تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء10%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125356 / تحميل: 5206
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

مسألة ١٧ : لا تصحّ المضاربة بالدَّيْن إلّا بعد قبضه ؛ لعدم تعيّنه قبل القبض.

ولما رواه الباقر عن أمير المؤمنينعليهما‌السلام في رجل يكون له مال على رجل يتقاضاه فلا يكون عنده ما يقضيه فيقول له : هو عندك مضاربة ، فقال : « لا يصلح حتى يقبضه منه »(١) .

إذا ثبت هذا ، فلو فعل فالربح بأجمعه للمديون إن كان هو العامل ، وإلّا فللمالك ، وعليه الاُجرة.

مسألة ١٨ : لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّين ؛ لما روي عن الصادقعليه‌السلام قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يباع الدّيْن بالدَّيْن »(٢) .

ويجوز بيعه بغير الدَّيْن على مَنْ هو عليه وعلى غيره من الناس بأكثر ممّا عليه وبأقلّ وبمساوٍ إلّا في الربوي ، فتشترط المساواة ؛ لأنّ نهيهعليه‌السلام عن بيعه بالدَّيْن يدلّ من حيث المفهوم على تسويغه بغيره مطلقاً.

وكذا يجوز بيعه نقداً ، ويكره نسيئةً. قاله الشيخ(٣) رحمه‌الله .

فإن دفع المديون إلى المشتري ، وإلّا كان له الرجوع على البائع بالدرك ؛ لوجوب التسليم عليه.

قال الشيخرحمه‌الله : لو باع الدَّيْن بأقلّ ممّا لَه على المديون ، لم يلزم المديون أكثر ممّا وزن المشتري من المال(٤) ؛ لما رواه أبو حمزة عن‌ الباقرعليه‌السلام أنّه سئل عن رجل كان له على رجل دَيْنٌ فجاءه رجل فاشترى منه

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٤ ، التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٢٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٠٠ ( باب بيع الدين بالدين ) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ١٨٩ / ٤٠٠.

(٣) النهاية : ٣١٠.

(٤) النهاية : ٣١١.

٢١

بعرض ثمّ انطلق إلى الذي عليه الدَّيْن فقال له : أعطني ما لفلان عليك فإنّي قد اشتريته منه ، فكيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال الباقرعليه‌السلام : « يردّ عليه الرجل الذي عليه الدَّيْن ما له الذي اشتراه به [ من(١) ] الرجل الذي عليه(٢) الدَّيْن »(٣) .

وهو مع ضعف سنده غير صريح فيما ادّعاه الشيخ ؛ لجواز أن يكون المدفوع مساوياً.

وأيضاً يُحتمل أن يكون ربويّاً ، ويكون قد اشتراه بأقلّ ، فيبطل الشراء ، ويكون الدفع جائزاً بالإذن المطلق المندرج تحت البيع.

إذا ثبت هذا ، فالواجب على المديون دفع جميع ما عليه إلى المشتري مع صحّة البيع.

مسألة ١٩ : أوّل ما يبدأ به من التركة بالكفن(٤) من صلب المال ، فإن فضل شي‌ء ، صُرف في الدَّيْن من الأصل أيضاً ، فإن فضل شي‌ء أو لم يكن دَيْنٌ ، صُرف في الوصيّة من الثلث إن لم يجز الورثة ، فإن أجازت ، نفذت من الأصل. ثمّ من بعد الوصيّة الميراث ؛ لقوله تعالى :( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٥) جعل الميراث مترتّباً عليهما.

وروى السكوني عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أوّل ما يبدأ به من المال الكفن ثمّ الدَّيْن ثمّ الوصيّة ‌ثم

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) في التهذيب : « الذي له عليه ». وفي الكافي : « الذي له الدَّيْن ».

(٣) التهذيب ٦ : ١٨٩ / ٤٠١ ، الكافي ٥ : ١٠٠ ( باب بيع الدَّين بالدَّيْن ) الحديث ٢ ، وفيه السائل هو أبو حمزة.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالكفن ». والصحيح ما أثبتناه ، وفي « ث » : « ما يبدأ من التركة بالكفن ».

(٥) النساء : ١١.

٢٢

الميراث »(١) .

إذا ثبت هذا ، فإن تبرّع إنسان بكفنه ، كان ما تركه في الدَّيْن مع قصور التركة ؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - قال : سألتُ الصادقعليه‌السلام : عن رجل مات وعليه دَيْنٌ بقدر كفنه ، قال : «يكفّن بما ترك إلّا أن يتّجر عليه إنسان فيكفّنه ، ويقضى بما ترك دَيْنه »(٢) .

مسألة ٢٠ : يجوز اقتضاء الدَّيْن والجزية من الذميّ إذا باع خمراً أو خنزيراً على مثله من ذلك الثمن ؛ لأنّه مباح عندهم وقد أُمرنا أن نُقرّهم على أحكامهم.

ولما رواه داود بن سرحان في الصحيح عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كانت له على رجل دراهم فباع بها(٣) خنازير أو خمراً وهو ينظر ، فقضاه ، قال : « لا بأس ، أمّا للمقضي فحلال ، وأمّا للبائع فحرام »(٤) .

إذا قبت هذا ، فلو كان البائع مسلماً ، لم يحلّ أخذ الثمن ؛ لبطلان البيع حينئذٍ ، سواء كان المشتري مسلماً أو كافراً ، وسواء وكّل المسلم الكافرَ في مباشرة البيع أو الشراء وعلى كلّ حال.

مسألة ٢١ : لا تصحّ قمسة الدَّيْن ؛ لعدم تعيّنه ، فلو اقتسم الشريكان ما في الذمم ، لم تصحّ القسمة ، وكان الحاصل لهما ، والتالف منهما ؛ لما رواه الباقر عن عليّعليهما‌السلام في رجلين بينهما مال ، منه بأيديهما ، ومنه غائب عنهما اقتسما الذي في أيديهما ، واحتال كلٌّ منهما بنصيبه ، فاقتضى‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٨٨ - ١٨٩ / ٣٩٨.

(٢) التهذيب ٦ : ١٨٧ / ٣٩١.

(٣) كلمة « بها » لم ترد في المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٢٩.

٢٣

أحدهما ولم يقتض الآخَر ، قال : « ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، وما يذهب بينهما(١) »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإن احتال كلٌّ منهما بحصّته على مديون من المديونين بإذن شريكه وفعَلَ الآخَر مع المديون الآخرَ ذلك ، صحّ ، ولم يكن ذلك قسمةً ، على أنّ في ذلك عندي إشكالاً أيضاً ؛ لأنّ الحوالة ها ليست بمال مسستحقٍّ على المحيل.

مسألة ٢٢ : أرزاق السلطان لا يصحّ بيعها إلّا بعد قبضها ، وكذا السهم من الزكاة والخمس؛ لعدم تعيّنها.

وهل يجوز بيع الدَّيْن قبل حلوله؟ الوجه عندي : الجواز ، ولا يجب على المديون دفعه إلّا في الأجل.

ويجوز بيعه بعد حلوله على مَنْ هو عليه وعلى غيره بحاضر أو مضمونٍ حالٍّ ، لا بمؤجَّل.

ولو قيل بجوازه كالمضمون ، أو بمنعه بالمضمون ، كان وجهاً.

ولو سقط المديون أجل الدَّيْن عليه ، لم يسقط ، وليس لصاحبه المطالبة في الحال. ويجوز دفعه قبل الأجل مع إسقاط بعضه ؛ لأنّه يكون إبراءً ، وبغير إسقاط إن رضي صاحبه ، ولا يجوز تأخيره بزيادة فيه ؛ لأنّه يكن رباً.

مسألة ٢٣ : لا يجب دفع المؤجَّل قبل أجله ، سواء كان دَيْناً أو ثمناً أو قرضاً أو غيرهما ، فإن تبرّع مَنْ عليه ، لم يجب على مَنْ له الأخذُ ، سواء‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بماله » بدل « بينهما ». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٣٠.

٢٤

كان على مَنْ عليه ضرر في التأخير أو لا ، وسواء كان على مَنْ له ضرر بالتأخير أو لا ، فإذا حلّ، وجب على صاحبه قبضه إذا دفعه مَنْ عليه ، فإن امتنع ، دفعه إلى الحاكم ، ويكون(١) من ضمان صاحبه ، وللحاكم إلزامه بالقبض أو الإبراء.

وكذا البائع سلَماً يدفع إلى الحاكم مع الحلول ، وهو من ضمان المشتري.

وكذا كلّ مَنْ عليه حقٌّ حالّ أو مؤجَّل فامتنع صاحبه من أخذه.

