تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء5%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125391 / تحميل: 5207
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ولا يصحّ دون البناء ؛ لأنّه التابع(١) .

وقد بيّنّا فساد الجميع. ولو رهن ثوباً قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن ، سقط دَيْنه عند الحنفيّة(٢) .

ولو كانت قيمته خمسةً ، رجع المرتهن على الراهن بخمسة اُخرى. ولو كانت قيمته خمسة عشر ، فالفضل أمانة ، عند أبي حنيفة(٣) .

وقال زفر : يرجع الراهن على المرتهن بخمسة ؛ لأنّ الرهن عنده مضمون بالقيمة. ولأنّ الزيادة على الرهن مرهونة ؛ لكونها محبوسةً ، فتكون مضمونةً ، كقدر الدَّيْن. ولقول عليّعليه‌السلام : « يترادّان الفضل »(٤) (٥) .

مسألة ٢٣٥ : لو طالَب المرتهن الراهنَ بالدَّيْن ، لم يكن للراهن أن يقول : أحضر المرهون وأنا أُؤدّي دَيْنك من مالي ، بل لا يلزمه الإحضار بعد الأداء أيضاً ، وإنّما عليه التمكين ، كالمودع.

والإحضار وما يحتاج إليه من مؤونةٍ على ربّ المال.

ولو احتاج إلى بيعه في الدَّيْن ، لم يكن عليه الإحضار أيضاً ، بل يتكلّف الراهن مؤونته ، ويحضره القاضي [ ليبيعه ](٦) وبه قال الشافعي(٧) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٢ - ١٣٣.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٦٠.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٦٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٦٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٨.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ٤٣.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٨.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « بقبضه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦١.

٣٦١

وقال أبو حنيفة : إذا طالب المرتهنُ الراهنَ بالدَّيْن ، أُمر المرتهن بإحضار الرهن ؛ لأنّ قبض الرهن قبضُ استيفاءٍ ، فلو أُمر بقضاء الدَّيْن قبل إحضار الرهن ، ربما يهلك الدَّيْن بعد ذلك ، فيصير مستوفياً لدَيْنه مرّتين بناءً على مذهبه من الضمان ، فإذا أحضره ، أُمر الراهن بتسليم دَيْنه أوّلاً ؛ لتعيّن حقّه كما تعيّن حقّ الراهن ، تحقيقاً للتسوية ، كما في تسليم المبيع والثمن يحضر المبيع ثمّ يسلّم الثمن أوّلاً.

وكذا إن طالَبه بالدَّيْن في غير بلد الرهن ولا حمل له ولا مؤونة ، لأنّ الأماكن كلّها كمكان العقد فيما لا حمل له ولا مؤونة ، ألا ترى أنّه لا يشترط فيه بيان مكان الإيفاء في السَّلَم بالإجماع ، فيؤمر بإحضاره.

وإن كان لحمله مؤونة ، يأخذ دَيْنه ، ولا يكلّف المرتهن بإحضار الرهن ؛ لأنّ المرتهن عاجز عن الإحضار ، والتسليم غير واجبٍ عليه في بلدٍ لم يَجْر فيه العقد. ولأنّ الواجب عليه التسليم بمعنى التخلية ، لا النقل من مكانٍ إلى مكانٍ ؛ لأنّ العين أمانة(١) .

مسألة ٢٣٦ : لو باع الراهن الرهنَ بغير إذن المرتهن ، فإن فسخه المرتهن ، بطل. وإن أمضاه ، نفذ. وإن لم يحصل منه إذنٌ ولا فسخ ؛ لعدم اطّلاعه عليه ، كان البيع موقوفاً على الإجازة ، ولا يقع باطلاً في أصله ، وبه قال أبو حنيفة(٢) .

وقال أبو يوسف : ينفذ البيع كالإعتاق ؛ لأنّه تصرّف في خالص ملكه(٣) .

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٧ - ١٢٩.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٥.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣٦٢

وليس بجيّد ؛ لأنّ حقّ المرتهن تعلّق به ، فيقف على إجازته.

قال أبو حنيفة : فإن أجاز المرتهن البيعَ ، نفذ ؛ لأنّ المانع من النفوذ حقّه ، وحقّه قد زال بالإجازة. وإن لم يجز البيع وفسخه ، انفسخ - في روايةٍ عن محمّد - حتى [ لو افتكّ الراهن الرهنَ](١) لا سبيل للمشتري عليه ؛ لأنّه يملك الإجازة فيملك الفسخ كالمالك ؛ لأنّ حقّه يضاهي الملك(٢) .

وأشار في الجامع الكبير إلى أنّه لا ينفسخ ؛ لأنّ التوقّف مع المقتضي للنفاذ إنّما كان لصيانة حقّه ، وحقّه يُصان بانعقاد هذا العقد موقوفاً ، وإذا بقي موقوفاً فإن شاء المشتري صبر حتى يفكّ الراهنُ الرهنَ فيسلّم له المبيع ؛ لأنّ المانع على شرف الزوال ، وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ القاضي العقد بحكم العجز عن التسليم ، وولاية الفسخ إلى القاضي ، وصار كما إذا أبق العبد المشترى قبل القبض ، فإنّ المشتري بالخيار إن شاء صبر حتى يرجع الآبق ، وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ العقد بحكم العجز عن التسليم(٣) .

