تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء10%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125191 / تحميل: 5205
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

لأنّا نقول: الفرق بينهما أنّا إذا صحّحنا أبطلنا محلّ الجناية ، فضمن المبطل بالأرش ، وفي مسألتنا محلّ الجناية باقٍ ، والجناية لا تنافي الرهن ، ولهذا إذا جنى بعد ما رهن ، تعلّقت به الجناية ، ولم يبطل الرهن.

وأمّا إذا قلنا : لا يصحّ الرهن ، فإن فداه السيّد أو برئ من الجناية ، لم يصر رهناً حتى يبدأ رهنه.

قال الشافعي : ولا فرق بين أن يكون الأرش درهماً والعبد يساوي أُلوفاً أو غير ذلك(١) .

وإنّما كان كذلك ؛ لأنّ اليسير يتعلّق بجميعه كتعلّق الكثير ، ألا ترى أنّه لو رهنه عبداً بدرهم يسوي أُلوفاً ، لم يجز رهنه بشي‌ءٍ آخَر عند غيره قولاً واحداً ، وكذا الجنابة أيضاً.

مسألة ١٢٨ : يصحّ رهن المدبَّر عند علمائنا ؛ لأنّ التدبير عندنا وصيّة وللموصي الرجوع في وصيّته ، وكذا المدبِّر له الرجوع في تدبيره ، وإذا صحّ الرهن ، بطل التدبير ؛ لأنّ ذلك رجوع فيه.

والشافعيّة اختلفوا في هذه المسألة على ثلاث طرق :

منهم مَنْ قال : إنّما يكون الرهن مفسوخاً على القول الذي يقول : إنّ التدبير [ تعليق ](٢) عتقٍ بصفة لا يصحّ الرجوع فيه ، فأمّا إذا قلنا : إنّه وصيّة ، صحّ الرهن ، وكان رجوعاً عن التدبير ، كما إذا أوصى به لزيد ثمّ رهنه ، فإنّه يكون رجوعاً عن الوصيّة ، ويصحّ الرهن.

ومنهم مَنْ قال : يكون الرهن مفسوخاً على القولين ؛ لأنّ السيّد قد يموت فجأةً ، فيبطل مقصود الرهن ، ولا يعلم وقت موته حتى يُباع قبله.

____________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٢٨٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

١٦١

ولأنّ الشافعي قال في الاُمّ : « ولو دبّره ثمّ رهنه ، كان الرهن مفسوخاً ، ولو قال : رجعت عن التدبير ثمّ رهنه ، ففيها قولان »(١) . وهذا نصٌ في أنّه‌ قبل أن يرجع فيه لا يصحّ الرهن قولاً واحداً.

قال هذا القائل : وإنّما كان كذلك لأنّ الرهن ليس بصريح في الرجوع عن التدبير ، فلم يكن رجوعاً ، ويفارق سائر الوصايا حيث كان الرهن رجوعاً عنها ؛ لأنّ التدبير وإن قلنا : إنّه وصيّة فإنّه آكد وأقوى منها ؛ لأنّه عتق يتنجّز بالموت ، وقد يكون بعض الوصايا آكد من بعض ، فيقدّم بعضها على بعض.

ومنهم مَنْ قال : يصحّ الرهن ، ويكون التدبير بحاله ؛ لأنّ الشافعي قال : ما جاز بيعه جاز رهنه(٢) ، والمدبَّر يجوز بيعه. ولأنّ التدبير لا ينافي الوثيقة ؛ لأنّه لا يمنع من البيع عند محلّ الحقّ.

قال : وقول الشافعي : « يكون الرهن مفسوخاً » أراد به إذا امتنع الراهن من بيعه والرجوع في التدبير ، فإنّه يحكم بانفساخ الرهن.

وبيان ذلك : أنّ على هذه الطريقة يكون رهناً براً ، فإن قضاه الراهن من غيره ، كان العبد مدبَّراً. وإن باعه في الدَّيْن ، بطل التدبير.

وإن امتنع من بيعه ومن الرجوع في التدبير ، فإن كان له مالٌ غيره ، قضي الدَّيْن منه ، واُجبر عليه.

وإن لم يكن له مالٌ ، قال أبو إسحاق من الشافعيّة : فيه وجهان :

أحدهما : يُباع عليه ، وينفسخ التدبير.

____________________

(١) الأُمّ ٣ : ١٥٨.

(٢) الأُمّ ٣ : ١٤٩ ، مختصر المزني : ٩٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١.

١٦٢

والثاني : يُحكم بفساد الرهن(١) .

وهذا الوجه الذي تأوّل به صاحب هذه الطريقة كلامَ الشافعي - وهو قوله : « وكان الرهن مفسوخاً » - وحَمَله عليه ليس(٢) بصحيح ؛ لأنّه إذا صحّح رهنه ، لم يجز أن يحكم بفساده بامتناع الراهن عن بيعه ، بل يجب بيعه بحكم الرهن ولزومه.

والطريقة الأوّلة أصحّ في القياس ؛ لأنّ في كون التدبير وصيّةً أو تعليقَ عتقٍ بصفة قولين معروفين ، وقضيّة كونه وصيّةً صحّة الرهن.

والثانية ظاهر كلامه ؛ لأنّ كلامه في الاُمّ كالصريح في القطع بالمنع ؛ لأنّه قال : « ولو دبّره ثمّ رهنه ، كان الرهن مفسوخاً ، ولو قال : رجعت عن التدبير ، ثمّ رهنه فقولان »(٣) فخصّ القولين بما بعد الرجوع.

والثالثة مخالفة لقوله وللقياس(٤) .

والمزني اختار أنّ الرهن يصحّ ، ويبطل التدبير كما ذهبنا نحن إليه - لأنّ التدبير عنده وصيّة - كما قلناه - وقد ثبت أنّه لو أوصى بعبده ثمّ رهنه ، بطلت الوصيّة ، وأنّ الشافعي قال : « لو دبَّر عبده ثمّ قال له : إن أعطيت ورثتي كذا بعد موتي فأنت حُرٌّ ، كان رجوعاً في التدبير ».

قال : ولأنّ الشافعي قال : « لو دبَّر عبده ثمّ وهبه هبة بتاتٍ ، بطل التدبير ، أقبضه في التدبير أو لم يقضه » والرهن كالهبة قبل القبض(٥) .

والجواب : أنّ الذين قالوا : إنّه يصحّ الرهن على القول الذي يقول :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٨.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة: « وليس ». والصحيح ما أثبتناه بدون الواو.

(٣) الأُم ٣ : ١٥٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٩.

(٥) مختصر المزني : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٠٦ ، وانظر أيضاً : الأُمّ ٨ : ١٨.

١٦٣

إنّه وصيّة لا يلزمهم ذلك ، ويحملون كلام الشافعي - الذي حكاه في العتق على أنّه على هذا القول قاله.

ومَنْ قال : لا يصحّ الرهن على القولين فقد ذكرنا فرقة بين التدبير وسائر الوصايا.

فأمّا ما حكاه من مسألة الهبة فمن أصحابنا مَنْ يقول : إذا قلنا : التدبير وصيّة ، صحّت الهبة، وكان رجوعاً عن التدبير. وإذا قلنا : إنّه [ تعليق ](١) عتق بصفة ، لم يكن ذلك مبطلاً للتدبير.

ومنهم مَنْ قال : يكون مبطلاً للتدبير على القولين ؛ لأنّ الهبة تنقل الملك إذا انضمّ إليها القبض ، فكانت أقوى من الرهن ؛ لأنّه لا يفضي - عنده - إلى إزالة الملك ، فافترقا(٢) .

واعلم أنّ عامّة الشافعيّة مالوا إلى ترجيح بطلان الرهن ؛ لأنّ العتق مستحقّ بالتدبير ، فلا يقوى الرهن على دفعه. والجويني اختار الصحّة ، أمّا على قول إنّه وصيّة : فظاهر. وأمّا على قوله إنّه تعليق عتقٍ بصفة : فلأنّه مع ذلك محسوب من الثلث ، بخلاف العتق المعلّق(٣) النازل في حياة المعلِّق ، والدَّيْن محسوب من رأس المال ، ولو مات يخلّف إلّا هذا العبد والدَّيْن مستغرق ولا رهن ، لصرفناه إلى الدَّيْن ، ولم نبال باندفاع العتق ، فلا معنى لمنعه من الرهن لغرض العتق(٤) .

مسألة ١٢٩ : لو رهن عبده ثمّ دبَّره ، قال الشيخرحمه‌الله : يبطل التدبير ؛ لأنّه

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ١٠٦ - ١٠٧.

(٣) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « المطلق » بدل « المعلّق ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٩.

١٦٤

ليس له التصرّف فيه(١) .

والوجه : أن يقال : يقع موقوفاً ، فإن أجاز المرتهن ، صحّ التدبير ، ويكون حكمه أنّه لو مات المالك قبل الرجوع في التدبير ، عُتق من الثلث. ولو قصر الثلث أو لم يكن سواه ، بيع إمّا كلّه ، أو ما يقوم بباقي الدَّيْن ، أو جميعه ، ويبطل التدبير ، كما لو لم يكن رهناً.

ولو لم يجز المرتهن ، احتُمل بطلان التدبير ، وعدمُه ؛ لأنّه تصرّف في الرهن وقد مُنع المتراهنان من التصرّف في الرهن ، وكون هذا التصرّف غير مضرّ بالمرتهن ، فإنّ للمرتهن أن يبيعه في الدَّيْن ، وحينئذٍ يبطل التدبير. ولو لم يبعه وطلب الدَّيْن من باقي التركة ، كان له ذلك ، فإن وفت التركة بالدَّيْن ، قضي منها ، وعُتق المدبَّر من الثلث ، ولا يُجبر المرتهن على ذلك.

