تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125358 / تحميل: 5206
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ولو لم يقتصّ الراهن في الحال ولا عفا ، ففي إجباره على أحدهما للشافعيّة طريقان :

أحدهما : يُجبر ليكون المرتهن على بيّنة من أمره.

والثاني : إن قلنا : إنّ موجَب العمد أحد الأمرين ، اُجبر. وإن قلنا : موجَبه القود ، لم يُجبر ؛ لأنّه يملك إسقاطه ، فتأخيره أولى بأن يملكه(١) .

وإن كانت الجناية خطأً أو عفا ووجب المال فعفا عن المال ، لم يصح عفوه ؛ لحقّ المرتهن.

وفيه قول : إنّ العفو موقوف ، ويؤخذ المال في الحال لحقّ المرتهن ، فإن انفكّ الرهن ، يردّ إلى الجاني ، وبانَ صحّة العفو ، وإلّا بانَ بطلانه(٢) .

ولو أراد الراهن أن يصالح عن الأرش الواجب على جنسٍ آخَر ، لم يجز إلّا بإذن المرتهن ، وإذا أذن ، صحّ ، وكان المأخوذ مرهوناً.

ولو أبرأ المرتهن الجانيَ ، لم يصح ؛ لأنّه ليس بمالك.

والأقرب : سقوط حقّه عن الوثيقة بهذا الإبراء - وهو أحد وجهيّ‌ الشافعيّة(٣) - ويخلص المأخوذ للراهن ، كما لو صرّح بإسقاط حقّ الوثيقة.

وأصحّهما : لا ؛ لأنّه لم يصح إبراؤه ، فلا يصحّ ما تضمّنه الإبراء ، كما لو وهب المرهون من إنسان ، لا يصحّ ، ولا يبطل الرهن(٤) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٢ ، التهديب - للبغوي - ٤ : ٤١ ، حلية العلماء ٤ :٤٥٢ - روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠.

(٣ و ٤ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٣ العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

٣٠١

الفصل السابع : في فكّ الرهن‌

مسألة ٢٠٢ : الرهن ينفكّ بأسباب ثلاثة :

[ الأوّل ] : الفسخ منهما أو من المرتهن وحده ، فإنّ الرهن جائز من جهته ، فإذا قال المرتهن : فسخت الرهن ، أو : أبطلته ، أو : أقلته منه ، وما أشبه ذلك ، جاز ، وينفكّ الرهن.

والثاني : تلف المرهون.

والثالث : براءة ذمّة الراهن عن الدَّين بتمامه إمّا بالقضاء ، أو الإبراء ، أو الحوالة ، أو الإقالة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلم فيه المرهون به.

وإذا تلف الرهن بآفة سماويّة ، بطل الرهن.

ولو جنى العبد المرهون ، لم يبطل الرهن بمجرّد الجناية ، ولكن يُنظر إن تعلّقت الجناية بأجنبيّ ، قُدّم حقّ المجنيّ عليه ؛ لأنّ حقّه متعيّن في الرقبة ، وحقّ المرتهن متعلّق بذمّة الراهن وبالرقبة أيضاً ، لكن تعلّقه بالرهن أضعف من تعلّق المجنيّ عليه. ولأنّ له بدلاً ، ولا بدل للمجنيّ عليه. ولأنّ حقّ المجنيّ عليه يتقدّم على حق المالك ، فأولى أن يتقدّم على حقّ المسترهن.

ثمّ الجناية إن أوجبت القصاص في النفس واقتصّ المجنيّ عليه ، بطل الرهن.

وإن أوجبت قصاصاً في الطرف ، اقتصّ منه ، وبقي رهناً على حاله.

وإن أوجبت المال أو عفا على مالٍ ، بِيع العبد في الجناية ، وبطل

٣٠٢

الرهن أيضاً حتى لو عاد إلى ملك الراهن ، لم يكن رهناً إلّا بعقدٍ جديد.

ولو كان الواجب دون قيمة العبد ، بِيع منه بقدر الواجب ، وبقي الباقي رهناً. فإن تعذّر بيع البعض أو انتقص بالتشقيص ، بِيع الكلّ ، والفاضل من الثمن عن الأرش يكون رهناً.

ولو عفا المجنيّ عليه عن المال أو فداه الراهن ، بقي العبد رهناً كما كان ، وكذا لو فداه المرتهن ، ولا يرجع به على الراهن إن تبرّع بالفداء ، وإن فداه بإذنه وشرط الرجوع ، رجع ، وإن لم يشترط الرجوع ، فللشافعيّة وجهان يجريان في أداء دَيْن الغير بإذنه مطلقاً ، وظاهر قول الشافعي : الرجوع(١) .

وقال أبو حنيفة : ضمان جناية المرهون على المرتهن ؛ بناءً على أنّ المرهون مضمون عليه ، فإن فداه المرتهن ، بقي رهناً ، ولا رجوع بالفداء ، وإن فداه السيّد أو بِيع في الجناية ، سقط دَيْن المرتهن إن كان بقدر الفداء أو دونه(٢) .

وأصلة باطل بما تقدّم.

وهذا كلّه إذا جنى العبد بغير إذن السيّد ، أمّا لو أمره السيّد بالجناية ، فإن لم يكن مميّزاً أو كان أعجميّاً يعتقد وجوب طاعة السيّد في جميع أوامره ، فالجاني هو السيّد ، وعليه القصاص أو الضمان.

وهل يتعلّق المال برقبته؟ الأظهر عند الشافعيّة : المنع وهو الأقوى عندي فإن قلنا : يتعلّق فبِيع في الجناية ، فعلى السيّد أن يرهن قيمته‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٢ ، المغني ٤ : ٤٤٦ - ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ١٦٥ - ١٦٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٧ ، المغني ٤ : ٤٤٦ - ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٠ - ٤٨١.

٣٠٣

مكانه(١) .

وعلى ما اخترناه من عدم التعلّق إن كان السيّد موسراً اُخذت منه الدية. وإن كان معسراً ، ثبتت في ذمّته ، ولا يُباع العبد ، بل يبقى رهناً بحاله.

وإذ جنى مثل هذا العبد ، فقال السيّد : أنا أمرتُه بذلك ، لم يُقبل قوله في حقّ المجنيّ عليه ، بل يُباع العبد فيها ، وعلى السيّد القيمة لإقراره.

وإن كان العبد مميّزاً يعرف تحريم ذلك كلّه عليه بالغاً كان أو غير بالغ ، فهو كما لو لم يأذن له السيّد ، إلّا أنّه يأثم السيّد بما فَعَل ، لأمره به ، وحينئذٍ تتعلّق الجناية برقبته.

وإن أكرهه السيّد ، فالقصاص عندنا على العبد ، لكن يُحبس المـُكرِه إلى أن يموت.

وعند الشافعيّة يجب القصاص على المـُكِره ، وفي المـُكرَه قولان(٢) .

مسألة ٢٠٣ : لو جنى العبد المرهون على السيّد ، فإن كانت عمداً فإن كانت على ما دون النفس ، فللسيّد القصاص عليه ؛ لأنّ السيّد لا يملك الجناية على عبده ، فيثبت عليه بجنايته. ولأنّه(٣) يجب للزجر والانتقام ، والعبد أحقّ بالزجر عن سيّده ، بخلاف القطع في السرقة ، لأنّ القطع يجب بسرقة مالٍ لا شبهة له فيه من حرزه ، والعبد له شبهة في مال سيّده ، وهو غير محرز عنه في العادة.

فإن أراد المولى استيفاء القصاص ، كان له ذلك.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١٠ : ١٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ١٦.

(٣) في « ث ، ج » والطبعة الحجرية : « لأنّها ». وكلاهما ساقط في « ر ». والظاهر ما أثبتناه.

٣٠٤

وإن أراد العفو على مالٍ ، قال الشيخرحمه‌الله : لا يصحّ ؛ لأنّه لا يجوز أن يثبت له على عبده استحقاق مالٍ ابتداءً ، ولهذا لو كانت الجناية خطأً ، كانت‌ هدراً على هذا ؛ لأنّ العبد مالٌ للسيّد ، فلا يجوز أن يثبت له مالٌ في ماله(١) . وهو ظاهر مذهب الشافعي(٢) .

وقال بعض أصحابه : يثبت له المال ؛ لأنّ كلّ مَن استحقّ القصاص استحقّ العفو على مالٍ، وللسيّد غرضٌ في ذلك بأنّه ينفكّ من الرهن(٣) .

والوجه : الأوّل ، فيبقى الرهن كما كان.

وإن كانت الجناية على نفس سيّده عمداً ، كان للورثة القصاصُ ، فإن اقتصّ الوارث ، بطل الرهن.

وهل لهم العفو على مالٍ؟ قال الشيخرحمه‌الله : ليس لهم ذلك ؛ لأنّ هذا العبد ملك الورثة ، ولا يثبت للمولى على عبده مالٌ. ولأنّ المورّث لم يكن له ذلك ، فكذلك الوارث(٤) . وهو أحد قولي الشافعي(٥) .

والثاني : أنّه تثبت لهم الدية ؛ لأنّ الجناية حصلت في ملك غيرهم ، فكان لهم العفو على مال ؛ كما لو جنى على أجنبيّ(٦) .

قال بعض الشافعيّة : هذا مبنيّ على القولين في وقت وجوب الدية :

أحدهما : تجب في آخر جزء من أجزاء حياة المقتول ثمّ تنتقل إلى‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢١ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٥٣ - ١٥٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٤.

(٥ و ٦ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣ ، المغني ٤ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨١.

٣٠٥

ورثته ، ولهذا تُقضى منها(١) ديونه وتُنفذ وصاياه ، فعلى هذا لا يمكن العفو على المال ؛ لأنّها(٢) تجب على لسيّده.

والثاني : تجب في ملك الورثة ؛ لأنّها بدل نفسه ، فلا تجب في غيره ، فعلى هذا تثبت للورثة ؛ لأنّها تثبت لغير مولاه بالجناية(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : هذا ليس بصحيح ؛ لأنّها إذا وجبت بعد موت السيّد ، فقد وجبت لهم على ملكهم ؛ لأنّ العبد انتقل إليهم بموته(٤) .

