تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125381 / تحميل: 5206
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

من جهة أخرى؟

إلى غير ذلك من الأبحاث الكثيرة والمتعدّدة.

هذه الأمور والاحتمالات التي طرحناها لم تُعرض ضمن بحث مستقلٍ منفرد ومتميّز في الكتب، أو الأبواب الفقهيّة.

وقد يجدها المتتبّع في طيّات كلمات الفقهاء وأبحاثهم هنا وهناك في موارد متفرّقة، ومواضع مختلفة.

مثلاً: قد يجدها المتتبّع في موضوع حرمة تنجيس القرآن أو وجوب تطهيره إذا لاقته النجاسة.

وفي بحث الوقف والصدقات وإحياء الموات، وقضيّة حُرمة المؤمن، وحُرمة الكعبة، وفي باب الحدود، في حكم سبّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - والعياذ بالله تعالى - أو هتك مقدّسات الدين، حيث يبحث العلماء في هذه الموارد عن الشعائر الدينيّة، وإنّ هتكها هل هو موجب للكفر أم لا؟

ومضافاً إلى ذلك، هناك بعض الكتب والرسائل التي أُلِّفت في بحث الشعائر الحسينيّة(1)، وقد ذكروا فيها بعض الضوابط الشرعيّة إلى حدّ ما، فمن الجدير مراجعة تلك الكتب وملاحظة الخطوط العامّة لهذا البحث، وما تتضمّنه من نقض وإبرام.

____________________

(1) نذكر - على سبيل المثال - بعض تلك الرسائل والمؤلّفات:

الشعائر الحسينيّة في الميزان الفقهي، لآية الله الشيخ عبد الحسين الحلّي (رحمه الله).

نصرة المظلوم، لآية الله الشيخ حسن المظفّر (رحمه الله).

الشعائر الحسينيّة، سماحة السيّد حسن الشيرازيّ (رحمه الله).

نجاة الأمّة في إقامة العزاء، الحاج السيّد محمّد رضا الحسيني الحائري.

الشعائر الحسينيّة سُنّة أم بدعة، الشيخ أحمد الماحوزي.

٢١

الجانبُ الرابع: إطار موضوع القاعدة

قد تُضافُ الشعائر إلى لفظ الجلالة (الله) فنقول: (شعائر الله)، كما في الآيات الكريمة(1) ، ومنها قوله تعالى:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (2) .

وأيضاً الشعائر أو الشعيرة أو الشعارة - على اختلاف هيئات المادّة - قد تضاف إلى المذهب، فيقال: شعائر المذهب.

وأيضاً، قد تضاف إلى الحسين (عليه السلام) باسم الشعائر الحسينيّة.

وأيضاً، قد تضاف إلى الدين، فتُعرف باسم شعائر الدين وشعائر الإسلام.

وسيتبيّن أنّ هذه الإضافات ما هي إلاّ تفريعات وتطبيقات لنفس القاعدة الواحدة، فيقال: شعائر الله، أو يقال: الشعائر الحسينيّة، أو يقال: شعائر المذهب، أو يقال: شعائر الإسلام، أو شعائر الدين، وهي - على كلّ حال - تبويبات وتصنيفات لذكر فروع لأصل واحد، أو تكون مرادفات لنفس المسمّى.

وسيظهر ما في هذا التعبير من نواحٍ تربويّة متعدّدة، وتفريعات لنكاتٍ فقهيّة مختلفة.

____________________

(1) المائدة: 2، الحج: 32، البقرة: 158.

(2) الحجّ: 32.

٢٢

الجانبُ الخامس:

جرياً على ديدن العلماء في تصنيف كلّ مسألة بإدراجها في باب من الأبواب الفقهية، ففي أيّ باب من الأبواب يمكن درج هذه القاعدة؟ هل في باب الفقه السياسي، أم في باب الفقه الاجتماعي، أم باب فقه القضاء، أم فقه المعاملات؟

وسيظهر خلال مراحل البحث: أنّ من خصائص هذه القاعدة وهذا الواجب الدينيّ العظيم، أنّ هذا الواجب ليس واجباً ملقى على عاتق رموز الدولة الإسلاميّة أو الحكومة فحسب، وليس مُلقى على عاتق المرجعيّة فقط، الّتي قد تُسمّى بالاصطلاح الأكاديمي الحديث حكومة المرجع، ولا على عاتق الهيئات الدينيّة دون غيرها.

وإنّما هذا الواجب - كما سيتبيّن - هو واجب كفائيّ يُلقى على عاتق عموم المسلمين، ويتحمّل مسؤوليّة إقامته جميع طبقات وشرائح المجتمع الإسلامي، ومن ثُمّ كان الأولَى إدراج هذه القاعدة في أبواب فقه الاجتماع، من قبيل: باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا في خصوص الفقه السياسي، ولا في خصوص فقه الأبواب الأُخرى، بل يكون انضمامها تحت باب الفقه الاجتماعي هو الأنسب لهذه القاعدة.

هذه جوانب ذكرناها بعنوان ديباجة وتمهيد للبحث، أمّا بالنسبة إلى تبويب وتصنيف جهات البحث؛ فإنّ البحث سيقع - إن شاء الله تعالى - في مقامين رئيسيّين:

٢٣

المقامُ الأول

في عُموم قاعِدة الشَعائر الدينيّة

وهذا المقام يتألّف من الجهات التالية:

الجهة الأولى: الأدلّة الإجماليّة الواردة في هذه القاعدة.

الجهة الثانية: أقوال الفقهاء والمتكلّمين والمفسّرين والمحدّثين حول قاعدة الشعائر الدينيّة.

الجهة الثالثة: البحث في معنى وماهيّة الموضوع، وهو الشعيرة والشعائر من الناحية اللُّغويّة.

الجهة الرابعة: كيفيّة تحقّق الموضوع، وهو الشعيرة والشعائر ومعالجة العديد من قواعد التشريع.

الجهة الخامسة: البحث في متعلّق الحكم لقاعدة الشعائر.

الجهة السادسة: نسبة حكم الشعائر مع العناوين الأوّليّة للأحكام من جهة، ومع العناوين الثانويّة للأحكام من جهة أُخرى.

الجهة السابعة: الموانع الطارئة على الشعائر، كالخرافة والاستهزاء والهتك والشنعة.

٢٤

المقامُ الثاني

الشَعائرُ الحُسينيّة

يقع البحث في خصوصيات الشعائر الحسينيّة، ودراسة قوّة وتماميّة الأدلّة الخاصّة الواردة فيها، وردّ الإشكالات والانتقادات التي وُجِّهت لها، وأُثيرَت حولها.

وهل يختلف حكمها عن الأحكام العامّة في الشعائر؟

أم هي تتضمّن الأحكام العامّة للشعائر وزيادة؟

ويقع البحث خلال الجهات الآتية:

الجهة الأولى: أهداف النهضة الحسينيّة.