وهذا كلّه إذا كان الرهن قد اقترن به الإقباض أو لم يقترن به وقلنا : إنّ الرهن يلزم من عدم الإقباض ، وأمّا إن شرطنا في لزومه الإقباض فدبَّره قبل الإقباض ، بطل الرهن ؛ لأنّه جائز ، وإذا تصرّف تصرّفاً يخالفه ، بطل.

ويُحتمل الصحّة.

وقال الشافعي في الاُمّ : لو رهنه ولم يقبضه ثمّ دبَّره أو باعه أو أصدقه أو وهبه ، بطل الرهن(٢) .

قال الربيع من أصحابه : وفيه قولٌ آخَر : إنّ التدبير يصحّ ، والرهن بحاله(٣) .

وقال باقي الشافعيّة : إنّ قول الربيع من نفسه ، وليس فيها إلّا قولاً

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٣٩ ، المسألة ٣٣.

(٢) الاُمّ ٣ : ١٣٩ ، وانظر : حلية العلماء ٤ : ٤١٣ ، والتهذيب للبغوي ٤ : ١٥.

(٣) الاُمّ ٣ : ١٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥.

١٦٥

واحداً(١) .

وأمّا إن كان بعد الإقباض ، قال الشافعي في الاُمّ : يكون التدبير موقوفاً(٢) ، يريد به أنّ التدبير يصحّ ؛ لأنّ الرهن لا ينافيه.

ثمّ يُنظر فإن انفكّ من الدَّيْن قبل موت سيّده ، فهو مدبَّر.

وإن حلّ الحقّ فإن قضاه الراهن من غيره ، كان مدبَّراً. وإن باعه في الدَّيْن ، بطل التدبير. امتنع من بيعه ومن الرجوع إلى التدبير فإن كان له مال ، قضي منه ، وإلّا بِيع عليه.

وإن مات قبل حلول الحقّ ، فقد حلّ الحقّ بالموت ، ووجب العتق من الثلث.

ثمّ يُنظر فإن خلّف تركةً تفي بالدَّيْن منها ، وعُتق المدبَّر من الثلث. وإن لم يكن غيره ، فإن كان الدَّيْن يستغرق قيمته ، بِيع فيه. وإن كان له بقدر بعضه ، بِيع بقدر الدَّيْن ، وكان عتق الباقي وصيّةً يقف على إجازة الورثة فإن لم يجيزوا ، عُتق ثلث الباقي.

وقال بعض الشافعيّة : عندي أنّ تدبير المرهون يبنى على القولين في عتقه ؛ لأنّ التدبير سبب من أسباب العتق(٣) .

واستبعده بعضهم ؛ لأنّ نصّ الشافعي بخلافه. ولأنّ العتق يُبطل حقّ المرتهن من غير الرهن ؛ لأنّه يمنع من بيعه ، والتدبير لا يمنع البيع ، فلا يبطل حقّ المرتهن ، فاختلفا(٤) .

واعلم أنّ بين القول ببطلان الرهن لو وقع التدبير قبل الإقباض ؛

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥.

(٢) الاُمّ ٣ : ١٥٨ ، وانظر : حلية العلماء ٤ : ٤٢٠.

(٣ و٤ ) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

١٦٦

للتنافي بينهما ، وبين صحّته لو كان بعد الإقباض ؛ لعدم التنافي بينهما لا يخلو من مناقضةٍ مّا. وباقي كلام الشافعي موافق لمذهبنا.

مسألة ١٣٠ : لا يصحّ تعليق العتق بالوصف عند علمائنا أجمع على ما يأتي إن شاء الله تعالى ، فلو قال لعبده : إن دخلت الدار فأنت حُرٌّ ، لم يصح ‌عندنا ، خلافاً للعامّة ، فإنّهم قالوا بصحّته(١) .

فعلى قولنا لو علّق العتق على الصفة ثمّ رهنه ، صحّ الرهن عندنا ، سواء وُجدت الصفة أو لم توُجد ؛ لبطلان العتق.

وقالت الشافعيّة : رهن المعلّق عتقُه بصفةٍ تصوُّره(٢) على وجوه :

أحدهما : أن يرهن بدَيْنٍ حالّ أو مؤجَّل يتيقّن حلوله قبل وجود الصفة ، مثل أن يقول : إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ ، ثمّ يرهنه بحقٍّ حالّ ، أو يحلّ قبل ذلك ، فإنّ الرهن صحيح قولاً واحداً ؛ لأنّ بيعه ممكن عند محلّ الحقّ ، ويُباع في الدَّيْن.

فإن لم يتّفق بيعه حتى وُجدت الصفة ، فيبنى على القولين في أنّ [ أمر ](٣) الاعتبار في العتق المعلّق بحالة التعليق أو بحالة وجود الصفة؟ فإن قلنا بالأوّل ، عُتق ، وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن كان جاهلاً. وإن قلنا بالثاني ، فهو كإعتاق المرهون ، وسيأتي.

والثاني : أن يرهن بدَيْن مؤجَّل يتيقّن وجود الصفة قبل حلوله ، مثل أن يعلّق عتقه بشهر ومحلّ الدَّيْن بعد ذلك ، فإنّ الرهن فاسد قولاً واحداً.

____________________

(١) المغني ١٢ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ١٢ : ٢٧١.

(٢) بدل « تصوّره » في « ث » الطبعة الحجريّة : « يصدر ». وفي « ج ، ر » : « تصوّر ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

١٦٧

ومن الشافعيّة مَنْ خرّج منه قولاً آخَر من قول الشافعي في الثمرة والطعام إذا رهنه إلى محلٍّ يفسد قبله.

وقال غيره : هذا ليس بصحيح ؛ لأنّ الطعام ؛ لأنّ الطعام الرطب الظاهر من جهة الراهن بيعه إذا خشي تلفه ، وجعل ثمنه رهناً ، وهنا له غرض في‌ حصول العتق ، فافترقا.

وقال بعض الشافعيّة : فيه طريقان ، أحدهما : أنّه على القولين في رهن ما يتسارع إليه الفساد ، فعلى قولٍ يُباع إذا قرب أوان وجود الصفة ، ويُجعل ثمنه رهناً.

قال الجويني : هذا إنّما ينتظم إذا قلنا بنفوذ العتق المعلّق قبل الرهن عند وجود الصفة حالة الرهن ، أمّا إذا لم نقل بذلك ، فلا يخاف تسارع الفساد إليه وفوات الوثيقة ، فيُوجّه الخلاف بشي‌ءٍ آخَر ، وهو : أنّ الرهن هل يصلح دافعاً(١) للعتق المستحقّ بالتعليق؟ فتارة : نقول : نعم كالبيع ، واُخرى نقول : لا ؛ لضعفه.

والطريق الثاني وهو المشهور - : القطع بالمنع ؛ لفوات مقصود الرهن قبل المحلّ ، وليس ذلك كرهن ما يتسارع إليه الفساد ؛ لأنّ الظاهر من حال صاحب الطعام الرضا بالبيع عند خوف الفساد لئلّا يضيع ، فالظاهر من حال المعلّق أيضاً العتق(٢) ، وقد تقدّم.

والثالث : أن يجوز تقدّم الصفة على حلول الدَّيْن وبالعكس ، ولا يتيقّن أحد الأمرين ، مثل أن يقول : إذا قام زيد فأنت حُرٌّ ، أو : إذا دخلت الدار ، أو كلّمت فلاناً.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « رافعاً ». والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) كذا ، وفي « العزيز شرح الوجيز » : « والظاهر من حال المعلّق إمضاء العتق ».

١٦٨

قال أبو علي من الشافعيّة : لا يجوز قولاً واحداً ؛ لأنّه عقد الرهن على غرر.

وقال أبو حامد : في ذلك قولان.

قال القاضي أبو الطيّب : إنّ القول الآخَر مخرَّج من صحّة رهن المدبَّر‌ إذا قلنا : إنّ التدبير [ تعليق ](١) عتق بصفة.

قال : وليس بصحيح ؛ لأنّ المدبَّر يُعتق بموت السيّد ، والظاهر بقاء الحياة ، كما صحّ رهن الحيوان وإن جاز أن يموت ، وهنا ليس لوجود الصفة قبل المحلّ أو بعده ظاهرٌ ، فهو غرر لا حاجة إليه(٢) .

وقال أبو حنيفة : إنّ الرهن صحيح ؛ لأنّ ما جاز بيعه رهنه إذا كان محرزاً ، كسائر الأعيان. ولأنّ الأصل استمرار الرقّ(٣) .

مسألة ١٣١ : قد عرفت أنّ مذهبنا بطلان العتق المعلَّق على الوصف ، أمّا لو نذر عتقه ، فإنّه يصحّ إجماعاً ، سواء علّقه على وقت أو وصف ، مثل أن يقول : لله علَيَّ أن اُعتق عبدي هذا إن جاء ، أو : إذا دخل الشهر ، أو أطلقه ، مثل أن يقول : لله علَيَّ أن اُعتق هذا العبد ، أو قيّده(٤) بالتعجيل ، مثل أن يقول : لله علَيَّ أن اُعتق هذا العبد الآن.

وعلى كلّ واحدٍ من هذه التقادير الثلاثة فإنّ ملكه لا يخرج عنه بهذا النذر ، بل بنفس الإعتاق. فحينئذٍ نقول : إن أطلق النذر ، تعلّق بذمّته مقتضاه ، ووجب عليه العتق.

____________________

(١) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٩ - ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩١.

(٣) المغني ٤ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٠.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « قيّد ». والظاهر ما أثبتناه.

١٦٩

وهل يجب في الحال؟ الأقرب : المنع ، بل الأقرب : أن يكون وقته العمر ، كالواجبات الموسّعة.