وكذا لو كان القتل خطأً على القولين(٥) .

والصحيح : أنّه لا يثبت.

مسألة ٢٠٤ : لو جنى العبد المرهون على مَنْ يرثه السيّد كأبيه وابنه وأخيه وغيرهم ، فإن كانت على الطرف عمداً ، كان على المجنيّ عليه القصاص في الطرف ، ويبقى الباقي رهناً كما كان ، وله العفو على مالٍ.

ولو كانت الجناية خطأً ، ثبت المال.

فإن مات المجنيّ عليه قبل الاستيفاء وورثه السيّد ، قال الشيخرحمه‌الله : كان للسيّد ما لمورّثه من القصاص أو المال ، وله بيعه فيه ، كما لو كان للمورّث ؛ لأنّ الاستدامة أقوى من الابتداء ، فجاز أن يثبت له على ملكه المال في الاستدامة دون الابتداء(٦) . وهو أحد وجهي الشافعيّة(٧) .

والثاني : أنّه كما انتقل إليه سقط ، ولا يجوز أن يثبت له على عبده

____________________

(١ و ٢ ) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « منه لأنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٦) المبسوط - للطوسي - ٣ : ٢٢٥.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

٣٠٦

استدامة الدَّيْن ، كما لا يجوز له ابتداؤه(١) .

وشبّهوا الوجهين بالوجهين فيما إذا ثبت له دَيْنٌ على عبد غيره ثمّ ملكه ، يسقط(٢) أو يبقى حتى يتبعه به بعد العتق(٣) .

واستبعد الجويني هذا التشبيه ، وقال : كيف يكون الاستحقاق الطارئ على الملك بمثابة الملك الطارئ على الاستحقاق!؟

ثمّ أجاب بأنّ الدَّيْن إذا ثبت لغيره ، فنَقله إليه بالإرث إدامة لما كان ، كما أنّ بقاء الدَّيْن الذي كان له على عبد الغير بعد ما ملكه إدامة لما كان(٤) .

ولو كانت الجناية على نفس مُورّثه وكانت عمداً ، فللسيّد القصاص.

وإن عفا على مالٍ أو كانت الجناية خطأً ، بُني ذلك على أنّ الدية تثبت للوارث ابتداءً أو يتلقّاها الوارث من القتيل؟ إن قلنا بالأوّل ، لم يثبت. وإن قلنا بالثاني ، فعلى الوجهين فيما إذا جنى على طرفه وانتقل إليه بالإرث.

مسألة ٢٠٥ : لو جنى عبده المرهون على عبدٍ له آخَر ، فإن لم يكن المجنيّ عليه مرهوناً ، كان للسيّد القصاص ، إلّا أن يكون المقتول ابنَ القاتل ، ويكون له حقّ القصاص مقدَّماً على حقّ المرتهن ؛ لما تقدّم.

وإن أراد العفو على مالٍ ، لم يكن له ذلك ، كما لو جنى على نفس السيّد ، خلافاً لبعض الشافعيّة ، فإنّه قال : يثبت له المال ؛ لأنّ كلّ مَن‌ استحقّ القصاص استحقّ العفو على مالٍ ، وللسيّد غرض في ذلك ، فإنّه ينفكّ من الرهن(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « سقط ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ - ٥١٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٩.

(٥) راجع الهامش (٣) من ص ٣٠٤.

٣٠٧

وسواء كان المقتول قِنّاً أو مدبَّراً أو اُمَّ ولدٍ للسيّد.

وإن كان المجنيّ عليه مرهوناً ، فإن كان مرهوناً عند غير مرتهن الجاني ، كان للسيّد أيضاً القصاصُ ؛ لأنّ حقّ القصاص مقدَّم على حقّ المرتهن ، فإنّ الجناية الموجبة للمال مقدَّمة على حق الرهن ، فالقصاص أولى ، وإنّما لم يقدَّم حقّ الجناية إذا كانت خطأً ، وكانت للسيّد ؛ لأنّه لا يثبت له على عبده مالٌ ، والقصاص يثبت له ؛ ويبطل الرهنان معاً.

وإن عفا على مالٍ أو كانت الجناية خطأً ، ثبت المال لحقّ المرتهن ؛ لأنّ السيّد لو جنى على عبده المرهون ، وجب عليه أرش الجناية لحقّ المرتهن ، فبأن يثبت على عبده أولى ، فيتعلّق المال حينئذٍ برقبة العبد لحقّ مرتهن المقتول.

وإن عفا بغير مالٍ ، فإن قلنا : موجَب(١) العمد أحدُ الأمرين ، وجب المال ، ولم يصح عفوه عنه إلّا برضا المرتهن.

وإن قلنا : موجَبه القود ، فإن قلنا : مطلق العفو لا يوجب المال ، لم يثبت شي‌ء.

وإن قلنا : يوجبه ، فللشافعيّة وجهان ، أصحّهما : أنّه لا يثبت أيضاً - وهو مذهبنا - لأنّ القتل غير موجب على هذا التقدير ، فعفوه المطلق أو على مالٍ نوعُ اكتسابٍ للمرتهن(٢) .

وإن عفا مطلقاً ، فإن قلنا : مطلق العفو يوجب المال ، يثبت المال ، كما لو عفا على مالٍ.

وإن قلنا : لا يوجبه ، صحّ العفو ، وبطل رهن مرتهن القتيل ، وبقي القاتل رهناً كما كان.

____________________

(١) في « ث ، ج » والطبعة الحجريّة : « يوجب ». وفي « ر » : « بوجوب ». وهي غلط ، الظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٤.

٣٠٨

والحكم في عفو المفلِّس المحجور عليه كالحكم في عفو الراهن ، والراهن محجور عليه في المرهون ، كما أنّ المفلَّس محجور عليه في جميع أمواله.

ومهما وجب المال يُنظر إن كان الواجب أكثر من قيمة القاتل أو مثلها ، قال الشيخرحمه‌الله : يُباع ؛ لأنّه ربما رغب فيه راغبٌ أو زاد مزايدٌ ، فيفضل من قيمته شي‌ء يكون رهناً عند مرتهنه(١) ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) .

والثاني : أنّه يُنتقل إلى يد مرتهن المجنيّ عليه رهناً ، وينفكّ من يد مرتهنه ؛ لأنّه لا فائدة في بيعه(٣) .

والأوّل أقوى ؛ لأنّ حقّه في ماليّة العبد ، لا في العين.

وإن كان(٤) أقلَّ ، فعلى الأوّل يُنقل من القاتل بقدر الواجب إلى مرتهن القتيل. وعلى الثاني : يُباع منه قدر الواجب ، ويبقى الباقي رهناً. فإن تعذّر بيع البعض أو نقص بالتشقيص ، بِيع الكلّ ، وجعل الزائد على الواجب عند مرتهن القاتل.

وهذان الوجهان إنّما يظهران فيما إذا طلب الراهن النقلَ ، وطلب مرتهن القتيل البيعَ ، ففي وجهٍ : يُجاب هذا ، وفي وجهٍ : يُجاب ذاك. أمّا إذا طلب الراهن البيعَ ومرتهن المقتول النقلَ ، يُجاب الراهن ؛ لأنّه لا حقّ لصاحبه في عينه.

ولو اتّفق الراهن والمرتهنان على أحد الفعلين ، تعيّن لا محالة.

ولو اتّفق الراهن ومرتهن القتيل على النقل ، قال الجويني : ليس

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٦.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٤.

(٤) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « كانت » بدل « كان ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٠٩

لمرتهن القاتل المناقشة فيه وطلب البيع(١) .

وقضيّة التوجيه الثاني : أنّ له ذلك.

ولو كان مرهوناً عند مرتهن القاتل أيضاً ، فإن كان العبدان مرهونين بدَيْنٍ واحد ، فقد انتقصت الوثيقة ، ولا مستدرك ، كما لو مات أحدهما.

وإن كانا مرهونين بدَيْنين ، نُظر في الدَّيْنين ، فإن اختلفا في الحلول والتأجيل ، فله أن يتوثّق لدَيْن القتيل بالقاتل ؛ لأنّه إن كان الحالُّ دَيْنَ المقتول ، فقد يريد استيفاءه من ثمنه في الحال. وإن كان الحالُّ دَيْنَ القاتل ، فقد يريد الوثيقة للمؤجَّل ، ويطالب الراهن بالحالّ في الحال.

وكذا الحكم لو كانا مؤجَّلين وأحد الأجلين أطول.

وإن اتّفقا حلولاً وتأجيلاً ، فإن اتّفقا قدراً ، فإن اختلف العبدان في القيمة وكانت قيمة المقتول أكثر ، لم تنقل الوثيقة. وإن كانت قيمة القاتل أكثر ، نقل منه قدر قيمة المقتول إلى دَيْن القتيل ، وبقي الباقي رهناً بما كان. وإن تساويا في القيمة ، بقي القاتل مرهوناً بما كان ، ولا فائدة في النقل.

وإن اختلف الدَّيْنان قدراً ، فإن تساوت قيمة العبدين أو كان القتيل أكثرهما قيمةً ، فإن كان المرهون بأكثر الدَّيْنين القتيلَ ، فله توثيقه بالقاتل. وإن كان المرهون بأقلّهما القتيلَ ، فلا فائدة في نقل الوثيقة.

[ وإن كان القتيل أقلّهما قيمةً ، فإن كان مرهوناً بأقلّ الدَّيْنين ، فلا فائدة في نقل الوثيقة ](٢) وإن كان مرهوناً بأكثرهما ، نُقل من القاتل قدر قيمة القتيل إلى الدَّيْن الآخَر.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٤.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٠ - ٥٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٥ لأجل السياق.

٣١٠

وحيث قلنا بنقل التوثيق فيُباع ويُقام ثمنه مقام القتيل أو يُقام عينه مقامه؟ فيه الوجهان السابقان.

ولو اختلف الدَّيْنان في الجنس ، فهو كالاختلاف في القدر أو في الحلول والتأجيل.

