ومات الأصيل ، فللضامن أن يقول : إمّا أن تطالب بحقّك من التركة ، أو تبرئني.

مسألة ١٠٣ : إذا أذن المالك في الرهن ثمّ حلّ الدَّيْن أو كان حالّاً في أصله ، فإن كان الراه معسراً ، جاز للمرتهن بيع الرهن ، واستيفاء الدَّيْن

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤.

١١٨

منه إن كان وكيلاً في البيع ، وإلّا باعه الحاكم إذا ثبت عنده الرهن ، سواء رضي المالك بذلك أو لا ؛ لأنّ الإذن في الرهن إذنٌ في لوازمه التي من جملتها بيعه عند الإعسار.

ولو كان الراهن موسراً مُماطلاً ، فالأقرب : أنّ للمرتهن البيعَ أيضاً ، ولا يكلَّف الصبر على مطالبة المماطل ولا حبسه وإن جاز له ذلك.

ولو لم يكن مماطلاً وكان حاضراً يمكن استيفاء الدَّيْن منه ، لم يجز البيع.

وإن كان غائباً ولا مال له في بلد المرتهن ، فالأقوى جواز البيع أيضاً.

وأمّا الشافعيّة فقالوا : إن قلنا : إنّه ضمان ، فلا يباع في حقّ المرتهن إن قدر الراهن على أداء الدَّيْن ، إلّا بإذنٍ مجدَّد ، وإن كان معسراً ، فيباع وإن كره المالك. وإن قلنا : إنّه عارية ، فلا يباع إلّا بإذنٍ مجدَّد ، سواء كان الراهن موسراً أو معسراً(١) .

وقياس قول مَنْ قال منهم بلزوم الرهن على قول العارية أنّه يجوز بيعه عند الإعسار من غير مراجعة كما على قول الضمان(٢) .

قال بعضهم : الرهن وإن صدر من المالك فإنّه لا يسلَّط على البيع إلّا بإذنٍ جديد ، فإن رجع ولم يأذن ، فحينئذٍ يُباع عليه ، فإذَنْ المراجعةُ لا بُدَّ منها(٣) .

ثمّ إذا لم يأذن في البيع ، فقياس مذهبهم أن يقال : إن قلنا : إنّه عارية ، فيعود الوجهان في أنّه هل يُمكَّن من الرجوع؟ وإن قلنا : إنّه ضمان ولم يؤدّ

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

١١٩

الدَّيْن الراهنُ ، فلا يُمكَّن من الإباء ، ويُباع عليه ، معسراً كان الراهن أو موسراً ، كما لو ضمن في ذمّته ، يُطالَب ، موسراً كان الأصيل أو معسراً(١) .

مسألة ١٠٤ : إذا أعسر الراهن المستعير للرهن وتعذّر الاستيفاء منه فبِيع الرهن في الدَّيْن وقُضي به الدَّيْن ، فإن فضل من الثمن شي‌ء ، فهو لمالك العبد ؛ لأنّه ثمن ملكه. وإن أعوز شي‌ء ، لم يلزم صاحب العبد شي‌ء ؛ لأنّ المعير ليس بضامنٍ للدَّيْن.

وأمّا عند الشافعيّة فكذلك أيضاً ، سواء قلنا : إنّ الإذن في الرهن عارية أو ضمان ؛ لأنّه إنّما ضمن في تلك العين المأذون في دفعها خاصّةً ، وإذا حصر الضمان في عينٍ لم يتعدّ إلى غيرها(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإن كانت قيمة العبد بقدر الدَّيْن ولم يوجد باذل لأكثر منها ، بِيع وصُرف في الدَّيْن. وإن كانت القيمة أكثر من الدَّيْن ، فإن وُجد راغب في شراء شقص من العبد بقدر الدَّيْن وتساوت قيمة الشقص‌ منفرداً وقيمته منضمّاً أو وُجد باذل لذلك ، بِيع الشقص وقُضي منه الدَّيْن ، وكان الباقي لمالك العبد.

ولم لم يرض المالك بالتشقيص بِيع الجميع.

ولو كانت قيمة الشقص منضمّاً أكثر من قيمته منفرداً ولم يوجد باذل للزيادة مع الانفراد ، بِيع الجميع لئلّا يتضرّر المالك ، فإن طلبه المالك ، اُجيب إليه.

مسألة ١٠٥ : إذا بِيع العبد المأذون في رهنه في الدَّيْن وقُضي به الدَّيْن ، نُظر فإن بِيع بقدر قيمته ، رجع المالك بذلك على الراهن على

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

بإطلاقه لفظ الغنيمة فيه ثم عطفه الأكل عليها لم لم ينف ما تضمنه من التمليك كما لو قال كلوا مما ملكتم لم يكن إطلاق لفظ الأكل مانعا من صحة الملك ويدل على ذلك دخول الفاء عليه كأنه قال قد ملكتكم ذلك فكلوا* والغنيمة اسم لما أخذ من أموال المشركين بقتال فيكون خمسه لله تعالى وأربعة أخماسه للغانمين بقوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فإن لله خمسه ) وأما الفيء فهو كل ما صار من أموال المشركين إلى المسلمين بغير قتال روى هذا الفرق بينهما عن عطاء بن السائب وعن سفيان الثوري أيضا* قال أبو بكر الفيء كل ما صار من أموال المشركين إلى المسلمين بقتال أو بغير قتال إذ كان سبب أخذه الكفر قال أصحابنا الجزية فيء والخراج وما يأخذه الإمام من العدو على وجه الهدنة والموادعة فهو فيء أيضا وقال الله عز وجل( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ) الآية فقيل إن هذا فيما لم يوجف عليه المسلمون مثل فدك وما أخذ من أهل نجران فكان للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم صرفه في هذه الوجوه وقيل إن هذه كانت في الغنائم فنسخت بقوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه ) وجائز عندنا أن لا تكون منسوخة وأن تكون آية الغنيمة فيما أوجف عليه المسلمون بخيل أو ركاب وظهر عليهم بالقتال وآية الفيء التي في الحشر فيما لم يوجف عليه المسلمون وأخذ منهم على وجه الموادعة والهدنة كما فعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بأهل نجران وفدك وسائر ما أخذه منهم بغير قتال والله أعلم بالصواب.

