تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء10%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125414 / تحميل: 5207
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فربما أدّى إلى أن لا يدخل الناس في الأمانات ، وفي ذلك ضرر كثير.

ويكون تالفاً من ضمان الراهن.

وقال أبو حنيفة(١) : يكون من ضمان المرتهن ؛ لأنّه مرهمون ، والرهن‌ عنده مضمون.

ولو قال العَدْل : دفعت الثمن إلى المرتهن ، وأنكر المرتهن ذلك ، كان عليه إقامة البيّنة ، فإن لم تكن هناك بيّنة ، فالقول قول المرتهن مع يمينه ، كغيره من الدعاوي ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : القول قول العَدْل مع يمينه(٣) .

وإذ حلف المرتهن ، أخذ حقّه من الراهن ، ويرجع الراهن على العَدْل وإن كان قد أذن له في التسليم.

نعم ، لو أذن أوّلاً وصدّقه في التسليم ، احتُمل التضمين أيضاً ؛ لتقصيره بترك الإشهاد. وعدمه ؛ لاعتراف الراهن بأنّه امتثل ما أُمر به ، والمرتهن ظالم فيما يأخذه.

وللشافعيّة وجهان ، وكذا الوجهان فيما إذا أطلق الإذن في التسليم(٤) .

فأمّا إذا شرط عليه الإشهاد فتركه ، ضمن قطعاً.

وإذا قلنا : إنّه يضمن بترك الإشهاد فلو قال : أشهدت ومات شهودي ، وصدّقه الراهن ، فلا ضمان. وإن كذّبه ، فوجهان يأتيان في باب الضمان إن شاء الله تعالى.

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٨

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢.

٢٨١

احتجّ أبو حنيفة : بأنّه بمنزلة التلف في يده ؛ لأنّ العَدْل أمين يُقبل قوله في إسقاط الضمان عن نفسه ، ولا يُقبل في إيجاب الضمان على غيره.

وهو ممنوع ؛ لأنّ وكيل للراهن في دفع الدَّيْن إلى المرتهن ، وإنّما هو وكيل المرتهن في حفظ الرهن ، فلم يُقبل قوله فيما ليس بوكيلٍ فيه من‌ جهته ، كما لو وكّل رجلاً في قضاء دَيْنه فادّعى أنّه سلّمه إلى صاحب الدَّيْن وأنكر ذلك.

ويُمنع أنّه كالتلف ؛ لأنّ قوله إذا لم يُقبل على المرتهن ، وجب أن يسقط قوله ، ولا يكون بمنزلة الإتلاف ؛ لأنّه لم يدّع التلف.

إذا عرفت هذا ، فإذا حلف المرتهن ، كان له الرجوع إمّا على الراهن وإمّا على العَدْل.

فإن رجع على العَدْل ، رجع بأقلّ الأمرين من دَيْنه أو قيمة الرهن. وإذا رجع عليه ، لم يرجع على الراهن بذلك ؛ لأنّه يقول : إنّ المرتهن ظالم له بما يرجع به عليه ، فلم يرجع على غيره.

وإن رجع على الراهن ، كان للراهن الرجوعُ على العَدْل ؛ لأنّ العدل فرّط في الدفع ؛ لأنّه وكّله في دفع يُبرئه من المرتهن ، وقد دفع دفعاً لا يبرئه ، إلّا أن يكون الدفع بحضرة الراهن أو أشهد شاهدين فغابا أو ماتا.

مسألة ١٩٢ : قد بيّنّا أنّه ليس للعَدْل أن يبيع مع الإطلاق إلّا نقداً بثمن المثل من نقد البلد ، فإن باع نسيئةً فإن أجازا له ذلك ، صحّ ، وإلّا بطل.

وللشافعيّة وجهٌ : أنّه لو باع نسيئةً ، صحّ ولم يعتبروا به(١) .

فسلّم إلى المشتري ، صار ضامناً.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢.

٢٨٢

ثمّ إن كان باقياً ، استردّ ، ويجوز للعَدْل بيعه بالإذن السابق وإن صار مضموناً عليه ، فإذا باعه وأخذ الثمن ، لم يكن الثمن مضموناً عليه ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه.

وإن هلك في يده فإن كان قد باع بغير نقد البلد أو نسيئةً ، فالراهن‌ بالخيار في تضمين مَنْ شاء من العَدْل والمشتري كمال القيمة.

وإن باع بدون ثمن المثل ، فأصحّ قولَي الشافعيّة : أنّ الحكم كذلك ؛ لأنّه أخرجه من يده على وجهٍ غير مسوغ.

والثاني : أنّه إن عزم العَدْل ، حطّ النقصان الذي كان محتملاً في الابتداء(١) .

ويحتمل الجميع. وإن غرم المشتري ، لزمه الجميع.

مسألة ١٩٣ : لو اختلف المتراهنان ، فقال له(٢) أحدهما : بِعْ بدينار. وقال الآخَر : بِعْ بدراهم ، لم يبع بواحدٍ منهما ؛ لاختلافهما في الإذن ، ولكلٍّ منهما حقٌّ في بيعه ، فللمرتهن حقّ الوثيقة في الثمن واستيفاء حقّه منه ، وللبائع ملك الثمن ، فإذا اختلفا ، رفع ذلك إلى الحاكم ، فيأذن له أن يبيعه بنقد البلد ، سواء كان من جنس حقّ المرتهن أو لم يكن ، سواء وافق ذلك قول أحدهما أو خالفه ؛ لأنّ الحطّ في البيع يكون بنقد البلد.

لو كان النقدان جميعاً نقد البلد ، باعه بأعلامها. وإن كانا متساويين في ذلك ، باع بأوفرهما حظّاً. فإن استويا في ذلك ، باع بما هو من جنس الحقّ منهما. فإن كان الحقّ من غير جنسهما ، باع بما هو أسهل صرفاً إلى جنس الآخَر وأقرب إليه. فإن استويا في ذلك ، عيّن له الحاكم أحدهما فباع

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١.

(٢) أي : للعَدْل.

٢٨٣

به وصرف نقد البلد إليه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه إذا قال الراهن : بِعْه بدراهم ، وقال المرتهن : بدنانير ، وكانت الدراهم بقدر حقّ المرتهن ، باعه بالدراهم ؛ لأنّه لا غرض‌له في الدنانير(١) .

مسألة ١٩٤ : لو مات الراهن والرهن موضوع على يد عَدْلٍ ، بطلت وكالته ؛ لأنّه وكيل للراهن ، والوكيل ينعزل بموت الموكّل.

ثمّ الدَّيْن إن كان مؤجَّلاً ، حلّ ؛ لأنّ الأجل يسقط مَنْ عليه الدَّيْن.

ويجب على ورثة الراهن دفع الدَّيْن ، فإن دفعوه من غير الرهن ، وإلّا لزمهم بيع الرهن وتسليم الدَّيْن إلى المرتهن ؛ لأنّهم نائبون مناب الراهن ، فإن امتنعوا ، رفع المرتهن ذلك إلى الحاكم ، فينصب أميناً يبيع الرهن ويسلّم الثمن إلى المرتهن أو قدر دَيْنه منه ؛ لأنّ الحاكم ينوب مناب مَن امتنع من الحقّ عليه في دفعه.

فإذا باع العَدْل وهلك الثمن [ في](٢) يده بغير تفريطٍ منه استحقّ الرهن من يد المشتري ، فإنّ الحاكم يأمر المشتري بتسليمه إلى مَنْ قامت البيّنة له به إذا استحلفه ؛ لأنّه حكم على الميّت ، ولا ضمان على العَدْل ؛ لأنّه أمين.

لا يقال : لِمَ لا يرجع المشتري عليه ؛ لأنّه قبض منه الثمن بغير حقٍّ؟.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ١٤٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من » بدل « في ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٨٤

لأنّا نقول : إنّه سلّمه إليه على أنّه أمين في قبضه يسلّمه إلى المرتهن ، فلم يجب بذلك عليه ضمان.

وأمّا المرتهن فقد بانَ له أنّ عقد الرهن كان فاسداً ، فإن كان مشروطاً في بيعٍ ، ثبت له الخيار فيه ، وإلّا سقط حقّه. وأمّا المشتري فإنّه يرجع‌ بالثمن في تركه الراهن.

وكذا الحكم في المفلَّس إذا حجر عليه الحاكم ونصب عَدْلاً فباع شيئاً من ماله وتلف في يده الثمن ثمّ بانت العين مستحقّةً.

وللشافعي قولان في أنّه هل يقدَّم على المرتهن وسائر الغرماء؟ أحدهما : أنّه يكون اُسوة الغرماء.

واختلفت الشافعيّة على طريقين :

منهم مَنْ قال : في المسألة قولان :

أحدهما : يقدَّم حقّ المشتري ؛ لأنّه لم يضرّ بثبوته في ذمّة المفلَّس ولا الراهن. ولأنّه إذا لم يقدّم حقّه امتنع الناس من شراء مال المفلَّس ، ويؤدّي إلى الإضرار.

والثاني : يكون اُسوةً للغرماء ؛ لتساويهم في ثبوت حقّهم في الذمّة ، فاستووا في قسمة ماله بينهم(١) .