وإن قلنا : إنّ الأمر للفور ، وجب عتقه معجّلاً ، فيكون حكمه حكم المعلَّق بالتعجيل.

وحكم القول الأقوى حكم النذر المعلّق بالأجل أو الوصف ، إلّا في شي‌ء واحد ، هو أنّ [ في ](١) المطلق يتعلّق وجوب العتق بذمّة الناذر في الحال الوجوبَ الموسَّع ، وفي المقيّد لا يجب.

فلو مات العبد في النذر المطلق أو المقيّد بالتعجيل قبل عتقه ، فإن كان الناذر قد تمكّن من عتقه بعد النذر ، وجب عليه الكفّارة ؛ لخلف النذر ، وإن لم يتمكّن ، لم يجب عليه شي‌ء.

ولو مات(٢) في النذر المقيّد قبل حصول الوصف أو الوقت ، لم يجب عليه شي‌ء ، سواء قلنا : إنّه يجزئه عتقه قبل الوقت أو لا ؛ لأنّ الوجوب يُقيّد بوقتٍ أو وصفٍ ولم يحصل القيد.

ولو قتله مولاه قبل عتقه ، فالأقرب : وجوب الكفّارة في الأقسام الثلاثة.

أمّا في المطلق والمعجّل : فظاهر.

وأمّا في المقيّد بالأجل : فلأنّه فوّت محلّ العتق ، فكانت مخالفة النذر بسببه اختياراً.

وإذ قد تمهّدت هذه المسائل ، فنقول : إن كان النذر مطلقاً أو مقيّداً بالتعجيل ، لم يجز له رهنه ؛ لوجوب تعلّق حقّ العتق به ، ووجوب إخراجه

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٢) في « ج ، ر » : « ولو مات العبد ».

١٧٠

عن ملكه ، فينافي جواز رهنه الذي يقتضي وجوب إبقائه في دَيْن المرتهن محفوظاً عليه حتى يستوفي منه أو من غيره.

وإن كان مقيّداً بالوقت أو الوصف ، فالأقرب : جواز رهنه.

وهل يُباع لو حلّ الدَّيْن قبل الوصف؟ الأولى : المنع ؛ لأنّه وإن‌لم يخرج عن ملكه بالنذر إلّا أنّه تعلّق به حقٌّ لله تعالى ، وبيعه مبطل لذلك الحقّ.

مسألة ١٣٢ : لا يصحّ رهن المكاتَب ، عند علمائنا ، سواء كانت الكتابة مشروطةً أو مطلقةً ؛ لأنّها عقد لازم لا يمكن استيفاء الدَّيْن منه ، لأنّه لا يصحّ بيعه ، وبه قال الشافعي وابن المنذر ؛ لأنّ استدامة القبض في الرهن شرط ولا يمكن ذلك في المكاتب(١) .

وقال مالك : يصحّ رهنه ؛ لأنّه يجوز بيعه وإيفاء الدَّيْن منه ، فعلى هذا يكون ما يؤدّيه في نجوم كتابته رهناً معه ، فإن عجز ، ثبت الرهن فيه وفي مال الكتابة ، وإن عُتق ، كان ما أدّاه من نجومه رهناً بمنزلة ما لو تكسّب العبد القنّ ثمّ مات(٢) .

والحقّ ما قلناه.

نعم ، لو كانت الكتابة مشروطةً وعجز ، فإنّه يصحّ رهنه ؛ لأنّ للمالك حينئذٍ فسخَ الكتابة ، وقد يكون الرهن فسخاً لها ، والأقرب ذلك.

مسألة ١٣٣ : إذا رهن الثمرة على الشجرة منضمّةً مع اُصولها ، صحّ

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٩٥ / ٢٠١٢ ، المغني ٤ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٠ - ٤٠١.

(٢) المغني ٤ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠١.

١٧١

عندنا ، سواء كان يمكن تجفيفها أو لا ، وسواء بدا صلاحها أو لا ، وسواء كان الدَّيْن حالّاً أو مؤجَّلاً ؛ لأنّ الثمرة يصحّ بيعها مطلقاً - على ما تقدّم(١) في باب البيع - فصحّ رهنها كذلك ، خصوصاً وقد انضمّت إلى اُصولها.

وكذا لو رهنها منفردةً عن اُصولها ؛ لما تقدّم.

وقالت الشافعيّة : إن رهنها منضمةً مع الاُصول ، فإن كانت الثمرة ممّا يمكن تجفيفها ، صحّ الرهن ، سواء بدا صلاحها أو لا ، وسواء كان الدَّيْنُ حالّا أو مؤجَّلاً.

وإن كانت ممّا لا يمكن تجفيفها وقلنا بالمنع من صحّة رهن ما يتسارع إليه الفساد ، فطريقان :

أشبههما عندهم : أنّه لا يصحّ في الثمار ، وفي الأشجار قولا تفريق الصفقة.

والثاني : يصحّ فيهما(٢) قولاً واحداً ، وتكون الثمار تابعةً للأشجار.

وإن رهنها منفردةً عن الاُصول ، فإن كانت(٣) ممّا لا يمكن تجفيفها ، فهو كرهن ما يتسارع إليه الفساد على وجه الأرض إن كان الدَّيْن(٤) حالّاً ، أو كانت لا تفسد إلى حلوله ، صحّ الرهن.

وإن أمكن تجفيفها ، فإمّا أن يرهن قبل بدوّ الصلاح أو بعده.

فإن رهنها قبل بدوّ الصلاح ، فإن رهنها بدَيْنٍ حالّ وشرط قطعها وبيعها ، أو بيعها بشرط القطع ، جاز. وإن أطلق ، فقولان :

____________________

(١) في ج ١٠ ، ص ٣٥٩ - ٣٦٠ ، المسألة ١٦٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « فيها » بدل « فيهما ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « كان ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « الرهن » بدل « الدين ». والظاهر ما أثبتناه.

١٧٢

أحدهما : لا يجوز ، كما لا يجوز بيعها مطلقاً.

وأصحّهما : الجواز ؛ لأنّ حقّ المرتهن لا يبطل باجتياحها ، وحقّ المشتري يبطل. وأيضاً فإنّ الحلول قرينة يتنزّل منزلة شرط القطع. ولأنّ استحقاق البيع يوجب قطعها ، فأشبه شرط القطع.

وإن كان الدَّيْنُ مؤجَّلاً ، فإن كان يحلّ مع بلوغ الثمار أوان إدراكها أو بعده ، جاز ، كما لو كان حالّاً. وإن كان يحلّ قبل بلوغها وقت الإدراك ، فإن شرط قطعها عند المحلّ ، كان بمنزلة البقول ، وقد أطلق الشافعيّة جواز ذلك.

وللشافعيّة طريقان : منهم مَنْ طرد القولين. ووجه المنع : الشبه(١) بما إذا باع بشرط القطع بعد مدّة. ومنهم مَنْ قطع بالجواز.

وإن كان مطلقاً ، ففيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّه لا يصحّ ، كما لا يصحّ البيع. ولأنّ العادة في الثمار الإبقاء إلى الإدراك ، فأشبه ما لو رهن على أن لا يبيعه عند المحلّ إلّا بعد أيّام.

والثاني : أنّه يصحّ ؛ لأنّ البيع إنّما لم يصحّ لما فيه من الغرر ، وليس في الرهن غرر ، ولا يتلف إن تلف من مال صاحبه. ولأنّ مقتضى الرهن البيع عند المحلّ ، فكأنّه شرط بيعه عند المحلّ.

والثالث - نقله المزني - : أنّه إن شرط القطع حال المحلّ ، صحّ. وإن أطلق ، لم يصح ؛ لأنّ إطلاقه يقتضي بقاءه إلى حال الجذاذ ، وذلك يقتضي تأخير الدَّيْن عن محلّه ، فلا يحتاج إلى الشرط.

وما تقدّم للقول الآخَر من انتفاء الغرر فليس بصحيح.

____________________

(١) في « العزيز شرح الوجيز » : « التشبيه ».

١٧٣

ولأنّ وثيقة المرتهن تبطل بذلك ، ويلزم عليه الرهن المجهول ، فإنّه لا يصحّ وإن لم يكن فيه إلّا جهالة الوثيقة وقد جرت مجرى جهالة الملك.

قال أبو إسحاق : والصحيح أنّه بمنزلة البيع ، وقد نصّ عليه الشافعي في كتاب التفليس.

وإن رهنها بعد بدوّ الصلاح ، جاز بشرط القطع ومطلقاً إن رهنها بدَيْنٍ حالّ أو مؤجَّل في معناه. وإن رهنها بمؤجَّل يحلّ قبل بلوغها أوان إدراكها ، فعلى ما تقدّم في القسم الأوّل(١) .

فروع :

أ - إذا رهن الثمار على الأشجار وصحّ الرهن ، كانت مؤونة السقي والجذاذ والتجفيف على الراهن دون المرتهن. وإن لم يكن له شي‌ء ، باع الحاكم جزءاً منها وأنفقه عليها.

ولو توافق الراهن والمرتهن على ترك السقي ، جاز ، بخلاف علف الحيوان.

وقال بعض الشافعيّة : يُجبر عليه ، كما يُجبر على علف الحيوان(٢) .

ب - لو أراد الراهن أو المرتهن قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ ، فلآخَر منعه ، وبعد [ أوان ](٣) الجذاذ ليس له ذلك ، بل يُباع في الدَّيْن إن حلّ ، وإلّا أمسكه رهناً.

ج - الشجرة التي تثمر في السنة مرّتين يجوز رهن ثمرتها الحاصلة

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٠ - ٤٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩١ - ٢٩٢ ، وانظر : الحاوي الكبير ٦ : ٢٣٤ - ٢٣٥ ، وحلية العلماء ٤ : ٤٣٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

(٣) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ». وبدلها في « روضة الطالبين » : « وقت ».