مسألة ٢٣٧ : إذا باع الراهن الرهنَ من رجلٍ ثمّ باعه بيعاً ثانياً من غيره قبل أن يُجيز المرتهن ، فالثاني أيضاً موقوف على إجازته ؛ لأنّ الأوّل موقوف ، والموقوف لا يمنع توقّف الثاني ، فجاز البيع الأوّل إن أجازه ، وجاز البيع الثاني إن أجازه ، وبه قال أبو حنيفة(٤) .

فإن باع الراهن ثمّ آجر أو رهن أو وهب من غيره وأجاز المرتهن‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٥.

(٣) أورده المرغيناني في الهداية ٤ : ١٤٥ ، والموصلي في الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٣.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٥.

٣٦٣

الإجارة أو الرهن أو الهبة ، نفذت ، ولم ينفذ البيع السابق عندنا.

وقال أبو حنيفة : ينفذ البيع السابق ؛ لأنّ تصرّف الراهن في الرهن إذا كان يُبطل حقّ المرتهن ، لا ينفذ إلّا بإجازة المرتهن ، فإذا أجاز المرتهن تصرّفه ، يُنظر فيه ، فإن كان تصرّفاً يصلح حقّاً للمرتهن ، ينفذ بإجازة المرتهن التصرّف الذي لحقه الإجازة. وإن كان تصرّفاً لا يصلح حقّاً للمرتهن ، فبالإجازة يبطل حقّ المرتهن ، والنفاذ يكون من جهة الراهن ، فينفذ السابق من تصرّفات الراهن.

وإن كان المرتهن أجاز اللاحق ، فنقول حينئذٍ : المرتهن ذو حظّ من البيع الثاني ؛ لأنّه يتحوّل حقّه إلى الثمن بناءً على مذهبه من أنّ إجازة المرتهن البيعَ تُفيد تعلّقَ الرهن بالثمن ، فيصير الثمن رهناً عنده ، ويكون المرتهن أحقَّ بثمنه من الغرماء لو مات الراهن ، فصحّ تعيينه ، لتعلّق حقّ الفائدة به ، ولا حقّ للمرتهن في هذه العقود ؛ إذ لا بدل في الهبة والرهن. وأمّا الإجارة فبدلها في مقابلة المنفعة ، وحقّه في ماليّة العين لا في المنفعة ، فكانت إجازته إسقاطاً لحقّه ، فزال المانع من النفاذ ، فنفذ البيع السابق ، كما لو باع المستأجر من اثنين فأجاز المستأجر الثاني ، نفذ الأوّل ؛ لأنّه لاحقّ له في الثمن ، فكانت الإجازة إسقاطاً(١) .

وهذا الضابط الذي ذكره ممنوع.

مسألة ٢٣٨ : لو استعار الراهن الرهنَ من المرتهن ، خرج من ضمان المرتهن عند أبي حنيفة ؛ لأنّ الضمان باعتبار قبضه وقد زال. فإن هلك في يد الراهن ، هلك بغير شي‌ء ؛ لفوات القبض الموجب للضمان ، وللمرتهن‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٥ - ١٤٦.

٣٦٤

أن يستردّه إلى يده ؛ لأنّ عقد الرهن باقٍ إلّا في حكم الضمان في الحال ، فإذا استردّه ، عاد مضموناً عليه عنده ؛ لأنّه عاد القبض بحكم الرهن ، فيعود بصفته(١) ، وهو الضمان.

وكذا لو أعاره أحدهما أجنبيّاً بإذن الآخَر ، خرج عن أن يكون مضموناً ، وبقي مرهوناً ؛ لما تقدّم.

ولكلٍّ منهما أن يردّه رهناً كما كان ؛ لأنّ لكلٍّ منهما حقّاً محتوماً فيه ، بخلاف ما إذا آجره - ولو مات الراهن قبل الردّ إلى المرتهن ، يكون اسوةَ الغرماء - لأنّ الإجارة تصرّف لازم أوجبت حقّاً لازماً للغير في الرهن ، فيبطل به حكم الرهن ، ولم يتعلّق بالعارية حقٌّ لازم ، فافترقا.

ولو استعار المرتهن الرهنَ من الراهن ليعمل به فهلك قبل أخذه في العمل ، هلك على ضمان الرهن ؛ لبقاء يد المرتهن ، فبقي ضمانه.

وكذا إن هلك بعد الفراغ من العمل ؛ لأنّ يد العارية ارتفعت وظهر الضمان.

وإن هلك في حالة العمل ، هلك بغير ضمان ؛ لأنّ يد العارية غير ضامنة.

وكذا إذا أذن الراهن للمرتهن بالاستعمال(٢) .

مسألة ٢٣٩ : لو استعار شيئاً ليرهنه فتلف قبل رهنه أو بعد ما افتكّه ، فالأقرب : عدم الضمان - وبه قال أبو حنيفة(٣) - لأنّ حفظ العين في الحال بإذن المالك ، وبالهلاك قبل الرهن أو بعد الفكّ لم يصر قاضياً شيئاً من‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « بصيغته ». وهي غلط.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٨ - ١٤٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٥٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٣٦.