باب التوارث بالهجرة

قال الله تعالى( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا ) الآية حدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر ابن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيدة قال حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ) الآية قال كان المهاجر لا يتولى الأعرابى ولا يرثه وهو مؤمن ولا يرث الأعرابى المهاجر فنسختها( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) وروى عبد الرحمن بن عبد الله بن المسعودي عن القاسم قال آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصحابة وآخى بين عبد الله بن مسعود والزبير بن العوام أخوة يتوارثون بها

٢٦١

لأنهم هاجروا وتركوا أقرباءهم حتى أنزل الله آية المواريث* قال أبو بكر اختلف السلف في أن التوارث كان ثابتا بينهم بالهجرة والأخوة التي آخى بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بينهم دون الأرحام وأن ذلك مراد هذه الآية وأن قوله تعالى( أولئك بعضهم أولياء بعض ) قد أريد به إيجاب التوارث بينهم وأن قوله( ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا ) قد نفى إثبات التوارث بينهم بنفيه الموالاة بينهم وفي هذا دلالة على أن إطلاق الموالاة يوجب التوارث وإن كان قد يختص به بعضهم دون جميعهم على حسب وجود الأسباب المؤكدة له كما أن النسب سبب يستحق به الميراث وإن كان بعض ذوى الأنساب أولى به في بعض الأحوال لتأكد سببه وفي هذا دليل على أن قوله تعالى( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) موجب لإثبات القود لسائر ورثته وأن النساء والرجال في ذلك سواء لتساويهم في كونهم من مستحقي ميراثه ويدل أيضا على أن الولاية في النكاح مستحقة بالميراث وأن قوله صلّى الله عليه وآله وسلم لا نكاح إلا بولي مثبت للولاية لجميع من كان من أهل الميراث على حسب القرب وتأكيد السبب وأنه جائز للأم تزويج أولادها الصغار إذا لم يكن لهم أب على ما يذهب إليه أبو حنيفة إذ كانت من أهل الولاية في الميراث* وقد كانت الهجرة فرضا حين هاجر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إلى أن فتح النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مكة فقال لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فنسخ التوارث بالهجرة بسقوط فرض الهجرة وأثبت التوارث بالأنساب بقوله تعالى( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) قال الحسن كان المسلمون بتوارثون بالهجرة حتى كثر المسلمون فأنزل الله تعالى( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ) فتوارثوا بالأرحام وروى الأوزاعى عن عبدة عن مجاهد عن ابن عمر قال انقطعت الهجرة بعد الفتح وروى الأوزاعى أيضا عن عطاء ابن أبى رباح عن عائشة مثله وزاد فيه ولكن جهاد ونية وإنما كانت الهجرة إلى الله ورسوله والمؤمنون يفرون بدينهم من أن يفتنوا عنه وقد أذاع الله الإسلام وافشاء فتضمنت هذه الآية إيجاب التوارث بالهجرة والمؤاخاة دون الأنساب وقطع الميراث بين المهاجرين وبين من لم يهاجر واقتضى أيضا إيجاب نصرة المؤمن الذي لم يهاجر إذا استنصر المهاجر على من لم يكن بينهم وبينه عهد بقوله تعالى( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ) وقد روى في قوله تعالى( ما لكم من ولايتهم

٢٦٢

من شىء حتى يهاجروا ) ما قد بينا ذكره في نفى الميراث عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة في آخرين وقيل إنه أراد نفى إيجاب النصرة فلم تكن حينئذ على المهاجر نصرة ومن لم يهاجر إلا أن يستنصر فتكون عليه نصرته إلا على من كان بينه وبينه عهد فلا ينقض عهده وليس يمتنع أن يكون نفى الولاية مقتضيا للأمرين جميعا من نفى التوارث والنصرة ثم نسخ نفى الميراث بإيجاب التوارث بالأرحام مهاجرا كان أو غير مهاجر وإسقاطه بالهجرة فحسب ونسخ نفى إيجاب النصرة بقوله تعالى( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) وقوله تعالى( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ) قال ابن عباس والسدى يعنى في الميراث وقال قتادة في النصرة والمعاونة وهو قول ابن إسحاق* قال أبو بكر لما كان قوله تعالى( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ـ إلى قوله ـأولئك بعضهم أولياء بعض ) موجبا لإثبات التوارث بالهجرة وكان قوله تعالى( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا ) نافيا للميراث وجب أن يكون قوله تعالى( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ) موجبا لإثبات التوارث بينهم لأن الولاية قد صارت عبارة عن إثبات التوارث بينهم فاقتضى عمومه إثبات التوارث بين سائر الكفار بعضهم من بعض مع اختلاف مللهم لأن الاسم يشملهم ويقع عليهم ولم يفرق الآية بين أهل الملل بعد أن يكونوا كفارا ويدل أيضا على إثبات ولاية الكفار على أولادهم الصغار لاقتضاء اللفظ له في جواز النكاح والتصرف في المال في حال الصغر والجنون* وقوله تعالى( إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) يعنى والله أعلم إن تفعلوا ما أمرتم به في هاتين الآيتين من إيجاب الموالاة والتناصر والتوارث بالأخوة والهجرة ومن قطعها بترك الهجرة تكن فتنة في الأرض وفساد كبير وهذا مخرجه مخرج الخبر ومعناه الأمر وذلك لأنه إذا لم يتول المؤمن الفاضل على ظاهر حاله من الإيمان والفضل بما يدعو إلى مثل حاله ولم يتبرأ من الفاجر والضال بما يصرف عن ضلاله وفجوره أدى ذلك إلى الفساد والفتنة قوله تعالى( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) نسخ به إيجاب التوارث وبالهجرة والحلف والموالاة ولم يفرق فيه بين العصبات وغيرهم فهو حجة في إثبات ميراث ذوى الأرحام الذين لا تسمية لهم ولا تعصيب وقد ذكرنا فيما سلف في سورة النساء وذهب عبد الله بن مسعود إلى أن ذوى الأرحام أولى من مولى

٢٦٣

العتاقة واحتج فيه بظاهر الآية وليس هو كذلك عند سائر الصحابة وقد روى أن ابنة حمزة اعتقت عبدا ومات وترك بنتا فجعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم نصف ميراثه لابنته ونصفه لابنه حمزة بالولاية فجعلها عصبة والعصبة أولى بالميراث من ذوى الأرحام وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب * وقوله تعالى( فى كتاب الله ) قيل فيه وجهان أحدهما في اللوح المحفوظ كما قال( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) والثاني في حكم الله تعالى.

سورة براءة

قال الله تعالى( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) قال أبو بكر البراءة هي قطع الموالاة وارتفاع العصمة وزوال الأمان وقيل إن معناه هذه براءة من الله ورسوله ولذلك ارتفع وقيل هو ابتداء وخبره الظرف في إلى فاقتضى قوله عز وجل( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) نقض العهد الذي كان بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وبينهم ورفع الأمان وإعلام نصب الحرب والقتال بينه وبينهم وهو على نحو قوله تعالى( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ) فكان ما ذكر في هذه الآية من البراءة نبذا إليهم ورفعا للعهد وقيل إن ذلك كان خاصا فيمن أضمروا الخيانة وهموا بالغدر وكان حكم هذا اللفظ أن يرفع العهد في حال ذكر ذلك لهم إلا أنه لما عقبه بقوله تعالى( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) بين به أن هذه البراءة وهذا النبذ إليهم إنما هي بعد أربعة أشهر وأن عهد ذوى العهد من هذا القبيل منهم باق إلى آخر هذه المدة قال الحسن فمن كان منهم عهده أكثر من أربعة أشهر حط إليها ومن كان منهم عهده أقل رفع إليها وقيل إن هذه الأربعة الأشهر التي هي أشهر العهد أولها من عشرين من ذي القعدة وذو الحجة والمحرم وصفر وعشرة أيام من شهر ربيع الأول لأن الحج في تلك السنة التي حج فيها أبو بكر وقرأ فيها على بن أبى طالب سورة براءة على الناس بمكة بأمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كان في ذي القعدة ثم صار الحج في السنة الثانية وهي السنة التي حج فيها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في في ذي الحجة وهو الوقت الذي وقته الله تعالى للحج لأن المشركين كانوا ينسئون الشهور فاتفق عود الحج في السنة التي حج فيها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إلى الوقت الذي فرضه الله تعالى فيه بديا على إبراهيم وأمره فيه بدعاء الناس إليه بقوله( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا )

٢٦٤

ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو واقف بعرفات ألا إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض فثبت الحج في اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة والنحر وهو اليوم العاشر منه فهذا قول من يقول إن الأربعة الأشهر التي جعلها للسياحة وقطع بمضيها عصمة المشركين وعهدهم وقد قيل في جواز نقض العهد قبل مضى مدته على جهة النبذ إليهم وإعلامهم نصب الحرب وزوال الأمان وجوه أحدها أن يخاف غدرهم وخيانتهم والآخر أن يثبت غدرهم سرا فينبذ إليهم ظاهرا والآخر أن يكون في شرط العهد أن يقرهم على الأمان ما يشاء وينقضه متى شاء كما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لأهل خيبر أقركم ما أقركم الله والآخر أن العهد المشروط إلى مدة معلومة فيه ثبوت الأمان من حربهم وقتالهم من غير علمهم وأن لا يقصدوا وهم غارون وأنه متى أعلمهم رفع الأمان من حربهم فذلك جائز لهم وذلك معلوم في مضمون العهد وسواء خاف غدرهم أو لم يخف وكان في شرط العهد أن لناقضه متى شئنا أو لم يكن فإن لنا متى رأينا ذلك خطا للإسلام أن ننبذ إليهم وليس ذلك بغدر منا ولا خيانة ولا خفر للعهد لأن خفر الأمان والعهد أن يأتيهم بعد الأمان وهم غارون بأماننا فأما متى نبذنا إليهم فقد زال الأمان وعادوا حربا ولا يحتاج إلى رضاهم في نبذ الأمان إليهم ولذلك قال أصحابنا أن للإمام أن يهادن العدو إذا لم تكن بالمسلمين قوة على قتالهم فإن قوى المسلمون وأطاقوا قتالهم كان له أن ينبذ إليهم ويقاتلهم وكذلك كل ما كان فيه صلاح للمسلمين فللإمام أن يفعله وليس جواز رفع الأمان موقوفا على خوف الغدر والخيانة من قبلهم وقد روى عن ابن عباس أن هذه الأربعة الأشهر الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة إلى آخر المحرم وقد كانت سورة براءة نزلت حين بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أبا بكر على الحج وكان الحج في تلك السنة في ذي القعدة فكأنهم على هذا القول إنما بقي عهدهم إلى آخر الأربعة الأشهر التي هي أشهر الحرم وقد روى جرير بن عن مغيرة عن الشعبي عن المحرر بن أبى هريرة عن أبيه قال كنت مع على حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ببراءة إلى المشركين فكنت أنادى حتى صحل صوتي وكان أمرنا أن نقول لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله إلى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة الأشهر فان الله برىء من المشركين ورسوله وجائز أن تكون هذه الأربعة الأشهر من وقت

٢٦٥

ندائه وإعلامهم إياه وجائز أن يريد بها تمام أربعة أشهر من الأشهر الحرم وقد روى سفيان عن أبى إسحاق عن زيد بن يثيع عن على أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بعثه يوم الحج الأكبر أن لا يطوف أحد بالبيت عريانا ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ولا يحج مشرك بعد عامه هذا ومن كان بينه وبين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عهد فاجعله إلى مدته فجمل في حديث على من له عهد عهده إلى أجله ولم يخصص أربعة أشهر من غيره وقال في حديث أبى هريرة فعهده إلى أربعة أشهر وجائز أن يكون المعنيان صحيحين وأن يكون جعل أجل بعضهم أربعة أشهر أو تمام أربعة أشهر التي هي أشهر الحرم وجعل أجل بعضهم إلى مدته طالت المدة أو قصرت وذكر الأربعة الأشهر في حديث أبى هريرة موافق لقوله تعالى( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) وذكر إثبات المدة التي أجلها في حديث على موافق لقوله تعالى( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ) فكان أجل بعضهم وهم الذين خيف غدرهم وخيانتهم أربعة أشهر وأجل من لم يخش غدرهم إلى مدته وقد روى يونس عن أبى إسحاق قال بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أميرا على الحج من سنة تسع فخرج أبو بكر ونزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والمشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم أن لا يصد عن البيت أحد ولا يخاف أحد في الشهر الحرام وكان ذلك عهدا عاما بينه وبين أهل الشرك وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وبين قبائل العرب خصائص إلى أجال مسماة فنزلت( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) أهل العهد العام من أهل الشرك من العرب( فسيحوا في الارض اربعة أشهر ) أن الله برىء من المشركين بعده هذه الحجة وقوله( إلا الذين عاهدتم من المشركين ) يعنى العهد الخاص إلى الأجل المسمى( فإذا انسلخ الأشهر الحرم ) يعنى الأربعة التي ضربه لهم أجلا وقوله( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) من قبائل بنى بكر الذين كانوا دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وبين قريش فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش وبنو الدئل فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بإتمام العهد لمن لم يكن نقضه من بنى بكر إلى مدته( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) وروى معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس في قوله( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) قال جعل الله للذين عاهدوا رسول

٢٦٦

الله صلّى الله عليه وآله وسلم أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاءوا وأجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم خمسين ليلة وأمره إذا انسلخ الأشهر الحرم أن يضع السيف فيمن عاهدوا ولم يدخلوا في الإسلام ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق* قال أبو بكر جعل ابن عباس في هذا الحديث الأربعة الأشهر التي هي أشهر العهد لمن كان له منهم عهد ومن لم يكن منهم عهد جعل أجله انسلاخ المحرم وهو تمام خمسين ليلة من وقت الحج وهو العشر من ذي الحجة وذلك آخر وقت أشهر الحرم وروى ابن جريج عن مجاهد في قوله( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) إلى أهل العهد من خزاعة ومدلج ومن كان له عهد من غيرهم قال ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أبا بكر وعليا فآذنوا أصحاب العهود أن يأمنوا أربعة أشهر وهي الأشهر الحرم المتواليات من عشر من ذي الحجة إلى عشر يخلو من شهر ربيع الآخر ثم لا عهد لهم قال وهي الحرم من أجل أنهم آمنوا فيها قال أبو بكر فجعل مجاهد الأشهر الحرم في أشهر العهد وذهب إلى أنها إنما سميت بذلك لتحريم القتال فيها وليست هي الأشهر التي قال الله فيها( أربعة حرم ) وقال( يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه ) لأنه لا خلاف أن هذه الأشهر هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وكذلك قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم والذي قاله مجاهد في ذلك محتمل وقال السدى( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) قال عشرون يبقى من ذي الحجة إلى عشر من ربيع الآخر ثم لا أمان لأحد ولا عهد إلا الإسلام أو السيف وحدثنا عبد الله بن إسحاق المروزى حدثنا الحسن بن أبى الربيع الجرجانى أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري في قوله( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) قال نزلت في شوال وهي أربعة أشهر شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وقال قتادة عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر كان ذلك في العهد الذي بينهم قال أبو بكر قول قتادة موافق لقول مجاهد الذي حكيناه أما قول الزهري فأظنه وهما لأن الرواة لم يختلفوا أن سورة براءة نزلت في ذي الحجة في الوقت الذي بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أبا بكر على الحج ثم نزلت بعد خروجه سورة براءة فثبت بها مع على ليقرأها على الناس فثبت بما ذكرنا من هذه الأخبار أنه قد كان بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وبين المشركين عهد عام وهو أن لا يصد أحدا منهم عن البيت ولا يخاف أحد في الشهر الحرام فجعل الله تعالى عهدهم أربعة أشهر بقوله تعالى( فسيحوا في الأرض

