تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء10%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125244 / تحميل: 5205
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء » فذيلها صريح في ان الشجرة من البيداء، فيكون الوادي جزء منها.

وفي صحيحة معاوية بن عمار عنهعليه‌السلام قال: إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن ابي بكر بالبيداء لاربع بقين من ذي القعدة في حجة الوداع، فأمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاغتسلت واحتشت وأحرمت ولبّت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واصحابه... الحديث » ومثلها صحيحة العيص، فلو كانت البيداء على بعد ميل كما في كثير من الكلمات لكان ذلك بعد إحرام وحركة الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله نحو مكة.

وفي صحيحة زرارة والفضلاء ومصححة حمران عن ابي جعفرعليه‌السلام أن أسماء نفست بمحمد في ذي الحليفة، وكل من ترجم محمداًرضي‌الله‌عنه ذكر بأن ولادته كانت في ذي الحليفة أو بالشجرة، ففي سنن ابن ماجة وابي داود وغيرهما عن عائشة ان اسماء نفست بمحمد بالشجرة، وروى النسائي واحمد من العامة عن انس أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله صلى الظهر بالبيداء ثم ركب وقصد جبل البيداء فأهل للحج، وعن ابن عمر ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بات بذي الحليفة ببيداء وصلى في مسجدها، فالشجرة وذي الحليفة والبيداء إشارة لمكان واحد.

وقد ذكرنا في المواقيت: أن الروايات في تعيين ميقات اهل المدينة على أربع طوائف، الاولى: مادل على ان الميقات هو ذو الحليفة، والثانية: أنه ذو الحليفة وفسر بمسجد الشجرة، والثالثة: ذو الحليفة وفسر بالشجرة، والرابعة: انه الشجرة، ولاريب ان المقصود من الشجرة هو المسجد اذ من الواضح عدم كون الميقات نفس الشجرة، فيدور الامر بين الطائفة الاولى والثانية.

٦١

وقد قيل في مقام الجمع ان الطائفة الثانية مفسرة للاولى او حاكمة عليها، بمعنى ان ذا الحليفة اسم للمسجد خاصة وليس بأعم منه، او هو أعم منه لكن التعبد ضيّق دائرته، فتكون النتيجة أن الميقات هو خصوص المسجد.

وهو كلام متين ووفق القواعد الصناعية لو كنا نحن وهذه الطوائف فقط، إلا انه هناك طائفة خامسة وهي صريحة في عدم انحصار الميقات في المسجد بل في بعضها نهي صريح عن الاحرام منه، المحمول على الاستحباب جمعاً بين الروايات.

ففي صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن التهيؤ للاحرام، فقال: في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ترى أناساً يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث المَيْل فتحرمون كما أنتم في محاملكم.

وصحيحة منصور بن حازم عنهعليه‌السلام قال: إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش.

وصحيحة الحلبي عنهعليه‌السلام قال: الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لاينبغي لحاج ولالمعتمر أن يحرم قبلها ولابعدها، وقت لاهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة كان يصلي فيه ويفرض الحج فاذا خرج من المسجد وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الاول احرم» فلو كان الميقات هو خصوص المسجد فحسب لكان الصدر والذيل متهافتين فتدبر.

وصحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: صل المكتوبة ثم احرم بالحج أو المتعة واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى اول البيداء إلى أول ميل عن يسارك

٦٢

...» والمراد من «ثم احرم» اي إنو الحج او العمرة، يشهد له مرسل النضر المتقدم وصحيحة معاوية الاتية.

ومصححة علي بن جعفر عنهعليه‌السلام قال: سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحل لمن أحرم عندها ان لايلبي حتى يعلو البيداء ؟ قال: لايلبي حتي يأتي البيداء عند أول ميل، فأما عند الشجرة فلا يجوز التلبية.

وصحيحة ابن سنان قال سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يلب حتى يأتي البيداء » وفي صحيحته الاخرى عنهعليه‌السلام : إنما لبى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على البيداء، لان الناس لم يكونوا يعرفون التلبية، فاحب ان يعلمهم كيفية التلبية »، وغيرها من الروايات الصريحة في جواز ابتداء التلبية عند اول ميل من ذي الحليفة، وحملها على الجهر بها خلاف صريح جملة منها، والإلتزام بكون النية لوحدها كافية لتحقق الإحرام خلاف صريح للنصوص.

كما انه لايوجد مايعارض هذه الروايات من النهي عن التلبية عند أول ميل، نعم روايات العامة فيها تعارض واختلاف، فعن ابن عمر - كما في سنن ابي داود وغيره - قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ما أهل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا من عند المسجد، وفي سنن الترمذي عن الصادق عن ابيهعليهما‌السلام عن جابر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد الحج أذن في الناس فاجتمعوا فلما اتى البيداء أحرم.

وقد حاول ابن عباس - كما في سنن ابي داود - من الجمع بين هذه الروايات المختلفة في مكان اهلال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة

٦٣

ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتين فسمع ذلك منه من قدم فحفظه عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وادرك ذلك منه أقوام... فقالوا انما أهل رسول الله حين استقلت به ناقته، فلما علا شرف البيداء وأهل ادرك ذلك منه أقوام فقالوا انما أهل حين علا شرف البيداء » وهذا الجمع لايمكن ان يلتزم به اذ صريح نصوص الخاصة وبعض العامة تنفي أن اهلال الرسول وتلبيته كانت في المسجد فراجع.

فالصحيح في الجمع بين هذه الطوائف من الروايات ان تفسير ذي الحليفة بالمسجد من باب تسمية الكل باسم الجزء كما في قوله تعالى (سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) وقوله ( فلا يقربوا المسجد الحرام ) وقوله ( ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام ) ومن المعلوم ان المقصود بالمسجد في هذه الايات وغيرها هو مكة كما تفيده الروايات، فذو الحليفة ومسجد الشجرة والشجرة كلها مسمّيات لبقعة مكانية واحدة وهي الوادي.

ويشهد لهذا الجمع - مضافا لما مر - التعبير في بعض الروايات عن ذي الحليفة بالشجرة، ففي صحيحة ابن سنان قال: قال ابو عبداللهعليه‌السلام : «ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحج فكتب الى من بلغه كتابه - الى ان قال - فأقبل الناس فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الأبط وحلق العانة والغسل والتجرد في ازار ورداء » وفي صحيحة ابن وهب « حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء » وغيرها من الروايات.

مع انه في جملة من الروايات المفصلة لحج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٦٤

أن كل ذلك كان في ذي الحليفة، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام : فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى الى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل ثم خرج حتى اتي المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر واحرم بالحج مفردا وخرج حتى انتهي الى البيداء عند الميل الاول فصف الناس له سماطين فلبى بالحج مفردا » فالرواية صريحة في ان الاغتسال في مكان من ذي الحليفة والصلاة في مكان آخر، فالمغتسل غير المصلى مكانا.

وليس هذا مختصاً بروايات الخاصة بل هو عند العامة كذلك، فقد روى ابو داود وابن ماجة عن عائشة ان اسماء نفست بمحمد بالشجرة، وروى الدارمني في سننه عن الصادق عن ابيهعليهما‌السلام عن جابر ان أسماء نفست بذي الحليفة، فالتعبير بالشجرة او مسجد الشجرة من باب تسمية الكل باسم الجزء شرافة وتبركا بالمسجد او الشجرة.

فما استغربه بعض الاعاظم من الفقهاء المعاصرين من مَيْلِ صاحب الحدائققدس‌سره الى وجوب تأخير التلبية الى البيداء تبعا للروايات الكثيرة ليس في محله، اذ ليس اول البيداء او بتعبير النصوص الميل الاول من ذي الحليفة خارج عن الميقات، ولعل عدم الاعتناء والعمل بهذه الروايات لدى عدة من الفقهاء قديما وحديثا ظنهم ان الميل الاول من ذي الحليفة خارج عن الميقات، فيقع التعارض بينه وبين روايات الميقات وإن التلبية هي المحققة للاحرام، والله العالم.

٦٥

الى البيداء(١)

، هذا للرجل وأما المرأة فليس عليها رفع الصوت بالتلبية أصلا.

والاولى لمن عقد الإحرام من سائر المواقيت تأخير التلبية إلى أن يمشي قليلا(٢) ، ولمن عقده من المسجد الحرام تأخيرها إلى الرقطاء وهي موضع دون الردم(٣) ، والردم موضع بمكة قيل: يسمى الان بمدعى بالقرب من مسجد الراية قبيل مسجد الجن.