وما قالوه من عدم الإضرار يبطل بحقّ المجنيّ عليه. وما ذكروه من الإضرار قيل(٢) : نادر ، ولا يمنع من ابتياعه ، كما لا يمنع الأخذ [ بالشفعة ](٣)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ١٤١ - ١٤٢ و ٣٣٠ - ٣٣١.

(٢) لم نتحقّق القائل.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة الحجريّة : « من الشفعة ». والصحيح ما اُثبت.

٢٨٥

من شراء ما فيه الشفعة.

ومنهم مَنْ قال : ليست على قولين ، بل هي على اختلاف حالين : الموضع الذي قال : « إنّه يقدَّم المشتري » إذا كان للمفلَّس مالٌ موجود ، والموضع الذي قال : يكون اُسوة الغرماء إذا لم يكن له غير الذي بِيع ، ففكّ عنه الحجر ثمّ استفاد مالاً فحجر عليه بسؤال الغرماء ، فإنّهم يستوون فيه(١) .

مسألة ١٩٥ : لو تغيّرت حل العَدْل بفسقٍ أو ضعْفٍ وعجْزٍ يمنعه من ‌حفظ الرهن ، فأيّهما طلب إخراجه عن يده أخرجه الحاكم من يده ؛ لأنّه خرج من أهل الأمانة فيه.

وكذا إذا ظهر بينه وبين أحدهما عداوة فطلب نقله من يده ، اُجيب له.

ثمّ إن اتّفقا على عَدْل يضعانه على يده ، وُضع ؛ لأنّ الحقّ لهما. وإن اختلفا ، عيّن الحاكم عَدْلاً يضعه على يده.

وإن اختلفا في تغيّر حاله ، بحث عنه الحاكم ، فإن ثبت قول أحدهما ، عمل عليه ، فإن كانت حاله تعيّرت ، نقله عنه ، وإلّا أقرّه في يده. ولم يكن لأحدهما إخراجه إلّا بإذن الآخَر ؛ لأنّهما رضيا به في الابتداء.

وكذا لو كان الرهن في يد المرتهن فادّعى الراهن تغيّر حاله ، بحث عنه الحاكم وعمل بما ثبت عنده.

فإن مات(٢) ، لم يكن لورثته إمساكه إلّا بتراضيهما. وكذا لو مات المرتهن.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ١٤٢ و ٣٣١.

(٢) أي : مات العَدْل.

٢٨٦

٢٨٧

الفصل السادس : في زوائد وبدله‌

مسألة ١٩٦ : الرهنإمّا أن لا يحتاج إلى مؤونة ، كالدار والمتاع ونحوه ، فهذا ليس للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال ، بلا خلافٍ ؛ لأنّ الرهن ملك الراهن(١) فكذا منافعه ، فليس لغيره أخذها بغير إذنه.

فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوضٍ وكان دَيْن الرهن من قرضٍ ، فإن شرط ذلك في القرض ، حرم. وإن لم يشرط(٢) ، فالأقرب : الجواز ، خلافاً لأحمد(٣) .

وإن كان الرهن بثمن مبيع أو اُجرة دار أو دَيْن غير القرض فأذن له الراهن في الانتفاع ، جاز - وبه قال أحمد والحسن وابن سيرين وإسحاق(٤) - للأصل.

ولو كان الانتفاع بعوضٍ ، مثل أن يستأجر المرتهن الدار من الراهن بأُجرة مثلها من غير محاباة ، جاز في القرض وغيره ؛ لأنّ الانتفاع ليس بالقرض ، بل بالإجارة.

وإن حاباه في ذلك ، فحكمه حكم الانتفاع بغير عوضٍ لا يجوز في القرض مع الشرط ، ويجوز في غيره.

وإذا استأجرها المرتهن أو استعارها ، لم تخرج عن الرهن - وهو‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « للراهن ».

(٢) في الطبعة الحجريّة : « لم يشترط ».

(٣ و ٤) المغني ٤ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٦.

٢٨٨

إحدى الروايتين عن أحمد(١) - لأنّ القبض مستدام ، ولا منافاة بين العقدين.

وفي الرواية الثانية : تخرج عن كونها رهناً ، فمتى انقضت الإجارة أو العارية ، عاد الرهن بحاله(٢) .

وإذا استعار المرتهن الرهن ، صار مضموناً عليه في موضعٍ تُضن فيه العارية عندنا ، وعند الشافعي وأحمد مطلقاً بناءً على أنّ العارية مضمونة مطلقاً(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا ضمان عليه(٤) .

وإن شرط في الرهن أن ينتفع به المرتهن ، جاز مطلقاً.

وقال أحمد : يفسد الشرط ؛ لأنّه ينافي مقتضى الرهن(٥) .

وهو ممنوع.

وعن أحمد رواية : أنّه يجوز في البيع(٦) .

قال أصحابه : معناه أن يقول : بعتك هذا الثوب بدينار بشرط أن ترهنني عبدك يخدمني شهراً، فيكون بيعاً وإجارةً ، وهو صحيح. وإن أطلق ، فالشرط باطل لجهالته ثمنه(٧) .

وقال مالك : لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الراهن إلى أجل في‌ الدُّور والأرضين. وكرهه في الحيوان والثياب والقرض(٨) .

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٤٦٧ - ٤٦٨، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٦.

(٣) حلية العلماء ٥ : ١٨٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٧ ، المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٦.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٢ ، المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٦.

(٥ - ٧) المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٧.

(٨) الكافي في فقه أهل المدينة : ٤١٤ ، المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٧.

٢٨٩

وإمّا أن يحتاج إلى مؤونة ، فحكم المرتهن في الانتفاع به بعوضٍ أو بغير عوضٍ بإذن الراهن كالقسم الأوّل.

وإن أذن له في الإنفاق والانتفاع بقدره ، جاز ؛ لأنّه نوع معاوضة.

وأمّا مع عدم الإذن فإن كان الرهن محلوباً أو مركوباً ، قال إسحاق وأحمد : للمرتهن أن ينفق عليه ويركب بقدر نفقته ، وسواء أنفق مع تعذّر النفقة من الراهن لغيبته أو امتناعه من الإنفاق ، أو مع القدرة على أخذ النفقة من الراهن واستئذانه(١) .

وعن أحمد رواية : لا يحتسب له بما أنفق وهو متطوّع بها ، ولا ينفع من الرهن بشي‌ء - وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي - لقولهعليه‌السلام : « الرهن من راهنه ، له غُنْمه وعليه غُرْمه »(٢) .

ولأنّه ملك غيره لم يأذن له في الانتفاع به ولا الإنفاق عليه ، فلم يكن له ذلك ، كغير الرهن(٣) .

واحتجّ أحمد بقولهعليه‌السلام : « الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ، ولبن الدرّ يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة »(٤) فجعل منفعته بنفقته(٥) .

ولا يصحّ ذلك في طرف الراهن ؛ لأنّ إنفاقه وانتفاعه لا بطريق المعاوضة لأحدهما بالآخَر. ولأنّ نفقة الحيوان واجبة ، وللمرتهن فيه حقّ

____________________

(١) المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٤.

(٢) راجع الهامش (٢) من ص ٢٦٠.

(٣) المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٤.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٨٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٥ / ١٢٥٤ ، سنن الدارقطني ٣ : ٣٤ / ١٣٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٨.

(٥) المغني ٤ : ٤٦٨ - ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٤.

٢٩٠

وقد أمكنه استيفاء حقّه من نماء الرهن والنيابة عن المالك فيما وجب عليه واستيفاء ذلك من منافعه ، فجاز ذلك ، كما يجوز للمرأة أخذ مؤونتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه والنيابة عنه في الإنفاق عليها ، والنماء للراهن ، إلّا أنّ للمرتهن ولايةَ صرفها إلى نفقته ؛ لثبوت يده عليه وولايته.

هذا إن أنفق محتسباً بالرجوع ، وأمّا إن أنفق متبرّعاً بغير نيّة الرجوع ، فإنّه لا ينتفع به قولاً واحداً.

والوجه : رفع الحال إلى الحاكم ، فإن تعذّر ، أشهد بالإنفاق ، وقاصّ بالنماء.

وأمّا إن كان الرهن حيواناً غير محلوب ولا موكب كالعبد والجارية ، فإنّه لا يجوز للمرتهن استخدامه بنفقته ؛ لأنّه مال الغير ، فليس له التصرّف فيه إلّا بإذنه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

وفي الرواية الاُخرى : له الانتفاع باستخدام العبد بنفقته ، وبه قال أبو ثور(١) .

وليس بشي‌ء.

وأمّا إن كان غير حيوانٍ كدار استهدمت فعمرها المرتهن ، لم يرجع بشي‌ء ، وليس له الانتفاع بها بقدر نفقته ، فإنّ عمارتها غير واجبة على الراهن ، فليس لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه ، فإن فَعَل ، كان متبرّعاً ، بخلاف الحيوان ، فإنّ نفقته واجبة على صاحبه.

ثمّ إن كان ذلك بإذن المالك ، رجع عليه ؛ لأنّه نابه في الإنفاق بإذنه‌ فكانت النفقة على المالك ، كما لو وكّله في ذلك.

____________________

(١) المغني ٤ : ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٧.

٢٩١

وإن كان بغير إذنه ، فهل يرجع عليه؟ عن أحمد روايتان بناءً على ما إذا قضى دَيْنه بغير إذنه ؛ لأنّه ناب عنه فيما يلزمه(١) .