٢٦٧

أربعة أشهر ) وكان بينه وبين خواص منهم عهود إلى آجال مسماة وأم بالوفاء لهم وإتمام عهودهم إلى مدتهم إذا لم يخش غدرهم وخيانتهم وهو قوله تعالى( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ) وهذا يدل على أن مدتهم إما أن تكون إلى آخر الأشهر الحرم التي قد كان الله تعالى حرم القتال فيها وجائز أن تكون مدتهم إلى آخر الأربعة الأشهر من وقت النبذ إليهم وهو يوم النحر وأخره عشر مضين من شهر ربيع الآخر فسماها الأشهر الحرم على ما ذكره مجاهد لتحريم القتال فيها فلم يكن لأحد منهم بعد ذلك عهد وأوجب بمضى هذه المدة دفع العهود كلها سواء من كان له منهم عهد خاص أو سائر المشركين الذين عمهم عهده في ترك منعهم من البيت وحظره قتلهم في أشهر الحرم وجائز أن يكون مراده انسلاخ المحرم الذي هو آخر الأشهر الحرم التي كان الله تعالى حظره القتال فيها وقد رويناه عن ابن عباس قوله تعالى( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) يعنى إعلام من الله ورسوله يقال أذننى بكذا أى أعلمنى فعلمت واختلف في يوم الحج الأكبر فروى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في بعض الأخبار أنه يوم عرفة وعن على وعمرو ابن عباس وعطاء ومجاهد نحو ذلك على اختلاف من الرواية فيه وروى أيضا عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه يوم النحر وعن على وابن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن أبى أو في وإبراهيم وسعيد بن جبير على اختلاف فيه من الرواة وعن مجاهد وسفيان الثوري أيام الحج كلها وهذا شائع كما يقال يوم صفين وقد كان القتال في أيام كثيرة وروى حماد عن مجاهد أيضا قال الحج الأكبر القران والحج الأصغر الإفراد وقد ضعف هذا التأويل من قبل أنه يوجب أن يكون للإفراد يوم بعينه وللقران يوم بعينه وقد علم أن يوم القران هو يوم الإفراد للحج فتبطل فائدة تفضيل اليوم الحج الأكبر فكان يجب أن يكون النداء بذلك في يوم القران وقوله تعالى( يوم الحج الأكبر ) لما كان يوم عرفة أو يوم النحر وكان الحج الأصغر العمرة وجب أن يكون أيام الحج غير أيام العمرة فلا تفعل العمرة في أيام الحج وقد روى عن ابن سيرين أنه قال إنما قال( يوم الحج الأكبر ) لأن أعياد الملل اجتمعت فيه وهو العام الذي حج فيه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فقيل هذا غلط لأن الإذن بذلك كانت في السنة التي حج فيها أبو بكر ولأنه في السنة التي حج فيها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لم يحج فيها المشركون لتقدم النهى عن ذلك في السنة

٢٦٨

الأولى وقال عبد الله بن شداد الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة وعن ابن عباس العمر هي الحجة الصغرى وعن عبد الله بن مسعود مثله قال أبو بكر قوله( الحج الأكبر) قد اقتضى أن يكون هناك حج أصغر وهو العمرة على ما روى عن عبد الله بن شداد وابن عباس وقد روى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال العمرة الحجة الصغرى وإذا ثبت أن اسم الحج يقع على العمرة ثم قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم للأقرع بن حابس حين سأله فقال الحج في كل عام أو حجة واحدة فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لا بل حجة واحدة وهذا يدل على نفى وجوب العمرة لنفى النبي الوجوب إلا في حجة واحدة وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الحج عرفة وهذا يدل على أن يوم الحج الأكبر هو يوم عرفة ويحتمل أن يكون يوم النحر لأن فيه تمام قضاء المناسك والتفث ويحتمل أيام منى على ما روى عن مجاهد وخصه بالأكبر لأنه مخصوص بفعل الحج فيه دون العمرة وقد قيل إن يوم النحر أولى بأن يكون يوم الحج الأكبر من يوم عرفة لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الحج لقضاء المناسك وعرفة قد يأتيها بعضهم ليلا وبعضهم نهارا وأما النداء بسورة براءة فجائز أن يكون يوم عرفة وجائز يوم النحر قال الله تعالى( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) روى معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس في قوله( لست عليهم بمصيطر ) وقوله( وما أنت عليهم بجبار ) وقوله تعالى( فاعف عنهم واصفح ) وقوله( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) قال نسخ هذا كله قوله تعالى( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وقوله تعالى( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية وقال موسى بن عقبة قد كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك يكف عمن لم يقاتله بقوله تعالى( وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) ثم نسخ ذلك بقوله( براءة من الله ورسوله ) ثم قال( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ) قال أبو بكر عمومه يقتضى قتل سائر المشركين من أهل الكتاب وغيرهم وأن لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف إلا أنه تعالى خص أهل الكتاب بإقرارهم على الجزية بقوله تعالى( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية وأخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا بعث سرية قال إذا لقيتم المشركين فادعوهم إلى الإسلام فإن أبوا فادعوهم إلى أداء الجزية فإن فعلوا فخذوه منهم وكفوا عنهم وذلك عموم في سائر المشركين

٢٦٩

فحصصنا منه لم يكن من مشركي العرب بالآية وصار قوله تعالى( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) خاصا في مشركي العرب دون غيرهم وقوله تعالى( وخذوهم واحصروهم ) يدل على حبسهم بعد الأخذ والاستبقاء بقتلهم انتظارا لإسلامهم لأن الحصر هو الحبس ويدل أيضا على جواز حصر الكفار في حصونهم ومدنهم إن كان فيهم من لا يجوز قتله من النساء والصبيان وأن يلقوا بالحصار قوله تعالى( فاقتلوا المشركين ) يقتضى عمومه جواز قتلهم على سائر وجوه القتل إلا أن السنة قد وردت بالنهى عن المثلة وعن قتل الصبر بالنبل ونحوه وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أعف الناس قتلة أهل الإيمان وقال إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وجائز أن يكون أبو بكر الصديق رضى الله عنه حين قتل أهل الردة بالإحراق والحجارة والرمي من رءوس الجبال والتنكيس في الأبار إنما ذهب فيه إلى ظاهر الآية وكذلك على بن أبى طالب رضى الله عنه حين أحرق قوما مرتدين جائز أن يكون اعتبر عموم الآية.

