تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء20%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125252 / تحميل: 5205
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الإهداء

أهدي هذا الجهد إلى مولاي صاحب الزيارة الإمام الحسين (ع)

قتيل العبرات المذبوح ظلماً وعطشاً بجنب الفرات

واُقدّمها إليه بتذلّلٍ وخضوع لعلّه يقبلها من عبده.

نزار

٣
٤

المقدّمة

(١)

الحمدُ لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام علی محمّد وآله الطاهرين واللعن الدائم علی أعدائهم إلى يوم الدين.

أمّا بعد :

هذا شرح (زيارة عاشوراء المشهورة العظيمة المرويّة عن الإمام الباقر عليه السّلام) للعالم الربّاني الکبير (حبيب الله الشريف الکاشانی)، لقد وقع بأيدينا بطبعة القديمة التي نفدت في الأسواق من قبل سنين. وفي نفس الوقت إنّ مکتباتنا الإسلاميّة في هذا اليوم تفتقر لشرح زيارة العاشوراء باللغة العربية، ولعلّها توجد باللغة الفارسية. وأيضاً رأيت الکثير من طلّاب العلم وغيرهم يبحثون ويسألون عن شرحٍ لهذه الزيارة العظيمة، ونظراً للحاجة الماسّة توکّلتُ علی الله الذي أستمدّ منه العون والقوّة، وتقرّباً لأهل البيت عليهم السّلام الذين هم ذخيرتی في الدُّنيا والآخرة، وعملي هذا خدمةً لآثارهم وإحياءً لفضائلهم عليهم السّلام.

وعملتُ في تحقيق وتصحيح هذا الشرح القيّم النادر، وحاولت أن أحصل علی نسخةٍ خطية لهذا الشرح واستمرّ البحث عدّة شهور وأخيراً أعانني الأخ المحترم المحقّق (الشيخ ماجد بن أحمد العطيّة) وجاءني بنسخةٍ خطيّة من (مرکز إحياة التراث الإسلامي) وعدد صفحاتها (٢٥) صفحة وکلّ صفحة تضمّ (١٨) سطراً إلاّ الصفحة الأولی، ولکن للأسف کانت النسخة الخطية ناقصة،

٥

وقابلتُ النسخة المطبوعة قديماً والنسخة الخطية فوجدتُ بعض التفاوت وأشرت إلى الاختلاف الذی بينهما. وفی نفس الوقت علقت بعض التعليقات والتوضيحات وأشرت بعض الاشارات، وذکرنا في المقدمة من آثار وبرکات هذا الزيارة.

وأخير أحمد الله تعالی وأستغفره عن کل هفوة وزلّة صدرت منا. وأساله أن يوفقنا لخدمة الدين وأهله بحقّ محمد وآله الطاهرين.

٦

ترجمة الشارح

(٢)

١. اسمه :

هو العلّامة المجتهد آية الله العظمی الملّا حبيب الله الشريف الکاشانی (أعلی الله مقامه).

٢. والده :

هو الفقيه المولی علی مدد الساوجی المتوفی سنة ١٢٧٠هـ بساوة والمدفون بمدينة قم المقدسة بجوار ابن بابويه والملّا مهدي النراقي وکان من أجلّاء علماء عصره ومشاهير فضلاء زمانه، وله مولّفات قيّمة.

٣. والدته :

العلوية الشريفة کريمة العلامة المحقق السيدالحسين الکاشانی (طاب ثراه).

٤. مولده :

ولد في مدينة کاشان وتاريخ ولادته علی ما ذکره بنفسه في آخر کتابه (لباب الألقاب) قال : «وأمّا تاريخ ولادتی فلم أتحققه في مکتوب من الوالد الماجد وإنّما ذکرت والدتی المرحومة أن ولادتك کانت قبل وفاة السلطان الغازی محمد شاه القاجاري بسنتين، وتاريخ وفاته علی ما حقّقناه سنة (١٢٦٤) من الهجرة النبوية.

٧

٥. وفاته ومدفنه :

لقد أجاب داعی الله وعرج بروحه المقدّسه إلى دار السلام وجوار أوليائه الکرام، فلحق بالرفيق الاعلی في صبح يوم الثلاثاء ٢٣ جمادي الثانية عام (١٣٤٠) هجرية من عمر جاوز الثمانين. وشيعته بلدة کاشان برمتها والوفود التی حضرت کاشان من ضواحيها ونواحيها بتشييع حافل بالعلماء والوجوه العلمية وسائر الطبقات، وحمل جثمانه علی الرووس والاکتاف مارين به في البلد حتی جیء به إلى خارج البلد في محل يسمی «دشت أفروز». هذا، والأعلام تخفق أمام نعشه ومواكب اللطم والعزاء خلفه يردّدون أهازيج الحزن بلوعة. ودفن هناک في مقبرته الخاصة وأقيمت لروحه الفواتح في کاشان وفی نواحي اخری من البلاد کما رثته الشعراء والادباء بقصائد مشجية، واليوم مرقده الشريف مزار للخاص والعام في کاشان، ولاسيّما في ليالي الجمعة.

٦. أخلاقه الحميدة :

کان خلاصة علمائنا الاخيار وبقية فقهائنا الابرار، جامعا لانواع الکمالات، ومحاسن الصفات؛من الورع والتقوی والتمسک بالعروة الوثقي، وغاية في التواضع والانصاف في نهاية حسن الاخلاق والعفاف والکرام الذی لم يزل بيته مناخا للوالدين والاضياف، محبوبا لدي العوام والخواص، وکان بجانب عظيم من الزهد والتقشف، کان جشب الماکل وخشن الملبس حيث سار بسيرة الاولياء الصالحين من السلف الصالح، وکان صلب الايمان، وافر العقل، حسن الصحبة، ذا اناة وتامل، لم ياخذه الطيش والحدة إذا غضب، ولم تاخذه في الله لومة لائم، وکان مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه.

وکان دائم الذکر والتلاوة، کثير التهجّد والعبادة، وکان متصفا بالاخلاق السنيّة والشيم المرضية ؛ من لين العریکة، وصفاء الحقيقة، وخلوص المحبة ،

٨

وشدة ولائه الاهل بيت العصمة والطهارة وإحياء ذکرهم ببثّ آثارهم الشريفة. وکان کثير التحمل ـ مع کثرة عائلته ـ للفقر والفاقة(١) .

وأيضا هناك ترجمة ضافية لشيخنا المترجم ذکرها بنفسه في آخر کتاب لباب الالقاب منها، قال : (وبالجملة لولا أنَّ تزکية المرء لنفسه قبيحة عند أرباب العقول لفصّلت الکلام فيما منَّ الله عليَّ من الخصائص في الأحوال بما يطول، والقول المجمل في ذلك أنّي لم اشتغل من بدو تمييزی قبل بلوغی إلى هذه السنة ١٣١٩هجري بما اشتغل به اللاهون والغافلون ولم أصرف عمری فيما صرف فيه البطالون ولم احب المخالطة مع الجهلة ولم ارکن إلى الظلمة، بل کنت محبا للاعتزال، مجتبا عن المراء والجدال، وعن قيل والقال، والجواب والسوال الا في مسائل الحلال والحرام، معرضا عن الحسد والطمع وطول الامال، صابرا علی الباساء والضراء وشدائد الاحوال، وان يجعل عاقبتی خيرا مما مضي.

وبالجملة قد وقفت عمری علی التدريس والتاليف والتصنيف ولم اکترث بما اصابنی من اذی کل وضيع وشريف، ولوشئت ان اذکر نبذا مما اصابنی من أهل هذا البلد وشطرا من ابتلائی بشر الحاسد إذا حسد لملات الطوامير وسطرت الاساطير، ولکنی أسدل دونها ثوبا وأطوی عن ذکرها کشحا فان الصبرعلی هاتی احجی وان کان في العين قذی وفی الحلق شجی.

خليلی جربت الزمان وأهله فلا عهدهم عهد ولا ودّهم ود بلاءٌ علينا کوننا بين معشر ولا فيهم خير ولا منهم بدُّ إلى غير ذلك مما ذکره بنفسه.