ولو تعذّر الحاكم وامتنع صاحبه من أخذه ، فالأقرب : أنّ هلاكه من صاحب الدَّيْن لا من المديون ؛ لأنّه حقّ تعيّن للمالك بتعيين المديون وامتنع من أخذه ، فكان التفريط منه.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « فيكون ».

٢٥

الفصل الثالث : في القرض‌

وفيه مباحث :

الأوّل : القرض مستحبّ مندوب إليه مرغّب فيه إجماعاً ؛ لما فيه من الإعانة على البرّ ، وكشف كربة المسلم.

روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ كشف عن مسلم كربةً من كرب الدنيا كشف الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة ، والله في عون العبد ما كان العبد في حاجة أخيه »(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه ابن بابويه قال : قال الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ ) (٢) قال : « يعني بالمعروف القرض »(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « مَنْ أقرض قرضاً إلى ميسرة كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة عليه حتى يقبضه »(٤) .

وقال الشيخرحمه‌الله : روي أنّه أفضل من الصدقة بمثله في الثواب(٥) .

وعن عبد الله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام قال : « قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألف

____________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٩ ، المغني ٤ : ٣٨٣ ، وفيهما : « ما دام العبد في عون أخيه ».

(٢) النساء : ١١٤.

(٣) الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٢.

(٤) الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٤.

(٥) النهاية : ٣١١ ٣١٢.

٢٦

درهم أقرضها مرّتين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بها مرّة ، وكما لا يحلّ‌ لغريمك أن يمطلك وهو موسر فكذلك لا يحلّ لك أن تستعسره(١) إذا علمت أنّه معسر »(٢) .

مسألة ٢٤ : أداء القرض في الصفة كالقرض ، فإن دفع من غير جنسه ، لم يلزم القبول ؛ لأنّه اعتياض ، وذلك غير واجب.

فإن اتّفقا عليه ، جاز ؛ للأصل.

ولما رواه علي بن محمّد قال : كتبت إليه : رجل له رجل تمر أو حنطة أو شعير أو قطن فلمّا تقاضاه قال : خُذْ بقيمة ما لَك عندي دراهم ، أيجوز له ذلك أم لا؟ فكتب : « يجوز ذلك عن تراضٍ منهما إن شاء الله »(٣) .

إذا ثبت هذا ، فإذا دفع إليه على سبيل القضاء ، حسب بسعر يوم الدفع ، لا يوم المحاسبة ؛ لأنّ محمّد بن الحسن الصفّار كتب إليه في رجل كان له على رجل مال فلمّا حلّ عليه المال أعطاه به طعاماً أو قطناً أو زعفراناً ولم يقطعه على السعر ، فلمّا كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام والزعفران والقطن أو نقص بأيّ السعرين يحسبه لصاحب الدَّيْن ، بسعر يومه الذي أعطاه وحلّ ماله عليه ، أو السعر الثاني بعد شهرين ، أو ثلاثة يوم حاسبه؟ فوقّع « ليس له إلّا على حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام إن شاء الله »(٤) .

____________________

(١) في المصدر : « تعسره ».

(٢) التهذيب ٦ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٤١٨.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٠٥ / ٤٦٩.

(٤) التهذيب ٦ : ١٩٦ / ٤٣٢.

٢٧

إذا عرفت هذا ، فإن دفع لا على وجه القضاء ، فإن كان المدفوع‌ مثليّاً ، كان له المطالبة به فإن تعذّر فبالقيمة يوم المطالبة. وإن لم يكن مثليّاً ، كان له المطالبة بقيمته يوم الدفع ؛ لأنّه يكون قد دفعه على وجه الإقراض.

مسألة ٢٥ : ولو دفع أجود من غير شرط ، وجب قبوله ؛ لأنّه زاده خيراً ، ولم يكن به بأس.

روى أبو الربيع قال : سُئل الصادقُعليه‌السلام : عن رجل أقرض رجلاً دراهم فردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه وقد علم المستقرض إأنّه إنّما أقرضه ليعطيه أجود منها ، قال : « لا بأس إذا طابت نفس المستقرض »(١) .

وفي الحسن عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال : « إذا أقرضت الدراهم ثمّ أتاك بخير منها فلا بأس إن لم يكن بينكما شرط »(٢) .

وكذا إذا أخذ الدراهم المكسّرة فدفع إليه دراهم طازجيّة بالطاء غير المعجمة والزاي المعجمة والجيم ، وهي الدراهم الجيّدة من غير شرط ، كان جائزاً ؛ لما تقدّم.

ولما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح قال : سألت الصادقعليه‌السلام : عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلّة(٣) فيأخذ منه الدراهم الطازجيّة طيبة بها نفسه ، قال : « لا بأس » وذكر ذلك عن عليّعليه‌السلام (٤) .

مسألة ٢٦ : ولو دفع إليه أزيد ، فإن شرط ذلك ، كان حراماً إجماعاً ؛

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٣ ( باب الرجل يقرض الدراهم ) الحديث ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٠ / ٤٤٧.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ / ٤٤٩.

(٣) الدرهم الغلّة : المغشوش. مجمع البحرين ٥ : ٤٣٦ « علل ».

(٤) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ / ٤٥٠.

٢٨

لما روى(١) الجمهور عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو حرام »(٢) .

وإن دفع الأزيد في المقدار من غير شرط عن طيبة نفس منه بالتبرّع ، كان حلالاً إجماعاً ، ولم يكره ، بل كان أفضل للمقرض.

والأصل فيه ما روى العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله اقترض من رجل بَكْراً(٣) ، فقدمت عليه إبلُ الصدقة ، فأمر أبا رافع يقضي الرجل بَكْرَه ، فرجع أبو رافع فقال : لم أجد فيها إلّا جملاً خياراً(٤) رباعيّاُ(٥) ، فقال : « أعطه إيّاه ، إنّ خير الناس أحسنهم قضاءً »(٦) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثمّ يعطي سوداً وزناً وقد عرف أنّها أثقل ممّا أخذ وتطيب نفسه أن يجعل له فضلها ، فقال : « لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط ، ولو وهبها كلّها له صلح »(٧) .

وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال : سألتُ الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يكون عليه جُلّة(٨) من بُسْر فيأخذ جُلّةً من رطب وهو أقلّ منها ،

____________________

(١) في « ي » : « رواه ».

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ نحوه.

(٣) البكر : الفتيّ من الإبل. النهاية - لابن الأثير - ١ : ١٤٩ « بكر ».

(٤) يقال : جمل خيار. أي : مختار. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٩١ « خير ».

(٥) يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رَباعيته : رَباع. وذلك إذا دخل في السنة السابعة. النهاية لابن الأثير ٢ : ١٨٨ « ربع ».

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٤ / ١٦٠٠.

(٧) الكافي ٥ : ٢٥٣ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٨٠ / ٨١٥ ، التهذيب ٦ : ٢٠٠ - ٢٠١ / ٤٤٨ ، بتفاوت يسير.

(٨) الجُلّة : وعاء التمر. الصحاح ٤ : ١٦٥٨ « جلل ».

٢٩

قال : « لا بأس » قلت : فيكون(١) عليه جُلّة من بُسْر فيأخذ جُلّة من تمر وهي أكثر منها ، قال : « لا بأس إذا كان معروفاً بينكما »(٢) .

مسألة ٢٧ : ولا فرق في تسويغ أخذ الأكثر والأجود والأدون والأردأ مع عدم الشرط بين أن يكون ذلك عادةً بينهما أو لا يكون وهو قول أكثر الشافعيّة -(٣) لما تقدّم.

وقال بعضهم : إذا كان ذلك على عادة بينهما ، كان حراماً ، وتجري العادة بينهما كالشرط(٤) .

وهو غلط ، وإذا كان القضاء أكثر مندوباً إليه ، فلا يكون ذلك مانعاً من القرض ، ولا تقوم العادة مقام الشرط.

مسألة ٢٨ : وكذا لو اقترض منه شيئاً ورهن عليه رهناً وأباحه في الانتفاع بذلك الرهن ، كان جائزاً إذا لم يكن عن شرط ؛ لما رواه محمّد بن مسلم في الحسن قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً ويعطيه الرهن إمّا خادماً وإمّا آنيةً وإمّا ثياباً ، فيحتاج إلى شي‌ء من منفعته فيستأذنه فيأذن له ، قال : « إذا طابت نفسه فلا باس » قلت : إنّ مَنْ عندنا يروون أنّ كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو فاسد ، قال : « أو ليس خير القرض ما جرّ المنفعة »(٥) .