وأمّا إن اختلف الدَّيْنان بالاستقرار وعدمه ، كما لو كان أحدهما عوضاً ممّا يتوقّع ردّه بالعيب ، أو صداقاً قبل الدخول ، فإن كان القاتل مرهوناً بالمستقرّ ، فلا فائدة لنقل الوثيقة. وإن كان مرهوناً بالآخَر ، فالأقرب : جواز النقل ، خلافاً للشافعيّة(١) .

ولو تساوى الدَّيْنان في الأوصاف وحُكم بعدم النقل ، أو قال المرتهن : إنّي لا آمنه وقد جنى فبِيعوه وضَعوا ثمنه مكانه ، الأقرب : أنّه يُجاب.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

تذنيب : لو كانت الجناية على مكاتب السيّد ، ثبت للمكاتب القصاص والعفو. فإنّ عجّز نفسه ، ثبت للسيّد القصاص والعفو على مالٍ ؛ لأنّه انتقل إليه من المكاتب. وإن قتل مكاتبه ، ثبت للسيّد القصاص والعفو على مالٍ ؛ لأنّه انتقل إليه من المكاتب. لأنّه بمنزلة الوارث ، لأنّ الحقّ انتقل إليه من المكاتب. وبالجملة ، إذا انتقل الحقّ من المكاتب إلى السيّد بموته أو عجزه ، فهو كما لو انتقل من المورّث.

تذنيبٌ آخَر : لو قتل العبد المرهون سيّدَه وله ابنان ، كان لهما القصاص.

وهل لهما العفو على مالٍ؟ للشافعي قولان.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

٣١١

فإن عفا أحدهما ، سقط القصاص عندهم ؛ لأنّه متى سقط القصاص من أحد الوارثين سقط مطلقاً عندهم.

وعندنا أنّه لا يسقط.

فعلى قولهم هل يثبت للآخَر نصيبه من الدية؟ على القولين.

وأمّا العافي فإن شرط المال ، فعلى القولين. وإن أطلق فإن قلنا : يوجب القتل العمد القصاصَ خاصّة ، فلا شي‌ء له.

وإن قلنا : الواجب أحد الأمرين : إمّا القصاص أو الدية ، فهل تثبت الدية؟ على القولين(١) .

مسألة ٢٠٦ : قد بيّنّا أنّ من أسباب فكّ الرهن براءة ذمّة الراهن عن‌ جميع الدَّيْن إمّا بالقضاء أو بالإبراء أو الحوالة أو الإقامة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلّم فيه مرهون به.

ولو اعتاض عن الدَّيْن عيناً ، ارتفع الرهن أيضاً ؛ لتحوّل الحقّ من الذمّة إلى العين ، وبراءة الذّمة من الدَّيْن.

فإن تلفت العين قبل التسليم ، بطل الاعتياض ، وعاد الرهن بحاله ، كما عاد الدَّيْن. وفيه إشكال.

ولو برئ الراهن من بعض الدَّيْن بإبراءٍ أو قضاءٍ أو غير ذلك من الأسباب ، لم ينفك شي‌ء من الرهن ؛ قضيّةً للاستيثاق. قال الشيخرحمه‌الله : لأنّه مرهون بجميع الحقّ وبكلّ جزء من أجزائه ووثيقة به وبكلّ جزء منه ، كالشهادة ، وكما أنّ حقّ الحبس يبقى ما يبقي شي‌ء من الثمن ، ولا يعتق

____________________

(١) الاُم ٣ : ١٧٦ ، و ٦ : ١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٨٥ ، و ١٥٥ ، و ١٢ : ٩٥ و ١٠٤ و ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، و ١٠ : ٢٨٩ - ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣ ، المغني ٩ : ٣٣٥ ، و ٤٦٤ - ٤٦٥ ، و ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٩ : ٤١٥.

٣١٢

شي‌ء من المكاتب ما بقي من المال شي‌ء(١) .

مسألة ٢٠٧ : ولو رهن عبدين ، لزم الرهن عندنا وإن لم يقبض المرتهن على ما تقدّم.

ومَنْ شَرَط القبض - كالشافعي - لو رهن عبدين وسلم أحدهما ، كان المسلَّم رهناً بجميع الدَّيْن عنده(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) .

وسلم أبو حنيفة أنّه لو سلّمهما ثمّ تلف أحدهما ، كان الباقي رهناً بجميع الدَّيْن(٤) ، فقاس الشافعي عليه.

ولأنّ العقد كان صحيحاً فيهما ، وإنّما طرأ انفساخ العقد في أحدهما ، فلم يؤثّر في الآخَر ، كما لو اشترى شيئين ثمّ ردّ أحدهما بعيبٍ أو خيار أو إقالة ، والراهن مخيّر بين إقباض الباقي ومنعه.

ولو كان التلف بعد قبض الآخَر ، فقد لزم الرهن فيه. فإن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ، ثبت للبائع الخيار ؛ لتعذّر الرهن بكماله ، فإن رضي ، لم يكن له المطالبة ببدل التالف ؛ لأنّ الرهن لم يلزم فيه ، ويكون المقبوض رهناً بجميع الثمن.

ولو تلف أحدهما بعد القبض ، فلا خيار للبائع ؛ لأنّ الرهن لو تلف كلّه لم يكن له خيار ، فإذا تلف بعضه كان أولى.

ثمّ إن كان تلفه بعد قبض الآخَر ، فقد لزم الرهن فيه. وإن كان قبل قبض الآخَر ، فالراهن مخيَّر بين إقباضه وتركه ، فإن امتنع من قبضه ، ثبت للبائع الخيار ، كما لو لم يتلف الآخَر.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢.

(٢) الاُم ٣ : ١٤٢ ، الوسيط ٣ : ٥١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢.

٣١٣

ولو رهنه داراً فانهدمت قبل قبضها ، لم ينفسخ عقد الرهن ؛ لأنّ ماليّتها لم تذهب بالكلّيّة ، فإنّ عرصتها وأنقاضها باقية ، ويثبت للمرتهن الخيار إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ؛ لأنّها تعيّبت ونقصت قيمتها ، وتكون العرصة والأنقاض رهناً بجميع الدَّيْن ؛ لأنّ العقد ورد على مجموع الدار المشتملة على العرصة والأنقاض من الأخشاب والأحجار ونحوها ، وما دخل في العقد استقرّ بالقبض.

تذنيب : إنّما يعرض انفكاك الرهن في بعض المرهون دون بعضٍ بأحد اُمور ستّة :

أحدهما : تعدّد العقد ، كما إذا رهن أحد نصفي العبد بعشرة في صفقة ونصفه الآخَر في صفقة اُخرى ، فإنّه إذا قضي دَيْن أحد النصفين ، خرج ذلك النصف عن الرهن ، وبقي الآخَر رهناً بدَيْنه المختصّ به.

و ثانيها : أن يتعدّد مستحقّ الدَّيْن.

و ثالثها : أن يتعدّد مَنْ عليه الدَّيْن.

و رابعها : أن يقضي أحد الوكيلين.

و خامسها : إذا فكّ المستعير نصيب أحد المالكين.

و سادسها : أن يقضي أحد الوارثين ما يخصّه من الدَّيْن.

ونحن نبيّن هذه الجملة.

مسألة ٢٠٨ : الفرض الأوّل ظاهر ، وأمّا الثاني فإذا تعدّد مستحقّ الدَّيْن ، كما لو كان لرجلين على رجلٍ دَيْنان ، فرهن منهما بدَيْنهما عليه عيناً صفقةً واحدة ثمّ برئت ذمته عن دَيْن أحدهما بأداءٍ أو إبراءٍ ، انفكّ من الرهن بقسط دَيْنه ؛ لأنّ نصف العبد رهن عند أحدهما ، ونصفه الآخَر عند الآخَر كلّ واحدٍ منهما بدَيْنه ، فإذا وفى أحدهما ، خرجت حصّته من الرهن ، لأنّ عبد الواحد مع الاثنين بمنزلة عبدين ، فكأنّه رهن عند كلّ

٣١٤

واحدٍ منهما النصف منفرداً.

فإن أراد مقاسمة المرتهن وأخْذَ نصيب مَنْ وفاه وكان الرهن ممّا لا تنقصه القسمة كالمكيل والموزون ، لزم ذلك. وإن كان ممّا تنقصه القسمة ، لم تجب قسمته ؛ لما فيه من تضرّر المرتهن بالقسمة ، فيقرّ في يد المرتهن يكون نصفه رهناً ونصفه وديعةً ، وبهذا قال الشافعي(١) ، واختاره الشيخ(٢) رحمه‌الله .

وقال أبو حنيفة : لا ينفكّ شي‌ء حتى يؤدّي دَيْنهما جميعاً ، سواء كانا شريكين فيه أو لا ، وجميعها رهنٌ عند كلّ واحدٍ منهما ؛ لأنّ الرهن اُضيف‌ إلى كلّ العين في صفقة واحدة ، ولا شيوع في المحلّ باعتبار تعدّد المستحقّ ، وموجَبه صيرورته محبوساً بدَيْن كلّ واحدٍ منهما ، فكان استحقاق الحبس لهما استحقاقاً واحداً من غير انقسامٍ بينهما ، بخلاف الهبة من اثنين - عند أبي حنيفة - فإنّ هناك لا بُدَّ من انقسام الحكم - وهو الملك - بينهما ؛ إذ يستحيل إثباته لكلٍّ منهما على الكمال في محلٍّ واحد ، فدخل فيه الشيوع ضرورةً ، بخلاف مسألتنا ؛ إذ لا حاجة إلى هذا ؛ لأنّ العين الواحدة يجوز أن تكون محبوسةً لحقّ كلّ واحدٍ منهما على الكمال ؛ إذ لا تضايق في استحقاق الحبس.

ألا ترى أنّ الرهن الواحد لا ينقسم على أجزاء الدَّيْن ، بل يكون محبوساً كلّه بكلِّه وبكلّ جزء منه ، فكذا هنا تكون العين محبوسةً بحقّها وبحقّ كلّ واحدٍ منهما ، فلا يدخل فيه الشيوع.

فإذا قضى الراهن دَيْن أحدهما ، فالكلّ رهنٌ عند الآخَر ؛ لأنّ جميع العين رهنٌ عند كلّ واحدٍ منهما من غير تفرّقٍ ، وعلى هذا حبس المبيع إذا

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٤٠.