٣٦٥

دَيْنه ، والضمان إنّما يتعلّق باعتبار استيفاء الدَّيْن منه ولم يستوف.

هذا على قول أبي حنيفة : إنّ المرتهن ضامن للرهن مطلقاً(١) ، أمّا عندنا فإنه غير مضمون عليه ، لكن على الراهن.

وهل يثبت الضمان عليه بنفس القبض بالعارية للرهن أو بالرهن؟ إشكال أقربه : الثاني.

فإن اختلف الراهن والمعير بعد التلف ، فادّعى المالك تلفه في يد المرتهن ، وقال المستعير : هلك قبل رهنه أو بعد فكّه ، فالقول قول الراهن مع يمينه ؛ لأنّ الضمان إنّما يجب على المستعير بإيفاء الدَّيْن منه أو بإمساكه رهناً وهو يُنكرهما.

مسألة ٢٤٠ : قد بيّنّا(٢) الخلافَ في القبض هل هو شرط أو لا؟ والخلافَ في ماهيّة القبض ، فقيل : إنّه التخلية مطلقاً ، وإنّما يتحقّق القبض بأن يحضر المرتهن فيقبض ، أو يوكّل في قبضه ، فيصحّ قبض الوكيل.

ثمّ الرهن إن كان خفيفاً يمكن تناوله باليد ، فالقبض فيه أن يتناوله بيده ، وإن كان ثقيلاً - كالعبد والدابّة - فالقبض فيه النقل من مكان إلى آخَر. وإن كان طعاماً فارتهن مكيالاً من طعامٍ بعينه ، فقَبْضُه أن يكتاله. وإن ارتهن صُبرة على أنّ كيلها كذا ، فقَبْضُها أيضاً أن يكتاله. وإن ارتهنها جزافاً ، فقَبْضُها النقل من مكان إلى مكان.

وإذا كان ممّا لا يُنقل ولا يُحوّل من أرضٍ ودارٍ وعليها باب مغلق ، فقَبْضُها أن يخلّي صاحبه بينه وبينها ويفتح بابها ، أو يدفع إليه مفتاحها. وإن‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٥٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٩.

(٢) في ص ١٨٧ و ١٨٨ ، المسألتان ١٤٠ و ١٤١ ، وكذا في ج ١٠ ص ١٠١.

٣٦٦

لم يكن عليها باب ، فقَبْضُه التخلية بينه وبينها من غير حائل.

وإن كان الرهن مشاعاً فإن كان ممّا لا يُنقل ، خُلّي بينه وبينه ، سواء حضر شريكه أو لم يحضر.

وإن كان ممّا يُنقل ويُحوّل - كالشقص من الجوهر والسيف وغيرهما - لم يجز تسليمه إلى مرتهنه إلّا بحضرة شريكه ؛ لأنّه يريد نقل نصيبه ونصيب شريكه إلى يده.

فإذا حضر وسلّمه إليه ، فإن رضيا أن يكون الجميع على يد المرتهن ، جاز. وإن رضيا أن يكون الجميع في يد الشريك ، جاز ، وناب عنه في القبض. وإن رضيا أن يكون على يدَي عَدْلٍ ، جاز. وإن تشاحّا واختلفا ، انتزعه الحاكم من يدهما ، ووضعه على يد عَدْلٍ إن لم تكن لمنفعته قيمة. وإن كانت لمنفعته قيمة وأمكن إجارته وكان الانتفاع به لا ينقصه ، فإنّه يكرى.

ولو سلّمه الراهن للمرتهن فقبضه ، حصل القبض ؛ لأنّ الرهن حصل في يده مع التعدّي في غيره ، فأشبه ما لو سلّم الرهن وغيره.

ولو كان في يد المرتهن بالعارية السابقة ، كفى ذلك في القبض.

وهل يفتقر إلى مضيّ زمان يتحقّق فيه القبض لو لم يكن في يده؟ الأقرب : المنع.

وليس للمستعير بعد عقد الرهن الانتفاعُ به ؛ لأنّ الرهن مانع من التصرّف ، فليس له الانتفاع به كما كان ينتفع به قبل الرهن ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٠٤ - ٢٠٥.

٣٦٧

وقال الشافعي : له الانتفاع كما كان(١) .

ولو رهنه ثوباً فاشتبه عليه بغيره فسلّم إليه أحدهما ، لم يثبت القبض ؛ لعدم العلم بأنّه أقبضه الرهن ، فإن ثبت أنّه الرهن تبيّنّا صحّة القبض.

ولو سلّم إليه الثوبين معاً ، صحّ القبض ؛ لأنّه قد قبض الرهن قطعاً.

ولو رهنه داراً فخلّى بينه وبينها وهُما فيها ثمّ خرج الراهن ، صحّ القبض في النصف.