قوله عز وجل( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) لا يخلوا قوله تعالى( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) من أن يكون وجود هذه الأفعال منهم شرطا في زوال القتل عنهم ويكون قبول ذلك والانقياد لأمر الله تعالى فيه هو الشرط دون وجود الفعل ومعلوم أن وجود التوبة من الشرك شرط لا محالة في زوال القتل ولا خلاف أنهم لو قبلوا أمر الله في فعل الصلاة والزكاة ولم يكن الوقت وقت صلاة أنهم مسلمون وأن دمائهم محظورة فعلمنا أن شرط زوال القتل عنهم هو قبول أوامر الله والاعتراف بلزومها دون فعل الصلاة والزكاة ولأن إخراج الزكاة لا يلزم بنفس الإسلام إلا بعد حول فغير جائز أن يكون إخراج الزكاة شرطا في زوال القتل وكذلك فعل الصلاة ليس بشرط فيه وإنما شرطه قبول هذه الفرائض والتزامها والاعتراف بوجوبها فإن قيل لما قال الله تعالى( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) فشرط مع التوبة قبل الصلاة والزكاة ومعلوم أن التوبة إنما هي الإقلاع عن الكفر والرجوع إلى الإيمان فقد عقل بذكره التوبة التزام هذه الفرائض والاعتراف بها إذ لا تصح التوبة إلا به ثم لما شرط مع التوبة الصلاة والزكاة دل على أن المعنى المزيل للقتل هو اعتقاد الإيمان بشرائطه وفعل الصلاة والزكاة فأوجب ذلك قتل تارك الصلاة والزكاة في وقت وجوبهما

٢٧٠

وإن كان معتقدا للإيمان معترفا بلزوم شرائعه قيل له لو كان فعل الصلاة والزكاة من شرائط زوال القتل لما زال القتل عمن أسلم في غير وقت الصلاة وعم لم يؤد زكاته مع إسلامه فلما اتفق الجميع على زوال القتل عمن وصفنا أمره بعد اعتقاده للإيمان للزوم شرائعه ثبت بذلك أن فعل الصلاة والزكاة ليس من شرائط زوال القتل وأن شرطه إظهار الإيمان وقبول شرائعه ألا ترى أن قبول الإيمان والتزام شرائعه لما كان شرطا في ذلك لم يزل عنه القتل عند إخلاصه ببعض ذلك وقد كانت الصحابة سبت ذراري مانعي الزكاة وقتلت مقاتلتهم وسموهم أهل الردة لأنهم امتنعوا من التزام الزكاة وقبول وجوبها فكانوا مرتدين بذلك لأن من كفر بآية من القرآن فقد كفر به كله وعلى ذلك أجرى حكمهم أبو بكر الصديق مع سائر الصحابة حين قاتلوهم ويدل على أنهم مرتدون بامتناعهم من قبول فرض الزكاة ما روى معمر عن الزهري عن أنس قال لما توفى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ارتدت العرب كافة فقال عمر يا أبا بكر أتريد أن تقاتل العرب كافة فقال أبو بكر إنما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة منعونى دماءهم وأموالهم والله لو منعونى عقالا مما كانوا يعطون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه وروى مبارك بن فضالة عن الحسن قال ما قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ارتدت العرب عن الإسلام إلا أهل المدينة فنصب أبو بكر لهم الحرب فقالوا فإذا تشهد أن لا إله إلا الله ونصلى ولا نزكى فمشى عمر والبدريون إلى أبى بكر وقالوا دعهم فإنهم إذا استقر الإسلام في قلوبهم وثبت أدوا فقال والله لو منعونى عقالا مما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لقتالتهم عليه وقاتل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على ثلاث شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وقال الله تعالى( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) والله لا أسئل فوقهن ولا أقصر دونهن فقالوا له يا أبا بكر نحن نزكى ولا ندفعها إليك فقال لا والله حتى آخذها كما أخذها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأضعها مواضعها وروى حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين مثله وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبى هريرة قال لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم واستخلف أبو بكر وارتد من ارتد من العرب بعث أبو بكر لقتال من ارتد عن الإسلام فقال له عمر يا أبا بكر ألم تسمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك عصموا

٢٧١

منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله فقال لو منعونى عقالا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه فأخبر جميع هؤلاء الرواة إن الذين ارتدوا من العرب إنما كان ردتهم من جهة امتناعهم من أداء الزكاة وذلك عندنا على أنهم امتنعوا من أداء الزكاة على جهة الرد لها وترك قبولها فسموا مرتدين من أجل ذلك وقد أخبر أبو بكر الصديق أيضا في حديث الحسن أنه يقاتلهم على ترك التزامها والاعتراف بوجوبها مرتد وأن مانعها من الإمام بعد الاعتراف بها يستحق القتال فثبت أن من أدى صدقة مواشيه إلى الفقراء إن الإمام لا يحتسب له بها وأنه متى امتنع من دفعها إلى الإمام قاتله عليها وكذلك قال أصحابنا في صدقات المواشي وأما زكاة الأموال فإن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر قد كانوا يأخذونها كما يأخذون صدقات المواشي فلما كان أيام عثمان خطب الناس فقال هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده ثم ليزك بقية ماله فجعل الأداء إلى أرباب الأموال وصاروا بمنزلة الوكلاء للإمام في أدائها وهذا الذي فعله أبو بكر في مانعي الزكاة بموافقة الصحابة إياه كان من غير خلاف منهم بعد ما تبينوا صحة رأيه واجتهاده في ذلك ويحتج من أوجب قتل تارك الصلاة ومانع الزكاة عامدا بهذه الآية وزعم أنها توجب قتل المشرك إلا أن يؤمن ويقيم الصلاة ويؤتى الزكاة وقد بينا المعنى في قوله تعالى( وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) وأن المراد قبول لزومهما والتزام فرضهما دون فعلهما وأيضا فليس في الآية ما ادعوا من الدلالة على ما ذهبوا إليه من قبل أنها إنما أوجبت قتل المشركين ومن تاب من الشرك ودخل في الإسلام والتزم فروضه وأقربها فهو غير مشرك باتفاق فلم تقتض الآية قتله إذ كان حكمها مقصورا في إيجاب القتل على من كان مشركا وتارك الصلاة ومانع الزكاة ليس بمشرك فإن قالوا إنما أزال القتل عنه بشرطين أحدهما التوبة وهي الإيمان وقبول شرائعه والوجه الثاني فعل الصلاة وأداء الزكاة قيل له إنما أوجب بديا قتل المشركين بقوله تعالى( فاقتلوا المشركين ) فمتى زالت عنهم سمة الشرك فقد وجب زوال القتل ويحتاج في إيجابه إلى دلالة أخرى من غيره فإن قال هذا يؤدى إلى إبطال فائدة ذكر الشرطين في الآية قيل له ليس الأمر على ما ظننت وذلك