٣١٥

اشترى رجلان من رجل فأدّى أحدهما حصّته ، لم يكن له أن يقبض شيئاً ، وكان لبائع أن يحبس الجميع حتى يستوفي ما على الآخَر(١) .

والوجهُ : الأوّل.

وللشافعيّة وجهٌ غريب عندهم : أنّه إذا اتّحد جهة الدَّيْنين كما لو أتلف عليهما مالاً أو ابتاع منهما ، لم ينفك شي‌ء بالبراءة عن دَيْن أحدهما ، وإنّما ينفكّ إذا اختلفت الجهتان(٢) .

مسألة ٢٠٩ : لو تعدّد مَنْ عليه الدَّيْن ، كما لو استدان شخصان من‌ رجل شيئاً ورهنا عنده بدَيْنه عليهما شيئاً ، صحّ الرهن ؛ لأنّ رهن المشاع جائز عندنا وعند الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة(٤) .

فإذا أدّى أحدهما نصيبه أو أبرأه المستحقّ ، انفكّ نصيبه من الرهن ، وليس له أن يطالب المرتهن بالقسمة ، بل المطالبة بالقسمة إلى الشريك المالك.

فإن قاسمه المرتهن بإذن الراهن الآخَر ، صحّت القسمة. وإن قاسمه

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٣٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٦ ، ٣ : ٧١ - ٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ١٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥ ، المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٦٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٢ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٥٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٨ / ٢٠٠٣.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٦٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٢ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٥٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٧ / ٢٠٠٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٥ ، و ٢١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥.

٣١٦

بغير إذنه ، لم تصحّ القسمة ، سواء كان ممّا يمكن قسمته بغير رضا الشريك الآخَر وبغير حضوره كالمكيل والموزون ، أو لم يمكن قسمته إلّا بحضور الشريك الآخَر ، كالعقار والأراضي والحيوان - خلافاً لبعض العامّة(١) - وهذا كمذهب الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا ينفكّ حتى يبرءا عن حقّه جميعاً ، والرهن رهن بكلّ الدَّيْن ، وللمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدَّيْن ؛ لأنّ قبض المرتهن حصل في الكلّ من غير شيوع ، وتفرّق أملاكها لا يوجب شيوعاً‌ في الرهن ، فإنّه يجوز أن يكون ملك الغير مرهوناً بدَيْن الغير ، كما لو استعار فرهن. وجوّز أبو حنيفة هذا الرهن وإن لم يجوّز رهن المشاع(٣) .

تذنيب : لو رهن ثلاثةٌ عبداً عند رجل بدَيْنٍ له على كلّ واحدٍ منهم ، صحّ ، وكان الحكم من الخلاف كما تقدّم. فإن مات العبد ، كان من ضمان المرتهن عند أبي حنيفة(٤) ، خلافاً لنا وللشافعي(٥) .

فعلى قول أبي حنيفة يذهب من دَيْن كلّ واحدٍ منهم بالحصّة من العبد ، وتراجعوا فيما بينهم حتى لو كان له على رجل ألف وخمسمائة وعلى آخَر ألف وعلى آخَر خمسمائة فرهنوه عبداً قيمته ألفان بينهم أثلاثاً فهلك ، صار مستوفياً من كلّ واحدٍ ثلثي ما عليه ؛ لأنّ المرهون عنده

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٨.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، وأيضاً راجع المصادر في الهامش (٤) من ص ٣١٥

(٤) الجامع الكبير - للشيباني - : ٢٦٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٣ ، الوجيز ١ : ١٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٨ ، الوجيز ١ : ١٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٤.

٣١٧

مضمون بأقل من قيمته ومن الدَّيْن(١) ، والرهن هنا أقلّ ، فيصير مستوفياً من الدَّيْن بقدر قيمة العبد - وهي ألفان - وهي ثلثا ثلاثة آلاف هي الدَّيْن عليهم ، فيصير مستوفياً من الأكثر ألف درهم ، ومن الأوسط ستّمائة وستّة وستّين وثلثين ، ومن الأقلّ ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث ، ويبقى على كلّ واحدٍ ثلث دَيْنه.

ثمّ الذي عليه الأكثر يضمن لكلٍّ من صاحبَيْه ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلثاً ؛ لأنّه صار قاضياً من دَيْنه ألفاً ثلثه من نصيبه ، وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، وثلثه من نصيب الأوسط ، وثلثه من نصيب الأقلّ ، فيضمن لهما مقدار ما قضي من دَيْنه من نصيبهما.

والأوسط يضمن لكلٍّ من صاحبَيْه مائتين وعشرين درهماً وتُسْعَي درهم ؛ لأنّه صار قاضياً من دَيْنه ستّمائة وستّين وثلثين ثلثها من نصيبه ، وذلك مائتان واثنان وعشرون وتُسْعان ، وثلثها من نصيب الأكثر ، وثلثها من نصيب الأقلّ ، فيضمن لهما مقدار ما قضي من دَيْنه من نصيبهما.

والذي عليه الأقلّ صار قاضياً من دَيْنه ثلاثمائة وثلاثين وثلثاً ، ثلثه من نصيبه ، وذلك مائة وأحد عشر وتُسْع ثلثه من نصيب الأوسط ، وثلثه من نصيب الأكثر ، فيضمن لصاحبَيْه ما قضي من نصيبهما.

ثمّ تقع المقاصّة بينهم تقاصّوا أو لم يتقاصّوا ؛ لاتّحاد الجنس ، فمَنْ عليه الأقلّ استوجب على الكثير ثلاثمائة وثلاثين وثلثاً ، وهو قد استوجب عليه مائة وأحد عشر وتُسْع ، فتقع المقاصّة بهذا القدر ، ويرجع

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨.

٣١٨

الأقلّ عليه بما بقي ، وهو مائتان واثنان وعشرون وتُسْعان.

وكذا مَنْ عليه الأقلّ استوجب على مَنْ عليه الأوسط مائتين واثنين وعشرين وتُسْعين ، وقد استوجب الرجوع على الأكثر بثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثُلْث ، وهو استوجب الرجوع عليه بمائتين واثنين وعشرين وتُسْعين ، فتقع المقاصّة بهذا القدر ، ويرجع عليه بالفضل ، وهو مائة وأحد عشر وتُسْع.

مسألة ٢١٠ : لو وكّل رجلان رجلاً ليرهن عبدهما من زيد بدَيْنه عليهما ، فرهن ثمّ قضى أحد الموكّلين ما عليه ، قال بعض الشافعيّة : يخرج‌ على قولين. والصحيح عندهم : الجزم بأنّه ينفكّ نصيبه ، ولا نظر إلى اتّحاد الوكيل وتعدّده(١) .

قال الجويني : لأنّ مدار الباب على اتّحاد الدَّيْن وتعدّده ، ومهما تعدّد أو المستحقّ عليه فقد تعدّد الدَّيْن(٢) .

ويخالف ما نحن فيه البيع والشراء حيث ذكروا خلافاً في أنّ الاعتبار في تعدّد الصفقة واتّحادها بالمتبايعين أو الوكيل؟ لأنّ الرهن ليس عقدَ ضمانٍ حتى يُنظر فيه إلى المباشر(٣) .

مسألة ٢١١ : لو كان لاثنين عبدٌ فاستعاره واحد ليرهنه فرهنه ثمّ أدّى نصف الدَّيْن وقصد به الشيوع من غير تخصيصٍ لحصّته ، لم ينفكّ من الرهن شي‌ء.

وإن قصد أداءه عن نصيب أحدهما بعينه لينفكّ نصيبه ، فقولان للشافعي :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ - ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦ - ٣٤٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

٣١٩

أحدهما : لا ينفكّ ، كما لو استعاره من واحدٍ.

والثاني : ينفكّ ، كما لو رهن رجلان من رجلٍ ثمّ أدّى أحدهما نصيبه ، والمعنى فيه النظر إلى تعدّد المالك ، وقطع النظر عن العاقد. وهو أظهر القولين عندهم(١) .

ولو كان لشخصين عبدان متماثلا القيمة فاستعارهما آخَر للرهن فرهنهما ثمّ قضى نصف الدَّيْن ليخرج أحدهما عن الرهن ، فللشافعيّة‌ قولان :

قيل : يخرج ؛ لانضمام(٢) تعدّد المحلّ إلى تعدّد المالك.

والأصحّ : طرد القولين(٣) .

وإذا قلنا بالانفكاك فلو كان الرهن مشروطاً في بيع ، فهل للمرتهن الخيار إذا كان جاهلاً بأنّه لمالكَيْن؟ فيه رأيان نسبهما الأكثرون إلى بعض الشافعيّة(٤) .

وقيل : بل للشافعي قولان ، أصحّهما : أنّ له الخيار ؛ لأنّ مقتضى الرهن المطلق لا ينفكّ شي‌ء منه إلّا بعد أداء جميع الدَّيْن ولم يحصل ذلك(٥) .

وقيل : فيه(٦) قولٌ ثالث للشافعي ، وهو : أنّ المرتهن إن كان عالماً بأنّ العبد لمالكَيْن ، فللراهن فكّ نصفه بأداء نصف الدَّيْن : وإن كان جاهلاً ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « انضمام ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « وفيه ».

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وتفسير الطبريّ ( ج ١٠؛ ٦ ) وفتح القدير ( ج ٢؛ ٢٩٥ ) والدّرّ المنثور ( ج ٣؛ ١٨٧ ) وسنن النسائي ( ج ٧؛ ١٢١ ) وصحيح البخاري ( ج ٣؛ ٣٦ ) وصحيح مسلم ( ج ٢؛ ٧٢ ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ٢٩٤ ) وشرح النهج ( ج ١٦؛ ٢٣٠ - ٢٣١ ) و ( ج ١٢؛ ٨٣ ) والمصنف لابن أبي شيبة ( ج ١٢؛ ٤٧١ / الحديث ١٥٢٩٧ ) و ( ج ٥؛ ٢٣٨ / الحديث ٩٤٠٨ ) و ( ج ١٢؛ ٤٧٢ / الحديث ١٥٣٠١ ) والسنن الكبرى ( ج ٦؛ ٣٤٤ ) ومشكل الآثار ( ج ٢؛ ٣٦ ) والأموال (٣٣٢). وانظر النصّ والاجتهاد (١١١).