وقال الشافعي : يصحّ القبض في الجميع ؛ لأنّ التخلية تصحّ بقوله مع التمكين منها وعدم المانع ، فأشبه ما لو كانا خارجين عنها(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا يصحّ حتى يخلّي بينه وبينها بعد خروجه منها ؛ لأنّه ما كان في الدار(٣) فيده عليها ، فلم تحصل التخلية(٤) .

واعتُرض بأنّ خروج المرتهن منها لا يزيل يده عنها ، ودخوله إلى دار غيره لا يُثبت يده عليها. ولأنّه بخروجه عنها محقّق لقوله ، فلا معنى لإعادة التخلية(٥) .

مسألة ٢٤١ : قد بيّنّا أنّه يصحّ رهن العبد الجاني ؛ لبقاء الملك فيه ، لكن يقدَّم حقّ الجناية على حقّ الرهن ؛ لأنّه متقدّم عليه لو تأخّر فمع التقدّم أولى.

ثمّ إن اقتصّ منه في النفس ، بطل الرهن. وإن اقتصّ في الطرف ، بقي الباقي رهناً بحاله.

____________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٣١٠ ، وانظر الحاوي الكبير ٦ : ٤٢.

(٢ و ٥) المغني ٤ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٦.

(٣) أي : لأنّه ما دام كائناً فيها.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠ ، المغني ٤ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٦.

٣٦٨

وإن كانت الجناية خطأً ، فإن كان الأرش أقلَّ من قيمته ، كان الفاضل منه رهناً. وإن ساواها أو زاد ، فإن سلّمه المالك إلى المجنيّ عليه في الجناية ، بطل الرهن. وإن فداه ، سقط الأرش عن رقبته ، وبقي العبد رهناً. وإن بِيع في الجناية ، فسخ الرهن.

ثمّ إن استوعبت الجناية قيمته ، بطل الرهن ، وإلّا بِيع بقدرها ، وكان الباقي رهناً.

والشيخرحمه‌الله أبطل رهن الجاني عمداً وخطأً [ لأنّها ](١) إن كانت عمداً ، فقد وجب عليه القصاص. وإن كانت خطأً فلسيّده أن يسلّمه إلى مَنْ جُني عليه ، فإنّها تتعلّق برقبة العبد ، والسيّد بالخيار بين أن يسلّمه ليُباع في الجناية وبين أن يفديه و [ أيّهما ](٢) فعل فالرهن على البطلان ؛ لأنّه وقع باطلاً في الأصل ، فلا يصحّ حتى يستأنف(٣) .

والوجه : ما قلناه.

ولو كانت الجناية أقلَّ من قيمته ولم يمكن بيع بعضه ، بِيع كلُّه واُعطي المجنيّ عليه حقّه ، وكان الباقي رهناً مكانه. ولو فداه غير السيّد أو أبرأه المجنيّ عليه ، بقي رهناً كما كان.

مسألة ٢٤٢ : قد بيّنّا أنّه يصحّ رهن المدبَّر ، ويبطل التدبير ؛ لأنّه وصيّة ، فكان الرهن رجوعاً فيه ، كما لو أوصى به لزيدٍ ثمّ رهنه ، فإنّه يكون رجوعاً عن الوصيّة ، ويصحّ الرهن.

قال الشيخرحمه‌الله : وإن قلنا : إنّ الرهن صحيح والتدبير بحاله ، كان‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « وأيّما ». والمثبت من المصدر.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٢.

٣٦٩

قويّاً ؛ لعدم دليلٍ على إبطاله(١) .

قال : فعلى هذا إذا حلّ الأجل في الدَّيْن وقضاه المديون من غير الرهن ، كان جائزاً. وإن باعه ، كان له ذلك. وإن امتنع من قضاء(٢) الدَّيْن ، نظر الحاكم فإن كان له مالٌ غيره ، قضى دَيْنه منه ، وزال الرهن من العبد ، وكان مدبَّراً بحاله. وإن لم يكن له مالٌ غيره ، باعه الحاكم في الدَّيْن ، وزال الرهن والتدبير معاً(٣) .

مسألة ٢٤٣ : إذا رهن جارية ذات ولدٍ صغير ، صحّ.

فإن علم المرتهن ، لم يكن له الردّ ولا فسخ البيع المشروط فيه الرهن المذكور.

ولو لم يعلم أنّ لها ولداً صغيراً دون سبع سنين ثمّ علم ، كان له ردّها ، وله فسخ البيع المشروط رهنها إن حرّمنا التفرقة ؛ لأنّ ذلك نقص في الرهن ، فإنّ بيعها منفردةً أكثر لثمنها ، وهو غير جائز هنا ؛ لتحريم التفرقة في البيع.

فإن اختار إمضاء الرهن ورضي بالنقص ، فهو بمنزلة العالم يبطل خياره في فسخ البيع.

ولو رهن أرضاً بيضاء ، لم يكن له غرسها. فإن نبت فيها نخل بغرسه أو بحمل السيل إليها نوىً فنبت ، لم يدخل في الرهن ، وليس للمرتهن قلعه.

____________________

(١ و ٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « أداء » بدل « قضاء ».