مسألة ٥١: الواجب من التلبية مرة واحدة، نعم يستحب الإكثار منها وتكرارها ما استطاع، والأحوط(٤) لمن اعتمر عمرة التمتع قطع

____________________

(١) وهو خلاف جملة من الروايات، بل مقتضى الجمع بينها هو افضلية التلبية عند المَيل الاول، والله العالم.

(٢) لقولهعليه‌السلام في صحيحة هشام « وإن شئت لبّيت من موضعك، والفضل أن تمشي قليلا ثم تلبي » بحيث عدم الخروج من الميقات.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة الفضلاء « فإن شئت لَبّيْتَ خلف المقام وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل ان تصير إلى الابطح ».

(٤) وجزم بوجوب القطع السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته وقواه البعض الاخر، وقد أدعي عليه الاجماع وقطع الاصحاب تبعا للروايات المتعددة، ولعل وجه احتياط الماتن دام ظله صحيحة زرارة قال سألته عليه

=

٦٦

التلبية عند مشاهدة موضع بيوت مكة القديمة، وحده لمن جاء من أعلى مكة عن طريق المدينة «عقبة المدنيين» ولمن جاء من أسفها «عقبة ذي طوى».

كما أن الأحوط(١) لمن اعتمر عمرة مفردة قطعها عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم، وعند مشاهدة موضع بيوت مكة اذا كان إحرامه من أدنى الحل، ولمن حجّ بأيّ نوع من أنواع الحج قطعها

____________________

=

السلام أين يمسك المتمتع عن التلبية ؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكة لابيوت الابطح »، وصحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضاعليه‌السلام « أنه سال عن المتمتع متى يقطع التلبية، قال: إذا نظر الى عراش مكة عقبة ذي طوى، قلت: بيوت مكة، قال: نعم ».

ودعوى: بعض الاعلام ان صحيحة زرارة مجملة حيث لايعلم ماالمقصود من بيوت مكة هل القديمة او تعم البيوت المستحدثة فتكون الروايات الناصة على قطع التلبية اذا نظر الى بيوت مكة القديمة مبينة للمراد منها.

في غاية الفساد: اذ الابطح هو حد مكة القديمة، فالمقصود من بيوت مكة في صحيحة زرارة هي مكة القديمة لا المستحدثة.

(١) وجزم به وبشقه الثاني السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، وهو المشهور، ووجه التوقف اختلاف الروايات، والامر سهل.

٦٧

عند الزوال من يوم عرفة(١) .

مسألة ٥٢: إذا شك بعد لبس الثوبين وقبل التجاوز من المكان الذي لايجوز تأخير التلبية عنه في أنه قد أتى بها أم لا بنى على عدم الاتيان(٢) ، واذا شك بعد الاتيان بالتلبية انه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحة(٣) .

الأمر الثالث: لبس الثوبين: (الازار والرداء) بعد التجرد عما يجب على المحرم اجتنابه، ويستثنى من ذلك الصبيان، فيجوز تأخير تجريدهم إلى فخ(٤) إذا ساروا من ذلك الطريق.

والظاهر أنه لايعتبر في لبسهما كيفية خاصة، فيجوز الإتزار

____________________

(١) نصاً واجماعا.

(٢) لأصالة العدم.

(٣) لقاعدة الفراغ.

* وإذا تبين له بعد الوقوفين أنه لم يؤد التلبية بصورة صحيحة فإن كان اللحن لايمنع من صدق التلبية عرفا فلا شيء عليه وإلا فليجددها في مكانه ويصح حجه أيضا.

(٤) لصحيحة ابن الحر قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصبيان من اين نجردهم ؟ فقال: « كان أبي يجردهم من فخ »، ونحوه صحيحة علي بن جعفر، وفخ بئر معروف على فرسخ من مكة.

٦٨

بأحدهما كيف شاء، والارتداء بالآخر أو التوشح به أو غير ذلك من الهيئات، وإن كان الأحوط لبسهما على الطريق المألوف(١) .

مسألة ٥٣: لبس الثوبين للمحرم واجب استقلالي وليس شرطاً في تحقق الإحرام على الأظهر(٢) .

مسألة ٥٤: الأحوط(٣) في الازار ان يكون ساتراً من السرة إلى الركبة، وفي الرداء ان يكون ساتراً للمنكبين والعضدين وقدرا معتدا به من الظهر.

والأحوط وجوبا كون اللبس قبل النيّة والتلبية(٤) ولو قدمهما عليه فالاحوط الاولى إعادتهما بعده(٥) ·

____________________

(١) لقول الحجةعليه‌السلام في مكاتبة الحميري « والأحب إلينا والافضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا إن شاء الله» ومنشأ الاحتياط ضعف السند.

(٢) كما هو ظاهر جملة من الروايات الكثيرة.

(٣) وجزم به السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، ولادليل عليه ظاهراً إلا دعوى أن ذلك مسمى الصدق العرفي في الاتزار والارتداء، فتأمل.

(٤) كما نسب للمشهور، ووجه التوقف ان لبس الثوبين كما مر واجب مستقل لاشرطا في تحقق الاحرام.

(٥) لاحتمال شرطيته للإحرام.

٦٩

مسألة ٥٥: لو احرم في قميص جاهلاً أو ناسياً نزعه وصح إحرامه(١) ، بل الأظهر صحة إحرامه حتى فيما إذا احرم فيه عالماً عامداً(٢) ، واما إذا لبسه بعد الإحرام فلا إشكال في صحة إحرامه، ولكن يلزم عليه شقه واخراجه من تحت(٣) ·

مسألة ٥٦: لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام وبعده للتحفظ من البرد أو الحر أو لغير ذلك(٤) ·

____________________

(١) إذ التجرد عن المخيط ليس شرطاً في صحة الإحرام، ولو كان شرطاً لوجب تجديد النية والتلبية، وظاهر الروايات نفيه، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام في رجل احرم وعليه قميصه، فقال: « ينزعه ولا يشقه وإن كان لبسه بعدما احرم شقه واخرجه مما يلي رجليه » وظهورها في عدم الاشتراط واضحة، والظاهر انه لا خلاف بينهم في ذلك.

(٢) لعدم كون لبس الثوبين شرطا في صحة الاحرام، وعدم كون التروك دخيلة في الاحرام، إذ كما مر قصد ترك المحرمات أو قصدها - في الجملة - ليس من شروط او موانع الاحرام فراجع.

(٣) لصحيحة ابن عمّار المتقدمة.

(٤) لعدم المانع، مضافا لصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المحرم يتردى بالثوبين، قالعليه‌السلام : « نعم والثلاثة ان شاء يقي بها الحر والبرد ».

٧٠

مسألة ٥٧: يعتبر في الثوبين نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلي(١) ، فيلزم ان لا يكونا من الحرير الخالص(٢) ، ولا من اجزاء السباع، بل مطلق مالايؤكل لحمه على الاحوط(٣) ، ولا من المُذّهب، ويلزم طاهرتهما كذلك(٤) ، نعم لا باس بتنجسهما بنجاسة معفو عنها

____________________

(١) نصاً واجماعاً، ففي صحيحة حرير عنهعليه‌السلام «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه ».

(٢) تشهد له صحيحة ابي بصير قال: سئل أبو عبداللهعليه‌السلام عن الخميصة سداها ابريسم ولحمتها من غزل ؟ قال: لابأس بأن يحرم فيها، إنما يكره الخالص منه » وغيرها.

(٣) وجزم به السيد الخوئي وأعاظم تلامذته وهو المشهور بين العلماء، ولعل وجه التوقف أن صحيحة حريز المتقدمة غاية ماتدل على أن كل ثوب يصلى فيه يصح الاحرام فيه، وليس لها دلالة على ان كل مالايصلى فيه لايحرم فيه بل هي ساكتة عن هذا الحكم، فتأمل.

وكان الاولى للماتن دام ظله أن يتوقف في اجزاء السباع اذ لامستند لحرمة مالايأكل لحمه إلا صحيحة حريز على الظاهر، نعم وردت مجموعة من الصحاح تنهي عن الصلاة في جلود السباع، ولعله للنهي عن الصلاة فيما لايأكل لحمه، فراجع.

(٤) ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي احرم فيها وبين غيرها ؟ قال: نعم اذا كانت طاهرة.

٧١

في الصلاة(١) .

مسألة ٥٨: الأحوط في الازار ان يكون جميعه ساتراً للبشرة غير حاك عنها(٢) ، ولايعتبر ذلك في الرداء(٣) .

مسألة ٥٩: الاحوط الأولى في الثوبين ان يكونا من المنسوج، ولا يكونا من قبيل الجلد والملبّد(٤) .

مسألة ٦٠: يختص وجوب لبس الازار والرداء بالرجال دون النساء، فيجوز لهنّ أن يحرمنّ في ألبستهنّ العادية(٥) على أن تكون واجدة للشرائط المتقدمة.