وعن محمّد بن عبدة قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن القرض يجرّ

____________________

(١) في « س ، ي » بدل « فيكون » : « فكيف ». وفي الطبعة الحجريّة : « كيف ». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ / ٤٥١.

(٣و ٤ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١١ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.

(٥) الكافي ٥ : ٢٥٥ ( باب القرض يجرّ المنفعة ) الحديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٨١ / ٨١٩ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٤٥٢.

٣٠

المنفعة ، قال : « خير القرض الذي يجرّ المنفعة »(١) .

إذا عرفت هذا ، فلا تنافي بين هذه الأخبار ؛ لأنّا نحمل ما يقتضي التحريمَ على ما إذا كان عن شرط ، والإباحةَ على ما إذا لم يكن عنه ؛ جمعاً بين الأدلة ، ولما تقدّم.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ أقرض رجلاً ورقاً فلا يشترط إلّا مثلها ، وإن جُوزي أجود منها فليقبل ، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابّة أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورقه »(٢) .

مسألة ٢٩ : ولا فرق بين أن يكون مال القرض ربويّاً أو غير ربويّ في تحريم الزيادة مع الشرط ، وعدمه مع غيره ؛ لما تقدّم من أنّه قرض جرّ منفعةً بشرط ، فكان حراماً ، وهو قول جماعة من الشافعية(٣) .

وقال بعضهم : إنّ ما لا يجري فيه الربا تجوز فيه الزيادة ، كما يجوز أن يبيع حيواناً بحيوانين(٤) .

والفرق : أنّ ما فيه الربا يجوز أن يبيع بعضه ببعض وإن كان أحدهما أكثر صفةً ، كبيع جيّد الجوهر برديئه ، والصحيح بالمكسَّر وإن كان ذلك لا يجوز في القرض.

مسألة ٣٠ : مال القرض إن كان مثليّاً ، وجب ردّ مثله إجماعاً. فإن تعذّر المثل ، وجب ردّ قيمته عند المطالبة. وإن لم يكن مثليّاً ، فإن كان ممّا‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٥ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٢ / ٤٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٩ / ٢٢.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٠٣ / ٤٥٧.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

٣١

ينضبط(١) بالوصف - وهو ما يصحّ السلف فيه ، كالحيوان والثياب - فالأقرب : أنّه يضمنه بمثله من حيث الصورة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استقرض « بَكْراً » وردّ « بازلاً »(٢) . والبَكْر : الفتي من الإبل. والبازل : الذي تمّ له ثمان سنين. وروى أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله استقرض « بَكْراً » فأمر بردّ مثله(٣) . وهو قول أكثر الشافعية(٤) .

وقال بعضهم : إنّه يُعتبر في القرض بقيمته ؛ لأنّه لا مثل له ، فإذا ضمنه ضمنه بقيمته ، كالإتلاف(٥) .

والفرق : أنّ القيمة أحضر فأمر به ، وليس كذلك القرض ، فإنّ طريقه الرفق ، فسُومح فيه ، ولهذا يجوز فيه النسيئة وإن كان ربويّاً ، ولا يجوز ذلك في البيع ولا في إيجاب القيمة في الإتلاف.

وأمّا ما لا يُضبط بالوصف - كالجواهر والقسيّ وما لا يجوز السلف - فيه تثبت فيه قيمته ، وهو أحد قولي الشافعيّة ، والثاني : أنّه لا يجوز قرض مثل هذا ؛ لأنّه لا مثل له(٦) .

فإن قلنا : إنّ ما لا مثل له يُضمن بالقيمة ، وكذا ما لا يُضبط بالوصف ، فالاعتبار بالقيمة يوم القبض ؛ لأنّه وقت تملّك المقترض ، وهو أحد قولي الشافعيّة ، وفي الآخَر : أنّه يملك بالتصرّف ، فيعتبر قمية(٧) يوم القبض أيضاً‌ على أحد الوجهين ، وعلى الثاني : بالأكثر من يوم القبض إلى يوم

____________________

(١) في « س ، ي » : « يضبط ».

(٢) نقله الغزّالي في الوسيط ٣ : ٤٥٧ ، والوجيز ١ : ١٥٨ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٤ / ١٦٠٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤.

(٧) في الطبعة الحجريّة : « قيمته ».

٣٢

التصرّف(١) .

وقال بعض الشافعيّة : بالأكثر من يوم القبض إلى يوم التلف(٢) .

فإن اختلفا في القيمة ، قدّم قول المستقرض مع يمينه ؛ لأنّه غارم.

البحث الثاني : في أركان القرض‌

أركان القرض ثلاثة :

الأوّل : الصيغة الصادرة من جائز التصرّف.

ويعتبر فيه أهليّة التبرّع ؛ لأنّ القرض تبرّع ، ولهذا لا يُقرض الوليّ مالَ الطفل ، إلّا لضرورة.

وكذلك لا يجوز شرط الأجل ؛ لأنّ المتبرّع ينبغي أن يكون بالخيار في تبرّعه ، وإنّما يلزم الأجل في المعاوضات.

والإيجاب لا بُدَّ منه ، وهو أن يقول : أقرضتك ، أو أسلفتك ، أو خُذْ هذا بمثله ، أو خُذْه واصرفه فيما شئت وردَّ مثله ، أو ملّكتك على أن تردّ بدله.

ولو اقتصر على قوله : ملّكتك ، ولم يسبق وعد القرض ، كان هبةً.

فإن اختلفا في ذكر البدل ، قُدّم قول المقترض ؛ لأصالة عدم الذكر.

أمّا لو اتّفقا على عدم الذكر واختلفا في القصد ، قُدّم قول صاحب المال ؛ لأنّه أعرف بلفظه ، والأصل عصمة ماله ، وعدم التبرّع ، ووجوب الردّ على الآخذ بقولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي »(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٨ - ٣٧٩.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ / ٢٤٠٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي =

٣٣

ويُحتمل تقديم دعوى الهبة ؛ قضيّةً للظاهر من أنّ التمليك من غير عوض هبة.

وأمّا القبول فالأقرب أنّه شرط أيضاً ؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير ، وافتقار النقل فيما فيه الإيجاب إلى القبول ، كالبيع والهبة وسائر التمليكات(١) ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، والثاني : أنّه لا يشترط ؛ لأنّ القرض إباحة إتلاف على سبيل الضمان ، فلا يستدعي القبول(٢) .

ولا بُدَّ من صدوره من أهله كالإيجاب ، إلّا أنّ القبول قد يكون قولاً ، وقد يكون فعلاً.

مسألة ٣١ : لا يلزم اشتراط الأجل في الدَّيْن الحالّ ، فلو أجلّ الحالّ لم يتأجّل ، وكان له المطالبة في الحال ، سواء كان الدَّيْن ثمناً أو قرضاً أو إجارةً أو غير ذلك وبه قال الشافعي -(٣) لأنّ التأجيل زيادة بعد العقد ، فلا يلحق به ، كما لا يلحق به في حقّ الشفيع. ولأنّه حطّ بعد استقرار العقد ، فلا يلحق به ، كحطّ الكلّ. ولأنّ الأصل عدم اللزوم ؛ إذ قوله : قد أجّلت ، ليس بعقدٍ ناقل ، فيبقى على حكم الأصل.

وقال أبو حنيفة : إن كان ثمناً ، يثبت(٤) فيه التأجيل والزيادة والنقصان ، ويلحق بالعقد ، إلّا أن يحط الكلّ ، فلا يلحق بالعقد ، ويكون

____________________

= ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، سن البيهقي ٦ : ٩٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٧ ، مسند أحمد ٥ : ٦٤١٠ / ١٩٦٤٣ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ١٤٦ / ٦٠٤.

(١) في النسخ الخطّيّة الحجريّة : « التملّكات ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٥٢ ، الوجيز ١ : ١٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٣.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٧.

(٤) في « ث ، ي » : « ثبت ».

٣٤

إبراءً. وكذا في الاُجرة والصداق وعوض الخلع ، فأمّا القرض وبدل المتلف فلا يثبت فيه(١) .

وقال مالك : يثبت الأجل في الجميع ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند‌ شروطهم »(٢) .

ولأنّ المتعاقدين يملكان التصرّف في هذا العقد بالإقالة والإمضاء ، فملكا فيه الزيادة والنقصان، كما لو كانا في زمن الخيار أو المجلس(٣) .

ولا دلالة في الخبر ؛ إذ لا يدلّ على الوجوب ، فيُحمل على الاستحباب بالأصل.

ولا يشبه هذا الإقالةَ ؛ لأنّ هذا لا يجوز أن يكون فسخاً للأوّل وابتداء عقدٍ ؛ لأنّه لم يوجد منه لفظ الفسخ ولا التمليك.