__________________

١ ـ هذا الکلام ذکره سبطه في آخر کتاب (أحسن الترتيب).

٩

٧. مشایخه في العلم :

اخذ المترجم له علومه الابتدائية في الصرف والنحو والمنطق والمعانی

والبيان والبديع والتجويد من أساتذة الوقت في ساوة وکاشان، وفرغ منها ولم

يتجاوز الخامسة عشر من عمره، ثم شرع في الفقه واصوله لدي جماهة من

الاجلاء والفحول منهم :

١ ـ الفقيه السيد حسين الحسنی الکاشانی وهو جد آية الله العظمی السيد أبي القاسم الکاشانی المتوفی سنة ١٣٨١هـ.

٢ ـ العلامه المحقق الحاج محمد علی اللاجوردي الکاشانی المتوفی سنة ١٢٩٤هـ (مولف تکميل الاحکام في شرح المختصر النافع) و (شرح نتائج الافکار).

٣ ـ العلامة الحاج المولی محمد حسين الارد کانی الشهير بالفاضل الارد کانی نزيل کربلاء المقدسة والمدفون بها.

٤ ـ العلامة الحاج أبو القاسم الشهير بکلانتر وتلميذ الشيخ الانصاری.

٥ ـ العلامة الجليل زين العابدين الگلبايگانی.

٦ ـ الشيخ محمد الاصفهانی ابن اخت صاحب الفصول.

٧ ـ العلامة الحکيم السيد علی شرف الدين الحسينی المرعشی الشهير

ب (سيد الاطباء) المتوفی سنة ١٣١٦هـ مولف کتاب قانون العلاج وهو جد

المرجع الدينی السيد شهاب الدين المرعشی النجفی.

٨ ـ المولی المحقق عبد الهادي المدرس الطهرانی صاحب التعليقة علی القوانين.

هولاء العلماء الکبار الذين تلمذ عندهم المترجم له وغيرهم واجيز منهم أو روی عنهم احاديث العترة الطاهرة عليهم السّلام.

١٠

٨. تلاميذه :

هناك جم غفير وجمع کثير من العلماء الاعاظم الذين قد استفادوا من دروسه، منهم :

١ ـ المرجع الدينی السيد مصطفی الحسينی الکاشانی.

٢ ـ آية الله العظمی السيد محمد بن إبراهيم العلوی البروجردي الکاشانی المتوفی ١٣٦٢هـ.

٣ ـ العلامة المتبحر أبو القاسم القمی.

٤ ـ العلامة الميرزا المحلاتی نزيل اصفهان ومدرسها المشهور. وهو من أساتذة المرجع الکبير السيد حسين البروجردي.

٥ ـ العلامة النسابة السيد شمس الدين محمود الحسينی المرعشی النجفی صاحب الکتاب (مشجرات العلويين الکرام) وهو والد آية الله العظمی شهاب الدين المرعشی النجفی.

٦ ـ العلامة الجليل الشيخ المحمود التبريزی النجفی المتوفی ١٣٨٥هـ.

٧ ـ العلامة الاديب الميرزا شهاب الدين النراقي.

٨ ـ الميرزا أبو القاسم بن الحاج الملا محمد بن الفقيه المولی أحمد النراقي.

٩ ـ وهناک عشرات من أصحاب السماحة والفضيلة الذين درسو عنده ورووا عنه مع الواسطة ولکن نعرض عن ذکرهم بغية الاختصار ومخافة الاطالة.

٩. أولاده :

أعقب شيخنا المترجم له من الأولاد الذکور خمسة، وهم :

١ ـ الشيخ آقا حسين المتوفی سنة ١٣٧٨هـ.

٢ ـ العلامة الفاضل الشيخ مهدي.

١١

٣ ـ العالم الفاضل أحمد الشريف.

٤ ـ الشيخ محمد الشريف، وهذا الشيخ سعی لاحياء آثار والده.

٥ ـ علی الشريف تزيل طهران المعروف باية الله زاده کاشانی.

١٠. شعره :

کان ممن وهبت له قريحة الشعر والنظم، وکانت قريحته نقادة في إنشاد الشعر باللغتين العربية والفارسية، وکان شعره يعتبر من المتوسط، وله ديوان شعر مطبوع أسماه (تشويقات السالکين) أکثرها في المعارف والحکم والامثال والمواعظ ومناقب ومراثی العترة الطاهرة عليهم السّلام.

ومن شعره في الامام المهدي (عج) في قصيدة طولية منها، قال :

يا سليل المصطفی يابن الحسن

يادليل الخلق يا خير البشر

أنت باب الله يوتی منه فی

عصرنا أنت الامام المنتظر

أنت نور العالمين في الدجی

انت شمس في سحاب مکفهر

أنتم ذخری وذخری حبّکم

حبّکم زادي ونعم المتجر

وبکم أرجو الفلاح والهدي

وشفيعی أنت فيما قد صدر

يا ولی العصر يا قطب الوری

خذ بايدينا بيوم لا مفر

قم بامر الله حتی لا يری

غير حکم الله والاثنی عشر

وقريضي لا يليق مدحهم

فليکن هذا مديحا مختصر

ومن شعره في مدح طلب العلم وآدابه في قصيدة طويلة اولها :

يا طالب العلم کم تسعی بلا عمل

وغاية العلم ترک الحرص والامل

إن کنت طالب علم فاهجر الامل

لا يجمع العلم والآمال في رحل

وطالب العلم مجزی بنيته

فاصف قلبک في النيات والعمل

١٢

لا تطلب العلم للدنيا فقد خسروا

طلاب علم لاجل المال والخول

وطالب العلم منهوم بلا شبع

فلا تراه علی الاحوال في عطل

وفکر طالب علم عند معضلة

فی طول ليلة أحلی من العسل

وطالب المال يسعی في معيشه

وطالب العلم مرزوق بلا ملل

الی آخر القصيدة وهی طويلة نکتفی بهذا المقدار منها.

١١. مؤلفاته وآثاره العلمية :

إنَّ شيخنا المترجم له من الافذاذ الذين وفقهم الله سبحانه بکثرة التاليف والتصنيف فاکثر وأجاد فيها، وکانت مؤلفاته في مختلف العلوم وشتی الفنون. وقال هو عند ترجمته لنفسه : (فنلرجع إلى ذکر مؤلفاتی ومصنفاتی مما کان قبل بلوغی إلى هذه السنة مع قلة الاسباب والابتلاء بالاقشاب واختلال البال وکثرة الديون والعيال وعروض الامراض والاعراض من حوادث الدهر الخوان من فقد الخلان وموت الولدان وغير ذلك مما يقصر عنه نطاق البيان، فنقول:- ومن الله التوفيق والتسديد- ترتقي هی إلى مائة وثلاثين بل تزيد(١) .

١ ـ مصابيح الظلام.

٢ ـ مصابيح الدجی.

٣ ـ التذکرة.

٤ ـ حديقة الجمل.

٥ ـ حقائق النحو.

٦ ـ المنظومة في الاصول ألّفها قبل البلوغ، تزيد علی ألف ومائتين من الابيات.

٧ ـ منظومة في افعال الصلاة موسومة بزبدة المقال في نظام الافعال.

٨ ـ لباب الفکر في علم المنطق.

٩ ـ لبُّ النظر في المنطق.

١٠ ـ هداية الضبط في علم الخط.

__________________

١ ـ سوف نذکر العربية منها فقط.

١٣

١١ ـ نخبة التبيان في علم البيان.

١٢ ـ بوارق الدهر في تفسير سورة الدهر.

١٣ ـ کشف السحاب في شرح الخطبة الشقشقية.

١٤ ـ مصاعد الصلاح في شرح دعاء الصباح.

١٥ ـ جذبة الحقيقة في شرح دعاء کميل.

١٦ ـ شرح علی مناجاة الخمسة عشر.

١٧ ـ رسالة في الرد علی البابية وذکر کلماتهم الواهية.