١٧٤

بالدَّيْن الحالّ والمؤجل الذي يحلّ قبل خروج الثمرة الثانية أو قبل اختلاطها بالاُولى.

فإن شرط أن لا تُقطع عند خروج الثانية ، لم يصح ؛ لأنّه لا يتميّز عند محلّ الحقّ ممّا ليس برهن.

وإن شرط قطعها ، صحّ.

وإن أطلق ، فللشافعيّة قولان :

فإن صحّحنا أو(١) رهن بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتى حصل الاختلاط ، ففي بطلان الرهن قولان كالقولين في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض ؛ لأنّ المرتهن إنّما يتوثّق بعد القبض ، فهو والمرهون عنده كالبائع والمبيع محبوس عنده ، فإن قلنا : يبطل الرهن ، فكذلك ، وإن قلنا : لا يبطل ، فلو اتّفق قبل القبض ، بطل(٢) .

وللشافعيّة فيه وجهٌ آخَر(٣) مضى نظيره فيما إذا تخمّر العصير قبل القبض.

وإذا لم يبطل فلو رضي الراهن بأن يكون الكلّ رهناً أو توافقاً على أن يكون النصف من الجملة مثلاً رهناً ، فذاك.

وإن تنازعا في قدر المرهون ، فالقول قول الراهن مع يمينه ، كما لو اختلطت الحنطة المرهونة بحنطة أُخرى للراهن.

وقال المزني : القول قول المرتهن مع يمينه ؛ لأنّ اليد له ، كما لو تنازعا في ملكٍ(٤) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « أنّه » بدل « أو ». والصحيح ما أثبتناه ، كما في المصدر أيضاً.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

١٧٥

وأجاب باقي الشافعيّة بأنّ اليد تدلّ على الملك دون الرهن ، كما لو‌ قال مَنْ في يده المال : رهنتنيه ، وأنكر المالك ، كان القول قوله(١) .

وقال بعضهم في مسألة الحنطة : إنّ طرد الخلاف محتمل ؛ لتعذّر الفرق(٢) .

د - لو رهن زرعاً بعد اشتداد الحَبّ أو قبله ، صحّ عندنا ؛ لأنّه مال مقوِّم ينتفع به فصحّ رهنه ، كما صحّ بيعه.

وقالت الشافعيّة : إذا رهن الزرع بعد اشتداد الحَبّ ، نُظر إن كان تُرى حَبّاته في السنبلة ، صحّ ، وإلّا فقولان ، كما في البيع. والأصحّ عندهم : المنع(٣) .

ولو رهنه وهو بَقْلٌ ، فهو كما لو رهن الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

وقال بعضهم : إذا كان الدَّيْن مؤجَّلاً ، لم يجز قولاً واحداً وإن صرّح بشرط القطع عند المحلّ ؛ لأنّ الزرع لا يجوز بيعه إذا تسنبل عندهم ، وقد يتّفق الحلول في تلك الحال. ولأنّ زيادة الزرع بالطول ، فهي كثمرة تحدث وتختلط بالمرهون ، وزيادة الثمرة بكبر الحَبّة ، فهي كالسمن(٤) .

البحث الرابع : في الحقّ المرهون به‌

مسألة ١٣٤ : يشترط في المرهون به اُمور ثلاثة : أن يكون دَيْناً ثابتاً في الذمّة حالة الرهن لازماً ، فلا يصحّ الرهن على الأعيان التي ليست مضمونةً ،

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٩ ٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

١٧٦

كالوديعة والعارية غير المضمونة والمستأجرة وغير ذلك من الأمانات ؛ لأنّها‌ ليست ثابتةً في الذمّة عيناً ولا قيمةً.

أمّا الأعيان المضمونة في يد الغير إمّا بحكم العقد - كالمبيع - أو بحكم ضمان اليد - كالمغصوب والمستعار المضمون والمأخوذ على جهة السوم وكلّ أمانة فرّط فيها وبقيت بعينها فالأقوى جواز الرهن عليها ، وبه قال مالك(١) .

وقال أبو حنيفة : كلّ عين كانت مضمونةً بنفسها جاز أخذ الرهن بها ، يريد ما يُضمن بمثله أو قيمته ؛ لأنّ المبيع يجوز أخذ الرهن به ؛ لأنّه مضمون بفساد العقد(٢) .

ويجوز أخذ الرهن بالمهر وعوض الخلع ؛ لأنّه يُضمن بمثله أو قيمته ، وكذلك الصلح عن دم العمد ؛ لأنّه يمكن استيفاء القيمة من الرهن ، فصحّ أخذ الرهن به.

ومَنَع الشافعي من أخذ الرهن على الأعيان المضمونة ، كالغصب والثمن المعيّن والاُجرة المعيّنة ؛ لأنّ العين قبل هلاكها في يده لا تثبت في الذمّة ، فلا يصحّ أخذ الرهن بذلك كالمبيع. ولأنّه إن رهنه على قيمتها إذا تلفت ، فهو رهن على ما ليس بواجب ، ولا يُعلم إفضاؤه إلى الوجوب ، وإن أخذ على عينها ، لم يصح ؛ لأنّه لا يمكن استيفاء عينها من الرهن. ولأنّ غرض الرهن بيع المرهون واستيفاء الحقّ من ثمنه عند الحاجة ، ويستحيل

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٧ - ٤٥٨ ، المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٧.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٤٠ - ٤١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨١.

١٧٧

استيفاء تلك الأعيان من ثمن المرهون(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الاستيفاء إنّما يكون مع الحاجة ، مع وجود العين والتمكّن من أخذها لا حاجة إلى البيع ، وعند عدمها أو تعذّر أخذها على مالكها تجب القيمة ، ولهذا يجوز للمالك أخذ ما يجده من مال الغاصب إذا تعذّر عليه استعادة عينه ، سواء ساوت العين أو خالفتها.

ونقل الجويني للشافعيّة وجهاً : أنّه يجوز أخذ الرهن بها ، بناءً على تجويز ضمان الأعيان المضمونة(٢) .

وفرّق باقيهم بناءً على الظاهر من مذهبهم : أنّ الضمان التزام في الذمّة ، فلو لم تتلف العين المضمونة ، لم يجرّ الالتزام ضرراً ، وفي الرهن دوام الحجر في المرهون يجرّ ضرراً ظاهراً(٣)

مسألة ١٣٥ : وشرطنا كون المرهون به ثابتاً في الذمّة حال عقد الرهن ، فإنّ الذي لم يثبت بَعْدُ لا يجوز الرهن به - مثل أن يرهنه بما يستقرضه منه أو بثمن ما يشتريه منه - عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لأنّه(٥) وثيقة على حقّ ، فلا يجوز قبل ثبوت الحقّ من غير حاجة ، كالشهادة.

وقال أبو حنيفة ومالك : يجوز عقده قبل الحقّ ، وإذا دفع إليه ثوباً وقال : رهنتك هذا على عشرة دراهم تقرضنيها غداً ، وسلم إليه الثوب ثمّ

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٧ - ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥ ، الوسيط ٣ : ٤٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « لأنّها ». والصحيح ما أثبتناه.

١٧٨

أقرضه الدراهم ، لزم الرهن(١) .

وحكاه القاضي ابن كج من الشافعيّة عن‌ بعض أصحابه أيضاً إذا عيّن ما يستقرضه(٢) .

ومنهم مَنْ قال : لو تراهنا بالثمن ثمّ لم يفترقا حتى تبايعا ، صحّ الرهن ؛ إلحاقاً للحاصل في المجلس بالمقترن بالإيجاب والقبول(٣) .

وعلى ظاهر مذهب الشافعيّة لو ارتهن قبل ثبوت الحقّ وقبضه ، كان مأخوذاً على جهة سوم الرهن ، فإذا استقرض أو اشترى ، لم يصر رهناً إلّا بعقدٍ جديد(٤) .

وفيه وجهٌ لهم : أنّه يصير رهناً(٥) .

واحتجّ أبو حنيفة بأنّ ذلك وثيقة ، فجاز أن يكون عقدها موقوفاً على حقٍّ يحدث في المستقبل ، كضمان الدرك(٦) .

والفرق - على تقدير تسليم جوازه ؛ فإنّه عندنا باطل ، وللشافعي قولان(٧) - أنّه جاز للحاجة إليه ، والاحتياط في المال(٨) ، بخلاف مسألتنا.

مسألة ١٣٦ : يصحّ عقد الرهن بعد ثبوت الحقّ في الذمّة وتقرّره إجماعاً ؛ لأنّه دَيْنٌ ثابت ، وتدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة ، فجاز أخذها ، كالضمان.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٦) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٨) في « النسخ الخطّيّة » : « والاحتياط للمال ».

١٧٩

ولقوله تعالى( فَرِهنٌ مَقْبُوضَةٌ ) (١) جعله بدلاً عن الكتابة ، فيكون في محلّها ، ومحلّها بعد وجوب الحقّ ؛ لقوله تعالى( إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) (٢) فجَعَله جزاءً للمداينة مذكوراً بعدها بفاء التعقيب.

أمّا لو قارنه وامتزج الرهن بسبب ثبوت الدَّيْن - مثل أن يقول : بعتك هذا العبد بألف وارتهنت هذا الثوب به فقال المشتري : اشتريت ورهنت ، أو قال : أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها دارك - فالأقرب : الجواز - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ الحاجة تدعو إليه ، فإنّه لو لم ينعقد مع ثبوت الحقّ وشرطه فيه ، لم يتمكّن من إلزام المشتري عقده ، وكان الخيار إلى المشتري ، والظاهر أنّه لا يبذله ، فتفوت الوثيقة بالحقّ.