وأمّا زمان الخيار فكذلك أيضاً ؛ لأنّ الملك قد انتقل إلى المشتري عندنا ، فلا تثبت الزيادة.

وعند الشيخ أنّ العقد لم يستقرّ ، فيجوز فيه ما لا يجوز بعد استقراره ، كما يجوز فيه قبض رأس مال السَّلم وعوض الصرف.

وعلى مذهب مالك أنّ هذا الحقّ يثبت حالّاً ، والتأجيل تطوّع من جهته ووَعْدٌ ، فلا يلزم الوفاء به ، كما لو أعاره داره سنةً ، كان له الرجوع.

قال مالك : يثبت الأجل في القرض ابتداءً وانتهاءً ، أمّا ابتداءً فبأن يُقرضه مؤجّلاً ، وأمّا انتهاءً فبأن يُقرضه حالّاً ثمّ يؤجّله(٤) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١/١٥٠٣ ، الاستبصار ٣: ٢٣٢/٨٣٥ ، الجامع لاحكام القران ٦ : ٣٣.

(٣) الذخيرة ٥ : ٢٩٥ ، الوسيط ٣ : ٤٥١ ، المغني ٤ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١.

٣٥

الركن الثاني : المال.

مسألة ٣٢ : الأموال إمّا من ذوات الأمثال أو من ذوات القِيَم.

والأوّل(١) يجوز إقراضه إجماعاً.

وأمّا الثاني فإن كان ممّا يجوز السَّلَم فيه ، جاز إقراضه أيضاً. وإن لم يكن ممّا يجوز السَّلَم فيه ، فقولان تقدّما(٢) .

وهل يجوز إقراض الجواري؟

أمّا عندنا فنعم - وهو أحد قولي الشافعي -(٣) للأصل. ولأنّه يجوز إقراض العبيد فكذا الجواري. ولأنّه يجوز السلف فيها فجاز قرضها ، كالعبيد ، وبه قال المزني وداوُد(٤) .

وأظهرهما عندهم : المنع ؛ لنهي السلف عن إقراض الولائد. ولأنّه لا يستبيح الوطؤ بالقرض ؛ لأنّه ملك ضعيف لا يمنعه من ردّها على المقرض ، ولا يمنع المقرض من أداها منه ، ومثل ذلك لا يستباح به الوطؤ ، كما لا يستبيح المشتري الوطء في مدّة خيار البائع. ولأنّه يمكنه(٥) ردّها بعد الوطئ ، فيكون في معنى الإعارة للوطئ ، وذلك غير جائز ، وإذا

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « فالأوّل ».

(٢) في ص ٣١ ، المسألة ٣٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي ١ : ٣١٠ ، الوسيط ٣ : ٤٥٢ ، الوجيز ١ : ١٥٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٦ ، التهذيب - للبغوي ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، المحلى ٨ : ٨٢ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « لا يمكنه » بزيادة « لا ». وهو غلط.

٣٦

ثبت أنّه لا يحلّ وطؤها ، لم يصحّ القرض ؛ لأنّ أحداً لا يفرّق بينهما. ولأنّ الملك إذا لم يستبح[به](١) الوطؤ لم يصح ؛ لانّه من المنافع المقصودة به ، بخلاف ما إذا كانت محرّمةً عليه فاشتراها ؛ لأنّ الوطء محرّم من جهة الشرع ، وهنا التمليك لا يستباح به ، فهو بمنزلة العقد الفاسد ، وفي هذا انفصال عن السَّلم والعبد ، ولا يلزم المكاتب إذا اشترى أمةً(٢) .

ونهي السلف ليس حجّةً. ونمنع عدم استباحة الوطئ ، والردّ من المقترض لا يوجب ضعف ملكه. ونمنع عدم منع المقرض من استراد العين ؛ لأنّ القرض عندنا يُملك بالقبض. وإمكان الإعادة بعد الوطي لا يوجب مماثلتها للإعارة.

قال بعض الشافعيّة : القولان مبنيّان على الخلاف في أنّ القرض بِمَ يُملك؟ وفي كيفيّة البناء طريقان :

قال قائلون : إن قلنا : يُملك بالقبض ، جاز إقراضها ، وإلّا فلا ؛ لما في إثبات اليد من غير مالكٍ من خوف الوقوع في الوطئ.

وقال بعضهم : إنّا إن قلنا : يُملك بالقبض ، لم يجز إقراضها أيضاً ؛ لأنّه إذا ملكها فربّما يطؤها ثمّ يستردّها المقرض ، فيكون ذلك في صورة إعارة الجواري للوطي. وإن قلنا : لا يُملك بالقبض فيجوز ؛ لأنّه إذا لم يملكها لم يطأها(٣) .

تذنيب : الخلاف المذكور إنّما هو في الجارية التي يحلّ للمستقرض وطؤها ، أمّا المحرَّمة بنسبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرة فلا خلاف في جواز

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجريّة : « منه». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، المغني ٤ : ٣٨٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٥ - ٣٨٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤: ٤٣١.

٣٧

إقراضها منه.

إذا ثبت هذا ، فإذا اقترض مَنْ ينعتق عليه ، انعتق بالقبض ؛ لأنّه حالة الملك.

مسألة ٣٣ : يجوز قرض الحيوان ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي(١) - للأصل. ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله اقترض « بَكْراً » وردّ « بازلاً »(٢) . ولأنّه يثبت في‌ الذمّة بعقد السَّلَم ، فجاز أن يثبت في الذمّة بعقد القرض ، كالمكيل والموزون.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز القرض إلّا فيما له مثل من الأموال ، كالمكيل والموزون ؛ لأنّ ما لا مثل له لا يجوز قرضه ، كالجواهر والإماء(٣) .

ويُمنع حكم الأصل على ما تقدّم.

ولأنّ عند أبي حنيفة لو أتلف ثوباً ، ثبت في ذمّة المـُتْلِف مثله ، ولهذا جوّز الصلح عنه على أكثر من قيمة المـُتْلَف(٤) .

ولو سلّمنا الحكم في الجواهر ، فلأنّه لا يثبت في الذمّة سَلَماً ، بخلاف المتنازع.

ولو سلّمنا المنع في الأمة ، فلاحن القرض ملكٌ ضعيف ، فلا يباح به الوطؤ ، فلا يصحّ الملك. على أنّ الحقّ عندنا منع الحكم في الأصل.

مسألة ٣٤ : يجوز إقراض الخبز ، عند علمائنا - وهو أحد قولي

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٤ / ١٠٨٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٦ ، الهامش (٣)

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٩٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.

(٤) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.

٣٨

الشافعي ، وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل(١) - للحاجة العامّة إليه ، وإطباق الناس عليه.

ولأنّ الصباح بن سيابة سأله الصادقَعليه‌السلام : إنّا نستقرض الخبز من الجيران فنردّ أصغر أو أكبر، فقالعليه‌السلام : « نحن نستقرض الستّين والسبعين عدداً فتكون فيه الصغيرة والكبيرة فلا بأس»(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز - وهو القول الآخَر للشافعي - لأنّه ليس من ذوات الأمثال(٣) .

ونمنع حصر القرض في المثلي على ما تقدّم.

تذنيب : يجوز ردّ مثله عدداً أو وزناً وبه قال محمد بن الحسن(٤) للحديث السابق. ولقضاء العادة به.

وقال أبو يوسف : يردّ وزناً(٥) . وهو أحد قولي الشافعي(٦) . ولا بأس به.

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، المبسوط للسرخسي ١٤ : ٣١ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٦٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٩.

(٢) الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٣.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ١٤ : ٤٠١ ، بدائع الصنائع ٧ : ٣٩٥ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠١ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٩.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ١٤ : ٣١ ، بدائع الصنائع ٧ : ٣٩٥ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٦٦.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ١٤ : ٣١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠١.

(٦) راجع الهامش (٢ و ٣ ) من ص ٣٩.

٣٩

وللشافعي قولٌ آخَر : إنّه يجب ردّ القيمة(١) .

والأصل في الخلاف أنّهم إن قالوا : يجب في المتقوّمات المثلُ من حيث الصورة ، وجب الردّ وزناً. وإن قالوا : تجب القيمة ، وجب هنا القيمة(٢) .

فإن شرط ردّ المثل ، فللشافعّية - على تقدير وجوب القيمة - وجها في جواز الشرط وعدمه(٣) .

مسألة ٣٥ : يجب في المال أن يكون معلوم القدر ليمكن قضاؤه.

ويجوز إقراض المكيل وزناً والموزون كيلاً كما في السلف ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٤) .