١٨ ـ حکم المواعظ.

١٩ ـ الدر المکنون في شرح ديوان المجنون.

٢٠ ـ صراط الرشاد في الاخلاق.

٢١ ـ رسالة في معنی الصلاة علی محمد وآل محمّد وآله صلّی الله عليه وآله.

٢٢ ـ منتقد المنافع في شرح المختصر النافع.

٢٣ ـ وسيلة المعاد في فضائل محمد وآل محمّد وآله صلّی الله عليه وآله.

٢٤ ـ شرح دعاء صنمی قريش.

٢٥ ـ شرح زيارة وارث.

٢٦ ـ شرح قصيدة الفرزدق.

٢٧ ـ شرح دعاء العديلة.

٢٨ ـ شرح زيارة عاشوراء وهو هذا الکتاب الذی بين يديك.

٢٩ ـ خواص الاسماء.

٣٠ ـ کتاب لباب الالقاب في القاب الاطياب.

١٤

من آثار وبرکات زيارة عاشوراء

(٣)

١. زيارة عاشوراء ورضوان الله تعالی :

کتب الولد الكبير لاية الله الاميني الدكتور محمد هادي الاميني : بعد أربعة سنين من وفاة والدي المرحوم العلّامة الأميني رأيته في إحدي ليالي الجمعة وقبل أذان الفجر سنة ١٣٩٤ هـ في عالم الرؤيا فرحا وعلى هيية حسنة فتقدّمت نحوه، وسلّمت عليه. وسئلته أي الأعمال أوصلتك الى هذه السعادة؟ قال : ماذا تقول أنت؟ وعرضت عليه السوال مرة أخرى هكذا : سيدي في هذا المكان الذي تقيم فيه الان، أي الأعمال أوصلتك اليه : كتاب (الغدير) أو بقية التأليفات. أو تأسيس مكتبة أمير المومنين؟ قال : وضح أكثر لا أعرف المقصود من سوالك هذا، قلت : أنت بعيد الان عنا، وذهبت الى العالم الاخر، فبأي الاعمال العلميّة والخدمات الدينيّة والمذهبية وصلت الى ما أرى؟ فمكث المرحوم الاميني قليلا، ثم قال : فقط عن طريق زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السّلام، ثمّ سألته : أنت تعرف في الوقت الحاضر أن الروابط السياسية بين ايران والعراق غير عادية والذهاب الى كربلاء غير ممكن.

قال : قوموا واشترکوا في مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السّلام فلها ثواب زيارة مرقد أبي الأحرار الحسين عليه السّلام، ثم قال لي : يا ولدي أوصيتك في السابق کثيرا بقراءة زيارة العاشوراء، والآن اُکرر عليك وأقول : إستمر بقراءتها ولا تترکها لأي سبب کان، اقرأها دائما وکأنها جزء من واجباتک اليومية، فإنَّ لهذه الزيارة فوائد

١٥

وبرکات کثيرة، وهي طريق نجاتك في الدنيا والآخرة، أسألکم الدعاء(١) .

٢. زيارة عاشوراء وقضاء الدين :

ذکر العالم الجليل آية الله القوچانی النجفي في مدکراته ضمن خاطراته في المدة التي قضاها في اصفهان، والتي استمرت أربع سنوات من سنة ١٣١٤هـ إلى ١٣١٨هـ. کتبت إلى أبي ليرسل رسالة يشرح لي فيها حالته، لأني قلق عليه، فما أن أرسلت الرسالة، وإذا براسلة من أبي وصلتنی يقول فيها بان زوجته قد توفيت.

وکتبت أيضا : انه قبل عشر السنوات من هذه اقترض مبلغ اثنی عشر تومان لتسديد نفقات سفره لزيارة العتبات المقدسة ولکن بسبب (الربا) وصل القرض إلى ثمانين تومان وکل ماکان يملک أبي لم يصل إلى هذا المقدار، فصممت ان اقرا زيارة عاشوراء ولمدة اربعين يوما، وعلی سطح مسجدالسلطان الصفوی، وطلبت ثلاث حاجات :

الاولی : أداء قرض والدي.

الثانية : طلب المغفرة.

الثالثة : الزيادة في العلم والاجتهاد.

کنت أبدا بالقراءة قبل الظهر واتمها قبل ان يزول الظهر وتستغرق قرائتها مدة ساعتين، فلما تمت الاربعين يوما، وبعد الشهر تقريبا کتب لی الوالد : بان الامام موسی بن جعفر عليهم السّلام أدي قرضي، فکتبت له : لا، الامام الحسين عليهم السّلام أداه، وکلّهم نور واحد(٢) .

__________________

١ ـ زيارة عاشوراء وآثارها العجيبة ص ٤٥.

٢ ـ السياحة الشرقية ص ٢٠٤.

١٦

٣. زيارة عاشوراء ورفع مرض الوباء :

قال المرحوم آية الله الشيخ عبد الکريم الحائری : عند ما کنت مشغولا بدراسة العلوم الدينية في سامراء أصيب أهل تلک المدينة بمرض الوباء وکان في کل يوم يموت عدد کثير منهم. ذات يوم عندما کنت في بيت أستادي المرحوم السيد (محمد الفشارکی) وکان هناک عدد من أهل العلم جاء فجاة المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازی وبدا بالکلام عن الوباء والطاعون، وأن کل الناس معرضون لخطر الموت.

فقال آية الله الفشارکی: إذا أصدرت حکما هل ينفذ؟ ثم قال : هل تعتقدون بأنی مجتهد جامع للشرائط؟

فقال الجالسون : نعم، فقال : إنّی آمر شيعة سامراء أن يلتمزوا بقراءة زيارة عاشوراء لمدة عشرة أيام ويهدون ثوابها إلى روح نرجس خاتون، والدة الامام الحجة ابن الامام الحسن العسکری (عج) ويجعلونها شافعة لنا لدي ولدها لأن يشفع لامتة عند ربه وانی أضمن لکل من يلتزم بقراءة هذه الزيارة أن لايصاب بالوباء.

قال : ما إن صدر هذا الحکم أجمع الشيعة المقيمون في السامراء علی إطاعة الحکم وقراءة الزيارة، وبعد القراءة الزيارة فعلا توقفت الإصابة، بينما کان کل يوم يموت عدد کثير من أبناء العامة ومن شدة خجلهم يدفنون موتاهم بالليل(١) .

وقد سأل بعض العامة عن سبب توقف الوباء فيهم، فقالوا لهم : قرأنا زيارة عاشوراء، فاشتغلوا بقراءة هذه الزيارة المبارکة ورفع عنهم البلاء(٢) .

__________________

١ ـ القصص العجيبة، ص ٤٩٦ للسيد عبد الحسين دستغيب.

٢ ـ نفس المصدر.

١٧

٤. زيارة عاشوراء وزيادة الرزق :

قال الشيخ عبد الجواد الحائری المازندرانی : جاء شخص إلى حضرة شيخ الطائفة : الشيخ زين العابدين المازندرانی يشکو اليه ضيق المعاش، فقال له الشيخ : اذهب إلى ضريح الامام الحسين عليه السلام واقرا زيارة عاشوراء فسياتيک رزقک، واذا لم ياتک ارجع إلى فساطيک ما تحتاج اليه، وبعد فترة من الزمان التقيت به فسالته عن حاله، فقال : عندما کنت مشغول بقراءة الزيارة في حرم الامام أبي الأحرار عليه السّلام جائني رجل وأعطانی مبلغا من المال ففتحت أمامی أبواب الرزق(١) .

٥. زيارة عاشوراء وتسهيل أمر الزواج :

قال أحد الخطباء والوعاظ : جائنی قبل عدة سنين صديق شاب ومؤمن، وطرح لی حاجة مستعصية، وقال : نويت الزواج منذ فترة، ولکنی في کل مرة اتقدم فيها اواجه بعض المشاکل والمصاعب، فقلت له : لعلک تقدمت إلى افراد ليسوا من مقامك وشانك؟

قال : ليس کذالك، واذا لم تصدقنی، تقدم لی أنت إلى عائلة في طبقتی وشانی واخطب لی.