الجهة الثانية: أدلّة الشعائر الحسينيّة.

الجهة الثالثة: أقسام الشعائر الحسينيّة.

الجهة الرابعة: الرواية في الشعائر الحسينيّة.

الجهة الخامسة: البكاء.

الجهة السادسة: الشعائر الحسينيّة والضرر.

الجهة السابعة: لبس السواد.

الجهة الثامنة: ضرورة لعن أعداء الدين.

الجهة التاسعة: العزاء والرثاء سُنّة قرآنيّة.

مِسكُ الختام: مآتم العزاء التي أقامها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسين (عليه السلام).

هذا ما سنتطرّق إليه مفصّلاً فيما يأتي من البحوث - إن شاء الله تعالى - ونبدأ البحث في جهات المقام الأول:

٢٥

٢٦

المقامُ الأوّل الشَعائرُ الدينيّة

٢٧

٢٨

الجهةُ الأوّلى:الأدلّةُ الإجماليّة

٢٩

٣٠

في بداية كلّ بحث لابدّ أن يعثر الفقيه أو المجتهد على أدلّة معيّنة لعنوان البحث، وهذه الأدلّة حسب قواعد علم الفقه والأصول لها ثلاثة محاور، هي: الموضوع، والمحمول، والمتعلّق.

الموضوع: هو ما يُشار به إلى قيود الحُكم.

والمحمول: هو الحكم الشرعي، إمّا وجوب، أو حُرمة، أو مِلكيّة، أو غير ذلك، بمعنى الحُكم الشرعي الشامل للحُكم التكليفي وللحُكم الوضعي.

المتعلَّق: وهو الفعل المطلوب حصوله في الخارج إذا كان الحُكم وجوباً، أو الفعل اللازم تركه إذا كان الحكم حرمةً.

على سبيل المثال: في دليل: (إذا زالت الشمس فصلِّ)، نلاحظ هذه المَحاور الثلاثة كالآتي:

الموضوع: هو الزوال.

والمحمول: الحُكم وهو الوجوب.

والمتعلّق: وهو صلاة الظهر.

ومِحور الموضوع الذي هو قيود الوجوب، ويُطلق على قيود أيّ حكم تكليفي أو وضعي بأنّه: موضوع أصولي، أو موضوع فقهي، وفي مثالنا السابق يعتبر الزوال من قيود الوجوب.

٣١

فاللازم استعراض الأدلّة الواردة في قاعدة الشعائر وتقرير مفادها على ضوء هذا التثليث.

الطائفة الأولى من الأدلّة:

(1) -( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ) (1) .

قد ورد في الآية عموم لفظ الشعائر، وهو حُكم من الأحكام القرآنيّة، فلنتعرّف على موضوع ومتعلّق هذا المورد، وعلى حكمه أيضاً.

الموضوع: هو الشعائر(2) .

المتعلّق: هو التعظيم إن جُعِل الحُكم إيجابيّاً، أو التهاون إن جُعِل الحكم تحريميّاً.

الحُكم: حرمة التحليل وحرمة التهاون، ويمكن جعل الحُكم وجوب التعظيم.

(2) -( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ *

____________________

(1) المائدة: 2.

(2) وقد يقال للموضوع: متعلّق المتعلّق، ففي مثال حرمة شرب الخمر؛ فإنّ الحُرمة تتعلّق بالشُرب، والشرب بدوره يتعلّق بالخمر، فالخمر يقال له: متعلّق متعلّق الحكم.. وهذا تابع لقاعدة أصوليّة محرّرة عند علماء الأصول تقول: إنّ متعلّق متعلّق الحُكم يكون موضوعاً للحُكم، سواء كان الحكم تكليفيّاً أم وضعيّاً. اعتمدَت عليها مدرسة الميرزا النائيني (رحمه الله)، إلاّ أنّ مشهور الطبقات المتقدِّمة من العلماء على خلاف ذلك، وهو الأصح.

٣٢

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) (1) .

هذا المقطع من الآية الشريفة( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ... ) ، أدرجهُ كثير من العلماء ضمن آيات الشعائر أيضاً، مع أنّه لم يرد فيه لفظة الشعائر، والوجه في ذلك: هو الاعتماد على قاعدة معروفة ومشهورة لدى أساطين الفقه.

وهي أنّ الموضوع أو المتعلّق كما يمكن الاستدلال له بالأدلّة الوارد فيها العنوان نفسه أو المتضمّنة له، أو مرادفاته، كذلك يمكن الاستدلال له بالأدلّة الوارد فيها العنوان نفسه أو المتضمّنة له، أو مرادفاته، كذلك يمكن الاستدلال له بما يشترك معه في الماهيّة النوعيّة أو الجنسيّة، أي المماثل أو المجانس، بشرط أن يكون الحُكم مُنصبّاً على تلك الماهيّة، وإلاّ كان التعدّي قياساً باطلاً، كما يمكن الاستدلال له بالدليل الذي يتضمّن جزء الماهيّة، كذلك يمكن الاستدلال له بما يدلّ على اللازم له أو الملزوم له، فتتوسّع دائرة دلالة الأدلّة الدالّة على المطلوب.

ففي هذه الآية الشريفة:

الموضوع: حُرمات الله.

المتعلّق: التعظيم.

الحكم: الوجوب، أي: وجوب التعظيم.

(3) -( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (2) .

____________________

(1) الحج: 27 - 30.

(2) الحج: 32.

٣٣

وهذه من أوضح الآيات على إثبات المطلوب، حيت تدلّ على محبوبيّة ورجحان التعظيم لشعائر الله، حسب التقسيم الثلاثي المذكور من الموضوع والمتعلّق والحُكم.

(4) -( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ) (1) .

هنا وردت (مِن) تبعيضيّة، والمعنى: أنّ البدن من مصاديق الشعائر.

(5) -( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) (2) .

(6) -( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) (3) .

هذه الآية الشريفة تعرّضت للشعائر، ولكن بصيغة المشعر.

هذه الطائفة من الأدلّة وافية في المقام، وعلينا أن نسبر غَورها لنصل إلى المَحاور الأساسيّة فيها، ولنتعرّف على مفادها ودلالتها.

الطائفةُ الثانية من الأدلّة:

هذه الأدلّة لم يرد فيها لفظ (الشعائر)، إلاّ أنّ بعض العلماء والمحقّقين(4) ذهبوا إلى استفادة حُكم الشعائر منها، وهي:

____________________

(1) الحجّ: 36.

(2) البقرة: 158.

(3) البقرة: 198.

(4) الميرزا القمّي (قدِّس سرّه) ضمن فتواه في كتاب (جامع الشتات) حول الشعائر الحسينيّة، والسيّد اليزدي (قدِّس سرّه) صاحب العروة في فتواه، والسيّد جمال الدين الگلبايكاني، أشاروا إلى وجود عمومات أخرى إضافةً لأدلّة الطائفة الأولى في المقام.

٣٤

(1) -( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1) .