٣٧٠

فإن حلّ الدَّيْن ولم يقض إلّا منها فإن وفى ثمنها بالدَّيْن ، بِيعت من غير نخل ، ويُترك النخل على ملك الراهن. ولو لم يف إلّا أنّ الغرس الذي فيها لم يُنقّص ثمنها ، بِيعت الأرض للمرتهن ، ولم يجب بيع الأشجار معها. ولو نقّص ، تخيّر الراهن بين بيعهما جميعاً وبين قلع الشجر وتسليم الأرض سليمةً من الحُفَر لتُباع للمرتهن إذا لم يكن مفلَّساً ، فإن فلّس ، لم يجز قلعه ، بل يُباعان ، ويُدفع إلى المرتهن ما قابَل أرضاً بيضاء ، والباقي خارج عنه.

مسألة ٢٤٤ : لو رهن عبدين وسلّم أحدهما إلى المرتهن فمات في يده وامتنع من تسليم الآخَر ، قال الشيخ : لم يكن للمرتهن الخيار في فسخ البيع ؛ لأنّ الخيار في فسخ البيع إنّما يثبت إذا ردّ الرهن ولا يمكنه ردّ ما قبضه ؛ لفواته.

وكذلك إذا قبض أحدهما وحدث به عيب في يده وامتنع الراهن من تسليم الآخَر إليه ، لم يكن له الخيار في فسخ البيع ؛ لأنّه لا يجوز له ردّ المعيب للعيب الحادث في يده(١) .

والوجه : أن نقول : إن جعلنا القبض شرطاً في الرهن أو شرطاه ، تخيّر المرتهن في البيع حيث لم يف الراهن بما شرطه.

مسألة ٢٤٥ : إذا اشترى شيئاً بثمن على أن يكون المبيع رهناً ، قال الشيخرحمه‌الله : لا يصحّ البيع - وبه قال الشافعي(٢) لأنّ شرطه أن يكون رهناً لا يصحّ ، لأنّه شرط أن يرهن ما لا يملك ، فإنّ المبيع لا يملكه المشتري قبل تمام العقد ، وإذا بطل الرهن بطل البيع ؛ لأنّ البيع يقتضي إيفاء الثمن‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤٦٣.

٣٧١

من غير المبيع ، والرهن يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع ، وذلك متناقض. ولأنّ الرهن يقتضي أن يكون أمانةً في يد البائع ، والبيع يقتضي أن يكون المبيع مضموناً عليه ، وذلك متناقض(١) .

وأمّا إذا شرط البائع أن يسلّم المبيع إلى المشتري ثمّ يردّه إلى يده رهناً بالثمن ، فإنّ الرهن والبيع فاسدان ، كالاُولى.

لا يقال : أليس يصحّ شرط الرهن في العقد وإن كان الثمن لم يملكه البائع؟

لأنّا نقول : إنّما جوّزنا ذلك لموضع الحاجة إلى شرطه ليصير حقّاً للبائع ، بخلاف مسألتنا.

وأمّا البيع فلا يصحّ أيضاً عند الشافعيّة ؛ لأنّ هذا استثناء منفعة المبيع ، وذلك لا يجوز عندهم. ولأنّ البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير المبيع ، والرهن يقتضي إيفاء الدَّيْن منه. ولأنّ البيع يقتضي تسليم المبيع أوّلاً ، والرهن يقتضي تسليم الدَّيْن أوّلاً ، والبيع يقتضي أيضاً أن يكون إمساك البائع مضموناً ، والرهن يقتضي أن يكون إمساك المرتهن أمانةً ، وذلك يوجب تناقض [ أحكامهما ](٢) (٣) .

مسألة ٢٤٦ : إذا رهن شيئاً عند آخَر فأيّهما مات قام وارثه مقامه في حقّ الرهن.

فإن كان الميّت هو المرتهن ، ورث وارثه حقّ الوثيقة ؛ لأنّ ذلك ممّا‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٣٥.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ والخطّيّة و الحجريّة : « أحكامها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٩.

٣٧٢

يورّث ، إلّا أنّ للراهن أن يمتنع من كونه في يده ؛ لأنّه قد رضي بأمانة المرتهن ولم يرض بأمانة وارثه ، فله مطالبته بنقله إلى يد عَدْلٍ.

وإن كان الميّت هو الراهن ، قام وارثه مقامه في الرهن ، فيكون مستحقّاً عليه كما كان مستحقّاً على الراهن ، إلّا أنّ الدَّيْن الذي كان مؤجَّلاً في حقّ الراهن يصير حالّاً في حقّ وارثه ؛ لأنّ الأجل لا يورّث ، ويسقط بموت مَنْ عليه الدَّيْن. وجملة ذلك أنّ وارث المرتهن يقوم مقام المرتهن إلّا في القبض ، ووارث الراهن يقوم مقام الراهن إلّا في الأجل في الدَّيْن.

مسألة ٢٤٧ : لو أراد الراهن أو المرتهن أن يقطع شيئاً من الثمرة قبل محلّ الحقّ ، فإن كان بعد إدراكها وبلوغها أوانَ أخذها وكان في قطعه مصلحة وفي تركها مضرّة ، أُجبر الممتنع على القطع ؛ لأنّ فيه صلاحاً لهما جميعاً.