رضيت وإن انتهكت الحرم

إنّ انتهاك القوم حرمة عليّعليه‌السلام ، وحرمة الزهراءعليها‌السلام ، وحرمة الدين، ثابت بالأدلّة القطعيّة، حتّى أنّ عليّاعليه‌السلام صرّح بظلامته في كثير من الموارد، وصرّح بلفظ استحلال حرمته أيضا في خطبه وكلماته، ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٠٢ ) في خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام قال فيها: اللهم إنّي استعديك على قريش، فخذ لي بحقّي؛ ولا تدع مظلمتي لها، وطالبهم يا ربّ بحقّي فإنّك الحكم العدل، فإنّ قريشا صغّرت قدري، واستحلّت المحارم منّي، واستخفّت بعرضي وعشيرتي إلى آخر الخطبة. والخطبة في كتاب العدد القويّة ( ١٨٩ - ١٩٠ / الحديث ١٩ ).

ونقلها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٨؛ ١٦٩ ) نقلا عن كتاب العدد نقلا عن كتاب « الإرشاد لكيفيّة الطلب في أئمّة العباد » للصفار.

وانظر كلامه القريب من ذلك في نهج البلاغة ( ج ٢؛ ٨٥ / الخطبة ١٧٢ ) و ( ج ٢؛ ٢٠٢ ) والإمامة والسياسة ( ج ١؛ ١٧٦ ).

وسيأتي انتهاكهم حرمة عليّعليه‌السلام في الطّرفة الثامنة والعشرين عند قوله: « وبعثوا إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة، ثمّ لبّبت بثوبك، وتقاد كما يقاد الشارد من الإبل »، وفي الطّرفة التاسعة عشر انتهاكهم حرمة الزهراء والحسنينعليهم‌السلام ، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « وويل لمن انتهك حرمتها »، وما بعده من حرق الباب وضربها وإسقاط جنينها وشجّ جنبيها.

٣٤١

وعطّلت السنن

إنّ تلاعب الثلاثة - ومن بعدهم معاوية - بالأحكام ممّا لا ينكره ذو عقل، ولا يجحده إلاّ مكابر، وقد ألّفت الكتب في ذلك، ومخالفاتهم لسنّة رسول الله مبثوثة في كتب المسلمين، وفي أغلب أبواب الفقه، بل في أمّهات أبوابه وأساسيّات مسائله، وذلك جهلا منهم بالأحكام وعداوة لله ولرسوله، ولذلك كان أئمّة أهل البيت يؤكّدون هذه الحقيقة ويصدعون بها ويبيّنونها للمسلمين.

ففي الكافي ( ج ٨؛ ٣٢ ) قول عليّعليه‌السلام في الخطبة الطالوتيّة: ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها، وسدّت عليكم أبواب العلم، فقلتم بأهوائكم، واختلفتم في دينكم، فأفتيتم في دين الله بغير علم، واتّبعتم الغواة فأغوتكم، وتركتم الأئمّة فتركوكم، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم ...

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ١٦ ) عن الصادقعليه‌السلام ، قال: لا يرفع الأمر والخلافة إلى آل أبي بكر أبدا، ولا إلى آل عمر، ولا إلى آل بني أميّة، ولا في ولد طلحة والزبير أبدا، وذلك أنّهم بتروا القرآن وأبطلوا السنن، وعطّلوا الأحكام.

وفي الكافي ( ج ٨؛ ٥٨ ) بسنده عن سليم بن قيس الهلالي، قال: خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ صلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال: إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتّخذونها سنّة، فإذا غيّر منها شيء قيل: قد غيّرت السنّة ثمّ أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصّته وشيعته، فقال:

قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها - وحوّلتها إلى مواضعها، وإلى ما كانت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي، الّذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيمعليه‌السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

٣٤٢

ورددت فدك إلى ورثة فاطمةعليها‌السلام ، ورددت صاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطايا، وأعطيت كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعطي بالسويّة ولم أجعلها دولة بين الأغنياء، وألقيت المساحة، وسوّيت بين المناكح، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عزّ وجلّ وفرضه، ورددت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما كان عليه، وسددت ما فتح فيه من الأبواب، وفتحت ما سدّ منه، وحرّمت المسح على الخفّين، وحددت على النبيذ، وأمرت بإحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم، وأخرجت من أدخل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ممّن كان رسول الله أخرجه، وأدخلت من أخرج بعد رسول الله ممّن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أدخله، وحملت الناس على حكم القرآن، وعلى الطلاق على السنّة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها إذا لتفرّقوا عنّي ما لقيت من هذه الأمّة، من الفرقة وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار ....

وفي مصباح الكفعمي ( ٥٥٢، ٥٥٣ ) المروي عن ابن عبّاس أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقنت به، فيه قولهعليه‌السلام : اللهم العن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وأفّاكيها وابنتيهما، الّذين خالفا أمرك وحرّفا كتابك وعطّلا أحكامك، وأبطلا فرائضك اللهم العنهم بعدد كلّ منكر أتوه، وحقّ أخفوه وفرض غيّروه، وأثر أنكروه وخبر بدّلوه، وكفر نصبوه، وإرث غصبوه، وفيء اقتطعوه، وسحت أكلوه، وخمس استحلّوه وحلال حرّموه وحرام أحلّوه اللهم العنهم بكلّ آية حرّفوها، وفريضة تركوها، وسنّة غيّروها، ورسوم منعوها، وأحكام عطّلوها ...

وانظر الأحكام الّتي بدّلوها والسنن الّتي عطّلوها في بحار الأنوار ( ج ٨؛ الباب ٢٢ / ٢٣ - ٢٥ ) في تفصيل مطاعن الأوّل والثاني والثالث على التوالي، ودلائل الصدق ( ج ٣؛ ٥ - ١٠٥ ) في مطاعن الأوّل، ( ١٠٧ - ٢٣٧ ) في مطاعن الثاني، ( ٢٤١ - ٣٤١ ) في مطاعن الثالث،

٣٤٣

والغدير ( ج ٧؛ ٩٥ - ١٨١ ) فيما يتعلّق بالأوّل، ( ج ٦؛ ٨٣ - ٣٣٣ ) في مطاعن الثاني بعنوان « نوادر الأثر في علم عمر »، ( ج ٨؛ ٩٧ - ٣٢٣ ) فيما يتعلّق بعثمان، النصّ والاجتهاد في ابتداعاتهم جميعا، والطرائف ( ٣٩٩ - ٤٩٨ ) في مطاعنهم جميعا.

ومزّق الكتاب

روى الشيخ الصدوق في الخصال (١٧٥) بسنده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله: المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا ربّ حرّقوني ومزّقوني وانظر بحار الأنوار ( ج ٢؛ ٨٦ ) عن المستدرك المخطوط لابن البطريق، وفي بصائر الدرجات ( ٤٣٣، ٤٣٤ ) بلفظ ( حرّفوا ) بدلا عن ( حرّقوا ).

وفي مقتل الحسين للخوارزمي ( ج ٢؛ ٨٥ ) بسنده عن جابر الأنصاريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يجيء يوم القيامة ثلاثة: المصحف والمسجد والعترة، فيقول المصحف: حرقوني ومزّقوني ونقله الإمام المظفر في دلائل الصدق ( ج ٣؛ ٤٠٥ ) عن كنز العمال ( ج ٦؛ ٤٦ ) عن الديلمي عن جابر أيضا، وعن أحمد والطبراني وسعيد بن منصور، عن أبي أمامة، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي حديث أصحاب الرايات الخمس التي ترد يوم القيامة، أنّهم يسألون عن الكتاب والعترة، فيقول أصحاب أربع رايات منها: أمّا الأكبر فكذّبناه ومزّقناه كما في اليقين ( ٢٧٥، ٢٧٦ ) والخصال (٤٥٩) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٠٩ ). وستأتي تخريجات هذا الخبر ومتنه في الطّرفة الثانية والثلاثين عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابيضّت وجوه واسودّت وجوه، وسعد أقوام وشقي آخرون »، وفيها التصريح بأنّ الثلاثة هم أصحاب الرايات الثلاثة الأول، وهم القائلون هذا القول، فلاحظه.

وقد ثبت أنّ عثمان بن عفان هو الّذي أحرق المصاحف واستهان بها، وكان ذلك ممّا نقمه عليه المسلمون، حتّى كسر عثمان أضلاع ابن مسعود لمعارضته حرق المصاحف.

ففي تقريب المعارف (٢٩٦) عن زيد بن أرقم أنّه سئل: بأي شيء كفّرتم عثمان؟ فقال:

٣٤٤

كفّرناه بثلاث: مزّق كتاب الله ونبذه في الحشوش الخ.

وفي إرشاد القلوب (٣٤١) قول حذيفة بن اليمان: وأمّا كتاب الله فمزّقوه كلّ ممزّق ....

وفي المسترشد (٤٢٦) في كتاب عليّ الّذي أخرجه للناس، قال في شأن عثمان: وأنحى على كتاب الله يحرّقه ويحرّفه ...

وفي كتاب سليم بن قيس (١٢٢) وفي الاحتجاج ( ج ١؛ ١٥٣ ) قول طلحة: وقد عهد عثمان حين أخذ ما ألّف عمر، فجمع له الكتّاب، وحمل الناس على قراءة واحدة، فمزّق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار ....

وانظر في حرق المصاحف وتمزيقها تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٥٧ ) وتاريخ المدينة المنوّرة ( ج ٣؛ ٩٩١ )، عن أنس وبكير، وصحيح البخاريّ ( ج ٦؛ ٩٦ ) وكنز العمال ( ج ٢؛ ٥٨١ ) بسند عن الزهريّ، عن أنس، وفيه لفظ « وأمر بسوى ذلك في صحيفة أو مصحف أن يحرق »، ثمّ كتب « ابن سعد خ ت ن، وابن أبي داود وابن الأنباريّ معا « في المصاحف » حب، ق » انتهى.