ومن سياق الآيات التي قبلها:( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الأَخِرِ.. ) .

وآية:( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ.. ) .

يُفهم أنّ الآيات بصدد بيان مسألة وجوب الجهاد، وضرورة المعرفة الحقّة والتوحيد ونشر الدين وتبليغه..

ثُمّ بعد ذلك تُبيّن الآية:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) أهميّة النور الإلهي، ومحاولات أعداء الدين لإطفاء ذلك النور، ولكنّ الله سبحانه كتبَ على نفسه إحباط تلك المحاولات الشيطانيّة، ويأبى سبحانه إلاّ إتمام النور ونشر الصلاح والهدى.

ففي هذه الآية الشريفة:

الموضوع: هو نور الله سبحانه، وهو بدل لفظ (الشعائر) في آية( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ... ) ، ونور الله سبحانه عام يشمل جميع الأحكام.

المتعلَّق: النشر والتبليغ والبيان، وهو بدل التعظيم في تلك الآية.

والحُكم: وهو الوجوب، وجوب النشر أو حرمة الإطفاء والكتمان.

فيكون هذا الدليل - كقضيّة شرعيّة - مرادفاً ومكافئاً للآية الشريفة:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ) .

- وهذا يعني أنّنا لا نقتصر في إثبات هذه القاعدة على الآيات من الطائفة

____________________

(1) التوبة: 32.

٣٥

الأولى من الأدلّة، بل يمكن الاستدلال أيضاً بما يفيد مفادها أيضاً.

(2) -( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ والآصَال ) (1) بملاحظة الآيات التي تسبق هذه الآية من سورة النور، وهي:( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (2) من سياق هذه الآيات، يظهر أنّ المراد من لفظة( فِي بُيُوتٍ... ) : هي البيوت التي فيها نور الله، والمراكز التي تكون مصادر إشعاع الدين، ومحالّ نشر الهداية والحق، ومحطّات بيان أحكام الدين الحنيف.

وهذه (البيوت) النوريّة والباعثة للنور، شاء الله وأراد أن تُرفع وتُكرّم، وأن تُبجّل وتُحترم، وينبغي أن يستمرّ ويدوم فيها ذِكر الله وعبادته وطاعته.

فهذه الآية من سورة النور، مرادفة لآية تعظيم الشعائر(3) ، ولآية( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ... ) .

فالآية الشريفة تدلّ على وجوب نشر ورفع كلّ موطن ومركز ومحلّ يتكفّل ببيان أحكام الله وتعاليم رسالة السماء، المكنّى عنه في الآية الشريفة بنور الله.

____________________

(1) النور: 36.

(2) النور: 34 - 35.

(3)( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحجّ: 32.

٣٦

ومن ذلك يظهر أنّ الشعائر لا تختصّ بباب دون آخر، فهي لا تختصّ بمناسك الحجّ، ولا بالعبادات.

وإنّما تشمل كلّ ما فيه نشر لأحكام الدين، وتعمّ جميع ما به بيان وتبليغ للمعارف الإسلاميّة المختلفة.

(3) -( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1) .

هذه الآية تدلّ على أنّ حفظ الدين وحفظ ذِكر الله سبحانه، وكذلك حفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو قوام الدين، وحفظ ذِكر أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم العِدل الآخر للقرآن، كلّ ذلك يُعتبر من الأغراض الشرعيّة العُليا للحق سبحانه وتعالى.

(4) -( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (2) .

بتقريب أنّ كلّ ما يؤول إلى إعلاء كلمة الله سبحانه وإزهاق كلمة الكافرين، فهو من الأغراض الشرعيّة والمقاصد الدينيّة.

(5) -( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (3) .

تُقرِّر الآية الكريمة وجوب التفقّه على المسلمين بعد الهجرة، ثُمّ الرجوع إلى بلادهم ووجوب التبليغ والإنذار، مُقدّمةً لحصول حالة الحذر، فهذا الإنذار

____________________

(1) الحجر: 9.

(2) التوبة: 4.

(3) التوبة: 122.

٣٧

لنشر معالم الدين وترسيخ قواعده يُبيّن في الواقع ماهيّة الشعائر.

فهذه الآية (آية الإنذار) بمنزلة المُبيّن والمفسِّر لأحد أركان ماهيّة العناوين التي وردت في الألسنة الأخرى من الأدلّة، وهو التبليغ والنشر للدين الحنيف.

(6) -( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (1) .

لسان هذه الآية، يوضِّح بُعداً آخر في حقيقة الشعائر، حيث تتضمّن في متعلّقها جنبة أخرى غير الأحكام الأوّليّة، ألا وهي جنبة ازدياد العلو والسُموّ للإسلام والمسلمين، وهذه غير جهة الإعلام، وإن كانت هي أحد نتائج الإعلام والنشر والإنذار.

فالبُعد الآخر الذي تتضمّنه قاعدة الشعائر الدينيّة: هو جنبة إعلاء كلمة الله سبحانه، وإعزاز كلمة المسلمين.

وقد توفّرت الأدلّة في إثبات ذلك بقدر وافٍ.

الطائفةُ الثالثة من الأدلّة:

وقد استُدلّ أيضاً على هذه القاعدة بما وردَ في الأبواب الخاصّة من الأدلّة، مثل: أدلّة خاصّة في مناسك الحج، أو أدلّة خاصّة في الشعائر الحسينيّة وغير ذلك، مثل: قول الصادق (عليه السلام):(رحمَ الله مَن أحيا أمرَنا) (2) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :(يا علي، مَن عمّر قبوركم، وتَعاهدها، فكأنّما أعانَ

____________________

(1) النساء: 141.

(2) بحار الأنوار 2: 151: 30.

٣٨

سليمان بن داوود على بناء بيت المَقدس) (1) وما شابه ذلك.

أو ما ورد على لسان العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) بالنسبة لعزاء سيّد الشهداءصلى‌الله‌عليه‌وآله :(وسيوكِّل الله مَن يُجدّد له العزاء في كلّ عام) (2) تلك العناوين خاصّة في أبواب خاصّة.

وهذا اللسان الثالث من الأدلّة هو عبارة عن أحكام خاصّة في الموارد الأخرى، التي مفادها هو عين مفاد الشعائر، من لزوم البثّ والإعلان.

فزبدة القول: إنّ لدينا ثلاثة أشكال من الأدلّة:

الأوّل: أدلّة عامّة وردَ فيها لفظ الشعائر.

الثاني: أدلّة عامّة ومطلقه يظهر منها جانب الإعلام والإعلاء للدين.

الثالث: أدلّة مختصّة ببعض الأبواب، وتكون مرادفة لتعظيم الشعائر ولنشر الدين وإعلاء كلمته.

____________________

(1) بحار الأنوار 100: 120: 22.

(2) بحار الأنوار 44: 292.