مسألة ٦١: ان حرمة لبس الحرير وإن كانت تختص بالرجال ولا يحرم لبسه على النساء إلاّ أن الاحوط(٦) للمرأة ان لا يكون ثوبها من

____________________

(١) ومستنده صحيحة حريز المتقدمة.

(٢) وجزم به السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، ومستندهم في ذلك صحيحة حريز وقد تقدم الاشكال في دلالتها والتأمل فراجع.

(٣) لصحة الصلاة فيه.

(٤) لشبهة إحتمال عدم صدق الثوبين عليهما.

(٥) يمكن ان يستفاد ذلك من روايات جواز لبس المخيط لهنَّ وغير ذلك.

(٦) وجزم بعدم الجواز السيد الخوئي واعاظم تلامذته، ومن القدماء

=

٧٢

الحرير، بل الاحوط ان لاتلبس شيئا من الحرير الخالص في جميع أحوال الإحرام(١) إلا في حال الضرورة كالاتقاء من البرد والحر(٢) .

مسألة ٦٢: إذا تنجس أحد الثوبين أو كلاهما بعد التلبس بالإحرام فالأحوط(٣) المبادرة إلى التبديل أو التطهير(٤) .

____________________

=

الصدوق والشيخ في المقنعة والسيد في الجمل والشهيد في الدروس، وذهب الى الجواز المفيد في احكام النساء وابن ادريس وأكثر المتأخرين، ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات، ولعل النصرة للقائلين بالجواز والله العالم.

(١) لاطلاق النصوص.

(٢) ففي موثقة سماعة عنهعليه‌السلام « لاينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة، فاما في الحر والبرد فلا بأس ».

(٣) مر انه يشترط طهارة ثوبي الاحرام عند عقده، وهل يشترط ذلك استدامة كما هو ابتداءا ؟ مقتضى ظهور جملة من الروايات اشتراط ذلك، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي احرم فيها وبين غيرها، قال: نعم إذا كانت طاهرة » وفي صحيحة الاخرى قال: سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة ؟ قال: لايلبسه حتى يغسله، واحرامه تام» ودعوى ان قولهعليه‌السلام «لايلبسه» ظاهر في أنه لم يتحقق اللبس بعد، باطلة لاستعمال مثل هذه الصيغة في الرفع والدفع، ومع اشتراط الطهارة استدامة لابد من المبادرة العرفية للتطهير او التبديل.

(٤) * فمرشد الحاج او غيره اذا تطلب عمله ان يبقى فترة طويلة في

٧٣

مسألة ٦٣: لا تجب الاستدامة في لباس الإحرام، فلا بأس بإلقائه عن متنه لضرورة أو غيره ضرورة(١) ، كما لا بأس بتبديله على ان يكون البدل واجداً للشرائط.

تروك الإحرام

قلنا في ما سبق: إن الإحرام لا ينعقد بدون التلبية أو ما بحكمها وإن حصلت منه نية الإحرام، وإذا أحرم المكلّف حرمت عليه أمور، وهي خمسة وعشرون(٢) كما يلي:

١ - الصيد البري، ٢ - مجامعة النساء ٣ - تقبيل النساء، ٤ لمس المرأة، ٥ - النظر إلى المرأة وملاعبتها، ٦ - الاستمناء، ٧ - عقد النكاح ٨ - استعمال الطيب، ٩ - لبس المخيط أو مابحكمه للرجل،

____________________

(١) وهي على ثلاثة أقسام، الأول: مشترك بين الرجال والنساء، والثاني، مختص بالرجال دون النساء، والثالث، مختص بالنساء دون الرجال.

(٢) وهي على ثلاثة أقسام، الأول: مشترك بين الرجال والنساء، والثاني، مختص بالرجال دون النساء، والثالث، مختص بالنساء دون الرجال·

٧٤

١٠ - التكحل، ١١ - النظر في المرآة، ١٢ - لبس الخف والجورب للرجال ١٣ - الفسوق، ١٤ - المجادلة، ١٥ - قتل هوام الجسد، ١٦ التزين، ١٧ - الأدهان ١٨ - إزالة الشعر من البدن، ١٩ - ستر الرأس للرجال وهكذا الارتماس في الماء حتى على النساء، ٢٠ - ستر الوجه للنساء، ٢١ - التظليل للرجال، ٢٢ - إخراج الدم من البدن، ٢٣ - التقليم، ٢٤ - قلع الضرس ٢على قول، ٢٥ - حمل السلاح.

١ - الصيد البري

مسألة ٦٤: لا يجوز للمحرم استحلال شيء من صيد البرّ، سواء في ذلك اصطياده وقتله وجرحه وكسر عضو منه، بل مطلق إيذائه، كما لايجوز ذلك للمحلّ في الحرم أيضا، والمراد بالصيد الحيوان الممتنع بالطبع وإن تأهل لعارض، ولافرق فيه بين أن يكون محلّل الأكل أم لا على الاظهر(١) .

مسألة ٦٥: تحرم على المحرم إعانة غيره - مُحلاً كان أو محرماً - على صيد الحيوان البرّي، حتى بمثل الاشارة إليه، بل الأحوط عدم

____________________

(١) لشمول إطلاق الروايات لكل حيوان بري مطلقا.

٧٥

إعانته في مطلق مايحرم على المحرم استحلاله من الصيد.

مسألة ٦٦: لا يجوز للمُحرِم إمساك الصيد البري، والاحتفاظ به سواء اصطاده هو - ولو قبل إحرامه - أم غيره في الحلّ أم الحرم.

مسألة ٦٧: لايجوز للمحرم أكل شيء من الصيد وإن كان قد اصطاده المحل في الحلّ، كما يحرم على المحلّ - على الاحوط - مااصطاده المحرم في الحل قتله بالاصطياد أو ذبحه بعد اصطياده، وكذلك يحرم على المحلّ مااصطاده أو ذبحه المحرم أو المحلّ في الحرم.

* مسألة ٦٨: إذا اصطاد المحرم حيوانا في الحرم فأخرجه إلى خارج الحرم جاهلا بالحكم أو عالما به يجب عليه إعادته إلى الحرم.

مسألة ٦٩: يثبت لفرخ الصيد البّري حكم نفسه، وأما بيضه فلا يبعد حرمة أخذه وكسره وأكله على المحرم، والاحوط ان لايعين غيره على ذلك ايضا.

مسألة ٧٠: الأحكام المتقدمة - كما ذكرنا - إنما تختص بصيد البرّ، ومنه الجراد، وأما صيد البحر فلا بأس به، والمراد بصيد البحر ما يعيش في الماء فقط كالسمك، واما ما يعيش في الماء وخارجه فملحق بالبري، ولا بأس بصيد ما يشك في كونه برياً على الأظهر.

مسألة ٧١: كما يحرم على المحرم صيد البرّ كذلك يحرم عليه

٧٦

قتل شيء من الدوابّ وإن لم يكن من الصيد، ويستثنى من ذلك موارد:

١ - الحيوانات الاهلية - إن توحشت - كالغنم والبقر والإبل، ومالايستقلّ بالطيران من الطيور كالدجاج حتى الدجاج الحبشي (الغرغر) فإنه يجوز له ذبحها، كما لابأس بذبح مايشك في كونه أهلياً.

٢ - ماخشيه المحرم على نفسه أو أراده من السباع والحيات وغيرهما، فإنه يجوز له قتله.

٣ - سباع الطيور إذا آذت حمام الحرم، فيجوز قتلها أيضاً.

٤ - الأفعى والأسود الغدر وكل حيّة سوء والعقرب والفارة، فإنه يجوز قتلها مطلقاً، ولاكفارة في قتل شيء ممّا ذكر، كما لاكفارة في قتل السباع مطلقا - إلا الاسد - على المشهور.

وقيل بثبوت الكفارة - وهي قيمته - في قتل مالم يرده منها.

مسألة ٧٢: لابأس للمحرم أن يرمي الغراب والحدأة، ولاكفارة لو أصابهما الرمي وقتلهما.

* مسألة ٧٣: لايجوز للمحرم قتل الوزغ.

١ - كفّارات الصيد

مسألة ٧٤: في قتل النعامة بدنة، وفي قتل بقرة الوحش بقرة،

٧٧

وكذا في قتل حمار الوحش على الأحوط، وفي قتل الظبي والأرنب شاة، وكذلك في الثعلب على الأحوط.

مسألة ٧٥: من اصاب شيئاً من الصيد، فان كان فداؤه بدنة ولم يجد مايشتريه به فعليه اطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين مد، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً، وإن كان فداؤه بقرة ولم يجدها فليطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر صام تسعة أيام، وإن كان فداؤه شاة ولم يجد فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام.