وإن كان قبل إدراكها ، فإن كان للتخفيف عن الاُصول أو لازدحام بعضها على بعض وكان في قطع بعضها مصلحة للثمرة ، فإنّه إذا قطع منها كان أقوى لثمرتها وأزكى لها ، فإذا كان كذلك قُطع منها وأُجبر الممتنع.

وإن كان لا مصلحة في قطعها ، فإنّه يُمنع من قطعها ، ولا يُجبر الممتنع عليه.

فإن اتّفقا جميعاً على قطعها أو قطع بعضها ، كان لهما ؛ لأنّ الحقّ لهما ، فإذا رضيا بذلك ، لم يُمنعا.

وما يلزم القطع من المؤونة فعلى الراهن ، فإن لم يكن حاضراً ، أخذ الحاكم من ماله وأنفق عليه. ولو لم يكن مالٌ ، أخذ من الثمرة بقدر الأجرة. فإن قال المرتهن : أنا أنفق عليه على أنّي أرجع بها في مال الراهن ،

٣٧٣

أذن له الحاكم في ذلك.

فإن قال : أنفق في ذلك على أن تكون الثمرة رهناً بها مع الدَّيْن الذي عنده ، جاز أيضاً.

قال الشيخرحمه‌الله : ومن الناس مَنْ مَنَع منه ، وهو الأحوط(١) .

فإن استأجر المرتهن من ماله بغير إذن الحاكم ، فإن كان الحاكم مقدوراً عليه ، لم يرجع على الراهن ؛ لأنّه متطوّع به. وإن لم يكن مقدوراً عليه ، فإن أشهد عليه عَدْلين أنّه يستأجر ليرجع بالاُجرة عليه ، فيه قولان. فإن لم يشهد ، لم يكن له الرجوعُ.

مسألة ٢٤٨ : يجب على المرتهن إذا قبض الرهن أن يحفظه ، كما يحفظ الوديعة ؛ لأنّه أمانة في يده لغيره ، فلا يجوز له التفريط فيها. ولا يجوز له أن يسلّمه إلى غيره وإن كان زوجةً أو ولداً أو مَنْ هو في عياله. وقال أبو حنيفة : له أن يحفظه بنفسه وولده وزوجته وخادمه الذي في عياله. ولو حفظ بغير مَنْ في عياله أو أودعه ، ضمن(٢) .

وليس بجيّد.

ولو رهنه خاتماً فجَعَله في خنصره ، فإن كان واسعاً ، ضمنه ؛ لسقوطه غالباً ، وإلّا فلا.

وقال أبو حنيفة : يضمنه مطلقاً ؛ لأنّه مأذون في الحفظ دون الاستعمال ، وهذا لُبْسٌ واستعمال ، فصار ضامناً ، سواء في ذلك اليمنى واليسرى ، لأنّ الناس يختلفون فيه تجمّلاً(٣) .

ونحن نقول : إن قصد التجمّل والاستعمال ، ضمن ، وإلّا فلا.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٤٣.

(٢ و ٣ ) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٠.

٣٧٤

ولو جعله في بقيّة الأصابع ، كان رهناً بما فيه عند أبي حنيفة - وهو مذهبنا - لأنّه لا يُلبس كذلك عادةً ، فكان من باب الحفظ ، دون الاستعمال(١) .

قال : ولو رهنه سيفين فتقلّدهما ، ضمن ؛ لأنّ العادة قد جرت بتقليد سيفين في الحرب. ولو كانت ثلاثةً فتقلّدها ، لم يضمن ؛ لعدم جريان العادة بلُبْس الثلاثة(٢) .

قال : ولو لبس خاتماً فوق خاتم ، فإن كان ممّن يتجمّل بلُبْس خاتمين ، ضمن ، وإن كان لا يتجمّل بذلك ، فهو حافظ لا لابس(٣) .

والضابط ما قلناه من أنّه إن قصد الاستعمال ، ضمن ، وإلّا فلا.

مسألة ٢٤٩ : قد بيّنّا أنّ اُجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على الراهن ، وبه قال الشافعي(٤) .

وقال أبو حنيفة : إنّه على المرتهن ، وكذا اُجرة الحافظ. وأمّا اُجرة الراعي ونفقة الرهن فإنّها على الراهن عنده.

والأصل أنّ ما يرجع إلى البقاء يكون على الراهن ، سواء كان في الرهن فضل أو لا ؛ لبقاء العين على ملكه ومنافعها مملوكة له ، فيكون إبقاؤها عليه ، لأنّه مؤونة ملكه ، كما في الوديعة ، وذلك مثل النفقة في مأكله ومشربه واُجرة الراعي ، لأنّه يحتاج إليه لعلف الحيوان ، فهو كالطعام والشراب. ومن هذا الجنس كسوة الرقيق واُجرة ظئر ولد الرهن وسقي البستان وتلقيح النخل وجذاذه والقيام بمصالحه.

____________________

(١ - ٣ ) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٠.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢ ، المغني ٤ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤١.