ولأنّ شرط الرهن في البيع والقرض جائز لحاجة الوثيقة ، فكذا مزجه بهما ، بل هو أولى ؛ لأنّ الوثيقة ها هنا آكد ، فإنّ الشرط قد لا يفي به.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : أنّه فاسد ؛ لأنّ أحد شقّي الرهن متقدّم على ثبوت الدَّيْن ، ولو قال لعبده : كاتبتك على ألف وبعت منك هذا الثوب بكذا ، فقال : قبلت الكتابة والبيع ، لا يصحّ البيع(٤) .

وفرّقوا بوجهين :

____________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥ ، الوجيز ١ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، منهاج الطالبين : ١١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦ - ٢٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨.

١٨٠

أحدهما : أنّ العبد لا يصير أهلاً للمعاملة مع مولاه حتى تتمّ الكتابة.

والثاني : أنّ الرهن من مصالح البيع ، والبيع ليس من مصالح‌ الكتابة(١) .

ولا استبعاد في سبق أحد شقّي الرهن على ثبوت الدَّيْن ، وإنّما الممنوع منه سبق الرهن عليه. ويُمنع بطلان البيع المقترن بالكتابة.

فروع :

أ - لو قال البائع : ارتهنت وبعت ، وقال المشتري : اشتريت ورهنت ، لم يقع عند الشافعيّة ؛ لتقدّم أحد شقّي الرهن على شقّي البيع(٢) .

وكذا لو قال : ارتهنت وبعت ، وقال المشتري : رهنت واشتريت ؛ لتقدّم شقّي الرهن على أحد شقّي البيع(٣) .

ب - شرط الشافعيّة في الصحّة تقدُّمَ خطاب البيع على خطاب الرهن ، وتقدُّمَ جواب البيع على جواب الرهن.

وبالجملة ، الشرط أن يقع أحد شقّي الرهن بعد أحد شقّي البيع ، والآخَر بعد شقّي البيع(٤) .

ج - لو قال : بِعْني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب ، فقال البائع : بعثت وارتهنت ، كان مبنيّاً على مسألة الاستيجاب والإيجاب.

د - لو قال البائع : بعتك بكذا على أن ترهنني دارك به ، فقال

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨.

(٢و٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

١٨١

المشتري : اشتريت ورهنت ، فالأقرب : الصحّة إن انضمّ قول البائع : « ارتهنت » أو « قبلت » لأنّ الذي وجد منه شرط إيجاب الرهن لا استيجابه ، كما لو قال : أفعل كذا لتبيعني ، لا يكون مستوجباً للبيع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وفي الآخَر : يتمّ العقد وإن لم ينضمّ قول البائع(١) .

والوجه : الأوّل.

مسألة ١٣٧ : يشترط مع ثبوت الدَّيْن لزومه فعلاً حالة الرهن أو قوّةً قريبة من الفعل ، كالثمن في مدّة الخيار ؛ لقرب حاله من اللزوم ، وكما لو شرط الرهن في البيع ، فإنّ الثمن غير ثابت بَعْدُ ، ويصحّ الشرط.

ولا فرق في صحّة الرهن بالدَّيْن اللازم بين أن يكون الدَّيْن مسبوقاً بحالة الجواز أو لم يكن ، ولا بين أن يكون مستقرّاً ، كالقرض ، وأرش الجناية ، وثمن المبيع المقبوض ، أو غير مستقرّ ، كالثمن قبل قبض المبيع ، والاُجرة قبل استيفاء المنفعة ، والصداق قبل الدخول.

أمّا ما ليس بلازم ولا مصير له إلى اللزوم بحال - كنجوم الكتابة عند الشيخ(٢) رحمه‌الله وعند الشافعي(٣) - فلا يصحّ الرهن به ؛ لأنّ الرهن للتوثيق ، والمكاتَب بسيل من إسقاط النجوم متى شاء ، ولا معنى لتوثيقها. ولأنّه لا يمكن استيفاء الدَّيْن من الرهن ؛ لأنّه لو عجز صار الرهن للسيّد ، لأنّه من جملة مال المكاتب.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦ ، الوجيز ١ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢ ، الخلاف ٦ : ٢٩٣ ، المسألة ١٧.

(٣) الأُمّ ٨ : ٤٥ و ٥٠ ، الوجيز ١ : ١٦١ و ٢ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، و ١٣ : ٥١٣ ، حلية العلماء ٦ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧ ، و ٨ : ٥٠٥.

١٨٢

وقال أبو حنيفة : يصحّ الرهن بها(١) . وهو الوجه عندي.

ويُمنع من إثبات السبيل للمكاتَب ، بل نقول : عقد الكتابة أوجب عليه المال ، فليس له إسقاطه باختياره ، بل بالعجز ، لا التعجيز من العبد ، بل من المولى.

ونمنع عدم التمكّن من استيفائه الدَّيْن من الرهن ؛ فإنّ المملوك إذا عجز ولم يعجّزه مولاه ، أمكن استيفاء الدَّيْن من الرهن. وإن عجّزه ، كان الإبراء ، فسقط الدَّيْن ، وبطل الرهن.

ولو جعلنا الخيار مانعاً من نقل الملك في الثمن إلى البائع ، فالظاهر منع الرهن عليه ؛ لوقوعه قبل ثبوت الدَّيْن ، ولا شكّ في أنّه يُباع الرهن في الثمن ما لم تمض مدّة الخيار.

وما كان الأصل في وضعه الجواز - كالجُعْل في الجعالة - فإن كان قبل الشروع في العمل ، لم يصح الرهن عليه ؛ لأنّه لم يجب ، ولا يُعلم إفضاؤه إلى الوجوب واللزوم.

وأمّا بعد الشروع في العمل وقبل إتمامه فالأقوى جوازه ؛ لانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم ، فصار كالثمن في مدّة الخيار ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : المنع ؛ لأنّ الموجب للجُعْل هو العمل ، وبه يتمّ الوجوب ، فكأنّه لا ثبوت له قبل العمل(٢) .

أمّا بعد تمام العمل فإنّه يصحّ إجماعاً ؛ لأنّه لازمٌ حينئذٍ.

وكذا لا يجوز الرهن على الدية من العاقلة قبل الحول ؛ لأنّها لم تجب

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٠٧ - ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩.

(٢) الوجيز ١: ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٨.

١٨٣

بَعْدُ ، ولا يُعلم إفضاؤها إلى الوجوب ، فإنّهم لو جُنّوا أو افتقروا أو ماتوا ، لم تجب عليهم ، فلا يصحّ أخذ الرهن بها. فأمّا بعد الحلول(١) فيجوز ؛ لاستقرارها.

ويحتمل جوازه قبل الحول ؛ لأصالة بقاء الحياة واليسار والعقل.

والمسابقة إن جعلناها عقداً لازماً كالإجارة ، صحّ الرهن على العوض قبل العمل ، وإلّا فلا ؛ لأنّه لا يُعلم إفضاؤها إلى الوجوب ؛ لأنّ الوجوب إنّما يثبت بسبق غير المخرج وهو غير معلوم ولا مظنون.

قال بعض العامّة : إن قلنا : إنّها إجارة ، جاز أخذ الرهن بعوضها. وإن قلنا : جعالة ، فلا(٢) .

وقال بعضهم : إن لم يكن فيها محلّل ، فهي جعالة. وإن كان فيها محلّل ، فعلى وجهين(٣) .

وهذا كلّه بعيد ؛ لأنّ الجُعْل ليس هو في مقابلة العمل بدليل أنّه لا يستحقّه إذا كان مسبوقاً وقد عمل العمل ، وإنّما هو عوض عن السبق ، ولا تُعلم القدرة عليه. ولأنّه لا فائدة للجاعل فيه ولا هو مراد له ، وإذا لم تكن إجازةً مع عدم المحلّل فمع وجوده أولى ؛ لأنّ مستحقّ الجُعْل هو السابق ، وهو غير معيّن ، ولا يجوز استئجار رجلٍ غير معيّن.

مسألة ١٣٨ : لا يجوز أخذ الرهن بعوضٍ غير ثابتٍ في الذمّة ، كالثمن المعيّن والاُجرة المعيّنة في الإجارة ، والمعقود عليه في الإجارة إذا كان منافع معيّنة ، مثل إجارة الدار والعبد المعيّن والجمل المعيّن مدّة معلومة أو لحمل شي‌ء معيّن إلى مكانٍ معلوم ؛ لأنّه حقٌّ تعلَّق بالعين لا بالذمّة ،

____________________

(١) أي بعد حلول الحول.

(٢ و٣ ) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٠.

١٨٤

ولا يمكن استيفاؤه من الرهن ؛ لأنّ منفعة العين لا يمكن استيفاؤها من غيرها ، وتبطل الإجارة بتلف العين.

ولو وقعت الإجارة على منفعةٍ في الذمّة - كخياطة ثوبٍ ، وبناء جدارٍ - جاز أخذ الرهن به ؛ لأنّه ثابت في الذمّة ، ويمكن استيفاؤه من الرهن بأن يستأجر عنه(١) مَنْ يعمل ، فجاز أخذ الرهن به ؛ كالدَّيْن ، ويباع عند الحاجة وتحصل المنفعة من ثمنه.