مسألة ٧٦: في قتل القطاة والحجل والدراج ونظيرها حمل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر، وفي العصفور والقبرة والصعوة مد من الطعام على الاظهر، وفي قتل غير ماذكر من الطيور - كالحمامة ونحوها - شاة، وفي فرخه حمل أو جدي، وحكم بيضه إذا كان فيه فرخ يتحرّك حكم الفرخ، وإذا كان فيه فرخ لايتحرّك ففيه درهم، وكذا إذا كان مجردا عن الفرخ على الاحوط، وفي قتل جرادة واحدة تمرة أو كف من الطعام، والثاني افضل، ومع التعدد تتعدد الكفارة إلا إذا كان كثيرا عرفا فإن فيه شاة.

مسألة ٧٧: في قتل اليربوع والقنفذ والضب جدي وفي قتل العظاية كف من الطعام.

مسألة ٧٨: في قتل الزنبور متعمداً إطعام شيء من الطعام، واذا كان القتل دفعاً لايذائه فلا شيء عليه.

٧٨

مسألة ٧٩: إذا أصاب المحرم الصيد في خارج الحرم فعليه الفداء، او قيمته السوقية فيما لاتقدير لفديته، وإذا أصابه المحلّ في الحرم فعليه القيمة، إلا في الاسد فإن فيه كبشا على الاظهر، وإذا أصابه المحرم في الحرم فعليه الجمع بين الكفارتين.

مسألة ٨٠: يجب على المحرم ان ينحرف عن الجادة إذا كان فيها الجراد، فان لم يتمكن فلا بأس بقتلها.

مسألة ٨١: لو اشترك جماعة محرمون في قتل صيد، فعلى كل واحد منهم كفّارة مستقلة.

مسألة ٨٢: كفّارة أكل الصيد ككفارة الصيد نفسه، فلو صاده المحرم وأكله فعليه كفارتان.

مسألة ٨٣: إذا كان مع المحل صيد ودخل الحرم يجب عليه ارساله، فان لم يرسله حتى مات لزمه الفداء، ومن أحرم ومعه صيد حرم عليه إمساكه مطلقا كما تقدم، وإن لم يرسله حتى مات لزمه الفداء ولو كان ذلك قبل دخول الحرم على الأحوط.

مسألة ٨٤: لا فرق في وجوب الكفّارة في قتل الصيد وأكله بين العمد والسهو والجهل.

مسألة ٨٥: تتكرر الكفّارة بتكرر الصيد لخطأ أو نسيان أو اضطرار أو جهل يعذر فيه، وكذلك في العمد إذا كان الصيد من المحل في الحرم، أو من المحرم مع تعدد الإحرام، واما اذا تكرر الصيد عمدا

٧٩

من المحرم في إحرام واحد فلا تجب الكفارة بعد المرة الاولى، بل هو ممن قال الله تعالى فيه:( ومن عاد فينتقم الله منه ) .

٢ - مجامعة النساء

مسألة ٨٦: يحرم على المحرم الجماع أثناء عمرة التمتع، وكذا أثناء العمرة المفردة وأثناء الحج قبل الاتيان بصلاة طواف النساء(١) .

مسألة ٨٧: إذا جامع المتمتع أثناء عمرته قُبلاً أو دُبراً عالماً عامداً فإن كان بعد الفراغ من السعي لم تفسد عمرته ووجبت عليه الكفّارة(٢) وهي على الاحوط جزور أو بقرة(٣) ، وإن كان قبل الفراغ

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك أصلا.

(٢) كما هو مقتضى النصوص.

(٣) وذهب بعض الاعاظم إلى ان كفارته شاة والاحوط مافي المتن، وخيّر آخر بين الجزور والبقرة والشاة وإن كان الاحوط ان يكفّر الموسر بالجزور والمتوسط بالبقرة.

والروايات على ثلاث طوائف، ففي صحيحة معاوية انه ينحر جزورا، وفي صحيحة الحلبي عليه جزور او بقرة، وفي صحيحة ابن مسكان عليه دم

=

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

لأنّا نقول: الفرق بينهما أنّا إذا صحّحنا أبطلنا محلّ الجناية ، فضمن المبطل بالأرش ، وفي مسألتنا محلّ الجناية باقٍ ، والجناية لا تنافي الرهن ، ولهذا إذا جنى بعد ما رهن ، تعلّقت به الجناية ، ولم يبطل الرهن.

وأمّا إذا قلنا : لا يصحّ الرهن ، فإن فداه السيّد أو برئ من الجناية ، لم يصر رهناً حتى يبدأ رهنه.

قال الشافعي : ولا فرق بين أن يكون الأرش درهماً والعبد يساوي أُلوفاً أو غير ذلك(١) .

وإنّما كان كذلك ؛ لأنّ اليسير يتعلّق بجميعه كتعلّق الكثير ، ألا ترى أنّه لو رهنه عبداً بدرهم يسوي أُلوفاً ، لم يجز رهنه بشي‌ءٍ آخَر عند غيره قولاً واحداً ، وكذا الجنابة أيضاً.

مسألة ١٢٨ : يصحّ رهن المدبَّر عند علمائنا ؛ لأنّ التدبير عندنا وصيّة وللموصي الرجوع في وصيّته ، وكذا المدبِّر له الرجوع في تدبيره ، وإذا صحّ الرهن ، بطل التدبير ؛ لأنّ ذلك رجوع فيه.

والشافعيّة اختلفوا في هذه المسألة على ثلاث طرق :

منهم مَنْ قال : إنّما يكون الرهن مفسوخاً على القول الذي يقول : إنّ التدبير [ تعليق ](٢) عتقٍ بصفة لا يصحّ الرجوع فيه ، فأمّا إذا قلنا : إنّه وصيّة ، صحّ الرهن ، وكان رجوعاً عن التدبير ، كما إذا أوصى به لزيد ثمّ رهنه ، فإنّه يكون رجوعاً عن الوصيّة ، ويصحّ الرهن.

ومنهم مَنْ قال : يكون الرهن مفسوخاً على القولين ؛ لأنّ السيّد قد يموت فجأةً ، فيبطل مقصود الرهن ، ولا يعلم وقت موته حتى يُباع قبله.

____________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٢٨٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

١٦١

ولأنّ الشافعي قال في الاُمّ : « ولو دبّره ثمّ رهنه ، كان الرهن مفسوخاً ، ولو قال : رجعت عن التدبير ثمّ رهنه ، ففيها قولان »(١) . وهذا نصٌ في أنّه‌ قبل أن يرجع فيه لا يصحّ الرهن قولاً واحداً.

قال هذا القائل : وإنّما كان كذلك لأنّ الرهن ليس بصريح في الرجوع عن التدبير ، فلم يكن رجوعاً ، ويفارق سائر الوصايا حيث كان الرهن رجوعاً عنها ؛ لأنّ التدبير وإن قلنا : إنّه وصيّة فإنّه آكد وأقوى منها ؛ لأنّه عتق يتنجّز بالموت ، وقد يكون بعض الوصايا آكد من بعض ، فيقدّم بعضها على بعض.

ومنهم مَنْ قال : يصحّ الرهن ، ويكون التدبير بحاله ؛ لأنّ الشافعي قال : ما جاز بيعه جاز رهنه(٢) ، والمدبَّر يجوز بيعه. ولأنّ التدبير لا ينافي الوثيقة ؛ لأنّه لا يمنع من البيع عند محلّ الحقّ.

قال : وقول الشافعي : « يكون الرهن مفسوخاً » أراد به إذا امتنع الراهن من بيعه والرجوع في التدبير ، فإنّه يحكم بانفساخ الرهن.

وبيان ذلك : أنّ على هذه الطريقة يكون رهناً براً ، فإن قضاه الراهن من غيره ، كان العبد مدبَّراً. وإن باعه في الدَّيْن ، بطل التدبير.

وإن امتنع من بيعه ومن الرجوع في التدبير ، فإن كان له مالٌ غيره ، قضي الدَّيْن منه ، واُجبر عليه.

وإن لم يكن له مالٌ ، قال أبو إسحاق من الشافعيّة : فيه وجهان :

أحدهما : يُباع عليه ، وينفسخ التدبير.

____________________

(١) الأُمّ ٣ : ١٥٨.

(٢) الأُمّ ٣ : ١٤٩ ، مختصر المزني : ٩٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١.

١٦٢

والثاني : يُحكم بفساد الرهن(١) .

وهذا الوجه الذي تأوّل به صاحب هذه الطريقة كلامَ الشافعي - وهو قوله : « وكان الرهن مفسوخاً » - وحَمَله عليه ليس(٢) بصحيح ؛ لأنّه إذا صحّح رهنه ، لم يجز أن يحكم بفساده بامتناع الراهن عن بيعه ، بل يجب بيعه بحكم الرهن ولزومه.