٣٩

الجهةُ الثانية أقوالُ العامّة والخاصّة حول هذه القاعدة

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

قبل أن يستوفي حقّه منه ، فإذا استوفاه منه ، كان مضموناً عليه. ولو فضل منه فضلة ، فالأقرب : أنّها أمانة.

ولو قال : وفيه دراهم خُذْه(١) بدراهمك ، وكانت الدراهم التي فيه مجهولةَ القدر ، أو كانت أكثر من دراهمه ، لم يملكه ، ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد. وإن كانت معلومةً وبقدر حقّه ، ملَكه.

ج - لو قال : خُذْ هذا العبد بحقّك ، ولم يكن سَلَماً فقَبِل ، ملَكه. وإن لم يقبل وأخذه ، دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد.

مسألة ١٨٠ : إذا احتاج الرهن إلى مؤونة يبقى بها الرهن - كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابّة - كانت على الراهن ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الرهن من راهنه ، له غُنْمه ، وعليه غُرْمه »(٢) .

قولهعليه‌السلام : « من راهنه » أي : من ضمان راهنه.

ومن طريق الخاصّة : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الظهر يُركب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يركبه نفقته ، والدَّرُّ يُشرب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يشرب نفقته »(٣) .

وقد قلنا : إنّ المرتهن ممنوع من التصرّف ، وإنّ المنافع للراهن ، فتكون نفقته عليه.

وفي معناه سقي الأشجار ومؤونة الجذاذ وتجفيف الأثمار واُجرة‌ الإصطبل والبيت الذي يُحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرّع به المرتهن أو

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « خذ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) ورد نصّه في المغني ٤ : ٤٦٨ ، ونحوه في سنن الدارقطني ٣ : ٣٣ / ١٢٣ ، وسنن البيهقي ٦ : ٣٩ ، و التمهيد - لابن عبد البر - ٦ : ٤٢٦ ، و ٤٣٠.

(٣) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ ١٧٦ / ٧٧٥.

٢٦١

العَدْل ، خلافاً لأبي حنيفة في اُجرة الإصطبل والبيت(١) واُجرة مَنْ يردّ العبد من الإباق ، وما أشبه ذلك(٢) .

إذا عرفت هذا ، فهل يُجبر الراهن على أداء هذه المؤونة حتى يقوم بها من خالص ماله؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يُجبر لتبقى وثيقة المرتهن.

والثاني : أنّه لا يُجبر عند الامتناع ، بل يبيع القاضي جزءاً من المرهون بحسب الحاجة ، فلو كانت تستوعب الرهن قبل الأجل ، فعلى الثاني يلحق بما يفسد قبل الأجل ، فيباع ويُجعل ثمنه رهناً(٢) .

قيل عليه : هذا إمّا أن يلحق بمالا يتسارع إليه الفساد ثمّ عرض ما أفسده ، أو بما يتسارع إليه الفساد. والأوّل باطل ؛ لأنّ العارض هناك اتّفاقي غير متوقّع ، والحاجة إلى المؤونة معلومة متحقّقة. وإن كان الثاني ، لزم إثبات الخلاف المذكور في رهن ما يتسارع إليه الفساد في رهن كلّ ما يحتاج إلى نفقة أو مكان يحفظ فيه(٣) .

وعلى الأوّل - وهو الأصحّ عندهم - لو لم يكن للراهن شي‌ء أو لم يكن حاضراً ، باع الحاكم جزءاً من المرهون ، واكترى به بيتاً يحفظ فيه الرهن(٤) .

وأمّا المؤونة الزائدة فيمكن أن يقال : حكمها حكم ما لو هرب‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٤٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٠ و ١٣١ ،الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٧ ، المغني ٤ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٥ - ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

٢٦٢

الجمّال وترك الجِمال المستأجرة أو عجز عن الإنفاق عليها.

مسألة ١٨١ : يجوز للراهن أن يفعل بالمرهون ما فيه مصلحته ، وليس للمرتهن منعه منه ، كفصد العبد وحجامته والمعالجة بالأدوية والمراهم ، لكن لا يُجبر عليها ، بخلاف النفقة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) .

ثمّ إن كانت المداواة ممّا يرجى نفعه ولا يُخاف غائلته ، جاز : وإن كان ممّا يخاف ، فالأقوى عدم المنع أيضاً منه ، ويكتفى بأنّ الغالب منه السلامة.

وللشافعيّة وجهان ، ويجريان في قطع اليد المتآكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر ، فإن كان الخطر في الترك دون القطع ، فله القطع ، وليس له قطع سِلْعَة(٢) ولا إصبع لا خطر في تركها إذا خِيف منه ضرر. وإن كان الغالب فيه السلامة ، ففيه الخلاف(٣) .

وله أن يختن العبد والأمة في وقت اعتدال الهواء إن كان يندمل قبل حلول الأجل ؛ لأنّه أمر لا بُدَّ منه ، الغالب فيه السلامة. وإن لم يندمل وكان فيه نقص ، لم يجز. وكذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان.

وللراهن تأبير النخل المرهونة.

ولو ازدحمت وقال أهل الخبرة : تحويلها أنفع ؛ جاز تحويلها.

وكذا لو رأوا قطع البعض لصلاح الأكثر.

وما يُقطع منها أو يجفّ فهو مرهون ، بخلاف ما يحدث من السعف

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٣.

(٢) السِّلْعة : الضواة ، وهي زيادة تحدث في الجسد مثل الغُدّة. لسان العرب‌ ٨ : ١٦٠ « سلع ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٣.

٢٦٣

ويجفّ ، فإنّ الراهن مختصّ به ، وينزّل منزلة النماء.

ولا يمنع من رعي الماشية في وقت الأمن ، وتؤوى ليلاً إلى يد المرتهن أو العَدْل.

ولو أراد الراهن أن يبعد لطلب الرعي وبالقرب ما يكفيها ، فللمرتهن المنع ، وإلّا فلا.

وتؤوى إلى يد عَدْلٍ يتّفقان عليه أو ينصبه الحاكم.

ولو أراد المرتهن ذلك وليس بالقرب ما يكفي ، لم يُمنع.

وكذا لو أراد نقل المتاع من بيتٍ ليس بحرزٍ إلى حرزٍ.

ولو نَبا(١) بهما المكان وأرادا الانتقال ، فإن كان إلى أرضٍ واحدة ، فلا إشكال ، وإلّا جُعلت الماشية مع الراهن ، ويحتاط ليلاً ، كما تقدّم.

____________________

(١) نبا به منزله وفراشه : لم يوافقْه. ونبَتْ بي تلك الأرض : لم أجد بها قراراً. لسان العرب ١٥ : ٣٠٢ « نبا ».

٢٦٤

٢٦٥

الفصل الخامس : في وضع الرهن على يد العَدْل‌

مسألة ١٨٢ : يجوز أن يشترط المتراهنان وضع الرهن على يد أحدهما أو ثالثٍ غيرهما‌ ، سواء تعدّد أو اتّحد ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ ذلك العَدْل يكون وكيلاً للمرتهن نائباً عنه في القبض ، فمتى قبضه صحّ قبضه - وبه قال علماؤنا ، وجماعة الفقهاء ، منهم : عطاء وعمرو بن دينار ومالك والثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّه قبض في عقدٍ ، فجاز فيه التوكيل ، كسائر القبوض.