وقال القفّال : لا يجوز إقراض المكيل بالوزن ، بخلاف السَّلَم ، فإنّه لا يسوّى بين رأس المال والمـُسْلَم فيه. وزاد فقال : لو أتلف مائة منٍّ من الحنطة ، ضمنها بالكيل. ولو باع شقصاً. مشفوعاً بمائة منٍّ من الحنطة ، يُنظر كم هي بالكيل ، فيأخذه الشفيع بمثلها كيلاً(٥) .

والأصحّ في الكلّ الجواز.

الركن الثالث : الشرط.

يشترط في القرض أن لا يجرّ المنفعة بالقرض ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠١.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، وانظر : التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

٤٠

عنه(١) ، فلا يجوز أن يقرضه بشرط أن يردّ الصحيح عن المكسّر ، ولا الجيّد عن الردئ ، ولا زيادة في الربوي ، وكذا في غيره عندنا.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : الجواز ؛ لأنّ عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن أُجهّز جيشاً فنفدت الإبل ، فأمرني أن آخذ بعيراً ببعيرين إلى أجل(٢) (٣) .

وهو محمول على السَّلَم ، ولهذا قال : « إلى أجل » والقرض لا يتأجّل.

ولو قيل بالجواز ، كان وجهاً ، ويُحمل النهي على الربوي ، فإن شرط ذلك في القرض ، فسد ، ولم يفد جواز التصرف للمقترض.

مسألة ٣٦ : يجوز أن يقرضه شيئاً بشرط أن يقضيه في بلدٍ آخَر ، عند علمائنا - وهو وجهٌ عند بعض الشافعية(٤) - لعدم الزيادة ، وجرِّه النفعَ ، لأنّه قد يكون أضرّ.

ولما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادقَعليه‌السلام في الرجل يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إيّاه بأرضٍ أُخرى ويشترط ، قال : « لا بأس »(٥) .

وفي الصحيح عن أبي الصباح عن الصادقعليه‌السلام في الرجل(٦) يبعث بماله إلى أرضٍ ، فقال الذي يريد أن يبعث به معه : أقرضنيه وأنا أُفيك إذا

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٤٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٢٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥ - ٢٧٦.

(٥) الكافي ٥ : ٢٥٥ ( باب الرجل يعطي الدراهم ) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٠٣ / ٤٥٩.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة زيادة : « يسلف الرجل الورق على أن ينقدها ». والظاهر أنّها من زيادة النسّاخ علماً بأنّها لم ترد في المصدر.

٤١

قدمت الأرض ، قال : « لا بأس بهذا »(١) .

ومَنَع أكثر الشافعيّة منه ؛ لما فيه من دفع خطر الطريق ، ولو شرط ، كان القرض فاسداً(٢) .

ولو ردّه أزيد أو في بلدٍ آخَر أو أجود من غير شرط ، جاز إجماعاً ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « خياركم أحسنكم قضاءً »(٣) رواه العامّة.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه ابن بابويه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس من غريم ينطلق من عنده(٤) غريمة راضياً إلاّ صلّت عليه دوابّ الأرض ونون البحور ، وليس من غريم ينطلق صاحبه غضبان وهو مليء إلّا كتب الله عزّ وجلّ بكلّ يوم يحبسه أو ليلة ظلماً »(٥) .

مسألة ٣٧ : لو أقرضه بشرط أن يردّ عليه أردأ أو ردّ المكسَّر عن الصحيح ، لغا الشرط.

وفي فساد العقد للشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لأنّه على خلاف قضيّة العقد كشرط الزيادة.

وأصحّهما عندهم : لا ؛ لأنّ المنهيّ عنه جرّ المقرض المنفعة إلى نفسه ، وهنا لا نفع للمقرض في الشرط ، بل للمقترض النفع ، فكأنّه زاد في المسامحة ووعده وَعْداً حسناً(٦) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٦ ( باب الرجل يعطي الدراهم ) الحديث ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٣ / ٤٥٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٥٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٥٢ ، و ٦ : ٢١ ، مسند أحمد ٣ : ٢٤٩ / ٩٨١٤.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة « عند ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الفقيه ٣ : ١١٣ / ٤٨٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.

٤٢

وقال بعض الشافعيّة : يصحّ الشرط(١) .

والأقوى عندي صحّته لا لزومه ، كما لو شرط التأجيل.

ولو شرط تأخير القضاء وضرب له أجلاً ، نُظر إن لم يكن للمقرض فيه غرض ، فهو كشرط ردّ المكسَّر عن الصحيح. وإن كان له فيه غرض بأن كان زمان نهب والمقترض مليّء ، فهو كالتأجيل لغرضٍ(٢) ، أو كشرط ردّ الصحيح عن المكسّر؟ فيه وجهان ، أظهرهما عندهم : الثاني(٣) .

مسألة ٣٨ : يجوز أن يقرضه بشرط الرهن أو الكفيل أو بشرط الإشهاد أو الإقرار به عند الحاكم ؛ لأنّ ذلك من التوثيق وإحكام الحجّة ، فليست منافع ماليّة.

ولو شرط رهناً بدَيْنٍ آخَر ، فالأقرب عندي : الجواز ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم»(٤) .

وقالت الشافعيّة : إنّه كشرط زيادة الصفة(٥) . وهو ممنوع.

مسألة ٣٩ : القرض عقد قابل للشروط السائغة ، فلو أقرضه شيئاً بشرط أن يقرضه مالاً آخَر ، صحّ ، ولم يلزمه ما شرط ، بل هو وَعْدٌ وَعَده.

وكذا لو وهب منه ثوباً بشرط أن يهب منه غيره.

وكذا لو أقرضه بشرط أن يقترض منه أو يبيعه بثمن المثل أو بدونه

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.

(٢) كذا ، والظاهر : « لغير لغرضٍ » كما في روضة الطالبين : أو «لغير غرضٍ» كما في العزيز شرح الوجيز.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ - ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.

٤٣

أو يسلفه أو يستسلف منه ، ولكن لا يلزم ذلك.

أمّا إذا باع بشرط قرض أو هبة أو بيعٍ آخَر ، فإنّه يجوز - عندنا - البيع والشرط ، وقد تقدّم(١) .

وقالت الشافعيّة : يفسد البيع ؛ لأنّهما(٢) جَعَلا رِفْقَ القرض أو الهبة أو البيع مع العشرة المذكورة - مثلاً - ثمناً ، والشرط لغو ، فيسقط بسقوطه بعض الثمن ، ويصير الباقي مجهولاً(٣) .

وفي وجهٍ للشافعيّة : أنّ الإقراض بشرط الإقراض كالبيع بشرط‌ الإقراض(٤) .

ولو شرط الأجل ، لغا الشرط ، ولم يفسد القرض.

البحث الثالث : في حكم القرض.

مسألة ٤٠ : لا خلاف في أنّ المستقرض يملك القرض ، وفي الموجب للملك خلاف. فعندنا أنّه يملك(٥) بالقبض - وهو أصحّ قولي الشافعيّة(٦) - لأنّه قبض لا يجب عليه يتعلّق به جواز التصرّف ، فوجب أن يتعلّق به الملك ، كالقبض في الهبة. ولأنّه إذا قبضه ، ملك التصرّف فيه من

____________________

(١) في ج ١٠ ص ٢٥٠ ، المسألة ١١٨.

(٢) أي البائع والمشتري.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٤.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « يملك »

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٣ ، الوسيط ٣ : ٤٥٥ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

٤٤

جميع الوجوه ، ولو لم يملكه لما ملك التصرّف فيه. ولأنّ الملك في الهبة يحصل بالقبض ففي القرض أولى ؛ لأنّ للعوض مدخلاً فيه.

والثاني : أنّه يملك بالتصرّف ؛ لأنّه ليس تبرّعاً محضاً ؛ إذ يجب فيه البدل ، وليس على حقائق المعاوضات ، فوجب أن يملكه بعد استقرار بدله. ولأنّ العين ما دامت باقية في يده كان للمالك أن يرجع فيها ، وللمقترض أن يردّها ، وهو يدلّ على أنّه لم يملكها ، وأنّها كالعارية في يده(١) .

ونمنع وقف التملّك على استقرار بدله.

سلّمنا ، لكنّه يستقرّ بالقبض.

ونمنع أنّ للمالك الرجوع في العين.

وأمّا دفع المقترض للعين فكدفعه للبدل ، فكما لا يقال : إنّ لا يخرج عن ملكه لجواز دفعه ، كذا مال القرض.

مسألة ٤١ : عندنا أنّ المستقرض يملك بالقبض ، فليس للمقرض أن يرجع فيه مع بقائه في يد المستقرض بحاله - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) - صيانةً لملكه ، وله أن يؤدّي حقّه من موضعٍ آخَر ؛ لانتقال الواجب إلى البدل من المثل أو القيمة.