وفي تاريخ الطبريّ ( ج ٧؛ ١٦٠ ) ذكر تسمية الناس لعثمان من بعد « شقّاق المصاحف »، وكان كلّ ذلك بسبب غصب الخلافة من آل محمّد، وتسلّط من لا علم له بالدين على أمور المسلمين بالقهر والمؤامرات، فصاروا يهتكون حرمات الله دون رادع ولا وازع، حتّى آل الأمر إلى أن يستفتح الوليد بن يزيد - خليفة المسلمين!! - بكتاب الله، فإذا هو بقوله تعالى:( وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) (١) ، فنصب القرآن غرضا ومزّقه بالسهام، وأنشد يقول:

تهدّد كلّ جبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربّك يوم حشر

فقل يا ربّ مزّقني الوليد

انظر تمزيق الوليد للمصحف في مروج الذهب ( ج ٣؛ ٢٢٨، ٢٢٩ ) والفتوح ( ج ٤؛ ٣٣٣ )

__________________

(١) إبراهيم؛ ١٥

٣٤٥

والكامل في التاريخ ( ج ٥؛ ٢٩٠ ) والأغاني ( ج ٧؛ ٤٩ ) والبدء والتاريخ ( ج ٦؛ ٥٣ ).

وهدّمت الكعبة

في بصائر الدرجات ( ٤٣٣، ٤٣٤ ) بسنده عن جابر، عن الباقرعليه‌السلام ، قال: دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بمنى فقال: يا أيّها الناس، إنّي تارك فيكم حرمات الله، وعترتي، والكعبة البيت الحرام، ثمّ قال أبو جعفر: أمّا كتاب الله فحرّفوا، وأمّا الكعبة فهدموا ...

ويدلّ عليه ما مرّ من حديث المصحف والمسجد والعترة، لأنّ المراد من المسجد، مسجد بيت الله الحرام، حيث يقول المسجد: يا ربّ خرّبوني وعطّلوني وضيّعوني، وهو أشرف المساجد وأوّلها.

وعلى كلّ حال، فقد أحرقت الكعبة وهدمت مرتين، الأولى على يد الحصين بن نمير، والثانية على يد الحجّاج لعنهما الله، وكانت المرّتان بسبب اعتصام عبد الله بن الزبير ومقاتلته في الكعبة:

أمّا الأولى : فقد أحرق الحصين بن نمير الكعبة المشرّفة وهدمها في أواخر أيّام يزيد لعنه الله، وبأمر منه، وذلك بعد وقعة الحرّة وانتهاك حرمة المدينة.

قال الطبريّ في تاريخه ( ج ٧؛ ١٤ ) في أحداث سنة ٦٤: قذفوا البيت بالمجانيق وحرقوه بالنار، وأخذوا يرتجزون ويقولون:

خطارة مثل الفنيق المزبد

نرمي بها أعواد هذا المسجد

وقال المسعوديّ في مروج الذهب ( ج ٣؛ ٨١ ): ونصب الحصين فيمن معه من أهل الشام المجانيق والعرّادات على مكّة والمسجد، من الجبال والفجاج فتواردت أحجار المجانيق والعرّادات على البيت، ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتّان وغير ذلك من المحرقات، وانهدمت الكعبة واحترقت البنيّة.

وقال ابن أعثم الكوفيّ في الفتوح ( ج ٣؛ ١٨٥ - ١٨٦ ): والحصين بن نمير قد أمر بالمجانيق فنصبت، فجعل يرمي أهل مكّة رميا متداركا، لا يفتر من الرمي، فجعل رجل من

٣٤٦

أهل مكة يقول في ذلك:

ابن نمير بئس ما تولّى

قد أحرق المقام والمصلّى

وبيت ذي العرش العليّ الأعلى

قبلة من حجّ له وصلّى

وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ( ج ٢؛ ١٦، ١٧ ): ونصب [ الحصين ] عليها العرّادات والمجانيق، وفرض على أصحابه عشرة آلاف صخرة في كلّ يوم، يرمونها بها وكانت المجانيق قد أصابت ناحية من البيت الشريف فهدمته مع الحريق الّذي أصابه.

وانظر في ذلك الكامل في التاريخ ( ج ٤؛ ١٢٤ ) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ٢٥١ ) والأخبار الطوال ( ٢٦٧، ٢٦٨ ) والبدء والتاريخ ( ج ٦؛ ١٥ ).

وأمّا المرّة الثانية: فقد أحرق الحجّاج الكعبة المشرّفة في محاصرته لعبد الله بن الزبير في سنة ٧٣ ه‍، حيث طال الحصار ستّة أشهر وسبع عشرة ليلة كما نصّ عليه الطبريّ في تاريخه ( ج ٧؛ ٢٠٢ ) وكانت مكّة والبيت الحرام بيده من سنة ٦٤ ه‍ حتّى سنة ٧٣ ه‍، وكان هو يقيم الحجّ للناس، وكان يأخذ البيعة لنفسه من الحجّاج، فمنع عبد الملك بن مروان أهل الشام من الحجّ وبنى الصخرة في بيت المقدس، فكان الناس يحضرونها يوم عرفة ويقفون عندها. انظر في ذلك وفيات الأعيان ( ج ٣؛ ٧١ - ٧٢ ) في ترجمة عبد الله بن الزبير، وهل بعد هذا التلاعب في الدين من تلاعب؟!

وعلى أيّ حال، فإنّ الكعبة المشرّفة أحرقت مرّة ثانية، وكان الحجّاج يرمي الكعبة بنفسه، قال ابن الأثير في الكامل ( ج ٤؛ ٣٥١ ) في أحداث سنة ٧٣:

وأوّل ما رمي بالمنجنيق إلى الكعبة رعدت السماء وبرقت، وعلا صوت الرعد على الحجارة، فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا أيديهم، فأخذ الحجّاج حجر المنجنيق بيده، فوضعه فيه ورمى به معهم.

وقال اليعقوبي في تاريخه ( ج ٢؛ ٦٦ ): وقدم الحجّاج فقاتلهم قتالا شديدا، وتحصّن [ ابن الزبير ] بالبيت، فوضع عليه المجانيق، فلم يزل يرميه بالمنجنيق حتّى هدم البيت.

وقال ابن أعثم الكوفي في الفتوح ( ج ٣؛ ٣٨٦ ): وجعلوا يرمون البيت الحرام بالحجارة،

٣٤٧

وهم يرتجزون بالأشعار فلم يزل الحجّاج وأصحابه يرمون بيت الله الحرام بالحجارة حتّى انصدع الحائط الّذي على بئر زمزم عن آخره، وانتقضت الكعبة من جوانبها، قال: ثمّ أمرهم الحجّاج فرموا بكيزان النفط والنار، حتّى احترقت الستارات كلّها فصارت رمادا، والحجّاج واقف ينظر في ذلك كيف تحترق الستارات، وهو يرتجز ويقول:

أما تراها صاعدا غبارها

والله فيما يزعمون جارها

فقد وهت وصدعت أحجارها

ونفرت منها معا أطيارها

وحان من كعبته دمارها

وحرقت منها معا أستارها

لما علاها نفطها ونارها

وانظر في ذلك الإمامة والسياسة ( ج ٢؛ ٣٨ ) والأخبار الطوال (٣١٤) وتاريخ الطبريّ ( ج ٧؛ ٢٠٢ ) ومروج الذهب ( ج ٣؛ ١٢٠ ) والخرائج والجرائح (٢٤١).

وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط

هذا الإخبار من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام بشهادته وقاتله، يعدّ من دلائل وعلامات نبوّة نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد اتّفق على نقل هذا الإخبار جميع المسلمين في كتبهم ومصادرهم الروائيّة، واتّفقوا على أنّ عليّاعليه‌السلام كان يقول: ما ينتظر أشقاها، عهد إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتخضبنّ هذه من هذا. رواه ابن المغازلي في مناقبه (٢٠٥).

وفي كتاب سليم بن قيس (٩٤) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : تقتل شهيدا، تخضب لحيتك من دم رأسك.

وفي أمالي الصدوق (٩٩) بسنده، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أمّا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فيضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته.

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٤٢٧ ) عن عليّعليه‌السلام ، قال: إنّي سمعت رسول الله الصادق المصدّقصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّك ستضرب ضربة هاهنا - وأشار إلى صدغيه - فيسيل دمها حتّى تخضب

٣٤٨

لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود.

وانظر في ذلك روضة الواعظين (٢٨٨) والخرائج والجرائح ( ١١٥، ١٧٦ ) وأمالي الطوسي (٦٦) والخصال ( ٣٠٠، ٣٧٧ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٧٢ ) و ( ج ٢؛ ١١٨ ) وإرشاد المفيد (١٦٨) وإرشاد القلوب (٣٥٨) وبشارة المصطفى (١٩٨) ومقاتل الطالبيين (٣١) وشرح النهج ( ج ٤؛ ٣٦٩ ) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ٣٤ - ٣٥ ) وتذكرة الخواص ( ١٧٢ - ١٧٥ ) ومناقب الخوارزمي (٢٧٥) ومسند أحمد ( ج ٤؛ ٢٦٣ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٣؛ ١١٣، ١٤٠ ) وخصائص النسائي ( ١٢٩ - ١٣٠ ) ونزل الأبرار ( ٦١ - ٦٢ ) وكفاية الطالب (٤٦٣) وكنز العمال ( ج ١١؛ ٦١٧ ) وتاريخ دمشق ( ج ٣؛ ٢٧٠ / الحديث ١٣٤٨ ) و ( ٢٧٩ الحديث ١٣٦٥ ) و ( ٢٨٥ / الحديث ١٣٧٥ ) و ( ٢٩٣ / الحديث ١٣٩١ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٣٦، ١٣٧، ١٣٨ ) وأنساب الأشراف ( ج ٢؛ ٤٩٩ / الحديث ٥٤٤ ) ونظم درر السمطين (١٣٦) وجواهر المطالب ( ج ٢؛ ٨٧ ).