وقال الحكم والحارث العكلي وقتادة وداوُد وابن أبي ليلى : لا يكون مقبوضاً بذلك ؛ لأنّ القبض من تمام العقد يتعلّق بأحد المتعاقدين ، كالإيجاب والقبول(٣) .

والفرق بينه وبين القبول : أنّ الإيجاب إذا كان لشخصٍ كان القبول منه ؛ لأنّه مخاطَب. ولو كلّ في الإيجاب والقبول قبل أن يوجب له ، صحّ.

وما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر القبض فيه.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) المغني ٤ : ٤١٨ - ٤١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٨.

(٣) المغني ٤ : ٤١٨ ٤١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٨.

٢٦٦

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز أن يجعلا الرهن على يد مَنْ يجوز‌ توكيله ، وهو جائز التصرّف ، سواء مسلماً أو كافراً ، عَدْلاً أو فاسقاً ، ذكراً كان أو اُنثى.

ولا يجوز أن يكون صبيّاً ؛ لأنّه غير جائز التصرّف مطلقاً ، فإن فعلا ذلك ، كان قبضه وعدم قبضه واحداً.

ولا يجوز أن يكون عبداً بغير إذن سيّده ؛ لأنّ منافع العبد لسيّده ، ولا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه ، فإن أذن مولاه ، جاز.

وأمّا المكاتب فإن كان بجُعْلٍ ، جاز ؛ لأنّه مكتسب ، وهو سائغ له بغير إذن السيّد. وإن كان بغير جُعْلٍ ، لم يجز ؛ لأنّه التبرّع بمنافعه.

مسألة ١٨٣ : لو شرط جَعْل الرهن على يد عَدْلٍ وشرطا له أن يبيعه عند حلول الحقّ ، صحّ؛ لأنّ ذلك [ يكون ] توكيلاً(١) في البيع منجّزاً ، وإنّما الشرط في التصرّف. وصحّ بيعه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد(٢) .

وإن عزل الراهن العَدْلَ عن البيع ، قال الشيخرحمه‌الله : لا ينعزل ، ولا تنفسخ وكالته ، وكان له بيع الرهن(٣) - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - لأنّ وكالته صارت من حقوق الرهن ، فلم يكن للراهن إسقاطها(٥) ، كسائر‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجرية : « ولأنّ ذلك توكيلاً ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٢ ، الوسيط ٣ : ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٢٤٣ ، المسألة ٤١ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٩ - ٨٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « إسقاطه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٧

حقوقه.

وقال الشافعي وأحمد : يصحّ العزل ، ولا يملك البيع ؛ لأنّ الوكالة عقد جائز ، فلم يلزم العاقد المقام عليها ، كسائر الوكالات.

قالوا : وكونه من حقوق الرهن لا يمنع بقاءه على جوازه ، كما أنّ الرهن إذا شُرط في البيع لا يصير لازماً قبل القبض ، فإن عزله عن البيع ، فعلى صحّة العزل يكون للمرتهن فسخ البيع الذي جعل الرهن ثمنه ، كما لو امتنع الراهن من تسليم الرهن المشروط في البيع(١) .

هذا إذا كانت الوكالة شرطاً في عقد الرهن ، ولو شرطاها بعده ، انفسخت بعزل الموكّل والوكيل إجماعاً.

وأمّا إن عزله المرتهن ، فلا ينعزل ، قاله الشيخ(٢) - وبه قال أحمد والشافعي في أحد قوليه(٣) - لأنّ العدل وكيل الراهن ؛ إذ المرهون ملكه ، ولو انفرد بتوكيله صحّ ، فلم ينعزل بعزل غيره.

والثاني : له عزله(٤) ، على معنى أنّ لكلّ واحدٍ منهما منعه من البيع ؛ لأنّ المرتهن له أن يمنعه من البيع ، لأنّ البيع إنّما يستحقّ بمطالبته ، فإذا لم يطالب بالبيع ومنعه منه ، لم يجز ، فأمّا أن يكون ذلك فسخاً فلا.

مسألة ١٨٤ : إذا وضعا الرهن عند عَدْلٍ وشرطا أن يبيعه عند المحلّ ، جاز.

قال الشيخرحمه‌الله : وليس للعَدْل أن يبيعه حتى يستأذن المرتهن بإذنٍ‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤ - ٤٥٥.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٤٣ ، المسألة ٤٢ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٣ و ٤ ) المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

٢٦٨

مجدَّد(١) - وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال أحمد(٢) - لأنّ البيع لحقه ، فإذا لم يطالب به ، لم يجز بيعه ، بل يراجع ليعرف أنّه مطالِبٌ أو مهمل أو مبرئ.

والثاني : أنّه لا يراجع ؛ لأنّ غرضه توفية الحقّ(٣) .

وأمّا الراهن فقال الشيخعليه‌السلام : لا يشترط تجديد إذنه ولا مراجعته ثانياً عند البيع(٤) - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ الأصل دوام الإذن الأوّل.

والثاني : أنّه يشترط تجديد إذنه ؛ لأنّه قد يكون له غرض في استبقاء المرهون ويريد قضاء الحقّ من غيره وإبقاء الرهن لنفسه(٦) .

ولو مات الراهن أو المرتهن ، بطلت الوكالة.

وإذا قلنا : إنّ الوكيل لا ينعزل بعزل المرتهن ، فلو عاد إلى الإذن ، جاز البيع ، ولم يشترط تجديد توكيل من الراهن.

قال بعض الشافعيّة : مساق هذا أنّه لو عزله الراهن ثمّ عاد ووكّل ، افتقر إلى إذنٍ جديد للمرتهن ، ويلزم عليه أن يقال : لا يعتدّ بإذن المرتهن قبل توكيل الراهن(٧) .

ولو وضعا الرهن على يد عَدْلٍ فمات ، فإنّ اتّفق الراهن والمرتهن‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٤ ، المسألة ٤٣ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ - ٤٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٤٤ ، المسألة ٤٣ ، المبسوط للطوسي ٢ : ٢١٧ ٢١٨.

(٥ و ٦ ) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٧) الوسيط ٣ : ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠.

٢٦٩

على كونه في يد عَدْلٍ آخَر أو في يد أحدهما ، كان لهما. وان اختلفا ، كان للحاكم أن يضعه عند عَدْلٍ يرتضيه.

ولو كان الرهن في يد المرتهن فمات ، فالرهن بحاله ، فإن رضي الراهن أن يكون في يد ورثة المرتهن ، كان في أيديهم إن اختاروا. وإن أبى ذلك ، لم يُجبر على تركه في أيديهم ؛ لأنّه لم يرض إلّا بأمانة المرتهن دون ورثته ، ويضعه الحاكم عند مَنْ يراه.