والطريقة الأوّلة أصحّ في القياس ؛ لأنّ في كون التدبير وصيّةً أو تعليقَ عتقٍ بصفة قولين معروفين ، وقضيّة كونه وصيّةً صحّة الرهن.

والثانية ظاهر كلامه ؛ لأنّ كلامه في الاُمّ كالصريح في القطع بالمنع ؛ لأنّه قال : « ولو دبّره ثمّ رهنه ، كان الرهن مفسوخاً ، ولو قال : رجعت عن التدبير ، ثمّ رهنه فقولان »(٣) فخصّ القولين بما بعد الرجوع.

والثالثة مخالفة لقوله وللقياس(٤) .

والمزني اختار أنّ الرهن يصحّ ، ويبطل التدبير كما ذهبنا نحن إليه - لأنّ التدبير عنده وصيّة - كما قلناه - وقد ثبت أنّه لو أوصى بعبده ثمّ رهنه ، بطلت الوصيّة ، وأنّ الشافعي قال : « لو دبَّر عبده ثمّ قال له : إن أعطيت ورثتي كذا بعد موتي فأنت حُرٌّ ، كان رجوعاً في التدبير ».

قال : ولأنّ الشافعي قال : « لو دبَّر عبده ثمّ وهبه هبة بتاتٍ ، بطل التدبير ، أقبضه في التدبير أو لم يقضه » والرهن كالهبة قبل القبض(٥) .

والجواب : أنّ الذين قالوا : إنّه يصحّ الرهن على القول الذي يقول :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٨.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة: « وليس ». والصحيح ما أثبتناه بدون الواو.

(٣) الأُم ٣ : ١٥٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٩.

(٥) مختصر المزني : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٠٦ ، وانظر أيضاً : الأُمّ ٨ : ١٨.

١٦٣

إنّه وصيّة لا يلزمهم ذلك ، ويحملون كلام الشافعي - الذي حكاه في العتق على أنّه على هذا القول قاله.

ومَنْ قال : لا يصحّ الرهن على القولين فقد ذكرنا فرقة بين التدبير وسائر الوصايا.

فأمّا ما حكاه من مسألة الهبة فمن أصحابنا مَنْ يقول : إذا قلنا : التدبير وصيّة ، صحّت الهبة، وكان رجوعاً عن التدبير. وإذا قلنا : إنّه [ تعليق ](١) عتق بصفة ، لم يكن ذلك مبطلاً للتدبير.

ومنهم مَنْ قال : يكون مبطلاً للتدبير على القولين ؛ لأنّ الهبة تنقل الملك إذا انضمّ إليها القبض ، فكانت أقوى من الرهن ؛ لأنّه لا يفضي - عنده - إلى إزالة الملك ، فافترقا(٢) .

واعلم أنّ عامّة الشافعيّة مالوا إلى ترجيح بطلان الرهن ؛ لأنّ العتق مستحقّ بالتدبير ، فلا يقوى الرهن على دفعه. والجويني اختار الصحّة ، أمّا على قول إنّه وصيّة : فظاهر. وأمّا على قوله إنّه تعليق عتقٍ بصفة : فلأنّه مع ذلك محسوب من الثلث ، بخلاف العتق المعلّق(٣) النازل في حياة المعلِّق ، والدَّيْن محسوب من رأس المال ، ولو مات يخلّف إلّا هذا العبد والدَّيْن مستغرق ولا رهن ، لصرفناه إلى الدَّيْن ، ولم نبال باندفاع العتق ، فلا معنى لمنعه من الرهن لغرض العتق(٤) .

مسألة ١٢٩ : لو رهن عبده ثمّ دبَّره ، قال الشيخرحمه‌الله : يبطل التدبير ؛ لأنّه

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ١٠٦ - ١٠٧.

(٣) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « المطلق » بدل « المعلّق ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٩.

١٦٤

ليس له التصرّف فيه(١) .

والوجه : أن يقال : يقع موقوفاً ، فإن أجاز المرتهن ، صحّ التدبير ، ويكون حكمه أنّه لو مات المالك قبل الرجوع في التدبير ، عُتق من الثلث. ولو قصر الثلث أو لم يكن سواه ، بيع إمّا كلّه ، أو ما يقوم بباقي الدَّيْن ، أو جميعه ، ويبطل التدبير ، كما لو لم يكن رهناً.

ولو لم يجز المرتهن ، احتُمل بطلان التدبير ، وعدمُه ؛ لأنّه تصرّف في الرهن وقد مُنع المتراهنان من التصرّف في الرهن ، وكون هذا التصرّف غير مضرّ بالمرتهن ، فإنّ للمرتهن أن يبيعه في الدَّيْن ، وحينئذٍ يبطل التدبير. ولو لم يبعه وطلب الدَّيْن من باقي التركة ، كان له ذلك ، فإن وفت التركة بالدَّيْن ، قضي منها ، وعُتق المدبَّر من الثلث ، ولا يُجبر المرتهن على ذلك.

وهذا كلّه إذا كان الرهن قد اقترن به الإقباض أو لم يقترن به وقلنا : إنّ الرهن يلزم من عدم الإقباض ، وأمّا إن شرطنا في لزومه الإقباض فدبَّره قبل الإقباض ، بطل الرهن ؛ لأنّه جائز ، وإذا تصرّف تصرّفاً يخالفه ، بطل.

ويُحتمل الصحّة.

وقال الشافعي في الاُمّ : لو رهنه ولم يقبضه ثمّ دبَّره أو باعه أو أصدقه أو وهبه ، بطل الرهن(٢) .

قال الربيع من أصحابه : وفيه قولٌ آخَر : إنّ التدبير يصحّ ، والرهن بحاله(٣) .

وقال باقي الشافعيّة : إنّ قول الربيع من نفسه ، وليس فيها إلّا قولاً

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٣٩ ، المسألة ٣٣.

(٢) الاُمّ ٣ : ١٣٩ ، وانظر : حلية العلماء ٤ : ٤١٣ ، والتهذيب للبغوي ٤ : ١٥.

(٣) الاُمّ ٣ : ١٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥.

١٦٥

واحداً(١) .

وأمّا إن كان بعد الإقباض ، قال الشافعي في الاُمّ : يكون التدبير موقوفاً(٢) ، يريد به أنّ التدبير يصحّ ؛ لأنّ الرهن لا ينافيه.

ثمّ يُنظر فإن انفكّ من الدَّيْن قبل موت سيّده ، فهو مدبَّر.

وإن حلّ الحقّ فإن قضاه الراهن من غيره ، كان مدبَّراً. وإن باعه في الدَّيْن ، بطل التدبير. امتنع من بيعه ومن الرجوع إلى التدبير فإن كان له مال ، قضي منه ، وإلّا بِيع عليه.

وإن مات قبل حلول الحقّ ، فقد حلّ الحقّ بالموت ، ووجب العتق من الثلث.

ثمّ يُنظر فإن خلّف تركةً تفي بالدَّيْن منها ، وعُتق المدبَّر من الثلث. وإن لم يكن غيره ، فإن كان الدَّيْن يستغرق قيمته ، بِيع فيه. وإن كان له بقدر بعضه ، بِيع بقدر الدَّيْن ، وكان عتق الباقي وصيّةً يقف على إجازة الورثة فإن لم يجيزوا ، عُتق ثلث الباقي.

وقال بعض الشافعيّة : عندي أنّ تدبير المرهون يبنى على القولين في عتقه ؛ لأنّ التدبير سبب من أسباب العتق(٣) .

واستبعده بعضهم ؛ لأنّ نصّ الشافعي بخلافه. ولأنّ العتق يُبطل حقّ المرتهن من غير الرهن ؛ لأنّه يمنع من بيعه ، والتدبير لا يمنع البيع ، فلا يبطل حقّ المرتهن ، فاختلفا(٤) .

واعلم أنّ بين القول ببطلان الرهن لو وقع التدبير قبل الإقباض ؛

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥.

(٢) الاُمّ ٣ : ١٥٨ ، وانظر : حلية العلماء ٤ : ٤٢٠.

(٣ و٤ ) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

١٦٦

للتنافي بينهما ، وبين صحّته لو كان بعد الإقباض ؛ لعدم التنافي بينهما لا يخلو من مناقضةٍ مّا. وباقي كلام الشافعي موافق لمذهبنا.

مسألة ١٣٠ : لا يصحّ تعليق العتق بالوصف عند علمائنا أجمع على ما يأتي إن شاء الله تعالى ، فلو قال لعبده : إن دخلت الدار فأنت حُرٌّ ، لم يصح ‌عندنا ، خلافاً للعامّة ، فإنّهم قالوا بصحّته(١) .