وقد علم من التاريخ ضرورة، أنّ عليّا استشهد على يد أشقى البريّة عبد الرحمن بن ملجم الخارجي، وذكرت كلّ التواريخ قول عليّعليه‌السلام : « فزت وربّ الكعبة »، فمضى صابرا محتسبا حتّى لقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تمسّه النار ودفعت إلى عليّعليه‌السلام

ذكر الكليني في الكافي ( ج ١؛ ٢٧٩ - ٢٨٤ ) أربعة أحاديث حول هذه الوصيّة المختومة الّتي نزل بها جبرئيل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في باب « أنّ الأئمّة لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله وأمر منه لا يتجاوزونه »، الأولى: بسنده عن معاذ بن كثير، عن الصادقعليه‌السلام ، والثانية: عن محمّد بن أحمد بن عبيد الله العمريّ، عن أبيه، عن جدّه، عن الصادقعليه‌السلام ، والثالثة: عن ضريس الكناسي، عن الباقرعليه‌السلام ، والرابعة: عن عيسى بن المستفاد، عن الكاظمعليه‌السلام ، وهي الطّرفة المذكورة في متن الطّرف. وإليك نصّ الرواية الثانية:

أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد، عن

٣٤٩

أبي الحسن الكناني، عن جعفر بن نجيح الكنديّ، عن محمّد بن أحمد بن عبيد الله العمريّ، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: إنّ الله عزّ وجلّ أنزل على نبيّه كتابا قبل وفاته، فقال: يا محمّد هذه وصيّتك إلى النّجبة من أهلك، قال: وما النّجبة يا جبرئيل؟ فقال: عليّ بن أبي طالب وولده، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبي إلى أمير المؤمنين، وأمره أن يفكّ خاتما منه ويعمل بما فيه، ففكّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خاتما وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسنعليه‌السلام ، ففكّ خاتما وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى الحسينعليه‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه أن « أخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلاّ معك، واشر نفسك لله عزّ وجلّ » ففعل، ثمّ دفعه إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه أن « أطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين » ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه « حدّث الناس وأفتهم ولا تخافنّ إلاّ الله عزّ وجلّ، فإنّه لا سبيل لأحد عليك » ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه جعفرعليه‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه « حدّث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك، وصدّق آباءك الصالحين، ولا تخافنّ إلاّ الله عزّ وجلّ وأنت في حرز وأمان » ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه موسىعليه‌السلام ، وكذلك يدفعه موسى إلى الّذي بعده، ثمّ كذلك إلى قيام المهديّ صلّى الله عليه.

وفي الحديث الأوّل قال الصادقعليه‌السلام : إنّ الوصيّة نزلت من السماء على محمّد كتابا، لم ينزل على محمّد كتاب مختوم إلاّ الوصيّة، فقال جبرئيل: يا محمّد، هذه وصيّتك في أمّتك عند أهل بيتك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّ أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال: نجيب الله منهم وذريّته، ليرثك علم النبوّة كما ورثه إبراهيم، وميراثه لعليّ وذريتك من صلبه، قال: وكان عليها خواتيم ....

وانظر حديث هذه الصحيفة المختومة الّتي نزل بها جبرئيل في أمالي الصدوق (٣٢٨) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٩٨، ٢٩٩ ) عن الصادقعليه‌السلام ، ثمّ قال: « وقد روى نحو هذا الخبر أبو بكر بن أبي شيبة، عن محمّد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »، وبصائر الدرجات ( ١٦٦ / الحديث ٢٤ من الباب ١٢

٣٥٠

من الجزء الثالث ) و ( ١٧٠ / الحديث ١٧ من الباب ١٣ من الجزء الثالث ) وإكمال الدين ( ٢٣١، ٢٣٢ / الحديث ٣٥ من الباب ٢٢ ) و ( ٦٦٩ - ٦٧٠ / الحديث ١٥ من الباب ٥٨ ) والإمامة والتبصرة ( ٣٨ - ٣٩ ) وأشار إليه في الصفحة ١٢ أيضا، وعلل الشرائع ( ١٧١ / الحديث الأوّل من الباب ١٣٥ ) والغيبة للنعماني (٢٤) وأمالي الطوسي ( ٤٤١ / الحديث ٩٩٠ ). وانظر روايات هذه الصحيفة السماويّة المباركة في بحار الأنوار ( ج ٢٦؛ ١٨ / الباب الأوّل « ما عندهم من الكتب » و ( ج ٣٦؛ ١٩٢ - ٢٢٦ / الباب ٤٠ ).

٣٥١

٣٥٢

الطّرفة الخامسة عشر

روى هذه الطّرفة الشريف الرضي في كتاب خصائص الأئمّة (٧٢) ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٢ - ٤٨٣ ) عن كتاب الطّرف، عن خصائص الأئمّة، وهي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩١، ٩٢ )، حيث نقلها العلاّمة البياضي باختصار.

وهذه الطّرفة موضوعها متعلّق بما سبقها من حديث الصحيفة المختومة، وأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها لعليّعليه‌السلام ، وأمره وولده أن يعملوا بما فيها، فعملوا طبق ما في هذه الوصيّة، ولم يجاوزوا ما فيها، فوردوا على رسول الله لا مقصّرين ولا مفرّطين. والمطالب الفرعيّة الموجودة في الطّرفة كلّها مرّ بعضها، وسيأتي بعضها الآخر.

٣٥٣

٣٥٤

الطّرفة السادسة عشر

روى هذه الطّرفة الشريف الرضي في كتاب خصائص الأئمّة ( ٧٢ - ٧٣ ) ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٣ - ٤٨٤ ) عن كتاب الطّرف، وعن خصائص الأئمّة، ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٢ ) باختصار.

اتّفقت الكلمة على أنّ عليّاعليه‌السلام وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا عند رسول الله قبل موته، وأنّهم هم الّذين قاموا بأمره، وتظافرت الروايات من طرق الفريقين أنّ النبي مات ورأسه في حجر عليّ، أو أنّ عليّا كان مسنّده، ولم يزعم أحد غير ذلك إلاّ عائشة، فقد ادّعت لوحدها ذلك، ولم يقرّها عليه المسلمون، بل كان عليّعليه‌السلام هو القائم بشأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد دعاه رسول الله في مرضه وأسرّ له جميع الأسرار، وأخبره بكلّ ما يجري من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ففي الخصال (٦٤٢) بسنده عن أمّ سلمة، قالت: قال رسول الله في مرضه الّذي توفّي فيه: ادعوا لي خليلي، فأرسلت عائشة إلى أبيها، فلمّا جاء غطّى رسول الله وجهه، وقال: ادعوا لي خليلي، فرجع أبو بكر، وبعثت حفصة إلى أبيها، فلمّا جاء غطّى رسول الله وجهه، وقال: ادعوا لي خليلي، فرجع عمر، وأرسلت فاطمةعليها‌السلام إلى عليّعليه‌السلام ، فلمّا جاء قام رسول الله فدخل، ثمّ جلّل عليّا بثوبه، قال عليّ: فحدّثني بألف حديث، يفتح كلّ حديث ألف حديث، حتّى عرقت وعرق رسول الله، فسال عليّ عرقه وسال عليه عرقي.

وفيه أيضا (٦٤٣) عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: سمعته يقول: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علّمني ألف باب من الحلال والحرام، وممّا كان إلى يوم القيامة، كلّ باب منها

٣٥٥

يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتّى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب.

وفي بصائر الدرجات (٣٢٤) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة وحفصة في مرضه الّذي توفي فيه: ادعيا لي خليلي، فأرسلتا إلى أبويهما، فلمّا نظر إليهما أعرض عنهما، ثم قال: ادعيا لي خليلي، فأرسلتا إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلمّا نظر إليه أكب عليه يحدّثه، فلمّا خرج لقياه، فقالا له: ما حدّثك خليلك؟ فقال: حدّثني خليلي ألف باب، ففتح لي كلّ باب ألف باب.

وفيه أيضا (٣٢٥) بسنده عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، قال: سمعته يقول: إنّ رسول الله علّمني ألف باب من الحلال والحرام، وممّا كان وما هو كائن وممّا يكون إلى يوم القيامة، كلّ يوم يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتّى علمت المنايا والوصايا وفصل الخطاب.

فدعوة المرأتين أبويهما، وسؤال أبويهما عليّا عمّا حدّثه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقول عليّ: أنّه علّمه ما كان وما هو كائن وما سيكون، يدلّ على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عليّاعليه‌السلام بما سيصنعه القوم، وما سيكون من بعده، وقد كان عليّعليه‌السلام يصرّح بأنّه سكت لعهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يأمره فيه بالسكوت.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٦ ) قال: الطبريّ في الولاية، والدار قطني في الصحيح، والسمعاني في الفضائل، وجماعة من رجال الشيعة، عن الحسين بن عليّ ابن الحسن، وعبد الله بن عبّاس، وأبي سعيد الخدريّ، وعبد الله بن الحارث، واللّفظ الصحيح أنّ عائشة قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في بيتها لمّا حضره الموت: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له أبا بكر، فنظر إليه ثمّ وضع رأسه، ثمّ قال: ادعوا لي حبيبي، فدعوا له عمر، فلمّا نظر إليه، قال: ادعوا لي حبيبي، فقلت: ويلكم، ادعوا له عليّ بن أبي طالب، فو الله ما يريد غيره، فلمّا رآه أفرج الثوب الّذي كان عليه، ثمّ أدخله فيه ولم يزل يحتضنه، حتّى قبض ويده عليه.

وفي فضائل ابن شاذان ( ١٤١ - ١٤٢ ) بسنده يرفعه إلى سليم بن قيس، أنّه قال: لمّا

٣٥٦

قتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، بكى ابن عبّاس بكاء شديدا، ثمّ قال: ولقد دخلت على عليّ ابن أبي طالب ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذي قار، فأخرج لي صحيفة، وقال: يا بن عبّاس، هذه الصحيفة إملاء رسول الله وخطّي بيدي، قال: فقلت يا أمير المؤمنين اقرأها عليّ، فقرأها وإذا فيها كلّ شيء منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم قتل الحسينعليه‌السلام وكان فيها لمّا قرأها أمر أبي بكر وعمر وعثمان وكم يملك كلّ إنسان منهم فلمّا أدرج الصحيفة، قلت: يا أمير المؤمنين، لو كنت قرأت عليّ بقية الصحيفة، قال: ولكنّي أحدّثك بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ عند موته بيدي، ففتح لي ألف باب من العلم، تنفتح من كلّ باب ألف باب، وأبو بكر وعمر ينظرون إليّ، وهو يشير لي بذلك، فلمّا خرجت قالا: ما قال لك؟ قال: فحدّثتهم بما قال، فحرّكا أيديهما ثمّ حكيا قولي، ثمّ ولّيا يردّدان قولي ويخطران بأيديهما ورواه العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٨؛ ٧٣ / الحديث ٣٢ عن كتاب الروضة ) - لأحد علماء القرن السابع - بسنده إلى سليم بن قيس.

