تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125346 / تحميل: 5205
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

مذهبنا ومذهب الشافعيّة(١) ، سواء قالوا بأنّه عارية أو مضمون ؛ لأنّ المالك إن كان ضامناً ، فقد قضى عنه الدَّيْن. وإن كان عاريةً ، فهو قيمتها ، وهي مضمونة عليه.

وإن بِيع بأقلّ من ثمن المثل إلّا أنّه بما يتغابن الناس بمثله ، فالبيع صحيح ، ويرجع المالك بتمام القيمة ، وهو قول الشافعي على تقدير قول العارية ، وأمّا على قوله بالضمان فلا يرجع إلّا بما بِيع ؛ لأنّه لم يقض من الدَّيْن إلّا ذلك القدر(٢) .

وإن بِيع بأكثر من ثمن المثل ، رجع بذلك أيضاً ؛ لأنّه ثمن ماله ، وهو قول الشافعي على تقدير القول بالضمان ، وأمّا على قوله بالعارية فقولان :

أحدهما : أنّه لا يرجع إلّا بالقيمة خاصَّةً ؛ لأنّ العارية تضمن بالقيمة مع التلف ، والبيع بمنزلة الإتلاف ، فيكون الواجب للمالك هو القيمة لا غير ، كسائر العواري التالفة إذا وجب ضمانها ، وهو قول أكثر أصحابه.

والثاني : أنّه يرجع بجميع ما بِيع به(٣) - كما اخترناه - لأنّ بيع العبد واجب عليه ، وثمنه له ، ولهذا لو أسقط المرتهن حقّه عن الراهن ، رجع ثمن العبد إلى صاحبه ، فإذا قضي به دَيْن الراهن ، رجع به عليه ، وإنّما يضمن القيمة إذا كان الثمن دونها.

مسألة ١٠٦ : لو تلف العبد المستعار للرهن في يد المرتهن ، فإن كان بتفريطه ، ضمن القيمة للمالك ، وإن كان بغير تفريطه ، فلا ضمان عليه ؛ لأنّ المرتهن أمسكه على أنّه رهن لا عارية ، والمرتهن أمين للراهن لا يضمن ما يتلف في يده من الرهن على ما يأتي. ويضمن الراهن للمالك قيمته أو

____________________

(١-٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

١٢١

ما بِيع به إن كان أكثر ؛ لأنّه عندنا عارية مضمونة ، وهو أحد قولي الشافعي(١) على تقدير أنّه عارية ، وعلى القول الآخَر(٢) : إنّه ضمانٌ لا شي‌ء على الراهن عنده ، بل تلف من مالكه ؛ لأنّه لم يقبض عنه شيئاً ، والضامن إنّما يرجع بما أدّى ، ولم يسقط الحقّ عن ذمّة الراهن.

وقال أبو حنيفة : إنّه يرجع عليه بما سقط بذاك من حقّ المرتهن ؛ لأنّ مذهبه أنّ الرهن مضمون على المرتهن بدَيْنه(٣) ، فكأنّه قضى عنه ذلك.

وإن تلف العبد في يد الراهن ، ضمن ، سواء فرّط فيه أو لا ؛ لما قلنا من أنّه عارية مضمونة ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والثاني : أنّه يبنى على القولين ، كما لو تلف في يد المرتهن(٤) .

مسألة ١٠٧ : لو جنى في يد المرتهن أو في يد الراهن فبِيع في‌ الجناية ، كان على الراهن ضمانه ؛ لما بيّنّا أنّه عارية مضمونة ، وهو أحد قولي الشافعي بناءً على القول بأنّه عارية(٥) .

قال الجويني : هذا إذا قلنا : العارية تضمن ضمان المغصوب ، وإلّا فلا شي‌ء عليه(٦) .

وعلى القول الثاني : إنّه ضمان ، فلا شي‌ء عليه في هذه الصورة(٧) .

وقال بعض الشافعيّة : قول الضمان أرجح(٨) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ المالك يرجع بالأكثر من قيمة العبد ومن الثمن الذي بِيع به في الجناية ؛ لأنّه على كلا التقديرين ثمن ملكه ، فيكون له.

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٦٤ - ٦٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٨.

(٤-٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٧و٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦.

١٢٢

مسألة ١٠٨ : إذا أذن في الرهن فإن سوّغ له الرهن كيف شاء ، جاز للراهن أن يرهن على أيّ مقدار شاء وعند أيّ مرتهن شاء وكيف شاء من حلول أو تأجيل إلى أيّ أجل شاء ؛ لأنّ تعميم هذا النوع من التصرّف يجري مجرى التنصيص على كلّ واحد من الجزئيّات ، ولا ريب أنّه لو نصّ على أيّ جزئيّ كان ، صحّ ، فكذا مع ما يقوم مقامه.

وإن خصّص البعض وعمّم الباقي ، تخصّص ما خصّصه ، ولا يجوز له التجاوز ، إلّا مع الغبطة للمالك ، وساغ التصرّف في الباقي كيف شاء.

فلو أذن له في الرهن على مائة عند مَنْ شاء وكيف شاء ، لم يجز له التجاوز في القدر إلّا في الأقلّ ، وجاز التعميم في الباقي.

ولو أذن له في الرهن عند مَنْ شاء على أيّ قدر شاء إلى سنة ، تخيّر في القدر قلّةً وكثرةً وفي الغرماء ، ولم يجز له التجاوز عن السنة إلّا ما دون ؛ لاشتماله على الغبطة للراهن.

ولو عيّن المرتهن ، تعيّن ، ولم يجز التجاوز مطلقاً.

ولو أطلق الإذن ولم يقيّده بتعميمٍ ولا تخصيص ، احتُمل الجواز ؛ للإطلاق ، وانتفاء التخصيص ؛ لعدم الأولويّة بالبعض دون البعض ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

والمنعُ ؛ لما فيه من التغرير بالمالك ، لاحتمال أن يرهنه على أضعاف قيمته وإلى مدّة تزيد على عمره ، ولا غرر أعظم من ذلك. وهو الأقوى ، فحينئذٍ يجب بيان جنس الدَّيْن وقدره وصفته في الحلول والتأجيل وغيرهما - وهو قول الشافعي على القول بأنّه ضمان(٢) - لاختلاف أغراض الضامن

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٣٦ ، المغني ٤ : ٤١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤ - ٢٩٥.

١٢٣

بذلك.

ونقل بعض الشافعيّة عن القديم للشافعي أنّه يجوز السكوت عن ذكر الحلول والتأجيل(١) .

وهل يجب بيان مَنْ يرهن عنده؟ الأصحّ عندهم : الوجوب(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر : أنّه لا يجب(٣) .

وعلى القولين إذا عيّن شيئاً من ذلك لم تجُزْ مخالفته. نعم ، لو عيّن قدراً ، جاز أن يرهن بما دونه(٤) .

تذنيب : لو عيّن له القدر فزاد عليه ، احتُمل بطلانُ الزائد خاصَّةً ، ويبقى رهناً على المأذون فيه لا غير. وبطلانُ الجميع ؛ للمخالفة ، كما لو باع الوكيل بالغبن الفاحش ، لا نقول : ( يصحّ البيع )(٥) في القدر الذي يساوي‌ الثمن.

وللشافعي قولان كالاحتمالين ، لكنّهم قالوا على تقدير البطلان في الزيادة لا غير : يبقي في المأذون قولا تفريق الصفقة(٦) .

تذنيبٌ آخَر : لو قال المستعير : أعرني لأرهنه بألف ، أو من فلان ، فأعاره ، فالوجه : التخصيص بما خصّصه المستعير في السؤال ، كما لو خصّصه المعير بنفسه - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٧) - تنزيلاً للإسعاف على الالتماس.

مسألة ١٠٩ : إذا طالَب صاحبُ العبد الراهنَ بفكّه ، فلم يفكّه ففكّه

____________________

(١-٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٥.

(٥) بدل ما بين القوسين في « ج » والطبعة الحجريّة : « يصحّ من المبيع ». والظاهر ما أثبتناه.

(٦و٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٥.

١٢٤

صاحبه ، فإن كان بغير إذنه ، لم يرجع على الراهن ، وكان متبرّعاً متطوّعاً في قضاء دَيْن الراهن ، فليس له مطالبته ، كما لو تبرّع إنسان بقضاء دَيْن غير من غير مسألة.

وإن قضاه بإذن الراهن ، رجع عليه وإن لم يشترط الرجوع ؛ لأنّه قد تعلّق برقبة عبده.

فإن اختلف الراهن وسيّد العبد في الإذن ، فادّعاه السيّد وأنكره الراهن ، فالقول قول الراهن مع اليمين وعدم البيّنة ؛ لأصالة براءة ذمّته ، وعدم الإذن في الفكّ من المرتهن. فإن أقام سيّدُ العبد البيّنةَ أنّ المرتهن أذن له ، كان له الرجوع. فإن شهد له المرتهن بالإذن من الراهن ، قُبلت شهادته ؛ لأنّه لا يجرّ إلى نفسه بشهادته نفعاً ، ولا يدفع بها ضرراً ، فانتفت التهمة.

تذنيب : لو رهن إنسان عبده على دَيْن غيره متبرّعاً من غير إذن‌ المديون ، صحّ الرهن ، كما يصحّ الضمان متبرّعاً والأداء كذلك.

ثمّ إن بِيع العبد في الدَّيْن ، صحّ البيع ، وليس لمالكه الرجوعُ على المديون بشي‌ء ؛ لأنّه متبرّع.

مسألة ١١٠ : لو استعار عبداً من رجل فرهنه عند رجل بمائة وطالَبه بفكاكه ، فدفع الراهن إلى المرتهن خمسين ، قالت الشافعيّة : لم ينفكّ شي‌ء من الرهن حتى يقبضه جميع الدَّيْن(١) .