٢٧٢

لأن الله تعالى إنما جعل هذين القربين من فعل الصلاة وإيتاء الزكاة شرطا في وجوب تخلية سبيلهم لأنه قال( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) وذلك بعد ذكره القتل للمشركين بالحصر فإذا زال القتل بزوال سمة الشرك فالحصر والحبس باق لترك الصلاة ومنع الزكاة لأن من ترك الصلاة عامدا وأصر عليه ومنع الزكاة جاز للإمام حبسه فحينئذ لا يجب تخليته إلا بعد فعل الصلاة وأداء الزكاة فانتظمت الآية حكم إيجاب قتل المشرك وحبس تارك الصلاة ومانع الزكاة بعد الإسلام حتى يفعلهما قوله تعالى( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) قد اقتضت هذه الآية جواز أمان الحربي إذا طلب ذلك منا ليسمع دلالة صحة الإسلام لأن قوله تعالى( استجارك ) معناه استأمنك وقوله تعالى( فأجره ) معناه فأمنه حتى يسمع كلام الله الذي فيه الدلالة على صحة التوحيد وعلى صحة نبوة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهذا يدل على أن الكافر إذا طلب منا إقامة الحجة عليه وبيان دلائل التوحيد والرسالة حتى يعتقدهما لحجة ودلالة كان علينا إقامة الحجة وبيان توحيد الله وصحة نبوة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأنه غير جائز لنا قتله إذا طلب ذلك منا إلا بعد بيان الدلالة وإقامة الحجة لأن الله قد أمرنا بإعطائه الأمان حتى يسمع كلام الله وفيه الدلالة أيضا على أن علينا تعليم كل من التمس منا تعريفه شيئا من أمور الدين لأن الكافر الذي استجارنا ليسمع كلام الله إنما قصد التماس معرفة صحة الدين وقوله تعالى( ثم أبلغه مأمنه ) يدل على أن على الإمام حفظ هذا الحربي المستجير وحياطته ومنع الناس من تناوله بشر لقوله( فأجره ) وقوله( ثم أبلغه مأمنه ) وفي هذا دليل أيضا على أن على الإمام حفظ أهل الذمة والمنع من أذيتهم والتخطي إلى ظلمهم وفيه الدلالة على أنه لا يجوز إقرار الحربي في دار الإسلام مدة طويلة وأنه لا يترك فيها إلا بمقدار قضاء حاجته لقوله تعالى( حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ) فأمر برده إلى دار الحرب بعد سماعه كلام الله وكذلك قال أصحابنا لا ينبغي للإمام أن يترك الحربي في دار الإسلام مقيما بغير عذر ولا سبب يوجب إقامته وأن عليه أن يتقدم إليه بالخروج إلى داره فإن أقام بعد التقدم إليه سنة في دار الإسلام صار ذميا ووضع عليه الخراج قوله تعالى( كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) قال أبو بكر ابتداء السورة يذكر قطع العهد بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وبين المشركين بقوله( براءة من

٢٧٣

الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) وقد قيل إن هؤلاء قد كان بينهم وبين النبي عهد فغدروا وأسروا وهموا به فأمر الله نبيه بالنبذ إليهم ظاهرا وفسح لهم في مدة أربعة أشهر بقوله( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) وقيل إنه أراد العهد الذي كان بينه وبين المشركين عامة في أن لا يمنع أحد من المشركين من دخوله مكة للحج وأو لا يقاتلوا ولا يقتلوا في الشهر الحرام فكان قول( براءة من الله ورسوله ) في أحد هذين الفريقين ثم استثنى من هؤلاء قوما كان بينهم وبين رسول الله عهد خاص ولم يغدروا ولم يهموا به فقال( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ) ففرق بين حكم هؤلاء الذين ثبتوا على عهدهم ولم ينقصوكم ولم يعاونوا أعداءهم عليهم وأمر بإتمام عهدهم إلى مدتهم وأمر بالنبذ إلى الأولين وهم أحد فريقين من غادر قاصدا إليه أو لم يكن بينه وبين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عهد خاص في سائر أحواله بل في دخول مكة الحج والأمان في الأشهر الحرم الذي كان يأمن فيه جميع الناس* وقوله تعالى( ولم يظاهروا عليكم أحدا ) يدل على أن المعاهد متى عاون علينا عدوا لنا فقد نقض عهده ثم قال تعالى( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ) فرفع بعد انقضاء أشهر الحرم عهد كل ذي عهد من خاص ومن عام ثم قال تعالى( كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ) لأنهم غدروا ولم يستقيموا ثم استثنى منهم الذين عاهدوهم عند المسجد الحرام قال أبو إسحاق هم قوم من بنى كنانة وقال ابن عباس هم من قريش وقال مجاهد هم من خزاعة فأمر المسلمين بالوفاء بعهدهم ما استقاموا لهم في الوفاء به وجائز أن تكون مدة هؤلاء في العهد دون مضى أشهر الحرم لأنه قال( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وعمومه يقتضى رفع سائر العهود التي كانت بين المسلمين والكفار وجائز أن تكون مدة عهدهم بعد انقضاء الأشهر الحرم وكانوا مخصوصين ممن أمروا بقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم وإن ذلك إنما كان خاصا في قوم منهم كانوا أهل غدر وخيانة لأنه قال( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) يدل على أن من أظهر لنا الإيمان وأقام الصلاة وآتى الزكاة فعلينا موالاته في الدين على ظاهر أمره مع وجود أن يكون اعتقاده في المغيب خلافه* قوله تعالى( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم

٢٧٤

فقاتلوا أئمة الكفر ) فيه دلالة على أن أهل العهد متى خالفوا شيئا مما عوهدوا عليه وطعنوا في ديننا فقد نقضوا العهد وذلك لأن نكث الأيمان يكون بمخالفة بعض المحلوف عليه إذا كانت اليمين فيه على وجه النفي كقوله والله لا كلمت زيدا ولا عمرو ولا دخلت هذه الدار ولا هذه أيهما فعل حنث ونكث يمينه ثم لما ضم إلى ذلك الطعن في الدين دل على أن أهل العهد من شروط بقاء عهدهم تركهم للطعن في ديننا وإن أهل الذمة ممنوعون من إظهار الطعن في دين المسلمين وهو يشهد لقول من يقول من الفقهاء إن من أظهر شتم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من أهل الذمة فقد نقض عهده ووجب قتله وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال أصحابنا يعزر ولا يقتل وهو قول الثوري وروى ابن القاسم عن مالك فيمن شتم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من اليهود والنصارى قتل إلا أن يسلم وروى الوليد بن مسلم عن الأوزاعى ومالك فيمن سب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قالا هي ردة يستتاب فإن تاب نكل وإن لم يتب قتل قال يضرب مائة ثم يترك حتى إذا هن برىء ضرب مائة ولم يذكر فرقا بين المسلم والذمي وقال الليث في المسلم يسب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إنه لا يناظر ولا يستتاب ويقتل مكانه وكذلك اليهود والنصارى وقال الشافعى ويشترط على المصالحين من الكفار أن من ذكر كتاب الله أو محمدا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بما لا ينبغي أو زنى بمسلمة أو أصابها باسم نكاح أو فتن مسلما عن دينه أو قطع عليه طريقا أو أعان أهل الحرب بدلالة على المسلمين أو آوى عينا لهم فقد نقض عهده وأحل دمه وبرئت منه ذمة الله وذمة رسوله وظاهر الآية يدل على أن من أظهر سب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من أهل العهد فقد نقض عهده لأنه قال تعالى( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر ) فجعل الطعن في ديننا بمنزلة نكث الأيمان إذ معلوم أنه لم يرد أن يجعل نكث الأيمان والطعن في الدين بمجموعهما شرطا في نقض العهد لأنهم لو نكثوا الأيمان بقتال المسلمين ولم يظهروا الطعن في الدين لكانوا ناقضين للعهد وقد جعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم معاونة قريش بنى بكر على خزاعة وهم حلفاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلم نقضا للعهد وكانوا يفعلون ذلك سرا ولم يكن منهم إظهار طعن في الدين فثبت بذلك أن معنى الآية وان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر فإذا ثبت ذلك كان من أظهر سب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من أهل العهد ناقضا للعهد إذ سب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من أكثر في الدين فهذا وجه يحتج به القائلون

٢٧٥

بما وصفنا* ومما يحتج به لذلك ما روى أبو يوسف عن حصين بن عبد الرحمن عن رجل عن أبى عمران أن رجلا قال له إنى سمعت راهبا سب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فقال لو سمعته لقتله إنا لم نعطهم العهد على هذا وهو إسناد ضعيف وجائز أن يكون قد شرط عليهم أن لا يظهروا سب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وقد روى سعيد عن قتادة عن أنس يهوديا مر على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فقال السام عليك فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أتدرون ما قال فقالوا نعم ثم رجع فقال مثل ذلك فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت دخل رهط من اليهود على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فقالوا السام عليكم قالت ففهمتها فقالت وعليكم السام واللعنة فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قلت عليكم ومعلوم أن مثله لو كان من مسلم لصار به مرتدا مستحقا للقتل ولم يقتلهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بذلك وروى شعبة عن هشام بن يزيد عن أنس بن مالك أن امرأة يهودية أتت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقالوا ألا تقتلها قال لا قال فما زلت أعرفها في سهوات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ولا خلاف بين المسلمين أن من قصد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بذلك فهو ممن ينتحل الإسلام أنه مرتد يستحق القتل ولم يجعل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مبيحة لدمها بما فعلت فكذلك إظهار سب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من الذمي مخالف لإظهار المسلم له* وقوله( فقاتلوا أئمة الكفر ) روى ابن عباس ومجاهد أنهم رؤساء قريش وقال قتادة أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وسهيل بن عمرو وهم الذين هموا بإخراجه قال أبو بكر ولم يختلف في أن سورة براءة نزلت بعد فتح مكة وأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بعث بها مع على بن أبى طالب ليقرأها على الناس في سنة تسع وهي السنة التي حج فيها أبو بكر وقد كان أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة قد كانوا قتلوا يوم بدر ولم يكن بقي من رؤساء قريش أحد يظهر الكفر في وقت نزول براءة وهذا يدل على أن رواية من روى ذلك في رؤساء قريش وهم اللهم إلا أن يكون المراد قوما من قريش قد كانوا أظهروا الإسلام وهم الطلقاء من نحو أبي سفيان وأحزابه ممن لم ينق قلبه من الكفر فيكون مراد الآية هؤلاء دون أهل العهد من المشركين الذين لم يظهروا الإسلام وهم الذين كانوا هموا بإخراج الرسول من مكة وبدرهم بالقتال والحرب بعد الهجرة وجائز أن يكون مراده هؤلاء الذين ذكرنا وسائر رؤساء العرب الذين كانوا

٢٧٦

معاضدين لقريش على حرب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وقتال المسلمين فأمر الله تعالى بقتالهم وقتلهم إن هم نكثوا أيمانهم وطعنوا في دين المسلمين وقوله تعالى( أنهم لا أيمان لهم ) معناه لا أيمان لهم وافية موثوقا بها ولم ينف به وجود الأيمان منهم لأنه قد قال بديا( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ) وعطف على ذلك أيضا قوله( ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ) فثبت أنه لم برد بقوله( لا أيمان لهم ) نفى الأيمان أصلا وإنما أراد به نفى الوفاء بها وهذا يدل على جواز إطلاق لا والمراد نفى الفضل دون نفى الأصل ولذلك نظائر موجودة في السنن وفي كلام الناس كقوله صلّى الله عليه وآله وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وليس بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله ونحو ذلك فأطلق الإمامة في الكفر لأن الإمام هو المقتدى به المتبع في الخير والشر قال الله تعالى( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ) وقال في الخير( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) فالإمام في الخير هاد مهتد والإمام في الشر ضال مضل قد قيل إن هذه الآية نزلت في اليهود الذين كانوا غدروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونكثوا ما كانوا أعطوا من العهود والأيمان على أن لا يعينوا عليه أعداءه من المشركين وهموا بمعاونة المنافقين والكفار على إخراج النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من المدينة وأخبر أنهم بدءوا بالغدر ونكث العهد وأمر بقتالهم بقوله( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ) وجائز أن يكون جميع ذلك مرتبا على قوله( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ) وجائز أن يكون قد كانوا نقضوا العهد بقوله( ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ) قوله تعالى( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ) فإن معناه أم حسبتم أن تتركوا ولم تجاهدوا لأنهم إذا جاهدوا علم الله ذلك منهم فأطلق اسم العلم وأراد به قيامهم بفرض الجهاد حتى يعلم الله وجود ذلك منهم وقوله( ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ) يقتضى لزوم اتباع المؤمنين وترك العدول عنهم كما يلزم اتباع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وفيه دليل على لزوم حجة الإجماع وهو كقوله( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ) والوليجة المدخل يقال ولج إذا دخل كأنه قال لا يجوز أن يكون له مدخل غير مدخل المؤمنين ويقال إن الوليجة بمعنى الدخيلة والبطانة وهي من المداخلة والمخالطة والمؤانسة فإن كان المعنى هذا فقد دل على النهى عن مخالطة غير المؤمنين ومداخلتهم

٢٧٧

وترك الاستعانة بهم في أمور الدين كما قال( لا تتخذوا بطانة من دونكم ) .