فذهبت إلى أحد أصدقائی الذی کنت مطمئنا منه بأنه يجيبنی وطلبت منه ابنته لهذا الشاب المؤمن في البداية فوافق، وبعد فترة قال : أستخير الله، ومع الاسف أجاب الرد.

هذه القصة آلمتنی کثيرا، وقال لی صديقي : رأيت الحق معی.

__________________

١ ـ تذکرة الزائرين.

١٨

قلت له : لا تؤذ نفسك، ولقضاء مشکلتك اقرأ ـ بعد أداء فريضة صلاة الصبح وتعقيباتها ـ زيارة عاشوراء مع اللعن مائة مرة والسّلام مائة مرة.

فبدأ بقراءة الزيارة، وفي يوم السابع والعشرين جائنی فرحا، وقالت : تقدمت إلى إحدي العوائل، فوافقوا وانا وهم في غاية الرضا، واليوم بعد العصر تقام مراسيم الخطبة، وارجو ان تکون من الشاهدين لها، فقلت له حينئذ : لا تنسي الثلاثة عشر يوما الباقية، وأنت بدأت حياتک الزوجية ببرکة زيارة عاشوراء، وفی أیّ وقت واجهت مشکلة في حياتك توسّل بها لقضائها، فإنها تقضی إن شاء الله(١) .

تم الفراغ من کتابة هذه المقدمة يوم الجمعة ١٦ ذی الحجة ١٤٢٢هـ

قم المقدسة

نزار نعمة الحسن

__________________

١ ـ زيارة عاشوراء وآثارها العجيبة ص ٥٠.

١٩

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

أحدهما : أنّ العبد لا يصير أهلاً للمعاملة مع مولاه حتى تتمّ الكتابة.

والثاني : أنّ الرهن من مصالح البيع ، والبيع ليس من مصالح‌ الكتابة(١) .

ولا استبعاد في سبق أحد شقّي الرهن على ثبوت الدَّيْن ، وإنّما الممنوع منه سبق الرهن عليه. ويُمنع بطلان البيع المقترن بالكتابة.

فروع :

أ - لو قال البائع : ارتهنت وبعت ، وقال المشتري : اشتريت ورهنت ، لم يقع عند الشافعيّة ؛ لتقدّم أحد شقّي الرهن على شقّي البيع(٢) .

وكذا لو قال : ارتهنت وبعت ، وقال المشتري : رهنت واشتريت ؛ لتقدّم شقّي الرهن على أحد شقّي البيع(٣) .

ب - شرط الشافعيّة في الصحّة تقدُّمَ خطاب البيع على خطاب الرهن ، وتقدُّمَ جواب البيع على جواب الرهن.

وبالجملة ، الشرط أن يقع أحد شقّي الرهن بعد أحد شقّي البيع ، والآخَر بعد شقّي البيع(٤) .

ج - لو قال : بِعْني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب ، فقال البائع : بعثت وارتهنت ، كان مبنيّاً على مسألة الاستيجاب والإيجاب.

د - لو قال البائع : بعتك بكذا على أن ترهنني دارك به ، فقال

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨.

(٢و٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

١٨١

المشتري : اشتريت ورهنت ، فالأقرب : الصحّة إن انضمّ قول البائع : « ارتهنت » أو « قبلت » لأنّ الذي وجد منه شرط إيجاب الرهن لا استيجابه ، كما لو قال : أفعل كذا لتبيعني ، لا يكون مستوجباً للبيع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وفي الآخَر : يتمّ العقد وإن لم ينضمّ قول البائع(١) .

والوجه : الأوّل.

مسألة ١٣٧ : يشترط مع ثبوت الدَّيْن لزومه فعلاً حالة الرهن أو قوّةً قريبة من الفعل ، كالثمن في مدّة الخيار ؛ لقرب حاله من اللزوم ، وكما لو شرط الرهن في البيع ، فإنّ الثمن غير ثابت بَعْدُ ، ويصحّ الشرط.

ولا فرق في صحّة الرهن بالدَّيْن اللازم بين أن يكون الدَّيْن مسبوقاً بحالة الجواز أو لم يكن ، ولا بين أن يكون مستقرّاً ، كالقرض ، وأرش الجناية ، وثمن المبيع المقبوض ، أو غير مستقرّ ، كالثمن قبل قبض المبيع ، والاُجرة قبل استيفاء المنفعة ، والصداق قبل الدخول.

أمّا ما ليس بلازم ولا مصير له إلى اللزوم بحال - كنجوم الكتابة عند الشيخ(٢) رحمه‌الله وعند الشافعي(٣) - فلا يصحّ الرهن به ؛ لأنّ الرهن للتوثيق ، والمكاتَب بسيل من إسقاط النجوم متى شاء ، ولا معنى لتوثيقها. ولأنّه لا يمكن استيفاء الدَّيْن من الرهن ؛ لأنّه لو عجز صار الرهن للسيّد ، لأنّه من جملة مال المكاتب.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦ ، الوجيز ١ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢ ، الخلاف ٦ : ٢٩٣ ، المسألة ١٧.

(٣) الأُمّ ٨ : ٤٥ و ٥٠ ، الوجيز ١ : ١٦١ و ٢ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، و ١٣ : ٥١٣ ، حلية العلماء ٦ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧ ، و ٨ : ٥٠٥.

١٨٢

وقال أبو حنيفة : يصحّ الرهن بها(١) . وهو الوجه عندي.

ويُمنع من إثبات السبيل للمكاتَب ، بل نقول : عقد الكتابة أوجب عليه المال ، فليس له إسقاطه باختياره ، بل بالعجز ، لا التعجيز من العبد ، بل من المولى.

ونمنع عدم التمكّن من استيفائه الدَّيْن من الرهن ؛ فإنّ المملوك إذا عجز ولم يعجّزه مولاه ، أمكن استيفاء الدَّيْن من الرهن. وإن عجّزه ، كان الإبراء ، فسقط الدَّيْن ، وبطل الرهن.

ولو جعلنا الخيار مانعاً من نقل الملك في الثمن إلى البائع ، فالظاهر منع الرهن عليه ؛ لوقوعه قبل ثبوت الدَّيْن ، ولا شكّ في أنّه يُباع الرهن في الثمن ما لم تمض مدّة الخيار.

وما كان الأصل في وضعه الجواز - كالجُعْل في الجعالة - فإن كان قبل الشروع في العمل ، لم يصح الرهن عليه ؛ لأنّه لم يجب ، ولا يُعلم إفضاؤه إلى الوجوب واللزوم.

وأمّا بعد الشروع في العمل وقبل إتمامه فالأقوى جوازه ؛ لانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم ، فصار كالثمن في مدّة الخيار ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : المنع ؛ لأنّ الموجب للجُعْل هو العمل ، وبه يتمّ الوجوب ، فكأنّه لا ثبوت له قبل العمل(٢) .

أمّا بعد تمام العمل فإنّه يصحّ إجماعاً ؛ لأنّه لازمٌ حينئذٍ.

وكذا لا يجوز الرهن على الدية من العاقلة قبل الحول ؛ لأنّها لم تجب

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٠٧ - ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩.

(٢) الوجيز ١: ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٨.

١٨٣

بَعْدُ ، ولا يُعلم إفضاؤها إلى الوجوب ، فإنّهم لو جُنّوا أو افتقروا أو ماتوا ، لم تجب عليهم ، فلا يصحّ أخذ الرهن بها. فأمّا بعد الحلول(١) فيجوز ؛ لاستقرارها.

ويحتمل جوازه قبل الحول ؛ لأصالة بقاء الحياة واليسار والعقل.

والمسابقة إن جعلناها عقداً لازماً كالإجارة ، صحّ الرهن على العوض قبل العمل ، وإلّا فلا ؛ لأنّه لا يُعلم إفضاؤها إلى الوجوب ؛ لأنّ الوجوب إنّما يثبت بسبق غير المخرج وهو غير معلوم ولا مظنون.