وهو جيّد إن شرط المرتهن أن يكون العبد رهناً على جميع الدَّيْن وعلى كلّ جزء منه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

١٢٥

فحينئذٍ لو استعاره من رجلين فرهنه عنده فقضاه نصف الدَّيْن عن أحد النصيبين ، صحّ ، وخلص النصيب الذي أدّى الدَّيْن عنه.

وللشافعي قولان قالهما في الرهن الصغير :

أحدهما : أنّه بمنزلة الصفقة الواحدة ؛ لأنّ الراهن واحد ، والحقّ واحد.

والثاني : أن يكون بمنزلة الصفقتين ؛ لأنّ الاعتبار بالمالك دون العاقد.

فإذا قلنا : إنّه بمنزلة الصفقة الواحدة ، لم ينفكّ منه شي‌ء. وإذا قلنا : إنّه بمنزلة الصفقتين ، انفكّ نصف العبد(١) .

ويُنظر في المرتهن ، فإن كان قد علم أنّه لسيّدين ، فلا خيار له ؛ لأنّه علم أنّه عقدين ، لأنّه استفاده بإذنهما.

وإن لم يكن يعلم ، فإن لم يكن على بيع ، فلا خيار.

وإن كان مشروطاً في بيع ، قال ابن سريج منهم : فيه وجهان :

أحدهما : لا خيار له ؛ لأنّه حصل له رهن جميع العبد ، وإنّما انفكّ بعد الكسر.

[ و ] الثاني : له الخيار ؛ لأنّه دخل فيه على أن يكون رهناً واحداً ، فلا ينفكّ منه شي‌ء إلّا بقضاء جميع الدَّيْن ، فإذا بانَ بخلافه ، ثبت له الخيار(٢) .

فلو رهن هذا العبد عند رجلين فقضى أحدهما ، انفكّ نصيب كلّ واحدٍ منهما. وإن دفع نصف أحدهما ، انفكّ نصف ما عنده ، وهو نصف نصيب أحدهما على أحد القولين.

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

١٢٦

البحث الثالث : المحلّ.

وشروطه أربعة : أن يكون عيناً مملوكة(١) ، يصحّ تقبيضه للمرتهن ، ويمكن بيعه.

الشرط الأوّل : أن يكون عيناً ، فلا يصحّ رهن المنافع ، كما لو رهنه إجارة الدار سنةً على الدَّيْن الذي له عليه ؛ لأنّ الدَّيْن إن كان مؤجَّلاً ، فالمنافع تتلف إلى حلول الأجل ، فلا تحصل فائدة الرهن ، وإن كان حالّاً ، فبقدر ما يتأخّر قضاء الدَّيْن يتلف جزء من المرهون ، فلا يحصل الاستيثاق. ولأنّ المنافع لا يصحّ إقباضها إلّا بإتلافها ، والرهن عند جماعةٍ من شرطه الإقباضُ.

لا يقال : يحصل الإقباض بقبض العين كما قلتم ذلك في الإجارة.

لأنّا نقول : إنّما جعلنا ذلك قبضاً في الإجارة ؛ لأنّ الحاجة في المنافع‌ داعية ، ولا حاجة إلى رهن المنافع. ولأنّ قبض العين ليس بقبضٍ تامّ في الإجارة ، فلا ينتقل به الضمان.

وإن رهن اُجرة داره سنةً ، لم يصحّ ؛ لأنّ الاُجرة مجهولة. ولأنّها ليست مملوكةً ، وإنّما تُملك بعقد الإجارة ولم يوجد.

ورهن المدبَّر إبطالٌ للتدبير على الأقوى ؛ لأنّ التدبير وصيّة ، وكما تبطل الوصيّة برهن الموصى به ، فكذا المدبَّر يبطل برهنه.

ولو شرط رهن الخدمة فيه ، بطل الشرط والرهن ؛ لأنّ الخدمة ليست عيناً يصحّ تعلّق الرهن بها.

____________________

(١) اعتبر المصنّفقدس‌سره الشرط الأوّل والثاني بالعينيّة والمملوكيّة.

١٢٧

مسألة ١١١ : لا يصحّ رهن الدَّيْن إن شرطنا في الرهن القبضَ ؛ لأنّه لا يمكن قبضه ؛ لعدم تعيّنه حالة الرهن.

وللشافعيّة في جواز رهنه وجهان :

أحدهما : الجواز ؛ تنزيلاً لما في الذمم منزلة الأعيان ، ألا ترى أنّه يجوز شراء(١) ما في الذمّة وبيعه سَلَماً.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ الدَّيْن غير مقدور على تسليمه(٢) .

ومنهم مَنْ رتَّب هذا الخلاف على الخلاف في بيع الدَّيْن ، والرهن أولى بالمنع ؛ لأنّه لا يلزم إلّا بالقبض ، والقبض لا يصادف ما تناوله العقد ولا مستحقّاً [ بالعقد ، والقبض في البيع يصادف مستحقاً ](٣) بالعقد ؛ لأنّ البيع سبب الاستحقاق(٤) .

مسألة ١١٢ : لا يشترط في صحّة الرهن كونه مفرزاً ، بل يصحّ رهن المشاع ، كما يصحّ رهن المقسوم ، سواء رهن من شريكه أو من غير شريكه ، وسواء كان ذلك ممّا يقبل القسمة أو لا يقبلها ، وسواء كان الباقي للراهن أو لغيره ، مثل أن يرهن نصف داره أو نصف عبده أو حصّته من الدار المشتركة بينه وبين غيره ، عند علمائنا أجمع وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي وابن أبي ليلى وعثمان البتّي وعبيد الله بن الحسن العنبري وسوار القاضي وأبو ثور وداوُد وأحمد(٥) لعموم قوله تعالى( فَرِهنٌ

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « شرط » بدل « شراء ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرط الوجيز ».

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨.

(٥) المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥ ، المحلّى ٨ : ٨٨ ، بداية المجتهد ٢ : =

١٢٨

مَقْبُوضَةٌ ) (١) وللأصل. ولأنّها عين يجوز بيعها في محلّ الحقّ ، فجاز رهنها ، كالمنفرد.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز رهن المشاع من غير إذن الشريك. ولو طرأت الإشاعة على الرهن بأن يبيع بعضه ، ففيه وجهان. وفي رهنه من الشريك روايتان ؛ لأنّه يستحقّ زوائده عنده لمعنىً(٢) قارنَ الرهنَ فلم يصح رهنه ، كالمغصوب(٣) . ويُمنع وجوب زوال اليد ، ويُنتقض بالقائل(٤) والمرتدّ والمغصوب [ و ] رهن ملك غيره(٥) بغير إذنه ولا ولايته ، بخلاف المتنازع.

مسألة ١١٣ : لو رهن نصيبه من بيتٍ معيّن من الدار المشتركة بإذن الشريك صحّ.

ولو لم يأذن الشريك ، فكذلك عندنا - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٦) -

____________________

= ٢٧٣ ، مختصر المزني : ٩٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢١ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٨ / ٢٠٠٣.

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « بمعنى » والظاهر ما أثبتناه.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٦٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٧ / ٢٠٠٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٥٢٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥.

(٤) أي : رهن القائل و

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « رهن في ملك غيره » والصحيح ما أثبتناه.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ - ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٢.

١٢٩

لأنّه يصحّ بيعه بدون إذن الشريك ، فصحّ رهنه.

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه ربما تتّفق القسمة ويقع هذا البيت في نصيب صاحبه ، فيكون قد رهن ملك غيره ، بخلاف البيع ، فإنّه إذا باع ، زال ملكه عن البيت ، واستحالت المقاسمة معه(١) .

وبعض القائلين بالثاني قال : إنّ الحكم في البيع مثله(٢) .

وعلى القول بالوجه الأوّل لو اتّفقت القسمة كما قرّر ، فهو كتلف المرهون أو يغرم قيمته : فيه احتمالان أوجههما : الثاني إضافةً للفوات إليه ، وكيف يُنزّل منزلة الآفة السماويّة وقد حصل له في قطرٍ آخَر من الدار مثل ما كان له في ذلك البيت!؟(٣)

وقال بعضهم بقولٍ متوسّطٍ بين القولين ، وهو أنّه إن كان مختاراً في القسمة ، غرم القيمة. وإن كان مُجبَراً ، فهو كالفوات(٤) .

تذنيب : القبض في رهن المشارع بتسليم الكلّ ، فإذا حصل القبض ، جرت المهايأة بين المرتهن والشريك جريانَها بين الشريكين ، ولا بأس‌ بتبعيض اليد بحكم الشيوع ، كما لا بأس به لاستيفاء الراهن المنافعَ.

الشرط الثاني : أن تكون العين مملوكةً ؛ لأنّ مقصود الرهن استيفاء الحقّ من ثمن المرهون عند الحاجة ، وإنّما يتحقّق الثمن فيما يصحّ بيعه ، وغير المملوك لا يصحّ بيعه ، فلا يصحّ رهنه.

ولا يصحّ رهن ما لا يصحّ تملّكه مطلقاً ، كالحُرّ وكالحشرات

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ - ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٩.

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢.

١٣٠

وما لا منفعة فيه ، كفضلات الإنسان وأشباهها ممّا لا يُعدّ ملكاً ؛ إذ لا استيثاق فيه ، وسواء فرض له منفعة محرّمة لم يعتبرها الشارع كالآت اللهو والقمار ، التي لا قيمة لها بعد إزالة الوصف المحرَّم عنها ، أو لم تكن كالحشرات.

ولو كان لها قيمة بعد الكسر ، فالوجه : المنع من رهنها ما دامت صحيحة ، كما لا يصحّ بيعها إلّا بعد كسرها.

وكذا لا يصحّ رهن ما لا يصحّ تملّكه للمسلم إن كان الراهن أو المرتهن مسلماً ، كالخمر وشبهه. ولو كانا ذمّيّين جاز الرهن. ولو أسلما أو أحدهما قبل فكّه ، بطل الرهن.

ولو رهن الذمّيُّ خمراً عند مسلمٍ ، لم يصح وإن وضعها على يد ذمّيٍّ على خلاف.