وقال أبو الخطّاب : إن قدر على استئذانه فلم يستأذنه ، فهو متبرع لا يرجع بشي‌ء. وإن عجز عن استئذانه ، فعلى روايتين عنه.

وكذلك الحكم فيما إذا مات العبد المرهون وكفّنه.

والأوّل أقيس عندهم ؛ إذ لا يعتبر في قضاء الدَّيْن العجزُ عن استئذان الغريم(٢) .

فإن انتفع المرتهن بالرهن باستخدامٍ أو ركوبٍ أو استرضاعٍ أو استغلالٍ أو سكنى أو غيره ، حسب من دَيْنه بقدر ذلك.

مسألة ١٩٧ : زوائد الرهن إمّا متّصلة كسمن العبد وكِبَر الشجرة ، وتتبع الأصل إجماعاً في دخولها تحت الرهن ، وإمّا منفصلة كالثمرة والولد واللبن البيض والصوف ، فإنّها لا تدخل في الرهن ، سواء كانت سابقةً أو متجدّدةً بعد الرهن ، إلّا مع الشرط - وبه قال الشافعي وأحمد في رواية ، وأبو ثور وابن المنذر(٣) - لقولهعليه‌السلام : « الرهن من راهنه له غُنْمه وعليه غُرْمه »(٤) والنماء غُنْمٌ ، فيكون للراهن.

ومن طريق الخاصّة : رواية إسحاق عمّار - الصحيحة - عن الكاظم‌عليه‌السلام ، قلت : فإن رهن داراً لها غلّة لمن الغلّة؟ قال : « لصاحب

____________________

(١) المغني ٤ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٧.

(٢) المغني ٤ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٧ ٤٧٨.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٤ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المغني ٤ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠ ، المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٥.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٠ ، الهامش (٢)

٢٩٢

الدار »(١) .

ولأنّه حقٌّ تعلّق بالأصل يستوفى من ثمنه ، فلا يسري إلى غيره ، كحقّ الجناية. ولأنّها عين من أعيان ملك الراهن لم يقعد عليها عقد رهن ، فلم تكن رهناً ، كسائر ماله.

وقال الشعبي والنخعي وأحمد : يدخل النماء المتّصل والمنفصل في رهن الأصل إذا تجدّد المنفصل بعد الرهن ، وأمّا المتّصل فيدخل مطلقاً ؛ لأنّه حكم ثبت في العين بعقد الملك ، فيدخل فيه النماء والمنافع كالملك بالبيع وغيره(٢) .

وهو ممنوع.

وقال الثوري وأصحاب الرأي : في النماء يتبع ، وفي الكسب لا يتبع ؛ لأنّ الكسب لا يتبع في حكم الكتابة والاستيلاد والتدبير ، فلا يتبع في الرهن ، كأعيان مال الراهن(٣) .

وقال مالك : الولد يتبع في الرهن خاصّةً دون سائر النماء ؛ لأنّ الولد يتبع الأصل في الحقوق الثابتة ، كولد اُمّ الولد(٤) .

وقال الشافعي : لو رهنه ماشيةً مخاضاً ، فالنتاج خارج من الرهن(٥) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٥ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ١٧٣ / ٧٦٧.

(٢) المغني ٤ : ٤٧٠ - ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠.

(٣) المغني ٤ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠ ، المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤.

(٤) المدوّنة الكبرى ٥ : ٣٠٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤١٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، المغني ٤ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠.

(٥) الاُم ٣ : ١٦٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، المغني ٤ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠.

٢٩٣

وخالفه أبو ثور وابن المنذر(١) .

وكما أنّ هذه الزوائد غير مرهونة ، فكذا مهر الجارية إذا وُطئت بالشبهة [ بل أولى ](٢) ؛ لأنّه غير حاصل من نفس المرهون ، وبه قال الشافعي(٣) .

وعند أبي حنيفة أنّه مرهون أيضاً(٤) .

ولا خلاف في أنّ كسب المرهون ليس بمرهون ، هذا في الزوائد الحادثة بعد الرهن.

مسألة ١٩٨ : لو رهن حاملاً ومست الحاجة إلى البيع وهي حامل بيع ، فتُباع كذلك في الدَّيْن ، وبه قال الشافعي.

قال : لأنّا إن قلنا : إنّ الحمل يُعلم ، فكأنّه رهنهما ، إلّا فقد رهنها ، والحمل محض(٥) صفة(٦) .

ونحن نقول : إنّ الرهن لا يتعدّى إلى الحمل ما لم يشترطه(٧) في العقد ، سواء كان ظاهراً أو لا.

ولو ولدت قبل البيع ، لم يكن رهناً ، كما تقدّم(٨) .

وللشافعي قولان مبنيّان على أنّ الحمل هل يُعلم؟ إن قلنا : لا ، فهو‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وبلاولى ». وهي تصحيف.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « محقق » بدل « محض ». وما أثبتناه من المصدر.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

(٧) في « ث » : « ما لم يشرط » و في « ج »: « ما لم يشرط ».

(٨) في ص ١٤٩ ، ضمن المسألة ١٢٤.

٢٩٤

كالحادث بعد العقد. وإن قلنا : نعم ، فهو رهن يُباع مع الاُمّ ، كما لو رهن شيئين(١) .

وزاد بعض الشافعيّة فقال : إن قلنا : نعم ، ففي كونه مرهوناً قولان ؛ لضعف الرهن عن الاستتباع(٢) .

فإن قلنا : الولد لا يكون مرهوناً - كما اخترناه ، وهو أحد قوليه - فلو صرّح في العقد وقال : رهنتها مع حملها ، صحّ عندنا.

وتردّد أصحاب الشافعي فيه ، والظاهر عندهم أنّه لا يكون مرهوناً أيضاً ؛ إذ لو جاز ذلك لجاز إفراده بالرهن(٣) .

ولو حملت بعد الرهن وبقيت حاملاً عند الحاجة إلى البيع ، فإن قلنا : الحمل لا يُعلم ، بِيعت ، وهو كزيادة متّصلة. وإن قلنا : يُعلم ، لم يكن الولد مرهوناً ، وتعذّر بيعها ؛ لأنّ استثناء الحمل لا يمكن ، ولا سبيل إلى بيعها حاملاً وتوزيعِ الثمن على الاُمّ والحمل ؛ لأنّ الحمل ؛ لا تُعرف قيمته.

ولو رهن نخلة فأطلعت بعد الرهن ، لم يدخل الطلع في الرهن عندنا ، إلّا مع الشرط.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّ بيعها مع الطلع على قولين ، كما في الحمل.

والثاني : القطع بأنّ الطلع غير مرهون ؛ لأنّه يمكن إفراده بالعقد فلا يجعل تبعاً ، فإذا قلنا : إنّه غير مرهون ، تُباع النخل ويستثنى الطلع ،

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١٤.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

٢٩٥

بخلاف‌ الجارية الحامل(١) .

ولو كانت مطلعةً وقت الرهن ، ففي دخول الطلع عندهم قولان ، فإن أدخلناه فجاء وقت البيع وهو طَلْع بَعْدُ ، بِيع مع النخل.

وإن اُبّرت ، فطريقان :

أحدهما : أنّ الحكم كما إذا ولدت الحامل.

والثاني : القطع ببيعه مع النخيل ؛ لأنّه معلوم مشاهَدٌ وقت الرهن(٢) .

إذا عرفت هذا ، فمتى تعتبر الزيادة؟

أمّا عندنا فلا فائدة لهذا البحث ؛ لأنّها لا تدخل في الرهن مطلقاً ، إلاّ مع الشرط.

وأمّا عند الشافعي ففي اعتبارها وجهان :

أحدهما : أنّها تعتبر حالة العقد في مقارنة الولد وحدوثه بعده.

والثاني : أنّ الاعتبار بحالة القبض ؛ لأنّ الرهن به يتمّ(٣) .

مسألة ١٩٩ : لو جنى على المرهون فوجب الأرش ، كان الأرش رهناً ، كالأصل ، وليس من الزوائد ؛ لأنّه جزء من المرهون.

وكذا لو اقتضّ البكر ، كان الأرش رهناً ؛ لأنّه عوض جزء الرهن.

ولو أفضاها ، وجب عليه قيمتها ؛ لأنّه أتلف بُضْعها ، فتكون القيمة رهناً ، كالأصل.

ولو ضرب الجارية المرهونة ضاربٌ فألقت جنيناً [ ميّتاً ](٤) فعليه عُشْر‌ الاُمّ ، ولا يكون مرهوناً عندنا وعند الشافعي(٥) ؛ لأنّه بدل الولد.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ - ٣٤٢.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٢.

٢٩٦

فإن دخلها نَقْصٌ ، لم يجب بسببه شي‌ء آخر ، لكن قدر أرش النقصان من العُشْر يكون رهناً.

وإن ألقته حيّاً فمات ، فعلى الجاني قيمة الجنين حيّاً وأرش نقص الاُمّ إن انتقصت - وهو أصحّ قولي الشافعي(١) - وحينئذٍ تكون قيمة الجنين لصاحبه غير داخل في الرهن ، وأمّا أرش النقص فإنّه يكون داخلاً في الرهن.