وأظهر وجهي الشافعيّة : أنّ للمقرض الرجوع في العين مع وجودها وإن ملك المستقرض بالقبض ؛ لأنّه يتمكّن من تغريمه بدل حقّه عند

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٣ ، الوسيط ٣ : ٤٥٦ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

٤٥

الفوات فلأن يتمكّن من مطالبته بعينه كان أولى ، ولا يبعد أن يرجع فيما ملكه غيره ، كما يرجع الواهب في الهبة(١) .

والحقّ الأوّل ، وإنّما تمكّن من تغريمه بدل حقّه ؛ لانتقال الواجب في الذمّة بالقبض إليه ، كما يملك البائع الثمن بعقد البيع ، وليس له الرجوع في العين.

والفرق بينه وبين الهبة أنّ الواهب ليس له الرجوع على المتّهب بعوض الهبة ، بخلاف القرض.

مسألة ٤٢ : يجب على المستقرض دفع مال القرض الحالّ عند المطالبة ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال مالك : ليس للمقرض الرجوع فيما أقرضه حتى يقضي المستقرض وطره منه ، أو يمضي زمان يسع لذلك(٣) .

ولو ردّ المستقرض العين التي اقترضها ، وجب على المـُقرض القبول لا محالة.

مسألة ٤٣ : قد بيّنّا أنّ المستقرض يملك بالقبض بعد العقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

والقول الآخَر : إنّه يملك بالتصرّف على معنى أنّه إذا تصرّف تبيّن لنا ثبوت الملك قبله ، وهذا يدلّ على أنّ الملك لم يحصل بالتصرّف ، بل بسببٍ آخَر قبله.

ثمّ في ذلك التصرّف وجوه :

أظهرها : أنّ كلّ تصرّف يزيل الملك.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٥.

٤٦

والثاني : كلّ تصرف يتعلّق بالرقبة.

[ و ] الثالث : كلّ تصرّف يستدعي الملك.

فعلى الوجوه يكفي البيع والهبة والإعتاق والإتلاف ، ولا يكفي الرهن والتزويج والإجارة وطحن الطعام وخبز الطحين وذبح الشاة على الوجه الأوّل ، ويكفي ما سوى الإجارة عيل الثاني ، وما سوى الرهن على الثالث ؛ لأنّه يجوز أن يستعير الرهن فيرهنه ، كما سيأتي(١) .

وقال بعضهم ضابطاً في ذلك ، وهو : أنّ التصرّف الذي يملك به‌ القرض هو الذي يقطع رجوع الواهب والبائع عند إفلاس المشتري(٢) .

وإذا فرّعنا على الوجه الأوّل ، فهل يكفي البيع بشرط الخيار؟ إن قلنا : إنّه لا يزيل الملك ، فلا. وإن قلنا : إنّه يزيله ، فوجهان ؛ لأنّه لا يزيل بصفة اللزوم(٣) .

تذنيب : إذا كان المال حيواناً ، ملكه المقترض بالإقباض ، فإذا قبضه كانت نفقته على المقترض ، وهو أحد قولي الشافعي ، والآخَر : نفقته على المالك ؛ لأنّ الملك إنّما يحصل بالتصرّف ، فإذا تصرّف المقترض كانت النفقة عليه من تلك الحال(٣) .

تذنيبٌ آخَر : لو استقرض مَنْ ينعتق عليه ، انعتق بالقبض عندنا.

ومَنْ قال : إنّ الملك بالتصرّف ينعتق بالتصرّف.

مسألة ٤٤ : إذا اقترض نصف دينار مكسوراً فأعطاه المقترض ديناراً

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

٤٧

صحيحاً عن قرضه نصف دينار والباقي يكون وديعةً عنده وتراضيا ، جاز ؛ لأنّه زاده خيراً. وإنّما شرطنا المراضاة ؛ لأنّ الشركة عيب ، والكسر عيب ، فافتقر إلى المراضاة ، فإنّ المقرض كان له ذلك ؛ لأنّ هذا وإن كان خيراً من حقّه إلّا أنّ فيه نقصان الشركة والتزام الوديعة.

فإن رضي واتّفقا على كسره ، لم يجز ؛ لأنّ ذلك قسمة إضرار ، إلّا مع الحاجة وعدم الراغب في شرائه بمكسورين.

وإذا اتّفقا على أن يكون نصفه قضاءً ونصفه قرضاً أو ثمناً أو قضاءً لنصف آخَر مكسور ، وجب القول ؛ لأنّه زاده خيراً ، جاز(١) ؛ للأصل.

مسألة ٤٥ : قد بيّنّا أنّ الدَّيْن الحالّ لا يتأجّل بالتأجيل ، إلّا أن يجعل التأجيل شرطاً في عقدٍ لازم ، كالبيع وشبهه ، مثل : أن يقول : بعتك كذا بشرط أن تصبر عليَّ بالدَّيْن الحالّ كذا ، أو اشترى على هذا الشرط ، فإنّه يبقى لازماً ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٢) .

وإذا دفع المقترض أو المديون المال قبل الأجل ، لم يجب على صاحبه قبضه ، سواء كان عليه في ذلك ضرر أو لا.

ولو مات المديون وكان الدَّيْن مؤجّلاً ، حلّ الأجل بموته ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ٤٦ : إذا ردّ المقترض العينَ في المثلي ، وجب القبول ؛ لأنّها(٣) أقرب إلى الحقّ من المثل(٤) ، سواء رخصت أولا.

____________________

(١) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه ».

(٤) في الطبعة الحجرّية : « والمثل » بدل « من المثل ».

٤٨

أمّا غير المثلي فإذا(١) دفعه بعينه ، هل يجب على المالك القبول؟ يحتمل ذلك ؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما كان لتعذّر العين وقد وُجدت ، فلزمه القبول مع الدفع.

ولا يجب على المقترض الدفع ، بل له دفع القيمة وإن كانت العين موجودةً ؛ لأنّه قد ملكها بالقبض ، وانتقل إلى ذمّته قيمة العين لا نفسها. وعلى هذا يحتمل أن لا يجب على المالك قبول العين لو دفعها المقترض بحالها إليه ؛ لأنّ حقّه القيمة.

وللمالك مطالبة المقترض بالجميع مع الحلول وإمكان الأداء وإن‌ أقرضه تفاريق.

ولو أقرضه جملةً فدفع إليه تفاريق ، وجب القبول.

مسألة ٤٧ : لو اقترض جاريةً ، جاز له وطؤها مع القبض ؛ لأنّه قد ملكها. فإذا وطئها ، جاز له ردّها على مالكها مجّاناً ؛ إذ لا عوض عليه في وطئه حيث صادف ملكاً.

ولو حملت ، صارت أُمّ ولد ، ولم يجز دفعها ، بل يجب دفع قيمتها.

فإن دفعها جاهلاً بحملها ثمّ ظهر الحمل ، استردّها.

وهل يرجع بمنافعها؟ إشكال.

ويدفع قيمتها يوم القرض ؛ لأنّه الواجب عليه ، لا يوم الاسترداد ؛ لظهور فساد الدفع.

مسألة ٤٨ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز إقراض المجهول ؛ لتعذّر الردّ ، فلو أقرضه دراهم أو دنانير غير معلومة الوزن أو قبّة من طعام غير معلومة الكيل

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إذا ».

٤٩

ولا الوزن أو قدرها بمكيال معيّن أو صنجة معيّنة غير معروفين عند الناس ، لم يصح.

فإن تلفت العين ، تصالحا ؛ إذ ثبت له في ذمّة المقترض مال ولا يعلم أحدهما قدره ، ويتعذّر إبراء الذمّة إلّا بالصلح ، فيكون الصلح متعيّناً.

ولو ادّعى المالك العلم ، لم يُقبل منه إلّا بالبيّنة.

ولو ادّعى الغريم العلم ، قُبل قوله مع اليمين ؛ لأنّه غارم.

مسألة ٤٩ : قد ذكرنا أنّه يجوز أن يقرضه في بلدٍ ويشترط ردّه في غيره.

ولو لم يشترط شيئاً ، اقتضى الإطلاق أداء المثل في بلد القرض. فإن شرط القضاء في بلدٍ آخَر ، جاز ، سواء كان في حملة مؤونة أم لا.

ولو طالبه المقرض من غير شرط في غير البلد أو فيه مع شرط غيره ، وجب الدفع.

ولو دفع في غير بلد الإطلاق أو الشرط ، وجب القبول على إشكال.

مسألة ٥٠ : لو اشترى منه سلعة بدراهم اقترضا المشتري من البائع فخرجت الدراهم زيوفاً ، فإن كان الشراء بالعين وكان البائع عالماً بالعيب ، صحن البيع ، وكان على المقترض ردّ مثل الزيوف.