مسألة ١١٤ : لو رهن ملك غيره بغير إذنه ، وقف على الإجازة ، فإن أجازه المالك ، صحّ ، وإلّا بطل.

ولو رهن المملوك له ولغيره ، صحّ الرهن في حصّته المملوكة خاصّةً ، وكان موقوفاً على الإجازة في حصّة الآخَر ، سواء كان الرهن واحداً مشاعاً بينهما ، أو رهن ملكين صفقةً أحدهما والآخَر لصاحبه.

مسألة ١١٥ : لا يصحّ رهن أرض الخراج ، وهي الأرض التي صالَح الإمامُ أهلَ بلدٍ على أن يكون ملكاً للمسلمين ، وضرب عليهم الخراج ، فإنّ‌ ذلك اُجرة - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ الرهن لا يختصّ بها ، بل حكمها راجع إلى جميع المسلمين بالسويّة ، فلا يجوز بيع ذلك ولو رهنه.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٩٥ / ١٦٤٥ ، المغني ٤ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١٥.

١٣١

وأرض العراق - وهو سواد الكوفة ، فهو من تخوم الموصل إلى عبّادان طولاً ، ومن القادسيّة إلى حلوان عرضاً ، فهي من الأرض المفتوحة عنوةً - فعندنا أنّ المحياة منها وقت الفتح للمسلمين قاطبة ولا وقفها ولا رهنها. ومواتها وقت الفتح للإمام خاصّةً.

وقال الشافعي : إنّ عُمر فتحها عنوةً ، وقسّم الأراضي بين الغانمين ، ثمّ رأى أنّهم يشتغلون بها عن الجهاد فاستنزلهم عنها ، وردّها إلى أهلها ، وضرب عليهم الخراج(١) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه وقفها على المسلمين ، وجعل الخراجَ اُجرةً تُؤخذ في كلّ سنة(٢) .

وقال ابن سريج منهم : إنّ الخراج ثمن الأرض يؤخذ منه كلّ سنة جزء(٣) .

وظاهر مذهب الشافعي : الأوّل ، وهو مذهب أحمد(٤) .

وابن سريج يقول : لم يُرد الشافعي بقوله أرضَ العراق ؛ لأنّ الناس

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، الوجيز ٢ : ١٩٣ - ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤١٥.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، و ١٤ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٧ : ٤٨٩ ، الوسيط ٣ : ٤٦٣ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، و ١٤ : ٢٦ - ٢٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٦ ، التهذيب - للبغوي - ٧ : ٤٨٩ ، الوسيط ٣ : ٤٦٣ ، الوجيز ١ : ١٥٩ - ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

(٤) اُنظر : المغني ٢ : ٥٧٧.

١٣٢

يتبايعونها من لدن عمر إلى الآن ، ولم ينكر ذلك منكر(١) .

وقال أبو حنيفة : إنّ عمر أقرّ أهلها عليها ، وضرب الخراج(٢) .

فعلى قول ابن سريج من الشافعيّة يجوز بيعها ورهنها(٣) ، وعلى قول بعضهم إنّه لا يصحّ بيعها ولا رهنها(٤) .

وإن كان فيها بناء وغرس ، فإن كان البناء معمولاً من ترابها ، فحكمه حكمها. وإن كان من غيرها ، جاز رهنه ورهن الغراس.

وإن أفرد الغراس بالرهن ، صحّ.

وإن رهنه مع الأرض ، لم يصح رهن الأرض ، فأمّا البناء والغراس فمبنيّ على القولين في تفريق الصفقة ، فإن قلنا : تُفرّق ، صحّ فيه. وإذا قلنا : لا تُفرّق ؛ لأنّ الصفقة جمعت حلالاً وحراماً ، فسد في الجميع.

وإن قلنا :لا تُفرّق ؛ لأنّ ذلك يؤدّي إلى جهالة العوض في الجائز منه ، صحّ الرهن هنا فيما يجوز ؛ لأنّه لا عوض فيه.

وإذا صحّ الرهن في البناء والغراس ، فلا خراج على المرتهن ، وإنّما هو على الراهن ، فإنّ الخراج مضروب على الأرض.

ولو كان الخراج على الغراس أيضاً ، كان على الراهن دون المرتهن ؛ لأنّ الخراج‌ تابع للملك ، وهو للراهن خاصّةً ، ولا شي‌ء على المرتهن ولا على المستأجر.

فإن أدّاه المرتهن على الراهن بغير أمره ، لم يرجع عليه به ؛ لأنّه متبرّع

____________________

(١) اُنظر : الحاوي الكبير ١٤ : ٢٦١ ، والتهذيب - للبغوي - ٧ : ٤٨٩ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤١ ، و ١٥٦ - ١٥٧.

(٣ و ٤) كما في الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، والتهذيب - للبغوي - ٧ : ٤٨٩ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥١ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

١٣٣

به متطوّع بقضاء الدَّيْن.

وقال بعضهم(١) : يرجع به ؛ لأنّ نفع ذلك عاد إلى المقضيّ عنه.

وهو يبطل بالهبة.

وإن قضاء بإذنه ، فإن شرط له الرجوع ، وجب له الرجوع. وإن لم يشترط له الرجوع ، بل أطلق الأمر ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يرجع ؛ لأنّ أمره بذلك يقتضي الرجوع عليه ، كما إذا أمره بشراء شي‌ء له ، فإنّ الثمن يجب عليه.

والثاني : لا يرجع ؛ لأنّه إذا لم يشترط العوض له ، كان متطوّعاً ، كما لو ملّكه شيئاً ولم يشترط العوض ، فإنّه يكون هبةً ، ولا يستحقّ عليه شيئاً(٢) .

والأصل في الوجهين قولا الشافعي واختلافهما ؛ فإنّه قال : إلّا أن يكون دَفَعه بأمره(٣) . وهذا يعطي الاكتفاء بالأمر في الضمان والرجوع. وقال تارةً : لو دفع إلى قصّار ثوباً فقصره ، فلا اُجرة له عليه ؛ لأنّه لم يشرطها له(٤) . فجَعَل علّةَ الاستحقاق الاشتراطَ.

مسألة ١١٦ : يجوز رهن العصير ؛ لأنّه عين يصحّ تملّكها ، ويجوز‌ بيعها إجماعاً ، فيصحّ رهنها. وخوف تغيّرها لا يمنع من صحّة الرهن ، كما يجوز رهن المريض.

فإن استحال حلواً أو حامضاً ، فالراهن بحاله.

____________________

(١) وهو مالك ، قاله فيما إذا أدّاه مكرهاً أو مختاراً وكان صديقاً للراهن ، راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٧٩.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٥.

(٣) الاُم ٣ : ١٥١ ، مختصر المزني : ٩٥.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٤٤٢.

١٣٤

وإن صار خمراً - بعد الإقباض - فيد يد المرتهن ، خرج عن كونه رهناً ؛ لبطلان الملك فيه ، وخرج عن كونه مملوكاً. ولا خيار للمرتهن إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ؛ لحدوث العيب في يده ، وهو قول جمهور الشافعيّة(١) .

فإذا عاد خَلّاً ، عاد الرهن ، كما يعود الملك.

وقال بعضهم : لا يعود الرهن إلّا بعقدٍ جديد(٢) .

وقال بعضهم : لا يخرج عن كونه رهناً ، ولا نقول بأنّها مرهونة ، بل يتوقّف فإن عاد خَلّاً ، بانَ أنّ الرهن لم يبطل ، وإن بقي على الخمريّة ، ظهر بطلان الرهن(٣) .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : إنّه لا يزول ملك الراهن عنه ، فهو رهن بحاله ؛ لأنّ له قيمةً في حال كونه عصيراً ، ويجوز أن يصير له قيمة في الثاني ، فلا يزول ملكه عنه ، كما لو ارتدّ العبد(٤) .

وليس بجيّد ، لأنّ كونه خمراً يمنع صحّة التصرّف والضمان على المرتهن ، فبطل فيه الملك ، كموت الشاهد. ويفارق المرتدّ ؛ لأنّه يصحّ فيه التصرّف.

إذا عرفت هذا ، فقولنا : إنّ الرهن يبطل ، لا نريد به اضمحلال أثره بالكلّيّة ، وإلّا لم يعد الرهن ، بل المراد ارتفاع حكمه ما دامت الخمرية ثابتة.

ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن ، بطل ملكها ، وخرجت من

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٥٥ ، المغني ١ : ٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٩٧.

١٣٥

الرهن.

فإن عاد الراهن فدبغ جلدها ، لم يصح تملّكه عندنا ؛ لبقاء نجاسته بعد الدبغ.

وعند العامّة يطهر بالدباغ(١) ، فعلى قولهم يعود ملك الراهن إليها.

وللشافعيّة في عود الرهن في الجد بعد الدبغ وجهان :

أحدهما : أنّه يعود الرهن لأنّ الملك الأوّل عاد ، فتبعه الرهن ، كما إذا انقلب الخمر خَلّاً.

وأظهرهما عند أكثر الشافعيّة : لا يعود ؛ لأنّ ماليّته مخلوقة(٢) بالصنعة والمعالجة ، فالراهن مَلَك الجلد بالدباغ ، وذلك أثر استحدثه ، وليس العائد ذلك الملك وهو قول أبي إسحاق - بخلاف الخمر إذا تخلّلت ؛ لأنّها عادت بنفسها(٣) .

واعتُرض بشاة ماتت لرجلٍ فغصبها غاصبٌ ودبغ جلدها هل يملكه‌ الغاصب أم لا؟ قال أبو إسحاق : الأقوى : أنّ الغاصب يملك بما استحدثه من الدباغ.

والفرق أنّ الغاصب يده بغير حقّ ، فكان فعله لا حكم له ، ويد

____________________

(١) الحاوي الكبير ١ : ٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٧ ، التهذيب - للبغوي - ١ : ١٧٣ ، حلية العلماء ١ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ١ : ٨١ ، المجموع ١ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ١ : ١٥١ ، المغني ١ : ٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٩٧.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة الحجريّة. وفي « العزيز شرح الوجيز » : « مجلوبة » بدل « مخلوقة ».