فعلى قولنا لو علّق العتق على الصفة ثمّ رهنه ، صحّ الرهن عندنا ، سواء وُجدت الصفة أو لم توُجد ؛ لبطلان العتق.

وقالت الشافعيّة : رهن المعلّق عتقُه بصفةٍ تصوُّره(٢) على وجوه :

أحدهما : أن يرهن بدَيْنٍ حالّ أو مؤجَّل يتيقّن حلوله قبل وجود الصفة ، مثل أن يقول : إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ ، ثمّ يرهنه بحقٍّ حالّ ، أو يحلّ قبل ذلك ، فإنّ الرهن صحيح قولاً واحداً ؛ لأنّ بيعه ممكن عند محلّ الحقّ ، ويُباع في الدَّيْن.

فإن لم يتّفق بيعه حتى وُجدت الصفة ، فيبنى على القولين في أنّ [ أمر ](٣) الاعتبار في العتق المعلّق بحالة التعليق أو بحالة وجود الصفة؟ فإن قلنا بالأوّل ، عُتق ، وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن كان جاهلاً. وإن قلنا بالثاني ، فهو كإعتاق المرهون ، وسيأتي.

والثاني : أن يرهن بدَيْن مؤجَّل يتيقّن وجود الصفة قبل حلوله ، مثل أن يعلّق عتقه بشهر ومحلّ الدَّيْن بعد ذلك ، فإنّ الرهن فاسد قولاً واحداً.

____________________

(١) المغني ١٢ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ١٢ : ٢٧١.

(٢) بدل « تصوّره » في « ث » الطبعة الحجريّة : « يصدر ». وفي « ج ، ر » : « تصوّر ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

١٦٧

ومن الشافعيّة مَنْ خرّج منه قولاً آخَر من قول الشافعي في الثمرة والطعام إذا رهنه إلى محلٍّ يفسد قبله.

وقال غيره : هذا ليس بصحيح ؛ لأنّ الطعام ؛ لأنّ الطعام الرطب الظاهر من جهة الراهن بيعه إذا خشي تلفه ، وجعل ثمنه رهناً ، وهنا له غرض في‌ حصول العتق ، فافترقا.

وقال بعض الشافعيّة : فيه طريقان ، أحدهما : أنّه على القولين في رهن ما يتسارع إليه الفساد ، فعلى قولٍ يُباع إذا قرب أوان وجود الصفة ، ويُجعل ثمنه رهناً.

قال الجويني : هذا إنّما ينتظم إذا قلنا بنفوذ العتق المعلّق قبل الرهن عند وجود الصفة حالة الرهن ، أمّا إذا لم نقل بذلك ، فلا يخاف تسارع الفساد إليه وفوات الوثيقة ، فيُوجّه الخلاف بشي‌ءٍ آخَر ، وهو : أنّ الرهن هل يصلح دافعاً(١) للعتق المستحقّ بالتعليق؟ فتارة : نقول : نعم كالبيع ، واُخرى نقول : لا ؛ لضعفه.

والطريق الثاني وهو المشهور - : القطع بالمنع ؛ لفوات مقصود الرهن قبل المحلّ ، وليس ذلك كرهن ما يتسارع إليه الفساد ؛ لأنّ الظاهر من حال صاحب الطعام الرضا بالبيع عند خوف الفساد لئلّا يضيع ، فالظاهر من حال المعلّق أيضاً العتق(٢) ، وقد تقدّم.

والثالث : أن يجوز تقدّم الصفة على حلول الدَّيْن وبالعكس ، ولا يتيقّن أحد الأمرين ، مثل أن يقول : إذا قام زيد فأنت حُرٌّ ، أو : إذا دخلت الدار ، أو كلّمت فلاناً.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « رافعاً ». والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) كذا ، وفي « العزيز شرح الوجيز » : « والظاهر من حال المعلّق إمضاء العتق ».

١٦٨

قال أبو علي من الشافعيّة : لا يجوز قولاً واحداً ؛ لأنّه عقد الرهن على غرر.

وقال أبو حامد : في ذلك قولان.

قال القاضي أبو الطيّب : إنّ القول الآخَر مخرَّج من صحّة رهن المدبَّر‌ إذا قلنا : إنّ التدبير [ تعليق ](١) عتق بصفة.

قال : وليس بصحيح ؛ لأنّ المدبَّر يُعتق بموت السيّد ، والظاهر بقاء الحياة ، كما صحّ رهن الحيوان وإن جاز أن يموت ، وهنا ليس لوجود الصفة قبل المحلّ أو بعده ظاهرٌ ، فهو غرر لا حاجة إليه(٢) .

وقال أبو حنيفة : إنّ الرهن صحيح ؛ لأنّ ما جاز بيعه رهنه إذا كان محرزاً ، كسائر الأعيان. ولأنّ الأصل استمرار الرقّ(٣) .

مسألة ١٣١ : قد عرفت أنّ مذهبنا بطلان العتق المعلَّق على الوصف ، أمّا لو نذر عتقه ، فإنّه يصحّ إجماعاً ، سواء علّقه على وقت أو وصف ، مثل أن يقول : لله علَيَّ أن اُعتق عبدي هذا إن جاء ، أو : إذا دخل الشهر ، أو أطلقه ، مثل أن يقول : لله علَيَّ أن اُعتق هذا العبد ، أو قيّده(٤) بالتعجيل ، مثل أن يقول : لله علَيَّ أن اُعتق هذا العبد الآن.

وعلى كلّ واحدٍ من هذه التقادير الثلاثة فإنّ ملكه لا يخرج عنه بهذا النذر ، بل بنفس الإعتاق. فحينئذٍ نقول : إن أطلق النذر ، تعلّق بذمّته مقتضاه ، ووجب عليه العتق.

____________________

(١) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٩ - ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩١.

(٣) المغني ٤ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٠.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « قيّد ». والظاهر ما أثبتناه.

١٦٩

وهل يجب في الحال؟ الأقرب : المنع ، بل الأقرب : أن يكون وقته العمر ، كالواجبات الموسّعة.

وإن قلنا : إنّ الأمر للفور ، وجب عتقه معجّلاً ، فيكون حكمه حكم المعلَّق بالتعجيل.

وحكم القول الأقوى حكم النذر المعلّق بالأجل أو الوصف ، إلّا في شي‌ء واحد ، هو أنّ [ في ](١) المطلق يتعلّق وجوب العتق بذمّة الناذر في الحال الوجوبَ الموسَّع ، وفي المقيّد لا يجب.

فلو مات العبد في النذر المطلق أو المقيّد بالتعجيل قبل عتقه ، فإن كان الناذر قد تمكّن من عتقه بعد النذر ، وجب عليه الكفّارة ؛ لخلف النذر ، وإن لم يتمكّن ، لم يجب عليه شي‌ء.

ولو مات(٢) في النذر المقيّد قبل حصول الوصف أو الوقت ، لم يجب عليه شي‌ء ، سواء قلنا : إنّه يجزئه عتقه قبل الوقت أو لا ؛ لأنّ الوجوب يُقيّد بوقتٍ أو وصفٍ ولم يحصل القيد.

ولو قتله مولاه قبل عتقه ، فالأقرب : وجوب الكفّارة في الأقسام الثلاثة.

أمّا في المطلق والمعجّل : فظاهر.

وأمّا في المقيّد بالأجل : فلأنّه فوّت محلّ العتق ، فكانت مخالفة النذر بسببه اختياراً.

وإذ قد تمهّدت هذه المسائل ، فنقول : إن كان النذر مطلقاً أو مقيّداً بالتعجيل ، لم يجز له رهنه ؛ لوجوب تعلّق حقّ العتق به ، ووجوب إخراجه

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٢) في « ج ، ر » : « ولو مات العبد ».

١٧٠

عن ملكه ، فينافي جواز رهنه الذي يقتضي وجوب إبقائه في دَيْن المرتهن محفوظاً عليه حتى يستوفي منه أو من غيره.

وإن كان مقيّداً بالوقت أو الوصف ، فالأقرب : جواز رهنه.

وهل يُباع لو حلّ الدَّيْن قبل الوصف؟ الأولى : المنع ؛ لأنّه وإن‌لم يخرج عن ملكه بالنذر إلّا أنّه تعلّق به حقٌّ لله تعالى ، وبيعه مبطل لذلك الحقّ.

مسألة ١٣٢ : لا يصحّ رهن المكاتَب ، عند علمائنا ، سواء كانت الكتابة مشروطةً أو مطلقةً ؛ لأنّها عقد لازم لا يمكن استيفاء الدَّيْن منه ، لأنّه لا يصحّ بيعه ، وبه قال الشافعي وابن المنذر ؛ لأنّ استدامة القبض في الرهن شرط ولا يمكن ذلك في المكاتب(١) .