قال بعض العامّة : إن قلنا : إنّها إجارة ، جاز أخذ الرهن بعوضها. وإن قلنا : جعالة ، فلا(٢) .

وقال بعضهم : إن لم يكن فيها محلّل ، فهي جعالة. وإن كان فيها محلّل ، فعلى وجهين(٣) .

وهذا كلّه بعيد ؛ لأنّ الجُعْل ليس هو في مقابلة العمل بدليل أنّه لا يستحقّه إذا كان مسبوقاً وقد عمل العمل ، وإنّما هو عوض عن السبق ، ولا تُعلم القدرة عليه. ولأنّه لا فائدة للجاعل فيه ولا هو مراد له ، وإذا لم تكن إجازةً مع عدم المحلّل فمع وجوده أولى ؛ لأنّ مستحقّ الجُعْل هو السابق ، وهو غير معيّن ، ولا يجوز استئجار رجلٍ غير معيّن.

مسألة ١٣٨ : لا يجوز أخذ الرهن بعوضٍ غير ثابتٍ في الذمّة ، كالثمن المعيّن والاُجرة المعيّنة في الإجارة ، والمعقود عليه في الإجارة إذا كان منافع معيّنة ، مثل إجارة الدار والعبد المعيّن والجمل المعيّن مدّة معلومة أو لحمل شي‌ء معيّن إلى مكانٍ معلوم ؛ لأنّه حقٌّ تعلَّق بالعين لا بالذمّة ،

____________________

(١) أي بعد حلول الحول.

(٢ و٣ ) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٠.

١٨٤

ولا يمكن استيفاؤه من الرهن ؛ لأنّ منفعة العين لا يمكن استيفاؤها من غيرها ، وتبطل الإجارة بتلف العين.

ولو وقعت الإجارة على منفعةٍ في الذمّة - كخياطة ثوبٍ ، وبناء جدارٍ - جاز أخذ الرهن به ؛ لأنّه ثابت في الذمّة ، ويمكن استيفاؤه من الرهن بأن يستأجر عنه(١) مَنْ يعمل ، فجاز أخذ الرهن به ؛ كالدَّيْن ، ويباع عند الحاجة وتحصل المنفعة من ثمنه.

إذا عرفت هذا ، فكلّ ما جاز أخذ الرهن به جاز أخذ الضمين به ، وما لم يجز الرهن به لم يجز أخذ الضمين به ، إلّا ثلاثة أشياء : عهدة البيع يصحّ ضمانها ولا يصحّ الرهن بها ، والكتابة لا يصحّ الرهن بها على إشكالٍ سبق(٢) ، والأقرب : صحّة الضمان فيها ، وما لم يجب لا يصحّ أخذ الرهن به ، ويصحّ ضمانه ؛ لأنّ الرهن بهذه الأشياء يُبطل الإرفاق ، فإنّه إذا باع عبده بألف ودفع رهناً يساوي ألفاً ، فكأنّه ما قبض الثمن ولا ارتفق به. والمكاتَب إذا دفع ما يساوي كتابته ، فما ارتفق بالأجل ؛ لأنّه كان يمكنه بيع الرهن وإمضاء الكتابة ويستريح من تعطيل منافع عبده ، بخلاف الضمان. ولأنّ ضرر الرهن يعمّ ؛ لأنّه يدوم بقاؤه عند المشتري ، فيمنع البائع التصرّف فيه ، والضمان بخلافه.

ولا يجوز الرهن من المالك على الزكاة قبل الحلول ، ولا رهن العاقلة على الدية قبله ؛ لفوات الشرط ، ويجوز بعده.

مسألة ١٣٩ : لا يشترط في الدَّيْن المرهون به أن لا يكون به رهن ، بل يجوز أن يرهن بالدَّيْن الواحد رهناً بعد رهن ، ثمّ هو كما لو رهنهما معاً.

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « يستأجر من ثمنه ».

(٢) في ص ١٨١ ، المسألة ١٣٧.

١٨٥

ولو كان الشي‌ء مرهوناً بعشرة وأقرضه عشرةً اُخرى على أن يكون‌ مرهوناً بها أيضاً ، صحّ - وبه قال مالك والشافعي في القديم(١) - كما تجوز الزيادة في الرهن بدَيْنٍ واحد.

والجديد : أنّه لا يجوز - وبه قال أبو حنيفة - كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن(٢) ، وإن وفى بالدَّيْنين جميعاً ، فإن أراد توثيقهما فليفسخا وليستأنفا رهناً بالعشرين ، بخلاف الزيادة في الرهن بدَيْنٍ واحد ؛ لأنّ الدَّيْن يشغل الرهن ولا ينعكس ، فالزيادة في الرهن شغل فارغ ، والزيادة في الدَّيْن شغل مشغول(٣) .

ويُمنع حكم الأصل ؛ فإنّه لا استبعاد في صحّة الرهن عند غير المرتهن ، ويكون موقوفاً على إجازة المرتهن ، فإن أجاز المرتهن الأوّلَ ، صحّ الثاني.

والأقرب : أنّه لا يبطل الرهن الأوّل ، بل يتقدّم الثاني ، فإن فضل بعد دَيْن الثاني شي‌ء ، اختصّ بالأوّل ، فإن كان قد بقي من العين شي‌ء ، اختصّ الأوّل به. وإن بِيع الجميع وفضل من الثمن فضلة ، اختصّ الأوّل بها ؛ لأنّه كقيمة المتلف من الرهن يختصّ المرتهن بها دون غيره من الدُّيّان.

سلّمنا ، لكنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ الدَّيْنين إذا كانا لواحدٍ ، لم يحصل من التنازع ما إذا تعدّد.

ولو جنى العبد المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن على أن يكون العبد مرهوناً بالفداء والدَّيْن الأوّل ، صحّ عندنا ، وبه قال الشافعي(٤) .

____________________

(١ و ٣ ) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣ ، الوجيز ١ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة الحجريّة : « المرهون » بدل « المرتهن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

١٨٦

ولأصحابه طريقان :

أظهرهما عندهم : القطع بالجواز ؛ لأنّه من مصالح الرهن من حيث [ إنّه ](١) يتضمّن استبقاءه(٢) .

والثاني : أنّه(٣) على القولين(٤) .

ولو اعترف الراهن بأنّه رهن على عشرين ثمّ ادّعى أنّه رهن أوّلاً بعشرة ثمّ رهن بعشرة اُخرى ونازعه(٥) المرتهن ، فلا فائدة لهذا الاختلاف عندنا وعند قديم الشافعي.

وفي الجديد : يقدّم قول المرتهن مع اليمين ؛ لأنّ اعتراف الراهن يقوّي جانبه ظاهراً(٦) .

ولو قال المرتهن في جوابه : فسخنا الرهن الأوّل واستأنفنا بالعشرين ، قدّم قول المرتهن أيضاً ؛ لاعتضاد جانبه بقول صاحبه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : قول الراهن ؛ لأنّ الأصل عدم الفسخ(٧) .

وفرّعوا عليه أنّه لو شهد شاهدان أنّه رهن بألف ثمّ رهن بألفين ، لم يحكم بأنّه رهن بألفين. ما لم يصرّح الشهود بأنّ الثاني كان بعد فسخ الأوّل(٨) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) في العزيز شرح الوجيز و « ر ، ث » : « استيفاءه ».

(٣) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة و « ج » : « أنّهما ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة « أنهما » والظاهر ما أثبتناه

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

(٧ و ٨ ) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

١٨٧

الفصل الثاني : في القبض‌

مسألة ١٤٠ : اختلف علماؤنا في القبض هل هو شرط في لزوم الرهن أو لا؟ على قولين :

أحدهما : أنّه شرط - وهو أحد قولي الشيخ(١) رحمه‌الله ، وقول المفيد(٢) رحمه‌الله - فلو رهن ولم يقبض ، كان الرهن صحيحاً غير لازم ، بل للراهن الامتناع عن الإقباض ، والتصرّف فيه بالبيع وغيره؛ لعدم لزومه - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية. وفي الثانية : أنّه شرط في المكيل و(٣) الموزون(٤) - لقوله تعالى :( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (٥) وَصَفَها بكونها مقبوضةً.