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ١١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

١٣٦

المالك يدٌ بحقِّ(١) .

فنُقض عليه برجل حجَّر أرضاً مواتاً فجاء ثانٍ أحياها ، فإنّ الثاني يملكها وإن كانت يد الأوّل بحقٍّ ، فلو كان الدبغ سبباً لملكٍ مستحدث ، لمـَلَكها به وإن كانت يده بغير حقٍّ.

فقال : يد المحجِّر لم تُسند إلى ملكٍ سابق فلهذا كان أحقَّ بالملك.

وهذا هو الحجّة عليه ؛ لأنّ يد الراهن إذا كانت مستندةً إلى ملكٍ سابق ، فإذا عاد الملك ثبت أنّه للمالك السابق.

إذا عرفت هذا ، فقال أصحاب أبي حنيفة : لا يزول ملك الراهن وحقّ المرتهن عن الجلد بالموت ، كما قالوا في الخمر(٢) .

ولو انقلب العصير المرهون خمراً قبل القبض ، ففي بطلان الرهن البطلانَ الكلّي وجهان للشافعيّة :

أحدهما ؛ نعم ؛ لاختلال المحلّ في حال ضعف الرهن وجوازه ، ويثبت للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه.

والثاني : لا ، كما لو تخمّر بعد القبض(٣) .

وقضيّة إيراد أكثرهم : ترجيح هذا الوجه ؛ لأنّهم قرّبوا هذا الخلاف من‌ الخلاف في صورة عروض الجنون ، أو بنوه عليه ، فقالوا : إن ألحقنا الرهن بالوكالة ، بطل بعروض الجنون وانقلابه خمراً قبل القبض. وإن ألحقناه بالبيع الجائز ، لم يبطل(٤) .

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه. وفي الحاوي الكبير ٦ : ١١١ عن أبي إسحاق المروزي أنّه يكون ملكاً لربّه الأوّل دون الدابغ ، فلاحِظْ.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٥٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢ - ٣١٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

١٣٧

قال بعضهم : وعلى الوجهين لو كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ، ثبت للمرتهن الخيار ؛ لأنّ الخلّ أنقض من العصير ، ولا يصحّ الإقباض حالة الشدّة.

ولو فعل وعاد خَلّاً ، فعلى الوجه الثاني لا بدّ من استئناف قبضٍ. وعلى الأوّل لا بدّ من استئناف عقدٍ(١) .

ثمّ القبض فيه على ما ذكرنا فيما إذا رهن من الإنسان ما في يده.

ولو انقلب المبيع خمراً قبل القبض ، فالكلام في انقطاع البيع وعودة إذا عاد خَلّاً على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمراً بعد القبض.

مسألة ١١٧ : الخمر قسمان :

خمرٌ محترمة ، وهي التي اتّخذ عصيرها ليصير خَلاًّ وإنّما كانت محترمةً لأنّ اتّخاذ الخلِّ جائز إجماعاً ، والعصير لا ينقلب إلى الحموضة إلّا بتوسّط الشدّة ، فلو لم تُحترم واُريقت في تلك الحال لتعذَّر اتّخاذ الخَلّ.

والثاني : خمرٌ غير محترمة ، وهي التي اتّخذ عصيرها لغرض الخمريّة.

فالاُولى لا تجب إراقتها. وهل تجب إراقة الثانية؟ فيه قولان للشافعيّة(٢) .

فإن تلفت ، فلا كلام ، ولا خيار للمرتهن ؛ لأنّ ذلك حصل في يده.

وإن استحال خَلّاً ، عاد ملكه لصاحبه مرهوناً ، لأنّه يعود مملوكاً

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٢) لم نعثر على ما نُسب إليهم فيما إذا لم يرقها فتخلّلت. انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

١٣٨

بحكم الملك الأوّل ، فيعود حكم الرهن ؛ لأنّه زال بزوال الملك ، فعاد بعوده.

فإن قيل : أليس أنّ العقد إذا بطل لا يصحّ حتى يُبتدأ ، والرهن بطل فيه حين صار خمراً؟

فالجواب : أنّ العقد إذا وقع فاسداً ، لم يصح حتى يوجد صحيحاً ، وليس كذلك هنا ؛ لأنّ العقد وقع صحيحاً ، وحدث بالمعقود معنى أخرجه من حكم العقد ، فإذا زال ذلك ، عاد حقّ العقد ، كما أنّ زوجة الكافر إذا أسلمت ، حرم وطؤها عليه ، وخرجت بذلك من حكم العقد ، فإذا أسلم الزوج قبل انقضاء العدّة ، عاد حكم العقد. وكذلك إذا ارتدّ أحد الزوجين.

مسألة ١١٨ : إذا كان في يده عصير فصار خمراً فأراقه فجمعه جامعٌ فصار في يده خَلّاً ، فالأقرب : أنّه يكون ملكاً للثاني ؛ لخروجه عن ملك الأوّل بصيرورته خمراً ، ولا يصحّ للمسلم تملّكه ابتداءً ولا استدامةً ، وخروجِه عن أولويّة اليد بإراقته ، فانتفى تعلّقه عنه بالكلّيّة ؛ لأنّه أسقط حقّه منها وأزال يده عنها ، فيكون ملكاً للثاني ؛ لاستيلاء يده عليه ، وهذا أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يعود ملكاً للأوّل ؛ لأنّه مملوك بالمعنى الأوّل ، وهو الأظهر عندهم ؛ لأنّ الجامع للخمر ممنوع من ذلك ، محرَّم عليه ، ويده لا تثبت عليها ، فلا يصحّ تملّكه بذلك(١) .

وقوله الأوّل : « أسقط حقّه » ليس بصحيح ؛ لأنّه فَعَل الإراقة التي أمره الشرع بها ، ولو كان كذلك ، لوجب أن تكون مباحةً - كالصيود - لا يختصّ بملكها الجامعُ ، بل يكون أحقَّ بها ؛ لحصولها في يده.

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٥٧.

١٣٩

ونمنع منعه من الجمع على تقدير إرادة التخليل ، وإنّما يُمنع على تقدير إرادة استعماله خمراً.

ونمنع كون يده لا تثبت عليها على تقدير إرادة التخليل.

ولا نعني بإسقاط حقّه إلّا إراقتها وعدم إمساكها ، والجامع لا يملكها بالجمع ، بل يكون أحقَّ باليد ، فإذا صار خَلّاً في يده ، فقد تجدّد له الملك بالاستيلاء على المباح ، كالاصطياد.

مسألة ١١٩ : يجوز تخليل الخمر بطرح شي‌ء فيها ، وتحلّ ، كما تحلّ لو استحالت من نفسها ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة ومالك في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « يحلّ الدباغ الجلد كما يحلّ التخليل الخمرَ »(٢) .

ولأنّها خمر استحالت إلى حموضة الخَلّ ، فصارت حلالاً ، كما لو استحالت بنفسها. ولأنّها خرجت عن كونها حراماً ، وزوال وصف الخمريّة عنها ، فيزول التحريم المستند إلى الخمريّة ؛ لأنّ زوال العلّة يوجب زوال المعلول.

وقال الشافعي : إن استحالت الخمر بنفسها ، حلّت. وإن طُرح فيها شي‌ء إمّا عصير أو خَلّ أو خبز حارّ أو غير ذلك من الأعيان فصارت خَلّاً ، لم تحلّ ، ولا يجوز إمساكها للتخليل - وبه قال أحمد وإسحاق ومالك في

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٢٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١١٣ - ١١٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٤ : ٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٤ : ١٥٩ ، الاستذكار ٢٤ : ٣١٣ - ٣١٤ / ٣٦٥١٨ ، و ٣١٥ / ٣٦٥٢٥ ، التفريع ١ : ٤١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٢ ، حلية العلماء ١ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، المجموع ٢ : ٥٧٦ ، المحلّى ٧ : ٥١٧ ، المغني ١٠ : ٣٣٨.

(٢) سنن الدارقطني ٤ : ٢٦٦ / ٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٢.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الأوّل ـ: ما هو معنى ولاية الفقيه وما هي حقيقتها ؟

الثاني ـ: كيف يمارس الفقيه ولايته هذه، إلى جانب المؤسّسات الدستوريّة والتشكيلات الحكوميّة العليا التي مرّ ذكرها، وبشكل يتمشّى مع بقيّة المعايير الإسلاميّة في نظام الحكم الإسلاميّ الذي يعطي للاُمّة الحريّة في إدارة نفسها ضمن الضوابط الإلهيّة الشرعيّة.

وإليك فيما يلي الإجابة على هذين السؤالين.

ولاية الفقيه ليست استصغاراً للاُمّة ولا استبداداً

لقد كثر النقاش أخيراً حول ولاية الفقيه، فمن متوهّم أنّ نتيجة القول بولاية الفقيه هي اعتبار الاُمّة قاصرةً وعاجزةً عن إدارة أمرها، فلابدّ لها من وليّ يتولّى اُمورها.

ومن متصوّر بأنّ نتيجتها هي استبداد الفرد بالإدارة والحكم، ورفض الرأي العامّ، وهو أمر يتنافى مع ما قرّرناه ـ حسب المعايير الإسلاميّة ـ من اختيار الاُمّة الإسلاميّة في تشكيل الحكومة، نوّاباً ووزراء ورؤساء، وذلك في نطاق الضوابط الإلهيّة الشرعيّة.

ولكنّ هذه التوهّمات ناشئة عن عدم وضوح ( ولاية الفقيه ) وضوحاً لا يبقي شبهةً، ولا يترك غموضاً، فليس إقرار ولاية الفقيه بمعنى جعل الاُمّة الإسلاميّة الرشيدة بمنزلة القصّر، كما ليس نتيجتها استبداد الفقيه بالإدارة والسلطة والعمل أو الترك كيفما شاء دون مشورة أو رعاية للمصالح والمعايير الإسلاميّة.