وقال مالك : يصحّ رهنه ؛ لأنّه يجوز بيعه وإيفاء الدَّيْن منه ، فعلى هذا يكون ما يؤدّيه في نجوم كتابته رهناً معه ، فإن عجز ، ثبت الرهن فيه وفي مال الكتابة ، وإن عُتق ، كان ما أدّاه من نجومه رهناً بمنزلة ما لو تكسّب العبد القنّ ثمّ مات(٢) .

والحقّ ما قلناه.

نعم ، لو كانت الكتابة مشروطةً وعجز ، فإنّه يصحّ رهنه ؛ لأنّ للمالك حينئذٍ فسخَ الكتابة ، وقد يكون الرهن فسخاً لها ، والأقرب ذلك.

مسألة ١٣٣ : إذا رهن الثمرة على الشجرة منضمّةً مع اُصولها ، صحّ

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٩٥ / ٢٠١٢ ، المغني ٤ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٠ - ٤٠١.

(٢) المغني ٤ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠١.

١٧١

عندنا ، سواء كان يمكن تجفيفها أو لا ، وسواء بدا صلاحها أو لا ، وسواء كان الدَّيْن حالّاً أو مؤجَّلاً ؛ لأنّ الثمرة يصحّ بيعها مطلقاً - على ما تقدّم(١) في باب البيع - فصحّ رهنها كذلك ، خصوصاً وقد انضمّت إلى اُصولها.

وكذا لو رهنها منفردةً عن اُصولها ؛ لما تقدّم.

وقالت الشافعيّة : إن رهنها منضمةً مع الاُصول ، فإن كانت الثمرة ممّا يمكن تجفيفها ، صحّ الرهن ، سواء بدا صلاحها أو لا ، وسواء كان الدَّيْنُ حالّا أو مؤجَّلاً.

وإن كانت ممّا لا يمكن تجفيفها وقلنا بالمنع من صحّة رهن ما يتسارع إليه الفساد ، فطريقان :

أشبههما عندهم : أنّه لا يصحّ في الثمار ، وفي الأشجار قولا تفريق الصفقة.

والثاني : يصحّ فيهما(٢) قولاً واحداً ، وتكون الثمار تابعةً للأشجار.

وإن رهنها منفردةً عن الاُصول ، فإن كانت(٣) ممّا لا يمكن تجفيفها ، فهو كرهن ما يتسارع إليه الفساد على وجه الأرض إن كان الدَّيْن(٤) حالّاً ، أو كانت لا تفسد إلى حلوله ، صحّ الرهن.

وإن أمكن تجفيفها ، فإمّا أن يرهن قبل بدوّ الصلاح أو بعده.

فإن رهنها قبل بدوّ الصلاح ، فإن رهنها بدَيْنٍ حالّ وشرط قطعها وبيعها ، أو بيعها بشرط القطع ، جاز. وإن أطلق ، فقولان :

____________________

(١) في ج ١٠ ، ص ٣٥٩ - ٣٦٠ ، المسألة ١٦٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « فيها » بدل « فيهما ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « كان ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « الرهن » بدل « الدين ». والظاهر ما أثبتناه.

١٧٢

أحدهما : لا يجوز ، كما لا يجوز بيعها مطلقاً.

وأصحّهما : الجواز ؛ لأنّ حقّ المرتهن لا يبطل باجتياحها ، وحقّ المشتري يبطل. وأيضاً فإنّ الحلول قرينة يتنزّل منزلة شرط القطع. ولأنّ استحقاق البيع يوجب قطعها ، فأشبه شرط القطع.

وإن كان الدَّيْنُ مؤجَّلاً ، فإن كان يحلّ مع بلوغ الثمار أوان إدراكها أو بعده ، جاز ، كما لو كان حالّاً. وإن كان يحلّ قبل بلوغها وقت الإدراك ، فإن شرط قطعها عند المحلّ ، كان بمنزلة البقول ، وقد أطلق الشافعيّة جواز ذلك.

وللشافعيّة طريقان : منهم مَنْ طرد القولين. ووجه المنع : الشبه(١) بما إذا باع بشرط القطع بعد مدّة. ومنهم مَنْ قطع بالجواز.

وإن كان مطلقاً ، ففيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّه لا يصحّ ، كما لا يصحّ البيع. ولأنّ العادة في الثمار الإبقاء إلى الإدراك ، فأشبه ما لو رهن على أن لا يبيعه عند المحلّ إلّا بعد أيّام.

والثاني : أنّه يصحّ ؛ لأنّ البيع إنّما لم يصحّ لما فيه من الغرر ، وليس في الرهن غرر ، ولا يتلف إن تلف من مال صاحبه. ولأنّ مقتضى الرهن البيع عند المحلّ ، فكأنّه شرط بيعه عند المحلّ.

والثالث - نقله المزني - : أنّه إن شرط القطع حال المحلّ ، صحّ. وإن أطلق ، لم يصح ؛ لأنّ إطلاقه يقتضي بقاءه إلى حال الجذاذ ، وذلك يقتضي تأخير الدَّيْن عن محلّه ، فلا يحتاج إلى الشرط.

وما تقدّم للقول الآخَر من انتفاء الغرر فليس بصحيح.

____________________

(١) في « العزيز شرح الوجيز » : « التشبيه ».

١٧٣

ولأنّ وثيقة المرتهن تبطل بذلك ، ويلزم عليه الرهن المجهول ، فإنّه لا يصحّ وإن لم يكن فيه إلّا جهالة الوثيقة وقد جرت مجرى جهالة الملك.

قال أبو إسحاق : والصحيح أنّه بمنزلة البيع ، وقد نصّ عليه الشافعي في كتاب التفليس.

وإن رهنها بعد بدوّ الصلاح ، جاز بشرط القطع ومطلقاً إن رهنها بدَيْنٍ حالّ أو مؤجَّل في معناه. وإن رهنها بمؤجَّل يحلّ قبل بلوغها أوان إدراكها ، فعلى ما تقدّم في القسم الأوّل(١) .

فروع :

أ - إذا رهن الثمار على الأشجار وصحّ الرهن ، كانت مؤونة السقي والجذاذ والتجفيف على الراهن دون المرتهن. وإن لم يكن له شي‌ء ، باع الحاكم جزءاً منها وأنفقه عليها.

ولو توافق الراهن والمرتهن على ترك السقي ، جاز ، بخلاف علف الحيوان.

وقال بعض الشافعيّة : يُجبر عليه ، كما يُجبر على علف الحيوان(٢) .

ب - لو أراد الراهن أو المرتهن قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ ، فلآخَر منعه ، وبعد [ أوان ](٣) الجذاذ ليس له ذلك ، بل يُباع في الدَّيْن إن حلّ ، وإلّا أمسكه رهناً.

ج - الشجرة التي تثمر في السنة مرّتين يجوز رهن ثمرتها الحاصلة

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٠ - ٤٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩١ - ٢٩٢ ، وانظر : الحاوي الكبير ٦ : ٢٣٤ - ٢٣٥ ، وحلية العلماء ٤ : ٤٣٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

(٣) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ». وبدلها في « روضة الطالبين » : « وقت ».

١٧٤

بالدَّيْن الحالّ والمؤجل الذي يحلّ قبل خروج الثمرة الثانية أو قبل اختلاطها بالاُولى.

فإن شرط أن لا تُقطع عند خروج الثانية ، لم يصح ؛ لأنّه لا يتميّز عند محلّ الحقّ ممّا ليس برهن.

وإن شرط قطعها ، صحّ.

وإن أطلق ، فللشافعيّة قولان :

فإن صحّحنا أو(١) رهن بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتى حصل الاختلاط ، ففي بطلان الرهن قولان كالقولين في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض ؛ لأنّ المرتهن إنّما يتوثّق بعد القبض ، فهو والمرهون عنده كالبائع والمبيع محبوس عنده ، فإن قلنا : يبطل الرهن ، فكذلك ، وإن قلنا : لا يبطل ، فلو اتّفق قبل القبض ، بطل(٢) .

وللشافعيّة فيه وجهٌ آخَر(٣) مضى نظيره فيما إذا تخمّر العصير قبل القبض.

وإذا لم يبطل فلو رضي الراهن بأن يكون الكلّ رهناً أو توافقاً على أن يكون النصف من الجملة مثلاً رهناً ، فذاك.

وإن تنازعا في قدر المرهون ، فالقول قول الراهن مع يمينه ، كما لو اختلطت الحنطة المرهونة بحنطة أُخرى للراهن.