ولو كان الشراء في الذّمة ، كان للبائع مطالبته بالثمن سليماً ، وللمشتري احتساب ما دفعه ثمناً عن القرض.

ولو لم يكن البائع عالماً بعيب الدراهم وكان الشراء بالعين ، كان له فسخ البيع.

تذنيب : لو قال المقرض : إذا متُّ فأنت في حلٍّ ، كان وصيّةً تمضى

٥٠

من الثلث. أمّا لو قال : إن متَّ فأنت في حلٍّ ، كان إبراءً باطلاً ؛ لأنّه علّقه على شرط.

مسألة ٥١ : لو اقترض ذمّيٌّ من مثله خمراً أسلم أحدهما ، سقط القرض ؛ إذ لا يجب على المسلم أداء الخمر ، ولا قيمة ؛ لأنّه من ذوات الأمثال ، ولا يجوز للمسلم المطالبة به. أمّا لو أقرض الذمّيُّ ذمّيّاً خنزيراً ثمّ أسلم أحدهما ، كان لصاحبه المطالبةُ بالقيمة ؛ لأنّ الخنزير من ذوات القِيَم ، لا من ذوات الأمثال ، فالذمّيّ لمـّا اقترض الخنزير وجب عليه بالقبض قيمته ، والخمر يجب عليه وقت القبض مثله.

مسألة ٥٢ : لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان وجاء بدراهم‌ غيرها ، لم يكن عليه إلّا الدراهم الاُولى ؛ لأنّها من ذوات الأمثال ، فكانت مضمونةً بالمثل. فإن تعذّر المثل ، كان عليه قيمتها وقت التعذّر.

ويحتمل وقت القرض من غير الجنس ، لا من الدراهم الثانية ، حذراً من التفاضل في الجنس المتّحد.

والمعتمد : الأوّل.

قال الشيخرحمه‌الله : ومَنْ أقرض غيره دراهم ثمّ سقطت تلك الدراهم وجاءت غيرها ، لم يكن له عليه إلّا الدراهم التي أقرضها إيّاه ، أو سعرها بقيمة الوقت الذي أقرضها فيه(١) .

وقد روى يونس - في الصحيح قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه كان لي على رجل دراهم وإنّ السلطان أسقط تلك الدراهم

____________________

(١) النهاية : ٣٨٤.

٥١

وجاءت دراهم أعلى(١) من تلك الدراهم الاُولى ولهم(٢) اليوم وضيعة ، فأيّ شي‌ء لي عليه؟ الاُولى التي أسقطها السلطان ، أو الدراهم التي أجازها السلطان؟ فكتب : « الدراهم الاُولى »(٣) .

وفي الصحيح عن صفوان قال : سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل وسقطت تلك الدراهم أو تغيّرت ولا يباع بها شي‌ء ، ألصاحب الدراهم الدراهمُ الاُولى أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟ قال : فقال : « لصاحب الدراهم الدراهمُ الاُولى »(٤) .

قال الصدوقرحمه‌الله عقيب رواية يونس : كان شيخنا محمد بن الحسنرضي‌الله‌عنه يروي حديثاً في أنّ له الدراهم التي تجوز بين الناس.

قال : والحديثان متّفقان غير مختلفين ، فمتى كان له على رجل دراهم بنقدٍ معروف فليس له إلّا ذلك النقد ، ومتى كان له على رجل دراهم بوزنٍ معلوم بغير نقدٍ معروف فإنّما له الدراهم التي تجوز بين الناس(٥) .

فروع :

أ - لو جعل السلطان قيمتها أقلّ ، كان الحكم فيه كما في إسقاطها.

ب - لو كان رأس مال المضاربة دراهم معيّنة ثمّ أسقط السلطان تلك الدراهم ، احتمل أن يكون رأس المال تلك الدراهم بعينها التي أسقطها

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة والاستبصار : « أغلا ».

(٢) في الاستبصار : « ولها » بدل « ولهم ».

(٣) التهذيب ٧ : ١١٧ / ٥٠٧ ، الاستبصار ٣ : ٩٩ / ٣٤٣ ، وفي الفقيه ٣ : ١١٨ / ٥٠٣ بتفاوت.

(٤) التهذيب ٧ : ١١٧ / ٥٠٨ ، الاستبصار ٣ : ٩٩ ١٠٠ / ٣٤٤.

(٥) الفقيه ٣ : ١١٨ / ٥٠٤.

٥٢

السلطان ؛ لأنّها المدفوعة مضاربةً.

ويحتمل جبر النقص بالربح ؛ لأنّه من الخسران.

ج - لو تبايعا والنقد في البلد تلك الدراهم ثمّ سقطت ، لم يكن للبائع إلّا النقد الأوّل الجاري بين الناس وقت العقد.

ولو تعاملا بعد النقص والعلم ، فلا خيار للبائع.

وإن كان قبل العلم ، فالوجه : ثبوت الخيار للبائع ، سواء تبايعا في بلد السلطان أو غيره ؛ لأنّه عيب حدث بعد العقد وقبل الإقباض.

* * * * *

٥٣

الفصل الرابع في مداينة العبد معاملاته.

وفيه مباحث :

الأوّل : في غير المأذون.

العبد إمّا أن يأذن له مولاه في الاستدانة أو لا ، والثاني إمّا أن يكون مأذوناً له في التجارة أو لا ، فالأقسام ثلاثة قدّم منها البحث عن غير المأذون له في التجارة ولا في الاستدانة.

وهذا إن استدان شيئاً ، لم يلزم مولاه منه شي‌ء ، بل يتبعه المدين إذا اُعتق رجع عليه بما لَه عليه إن كان ذا مال. وإن ما تعبداً ، سقط الدَّيْن بلا خلاف.

ولو كان المال - الذي استدانه بغير إذن مولاه موجوداً ، استُعيد به ، فإن تلف ، تبع به بعد العتق.

ولا فرق بين أن يكون صاحب المال عالماً بعبوديّة أو جاهلاً.

وكذا إن اشترى في ذمّته بغير إذن مولاه.

وهل يصّح عقد الشراء أو القرض؟ الأولى المنع ؛ لأنّه محجور عليه. ولأنّه سيأتي(١) أنّ العبد لا يملك شيئاً ، وبه قال بعض الشافعيّة ؛ لأنّه عقد معاوضة ، فلا يصّح من العبد بغير إذن سيّده ، كالنكاح(٢) .

____________________

(١) في ص ٥٨ ، المسألة ٥٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٨ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

٥٤

وقال بعضهم : يصحّ ؛ لأنّ العبد رشيد وإنّما لا يملك شيئاً ، فإذا تصرّف في ذمّته على وجه لا يستضرّ به السيّد ، كالحُرّ المعسر ، بخلاف‌ النكاح ؛ لأنّ فيه إضراراً بالمولى ، لأنّ النفقة تتعلّق بكسبه ، وكذا المهر(١) .

مسألة ٥٣ : لو اقترض بغير إذن ، فإن قلنا بالجواز ، فللبائع والمقرض الرجوع فيه إذا كان في يد العبد ؛ لأنّه قد تحقّق إعساره ، فكان للبائع الرجوعُ ، وبه قال الشافعي(٢) .

وفيه إشكال من حيث إنّ المقرض والبائع عالمان بإعساره ، فلم يكن لهما الرجوع في العين ، كما لو باع المـُعْسرَ مع علمه بإعساره وحجر الحاكم عيلة.

وإن كان قد تلف في يده ، فقد استقرّ الثمن وعوض القرض عليه في ذمّته يتبع به بعد العتق واليسار.

ولو كان سيّده قد أخذه منه ، فقد ملكه ؛ إذ كلّ ما يملكه العبد لمولاه ، ولم يكن للبائع ولا للمقرض الرجوع فيه ؛ لأنّ السيّد أخذ ذلك بحقٍّ ؛ إذ له أخذه منه ، فيسقط حقّ البائع والمقرض ، كما يسقط حقّ البائع ببيع المبيع ، ويكون للبائع والمقرض العودُ في ذمّة العبد يتبعه به إذا اُعتق وأيسر.

وإن قلنا بالمنع وإنّ البيع والقرض فاسدان ، فإنّ البائع والمقرض

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٨ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

٥٥

يرجعان في العين إن كانت موجودةً ، سواء كانت في يد العبد أو يد السيّد ؛ لبقاء ملك البائع والمقرض فيهما.

وإن كانت قد تلفت في يد العبد ، كان عليه القيمة يتبع بها بعد العتق واليسار إن كانت من ذوات القِيَم. وإن كانت من ذوات الأمثال ، وجب عليه مثله.