والثاني للشافعي : أنّه يجب أكثر الأمرين من أرش النقص أو قيمة الجنين ، فإن كان الأرش أكثر ، فالمأخوذ رهنٌ كلّه. وإن كانت القيمة أكثر ، فقدر الأرش من المأخوذ رهن(٢) .

ولو ضرب دابّةً رهناً فألقت جنيناً ميّتاً ، فليس على الضارب سوى أرش النقصان(٣) إن نقصت ، ويكون رهناً.

مسألة ٢٠٠ : بدل الرهن رهنٌ ، فإذا جنى جانٍ على العبد المرهون ، قال الشيخرحمه‌الله : الخصم فيه هو السيّد دون المرتهن ؛ لأنّ السيّد هو المالك لرقبته ، والأرش الواجب بالجناية ملكه ، وليس للمرتهن إلّا حقّ الوثيقة ، فإن أحبّ المرتهن أن يحضر خصومته ، كان له ، فإذا قضى للراهن بالأرش ، تعلّق به حقّ الوثيقة للمرتهن(٥) . وبه قال الشافعي وغيره(٥) .

وكذا إذا جنى على العبد المستأجَر أو المودَع ، فإنّ الخصم هو

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٢.

(٣) في « ث » الحجريّة : « النقص ».

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٩.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠ ، المغني ٤ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٥.

٢٩٧

المالك.

فإن ترك المطالبة أو أخّرها أو كان غائباً أو له عذر يمنعه من المطالبة ، فللمرتهن المطالبة بها ؛ لأنّ حقّه متعلّق بموجبها ، فكان له الطلب به ، كما لو كان الجاني سيّده.

فإن أقرّ الجاني ، ثبتت الجناية. وإن أنكر وكان لسيّد العبد بيّنه ، أقامها. وإن لم تكن له بيّنة ، كان القول قولَ المدّعى عليه الجناية مع يمينه ، فإن حلف ، برئ. وإن نكل ، رددنا اليمين على المرتهن ، فإن حلف ، ثبتت الجناية.

وإن نكل ، فهل يحلف المرتهن؟ قولان للشافعي كما في يمين الغريم إذا نكل الوارث(١) .

وسواء كانت الجناية عمداً أو خطأً ؛ لأنّ العمد وإن أوجب القصاص فقد يعفو السيّد ، ويتعلّق حقّ المرتهن بالدية.

إذا عرفت هذا ، فإن كانت الجناية عمداً ، كان للسيّد أن يقتصّ ، لأنّه حقٌّ له ، وإنّما ثبت ليستوفي ، وليس للمرتهن مطالبته بالعفو.

فإن اقتصّ ، سقط حقّ المرتهن من الرهن وليس له مطالبة الراهن ببدلٍ عنه وبه قال الشافعي(٢) لأنّه لم يجب بالجناية مال ولا استحقّ‌[ بحال ](٣) وليس على الراهن أن يسعى للمرتهن في اكتساب مالٍ.

وقال أحمد وإسحاق : على السيّد أن يجعل القيمة مكانه رهناً ؛ لأنّه

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠.

(٢) المغني ٤ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٥ - ٤٨٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « بمال ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٩٨

أتلف مالاً استحقّ بسبب إتلاف الرهن ، فغرم قيمته ، كما لو كانت الجناية موجبةً للمال(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الواجب في قتل العمد عندنا القصاص ، وإنّما يثبت المال لو تصالحا عليه.

ثمّ قالوا : إنّما يؤخذ من السيّد أقلّ القيمتين ، فيجعل رهناً ؛ لأنّ حقّ المرتهن إنّما يتعلّق بالمال ، والواجب من المال هو أقلّ القيمتين ؛ لأنّ الرهن إن كان أقلّ ، لم يجب أكثر من قيمته ، وإن كان الجاني أقلّ ، لم يجب أكثر من قيمته(٢) .

فإذا اقتصّ المولى من الجاني ، كان العبد المجنيّ عليه مرهوناً عند المرتهن.

وإن عفا الوليّ على مالٍ ، كان المال ملكاً للسيّد ورهناً مع العبد عند المرتهن ؛ لأنّ الأرش عوض ما تلف من أجزاء العبد.

وإن عفا على غير مالٍ أو عفا مطلقاً ، صحّ العفو ، ولم يكن للمرتهن مطالبة الراهن بشي‌ء - وهو أحد قولي الشافعي(٣) - لأنّا قد بيّنّا أنّ الواجب في العمد هو القصاص لا غير ، وليس للمرتهن مطالبة الراهن بالعفو على مال ؛ لأنّ اختيار المال ضرب من الكسب ولا يُجبر الراهن عليه بحقّ‌ المرتهن.

والثاني للشافعي : أنّ الواجب في العمد أحد الأمرين : إمّا القصاص أو المال ، فإذا عفا على غير مالٍ أو مطلقاً لم يصحّ العفو ، ويثبت المال ؛ لأنّ إسقاطه القصاص يتعيّن به وجوب المال ؛ فإذا أسقطه أسقط ما تعلّق به حقّ

____________________

(١) المغني ٤ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٥ - ٤٨٦.

(٢) المغني ٤ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٦.

(٣) راجع : التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤١ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤.

٢٩٩

المرتهن ، ويثبت المال ، ويكون رهناً(١) .

مسألة ٢٠١ : بدل الرهن قد بيّنّا أنّه يكون رهناً ، كالأصل ، فيجعل في يد مَنْ كان الأصل في يده من المرتهن أو العَدْل.

وإلى أن يؤخذ هل يقال بأنّه مرهون؟ قال بعض الشافعيّة : لا يكون مرهوناً ؛ لأنّه دَيْنٌ ، والديون لا تكون مرهونةً ، فإذا تعيّن ، صار مرهوناً ، والحالة المتخلّلة كتخمّر العصير وتخلّله بعده(٢) .

وقال آخَرون : هو مرهون كما كان ، والمسلَّم أنّه لا يرهن الدَّيْن ابتداءً(٣) .

وقد بيّنّا أنّ الخصومة تتعلّق بالمالك والجاني ، فلو [ قعد ](٤) المالك عن الخصومة ، فالأقرب أنّ المرتهن يُخاصم.

وكذا المستأجر إذا ادّعى العين وقال لمن هي في يده : إنّها ملك فلان آجرها منّي ، وإنّما لا يدّعي المستأجر القيمة ؛ لأنّ حقّه لا يتعلّق بها.

وهذا أقيس قولَي الشافعي ، وأصحّهما عندهم : أنّ المرتهن لا يخاصم(٥) .

ثمّ الجاني إن أقرّ بالجناية أو أقام الراهن البيّنةَ أو حلف بعد نكول المدّعى عليه ، ثبتت الجناية.

فإن نكل الراهن ، ففي إحلاف المرتهن للشافعي قولان ، كما إذا نكل المفلس هل يحلف الغرماء؟(٦) .

____________________

(١) راجع : التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤١ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٩.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « لا بعد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠.

٣٠٠

ولو لم يقتصّ الراهن في الحال ولا عفا ، ففي إجباره على أحدهما للشافعيّة طريقان :

أحدهما : يُجبر ليكون المرتهن على بيّنة من أمره.

والثاني : إن قلنا : إنّ موجَب العمد أحد الأمرين ، اُجبر. وإن قلنا : موجَبه القود ، لم يُجبر ؛ لأنّه يملك إسقاطه ، فتأخيره أولى بأن يملكه(١) .

وإن كانت الجناية خطأً أو عفا ووجب المال فعفا عن المال ، لم يصح عفوه ؛ لحقّ المرتهن.

وفيه قول : إنّ العفو موقوف ، ويؤخذ المال في الحال لحقّ المرتهن ، فإن انفكّ الرهن ، يردّ إلى الجاني ، وبانَ صحّة العفو ، وإلّا بانَ بطلانه(٢) .

ولو أراد الراهن أن يصالح عن الأرش الواجب على جنسٍ آخَر ، لم يجز إلّا بإذن المرتهن ، وإذا أذن ، صحّ ، وكان المأخوذ مرهوناً.

ولو أبرأ المرتهن الجانيَ ، لم يصح ؛ لأنّه ليس بمالك.

والأقرب : سقوط حقّه عن الوثيقة بهذا الإبراء - وهو أحد وجهيّ‌ الشافعيّة(٣) - ويخلص المأخوذ للراهن ، كما لو صرّح بإسقاط حقّ الوثيقة.

وأصحّهما : لا ؛ لأنّه لم يصح إبراؤه ، فلا يصحّ ما تضمّنه الإبراء ، كما لو وهب المرهون من إنسان ، لا يصحّ ، ولا يبطل الرهن(٤) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٢ ، التهديب - للبغوي - ٤ : ٤١ ، حلية العلماء ٤ :٤٥٢ - روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠.

(٣ و ٤ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٣ العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

٣٠١

الفصل السابع : في فكّ الرهن‌

مسألة ٢٠٢ : الرهن ينفكّ بأسباب ثلاثة :

[ الأوّل ] : الفسخ منهما أو من المرتهن وحده ، فإنّ الرهن جائز من جهته ، فإذا قال المرتهن : فسخت الرهن ، أو : أبطلته ، أو : أقلته منه ، وما أشبه ذلك ، جاز ، وينفكّ الرهن.

والثاني : تلف المرهون.

والثالث : براءة ذمّة الراهن عن الدَّين بتمامه إمّا بالقضاء ، أو الإبراء ، أو الحوالة ، أو الإقالة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلم فيه المرهون به.