وقال المزني : القول قول المرتهن مع يمينه ؛ لأنّ اليد له ، كما لو تنازعا في ملكٍ(٤) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « أنّه » بدل « أو ». والصحيح ما أثبتناه ، كما في المصدر أيضاً.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

١٧٥

وأجاب باقي الشافعيّة بأنّ اليد تدلّ على الملك دون الرهن ، كما لو‌ قال مَنْ في يده المال : رهنتنيه ، وأنكر المالك ، كان القول قوله(١) .

وقال بعضهم في مسألة الحنطة : إنّ طرد الخلاف محتمل ؛ لتعذّر الفرق(٢) .

د - لو رهن زرعاً بعد اشتداد الحَبّ أو قبله ، صحّ عندنا ؛ لأنّه مال مقوِّم ينتفع به فصحّ رهنه ، كما صحّ بيعه.

وقالت الشافعيّة : إذا رهن الزرع بعد اشتداد الحَبّ ، نُظر إن كان تُرى حَبّاته في السنبلة ، صحّ ، وإلّا فقولان ، كما في البيع. والأصحّ عندهم : المنع(٣) .

ولو رهنه وهو بَقْلٌ ، فهو كما لو رهن الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

وقال بعضهم : إذا كان الدَّيْن مؤجَّلاً ، لم يجز قولاً واحداً وإن صرّح بشرط القطع عند المحلّ ؛ لأنّ الزرع لا يجوز بيعه إذا تسنبل عندهم ، وقد يتّفق الحلول في تلك الحال. ولأنّ زيادة الزرع بالطول ، فهي كثمرة تحدث وتختلط بالمرهون ، وزيادة الثمرة بكبر الحَبّة ، فهي كالسمن(٤) .

البحث الرابع : في الحقّ المرهون به‌

مسألة ١٣٤ : يشترط في المرهون به اُمور ثلاثة : أن يكون دَيْناً ثابتاً في الذمّة حالة الرهن لازماً ، فلا يصحّ الرهن على الأعيان التي ليست مضمونةً ،

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٩ ٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

١٧٦

كالوديعة والعارية غير المضمونة والمستأجرة وغير ذلك من الأمانات ؛ لأنّها‌ ليست ثابتةً في الذمّة عيناً ولا قيمةً.

أمّا الأعيان المضمونة في يد الغير إمّا بحكم العقد - كالمبيع - أو بحكم ضمان اليد - كالمغصوب والمستعار المضمون والمأخوذ على جهة السوم وكلّ أمانة فرّط فيها وبقيت بعينها فالأقوى جواز الرهن عليها ، وبه قال مالك(١) .

وقال أبو حنيفة : كلّ عين كانت مضمونةً بنفسها جاز أخذ الرهن بها ، يريد ما يُضمن بمثله أو قيمته ؛ لأنّ المبيع يجوز أخذ الرهن به ؛ لأنّه مضمون بفساد العقد(٢) .

ويجوز أخذ الرهن بالمهر وعوض الخلع ؛ لأنّه يُضمن بمثله أو قيمته ، وكذلك الصلح عن دم العمد ؛ لأنّه يمكن استيفاء القيمة من الرهن ، فصحّ أخذ الرهن به.

ومَنَع الشافعي من أخذ الرهن على الأعيان المضمونة ، كالغصب والثمن المعيّن والاُجرة المعيّنة ؛ لأنّ العين قبل هلاكها في يده لا تثبت في الذمّة ، فلا يصحّ أخذ الرهن بذلك كالمبيع. ولأنّه إن رهنه على قيمتها إذا تلفت ، فهو رهن على ما ليس بواجب ، ولا يُعلم إفضاؤه إلى الوجوب ، وإن أخذ على عينها ، لم يصح ؛ لأنّه لا يمكن استيفاء عينها من الرهن. ولأنّ غرض الرهن بيع المرهون واستيفاء الحقّ من ثمنه عند الحاجة ، ويستحيل

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٧ - ٤٥٨ ، المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٧.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٤٠ - ٤١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨١.

١٧٧

استيفاء تلك الأعيان من ثمن المرهون(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الاستيفاء إنّما يكون مع الحاجة ، مع وجود العين والتمكّن من أخذها لا حاجة إلى البيع ، وعند عدمها أو تعذّر أخذها على مالكها تجب القيمة ، ولهذا يجوز للمالك أخذ ما يجده من مال الغاصب إذا تعذّر عليه استعادة عينه ، سواء ساوت العين أو خالفتها.

ونقل الجويني للشافعيّة وجهاً : أنّه يجوز أخذ الرهن بها ، بناءً على تجويز ضمان الأعيان المضمونة(٢) .

وفرّق باقيهم بناءً على الظاهر من مذهبهم : أنّ الضمان التزام في الذمّة ، فلو لم تتلف العين المضمونة ، لم يجرّ الالتزام ضرراً ، وفي الرهن دوام الحجر في المرهون يجرّ ضرراً ظاهراً(٣)

مسألة ١٣٥ : وشرطنا كون المرهون به ثابتاً في الذمّة حال عقد الرهن ، فإنّ الذي لم يثبت بَعْدُ لا يجوز الرهن به - مثل أن يرهنه بما يستقرضه منه أو بثمن ما يشتريه منه - عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لأنّه(٥) وثيقة على حقّ ، فلا يجوز قبل ثبوت الحقّ من غير حاجة ، كالشهادة.

وقال أبو حنيفة ومالك : يجوز عقده قبل الحقّ ، وإذا دفع إليه ثوباً وقال : رهنتك هذا على عشرة دراهم تقرضنيها غداً ، وسلم إليه الثوب ثمّ

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٧ - ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥ ، الوسيط ٣ : ٤٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « لأنّها ». والصحيح ما أثبتناه.

١٧٨

أقرضه الدراهم ، لزم الرهن(١) .

وحكاه القاضي ابن كج من الشافعيّة عن‌ بعض أصحابه أيضاً إذا عيّن ما يستقرضه(٢) .

ومنهم مَنْ قال : لو تراهنا بالثمن ثمّ لم يفترقا حتى تبايعا ، صحّ الرهن ؛ إلحاقاً للحاصل في المجلس بالمقترن بالإيجاب والقبول(٣) .

وعلى ظاهر مذهب الشافعيّة لو ارتهن قبل ثبوت الحقّ وقبضه ، كان مأخوذاً على جهة سوم الرهن ، فإذا استقرض أو اشترى ، لم يصر رهناً إلّا بعقدٍ جديد(٤) .

وفيه وجهٌ لهم : أنّه يصير رهناً(٥) .

واحتجّ أبو حنيفة بأنّ ذلك وثيقة ، فجاز أن يكون عقدها موقوفاً على حقٍّ يحدث في المستقبل ، كضمان الدرك(٦) .

والفرق - على تقدير تسليم جوازه ؛ فإنّه عندنا باطل ، وللشافعي قولان(٧) - أنّه جاز للحاجة إليه ، والاحتياط في المال(٨) ، بخلاف مسألتنا.

مسألة ١٣٦ : يصحّ عقد الرهن بعد ثبوت الحقّ في الذمّة وتقرّره إجماعاً ؛ لأنّه دَيْنٌ ثابت ، وتدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة ، فجاز أخذها ، كالضمان.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٦) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٨) في « النسخ الخطّيّة » : « والاحتياط للمال ».

١٧٩

ولقوله تعالى( فَرِهنٌ مَقْبُوضَةٌ ) (١) جعله بدلاً عن الكتابة ، فيكون في محلّها ، ومحلّها بعد وجوب الحقّ ؛ لقوله تعالى( إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) (٢) فجَعَله جزاءً للمداينة مذكوراً بعدها بفاء التعقيب.

أمّا لو قارنه وامتزج الرهن بسبب ثبوت الدَّيْن - مثل أن يقول : بعتك هذا العبد بألف وارتهنت هذا الثوب به فقال المشتري : اشتريت ورهنت ، أو قال : أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها دارك - فالأقرب : الجواز - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ الحاجة تدعو إليه ، فإنّه لو لم ينعقد مع ثبوت الحقّ وشرطه فيه ، لم يتمكّن من إلزام المشتري عقده ، وكان الخيار إلى المشتري ، والظاهر أنّه لا يبذله ، فتفوت الوثيقة بالحقّ.

ولأنّ شرط الرهن في البيع والقرض جائز لحاجة الوثيقة ، فكذا مزجه بهما ، بل هو أولى ؛ لأنّ الوثيقة ها هنا آكد ، فإنّ الشرط قد لا يفي به.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : أنّه فاسد ؛ لأنّ أحد شقّي الرهن متقدّم على ثبوت الدَّيْن ، ولو قال لعبده : كاتبتك على ألف وبعت منك هذا الثوب بكذا ، فقال : قبلت الكتابة والبيع ، لا يصحّ البيع(٤) .

وفرّقوا بوجهين :

____________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥ ، الوجيز ١ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، منهاج الطالبين : ١١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦ - ٢٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400