وإن كان قد تلف في يد السيّد ، كان على السيّد المثلُ أو القيمة إن ‌شاء رجع به على السيّد في الحال ، وإن شاء طالَب به العبد مع عتقه ويساره.

إذا عرفت هذا ، فالأقرب عندي أنّه لا يصحّ شراؤه في ذمّته ولا قرضه ؛ لاستحالة أن يثبت الملك له ، فإنّه ليس أهلاً للتملّك على ما يأتي(١) ، ولا للمولى ؛ لأنّ إن ملك بغير عوض ، فهو تجارة بالباطل ؛ إذ المالك إنّما دفع العين ليسلم له العوض ، فإذا لم يكن هناك عوض ، يكون تسلّطاً على ملك الغير بغير إذنه.

وإن ملك السيّد بعوضٍ ، فإمّا في ذمّته ، وهو باطل ؛ لأنّ السيّد ما رضي به ، أو في ذمّة العبد ، وهو باطل ؛ لامتناع حصول الشي‌ء لمن ليس عليه عوض ، بل على غيره.

وكلا القولين للشافعيّة ؛ بناءً على القولين في أنّ المفلس المحجور عليه إذا اشترى شيئاً هل يصحّ؟

ووجه الشبه : كماليّة كلّ واحد منهما في عقله وعبارته ، وإنّما حجر عليه لحقّ الغير.

____________________

(١) في ص ٥٨ ، المسألة ٥٧.

٥٦

هذا أحد الطريقين لهم ، والطريق الآخَر : القطع بالفساد ، بخلاف المفلس ؛ لأنّه أهل للتملّك(١) .

مسألة ٥٤ : إن قلنا : الشراء صحيح ، فالملك للسيّد.

فإن(٢) علم البائع عبوديّتَه ، لم يطالبه بشي‌ء ولا للسيّد ، بل يصبر حتى يعتق العبد ، فإن لم يعتق أو كان معسراً ، ضاع الثمن.

وإن لم يعلم بالعبوديّة ، تخيّر بين الصبر إلى العتق وبين الفسخ ويرجع إلى عين ماله ، وهو قول بعض الشافعيّة(٣) .

وقال بعضهم ، الملك للعبد ، والسيّد بالخيار بين أن يُقرّه عليه وبين أن ينتزعه من يده ، وللبائع الرجوع إلى عين المبيع ما دام في يد العبد ؛ لتعذّر تحصيل الثمن ، كما لو أفلس المشتري بالثمن ، فإن تلف في(٤) يده ، فليس له إلّا الصبر إلى أن يعتق(٥) .

وإن انتزع السيّد ، فهل للبائع الرجوعُ؟ قال أكثر الشافعيّة : إنّه لا يرجع ، كما لو زال يد المشتري عمّا اشتراه ثمّ أفلس بالثمن(٦) .

وقال بعضهم : يرجع ، بناءً على أنّ الملك [ يحصل ](٧) للسيّد ابتداءً لا بالانتزاع(٨) .

وإن أفسدنا شراءه ، فللمالك استرداد العين مع بقائها ، سواء كانت في

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « وإن ».

(٣ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « ما في ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

(٧) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

٥٧

يد السيّد أو العبد.

فإن تلفت في يد العبد من غير أن يقبضها السيّد ، تعلّق الضمان برقبته. وإن تلفت في يد السيّد ، طالبَه بالضمان ، وإن شاء طالَب العبد بعد العتق.

ولو رآه السيّد ولم يأخذه ، لم يضمن بذلك ، سواء كان البائع والمقرض عالمـَيْن بالعبوديّة أو جاهلَيْن ، وسواء رضي السيّد بما فَعَله العبد أو لا إذا لم يكن قد أذن له أوّلاً.

ولو أدّى العبد الثمن من مال السيّد ، كان للسيّد استرداده ؛ لوقوعه فاسداً.

مسألة ٥٥ : ليس للعبد أن ينكح بدون إذن سيّده ، سواء اضطرّ إليه أو لا ، وإلّا لكان له الوطؤ متى شاء ، وذلك يورث ضعف البنية ، ويتضرّر به السيّد.

وكذا حكم كلّ تصرّفٍ يتعلّق برقبة العبد.

أمّا الهبة منه والوصيّة له فإنّه هبة للسيّد ووصيّة له ؛ إذ لا يصحّ أن يملك العبد شيئاً ، فإن قَبِل المولى أو العبد بإذنه ، ملك المولى ، وإلّا فلا.

ولا يصحّ قبول العبد من دون إذن السيّد ؛ لعدم رضاه بثبوت الملك ، وبه قال بعض الشافعيّة(١) .

وقال آخرون منهم : يصحّ قبول العبد من دون إذن مولاه ؛ لأنّه اكتساب لا يستعقب عوضاً، فأشبه الاصطياد بغير إذنه. ولأنّ العبد لو خالع زوجته ، صحّ ، وثبت العوض ، ودخل في ملك السيّد قهراً ، كذا هنا(٢) .

مسألة ٥٦ : لو ضمن بغير إذن السيّد ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّه تصرّف في الذمّة لا في العين.

____________________

(١ و ٢ ) الوسيط ٣ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

٥٨

ثمّ إن علم المضمون له بالعبوديّة قبل الضمان ، لم يكن له الرجوع ، وإلّا رجع ؛ لإعساره ، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى.

وبالجملة ، فغير المأذون له في الاستدانة أو التجارة ممنوع من التصرّف في نفسه وما في يده ببيعٍ وإجارة واستدانة وغير ذلك من جميع العقود ، إلّا بإذن مولاه ، إلّا الطلاق ، فإنّ له إيقاعه وإن كره المولى.

مسألة ٥٧ : المشهور بين علمائنا أنّ العبد لا يملك شيئاً ، سواء ملّكه مولاه شيئاً أو لا - وبه قال أو حنيفة والثوري وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين والشافعي في الجديد من القولين(١) - لقوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) وقوله تعالى( هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ ) (٣) نفي عنه القدرة مطلقاً ، ونفى أن يشارك العبد مولاه في شي‌ء ألبتّة ، فكأنّه تعالى قال : إذا لم يشارك عبد أحد مولاه في ملكه فيساويه ، فكذلك لا يشاركني في ملكي أحد فيساويني فيه ، فثبت أنّ العبد لا يملك شيئاً. ولأنّه مملوك فلا يملك شيئاً ، كالدابّة.

وقال بعض(٤) علمائنا : إنّه يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية وما يملّكه مولاه وبه قال مالك والشافعي في القديم ، وأحمد في إحدى

____________________

(١) أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ١٨٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٠ ، الوسيط ٣ : ٢٠٤ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠.

(٢) النحل : ٧٥.

(٣) الروم : ٢٨.

(٤) اُنظر : النهاية : ٥٤٣.

٥٩

الروايتين ، وداوُد وأهل الظاهر(١) - لقوله تعالى :( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ ‌فَضْلِهِ ) (٢) فبيّن تعالى أنّه يغنيهم بعد فقر ، فلو(٣) لم يملكوا لم يتصوّر [ فيهم ](٥) الغنى.

ولما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ باع عبداً وله مالٌ فمالُه للعبد إلّا أن يستثنيه السيّد»(٦) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يشتري المملوك وله مالٌ لمـَنْ مالُه؟ فقال : « إن كان علم البائع أنّ له مالاً فهو للمشتري ، وإن لم يكن علم فهو للبائع »(٧) .

ولأنّه آدميّ ، فأشبه الحرّ ، والغنى يكون بعد العتق ، كما يكون في الحُرّ بعد التجارة.

وخبر العامّة غير ثابت عندهم ، وعارضوه بما رووه عنهعليه‌السلام أنّه قال :

____________________

(١) الذخيرة ٥ : ٣٠٨ ، المعونة ٢ : ١٠٦٩ ، المقدّمات الممهّدات ٢ : ٣٤٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٠ ، الوسيط ٣ : ٢٠٤ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ١٨٧ ، المغني ٤ : ٢٧٧ ، وحكى قولَ داوُد الشيخُ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٢١ ، المسألة ٢٠٧.

(٢) النور : ٣٢.

(٣) فيما عدا « ث » : « فقر ».

(٤) في الطبعة الحجريّة : « ولو ».

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيه ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) المغني ٤ : ٢٧٧ ، وفيه « مَنْ باع عبداً وله مال » بدون الذيل ، وفي سنن الدارقطني ٤ : ١٣٣ ١٣٤ / ٣١ : « مَنْ أعتق عبداً ».

(٧) الكافي ٥ : ٢١٣ ( باب المملوك يباع ) ح ١ ، التهذيب ٧ : ٧١ / ٣٠٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400