وإذا تلف الرهن بآفة سماويّة ، بطل الرهن.

ولو جنى العبد المرهون ، لم يبطل الرهن بمجرّد الجناية ، ولكن يُنظر إن تعلّقت الجناية بأجنبيّ ، قُدّم حقّ المجنيّ عليه ؛ لأنّ حقّه متعيّن في الرقبة ، وحقّ المرتهن متعلّق بذمّة الراهن وبالرقبة أيضاً ، لكن تعلّقه بالرهن أضعف من تعلّق المجنيّ عليه. ولأنّ له بدلاً ، ولا بدل للمجنيّ عليه. ولأنّ حقّ المجنيّ عليه يتقدّم على حق المالك ، فأولى أن يتقدّم على حقّ المسترهن.

ثمّ الجناية إن أوجبت القصاص في النفس واقتصّ المجنيّ عليه ، بطل الرهن.

وإن أوجبت قصاصاً في الطرف ، اقتصّ منه ، وبقي رهناً على حاله.

وإن أوجبت المال أو عفا على مالٍ ، بِيع العبد في الجناية ، وبطل

٣٠٢

الرهن أيضاً حتى لو عاد إلى ملك الراهن ، لم يكن رهناً إلّا بعقدٍ جديد.

ولو كان الواجب دون قيمة العبد ، بِيع منه بقدر الواجب ، وبقي الباقي رهناً. فإن تعذّر بيع البعض أو انتقص بالتشقيص ، بِيع الكلّ ، والفاضل من الثمن عن الأرش يكون رهناً.

ولو عفا المجنيّ عليه عن المال أو فداه الراهن ، بقي العبد رهناً كما كان ، وكذا لو فداه المرتهن ، ولا يرجع به على الراهن إن تبرّع بالفداء ، وإن فداه بإذنه وشرط الرجوع ، رجع ، وإن لم يشترط الرجوع ، فللشافعيّة وجهان يجريان في أداء دَيْن الغير بإذنه مطلقاً ، وظاهر قول الشافعي : الرجوع(١) .

وقال أبو حنيفة : ضمان جناية المرهون على المرتهن ؛ بناءً على أنّ المرهون مضمون عليه ، فإن فداه المرتهن ، بقي رهناً ، ولا رجوع بالفداء ، وإن فداه السيّد أو بِيع في الجناية ، سقط دَيْن المرتهن إن كان بقدر الفداء أو دونه(٢) .

وأصلة باطل بما تقدّم.

وهذا كلّه إذا جنى العبد بغير إذن السيّد ، أمّا لو أمره السيّد بالجناية ، فإن لم يكن مميّزاً أو كان أعجميّاً يعتقد وجوب طاعة السيّد في جميع أوامره ، فالجاني هو السيّد ، وعليه القصاص أو الضمان.

وهل يتعلّق المال برقبته؟ الأظهر عند الشافعيّة : المنع وهو الأقوى عندي فإن قلنا : يتعلّق فبِيع في الجناية ، فعلى السيّد أن يرهن قيمته‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٢ ، المغني ٤ : ٤٤٦ - ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ١٦٥ - ١٦٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٧ ، المغني ٤ : ٤٤٦ - ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٠ - ٤٨١.

٣٠٣

مكانه(١) .

وعلى ما اخترناه من عدم التعلّق إن كان السيّد موسراً اُخذت منه الدية. وإن كان معسراً ، ثبتت في ذمّته ، ولا يُباع العبد ، بل يبقى رهناً بحاله.

وإذ جنى مثل هذا العبد ، فقال السيّد : أنا أمرتُه بذلك ، لم يُقبل قوله في حقّ المجنيّ عليه ، بل يُباع العبد فيها ، وعلى السيّد القيمة لإقراره.

وإن كان العبد مميّزاً يعرف تحريم ذلك كلّه عليه بالغاً كان أو غير بالغ ، فهو كما لو لم يأذن له السيّد ، إلّا أنّه يأثم السيّد بما فَعَل ، لأمره به ، وحينئذٍ تتعلّق الجناية برقبته.

وإن أكرهه السيّد ، فالقصاص عندنا على العبد ، لكن يُحبس المـُكرِه إلى أن يموت.

وعند الشافعيّة يجب القصاص على المـُكِره ، وفي المـُكرَه قولان(٢) .

مسألة ٢٠٣ : لو جنى العبد المرهون على السيّد ، فإن كانت عمداً فإن كانت على ما دون النفس ، فللسيّد القصاص عليه ؛ لأنّ السيّد لا يملك الجناية على عبده ، فيثبت عليه بجنايته. ولأنّه(٣) يجب للزجر والانتقام ، والعبد أحقّ بالزجر عن سيّده ، بخلاف القطع في السرقة ، لأنّ القطع يجب بسرقة مالٍ لا شبهة له فيه من حرزه ، والعبد له شبهة في مال سيّده ، وهو غير محرز عنه في العادة.

فإن أراد المولى استيفاء القصاص ، كان له ذلك.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١٠ : ١٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ١٦.

(٣) في « ث ، ج » والطبعة الحجرية : « لأنّها ». وكلاهما ساقط في « ر ». والظاهر ما أثبتناه.

٣٠٤

وإن أراد العفو على مالٍ ، قال الشيخرحمه‌الله : لا يصحّ ؛ لأنّه لا يجوز أن يثبت له على عبده استحقاق مالٍ ابتداءً ، ولهذا لو كانت الجناية خطأً ، كانت‌ هدراً على هذا ؛ لأنّ العبد مالٌ للسيّد ، فلا يجوز أن يثبت له مالٌ في ماله(١) . وهو ظاهر مذهب الشافعي(٢) .

وقال بعض أصحابه : يثبت له المال ؛ لأنّ كلّ مَن استحقّ القصاص استحقّ العفو على مالٍ، وللسيّد غرضٌ في ذلك بأنّه ينفكّ من الرهن(٣) .

والوجه : الأوّل ، فيبقى الرهن كما كان.

وإن كانت الجناية على نفس سيّده عمداً ، كان للورثة القصاصُ ، فإن اقتصّ الوارث ، بطل الرهن.

وهل لهم العفو على مالٍ؟ قال الشيخرحمه‌الله : ليس لهم ذلك ؛ لأنّ هذا العبد ملك الورثة ، ولا يثبت للمولى على عبده مالٌ. ولأنّ المورّث لم يكن له ذلك ، فكذلك الوارث(٤) . وهو أحد قولي الشافعي(٥) .

والثاني : أنّه تثبت لهم الدية ؛ لأنّ الجناية حصلت في ملك غيرهم ، فكان لهم العفو على مال ؛ كما لو جنى على أجنبيّ(٦) .

قال بعض الشافعيّة : هذا مبنيّ على القولين في وقت وجوب الدية :

أحدهما : تجب في آخر جزء من أجزاء حياة المقتول ثمّ تنتقل إلى‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢١ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٥٣ - ١٥٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٤.

(٥ و ٦ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣ ، المغني ٤ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨١.

٣٠٥

ورثته ، ولهذا تُقضى منها(١) ديونه وتُنفذ وصاياه ، فعلى هذا لا يمكن العفو على المال ؛ لأنّها(٢) تجب على لسيّده.

والثاني : تجب في ملك الورثة ؛ لأنّها بدل نفسه ، فلا تجب في غيره ، فعلى هذا تثبت للورثة ؛ لأنّها تثبت لغير مولاه بالجناية(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : هذا ليس بصحيح ؛ لأنّها إذا وجبت بعد موت السيّد ، فقد وجبت لهم على ملكهم ؛ لأنّ العبد انتقل إليهم بموته(٤) .

وكذا لو كان القتل خطأً على القولين(٥) .

والصحيح : أنّه لا يثبت.

مسألة ٢٠٤ : لو جنى العبد المرهون على مَنْ يرثه السيّد كأبيه وابنه وأخيه وغيرهم ، فإن كانت على الطرف عمداً ، كان على المجنيّ عليه القصاص في الطرف ، ويبقى الباقي رهناً كما كان ، وله العفو على مالٍ.

ولو كانت الجناية خطأً ، ثبت المال.

فإن مات المجنيّ عليه قبل الاستيفاء وورثه السيّد ، قال الشيخرحمه‌الله : كان للسيّد ما لمورّثه من القصاص أو المال ، وله بيعه فيه ، كما لو كان للمورّث ؛ لأنّ الاستدامة أقوى من الابتداء ، فجاز أن يثبت له على ملكه المال في الاستدامة دون الابتداء(٦) . وهو أحد وجهي الشافعيّة(٧) .

والثاني : أنّه كما انتقل إليه سقط ، ولا يجوز أن يثبت له على عبده

____________________

(١ و ٢ ) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « منه لأنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٦) المبسوط - للطوسي - ٣ : ٢٢٥.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

٣٠٦

استدامة الدَّيْن ، كما لا يجوز له ابتداؤه(١) .

وشبّهوا الوجهين بالوجهين فيما إذا ثبت له دَيْنٌ على عبد غيره ثمّ ملكه ، يسقط(٢) أو يبقى حتى يتبعه به بعد العتق(٣) .