مسألة ١٨٥ : يد العَدْل يد أمانةٍ متطوّع بحفظه ، فلو اتّفقا على نقله من يده ، كان لهما ؛ لأنّ الحقّ لهما. وان اختلفا فيه فطالَب أحدهما بالنقل وامتنع الآخَر ، لم ينقل ؛ لأنّهما قد رضيا بأمانته ورضيا بنيابته عنهما في حفظه ، فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد وإخراجه من يده.

ولو أراد العَدْل ردَّ الرهن فإن كانا حاضرَيْن ، كان له ذلك ، وعليهما قبوله منه ؛ لأنّه أمين متطوّع بحفظه ، فلا يلزمه المقام على ذلك ، فإذا قبضاه فقد بري‌ء العدْل من حفظه. وإن امتنعا من أخذه ، رفع أمرهما إلى الحاكم ليُجبرهما على [ تسلّمه ](١) فإن امتنعا أو استترا ، نصب الحاكم أميناً يقبضه منه لهما ؛ لأنّ للحاكم ولايةً على الممتنع من حقٍّ عليه.

ولو ردّه العَدْل على الحاكم قبل أن يردّه عليهما وقبل امتناعهما من قبضه ، لم يكن له ذلك ، وكان ضامناً ، وكان الحاكم ضامناً أيضاً ؛ لأنّ الحاكم لا ولاية له على غير الممتنع.

وليس للعَدْل أن يدفع الرهن إلى غير المتراهنين مع حضورهما وإمكان الإيصال إليهما ، وكذا لو دفعه العَدْل إلى ثقةٍ أمينٍ مع وجودهما ،

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « تسليمه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٧٠

فإنّه يضمن ، ويضمن القابض أيضاً ؛ لأنّه لا يجوز له أن يُخرجه من يده إلى‌ غير المتراهنين ، وليس للعَدْل القابض قبضه ، فضمنه ؛ لأنّه قبضه بغير حقٍّ ، فلزمه الضمان.

ولو دفعه إلى أحد المتراهنين ، فإنّهما يضمنان أيضاً ؛ لأنّه وكيل لهما في حفظه ، فلم يجز له تسليمه إلى أحدهما دون صاحبه ، فإذا سلّمه ، ضمن ، وضمن القابض ؛ لأنّه قبض ما لا يجوز له قبضه.

ولو امتنعا من القبض وليس هناك حاكم فتركه عند ثقةٍ ، جاز ولا ضمان.

ولو امتنع أحدهما فدفعه إلى الآخَر ، ضمن.

والفرق بينهما أنّ العَدْل يمسكه لهما ، فإذا دفعه إلى أحدهما ، كان ماسكاً لنفسه ، فلم يجز.

ولو كانا غائبين فإن كان للعَدْل عذرٌ في الامتناع من بقائه في يده - كسفرٍ عزم عليه ، أو مرضٍ خاف منه ، أو غير ذلك - دفعه إلى الحاكم ، وقبضه الحاكم عنهما ، أو نصب عَدْلاً يقبضه لهما. وإن لم يجد حاكماً ، جاز له أن يودعه عند ثقةٍ ، ولا ضمان على أحدهما.

فإن أودعه عند ثقةٍ مع وجود الحاكم ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّ الولاية في مال الغائب إلى الحاكم.

وللشافعيّة وجهان(١) .

وإن لم يكن له عذرٌ ، قال الشيخرحمه‌الله : لم يجز له تسليمه إلى

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٩ و ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٦ ، و ٥ : ٢٩.

٢٧١

الحاكم(١) . وهو جيّد.

وفصّل الشافعي فقال : إن كانت غيبتهما طويلةً - وهو السفر الذي يقصر فيه الصلاة - فإنّ الحاكم يقبضه عنهما ، ولا يلجئه إلى حفظه ، وإن لم يجد حاكماً ، أودعه عند ثقة أو أمين : وإن كانت المسافة قصيرةً ، فهو كما لو كانا حاضرَين(٢) .

وإن كان أحدهما غائباً والآخَر حاضراً ، لم يجز تسليمه إلى الحاضر ، وكان كما لو كانا غائبين.

وليس له قسمته وإعطاء الحاضر نصفه ، بخلاف ما لو أودع اثنان وديعةً عند ثالثٍ وغاب أحدهما الآخَر فطالَب ، فإنّ الحاكم يقسّمها بينه وبين الغائب ؛ لأنّ المودعين ما لكان ظاهراً ؛ لثبوت يدهما معاً عليها ، فقسّمها الحاكم ، وهنا الملك لأحدهما وللآخَر حقّ الوثيقة ، وذلك لا يمكن قسمته ، فاختلفا.

مسألة ١٨٦ : لو جعلا الرهن على يد عَدْلين ، جاز إجماعاً ، ولهما إمساكه ، ولا يجوز لأحدها الانفراد بحفظه. فإن سلّمه أحدها إلى الآخَر ، ضمن النصف ؛ لأنّه القدر الذي تعدّى فيه. ولأنّ الراهن لم يرض بأمانة أحدهما ، وإنّما رضي بأمانتهما جميعاً ، فلا يجوز لأحدها أن ينفرد بحفظه.

ويحتمل عندي أن يكون عليهما معاً ضمان الكلّ.

وليس لهما أن يقتسما الرهن وإن كان ممّا يمكن قسمته من غير ضرر ، مثل الطعام والزيت ، وهذا أحد وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٧ ، المسألة ٤٩ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢١.

(٢) راجع : المغني ٤ : ٤٢٢ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٥٠.

٢٧٢

وفي الآخَر : يجوز أن يدفعه أحدهما إلى الآخَر ؛ لأنّ اجتماعهما على حفظه ممّا يشقّ عليهما ويتعذّر ، فحمل الأمر على أنّ لكلّ واحدٍ منهما‌ الحفظ(١) .

وهو ممنوع ؛ لإمكان جَعْله في محرز لهما لكلّ واحدٍ منهما عليه قُفْلٌ.

وقال أبو حنيفة : إن كان ممّا لا ينقسم ، جاز لكلّ واحدٍ منهما إمساك جميعه. وإن كان ممّا يمكن قسمته ، لم يجز ، بل يقتسمانه(٢) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : يجوز أن يضعاه في يد أحدهما بكلّ حال(٣) .

احتجّ أبو حنيفة بأنّه إذا كان ممّا ينقسم فقَبْضُ أحد النصفين لا يكون شرطاً في الآخَر ؛ لأنّه ممّا لا يستحقّ عليه بدل ، كما لو وهب لرجل عينين فقَبِل إحداهما ، بخلاف البيع ، فإذا ثبت لأحدهما إمساك نصفه ، لم يُسلّم إلى غيره.