قوله تعالى( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) عمارة المسجد تكون بمعنيين أحدهما زيارته والسكون فيه والآخر ببنائه وتجديد ما استرم منه وذلك لأنه يقال اعتمر إذا زار ومنه العمرة لأنها زيارة البيت وفلان من عمار المساجد إذا كان كثير المضي إليها والسكون فيها وفلان يعمر مجلس فلان إذا أكثر غشيانه له فاقتضت الآية منع الكفار من دخول المساجد ومن بنائها وتولى مصالحها والقيام بها لانتظام اللفظ للأمرين قوله تعالى( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ) فيه نهى للمؤمنين عن موالاة الكفار ونصرتهم والاستنصار بهم وتفويض أمورهم إليهم وإيجاب التبري منهم وترك تعظيمهم وإكرامهم وسواء بين الآباء والإخوان في ذلك إلا أنه قد أمر مع ذلك بالإحسان إلى الأب الكافر وصحبته بالمعروف بقوله تعالى( ووصينا الإنسان بوالديه ـ إلى قوله ـوإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) وإنما أمر المؤمنين بذلك يتميزوا من المنافقين إذا كان المنافقون يتولون الكفار ويظهرون إكرامهم وتعظيمهم إذا لقوهم ويظهرون لهم الولاية والحياطة فجعل الله تعالى ما أمر به المؤمن في هذه الآية علما يتميز به المؤمن من المنافق وأخبر أن من لم يفعل ذلك فهو ظالم لنفسه مستحق للعقوبة من ربه* قوله تعالى( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) إطلاق اسم النجس على المشرك من جهة أن الشرك الذي يعتقده يجب اجتنابه كما يجب اجتناب النجاسات والأقذار فلذلك سماهم نجسا والنجاسة في الشرع تنصرف على وجهين أحدهما نجاسة الأعيان والآخر نجاسة الذنوب وكذلك الرجس والرجز ينصرف على هذين الوجهين في الشرع قال الله تعالى( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ) وقال في وصف المنافقين( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ) فسماهم رجسا كما سمى المشركين نجسا وقد أفاد قوله( إنما المشركون نجس ) منعهم عن دخول المسجد إلا لعذر إذ كان علينا تطهير المساجد من الأنجاس* وقوله تعالى( فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) قد تنازع معناه أهل العلم فقال مالك والشافعى لا يدخل المشرك المسجد الحرام قال مالك

٢٧٨

ولا غيره من المساجد إلا لحاجة من نحو الذمي يدخل إلى الحاكم في المسجد للخصومة وقال الشافعى يدخل كل مسجد إلا المسجد الحرام خاصة وقال أصحابنا يجوز للذمي دخول سائر المساجد وإنما معنى الآية على أحد وجهين إما أن يكون النهى خاصا في المشركين الذين كانوا ممنوعين من دخول مكة وسائر المساجد لأنهم لم تكن لهم ذمة وكان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وهم مشركوا العرب أو أن يكون المراد منعهم من دخول مكة للحج ولذلك أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنداء يوم النحر في السنة التي حج فيها أبو بكر فيما روى الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن أبا بكر بعثه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك فنبذ أبو بكر إلى الناس فلم يحج في العام الذي حج فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم مشرك فأنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ) الآية وفي حديث على حين أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يبلغ عنه سورة براءة نادى ولا يحج بعد العام مشرك وفي ذلك دليل على المراد بقوله( فلا يقربوا المسجد الحرام ) ويدل عليه قوله تعالى في نسق التلاوة( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ) وإنما كانت خشية العيلة لانقطاع تلك المواسم بمنعهم من الحج لأنهم كانوا ينتفعون بالتجارات التي كانت تكون في مواسم الحج فدل ذلك على أن مراد الآية الحج ويدل عليه اتفاق المسلمين على منع المشركين من الحج والوقوف بعرفة والمزدلفة وسائر أفعال الحج وإن لم يكن في المسجد ولم يكن أهل الذمة ممنوعين من هذه المواضع ثبت أن مراد الآية هو الحج دون قرب المسجد لغير الحج لأنه إذا حمل على ذلك كان عموما في سائر المشركين وإذا حمل على دخول المسجد كان خاصا في ذلك دون ما قرب المسجد والذي في الآية النهى عن قرب المسجد فغير جائز تخصيص المسجد به دون ما يقرب منه وقد روى حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن عثمان بن أبى العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب لهم قبة في المسجد فقالوا يا رسول الله قوم أنجاس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنه ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء إنما أنجاس الناس على أنفسهم وروى يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا سفيان كان يدخل مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو كافر غير أن ذلك لا يحل في المسجد الحرام لقول الله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام قال أبو بكر فأما وفد ثقيف فإنهم جاءوا بعد فتح مكة

٢٧٩

إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم والآية نزلت في السنة التي حج فيها أبو بكر وهي سنة تسع فأنزلهم النبي صلّى الله عليه وسلّم في المسجد وأخبر أن كونهم أنجاسا لا يمنع دخولهم المسجد وفي ذلك دلالة على أن نجاسة الكفر لا يمنع الكافر من دخول المسجد وأما أبو سفيان بأنه جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم لتجديد الهدنة وذلك قبل الفتح وكان أبو سفيان مشركا حينئذ والآية وإن كان نزولها بعد ذلك فإنما اقتضت النهى عن قرب المسجد الحرام ولم تقتض المنع من دخول الكفار سائر المساجد فإن قيل لا يجوز للكافر دخول الحرم إلا أن يكون عبدا أو صبيا أو نحو ذلك لقوله تعالى( فلا يقربوا المسجد الحرام ) ولما روى زيد بن يثيع عن على رضى الله عنه أنه نادى بأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يدخل الحرم مشرك قيل له إن صح هذا اللفظ فالمراد أن لا يدخله للحج وقد روى في أخبار عن على أنه نادى أن لا يحج بعد العام مشرك وكذلك في حديث أبى هريرة فثبت أن المراد دخول الحرم للحج وقد روى شريك عن أشعث عن الحسن عن جابر بن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لا يقرب المشركون المسجد الحرام بعد عامهم هذا إلا أن يكون عبدا أو أمة يدخله لحاجة فأباح دخول العبد والأمة للحاجة لا للحج وهذا يدل على أن الحر الذمي له دخوله لحاجة إذ لم يفرق أحد بين العبد والحر وإنما خص العبد والأمة والله أعلم بالذكر لأنهما لا يدخلانه في الأغلب الأعم للحج وقد حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزى قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام ) إلا أن يكون عبدا أو واحدا من أهل الذمة فوقفه أبو الزبير على جابر وجائز أن يكون صحيحين فيكون جابر قد رفعه تارة وأفتى بها اخرى وروى ابن جريج عن عطاء قال لا يدخل المشرك وتلا قوله تعالى( فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) قال عطاء المسجد الحرام الحرم كله قال ابن جريج وقال لي عمرو بن دينار مثل ذلك قال أبو بكر والحرم كله يعبر عنه بالمسجد إذ كانت حرمته متعلقة بالمسجد وقال الله تعالى( والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ) والحرم كله مراد به وكذلك قوله تعالى( ثم محلها إلى البيت العتيق ) قد أريد به الحرم كله لأنه في أى الحرم نحر البدن أجزأه فجائز على هذا أن يكون المراد بقوله تعالى( فلا يقربوا المسجد الحرام ) الحرم كله للحج إذ

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400