إذا عرفت هذا ، فكلّ ما جاز أخذ الرهن به جاز أخذ الضمين به ، وما لم يجز الرهن به لم يجز أخذ الضمين به ، إلّا ثلاثة أشياء : عهدة البيع يصحّ ضمانها ولا يصحّ الرهن بها ، والكتابة لا يصحّ الرهن بها على إشكالٍ سبق(٢) ، والأقرب : صحّة الضمان فيها ، وما لم يجب لا يصحّ أخذ الرهن به ، ويصحّ ضمانه ؛ لأنّ الرهن بهذه الأشياء يُبطل الإرفاق ، فإنّه إذا باع عبده بألف ودفع رهناً يساوي ألفاً ، فكأنّه ما قبض الثمن ولا ارتفق به. والمكاتَب إذا دفع ما يساوي كتابته ، فما ارتفق بالأجل ؛ لأنّه كان يمكنه بيع الرهن وإمضاء الكتابة ويستريح من تعطيل منافع عبده ، بخلاف الضمان. ولأنّ ضرر الرهن يعمّ ؛ لأنّه يدوم بقاؤه عند المشتري ، فيمنع البائع التصرّف فيه ، والضمان بخلافه.

ولا يجوز الرهن من المالك على الزكاة قبل الحلول ، ولا رهن العاقلة على الدية قبله ؛ لفوات الشرط ، ويجوز بعده.

مسألة ١٣٩ : لا يشترط في الدَّيْن المرهون به أن لا يكون به رهن ، بل يجوز أن يرهن بالدَّيْن الواحد رهناً بعد رهن ، ثمّ هو كما لو رهنهما معاً.

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « يستأجر من ثمنه ».

(٢) في ص ١٨١ ، المسألة ١٣٧.

١٨٥

ولو كان الشي‌ء مرهوناً بعشرة وأقرضه عشرةً اُخرى على أن يكون‌ مرهوناً بها أيضاً ، صحّ - وبه قال مالك والشافعي في القديم(١) - كما تجوز الزيادة في الرهن بدَيْنٍ واحد.

والجديد : أنّه لا يجوز - وبه قال أبو حنيفة - كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن(٢) ، وإن وفى بالدَّيْنين جميعاً ، فإن أراد توثيقهما فليفسخا وليستأنفا رهناً بالعشرين ، بخلاف الزيادة في الرهن بدَيْنٍ واحد ؛ لأنّ الدَّيْن يشغل الرهن ولا ينعكس ، فالزيادة في الرهن شغل فارغ ، والزيادة في الدَّيْن شغل مشغول(٣) .

ويُمنع حكم الأصل ؛ فإنّه لا استبعاد في صحّة الرهن عند غير المرتهن ، ويكون موقوفاً على إجازة المرتهن ، فإن أجاز المرتهن الأوّلَ ، صحّ الثاني.

والأقرب : أنّه لا يبطل الرهن الأوّل ، بل يتقدّم الثاني ، فإن فضل بعد دَيْن الثاني شي‌ء ، اختصّ بالأوّل ، فإن كان قد بقي من العين شي‌ء ، اختصّ الأوّل به. وإن بِيع الجميع وفضل من الثمن فضلة ، اختصّ الأوّل بها ؛ لأنّه كقيمة المتلف من الرهن يختصّ المرتهن بها دون غيره من الدُّيّان.

سلّمنا ، لكنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ الدَّيْنين إذا كانا لواحدٍ ، لم يحصل من التنازع ما إذا تعدّد.

ولو جنى العبد المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن على أن يكون العبد مرهوناً بالفداء والدَّيْن الأوّل ، صحّ عندنا ، وبه قال الشافعي(٤) .

____________________

(١ و ٣ ) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣ ، الوجيز ١ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة الحجريّة : « المرهون » بدل « المرتهن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

١٨٦

ولأصحابه طريقان :

أظهرهما عندهم : القطع بالجواز ؛ لأنّه من مصالح الرهن من حيث [ إنّه ](١) يتضمّن استبقاءه(٢) .

والثاني : أنّه(٣) على القولين(٤) .

ولو اعترف الراهن بأنّه رهن على عشرين ثمّ ادّعى أنّه رهن أوّلاً بعشرة ثمّ رهن بعشرة اُخرى ونازعه(٥) المرتهن ، فلا فائدة لهذا الاختلاف عندنا وعند قديم الشافعي.

وفي الجديد : يقدّم قول المرتهن مع اليمين ؛ لأنّ اعتراف الراهن يقوّي جانبه ظاهراً(٦) .

ولو قال المرتهن في جوابه : فسخنا الرهن الأوّل واستأنفنا بالعشرين ، قدّم قول المرتهن أيضاً ؛ لاعتضاد جانبه بقول صاحبه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : قول الراهن ؛ لأنّ الأصل عدم الفسخ(٧) .

وفرّعوا عليه أنّه لو شهد شاهدان أنّه رهن بألف ثمّ رهن بألفين ، لم يحكم بأنّه رهن بألفين. ما لم يصرّح الشهود بأنّ الثاني كان بعد فسخ الأوّل(٨) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) في العزيز شرح الوجيز و « ر ، ث » : « استيفاءه ».

(٣) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة و « ج » : « أنّهما ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة « أنهما » والظاهر ما أثبتناه

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

(٧ و ٨ ) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

١٨٧

الفصل الثاني : في القبض‌

مسألة ١٤٠ : اختلف علماؤنا في القبض هل هو شرط في لزوم الرهن أو لا؟ على قولين :

أحدهما : أنّه شرط - وهو أحد قولي الشيخ(١) رحمه‌الله ، وقول المفيد(٢) رحمه‌الله - فلو رهن ولم يقبض ، كان الرهن صحيحاً غير لازم ، بل للراهن الامتناع عن الإقباض ، والتصرّف فيه بالبيع وغيره؛ لعدم لزومه - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية. وفي الثانية : أنّه شرط في المكيل و(٣) الموزون(٤) - لقوله تعالى :( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (٥) وَصَفَها بكونها مقبوضةً.

ولقول الباقر(٦) عليه‌السلام : « لا رهن إلّا مقبوضاً »(٧) .

ولأنّه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول ، فافتقر إلى القبض كالقرض. ولأنّه

____________________

(١) النهاية : ٤٣١.

(٢) المقنعة : ٦٢٢.

(٣) في «ث ، ج ، ر » : « أو » بدل « و».

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٣٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٢ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧١ - ٤٧٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٧ ، المغني ٤ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٠.

(٥) البقرة : ٢٨٣.

(٦) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « الصادق » بدل « الباقر ». وما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر ولما في مختلف الشيعة ٥ : ٤١٨ ، ضمن المسألة ٣٧ ( الفصل الثالث : في الرهن ).

(٧) التهذيب ٧ : ١٧٦ / ٧٧٩.

١٨٨

رهن لم يقبض ، فلا يلزم إقباضه ، كما لو مات الراهن.

والثاني : أنّه ليس بشرط ، بل يلزم الرهن بمجرّد العقد - وهو القول الثاني للشيخ(١) رحمه‌الله وقول ابن إدريس(٢) ، وبه قال مالك وأحمد في الرواية الاُخرى(٣) - لقوله تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) ولأنّه عقد يلزم بالقبض فلزم قبله(٥) ، كالبيع.

ولا حجّة في وصف الرهن بالقبض ؛ لأنّ القصد بالآية كمال الإرشاد ، ولهذا أمر تعالى بالكتابة(٦) ، وليس شرطاً مع الأمر ، فكيف يكون الوصف شرطاً مع انتفاء الأمر!؟ على أنّ نفس الرهن ليس شرطاً في الدَّيْن.

والحديث ضعيف السند.

والفرق مع القرض ظاهر ؛ فإنّه مجرّد إرفاقٍ ، بخلاف الرهن ؛ فإنّه لا ينفكّ عن معارضةٍ مّا.

مسألة ١٤١ : القبض هنا كالقبض في البيع وغيره ، وهو إمّا التخلية مطلقاً على رأي ، أو النقل والتحويل فيما يُنقل ويُحوّل ، والكيل والوزن فيما يُكال ويوزن ، والتخلية فيما لا يمكن فيه شي‌ء من ذلك.

وقال بعض الشافعيّة : لو جوّزنا التخلية في المنقول في البيع ،

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٢٣ ، المسألة ٥.

(٢) السرائر ٢ : ٤١٧.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٧٤ ، التلقين ٢ : ٤١٦ ، الذخيرة ٨ : ١٠٠ ، المعونة ٢ : ١١٥٣ ، المغني ٤ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦ ، الوسيط ٣ : ٤٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢.

(٤) المائدة : ١.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « فيه » بدل « قبله ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٦) البقرة : ٢٨٢.

١٨٩

لم تكف هنا ؛ لأنّ القبض(١) مستحقّ في البيع ، وهنا بخلافه(٢) .

ويشترط في القبض صدوره من جائز التصرّف ، وهو الحُرّ المكلّف الرشيد غير المحجور عليه لسفهٍ أو فلْسٍ. ويعتبر ذلك حال رهنه وإقباضه ؛ لأنّ العقد والتسليم ليس بواجب ، وإنّما هو إلى اختيار الراهن فإذا لم يكن له اختيار صحيح ، لم يصح. ولأنّه نوع تصرّفٍ في المال ، فلا يصحّ من المحجور عليه من غير إذن ، كالبيع.

وتجري النيابة في القبض كما تجري في العقد ، ويقوم قبض الوكيل مقام قبضه في لزوم الرهن وسائر أحكامه.

وهل يجوز أن يستنيب المرتهن الراهنَ في القبض؟ مَنَع منه الشافعي ؛ لأنّ الواحد لا يتولّى طرفي القبض(٣) .

وليس جيّداً ، كالجدّ والأب.

وحكم عبده ومدبَّره واُمّ ولده حكمه ؛ لأنّ يدهم وجهان للشافعي :

أحدهما : الجواز ؛ لانفراده باليد والتصرّف.

وأصحّهما : المنع ، فإنّه عبده القنّ ، وهو متمكّن من الحجر عليه(٤) .