ولقول الباقر(٦) عليه‌السلام : « لا رهن إلّا مقبوضاً »(٧) .

ولأنّه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول ، فافتقر إلى القبض كالقرض. ولأنّه

____________________

(١) النهاية : ٤٣١.

(٢) المقنعة : ٦٢٢.

(٣) في «ث ، ج ، ر » : « أو » بدل « و».

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٣٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٢ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧١ - ٤٧٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٧ ، المغني ٤ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٠.

(٥) البقرة : ٢٨٣.

(٦) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « الصادق » بدل « الباقر ». وما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر ولما في مختلف الشيعة ٥ : ٤١٨ ، ضمن المسألة ٣٧ ( الفصل الثالث : في الرهن ).

(٧) التهذيب ٧ : ١٧٦ / ٧٧٩.

١٨٨

رهن لم يقبض ، فلا يلزم إقباضه ، كما لو مات الراهن.

والثاني : أنّه ليس بشرط ، بل يلزم الرهن بمجرّد العقد - وهو القول الثاني للشيخ(١) رحمه‌الله وقول ابن إدريس(٢) ، وبه قال مالك وأحمد في الرواية الاُخرى(٣) - لقوله تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) ولأنّه عقد يلزم بالقبض فلزم قبله(٥) ، كالبيع.

ولا حجّة في وصف الرهن بالقبض ؛ لأنّ القصد بالآية كمال الإرشاد ، ولهذا أمر تعالى بالكتابة(٦) ، وليس شرطاً مع الأمر ، فكيف يكون الوصف شرطاً مع انتفاء الأمر!؟ على أنّ نفس الرهن ليس شرطاً في الدَّيْن.

والحديث ضعيف السند.

والفرق مع القرض ظاهر ؛ فإنّه مجرّد إرفاقٍ ، بخلاف الرهن ؛ فإنّه لا ينفكّ عن معارضةٍ مّا.

مسألة ١٤١ : القبض هنا كالقبض في البيع وغيره ، وهو إمّا التخلية مطلقاً على رأي ، أو النقل والتحويل فيما يُنقل ويُحوّل ، والكيل والوزن فيما يُكال ويوزن ، والتخلية فيما لا يمكن فيه شي‌ء من ذلك.

وقال بعض الشافعيّة : لو جوّزنا التخلية في المنقول في البيع ،

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٢٣ ، المسألة ٥.

(٢) السرائر ٢ : ٤١٧.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٧٤ ، التلقين ٢ : ٤١٦ ، الذخيرة ٨ : ١٠٠ ، المعونة ٢ : ١١٥٣ ، المغني ٤ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦ ، الوسيط ٣ : ٤٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢.

(٤) المائدة : ١.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « فيه » بدل « قبله ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٦) البقرة : ٢٨٢.

١٨٩

لم تكف هنا ؛ لأنّ القبض(١) مستحقّ في البيع ، وهنا بخلافه(٢) .

ويشترط في القبض صدوره من جائز التصرّف ، وهو الحُرّ المكلّف الرشيد غير المحجور عليه لسفهٍ أو فلْسٍ. ويعتبر ذلك حال رهنه وإقباضه ؛ لأنّ العقد والتسليم ليس بواجب ، وإنّما هو إلى اختيار الراهن فإذا لم يكن له اختيار صحيح ، لم يصح. ولأنّه نوع تصرّفٍ في المال ، فلا يصحّ من المحجور عليه من غير إذن ، كالبيع.

وتجري النيابة في القبض كما تجري في العقد ، ويقوم قبض الوكيل مقام قبضه في لزوم الرهن وسائر أحكامه.

وهل يجوز أن يستنيب المرتهن الراهنَ في القبض؟ مَنَع منه الشافعي ؛ لأنّ الواحد لا يتولّى طرفي القبض(٣) .

وليس جيّداً ، كالجدّ والأب.

وحكم عبده ومدبَّره واُمّ ولده حكمه ؛ لأنّ يدهم وجهان للشافعي :

أحدهما : الجواز ؛ لانفراده باليد والتصرّف.

وأصحّهما : المنع ، فإنّه عبده القنّ ، وهو متمكّن من الحجر عليه(٤) .

مسألة ١٤٢ : لو أودع مالاً عند إنسان أو أعاره منه أو كان مستاماً أو كان

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة الحجريّة : « الرهن » بدل « القبض » وذلك لا معنى له ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٨.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ١٠ ، الوسيط ٣ : ٤٨٦ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٧.

(٤) الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٧.

١٩٠

وكيلاً ثمّ رهنه منه ، فإن لم نشترط القبض ، فلا بحث ، ويلزم الرهن بمجرّد العقد. وإن شرطناه ، فالأقرب : أنّه يلزم الرهن بمجرّد العقد أيضاً ؛ لأنّه‌ مقبوض للمرتهن ، فيندرج تحت الآية(١) ، وبه قال أحمد ؛ فإنّ اليد ثابتة والقبض حاصل ، وإنّما تغيّر الحكم لا غير ، ويمكن تغيّر الحكم مع استدامة القبض ، كما لو طُولب بالوديعة فجحدها ، تغيّر الحكم ، وصارت مضمونةً(٢) عليه من غير أمرٍ زائد. ولو عاد الجاحد فأقرّ بها وقال لصاحبها : خُذْ وديعتك ، فقال : دَعْها عندك وديعةً كما كانت ولا ضمان عليك فيها ، لتغيَّر الحكم من غير حدوث أمرٍ زائد(٣) .

وقال الشافعي : لا يصير رهناً حتى تمضي مدّة يتأتّى قبضه فيها ، فإن كان منقولاً ، فبمضيّ مدّة يمكن نقله فيها. وإن كان مكيلاً ، فبمضيّ مدّة يمكن كيله فيها. وإن كان غير منقول ، فبمضيّ مدّة التخلية. وإن كان غائباً عن المرتهن ، لم يصر مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله ثمّ تمضي مدّة يمكن قبضه فيها ؛ لأنّ العقد يفتقر إلى القبض ، والقبض إنّما يحصل بفعله أو إمكانه(٤) .

واعلم أنّ الشافعي قال في الجديد : لا بُدّ من إذنٍ جديد في القبض(٥) .

ولو وهبه منه ، فظاهر قوله أنّه يحصل القبض من غير إذنٍ جديد.

ولأصحابه طرق ثلاثة.

____________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) في النسخ والطبعة الحجريّة : « وصار مضموناً ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) المغني ٤ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٦ - ٤٢٧.

(٤) المغني ٤ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٦ ٤٢٧.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٨.

١٩١

أظهرها : أنّ فيه قولين :

أحدهما : أنّه لا حاجة في واحد من العقدين إلى الإذن في القبض ، بل إنشاؤهما مع الذي في يده المال يتضمّن الإذن في القبض.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا بُدّ منه ؛ لأنّ اليد الثابتة كانت من غير جهة الرهن ، ولم يجر تعرّض للقبض بحكم الرهن.

والثاني : تقرير القولين.

والفرق : أنّ الهبة عقد تمليك ، ومقصوده الانتفاع ، والانتفاع لا يتمّ إلّا بالقبض ، والرهن توثيق ، وأنّه حاصل دون القبض ، ولهذا لو شرط في الرهن كونه في يد ثالثٍ ، جاز. ولو شرط مثله في الهبة ، فسد ، وكانت الهبة ممّن المال في يده رضا بالقبض.

والثالث : القطع باعتبار الإذن الجديد فيهما ، فيتناول قوله في الهبة ، وسواء شرط إذن جديد في القبض أو لم يشترط ، فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان [ يتأتّى ](١) فيه صورة القبض ، لكن إذا شرط الإذن ، فهذا الزمان معتبر من وقت الإذن ، فإن لم يشترط ، فهو معتبر من وقت العقد.