٣٧٥

وأمّا ما يرجع إلى حفظه فهو على المرتهن ، كاُجرة الحافظ ؛ لأنّ الحفظ واجب عليه ، والإمساك حقٌّ له ، فيكون بدله عليه.

وكذا اُجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن ؛ لأنّ الحفظ على المرتهن ، ولا يتأتّى الحفظ إلّا في منزله ، فمؤونة ذلك تكون على المرتهن ، وهذا لأنّه في الحفظ عاملٌ لنفسه ، لأنّه يقصد به إضجار الراهن.

وقال أبو يوسف : كري المأوى على الراهن ؛ لأنّه بمنزلة النفقة ، لكونه سعياً في تبقيته(١) .

وما يلزمه لردّ العين فهو على المرتهن ، وذلك كجُعْل الآبق ، لأنّ يد الاستيفاء كانت ثابتةً على المحلّ ، ويحتاج إلى إعادة يد الاستيفاء ليردّه على المالك ، فكانت من مُؤن الردّ ، فيكون عليه.

هذا إذا تساوت قيمة الدَّيْن والرهن ، فإن كانت قيمة الرهن أكثر ، فعلى المرتهن بقدر المضمون؛ لأنّ الرهن عنده(٢) مضمون ، وعلى الراهن بقدر الأمانة ؛ [ لأنّه ](٣) في قدر الأمانة بمنزلة المودَع ، بخلاف اُجرة البيت ، فإنّه يجب الكلّ على المرتهن وإن كان في قيمة الرهن فضلٌ ؛ لأنّ ذلك إنّما لزمه بسبب الحبس ، وحقّ الحبس في الكلّ ثابت له ، وأمّا الجُعْل فإنّما لزمه لأجل الضمان ، فيتقدّر بقدر المصمون.

وأمّا مداواة القروح والجروح ومعالجة الأمراض من الجناية تنقسم بقدر الأمانة والضمان ؛ لأنّها للإصلاح ، وبالإصلاح ينتفع المرتهن في المضمون والراهن في الأمانة. والخراج على الراهن خاصّةً - وهو جيّد‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣١.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٧٣ ، ضمن المسألة ٢٣٩.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والطبعة الحجريّة : « لأنّ ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٧٦

عندنا - لأنّه من مؤن الملك ، فيكون عليه ، كالنفقة.

والعُشْر فيما يُخرج ويأخذه الإمام ؛ لأنّ العُشْر متعلّق بالعين ، فيكون مقدَّماً على حقّ المرتهن ، ولا يبطل الرهن في الباقي ، بخلاف ما إذا استحقّ بعض الرهن شائعاً ؛ لأنّ تعلّق العُشْر بالخارج لا يخرجه عن ملكه ، ولهذا يجوز بيعه والأداء من محلٍّ آخَر ، بخلاف الاستحقاق(١) .

مسألة ٢٥٠ : قد بيّنّا(٢) اختلاف الناس في أنّ القبض شرط في صحّة الرهن أو لزومه‌ او ليس شرطاً فيهما ، فالحنفيّة جعلوه شرطاً في اللزوم ، وكذا الشافعيّة وبعض علمائنا ، خلافاً للباقي من علمائنا ولمالك حيث جعلوه لازماً بمجرّد الإيجاب والقبول.

إذا عرفت هذا ، فالقبض هنا كالقبض في البيع ، فقبض الدار بالتخلية بينه وبينها ويفتح له بابها ، أو يسلّم إليه مفتاحها.

ولو خلّى بينه وبينها وفيها قماش للراهن ، صحّ التسليم عندنا وعند الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة(٤) .

وكذا نقول : لو رهنه دابّةً عليها حَمْلٌ للراهن وسلّم الجميع إليه ، صحّ القبض عندنا وعند الشافعي(٥) ، خلافاً لأبي حنيفة(٦) .

ولو رهنه الحملَ خاصّةً دون الدابّة أو رهنهما معاً وسلّمهما معاً ، صحّ‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ - ١٥٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٠ - ١٣١.

(٢) في ص ١٨٧ - ١٨٨ ، المسألة ١٤٠.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٣١.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣١.

(٥) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٦) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠.

٣٧٧

القبض عندنا وعند أبي حنيفة(١) .

أمّا إذا رهنهما معاً وسلّمهما : فظاهر.

وأمّا إذا رهن الحمل : فلأنّ الحمل ليس مشغولاً بالدابّة ولا هو تابع [ لها ](٢) فصار كما لو رهن متاعاً في دار.

وليس بجيّد ؛ لأنّ كلّ ما كان قبضاً في البيع كان قبضاً في الرهن ، كالحمل ، وقد قال : إذا رهنه سرج دابّةٍ ولجامها وسلّمها بذلك ، لم يصح القبض فيه ؛ لأنّه تابع للدابّة(٣) . وهذا ينقض ما ذكرناه في الحمل.

وقوله : « إنّه تابع » يبطل به إذا باع الدابّة ، فإنّ السرج لا يدخل فيه ، وعلى أنّ الدابّة في يده فكذلك ما يتبعها.

قال : ولو رهن دابّةً عليها سرج أو لجام ، دخل ذلك في الرهن من غير ذِكْرٍ(٤) .

وليس بمعتمد.