مسألة ١٤٢ : لو أودع مالاً عند إنسان أو أعاره منه أو كان مستاماً أو كان

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة الحجريّة : « الرهن » بدل « القبض » وذلك لا معنى له ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٨.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ١٠ ، الوسيط ٣ : ٤٨٦ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٧.

(٤) الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٧.

١٩٠

وكيلاً ثمّ رهنه منه ، فإن لم نشترط القبض ، فلا بحث ، ويلزم الرهن بمجرّد العقد. وإن شرطناه ، فالأقرب : أنّه يلزم الرهن بمجرّد العقد أيضاً ؛ لأنّه‌ مقبوض للمرتهن ، فيندرج تحت الآية(١) ، وبه قال أحمد ؛ فإنّ اليد ثابتة والقبض حاصل ، وإنّما تغيّر الحكم لا غير ، ويمكن تغيّر الحكم مع استدامة القبض ، كما لو طُولب بالوديعة فجحدها ، تغيّر الحكم ، وصارت مضمونةً(٢) عليه من غير أمرٍ زائد. ولو عاد الجاحد فأقرّ بها وقال لصاحبها : خُذْ وديعتك ، فقال : دَعْها عندك وديعةً كما كانت ولا ضمان عليك فيها ، لتغيَّر الحكم من غير حدوث أمرٍ زائد(٣) .

وقال الشافعي : لا يصير رهناً حتى تمضي مدّة يتأتّى قبضه فيها ، فإن كان منقولاً ، فبمضيّ مدّة يمكن نقله فيها. وإن كان مكيلاً ، فبمضيّ مدّة يمكن كيله فيها. وإن كان غير منقول ، فبمضيّ مدّة التخلية. وإن كان غائباً عن المرتهن ، لم يصر مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله ثمّ تمضي مدّة يمكن قبضه فيها ؛ لأنّ العقد يفتقر إلى القبض ، والقبض إنّما يحصل بفعله أو إمكانه(٤) .

واعلم أنّ الشافعي قال في الجديد : لا بُدّ من إذنٍ جديد في القبض(٥) .

ولو وهبه منه ، فظاهر قوله أنّه يحصل القبض من غير إذنٍ جديد.

ولأصحابه طرق ثلاثة.

____________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) في النسخ والطبعة الحجريّة : « وصار مضموناً ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) المغني ٤ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٦ - ٤٢٧.

(٤) المغني ٤ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٦ ٤٢٧.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٨.

١٩١

أظهرها : أنّ فيه قولين :

أحدهما : أنّه لا حاجة في واحد من العقدين إلى الإذن في القبض ، بل إنشاؤهما مع الذي في يده المال يتضمّن الإذن في القبض.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا بُدّ منه ؛ لأنّ اليد الثابتة كانت من غير جهة الرهن ، ولم يجر تعرّض للقبض بحكم الرهن.

والثاني : تقرير القولين.

والفرق : أنّ الهبة عقد تمليك ، ومقصوده الانتفاع ، والانتفاع لا يتمّ إلّا بالقبض ، والرهن توثيق ، وأنّه حاصل دون القبض ، ولهذا لو شرط في الرهن كونه في يد ثالثٍ ، جاز. ولو شرط مثله في الهبة ، فسد ، وكانت الهبة ممّن المال في يده رضا بالقبض.

والثالث : القطع باعتبار الإذن الجديد فيهما ، فيتناول قوله في الهبة ، وسواء شرط إذن جديد في القبض أو لم يشترط ، فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان [ يتأتّى ](١) فيه صورة القبض ، لكن إذا شرط الإذن ، فهذا الزمان معتبر من وقت الإذن ، فإن لم يشترط ، فهو معتبر من وقت العقد.

وله قولٌ آخَر : لا حاجة إلى مضيّ هذا الزمان ، ويلزم العقد بنفسه.

والأقوى عندهم : الأوّل ؛ لأنّا نجعل دوام اليد كابتداء القبض ، فلا أقلّ من زمان يتصوّر فيه ابتداء القبض. ولو كان غائباً ، اعتبر زمان يمكن المصير فيه إليه ونقله.

وهل يشترط مع ذلك نفس المصير إليه ومشاهدته؟ له(٢) وجهان :

أحدهما : نعم ، ليتيقّن حصوله ويثق به.

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) كذا ، والظاهر : « لهم »

١٩٢

وأصحّهما عندهم : لا ، ويكتفى بأنّ الأصل بقاؤه.

واختلفوا في محلّ القولين ، منهم مَنْ جَعَله احتياطاً. ومنهم مَنْ حمله‌ على ما إذا كان المرهون ممّا يتردّد في بقائه في يده بأن كان حيواناً غير مأمون الآفات ، أمّا إذا تيقّنه ، فلا حاجة إليه.

وعلى اشتراط الحضور والمشاهدة فهل يشترط النقل؟ وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لأنّ قبض المنقول به يحصل.

والثاني : لا يشترط ؛ لأنّ النقل إنّما يعتبر ليخرج من يد المالك ، وهو خارج هنا.

وإذا شرط الحضور أو النقل معه ، فهل يجوز أن يوكّل؟ فيه وجهان :

أصحّهما عندهم : الجواز ، كما في ابتداء القبض.

والمنع ؛ لأنّ ابتداء القبض - وهو النقل - وُجد من المودع ، فليصدر تتمّته منه(١) .

ولو ذهب إلى موضع المرهون فوجده قد خرج من يده ، فإن أذن له في القبض بعد العقد ، فله أخذه حيث وجده. وإن لم يأذن ، لم يأخذه حتى يقبضه الراهن ، سواء شرطنا الإذن الجديد أو لم نشرطه.

ولو رهن الأب مال الطفل من نفسه أو ماله من الطفل ، ففي اشتراط مضيّ زمان يمكن فيه القبض وجهان ، فإن شرطناه فهو ، كما لو رهن الوديعة من المودع ، فيعود الاختلاف المذكور ، وقصد الأب قبضاً وإقباضاً(٢) نازل منزلة الإذن الجديد.

أمّا لو باع المالك الوديعةَ ، أو العاريةَ ممّن في يده ، فهل يعتبر زمان

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٨ - ٣٠٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « وافياً » بدل « وإقباضاً ». والصحيح ما أثبتناه.

١٩٣

إمكان القبض لجواز التصرّف وانتقال الضمان؟ الأقرب عندنا : المنع - وهو‌ أحد وجهي الشافعي(١) - لأنّه مقبوض حقيقةً ، ولأنّ البيع يفيد الملك ، ولا معنى مع اجتماع الملك واليد لاعتبار شي‌ء آخَر.

والثاني : نعم(٢) .

وهل يحتاج إلى الإذن في القبض؟ إن كان الثمن حالّاً ولم يوفّه ، لم يحصل القبض ، إلّا إذا أذن البائع فيه. فإن وفّاه أو كان مؤجَّلاً؟ قال بعضهم : إنّه كالرهن(٣) .

والمشهور : أنّه لا يحتاج إليه(٤) .

والفرق : أنّ البيع يوجب القبض ، فدوام اليد يقع عن القبض المستحقّ ، ولا استحقاق في الرهن.

مسألة ١٤٣ : لو رهن المالك ماله المغصوب في يد الغاصب ، صحّ الرهن؟

وعلى قولنا بعدم اشتراط القبض يصير رهناً بمجرّد العقد.

وعلى القول باشتراطه لا بُدّ من مضيّ زمانٍ يمكن فيه تجديد القبض مع إذنٍ في القبض - كما تقدّم - جديدٍ ، وهو أحد قولي الشافعي(٥) .

والثاني : القطع في الغصب بافتقاره إلى إذنٍ جديد ؛ لأنّ يده غير صادرة عن إذن المالك أصلاً(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإذا رهن الغصب أو المستعار المشروط فيه الضمان‌ أو المستام أو المبيع فاسداً، صحّ الرهن إجماعاً.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩.

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩ - ٣١٠.

١٩٤

وهل يزول الضمان بالرهن؟ قال الشيخ(١) : لا يزول ، ويثبت فيه حكم الرهن ، والحكم الذي كان ثابتاً فيه يبقى(٢) بحاله - وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور(٣) - لقولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي »(٤) .

ولأنّ الدوام أقوى من الابتداء ، ودوام الرهن لا يمنع ابتداء الضمان ، فإنّ المرتهن إذا تعدّى في المرهون ، يصير ضامناً ، ويبقى الرهن بحاله ، فلأن لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان كان أولى. ولأنّه لا تنافي بين الرهن وثبوت الضمان ، كما لو تعدّى في الرهن ، فإنّه يصير مضموناً ضمانَ الغصب ، وهو رهن كما كان ، فكذلك ابتداؤه ؛ لأنّه أحد حالتي الرهن.

وقال أبو حنيفة وأحمد : يزول الضمان - وهو منقول عن مالك أيضاً - لأنّه مأذون له في إمساكه رهناً(٥) ، لم يتجدّد منه فيه عدوان ، فلم يضمنه ، كما لو قبضه منه ثمّ أقبضه إيّاه أو أبرأه من ضمانه(٦) .

ومنعوا عدم التنافي ؛ فإنّ يد الغاصب عادية يجب عليه إزالتها ، ويد‌ المرتهن محقّة جَعَلها الشرع له ، ويد المرتهن أمانة ، ويد الغاصب

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٢٨ ، المسألة ١٧.

(٢) في النسخ والخطّيّة و الحجريّة : « فيبقى ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠ ، الوسيط ٣ : ٤٨٨ ، الوجيز ١ : ١٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، الذخيرة ٨ : ١١٤ ، المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٧ ، وحكاه عنهم أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٢٨ ، المسألة ١٧.

(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، مسند أحمد ٥ : ٦٣٨ / ١٩٦٢٠.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « وهنا » بدل « رهناً ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠، الوسيط ٣ : ٤٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، الذخيرة ٨ : ١١٤.