إنّ للمجتهد الفقيه العارف بأحكام الإسلام القادر على استنباط قوانينه ثلاثة مناصب وهي التي يعبّر عنها جميعاً بولاية الفقيه وهي :

الأوّل: منصب الإفتاء: فإنّ الأحكام الشرعيّة بأبوابها الأربعة، من عبادات ومعاملات وإيقاعات، وسياسات، لـمّا كانت أمراً نظرياً يحتاج إلى التعلّم والتعليم ولا يمكن لكلّ أحد من الناس معرفتها عن مصادرها العلميّة المتقنة ـ فإنّ ذلك يعوق الإنسان عن مهامّ اُموره الدنيويّة والمعيشيّة ـ عمد الإسلام إلى إرجاع ( نظام الإفتاء ) إلى

٢٢١

فقيه، عالم بشرائع دينه، وهذا هو الذي يطلق عليه في اصطلاح المتشرّعة ب‍ ( المفتي ) ليكون مرجعاً لأخذ الأحكام.

الثاني: القضاء: فإنّ من مقتضى القوى والغرائز النفسانيّة والطبيعيّة التوجّه إلى المنافع، والتباعد عن المضارّ، وهو بدوره يوجب نزاعاً على المنافع الذي قد ينجرّ إلى الحروب، فلدفع هذه المفسدة ترك أمر القضاء إلى الفقيه الجامع للشرائط.

الثالث: الحكومة: فإنّ من أهم مايحتاج إليه البشر في حفظ نواميسه، ونفوسه واجتماع أمره ؛ وجود قائد بينهم يجب على الجميع إطاعة قوله واتباع فعله، وهو الذي يعبر عنه في لسان الشرع والمتشرّعة بالحاكم والسائس(١) .

وعلى هذه الاُمور الثلاثة تدور رحى حياة المجتمع الإسلاميّ.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ للولاية مرتبةً عليا مختصّةً بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصيائه الطاهرين وغير قابلة للتفويض إلى أحد، وهي بين تكوينيّة يعبّر عنها بالولاية التكوينيّة التي بها يتصرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الكون إذا اقتضت المصلحة ذلك كما إذا كان في مقام الإعجاز، وفي ذلك يقول الإمام الخمينيّ: ( إنّ للنبيّ والإمام مقاماً محموداً ودرجةً ساميةً وخلافةً تكوينيّةً تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرّات هذا الكون )(٢) .

وبين التشريعيّة التي يشير إليها قوله سبحانه:( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) ( الأحزاب: ٦ ) وهي مختصّة بالنبيّ وأوصيائه المعصومين، فهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم(٣) .

وأمّا غير المختصّ بهم، فإنّما هو مقام الافتاء والقضاء، والولاية، التي أظهر مصاديقها نظم البلاد والجهاد والدفاع وسدّ الثغور وإجراء الحدود، وأخذ الزكاة وإقامة

__________________

(١) اقتباس من دروس الإمام الخمينيّ في علم الاُصول ألقاها في مدينة قم المقدّسة عام ( ١٣٧٠ ه‍ ) وقد قرّرها الاُستاذ السبحاني ونشرها في كتاب تهذيب الاُصول ٣: ١٣٦.

(٢) الحكومة الإسلاميّة: ٥٢.

(٣) لاحظ منية الطالب تقريراً لبحث المحقّق النائينيّ: ٣٢٥.

٢٢٢

الجمعة وغيرها.

فالأوّلان من هذه المناصب ( الثلاثة ) ثابتان للفقيه ـ باتفاق الكلمة ـ كما سيوافيك بيانه عند بيان السلطات الثلاث.

وأمّا الولاية والحكومة بالمعنى الماضي، فلا وجه للشك في ثبوتها للفقيه حسب الأدلّة الواردة ولكنّ المراد منها يتلخّص في أمرين :

الأوّل: إذا نهض الفقيه بتشكيل الحكومة وجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوه(١) .

إذ كل ما يشترط من المواصفات في الحاكم التي يأتي بيانها، موجود في الفقيه العادل.

وأمّا الثاني: إذا نهض الناس بتشكيل الحكومة تحت الضوابط الإسلاميّة فللفقيه العادل حينئذ أن يراقب سلوك الحكومة وتصرّفاتها، فيصحّح مسيرتها إذا انحرفت ويعدّل سلوكها إذا شذّ وعندئذ تكون ولاية الفقيه ضمانةً لاستقامة الدولة ومانعاً عن عدولها عن جادّة الحقّ وسنن الدين، فهو متخصّص عارف بالأحكام والحدود، وبما أنّه ورع يتّقي الله ويخشاه أكثر من سواه كما يقول الله سبحانه:( إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) ( فاطر: ٢٨ ) وقد عاش بين أفراد المجتمع فعرف بالصلاح والورع والأمانة، فولايته تحجز الحكومة عن الخروج عن المعايير الإسلاميّة وارتكاب ما يخالف مصالح الإسلام والمسلمين دون أن ينحرف هو عن صراط الحقّ المستقيم.

كيف يمارسُ الفقيه ولايته

أمّا كيف يمارس الفقيه ولايته ـ وهو الشقّ الثاني ـ إلى جانب ما أقرّه الإسلام من أختيار للاُمّة في انتخاب حكّامها، وما أعطاه من الحرية لهم في نطاق المعايير الإسلاميّة ،

__________________

(١) الحكومة الإسلاميّة للإمام الخمينيّ: ٤٩، بل يجب على الفقيه تشكيل الدولة الإسلاميّة إذا لم يكن هناك دولة إسلاميّة.

٢٢٣

فهو يتضح بما يلي :

إنّ الفقيه بحكم مسؤوليته اتّجاه الإسلام والمسلمين يتحرّى في جميع الظروف مصالح الاُمّة، فإذا كانت الحكومة التي إقامتها الاُمّة الإسلاميّة موافقةً للمعايير الإسلاميّة، ومطابقةً للمصلحة الاجتماعيّة العليا وجب عليه إمضاؤها، وإقرارها، وليس له أن يردّها، ولأجل ذلك لا يترتب على ( ولاية الفقيه ) إلّا استقرار الحكومة الإسلاميّة الصالحة، ولا يتغيّر بولايته أي شيء من الأركان والمؤسسات الحكوميّة المذكورة سلفاً، ولا تتعارض مع ما ذكرناه وأثبتناه من حريّة الاُمّة واختيارها.

ذلك هو مجمل حقيقة ولاية الفقيه، وهذه هي كيفيّة ممارستها إلى جانب التشكيلات الاُخرى في النظام الإسلاميّ.

وهي كما ترى خير ضمان جوهراً وممارسةً لاستقامة الحكومة في المجتمع الإسلاميّ، وإبقائها على الخط المستقيم دون أن يستلزم فرض هذه الولاية اعتبار الاُمّة قصراً، أو يلازم استبداداً كما يشاء البعض وصفها بذلك، أو يتوهّمونه خطأً وغفلةً عن حقيقة الحال لهذا العنصر العظيم في الفقه الإماميّ على صعيد الحكم.

* * *

كلمة أخيرة :

لقد تبيّن من هذا البحث الواسع حول لون الحكومة الإسلاميّة، أنّ الحكومة عند حضور الإمام المنصوص عليه من جانب الله حكومة إلهيّة محضة، وأمّا عند عدم إمكان التوصّل إليه فهي مزيج من ( الحاكميّة الإلهيّة والسيادة الشعبيّة ).

فهي إلهيّة: من جهة أنّ التشريع لله سبحانه بالأصالة، وأنّ على الاُمّة الإسلاميّة أن تراعي جميع الشرائط والضوابط الإسلاميّة في مجال الانتخاب، وأنّ على الحاكم الإسلاميّ أن يلتزم بتنفيذ الشريعة الإسلاميّة حرفاً بحرف، فلأجل هذه الجهات تعدُّ إلهيّة، أو حكومة قانون الله على الناس.

وهي شعبيّة: من جهة أنّ انتخاب الحاكم الأعلى وسائر الأجهزة الحكومية العليا

٢٢٤

موكول إلى الناس ومشروط برضاهم.

ثمّ إنّ هناك نظريتين في كيفيّة تشكيل الحكومة الإسلاميّة جنح إليها كثير من أهل السنّة وهما :

١. الشورى أساس الحكم.

٢. البيعة أساس الحكم.

ولتحقيق الحال نبحث عن كلتا النظريتين في البحث القادم.

٢٢٥

هل الشورى أساس الحكم الإسلاميّ ؟

إنّ الظاهر من بعض من كتب حول الحكومة الإسلاميّة أنّ أساس الحكم في الإسلام هو الشورى، وقد ذهبوا إلى ذلك لأجل أمرين :

الأوّل: أنّهم جعلوه مكان الاستفتاء الشعبيّ، لأنّه لم يكن من الممكن ـ في صدر الإسلام ـ بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مراجعة كلّ الأفكار واستعلام جميع الآراء في الوطن الإسلاميّ لقلّة وسائل المواصلات، وفقدان سبل الاتصال المتعارفة اليوم.

الثاني: أنّهم أرادوا بذلك تصحيح الخلافة بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّ بعض الخلفاء توصّل إلى ذلك بالشورى، ثمّ عدّ هذا الاُسلوب إحدى الطرق لتعيين الحاكم.

وربّما يؤيّد الأوّل قول الإمام عليّعليه‌السلام : « ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى تحضرها عامّة الناس فما إلى ذلك من سبيل، ولكنّ أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثمّ ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار »(١) .

وهو إشارة إلى أنّ عدم إمكان أخذ البيعة بالصورة الواسعة يجوّز أخذها بصورة محدودة.

ولعلّ إلى ذلك نظر الشيخ عبد الكريم الخطيب إذ قال: ( إنّ الذين بايعوا أوّل

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (١٦٨) عبده.