واستبعد الجويني هذا التشبيه ، وقال : كيف يكون الاستحقاق الطارئ على الملك بمثابة الملك الطارئ على الاستحقاق!؟

ثمّ أجاب بأنّ الدَّيْن إذا ثبت لغيره ، فنَقله إليه بالإرث إدامة لما كان ، كما أنّ بقاء الدَّيْن الذي كان له على عبد الغير بعد ما ملكه إدامة لما كان(٤) .

ولو كانت الجناية على نفس مُورّثه وكانت عمداً ، فللسيّد القصاص.

وإن عفا على مالٍ أو كانت الجناية خطأً ، بُني ذلك على أنّ الدية تثبت للوارث ابتداءً أو يتلقّاها الوارث من القتيل؟ إن قلنا بالأوّل ، لم يثبت. وإن قلنا بالثاني ، فعلى الوجهين فيما إذا جنى على طرفه وانتقل إليه بالإرث.

مسألة ٢٠٥ : لو جنى عبده المرهون على عبدٍ له آخَر ، فإن لم يكن المجنيّ عليه مرهوناً ، كان للسيّد القصاص ، إلّا أن يكون المقتول ابنَ القاتل ، ويكون له حقّ القصاص مقدَّماً على حقّ المرتهن ؛ لما تقدّم.

وإن أراد العفو على مالٍ ، لم يكن له ذلك ، كما لو جنى على نفس السيّد ، خلافاً لبعض الشافعيّة ، فإنّه قال : يثبت له المال ؛ لأنّ كلّ مَن‌ استحقّ القصاص استحقّ العفو على مالٍ ، وللسيّد غرض في ذلك ، فإنّه ينفكّ من الرهن(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « سقط ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ - ٥١٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٩.

(٥) راجع الهامش (٣) من ص ٣٠٤.

٣٠٧

وسواء كان المقتول قِنّاً أو مدبَّراً أو اُمَّ ولدٍ للسيّد.

وإن كان المجنيّ عليه مرهوناً ، فإن كان مرهوناً عند غير مرتهن الجاني ، كان للسيّد أيضاً القصاصُ ؛ لأنّ حقّ القصاص مقدَّم على حقّ المرتهن ، فإنّ الجناية الموجبة للمال مقدَّمة على حق الرهن ، فالقصاص أولى ، وإنّما لم يقدَّم حقّ الجناية إذا كانت خطأً ، وكانت للسيّد ؛ لأنّه لا يثبت له على عبده مالٌ ، والقصاص يثبت له ؛ ويبطل الرهنان معاً.

وإن عفا على مالٍ أو كانت الجناية خطأً ، ثبت المال لحقّ المرتهن ؛ لأنّ السيّد لو جنى على عبده المرهون ، وجب عليه أرش الجناية لحقّ المرتهن ، فبأن يثبت على عبده أولى ، فيتعلّق المال حينئذٍ برقبة العبد لحقّ مرتهن المقتول.

وإن عفا بغير مالٍ ، فإن قلنا : موجَب(١) العمد أحدُ الأمرين ، وجب المال ، ولم يصح عفوه عنه إلّا برضا المرتهن.

وإن قلنا : موجَبه القود ، فإن قلنا : مطلق العفو لا يوجب المال ، لم يثبت شي‌ء.

وإن قلنا : يوجبه ، فللشافعيّة وجهان ، أصحّهما : أنّه لا يثبت أيضاً - وهو مذهبنا - لأنّ القتل غير موجب على هذا التقدير ، فعفوه المطلق أو على مالٍ نوعُ اكتسابٍ للمرتهن(٢) .

وإن عفا مطلقاً ، فإن قلنا : مطلق العفو يوجب المال ، يثبت المال ، كما لو عفا على مالٍ.

وإن قلنا : لا يوجبه ، صحّ العفو ، وبطل رهن مرتهن القتيل ، وبقي القاتل رهناً كما كان.

____________________

(١) في « ث ، ج » والطبعة الحجريّة : « يوجب ». وفي « ر » : « بوجوب ». وهي غلط ، الظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٤.

٣٠٨

والحكم في عفو المفلِّس المحجور عليه كالحكم في عفو الراهن ، والراهن محجور عليه في المرهون ، كما أنّ المفلَّس محجور عليه في جميع أمواله.

ومهما وجب المال يُنظر إن كان الواجب أكثر من قيمة القاتل أو مثلها ، قال الشيخرحمه‌الله : يُباع ؛ لأنّه ربما رغب فيه راغبٌ أو زاد مزايدٌ ، فيفضل من قيمته شي‌ء يكون رهناً عند مرتهنه(١) ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) .

والثاني : أنّه يُنتقل إلى يد مرتهن المجنيّ عليه رهناً ، وينفكّ من يد مرتهنه ؛ لأنّه لا فائدة في بيعه(٣) .

والأوّل أقوى ؛ لأنّ حقّه في ماليّة العبد ، لا في العين.

وإن كان(٤) أقلَّ ، فعلى الأوّل يُنقل من القاتل بقدر الواجب إلى مرتهن القتيل. وعلى الثاني : يُباع منه قدر الواجب ، ويبقى الباقي رهناً. فإن تعذّر بيع البعض أو نقص بالتشقيص ، بِيع الكلّ ، وجعل الزائد على الواجب عند مرتهن القاتل.

وهذان الوجهان إنّما يظهران فيما إذا طلب الراهن النقلَ ، وطلب مرتهن القتيل البيعَ ، ففي وجهٍ : يُجاب هذا ، وفي وجهٍ : يُجاب ذاك. أمّا إذا طلب الراهن البيعَ ومرتهن المقتول النقلَ ، يُجاب الراهن ؛ لأنّه لا حقّ لصاحبه في عينه.

ولو اتّفق الراهن والمرتهنان على أحد الفعلين ، تعيّن لا محالة.

ولو اتّفق الراهن ومرتهن القتيل على النقل ، قال الجويني : ليس

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٦.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٤.

(٤) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « كانت » بدل « كان ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٠٩

لمرتهن القاتل المناقشة فيه وطلب البيع(١) .

وقضيّة التوجيه الثاني : أنّ له ذلك.

ولو كان مرهوناً عند مرتهن القاتل أيضاً ، فإن كان العبدان مرهونين بدَيْنٍ واحد ، فقد انتقصت الوثيقة ، ولا مستدرك ، كما لو مات أحدهما.

وإن كانا مرهونين بدَيْنين ، نُظر في الدَّيْنين ، فإن اختلفا في الحلول والتأجيل ، فله أن يتوثّق لدَيْن القتيل بالقاتل ؛ لأنّه إن كان الحالُّ دَيْنَ المقتول ، فقد يريد استيفاءه من ثمنه في الحال. وإن كان الحالُّ دَيْنَ القاتل ، فقد يريد الوثيقة للمؤجَّل ، ويطالب الراهن بالحالّ في الحال.

وكذا الحكم لو كانا مؤجَّلين وأحد الأجلين أطول.

وإن اتّفقا حلولاً وتأجيلاً ، فإن اتّفقا قدراً ، فإن اختلف العبدان في القيمة وكانت قيمة المقتول أكثر ، لم تنقل الوثيقة. وإن كانت قيمة القاتل أكثر ، نقل منه قدر قيمة المقتول إلى دَيْن القتيل ، وبقي الباقي رهناً بما كان. وإن تساويا في القيمة ، بقي القاتل مرهوناً بما كان ، ولا فائدة في النقل.

وإن اختلف الدَّيْنان قدراً ، فإن تساوت قيمة العبدين أو كان القتيل أكثرهما قيمةً ، فإن كان المرهون بأكثر الدَّيْنين القتيلَ ، فله توثيقه بالقاتل. وإن كان المرهون بأقلّهما القتيلَ ، فلا فائدة في نقل الوثيقة.

[ وإن كان القتيل أقلّهما قيمةً ، فإن كان مرهوناً بأقلّ الدَّيْنين ، فلا فائدة في نقل الوثيقة ](٢) وإن كان مرهوناً بأكثرهما ، نُقل من القاتل قدر قيمة القتيل إلى الدَّيْن الآخَر.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٤.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٠ - ٥٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٥ لأجل السياق.

٣١٠

وحيث قلنا بنقل التوثيق فيُباع ويُقام ثمنه مقام القتيل أو يُقام عينه مقامه؟ فيه الوجهان السابقان.

ولو اختلف الدَّيْنان في الجنس ، فهو كالاختلاف في القدر أو في الحلول والتأجيل.

وأمّا إن اختلف الدَّيْنان بالاستقرار وعدمه ، كما لو كان أحدهما عوضاً ممّا يتوقّع ردّه بالعيب ، أو صداقاً قبل الدخول ، فإن كان القاتل مرهوناً بالمستقرّ ، فلا فائدة لنقل الوثيقة. وإن كان مرهوناً بالآخَر ، فالأقرب : جواز النقل ، خلافاً للشافعيّة(١) .

ولو تساوى الدَّيْنان في الأوصاف وحُكم بعدم النقل ، أو قال المرتهن : إنّي لا آمنه وقد جنى فبِيعوه وضَعوا ثمنه مكانه ، الأقرب : أنّه يُجاب.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

تذنيب : لو كانت الجناية على مكاتب السيّد ، ثبت للمكاتب القصاص والعفو. فإنّ عجّز نفسه ، ثبت للسيّد القصاص والعفو على مالٍ ؛ لأنّه انتقل إليه من المكاتب. وإن قتل مكاتبه ، ثبت للسيّد القصاص والعفو على مالٍ ؛ لأنّه انتقل إليه من المكاتب. لأنّه بمنزلة الوارث ، لأنّ الحقّ انتقل إليه من المكاتب. وبالجملة ، إذا انتقل الحقّ من المكاتب إلى السيّد بموته أو عجزه ، فهو كما لو انتقل من المورّث.