مسألة ٢٥١ : قد بيّنّا أنّه لا يصحّ الرهن إلّا على دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة ، ولا يصحّ الرهن على الأمانات ، كالوديعة والعارية ومال القراض ومال الشركة وشبهها من الأمانات ، وبه قال أبو حنيفة.

وعلّل بأنّ موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء من الرهن ، فكان قبض الرهن مضموناً ، فلا بدّ من ضمان ثابت ليقع القبض مضموناً ويتحقّق استيفاء الدَّيْن منه(٥) .

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ والخطّيّة و الحجريّة : « له ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣ و ٤) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٣.

٣٧٨

ولا يصحّ الرهن عنده بالأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع ؛ لأنّ المبيع ليس بمضمون ، فإنّه لو هلك لم يضمن البائع شيئاً ، ولكن يسقط الثمن ، وهو حقّ البائع ، فلا يصحّ الرهن به ، فلو هلك لهلك بغير شي‌ء ؛ لأنّه لا اعتبار للباطل ، فبقي قبضاً بإذنه. ويصحّ على الأعيان المضمونة بنفسها ، وهو أن يكون مضموناً بالمثل عند الهلاك إن كان مثليّاً ، أو بالقيمة إن لم يكن مثليّاً ، كالمغصوب والمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد ؛ لأنّ الضمان مقدّر(١) ، فإنّه إن كان قائماً ، وجب تسليمه ، وإن كان هالكاً ، تجب قيمته. ولو كان رهناً بما هو مضمون ، فيصحّ(٢) .

قال : والرهن بالدرك باطل ، وتصحّ الكفالة بالدرك.

والفرق : أنّ الرهن مشروع للاستيفاء ، ولا استيفاء قبل الوجوب ؛ لأنّ الواجب هو الذي يستوفى ، وضمان الدرك هو ضمان الثمن عند استحقاق المبيع ، فلا يجب قبل الاستحقاق ، فلا يصحّ مضافاً إلى حال وجود الدَّيْن ؛ لأنّ الاستيفاء معاوضة ، فلا يحتمل الإضافة ؛ لأنّ إضافة التمليك(٣) إلى زمانٍ في المستقبل لا تجوز ، والكفالة مشروعة لالتزام المطالبة ، لا لالتزام أصل الدَّيْن ، والتزام الأفعال يصحّ(٤) مضافاً إلى زمان الاستقبال ، كالتزام الصدقات والصيامات بالنذر.

وتفسير الرهن بالدرك كأن يبيع رجل سلعة وقبض ثمنها وسلّمها وخاف المشتري الاستحقاق فأخذ بالثمن من البائع رهناً قبل الدرك ، فإنّه‌

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « متقرّر » بدل « مقدّر » كما في المصدر.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٣.

(٣) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « التملّك ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « لا يصحّ ». وما أثبتناه من المصدر.

٣٧٩

باطل عنده حتى لا يملك حبس الرهن ، حلّ الدرك أو لم يحلّ. وإذا هلك الرهن عنده ، كان أمانةً، حلّ الدرك أو لم يحلّ ؛ لأنّه لا عقد حيث وقع باطلاً ، بخلاف الرهن بالدَّيْن الموعود بأن يقول : رهنتك هذا لتقرضني ، فقبض الرهن وهلك في يد المرتهن قبل أن يقرضه ألفاً ، فإنّه يهلك مضموناً على المرتهن حتى يجب على المرتهن تسليم الألف إلى الراهن بعد الهلاك ؛ لأنّ الموعود جُعل كالموجود باعتبار الحاجة ، فكان الرهن حاصلاً بعد القرض حكماً ؛ إذ الظاهر أنّ الخلف لا يجري في الوعد ، فكان مفضياً إلى الوجود غالباً ، بخلاف الرهن بالدرك ؛ لأنّ الدرك لا يكون موجوداً غالباً ؛ إذ الظاهر أنّ المسلم يبيع مال نفسه(١) .

وهذا من أغرب الأشياء ، فإنّ الدرك إنّما يثبت إذا سبق السبب على الرهن ، فيكون مستحقّاً في الذمّة ، والوعد بالقرض لا يُثبت في الذمّة شيئاً ، فكيف يصحّ الرهن على الثاني دون الأوّل!؟

مسألة ٢٥٢ : قد بيّنّا أنّ الرهن أمانة في يد المرتهن لا يسقط من الدَّيْن شي‌ء بتلفه من غير تفريطٍ ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : يسقط من الدَّيْن بقدر ما تلف ، ونقص السعر لا يوجب سقوط شي‌ء من الدَّيْن عنده حتى لو رهن عبداً قيمته ألف فنقص سعره حتى صار يساوي مائةً ، لم يسقط شي‌ء من الدَّيْن عند أبي حنيفة(٢) .

وقال زفر : تسقط تسعمائة من الدَّيْن ؛ لنقصان الماليّة بتغيّر السعر ، كما لو انتقصت الماليّة بتغيّرٍ في البدن ، وهذا لأنّ الضمان الثابت بالرهن‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٣.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٦٤ و ١٠٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٨ و ١٥١.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400