٢٢٦

خليفة للمسلمين لم يتجاوز أهل المدينة، وربّما كان بعض أهل مكّة، وأمّا المسلمون ـ جميعاً ـ في الجزيرة العربية فلم يشاركوا في هذه البيعة، ولم يشهدوها ولم يروا رأيهم، وإنّما ورد عليهم الخبر بموت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الخبر باستخلاف أبي بكر )(١) .

ويؤيّد الثاني ( أي اعتبار الشورى أساساً للحكم تصحيحاً للحكومات التي قامت بعد وفاة النبي ) أنّهم ذكروا ـ فيما تنعقد به الإمامة والخلافة نفس الأعداد التي تنطبق عليها خلافة أحد الخلفاء، فلم يكن اعتبار هذه الأعداد والوجوه إلّا للاعتقاد المسبّق بصحّة خلافة اُولئك الخلفاء.

ولأجل ذلك يقول الماورديّ: الإمامة تنعقد من وجهين :

أحدهما: باختيار أهل العقد والحلّ.

والثاني: بعهد الإمام من قبل.

فأمّا انعقاها باختيار أهل العقد والحلّ، فقد اختلف الفقهاء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم، على مذاهب شتّى، فقالت طائفة لا تنعقد الإمامة إلّا بجمهور أهل العقد والحلّ من كلّ بلد ليكون الرضا به عامّاً، والتسليم لإمامته إجماعاً، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة، باختيار من حضرها ولم ينتظر لبيعته قدوم غائب عنها.

وقالت طائفة أخرى: أقلُّ ما تنعقد به منهم الإمامة ( خمسة ) يجتمعون على عقدها، أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة استدلالاً بأمرين :

أحدهما: أنّ بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثمّ تابعهم الناس فيها وهم: ( عمر بن الخطاب ) و ( أبو عبيدة الجراح ) و ( أسيد بن حضير ) و ( بشر بن سعد ) و ( سالم مولى أبي حذيفة ).

الثاني: أنّ عمر (رض) جعل الشورى في ستّة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة، وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلّمين من أهل البصرة.

__________________

(١) الإمامة والخلافة: ٢٤١.

٢٢٧

وقال آخرون: من علماء الكوفة: تنعقد بثلاثة يتولاّها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكماً، وشاهدين، كما يصح عقد النكاح بوليّ وشاهدين.

وقالت طائفة اُخرى: تنعقد بواحد لأنّ العبّاس قال لعليّ (رض): أمدد يدك اُبايعك فيقول الناس عمّ رسول الله بايع ابن عمّه، فلا يختلف عليك اثنان، ولأنّه حكم وحكم الواحد نافذ )(١) .

وقال القاضي العضديّ ـ في المقصد الثالث فيما تثبت به الإمامة ـ من كتابه: ( إنّها تثبت بالنص من الرسول ومن الإمام السابق بالإجماع، وتثبت ببيعة أهل العقد والحلّ )(٢) .

ومن المعلوم، أنّ الاختلاف الواقع في عدد من تنعقد به الشورى يفيد ـ بوضوح ـ أنّه لم يكن هناك أي نصّ من الشارع المقدّس على أنّ الإمامة تنعقد بالشورى، ولذلك اختلفوا فيها على مذاهب وغاب عنهم وجه الصواب.

ثمّ إنّ من مظاهر الاختلاف الواقع في مسألة الشورى أنّ القائلين بها انقسموا ـ في أثرها ـ على قسمين :

الأوّل: وهم الأكثريّة، ذهبوا إلى أنّ انتخاب أهل الشورى كان ملزماً للاُمّة، فوجب عليها أن تسلِّم لمن اختاروه بهذا الطريق.

الثاني: أنّ انتخاب أهل الشورى لأحد ليس أزيد من ( ترشيح ) له، وكان للاُمّة هي أن تختاره، أو لا تختاره فكان الملاك هو رأي الاُمّة(٣) .

غير أنّ هذا الرأي لا يتفق مع خلافة الخلفاء الذين تسنّموا عرش الخلافة بالشورى، فقد كان انتخابهم ملزماً يومذاك على رأيهم، ولم يكن من باقي الاُمّة إلّا الاتباع والتسليم.

__________________

(١) الأحكام السلطانيّة للماورديّ: ٤.

(٢) شرح المواقف ٣: ٢٦٥.

(٣) راجع الشخصيّة الدوليّة لمحمّد كامل ياقوت: ٤٦٣.

٢٢٨

ما هي أدلّة الأخذ بالشورى ؟

إنّ البحث عن كون الشورى وسيلةً لتعيين الإمام يقع في ظرفين :

الأوّل: بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني: في زماننا الحاضر، حيث لا يمكن الوصول إلى الإمام المنصوب من جانب الله سبحانه، بالاسم.

وبما أنّ القائلين بمبدأ الشورى يصرّون على أنّها كانت أساساً للخلافة والحكم بعد الرسول أيضاً، فإننا سنبحث الموضوع في كلا الموقعين معاً :

حكم الشورى بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

لقد استدل القائلون بالشورى بآيتين هما :

الاُولى: قوله سبحانه:( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) ( العمران: ١٥٩ ).

فإنّ الله سبحانه يأمر نبيّه بأن يشاور من حوله، وذلك تعليماً للاُمّة بأن تتشاور في مهامّ الاُمور، ومنها ( الخلافة ).

غير أنّ التأمّل والنظر في مفاد الآية، يكشف عن أنّ الخطاب فيها موجّه إلى الحاكم الذي استقرّت حكومته، وتمّت بوجه من الوجوه، فإنّ الله سبحانه يأمره بأن يشاور أفراد الاُمّة ويستضيء بأفكارهم، وينتفع بمشاورتهم توصّلاً إلى أحسن النتائج كما يقول الإمام عليّعليه‌السلام : « من استبدّ برأيه هلك ومن شاور الرجال في اُمورها شاركها في عقولها »(١) . فلا ارتباط للآية ومفادها بما نحن فيه.

وبعبارة اُخرى: إنّ الخطاب وإن كان يمكن التعدي عنه إلى سائر أفراد الاُمّة

__________________

(١) نهج البلاغة: قسم الحكم الرقم (١٦١).

٢٢٩

قائلاً بعدم خصوصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الخطاب لكنّه لا يمكن التعدّي عن ذلك المنطوق إلّا إلى مقدار يشابه منطوق الآية لا أكثر، فأقصى ما تفيده الآية، هو أن لا يكون الحاكم الإسلاميّ، وصاحب السلطة التي تمت سلطته، مستبدّاً في أعماله بل ينبغي أن يتشاور مع أصحابه وأعوانه في مهامّ الاُمور وجسامها، وأمّا أن يصحّ تعيين الإمام والخليفة عن طريق الشورى استدلالاً بهذه الآية، فلا يمكن الانتقال ممّا ذكرناه إلى هذا المورد.

هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر من الآية هو أنّ ( الشورى ) لا توجب حكماً للحاكم ولا تلزمه بشيء، بل هو يقلّب وجوه الرأي، ويستعرض الأفكار المختلفة ثمّ يأخذ بما هو المفيد في نظره، وهذا يتحقق في ظرف يكون هناك ( رئيس ) تام الاختيار في استحصال الأفكار، والعمل بالنافع منها، كما أنّ استحصال الأفكار هذا لا يتمّ إلّا أن يكون للمستشير مقاماً وسلطةً وولايةً مفروضة، ويكون رئيساً مستقرّ الحاكميّة، وأمّا إذالم يكن ثمة رئيس فلا يمكن أن يتم هذا الأمر، الذي ندب إليه القرآن وحثّ عليه، إذ ليس عندئذ هناك رئيس يندب الأفراد ويستعرض أراءهم ثمّ يتأمّل فيها ويأخذ بالنافع منها.

* * *

الثانية: قوله تعالى:( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) ( الشورى: ٣٨ )، فإنّ إضافة المصدر ( أمر ) إلى الضمير ( هم ) يفيد العموم والشمول لكلّ أمر بما فيه الخلافة والإمامة، فالمؤمنون ـ بحسب هذه الآية ـ يتشاورون في جميع اُمورهم حتّى الخلافة.

ولكن ينبغي البحث في الموضوع الذي تأمر الآية بالمشورة فيه وأنّه ما هو ؟ فنقول: إنّ الآية تأمر بالمشورة في الاُمور المضافة إلى المؤمنين، فلابدّ أن يحرز أنّ هذا الأمر ( أي تعيين الإمام ) أمر مربوط بهم، ومضاف إليهم، فما لم يحرز ذلك لم يجز التمسّك بعموم الآية في مورده.

وبعبارة أخرى: إنّ الآية حثّت على الشورى في اُمورهم وشؤونهم لا فيما هو خارج عن حوزة اُمورهم وشؤونهم، ولما كان تعيين ( الإمام والخليفة ) من جانبهم مشكوكاً في

٢٣٠

كونه من اُمورهم، إذ لا يدرى هل من شؤونهم وصلاحياتهم، أم من شؤون الله سبحانه فعندئذ لا يجوز التمسّك بالآية في المورد.

وبعبارة ثالثة: هل أنّ الإمامة إمرة وولاية إلهيّة لتحتاج إلى نصب وتعيين إلهيّ، أو هي إمرة وولاية شعبيّة ليجوز للناس أن يعيّنوا بالشورى من أرادوا للإمامة والخلافة ؟

ومع الترديد والشكّ، لا يمكن الأخذ بإطلاق الآية المذكورة وتعميم ( أمرهم ) لأمر الإمامة، لأنّه من باب التمسك بالحكم عند الشكّ في الموضوع، وهذا نظير ما إذا قال أحد: ( أكرم العلماء ) فشككنا في رجل هل هو عالم أو لا، فلا يجوز التمسّك بالعامّ في هذا المورد المشكوك والقول بلزوم إكرام الرجل.

التمسّك بكلام عليّ عليه‌السلام في الشورى

ثمّ إنّ القائلين بمبدأ الشورى يتمسّكون بأحاديث في هذا المقام، وربّما تمسّكوا بقول الإمام عليّعليه‌السلام إذ قال: « إنّه بايعني القوم الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضىً »(١) .