تذنيبٌ آخَر : لو قتل العبد المرهون سيّدَه وله ابنان ، كان لهما القصاص.

وهل لهما العفو على مالٍ؟ للشافعي قولان.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

٣١١

فإن عفا أحدهما ، سقط القصاص عندهم ؛ لأنّه متى سقط القصاص من أحد الوارثين سقط مطلقاً عندهم.

وعندنا أنّه لا يسقط.

فعلى قولهم هل يثبت للآخَر نصيبه من الدية؟ على القولين.

وأمّا العافي فإن شرط المال ، فعلى القولين. وإن أطلق فإن قلنا : يوجب القتل العمد القصاصَ خاصّة ، فلا شي‌ء له.

وإن قلنا : الواجب أحد الأمرين : إمّا القصاص أو الدية ، فهل تثبت الدية؟ على القولين(١) .

مسألة ٢٠٦ : قد بيّنّا أنّ من أسباب فكّ الرهن براءة ذمّة الراهن عن‌ جميع الدَّيْن إمّا بالقضاء أو بالإبراء أو الحوالة أو الإقامة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلّم فيه مرهون به.

ولو اعتاض عن الدَّيْن عيناً ، ارتفع الرهن أيضاً ؛ لتحوّل الحقّ من الذمّة إلى العين ، وبراءة الذّمة من الدَّيْن.

فإن تلفت العين قبل التسليم ، بطل الاعتياض ، وعاد الرهن بحاله ، كما عاد الدَّيْن. وفيه إشكال.

ولو برئ الراهن من بعض الدَّيْن بإبراءٍ أو قضاءٍ أو غير ذلك من الأسباب ، لم ينفك شي‌ء من الرهن ؛ قضيّةً للاستيثاق. قال الشيخرحمه‌الله : لأنّه مرهون بجميع الحقّ وبكلّ جزء من أجزائه ووثيقة به وبكلّ جزء منه ، كالشهادة ، وكما أنّ حقّ الحبس يبقى ما يبقي شي‌ء من الثمن ، ولا يعتق

____________________

(١) الاُم ٣ : ١٧٦ ، و ٦ : ١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٨٥ ، و ١٥٥ ، و ١٢ : ٩٥ و ١٠٤ و ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، و ١٠ : ٢٨٩ - ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣ ، المغني ٩ : ٣٣٥ ، و ٤٦٤ - ٤٦٥ ، و ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٩ : ٤١٥.

٣١٢

شي‌ء من المكاتب ما بقي من المال شي‌ء(١) .

مسألة ٢٠٧ : ولو رهن عبدين ، لزم الرهن عندنا وإن لم يقبض المرتهن على ما تقدّم.

ومَنْ شَرَط القبض - كالشافعي - لو رهن عبدين وسلم أحدهما ، كان المسلَّم رهناً بجميع الدَّيْن عنده(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) .

وسلم أبو حنيفة أنّه لو سلّمهما ثمّ تلف أحدهما ، كان الباقي رهناً بجميع الدَّيْن(٤) ، فقاس الشافعي عليه.

ولأنّ العقد كان صحيحاً فيهما ، وإنّما طرأ انفساخ العقد في أحدهما ، فلم يؤثّر في الآخَر ، كما لو اشترى شيئين ثمّ ردّ أحدهما بعيبٍ أو خيار أو إقالة ، والراهن مخيّر بين إقباض الباقي ومنعه.

ولو كان التلف بعد قبض الآخَر ، فقد لزم الرهن فيه. فإن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ، ثبت للبائع الخيار ؛ لتعذّر الرهن بكماله ، فإن رضي ، لم يكن له المطالبة ببدل التالف ؛ لأنّ الرهن لم يلزم فيه ، ويكون المقبوض رهناً بجميع الثمن.

ولو تلف أحدهما بعد القبض ، فلا خيار للبائع ؛ لأنّ الرهن لو تلف كلّه لم يكن له خيار ، فإذا تلف بعضه كان أولى.

ثمّ إن كان تلفه بعد قبض الآخَر ، فقد لزم الرهن فيه. وإن كان قبل قبض الآخَر ، فالراهن مخيَّر بين إقباضه وتركه ، فإن امتنع من قبضه ، ثبت للبائع الخيار ، كما لو لم يتلف الآخَر.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢.

(٢) الاُم ٣ : ١٤٢ ، الوسيط ٣ : ٥١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢.

٣١٣

ولو رهنه داراً فانهدمت قبل قبضها ، لم ينفسخ عقد الرهن ؛ لأنّ ماليّتها لم تذهب بالكلّيّة ، فإنّ عرصتها وأنقاضها باقية ، ويثبت للمرتهن الخيار إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ؛ لأنّها تعيّبت ونقصت قيمتها ، وتكون العرصة والأنقاض رهناً بجميع الدَّيْن ؛ لأنّ العقد ورد على مجموع الدار المشتملة على العرصة والأنقاض من الأخشاب والأحجار ونحوها ، وما دخل في العقد استقرّ بالقبض.

تذنيب : إنّما يعرض انفكاك الرهن في بعض المرهون دون بعضٍ بأحد اُمور ستّة :

أحدهما : تعدّد العقد ، كما إذا رهن أحد نصفي العبد بعشرة في صفقة ونصفه الآخَر في صفقة اُخرى ، فإنّه إذا قضي دَيْن أحد النصفين ، خرج ذلك النصف عن الرهن ، وبقي الآخَر رهناً بدَيْنه المختصّ به.

و ثانيها : أن يتعدّد مستحقّ الدَّيْن.

و ثالثها : أن يتعدّد مَنْ عليه الدَّيْن.

و رابعها : أن يقضي أحد الوكيلين.

و خامسها : إذا فكّ المستعير نصيب أحد المالكين.

و سادسها : أن يقضي أحد الوارثين ما يخصّه من الدَّيْن.

ونحن نبيّن هذه الجملة.

مسألة ٢٠٨ : الفرض الأوّل ظاهر ، وأمّا الثاني فإذا تعدّد مستحقّ الدَّيْن ، كما لو كان لرجلين على رجلٍ دَيْنان ، فرهن منهما بدَيْنهما عليه عيناً صفقةً واحدة ثمّ برئت ذمته عن دَيْن أحدهما بأداءٍ أو إبراءٍ ، انفكّ من الرهن بقسط دَيْنه ؛ لأنّ نصف العبد رهن عند أحدهما ، ونصفه الآخَر عند الآخَر كلّ واحدٍ منهما بدَيْنه ، فإذا وفى أحدهما ، خرجت حصّته من الرهن ، لأنّ عبد الواحد مع الاثنين بمنزلة عبدين ، فكأنّه رهن عند كلّ

٣١٤

واحدٍ منهما النصف منفرداً.

فإن أراد مقاسمة المرتهن وأخْذَ نصيب مَنْ وفاه وكان الرهن ممّا لا تنقصه القسمة كالمكيل والموزون ، لزم ذلك. وإن كان ممّا تنقصه القسمة ، لم تجب قسمته ؛ لما فيه من تضرّر المرتهن بالقسمة ، فيقرّ في يد المرتهن يكون نصفه رهناً ونصفه وديعةً ، وبهذا قال الشافعي(١) ، واختاره الشيخ(٢) رحمه‌الله .

وقال أبو حنيفة : لا ينفكّ شي‌ء حتى يؤدّي دَيْنهما جميعاً ، سواء كانا شريكين فيه أو لا ، وجميعها رهنٌ عند كلّ واحدٍ منهما ؛ لأنّ الرهن اُضيف‌ إلى كلّ العين في صفقة واحدة ، ولا شيوع في المحلّ باعتبار تعدّد المستحقّ ، وموجَبه صيرورته محبوساً بدَيْن كلّ واحدٍ منهما ، فكان استحقاق الحبس لهما استحقاقاً واحداً من غير انقسامٍ بينهما ، بخلاف الهبة من اثنين - عند أبي حنيفة - فإنّ هناك لا بُدَّ من انقسام الحكم - وهو الملك - بينهما ؛ إذ يستحيل إثباته لكلٍّ منهما على الكمال في محلٍّ واحد ، فدخل فيه الشيوع ضرورةً ، بخلاف مسألتنا ؛ إذ لا حاجة إلى هذا ؛ لأنّ العين الواحدة يجوز أن تكون محبوسةً لحقّ كلّ واحدٍ منهما على الكمال ؛ إذ لا تضايق في استحقاق الحبس.

ألا ترى أنّ الرهن الواحد لا ينقسم على أجزاء الدَّيْن ، بل يكون محبوساً كلّه بكلِّه وبكلّ جزء منه ، فكذا هنا تكون العين محبوسةً بحقّها وبحقّ كلّ واحدٍ منهما ، فلا يدخل فيه الشيوع.

فإذا قضى الراهن دَيْن أحدهما ، فالكلّ رهنٌ عند الآخَر ؛ لأنّ جميع العين رهنٌ عند كلّ واحدٍ منهما من غير تفرّقٍ ، وعلى هذا حبس المبيع إذا

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٤٠.