وعلى القول الثاني للشافعيّة - وهو جواز دفع أحدهما إلى الآخَر - لو كان ممّا ينقسم فقسّماه بينهما ، جاز ، وانفرد كلّ واحدٍ منهما بحفظ ما في يده ، فإن أراد أحدهما أن يردّ ما في يده إلى الآخَر ، فوجهان :

أحدهما : يجوز ؛ لأنّه كان يجوز لكلٍّ منهما أن ينفرد بحفظ جميعه.

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه لمـّا اقتسماه بينهما صار في يد كلّ واحدٍ

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٩ - ٤٣٠ ، المغني ٤ : ٤١٩ - ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٩.

(٢ و ٣ ) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٠ ، المغني ٤ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٩.

٢٧٣

ما ينفرد(١) بحفظه ، فلم يكن له ردّه إلى غيره. ولأنّ قبل القسمة جاز ذلك ؛ لحصول المشقّة ، وبعد القسمة زالت المشقّة(٢) .

مسألة ١٨٧ : لو جني على الرهن في يد العَدْل ، وجبت قيمته على الجاني ، وكانت رهناً. وللعَدْل حفظها ؛ لأنّها بدل الرهن ، وله إمساك الرهن وحفظه ، والقيمة قائمة مقامه. وبطلت وكالته في بيع العين بتلفها ، فلا تتعلّق الوكالة بالقيمة ، بل تبطل ؛ لأنّ الوكالة كانت في العين دون قيمتها ، وبطلت الوكالة ؛ لأنّها لم تصر من حقوق الرهن ، وإنّما هي باقية على جوازها ، ولهذا للراهن الرجوعُ ، بخلاف إمساك العَدْل الرهنَ.

ولو كان الرهن في يد العَدْل فقبضه المرتهن ، وجب عليه ردّه إليه ؛ لأنّ الراهن لم يرض بتسليمه إليه ، فإذا ردّه إلى العَدْل ، زال عنه الضمان.

ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدّى فيه ثمّ أزال التعدّي أو سافر به ثمّ ردّه ، لم يزل عنه الضمان ؛ لأنّ استئمانه بطل بذلك ، فلم يعتد بفعله ، ولا تعود الأمانة إلّا بأن يرجع إلى صاحبه ثمّ يردّه إليه أو إلى وكيله أو يبرئه من ضمانه.

ولو غصب المرتهن الرهنَ من يد العَدْل ، ضمنه ، فإن ردّه إليه ، زال الضمان ؛ لأنّه قد ردّه إلى وكيله.

ولو اقترض ذمّيّ من مسلمٍ مالاً ورهن عنده خمراً وجعله على يد ذمّيّ ، لم يصح الرهن ، فإذا حلّ الحقّ وباعها الذمّي العَدْل وجاء بالثمن ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « صار ما في يد كلّ واحدٍ ينفرد ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٦.

٢٧٤

قال الشيخرحمه‌الله : جاز له أخذه ، ولا يُجبر عليه(١) .

وللشافعي في إجبار المسلم قبض الثمن وجهان : أحدهما : لا يُجبر ؛لأنّه قد تعيّن ثمن الخمر ، وذلك غير مملوك. والثاني : يُجبر ؛ لأنّ أهل الذمّة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيحة ، فيقال : إمّا أن تقبض ، وإمّا أن تبرئ(٢) .

وإن جعلها على يد مسلم فباعها عند محلّ الحقّ أو باعها الذمّيّ من مسلمٍ ، لم يُجبر المرتهن على قبول الثمن ؛ لأنّ البيع فاسد لا يُقرّان عليه ، ولا حكم له.

مسألة ١٨٨ : إذا أذن الراهن والمرتهن للعَدْل في بيع الرهن ، فإن عيّنا له قدراً أو جنساً ، لم يجز له أن يعدل عمّا ذكراه إلى أقلّ ؛ لأنّ الحقّ لهما لا شي‌ء للعَدْل فيه.

فإن أطلقا البيع ، جاز له البيع بثمن المثل حالّاً بنقد البلد ، وبه قال الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة ؛ فإنّه جوّز أن يبيعه ولو بدرهمٍ واحد ؛ لإطلاق الأوّل(٤) .

ليس جيّداً ؛ لأنّ الإطلاق محمول على المعتاد المتعارف بين الناس ، وهو هنا مقيّد بما قلناه.

فإن باعه العَدْل بدون ثمن المثل ، فإن كان بقدر ما يتغابن به الناس ، فالأقوى : الجواز ؛ لأنّه مندرج تحت المتعارف. وإن كان بأزيد ممّا يتغابن به الناس ، لم يصح ، مثل أن يكون الرهن يساوي مائة درهم ويتغابن الناس

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٨ ، المسألة ٥٢ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٣.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٦٠.

(٣ و ٤ ) المغني ٤ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٥

فيه بخمسة دراهم ، فباعه العَدْل بثمانين ، بطل ، ورجع الراهن في العين إن كانت باقيةً ، وإن كانت تالفةً ، كان له الرجوع على أيّهما شاء.

فإن رجع على المشتري ، رجع بقيمتها ، ولا يردّ المشتري على‌العَدْل. وإن رجع على العَدْل ، رجع بجميع القيمة ؛ لأنّه أخرج العين من يده على وجهٍ يجز له ، فضمن جميع قيمتها ، وصار كما لو أتلفها ، فإنّه يرجع عليه بجميع القيمة ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : أنّه يرجع عليه نقص من ثمن مثلها الذي يتغابن به الناس ، فيرجع بالباقي على المشتري ؛ لأنّ ذلك هو القدر الذي فرّط فيه ، فإنّه لو باعها بما يتغابن الناس بمثله ، نفذ بيعه ، ويلزم عليه المشتري ؛ لأنّه لو اشتراه بما يتغابن الناس عليه(١) لم يرجع عليه بشي‌ء ، ومع هذا يجب عليه جميع القيمة(٢) .

وكذا لو أوجبنا تعميم العطاء في الزكاة وأعطى بعض الأصناف الزكاةَ وحرّم بعضاً ، فكم يضمن؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : القدر الذي لو أعطاهم في الابتداء جاز ؛ لأنّ التفضيل جائز.

والثاني : يضمن بقدر ما يخصّهم إذا سوّى بين العدد(٣) . وكذا لو قالوا(٤) في الاُضحية(٥) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « بمثله » بدل « عليه ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٨ ، الوجيز ١ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٢ : ١٩١ - ١٩٢.

(٤) كذا ، والظاهر : « وكذا قالوا ».

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٨ ، =

٢٧٦

فأمّا إذا باعه بثمن مثله أو بما يتغابن الناس بمثله ، صحّ البيع.

وإن باعه العَدْل بغير نقد البلد أو باعه بثمن مؤجَّل ، لم يصحّ البيع ، ويجب ردّ العين ، فإن كانت باقيةً ، استرجعها ، وإن كانت تالفةً ، رجع بقيمتها على مَنْ شاء منهما ، فإن رجع على العَدْل ، رجع العَدْل على المشتري ؛ لأنّ التلف كان في يده ، وإن رجع على المشتري ، لم يرجع على العَدْل.