ثمّ إنّ الشارح الحديديّ، كان أوّل من احتج بهذه الخطبة على أنّ نظام الحكومة بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هو نظام الشورى وتبعه بعض من تبعه، من دون رجوع إلى القرائن الحافّة بها والحال أنّ الاستدلال بالشورى استدلال جدليّ من باب:( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( النحل: ١٢٥ ).

وقد نقل نصر بن مزاحم المنقريّ المتوفّى عام (٢١٢ ه‍ ) أي ١٤٧ عاماً قبل ميلاد ( الشريف الرضيّ جامع نهج البلاغة ) في كتابه القيّم ( وقعة صفّين ) العبارات

__________________

(١) نهج البلاغة: قسم الكتب الرقم (٦).

٢٣١

الكثيرة التي حذفها الرضيرحمه‌الله من الرسالة كما هو دأبه في أكثر الخطب والكتب(١) .

فإنّ الإمام عليّعليه‌السلام بدأ رسالته بقوله: « أمّا بعد فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، لأنّه بايعني ».

ثمّ ختمها بقوله: « وإنّ طلحة والزبير بايعاني ثمّ نقضا بيعتي وكان نقضهما كردِّهما فجاهدتهما على ذلك حتّى جاء الحقُّ وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون ».

ثمّ قال: « وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون ثمّ حاكم القوم إليّ أحملك وإياهم على كتاب الله(٢) ، وأمّا تلك الّتي تريدها فخدعة الصبيّ عن اللبن ».

هذا وقد طلب معاوية قبل أن يكتب إليه الإمام هذا الكتاب بأن يسلِّم إليه قتلة عثمان حتّى يقتصّ منهم ثمّ يبايع الإمام عليّاًعليه‌السلام هو ومن معه، وهذا هو ما سمّاه الإمام بخدعة الصبي عن اللبن.

وهذه الجمل والعبارات التي تركها الرضيّ في نقل الكتاب تشهد بأنّ الإمام كتب هذه الرسالة من باب الجدل والاستدلال بما هو موضع قبول الخصم.

ثمّ إنّ ملاحظة قول: « إنّه بايعني القوم الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان » تدلّ أيضاً على أنّ الإمام كان في مقام المجادلة وإفحام الخصم بما هو مسلّم عنده. فالابتداء بتماميّة الخلافة للشيخين بمبايعة المهاجرين والأنصار لهما لأجل إسكات معاوية الذي يعتبر هذه البيعة هي الملاك في خلافة الخليفة. ولولا هذا لما كان لذكر خلافة الشيخين عن طريق البيعة والشورى وجه. ولأجل ذلك نجد الإمامعليه‌السلام يردف هذه

__________________

(١) ولد الرضي عام ( ٣٥٩ ه‍ ) وتوفّي ( ٤٠٦ ه‍ ).

(٢) راجع ( وقعة صفّين ) لنصر بن مزاحم ( طبعة مصر ): ٢٩.

٢٣٢

العبارات بقوله: « فإن اجتمعوا على رجل » احتجاجاً بمعتقد معاوية.

فهذا الاُسلوب إنّما اتخذه الإمامعليه‌السلام عملاً بقوله سبحانه:( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .

وكيف لا، وللإمامعليه‌السلام كلمات ساخنة في تخطئة الشورى التي تمّت بها خلافة الخلفاء بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقف عليها كلّ من تصفّح نهج البلاغة، وسائر ما روي عنهعليه‌السلام في هذا المجال.

والذي يدلّ على ذلك وأنّ الشورى لم تكن أساساً للخلافة والحكومة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أصحاب الشورى في السقيفة ـ لا في غيرها ـ لم يتمسّكوا بها، ولا بالآيات والأحاديث الواردة حولها.

إشكالاتٌ أُخرى وملاحظاتٌ أساسيّة :

وهناك ملاحظات أساسيّة أخرى على جعل الشورى منشأً للحكم، وطريقاً لتعيين الحاكم نشير إلى بعضها :

١. لو كان أساس الحكم ومنشأه هو ( الشورى )، لوجب على الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بيان تفاصيلها وخصوصيّاتها وأسلوبها، أو خطوطها العريضة على الأقلّ.

فإنّ الإسلام إذا كان قد أرسى نظام الحكم على أساس ( الشورى )، وجعله طريقاً لتعيين الحاكم بحيث تكون هي مبدأ الولاية والحاكميّة، فإنّ من الطبيعيّ بل والضروريّ أن يقوم الإسلام بتوعية الاُمّة، وإيقافها ـ بصورة واسعة ـ على حدود الشورى وتفاصيلها وخطوطها العريضة حتّى لاتتحيّر الاُمّة وتختلف في أمرها، ولكنّنا رغم هذه الأهميّة القصوى لا نجد لهذه التوعية الضروريّة أي ( أثر ) في الكتاب والسنّة في مجال انتخاب الحاكم.

ولقد بادر بعض الكتاب إلى الإجابة عن هذا الإشكال بأنّ: الإسلام قد تكفّل

٢٣٣

إعطاء إشارة عابرة إلى مبدأ الشورى دون تحديد، موكلاً أمرها وشكلها إلى نظر الاُمّة، تمشّياً مع الصبغة العامّة التي تتّسم بها الشريعة الإسلاميّة، وهي صبغة الخلود، والمرونة، التي تمكِّن هذه الشريعة من مسايرة كلّ العصور. وبقائها نظاماً خالداً لجميع الأجيال.

وصفوة القول: أنّ خلود الإسلام يقتضي أن يكتفي هذا الدين ببيان جوهر الاُمور دون شكليّاتها، وكيفيّاتها.

وهذا المطلب صحيح ـ في حدّ ذاته ـ وإن كان انطباقه على هذا المورد لا يخلو عن إشكال، فإنّه وإن كان لا يجب على الشارع إعطاء كلّ التفاصيل والخصوصيّات الراجعة إلى الشورى، غير أنّ هناك اُموراً ترجع إلى ( جوهر ) الشورى وصميمها، فلا يصحّ للشارع المقدّس أن يترك بيانها إذ أنّ هناك أسئلةً تطرح نفسها في المقام، لا يمكن الوقوف على أجوبتها إلّا عن طريق الشارع وبيانه وهي :

أوّلاً: من هم الذين يجب أن يشتركوا في ( الشورى ) المذكورة ؟ هل هم العلماء وحدهم، أو السياسيّون وحدهم أو المختلط منهم ؟

ثانياً: من هم الذين يختارون أهل الشورى ؟

ثالثاً: لو اختلف أهل الشورى في شخص فبماذا يكون الترجيح، هل يكون بملاك الكمّ، أم بملاك الكيف ؟

إنّ جميع هذه الاُمور تتّصل بجوهر مسألة ( الشورى )، فكيف يجوز ترك بيانها، وتوضيحها ؟ وكيف سكت الإسلام عنها إن كان جعل ( الشورى ) طريقاً إلى تعيين الحاكم ؟

* * *

٢. إنّ القوم يعبّرون عن أعضاء الشورى بأهل العقد والحلّ، ولا يفسّرونه بما يرفع إجماله، وأنّ المقصود من هو ؟ ولذلك قال الشيخ عبد الكريم الخطيب :

٢٣٤

( وليس في القول بأنّ أفراد الاُمّة المسؤولون عنها هم أهل الحلّ والعقد فيها، ما يفسّر هذا الغموض أو يكشفه فمن هم أهل الحلّ والعقد، وحلّ ماذا ؟ وعقد ماذا ؟ أهم أصحاب الفقه والرأي الذين يرجع إليهم الناس فيما ينوّبونهم من اُمور ؟ وهل هناك درجة معينة من الفقه والعلم إذا بلغها الإنسان صار من أهل الحلّ والعقد ؟ ما هي تلك الدرجة ؟ وبأيّ ميزان توزن ؟ ومن إليه يرجع الأمر في تقديرها ؟

إنّ كلمة أهل العقد والحلّ لأغمض غموضاً من كلمة « الأفراد المسؤولون » )(١) .

ولأجل غموض نظريّة الشورى برمّتها وعدم ورود نصّ واضح وصريح حولها قال الدكتور طه حسين: ( ولو قد كان للمسلمين هذا النظام المكتوب ( ويعني نظام الشورى ) لعرف المسلمون في أيّام عثمان ما يأتون من ذلك، وما يدعون دون أن تكون بينهم فرقة أو اختلاف )(٢) .

ولذلك ـ أيضاً ـ يقول الشيخ عبد الكريم الخطيب، وهو يشير إلى أنّ قضيّة الشورى كانت مجرّد تجربة وليس قانوناً إسلاميّاً أخذ به، كما يشير إلى ما في هذه القضية من نواقص وعيوب وما تركته من أثار سيّئة على الفكر الإسلاميّ :

( ينظر بعضهم إليه على أنّه ( أي تعيين الإمام بالشورى ) نواة صالحة لأوّل تجربة وأنّ الأيّام كفيلة بأن تنمّيها، وتستكمل ما يبدو فيها من نقص، فلم تكن الأحوال التي تمّت فيها هذه التجربة تسمح بأكثر ممّا حدث، إذ لم يكن من المستطاع ـ حينذاك ـ الوقوف على رأي الاُمّة كلّها فرداً فرداً ؛ فيمن يخلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وينظر بعض آخر إلى هذا الاُسلوب بأنّه اُسلوب بدائيّ عالج أهمّ مشكلة في الحياة، وقد كان لهذا الاُسلوب أثره في تعطيل القوى المفكّرة للبحث عن اُسلوب آخر من أساليب الحكم التي جربتها الأمم )(٣) .

هذا كلّه حول ( الشورى )، وكونها صيغة الحكم ومنشأه عقيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة.

__________________

(١ و ٢) الخلافة والإمامة: ٢٧١.

(٣) الخلافة والإمامة: ٢٧٢.