وله قولٌ آخَر : لا حاجة إلى مضيّ هذا الزمان ، ويلزم العقد بنفسه.

والأقوى عندهم : الأوّل ؛ لأنّا نجعل دوام اليد كابتداء القبض ، فلا أقلّ من زمان يتصوّر فيه ابتداء القبض. ولو كان غائباً ، اعتبر زمان يمكن المصير فيه إليه ونقله.

وهل يشترط مع ذلك نفس المصير إليه ومشاهدته؟ له(٢) وجهان :

أحدهما : نعم ، ليتيقّن حصوله ويثق به.

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) كذا ، والظاهر : « لهم »

١٩٢

وأصحّهما عندهم : لا ، ويكتفى بأنّ الأصل بقاؤه.

واختلفوا في محلّ القولين ، منهم مَنْ جَعَله احتياطاً. ومنهم مَنْ حمله‌ على ما إذا كان المرهون ممّا يتردّد في بقائه في يده بأن كان حيواناً غير مأمون الآفات ، أمّا إذا تيقّنه ، فلا حاجة إليه.

وعلى اشتراط الحضور والمشاهدة فهل يشترط النقل؟ وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لأنّ قبض المنقول به يحصل.

والثاني : لا يشترط ؛ لأنّ النقل إنّما يعتبر ليخرج من يد المالك ، وهو خارج هنا.

وإذا شرط الحضور أو النقل معه ، فهل يجوز أن يوكّل؟ فيه وجهان :

أصحّهما عندهم : الجواز ، كما في ابتداء القبض.

والمنع ؛ لأنّ ابتداء القبض - وهو النقل - وُجد من المودع ، فليصدر تتمّته منه(١) .

ولو ذهب إلى موضع المرهون فوجده قد خرج من يده ، فإن أذن له في القبض بعد العقد ، فله أخذه حيث وجده. وإن لم يأذن ، لم يأخذه حتى يقبضه الراهن ، سواء شرطنا الإذن الجديد أو لم نشرطه.

ولو رهن الأب مال الطفل من نفسه أو ماله من الطفل ، ففي اشتراط مضيّ زمان يمكن فيه القبض وجهان ، فإن شرطناه فهو ، كما لو رهن الوديعة من المودع ، فيعود الاختلاف المذكور ، وقصد الأب قبضاً وإقباضاً(٢) نازل منزلة الإذن الجديد.

أمّا لو باع المالك الوديعةَ ، أو العاريةَ ممّن في يده ، فهل يعتبر زمان

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٨ - ٣٠٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « وافياً » بدل « وإقباضاً ». والصحيح ما أثبتناه.

١٩٣

إمكان القبض لجواز التصرّف وانتقال الضمان؟ الأقرب عندنا : المنع - وهو‌ أحد وجهي الشافعي(١) - لأنّه مقبوض حقيقةً ، ولأنّ البيع يفيد الملك ، ولا معنى مع اجتماع الملك واليد لاعتبار شي‌ء آخَر.

والثاني : نعم(٢) .

وهل يحتاج إلى الإذن في القبض؟ إن كان الثمن حالّاً ولم يوفّه ، لم يحصل القبض ، إلّا إذا أذن البائع فيه. فإن وفّاه أو كان مؤجَّلاً؟ قال بعضهم : إنّه كالرهن(٣) .

والمشهور : أنّه لا يحتاج إليه(٤) .

والفرق : أنّ البيع يوجب القبض ، فدوام اليد يقع عن القبض المستحقّ ، ولا استحقاق في الرهن.

مسألة ١٤٣ : لو رهن المالك ماله المغصوب في يد الغاصب ، صحّ الرهن؟

وعلى قولنا بعدم اشتراط القبض يصير رهناً بمجرّد العقد.

وعلى القول باشتراطه لا بُدّ من مضيّ زمانٍ يمكن فيه تجديد القبض مع إذنٍ في القبض - كما تقدّم - جديدٍ ، وهو أحد قولي الشافعي(٥) .

والثاني : القطع في الغصب بافتقاره إلى إذنٍ جديد ؛ لأنّ يده غير صادرة عن إذن المالك أصلاً(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإذا رهن الغصب أو المستعار المشروط فيه الضمان‌ أو المستام أو المبيع فاسداً، صحّ الرهن إجماعاً.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩.

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩ - ٣١٠.

١٩٤

وهل يزول الضمان بالرهن؟ قال الشيخ(١) : لا يزول ، ويثبت فيه حكم الرهن ، والحكم الذي كان ثابتاً فيه يبقى(٢) بحاله - وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور(٣) - لقولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي »(٤) .

ولأنّ الدوام أقوى من الابتداء ، ودوام الرهن لا يمنع ابتداء الضمان ، فإنّ المرتهن إذا تعدّى في المرهون ، يصير ضامناً ، ويبقى الرهن بحاله ، فلأن لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان كان أولى. ولأنّه لا تنافي بين الرهن وثبوت الضمان ، كما لو تعدّى في الرهن ، فإنّه يصير مضموناً ضمانَ الغصب ، وهو رهن كما كان ، فكذلك ابتداؤه ؛ لأنّه أحد حالتي الرهن.

وقال أبو حنيفة وأحمد : يزول الضمان - وهو منقول عن مالك أيضاً - لأنّه مأذون له في إمساكه رهناً(٥) ، لم يتجدّد منه فيه عدوان ، فلم يضمنه ، كما لو قبضه منه ثمّ أقبضه إيّاه أو أبرأه من ضمانه(٦) .

ومنعوا عدم التنافي ؛ فإنّ يد الغاصب عادية يجب عليه إزالتها ، ويد‌ المرتهن محقّة جَعَلها الشرع له ، ويد المرتهن أمانة ، ويد الغاصب

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٢٨ ، المسألة ١٧.

(٢) في النسخ والخطّيّة و الحجريّة : « فيبقى ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠ ، الوسيط ٣ : ٤٨٨ ، الوجيز ١ : ١٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، الذخيرة ٨ : ١١٤ ، المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٧ ، وحكاه عنهم أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٢٨ ، المسألة ١٧.

(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، مسند أحمد ٥ : ٦٣٨ / ١٩٦٢٠.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « وهنا » بدل « رهناً ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠، الوسيط ٣ : ٤٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، الذخيرة ٨ : ١١٤.

١٩٥

والمستام(١) ونحوهما(٢) يد ضامنة ، وهُما متنافيان.

ولأنّ السبب المقتضى للضمان زال ، فزال الضمان لزواله ، كما لو ردّه إلى مالكه ، وذلك لأنّ سببَ الضمان الغصبُ أو العاريةُ ونحوهما ، وهذا لم يبق غاصباً ولا مستاماً(٣) ، ولا يبقى الحكم مع زوال سببه وحدوث سببٍ يخالفه حكمه ، وأمّا إذا تعدّى في الرهن ، فإنّه يضمن ؛ لعدوانه ، لا لكونه غاصباً ولا مستاماً(٤) ، وهنا قد زال سبب الضمان ولم يحدث ما يوجبه ، فلم يثبت(٥) .

ويُمنع استلزام إذن الإمساك رهناً لعدم الضمان ، فإنّ المرتهن إذا تعدّى والمودع وغيرهما من الأُمناء مأذون لهم في الإمساك مع ثبوت الضمان.

والفرق بين إقباضه بعد استعارته واستمرار القبض ظاهر ؛ فإنّ اليد في الأوّل قد زالت حقيقةً ، فلا موجب للضمان ، وغاية ثبوت الضمان الدفع إلى المالك وقد حصل ، فلا يثبت الضمان بعد الغاية له ، والإبراء بمنزلته ؛ لأنّه إسقاط ، فلا ثبوت للساقط بعده ؛ لانتفاء سببٍ جديد.

سلّمنا أنّ الغصب قد زال لكن نمنع زوال الضمان ، ولا نسلّم زوال المقتضى للضمان ؛ فإنّ اليد باقية ، والاستصحاب يقتضي استمرار الضمان.