١٩٥

والمستام(١) ونحوهما(٢) يد ضامنة ، وهُما متنافيان.

ولأنّ السبب المقتضى للضمان زال ، فزال الضمان لزواله ، كما لو ردّه إلى مالكه ، وذلك لأنّ سببَ الضمان الغصبُ أو العاريةُ ونحوهما ، وهذا لم يبق غاصباً ولا مستاماً(٣) ، ولا يبقى الحكم مع زوال سببه وحدوث سببٍ يخالفه حكمه ، وأمّا إذا تعدّى في الرهن ، فإنّه يضمن ؛ لعدوانه ، لا لكونه غاصباً ولا مستاماً(٤) ، وهنا قد زال سبب الضمان ولم يحدث ما يوجبه ، فلم يثبت(٥) .

ويُمنع استلزام إذن الإمساك رهناً لعدم الضمان ، فإنّ المرتهن إذا تعدّى والمودع وغيرهما من الأُمناء مأذون لهم في الإمساك مع ثبوت الضمان.

والفرق بين إقباضه بعد استعارته واستمرار القبض ظاهر ؛ فإنّ اليد في الأوّل قد زالت حقيقةً ، فلا موجب للضمان ، وغاية ثبوت الضمان الدفع إلى المالك وقد حصل ، فلا يثبت الضمان بعد الغاية له ، والإبراء بمنزلته ؛ لأنّه إسقاط ، فلا ثبوت للساقط بعده ؛ لانتفاء سببٍ جديد.

سلّمنا أنّ الغصب قد زال لكن نمنع زوال الضمان ، ولا نسلّم زوال المقتضى للضمان ؛ فإنّ اليد باقية ، والاستصحاب يقتضي استمرار الضمان.

إذا عرفت هذا ، فلو أراد المرتهن البراءة عن الضمان ، فليردّه إلى‌ الراهن ثمّ له الاسترداد بحكم الرهن.

____________________

(١) في المصدر : « والمستعير » بدل « والمستام ».

(٢) في الخطّية و الحجريّة : « ونحوها ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٣ و ٤) في المصدر : « مستعيراً » بدل « مستاماً ».

(٥) المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٨.

١٩٦

ولو امتنع الراهن من قبضه ومن الإبراء من ضمانه ، قال بعض الشافعيّة : له أن يجبره عليه(١) .

وليس بجيّد ؛ إذ لا يجب على صاحب الحقّ ترك حقّه ، وقد ثبت للراهن ضمانٌ على المرتهن ، فكيف يجب عليه إسقاطه عنه!؟.

ولو أودع الغاصبَ المالَ المغصوب ، فالأقوى هنا سقوط الضمان - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - لأنّ مقصودَ الإيداع الاستئمانُ ، والضمان والأمانة لا يجتمعان ، ولهذا لو تعدّى المودع في الوديعة ، ارتفعت الوديعة ، بخلاف الرهن ؛ لأنّ الغرض منه التوثيق ، إلّا أنّ الأمانة من مقتضاه ، وهو مع الضمان قد يجتمعان.

والثاني : أنّه لا يبرأ ، كما في الرهن(٣) .

ولو آجر العينَ المغصوبة ، فالأولى أنّ الإجارة لا تفيد البراءة ؛ لأنّه ليس الغرض منها الائتمان ، بخلاف الوديعة.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

ولو وكّله في بيع العبد المغصوب أو إعتاقه ، فالأقرب : بقاء الضمان ؛ لأنّه أولى من الإجارة به، لأنّ في الإجارة تسليطاً على القبض والإمساك ، بخلاف التوكيل.

وللشافعيّة وجهان(٥) .

وفي معنى الإجارة والتوكيل ما إذا قارضه على المال المغصوب ، أو

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

(٢ و٣ ) الحاوي الكبير ٦ : ٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٢ ، الوسيط ٣ : ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

١٩٧

كانت جارية فتزوّجها منه.

ولو صرّح المالك بإبراء الغاصب عن ضمان الغصب والمال باقٍ في يده ، احتُمل عدم البراءة ؛ لأنّ الغصب سبب وجود القيمة عند التلف ، والإبراء لم يصادف حقّاً ثابتاً وإن صادف سببه ، وهذا يؤكّد ما تقدّم من انتفاء البراءة مع عقود الأمانات ؛ لأنّها أدون من التصريح بالإبراء ، فإذا لم تحصل البراءة به ، فتلك العقود أولى.

ويُحتمل قويّاً فيما عدا الغصب - من المستام والمبيع فاسداً أو العارية المضمونة - عدم الضمان؛ لأنّها أخفّ من ضمان الغصب ، لاستناد اليد فيها إلى رضا المالك.

مسألة ١٤٤ : استدامة القبض ليست شرطاً في لزوم الرهن وصحّته ، عند علمائنا أجمع.

أمّا على قول مَنْ لا يشترط القبض في الابتداء : فظاهر ؛ لأنّه إذا لم يكن شرطاً في الابتداء فأولى أن لا يكون في الاستدامة ، لأنّ كلّ شرطٍ يُعتبر في الاستدامة يُعتبر في الابتداء ، وقد يُعتبر في الابتداء ما لا يُعتبر في الاستدامة.

وأمّا على قول مَنْ جعل القبض شرطاً في الابتداء : فإنّه لا يجعله شرطاً في الاستدامة.

أمّا العامّة فالقائل منهم بعدم اشتراط القبض فظاهر عندهم أيضاً.

وأمّا مَنْ قال : إنّه شرط ، فقد اختلفوا.

فقال الشافعي : إنّه ليس شرطاً ؛ لأنّه عقد يُعتبر القبض في ابتدائه ، فلا تُشترط استدامته ، كالهبة(١) .

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢١ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٤.

١٩٨

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : استدامة القبض شرط ؛ لقوله تعالى :( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (١) .

ولأنّها إحدى حالتي الرهن ، فكان القبض فيها شرطاً ، كالابتداء(٢) .

ولا دليل في الآية على ما تقدّم. والأصل ممنوع ، مع أنّ النصّ على خلافه ، قالعليه‌السلام : « الرهن محلوب ومركوب »(٣) وليس ذلك للمرتهن إجماعاً ، فبقي أن يكون للراهن ، وهو يدلّ على عدم اشتراط استدامة القبض.

مسألة ١٤٥ : لو تصرّف الراهن في الرهن قبل الإقباض بهبة أو بيع أو عتق أو جعله صداقاً أو رهنة ثانياً أو جعله مالَ إجارة ، فعلى ما قلناه - من لزوم الرهن بمجرّد العقد تكون التصرّفات موقوفةً على إجارة المرتهن ، فإن أجازها ، صحّت ، وبطلت وثيقته إلّا في الرهن على إشكالٍ سبق. وإن فسخها المرتهن ، بطلت.

وعلى القول بالاشتراط يكون ذلك رجوعاً عن الرهن ، فبطل الرهن ؛ لأنّه أخرجه عن إمكان استيفاء الدَّيْن عن ثمنه أو فعل ما يدلّ على قصد‌ ذلك ، وسواء أقبض البيع والهبة والرهن الثاني ، أو لم يقبضه.

وكتابه العبد ووطؤ الجارية مع الإحبال كالبيع.

أمّا الوطؤ من غير إحبال أو التزويج فليس رجوعاً ؛ إذ لا تعلّق له بمورد الرهن ، فإنّ رهن المزوّجة ابتداءً جائز ، وبه قال الشافعي(١) .

وأمّا الإجازة فإن قلنا : إنّ رهن المكري وبيعه جائز ، فهي كالتزويج ،

____________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) المغني ٤ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٠ - ٤٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٤.

(٣) المستدرك - للحاكم - ٢ :‍ ٥٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١.

١٩٩

وإلّا فهي رجوع.

وقال بعضهم : إنّها ليست برجوع بحال(١) .

وأمّا لو دبّر العبد المرهون ، فيحتمل أن يقال : إنّه رجوع ؛ للتنافي بين مقصود التدبير ومقصود الرهن ، وإشعاره بالرجوع.

مسألة ١٤٦ : لو مات المرتهن قبل القبض ، لم يبطل الرهن ، وهو ظاهر عند مَنْ لم يعتبر القبض.

وأمّا من اعتبره فقد اختلفوا.

فقال بعضهم ببطلانه ؛ لأنّه عقد جائز ، والعقود الجائزة ترتفع بموت المتعاقدين ، كالوكالة ، وهو أحد قولي(٢) الشافعي.

وفي الآخَر : لا يبطل الرهن ، ويقوم وارثه مقامه في القبض - وهو أصحّ قولَي(٣) الشافعي - لأنّ مصيره إلى اللزوم ، فلا يتأثّر بموته ، كالبيع في زمن الخيار ، والدَّيْن باقٍ كما كان ، وإنّما انتقل الاستحقاق فيه إلى الورثة ، وهُمْ محتاجون إلى الوثيقة حاجة مورّثهم ، وبه قال أحمد ؛ ولأنّ المرتهن لو مات كان الدَّيْن باقياً على تأجيله ، فكان الرهن بحاله(٤) .

ولو مات الراهن قبل الإقباض ، لم يبطل الرهن عند مَنْ لم يشترط القبض.

وأمّا من اشترطه فقد اختلفوا ، فللشافعي قولان :

أحدهما(٥) : أنّه يبطل ؛ لأنّه من العقود الجائزة ، كما تقدّم(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١.

(٢ و ٣) في « ث » الطبعة الحجريّة : « أقوال » بدل « قولي ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٥ ، المغني ٤ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فللشافعي أقوال أحدها ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) راجع ص ١٨٧ ، المسالة ١٤٠.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400