٢٣٥

أمّا بالنسبة إلى عصرنا هذا ؛ حيث لا تتمكن الاُمّة من الوصول إلى الإمام المنصوب من جانب الله سبحانه بالاسم، فهناك فكرتان تدور حول محور الشورى :

الاُولى: أن تقتصر وظيفة الشورى على الترشيح، وإيقاف الاُمّة على الشخص المناسب والرجل الصالح لمقام الحكم والولاية، من دون أن يكون تصميم الشورى وانتخابها ملزماً للناس. وهذا أمر معقول، ومقبول شرعاً وعرفاً وهو الرأي الذي أشار إليه صاحب كتاب الشخصيّة الدولية ـ كما سبق ـ.

الثانية: أن يكون تصميم الشورى أمراً ملزماً للناس، وقراراً واجب الاتّباع، فعلى الناس أن يقبلوا بمن عيّنته الشورى ويرتضونه حتماً دون أن يكون لهم رأيهم في الأمر، وحريّتهم في الاختيار وهذا ممّا لا يدلّ عليه دليل من الكتاب ولا من السنّة، وقد ذكرنا أنّ شرط صحّة الحكم الإسلاميّ هو أن يكون موضع رضا الشعب والاُمّة.

٢٣٦

هل البيعة

وسيلة لتعيين الحاكم ؟

هل البيعة طريق إلى تعيين الحاكم الإسلاميّ ؟ إنّ الإجابة على هذا السؤال، والحديث عن البيعة ـ بصورة واضحة ـ يقتضي بيان اُمور :

١. ماذا تعني البيعة ؟

البيعة ـ لغةً ـ مصدر باع ـ لأنّ المبايع يجعل حياته وأمواله ـ بالبيعة ـ تحت اختيار من يبايع. ويتعهّد المبايع ـ في المقابل ـ بأن يسعى في إصلاح حال المبايع، وتدبير شؤونه بصورة صحيحة وكأنّ المبايع والمبايع يقومان بعملية تجارية إذ يتعهّد كلّ واحد منهما اتّجاه الآخر بعمل شيء للآخر، أو أن المبايع يريد من وضع يده في يد المبايع أنّه يكون معه في جميع الوقائع الآتية.

وقد أشار إلى بعض ما ذكرناه ابن خلدون في تعريفه البيعة إذ قال :

( اعلم، أنّ البيعة هي العهد على الطاعة كأنّ المبايع يعاهد أميره على أن يسلّم له النظر في اُموره واُمور المسلمين ويطيعه فيما يكلّفه، وكانوا إذا بايعوا الأمير جعلوا أيديهم في يده تأكيداً فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري )(١) .

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون: ١٧٤.

٢٣٧

٢. البيعة قبل الإسلام :

كانت ( البيعة ) التي هي نوع من معاهدة الرئيس، من تقاليد العرب قبل الإسلام وسننهم، ولم يكن الإسلام هو أوّل من ابتكر ذلك، وحيث كانت المبايعة ممّا تنفع المجتمع وتخدم مصالحه، فقد أمضاها الدين الإسلاميّ وجعلها من العقود اللازمة، التي يجب العمل بها، ويحرّم نقضها.

لقد بايع أهل المدينة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في السنة الحادية عشرة والثانية عشرة في العقبة بمنى، بايعوه مرّتين ففي الاُولى من البيعتين بايعوه على أن لا يشركوا بالله، ولا يسرقوا ولا يقترفوا فاحشةً و و(١) .

ولقد خطى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في البيعة الثانية خطوةً أكبر حيث أخذ البيعة من أهل المدينة على نصرته، والدفاع عنه كما يدافعون عن أولادهم وأهليهم(٢) .

لقد بايع أهل المدينة النبيّ ـ على عاداتهم قبل الإسلام ـ حيث كانوا يبايعون زعماءهم.

إنّ البيعة نوع من العهد والمعاهدة، والهدف من إمضائها في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن لتعيينه للحكم والرئاسة، بل كان لإعطائه الميثاق على الوفاء، والسير حسب أوامره، فالمسلمون الذين بايعوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أوّل بيعة، إنّما بايعوه على أن لا يشركوا بالله، وأن يجتنبوا الفواحش، ولا يسرقوا، وفي البيعة الثانية عاهدوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على أن ينصروه، ويدافعوا عنه كما قلنا، وفي كلتا الصورتين كانت زعامة النبيّ ورئاسته محقّقة من قبل، فهم كانوا بعد أن آمنوا بنبوّته، وقيادته اقتضى إيمانهم أن يسمعوا له ويطيعوا أمره ( فلا يشركوا ولا يزنوا ) ويحفظوه وينصروه، ولكنّهم أظهروا هذا السمع والطاعة وأكّدوهما عن طريق المبايعة معه(٣) .

__________________

(١ و ٢) سيرة ابن هشام ١: ٤٣١، ٤٣٨.

(٣) لاحظ للوقوف على تفصيل هاتين البيعتين، السيرة النبويّة لابن هشام وصحيح البخاري.

٢٣٨

إنّ الموارد التي بايع فيها المسلمون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جميعاً أو فرادى، لا تنحصر في هذين الموردين، بل هي أكثر من ذلك، وفي جميع تلك الموارد يبدو جليّاً أنّ المبايعين كانوا ـ بعد أن يؤمنوا بنبوّة النبيّ ويعترفوا بقيادته وزعامته ـ يصبّون ما يلازم ذلك الإيمان، من الالتزام بأوامر الرسول وإطاعته في قالب ( البيعة )، فكانت البيعة صورةً عمليّةً للالتزام النفسيّ بأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الإقرار بنبوّته والاعتراف المسبق بزعامته.

ولو أمعن القارئ الكريم في تفاصيل الموارد التي بايع فيها المسلمون كلهم أو بعضهم ( النبي ) لوجد، أنّ البيعة لم تعن الاعتراف بزعامة الرسول ورئاسته فضلاً عن نصبه وتعيينه، بل كانت لأجل التدليل على ذلك الاعتراف والتأكيد العمليّ على الالتزام بلوازم الإيمان المسبق بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولذلك نجد النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: « فإن آمنتم بي فبايعوني على أن تطيعوني، وتصلُّوا وتزكُّوا »(١) .

« وأن تدفعوا عنّي العدوّ حتّى الموت(٢) ، ولا تفروا من الحرب »(٣) .

وصفوة القول: أنّ من يلاحظ هذه المضامين، يمكن أن يحدس بأنّ الهدف من البيعة لم يكن هو الاعتراف بمنصب المبايع وانتخابه وتعيينه لمقام الحكومة والولاية، بل هو ميثاق بين شخصين وهي تندرج تحت قوله سبحانه:( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ( المائدة: ١ ).

وقوله سبحانه:( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً ) ( الإسراء: ٣٤ ).

فيجب العمل بمفادها ويحرم نقضها ونكثها.

يقول الإمام أمير المؤمنين في الحث على الوفاء بالبيعة: « وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم »(٤) .

ومن مراجعة خطب الإمام عليّعليه‌السلام وكلماته في نهج البلاغة، يتضح أنّ

__________________

(١) صحيح البخاري: كتاب الإيمان.

(٢) مسند أحمد ٤: ١٥.

(٣) مسند أحمد ٣: ٢٩٢.

(٤) نهج البلاغة: الخطبة (٣٤).

٢٣٩

نكث البيعة إنّما هو نقض للميثاق لا سواه، وأنّ نكث البيعة من الذنوب الكبيرة، لا أنّه عزل للحاكم، وإزاحته عن منصب الولاية.

ولو جعل البعض ( البيعة ) إحدى الطرق لتعيين الإمام، فليس إلّا لأحد سببين هما :

الأوّل: أنّ البيعة كانت تقليداً من تقاليد العرب قبل الإسلام، حيث كان رائجاً بينهم إذا مات منهم أمير أو رئيس عمدوا إلى (شخص ) فأقاموه مكان الراحل بالبيعة.

الثاني: أنّ تعيين بعض الخلفاء بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بهذا الطراز في الظاهر، وإن كان على غير ذلك في الباطن، فإنّ الظاهر هو أنّ خلافة أبي بكر تمّت في السقيفة، وانتهى كلّ شيء هناك، ثمّ أريد من بقية الناس ـ بعد السقيفة ـ أن يبايعوا أبا بكر، لتعميم نفوذه. فكانت بيعتهم للخليفة بمثابة التأييد والتسليم لما تمّ في السقيفة قبلاً، وكانت خلافة عثمان قد تمت وتحققت بالشورى فكانت البيعة بعد الشورى تنفيذاً لقرارها. وإمضاءً، لا اختياراً وانتخاباً شعبياً.

والحاصل، أنّه ليس هناك دليل تأريخيّ ولا شرعيّ يدلّ على كون مجرّد ( البيعة ) إحدى الطرق لتعيين الخليفة ونصبه، بغض النظر عن أيّة مواصفات أو ضوابط اُخرى.

ولأجل ذلك، إذا راجعنا موارد البيعة التي تمّت في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجدنا، أنّها لم يكن القصد من بيعة المبايعين هو ( تعيين الحاكم )، بل كان إمّا إعطاءً لميثاق الوفاء لما يأمر به النبيّ، أو كان إضهاراً للتأييد المجدد في الحوادث الجلل التي وقعت في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما حدث في الحديبيّة.

ولو غضضنا الطرف عن كلّ هذا لوجب أن نقول: إنّ البيعة هي إحدى الطرق لتعيين الحاكم والرئيس، وليس الطريق الوحيد. وفي هذه الصورة تكون ( البيعة ) متّحدةً ـ من حيث المفهوم ـ مع ما ذكرناه حول تأسيس الدولة، ومن ضرورة انبثاقها عن رضا الاُمّة وناشئةً عن إرادتها، غاية ما في الأمر أنّ البيعة [ التي تتحقّق بصفق اليد ] تشتمل مضافاً إلى رضا الاُمّة، على ما يقوّي مركز الإمام والقائد والحاكم، لما فيها من إبراز الولاء

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400