وانظر مناجاة النبي ومسارّته لعليّ عند موته، وإخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا بكلّ ما كان وما يكون، وتعلّمه ألف ألف باب من العلم، ودعوة المرأتين أبويهما للنبي وإعراضهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهما، في أمالي الصدوق (٥٠٩) وبصائر الدرجات ( ٣٢٢ - ٣٢٧ ) وفيه عدّة أحاديث / في الباب ١٦ من الجزء السادس « في ذكر الأبواب الّتي علّم رسول الله أمير المؤمنين »، ( ٣٩٧ - ٣٩٨ ) الباب ٣ من الجزء الثامن « باب في الأئمّة أن عندهم أسرار الله، يؤدي بعضهم إلى بعض، وهم أمناؤه » وفيه ستّة أحاديث في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أسرّ كلّ شيء إلى عليّعليه‌السلام ، وكفاية الأثر ( ١٢٤ - ١٢٦ ) والخصال ( ٦٤٢ - ٦٥٢ ) وفيه أحاديث كثيرة، وروضة الواعظين (٧٥) والتهاب نيران الأحزان ( ٤٣ - ٤٤ ) وأمالي الطوسي (٣٣٢) والاختصاص (٢٨٥) والإرشاد (٩٩) وفيه « أنّ عليّا قال لهم: علّمني ألف باب من العلم، فتح لي كلّ باب ألف باب، وأوصاني بما أنا قائم به إن شاء الله »، وإعلام الورى (٨٣) والطرائف (١٥٤) والكافي ( ج ١؛ ٢٩٦ ).

وهو في تاريخ ابن عساكر ( ج ٢؛ ٤٨٥ / الحديث ١٠٠٣ ) وفيه « أنّهم دعوا له عثمان

٣٥٧

فأعرض عنه »، ( ج ٣؛ ١٥ / الحديث ١٠٢٧ ) ومناقب الخوارزمي (٢٩) عن ابن مردويه، وبحار الأنوار ( ج ٣٨؛ ٣٣١ ) عن كتاب الأربعين، وقال المظفر في دلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٩ ): « إنّ الحديث ذكره السيوطي في اللآلئ المصنوعة عن الدار قطني، ثمّ حكم بضعفه، وقال: أنّ له طريقا آخر إلى ابن عمر أيضا »، وقد ناقش المظفر تضعيف السيوطي فراجعه. ومهما يكن من شيء فهو ثابت وطرقه كثيرة، وهو دالّ على محتوى الطّرفة، وأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عليّاعليه‌السلام بما سيجري، وأوصاه بوصايا، فقام بها عليّعليه‌السلام جميعا.

أنّ القوم سيشغلهم عنّي ما يريدون من عرض الدنيا وهم عليه قادرون، فلا يشغلك عنّي ما يشغلهم

لهذا المطلب أكثر من دليل ودليل، فقد علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بما كانوا ينوونه من غصب الخلافة، والتهافت على الدنيا، فبعثهم في جيش أسامة، ولعن من تخلّف عنه، وأبقى عليّا وأهل بيتهعليهم‌السلام ليقودوا الأمّة، ويستلموا الخلافة، وصرّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في رواياتنا أنّه إنّما بعثهم لذلك، ولتتمّ عليهم الحجّة، وأخبرصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام بأنّه المظلوم والمضطهد من بعده، وأنّ الأمّة ستغدر به، وأنّه المبتلى والمبتلى به؛ كما مرّ كلّ ذلك، وقد تحقّق ما أخبر بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتنازع القوم على الخلافة، وغصبوها في سقيفة بني ساعدة، وتركوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ملقى في بيته، والحزن يغمر عليّا، وأهل بيت النبي صلوات الله عليهم، وقد احتجّت فاطمةعليها‌السلام على الأنصار والمهاجرين بأحقّيّة عليّعليه‌السلام ، فاعتذروا بأنّ عليّا لو كان حاضرا في السقيفة لبايعوه، فقال الإمامعليه‌السلام : أفأترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة وأنازع الأمر؟! فقالت الزهراءعليها‌السلام : ما فعل أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي، وهذا كلّه ثابت في التواريخ والمناقب والتراجم، وقد اتّفقت كلمة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم على ذلك.

ففي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٣٣٠ ) عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: فلمّا قبض نبي الله، كان الذي كان؛ لما قد قضي من الاختلاف، وعمد عمر فبايع أبا بكر، ولم يدفن رسول الله بعد. وإليك بعض النصوص في ذلك من كتب العامّة.

٣٥٨

فقد قام الشيخان يعرض كلّ منهما لصاحبه، فيقول هذا لصاحبه: ابسط يدك لأبايعك، ويقول الآخر: بل أنت، وكلّ منهما يريد أن يفتح يد صاحبه ويبايعه، ومعهما أبو عبيدة الجراح - حفّار القبور بالمدينة - يدعو الناس إليهما. تاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ١٩٩ ). وعليّ والعترةعليهم‌السلام وبنو هاشم ألهاهم النبي، وهو مسجّى بين أيديهم، وقد أغلق دونه الباب أهله. سيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣٣٦ ).

وخلّى أصحابه بينه وبين أهله فولوا إجنانه. طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣٠١ ).

ومكثصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أيّام لا يدفن. تاريخ ابن كثير ( ج ٥؛ ٢٧١ ) وتاريخ أبي الفداء ( ج ١؛ ١٥٢ ).

أو مكث من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء أو ليلته. طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٧٣ - ٢٧٤، ٢٩٠ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣٤٣ - ٣٤٤ ) ومسند أحمد ( ج ٦؛ ٢٧٤ ) وسنن ابن ماجة ( ج ١؛ ٤٩٩ ) وتاريخ أبي الفداء ( ج ١؛ ١٥٢ ) قال: « والأصحّ دفنه ليلة الأربعاء »، وتاريخ ابن كثير ( ج ٥؛ ١٧١ ) قال: « وهو المشهور عن الجمهور، والصحيح أنّه دفن ليلة الأربعاء »، وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١١٣ - ١١٤ ).

فدفنه أهله، ولم يله إلاّ أقاربه. طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣٠٤ ).

دفنوه في اللّيل، أو في آخره. سنن ابن ماجة ( ج ١؛ ٤٩٩ ) ومسند أحمد ( ج ٦؛ ٢٧٤ ).

ولم يعلم به القوم إلاّ بعد سماع صريف المساحي، وهم في بيوتهم في جوف اللّيل.

طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣٠٤ - ٣٠٥ ) ومسند أحمد ( ج ٦؛ ٢٧٤ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣٤٤ ) وتاريخ ابن كثير ( ج ٥؛ ٢٧٠ ).

ولم يشهد الشيخان دفنه. أخرجه ابن أبي شيبة؛ كما في كنز العمال ( ج ٣؛ ١٤٠ ).

وقالت عائشة: ما علمنا بدفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى سمعنا صوت المساحي في جوف اللّيل؛ ليلة الأربعاء. سيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣١٤ )، تاريخ الطبري ( ج ٣؛ ٢٠٥ )، شرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٩ ).

٣٥٩

إنّما مثلك في الأمّة مثل الكعبة وإنّما تؤتى ولا تأتي

في المسترشد (٣٩٤) بسنده عن عليّعليه‌السلام ، قال:( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١) فلو ترك الناس الحجّ لم يكن البيت ليكفر بتركهم إيّاه، ولكن كانوا يكفرون بتركه؛ لأنّ الله تبارك وتعالى قد نصبه لهم علما، وكذلك نصّبني علما، حيث قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، أنت بمنزلة الكعبة، يؤتى إليها ولا تأتي.

وفي أسد الغابة ( ج ٤؛ ٣١ ) بسنده عن عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت بمنزلة الكعبة، تؤتى ولا تأتي، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلّموها إليك - يعني الخلافة - فاقبل منهم، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتّى يأتوك.

وقد روت كتب الفريقين هذا الحديث بمعنى واحد، وألفاظ مختلفة، فورد في بعضها « أن مثل عليّ مثل الكعبة، يحجّ إليها ولا تحجّ » و « إنّما أنا كالكعبة أقصد ولا أقصد » و « مثل عليّ كمثل بيت الله الحرام، يزار ولا يزور »، وما شاكلها وقاربها من الألفاظ. انظر في ذلك الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٧٥ ) وكشف اليقين (٢٩٨) وكفاية الأثر ( ١٩٩، ٢٤٨ ) وبشارة المصطفى (٢٧٧) وإرشاد القلوب (٣٨٣) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٦٢ ) ( ج ٣؛ ٢٠٢، ٢٦٨ ) وأمالي الصدوق (١٧) والتحصين (٦٠٩) وتفسير فرات ( ٨١ - ٨٢ ) ودلائل الإمامة (١٢) والمسترشد (٣٨٧) وبحار الأنوار ( ج ٤٠؛ ٧٥ - ٧٨ ) نقلا عن الفردوس للديلمي.

وهو في مناقب ابن المغازلي (١٠٧) وتاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٤٠٧ / الحديث ٩٠٥ ) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٧ ) ونور الهداية للدواني المطبوع في الرسائل المختارة (١٢٦) وكنوز الحقائق (١٨٨).

وأئمّة آل البيتعليهم‌السلام كلّهم كالكعبة، ففي الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٧٥ ) قال: أسند ابن جبر في نخبه إلى الصادقعليه‌السلام ، قوله: « نحن كعبة الله، ونحن قبلة الله » وفي هذا وجوب

__________________

(١) آل عمران؛ ٩٧.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400