مسألة ١٨٩ : إذا باع العَدْل بثمن المثل أو بما يتغابن به الناس ، صحّ البيع ؛ لأنّ ما يتغابن به الناس لا يمكن الاحتراز عنه ، وهو يقع لأهل الخبرة والبصيرة ، والمرجع في ذلك إليهم.

فإن جاء بعد البيع مَنْ زاد في ثمنه ، فإن كان بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار بينهما ، لم يعتد بهذه الزيادة ؛ لأنّه لا يجوز له قبولها ، ولا يملك فسخ البيع في هذه الحال.

وإن كان ذلك من زمن الخير مثل أن يكون قبل التفرّق عن المجلس أو في زمن خيار الشرط ، فإنّه يجوز له قبول الزيادة ، وفسخ العقد ، فإن لم يقبل الزيادة ، لم ينفسخ العقد ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله ؛ لأنّ العقد قد صحّ ، وهذه الزيادة مظنونة ، فلا ينفسخ بها العقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

وقال في الآخَر : إنّه ينفسخ ؛ لأنّه مأمور بالاحتياط ، وحالة الخيار بمنزلة حال العقد ، ولو دفع إليه زيادة في حالة العقد وباع بالنقصان لم يصح بيعه وإن كان قد باع بثمن المثل ، فكذا هنا(٢) .

____________________

= حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، الوجيز ٢ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٢ : ٤١٩.

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٥ ، المسألة ٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١ - ٣٣٢.

٢٧٧

فلو بدا للراغب فإن كان قبل التمكّن من البيع منه ، فالبيع الأوّل بحاله. وإن كان بعده ، فقد ارتفع ذلك البيع ، فلا بدّ من بيعٍ جديد.

وقال بعض الشافعيّة : إذا بدا له ، كان البيع بحاله ، كما لو بذل الابن الطاعة لأبيه في الحجّ وجعلناه مستطيعاً به ثمّ رجع عن الطاعة قبل أن يحجّ أهل بلده ، عرفنا عدم الوجوب(١) .

ولو لم يفسح العَدْل البيعَ الأوّل وباع من الراغب ، ففي كونه فسخاً لذلك البيع ثمّ في صحّته خلاف تقدّم.

ولهم خلاف في أنّ الوكيل بالبيع لو باع ثمّ فسخ البيع هل يتمكّن من البيع مرّةً اُخرى؟(٢) .

مسألة ١٩٠ : إذا باع العَدْل الرهنَ بإذنهما ، فالثمن يكون أمانةً في يده لا ضمان عليه فيه إجماعاً ، ويكون من ضمان الراهن إلى أن يتسلّمه المرتهن ، فإن تلف في يده من غير تفريطٍ ، لم يسقط من دَيْن المرتهن شي‌ء - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ العَدْل وكيل الراهن في البيع ، والثمن ملكه ، وهو أمين له في قبضه ، فإذا تلف ، كان من ضمانه ، كسائر الأُمناء.

وقال أبو حنيفة ومالك : يكون من ضمان المرتهن(٤) .

أمّا أبو حنفية فبناه على أصله من أنّ الرهن مضمون على المرتهن والثمن بدله ، فيكون مضموناً.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٨

وليس بجيّد ؛ لما عرفت من أنّ الرهن أمانة.

وأمّا مالك فإنّه يقول : البيع حقّ للمرتهن ، وهو تابع لحقّه ، والثمن‌ يكون للمرتهن ، ويبرأ الراهن ببيع الرهن.

وقوله : « الثمن يكون للمرتهن » ليس بصحيح ؛ لأنّه بدل الرهن ، وإنّما تعلّق حقّ المرتهن باستيفاء الثمن منه ؛ لما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الرهن من راهنه »(١) بمعنى من ضمان راهنه ، وهذه عادة العرب في حذف المضاف.

ولو باع العَدْل وتلف الثمن في يده من غير تفريطٍ ثمّ خرج الرهن مستحقّاً ، فإن كان العَدْل قد أعلم المشتري أنّه وكيل الراهن ، فإنّ العهدة على الراهن ، وكذا كلّ وكيلٍ باع مالَ غيره وبه قال الشافعي وأحمد(٢) لأنّه نائبه في عقدٍ عن غيره ، فلم يلزمه الضمان ، كأمين الحاكم وسائر الوكلاء.

ولا يكون العَدْل طريقاً للضمان في أصحّ وجهي الشافعيّة ؛ لأنّه نائب الحاكم ، والحاكم لا يطالب فكذا نائبه.

والثاني : يكون طريقاً ، كالوكيل والوصي(٣) .

وقال أبو حنيفة : العهدة على الوكيل ، ويرجع على الراهن. وبنى ذلك على أنّ حقوق العهدة تتعلّق - عنده - بالوكيل(٤) .

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٠ ، الهامش (٢)

(٢) المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٩

وهو ممنوع على ما يأتي في الوكالة.

وقال مالك : لا عهدة على العَدْل ، ولكن يرجع المشتري على المرتهن ، ويعود دَيْنه في ذمّة الراهن كما كان ؛ لأنّ البيع وقع للمرتهن‌ بمطالبته واستحقاقه ، وكانت العهدة عليه ، كالموكّل(١) .

وقد بيّنّا أنّه نائب عن الراهن وكيلٌ له دون المرتهن.

ولو خرج مستحقّاً بعد ما دفع الثمن إلى المرتهن ، فإنّ للمشتري أن يرجع على الراهن(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : يرجع على العَدْل ويرجع العَدْل على المرتهن أو على الراهن أيّهما شاء(٤) .

وإن كان المشتري ردّه عليه بعيبٍ ، لم يكن له الرجوعُ على المرتهن ؛ لأنّه قبضه بحقٍّ ، وإنّما يرجع على الراهن.

وإن كان العَدْل حين باعه لم يُعلم المشتري أنّه وكيل ، كان للمشتري الرجوعُ عليه ، ويرجع هو على الراهن إن أقرّ بذلك أو قامت به بيّنة ، وإن أنكر ذلك ، كان القولُ قولَ العَدْل مع يمينه ، فإن نكل عن اليمين ، حلف المشتري ، ويرجع عليه ، ولم يرجع هو على الراهن ؛ لأنّه مُقرٌّ بأنّه ظلمه.

مسألة ١٩١ : لو باع العَدْل وقبض الثمن ثمّ ادّعى تلفه في يده من غير تفريطٍ ، فالقول قوله مع اليمين ، ولا يكلَّف إقامة البيّنة على ذلك ؛ لأنّه أمين ، ويتعذّر عليه إقامة البيّنة على ذلك ، فإن كلّفناه البيّنة ، شقّ عليه ،

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٦٢.

(٢) في المغني والشرح الكبير : « المرتهن » بدل « الراهن ».

(٣) المغني ٤ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٩ ، المغني ٤ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400