إذا عرفت هذا ، فلو أراد المرتهن البراءة عن الضمان ، فليردّه إلى‌ الراهن ثمّ له الاسترداد بحكم الرهن.

____________________

(١) في المصدر : « والمستعير » بدل « والمستام ».

(٢) في الخطّية و الحجريّة : « ونحوها ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٣ و ٤) في المصدر : « مستعيراً » بدل « مستاماً ».

(٥) المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٨.

١٩٦

ولو امتنع الراهن من قبضه ومن الإبراء من ضمانه ، قال بعض الشافعيّة : له أن يجبره عليه(١) .

وليس بجيّد ؛ إذ لا يجب على صاحب الحقّ ترك حقّه ، وقد ثبت للراهن ضمانٌ على المرتهن ، فكيف يجب عليه إسقاطه عنه!؟.

ولو أودع الغاصبَ المالَ المغصوب ، فالأقوى هنا سقوط الضمان - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - لأنّ مقصودَ الإيداع الاستئمانُ ، والضمان والأمانة لا يجتمعان ، ولهذا لو تعدّى المودع في الوديعة ، ارتفعت الوديعة ، بخلاف الرهن ؛ لأنّ الغرض منه التوثيق ، إلّا أنّ الأمانة من مقتضاه ، وهو مع الضمان قد يجتمعان.

والثاني : أنّه لا يبرأ ، كما في الرهن(٣) .

ولو آجر العينَ المغصوبة ، فالأولى أنّ الإجارة لا تفيد البراءة ؛ لأنّه ليس الغرض منها الائتمان ، بخلاف الوديعة.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

ولو وكّله في بيع العبد المغصوب أو إعتاقه ، فالأقرب : بقاء الضمان ؛ لأنّه أولى من الإجارة به، لأنّ في الإجارة تسليطاً على القبض والإمساك ، بخلاف التوكيل.

وللشافعيّة وجهان(٥) .

وفي معنى الإجارة والتوكيل ما إذا قارضه على المال المغصوب ، أو

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

(٢ و٣ ) الحاوي الكبير ٦ : ٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٢ ، الوسيط ٣ : ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

١٩٧

كانت جارية فتزوّجها منه.

ولو صرّح المالك بإبراء الغاصب عن ضمان الغصب والمال باقٍ في يده ، احتُمل عدم البراءة ؛ لأنّ الغصب سبب وجود القيمة عند التلف ، والإبراء لم يصادف حقّاً ثابتاً وإن صادف سببه ، وهذا يؤكّد ما تقدّم من انتفاء البراءة مع عقود الأمانات ؛ لأنّها أدون من التصريح بالإبراء ، فإذا لم تحصل البراءة به ، فتلك العقود أولى.

ويُحتمل قويّاً فيما عدا الغصب - من المستام والمبيع فاسداً أو العارية المضمونة - عدم الضمان؛ لأنّها أخفّ من ضمان الغصب ، لاستناد اليد فيها إلى رضا المالك.

مسألة ١٤٤ : استدامة القبض ليست شرطاً في لزوم الرهن وصحّته ، عند علمائنا أجمع.

أمّا على قول مَنْ لا يشترط القبض في الابتداء : فظاهر ؛ لأنّه إذا لم يكن شرطاً في الابتداء فأولى أن لا يكون في الاستدامة ، لأنّ كلّ شرطٍ يُعتبر في الاستدامة يُعتبر في الابتداء ، وقد يُعتبر في الابتداء ما لا يُعتبر في الاستدامة.

وأمّا على قول مَنْ جعل القبض شرطاً في الابتداء : فإنّه لا يجعله شرطاً في الاستدامة.

أمّا العامّة فالقائل منهم بعدم اشتراط القبض فظاهر عندهم أيضاً.

وأمّا مَنْ قال : إنّه شرط ، فقد اختلفوا.

فقال الشافعي : إنّه ليس شرطاً ؛ لأنّه عقد يُعتبر القبض في ابتدائه ، فلا تُشترط استدامته ، كالهبة(١) .

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢١ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٤.

١٩٨

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : استدامة القبض شرط ؛ لقوله تعالى :( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (١) .

ولأنّها إحدى حالتي الرهن ، فكان القبض فيها شرطاً ، كالابتداء(٢) .

ولا دليل في الآية على ما تقدّم. والأصل ممنوع ، مع أنّ النصّ على خلافه ، قالعليه‌السلام : « الرهن محلوب ومركوب »(٣) وليس ذلك للمرتهن إجماعاً ، فبقي أن يكون للراهن ، وهو يدلّ على عدم اشتراط استدامة القبض.

مسألة ١٤٥ : لو تصرّف الراهن في الرهن قبل الإقباض بهبة أو بيع أو عتق أو جعله صداقاً أو رهنة ثانياً أو جعله مالَ إجارة ، فعلى ما قلناه - من لزوم الرهن بمجرّد العقد تكون التصرّفات موقوفةً على إجارة المرتهن ، فإن أجازها ، صحّت ، وبطلت وثيقته إلّا في الرهن على إشكالٍ سبق. وإن فسخها المرتهن ، بطلت.

وعلى القول بالاشتراط يكون ذلك رجوعاً عن الرهن ، فبطل الرهن ؛ لأنّه أخرجه عن إمكان استيفاء الدَّيْن عن ثمنه أو فعل ما يدلّ على قصد‌ ذلك ، وسواء أقبض البيع والهبة والرهن الثاني ، أو لم يقبضه.

وكتابه العبد ووطؤ الجارية مع الإحبال كالبيع.

أمّا الوطؤ من غير إحبال أو التزويج فليس رجوعاً ؛ إذ لا تعلّق له بمورد الرهن ، فإنّ رهن المزوّجة ابتداءً جائز ، وبه قال الشافعي(١) .

وأمّا الإجازة فإن قلنا : إنّ رهن المكري وبيعه جائز ، فهي كالتزويج ،

____________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) المغني ٤ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٠ - ٤٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٤.

(٣) المستدرك - للحاكم - ٢ :‍ ٥٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١.

١٩٩

وإلّا فهي رجوع.

وقال بعضهم : إنّها ليست برجوع بحال(١) .

وأمّا لو دبّر العبد المرهون ، فيحتمل أن يقال : إنّه رجوع ؛ للتنافي بين مقصود التدبير ومقصود الرهن ، وإشعاره بالرجوع.

مسألة ١٤٦ : لو مات المرتهن قبل القبض ، لم يبطل الرهن ، وهو ظاهر عند مَنْ لم يعتبر القبض.

وأمّا من اعتبره فقد اختلفوا.

فقال بعضهم ببطلانه ؛ لأنّه عقد جائز ، والعقود الجائزة ترتفع بموت المتعاقدين ، كالوكالة ، وهو أحد قولي(٢) الشافعي.

وفي الآخَر : لا يبطل الرهن ، ويقوم وارثه مقامه في القبض - وهو أصحّ قولَي(٣) الشافعي - لأنّ مصيره إلى اللزوم ، فلا يتأثّر بموته ، كالبيع في زمن الخيار ، والدَّيْن باقٍ كما كان ، وإنّما انتقل الاستحقاق فيه إلى الورثة ، وهُمْ محتاجون إلى الوثيقة حاجة مورّثهم ، وبه قال أحمد ؛ ولأنّ المرتهن لو مات كان الدَّيْن باقياً على تأجيله ، فكان الرهن بحاله(٤) .

ولو مات الراهن قبل الإقباض ، لم يبطل الرهن عند مَنْ لم يشترط القبض.

وأمّا من اشترطه فقد اختلفوا ، فللشافعي قولان :

أحدهما(٥) : أنّه يبطل ؛ لأنّه من العقود الجائزة ، كما تقدّم(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١.

(٢ و ٣) في « ث » الطبعة الحجريّة : « أقوال » بدل « قولي ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٥ ، المغني ٤ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فللشافعي أقوال أحدها ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) راجع ص ١٨٧ ، المسالة ١٤٠.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400