٣١٥

اشترى رجلان من رجل فأدّى أحدهما حصّته ، لم يكن له أن يقبض شيئاً ، وكان لبائع أن يحبس الجميع حتى يستوفي ما على الآخَر(١) .

والوجهُ : الأوّل.

وللشافعيّة وجهٌ غريب عندهم : أنّه إذا اتّحد جهة الدَّيْنين كما لو أتلف عليهما مالاً أو ابتاع منهما ، لم ينفك شي‌ء بالبراءة عن دَيْن أحدهما ، وإنّما ينفكّ إذا اختلفت الجهتان(٢) .

مسألة ٢٠٩ : لو تعدّد مَنْ عليه الدَّيْن ، كما لو استدان شخصان من‌ رجل شيئاً ورهنا عنده بدَيْنه عليهما شيئاً ، صحّ الرهن ؛ لأنّ رهن المشاع جائز عندنا وعند الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة(٤) .

فإذا أدّى أحدهما نصيبه أو أبرأه المستحقّ ، انفكّ نصيبه من الرهن ، وليس له أن يطالب المرتهن بالقسمة ، بل المطالبة بالقسمة إلى الشريك المالك.

فإن قاسمه المرتهن بإذن الراهن الآخَر ، صحّت القسمة. وإن قاسمه

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٣٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٦ ، ٣ : ٧١ - ٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ١٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥ ، المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٦٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٢ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٥٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٨ / ٢٠٠٣.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٦٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٢ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٥٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٧ / ٢٠٠٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٥ ، و ٢١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥.

٣١٦

بغير إذنه ، لم تصحّ القسمة ، سواء كان ممّا يمكن قسمته بغير رضا الشريك الآخَر وبغير حضوره كالمكيل والموزون ، أو لم يمكن قسمته إلّا بحضور الشريك الآخَر ، كالعقار والأراضي والحيوان - خلافاً لبعض العامّة(١) - وهذا كمذهب الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا ينفكّ حتى يبرءا عن حقّه جميعاً ، والرهن رهن بكلّ الدَّيْن ، وللمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدَّيْن ؛ لأنّ قبض المرتهن حصل في الكلّ من غير شيوع ، وتفرّق أملاكها لا يوجب شيوعاً‌ في الرهن ، فإنّه يجوز أن يكون ملك الغير مرهوناً بدَيْن الغير ، كما لو استعار فرهن. وجوّز أبو حنيفة هذا الرهن وإن لم يجوّز رهن المشاع(٣) .

تذنيب : لو رهن ثلاثةٌ عبداً عند رجل بدَيْنٍ له على كلّ واحدٍ منهم ، صحّ ، وكان الحكم من الخلاف كما تقدّم. فإن مات العبد ، كان من ضمان المرتهن عند أبي حنيفة(٤) ، خلافاً لنا وللشافعي(٥) .

فعلى قول أبي حنيفة يذهب من دَيْن كلّ واحدٍ منهم بالحصّة من العبد ، وتراجعوا فيما بينهم حتى لو كان له على رجل ألف وخمسمائة وعلى آخَر ألف وعلى آخَر خمسمائة فرهنوه عبداً قيمته ألفان بينهم أثلاثاً فهلك ، صار مستوفياً من كلّ واحدٍ ثلثي ما عليه ؛ لأنّ المرهون عنده

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٨.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، وأيضاً راجع المصادر في الهامش (٤) من ص ٣١٥

(٤) الجامع الكبير - للشيباني - : ٢٦٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٣ ، الوجيز ١ : ١٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٨ ، الوجيز ١ : ١٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٤.

٣١٧

مضمون بأقل من قيمته ومن الدَّيْن(١) ، والرهن هنا أقلّ ، فيصير مستوفياً من الدَّيْن بقدر قيمة العبد - وهي ألفان - وهي ثلثا ثلاثة آلاف هي الدَّيْن عليهم ، فيصير مستوفياً من الأكثر ألف درهم ، ومن الأوسط ستّمائة وستّة وستّين وثلثين ، ومن الأقلّ ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث ، ويبقى على كلّ واحدٍ ثلث دَيْنه.

ثمّ الذي عليه الأكثر يضمن لكلٍّ من صاحبَيْه ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلثاً ؛ لأنّه صار قاضياً من دَيْنه ألفاً ثلثه من نصيبه ، وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، وثلثه من نصيب الأوسط ، وثلثه من نصيب الأقلّ ، فيضمن لهما مقدار ما قضي من دَيْنه من نصيبهما.

والأوسط يضمن لكلٍّ من صاحبَيْه مائتين وعشرين درهماً وتُسْعَي درهم ؛ لأنّه صار قاضياً من دَيْنه ستّمائة وستّين وثلثين ثلثها من نصيبه ، وذلك مائتان واثنان وعشرون وتُسْعان ، وثلثها من نصيب الأكثر ، وثلثها من نصيب الأقلّ ، فيضمن لهما مقدار ما قضي من دَيْنه من نصيبهما.

والذي عليه الأقلّ صار قاضياً من دَيْنه ثلاثمائة وثلاثين وثلثاً ، ثلثه من نصيبه ، وذلك مائة وأحد عشر وتُسْع ثلثه من نصيب الأوسط ، وثلثه من نصيب الأكثر ، فيضمن لصاحبَيْه ما قضي من نصيبهما.

ثمّ تقع المقاصّة بينهم تقاصّوا أو لم يتقاصّوا ؛ لاتّحاد الجنس ، فمَنْ عليه الأقلّ استوجب على الكثير ثلاثمائة وثلاثين وثلثاً ، وهو قد استوجب عليه مائة وأحد عشر وتُسْع ، فتقع المقاصّة بهذا القدر ، ويرجع

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨.

٣١٨

الأقلّ عليه بما بقي ، وهو مائتان واثنان وعشرون وتُسْعان.

وكذا مَنْ عليه الأقلّ استوجب على مَنْ عليه الأوسط مائتين واثنين وعشرين وتُسْعين ، وقد استوجب الرجوع على الأكثر بثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثُلْث ، وهو استوجب الرجوع عليه بمائتين واثنين وعشرين وتُسْعين ، فتقع المقاصّة بهذا القدر ، ويرجع عليه بالفضل ، وهو مائة وأحد عشر وتُسْع.

مسألة ٢١٠ : لو وكّل رجلان رجلاً ليرهن عبدهما من زيد بدَيْنه عليهما ، فرهن ثمّ قضى أحد الموكّلين ما عليه ، قال بعض الشافعيّة : يخرج‌ على قولين. والصحيح عندهم : الجزم بأنّه ينفكّ نصيبه ، ولا نظر إلى اتّحاد الوكيل وتعدّده(١) .

قال الجويني : لأنّ مدار الباب على اتّحاد الدَّيْن وتعدّده ، ومهما تعدّد أو المستحقّ عليه فقد تعدّد الدَّيْن(٢) .

ويخالف ما نحن فيه البيع والشراء حيث ذكروا خلافاً في أنّ الاعتبار في تعدّد الصفقة واتّحادها بالمتبايعين أو الوكيل؟ لأنّ الرهن ليس عقدَ ضمانٍ حتى يُنظر فيه إلى المباشر(٣) .

مسألة ٢١١ : لو كان لاثنين عبدٌ فاستعاره واحد ليرهنه فرهنه ثمّ أدّى نصف الدَّيْن وقصد به الشيوع من غير تخصيصٍ لحصّته ، لم ينفكّ من الرهن شي‌ء.

وإن قصد أداءه عن نصيب أحدهما بعينه لينفكّ نصيبه ، فقولان للشافعي :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ - ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦ - ٣٤٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

٣١٩

أحدهما : لا ينفكّ ، كما لو استعاره من واحدٍ.

والثاني : ينفكّ ، كما لو رهن رجلان من رجلٍ ثمّ أدّى أحدهما نصيبه ، والمعنى فيه النظر إلى تعدّد المالك ، وقطع النظر عن العاقد. وهو أظهر القولين عندهم(١) .

ولو كان لشخصين عبدان متماثلا القيمة فاستعارهما آخَر للرهن فرهنهما ثمّ قضى نصف الدَّيْن ليخرج أحدهما عن الرهن ، فللشافعيّة‌ قولان :

قيل : يخرج ؛ لانضمام(٢) تعدّد المحلّ إلى تعدّد المالك.

والأصحّ : طرد القولين(٣) .

وإذا قلنا بالانفكاك فلو كان الرهن مشروطاً في بيع ، فهل للمرتهن الخيار إذا كان جاهلاً بأنّه لمالكَيْن؟ فيه رأيان نسبهما الأكثرون إلى بعض الشافعيّة(٤) .

وقيل : بل للشافعي قولان ، أصحّهما : أنّ له الخيار ؛ لأنّ مقتضى الرهن المطلق لا ينفكّ شي‌ء منه إلّا بعد أداء جميع الدَّيْن ولم يحصل ذلك(٥) .

وقيل : فيه(٦) قولٌ ثالث للشافعي ، وهو : أنّ المرتهن إن كان عالماً بأنّ العبد لمالكَيْن ، فللراهن فكّ نصفه بأداء نصف الدَّيْن : وإن كان جاهلاً ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « انضمام ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « وفيه ».

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400