تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125234 / تحميل: 5205
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

« مَنْ باع عبداً وله مالٌ فمالُه للبائع إلّا أن يشترطه المبتاع »(١) .

وقد رواه الخاصّة - في الصحيح - عن محمّد بن مسلم عن الباقر أو الصادقعليهما‌السلام قال : سألته عن رجل باع مملوكاً فوجد له مالاً ، فقال : « المال للبائع إنّما باع نفسه إلّا أن يكون شرط عليه أنّ ما كان من مال أو متاع فهو له »(٦) ولو ملكه العبد لم يكن للبائع ، فلمّا جَعَله للبائع دلّ على أنّ العبد لم‌ يملك ، وثبت بذلك أنّ الإضافة مجاز.

ويفارق الحُرّ ؛ لأنّه غير مملوك.

وملك النكاح ؛ لأنّه موضع حاجة وضرورة ؛ لأنّه لا يستباح في غير ملك. ولأنّه لمـّا ملكه لم يملك السيّد إزالة يده عنه ، بخلاف المال.

والفائدة في القولين تظهر في الزكاة ، فإن قلنا : يملك ، فلا زكاة ؛ لضعف ملكه ، إذ لمولاه انتزاعه منه متى شاء. وإن قلنا : لا يملك ، وجبت الزكاة على المولى.

وإذا ملّكه جاريةً وقلنا : يملك ، استباح وطأها ، وإلّا فلا.

ويكفّر بالمال إن قلنا : يملك ، وإلّا بالصوم.

البحث الثاني : في المأذون له في الاستدانة.

مسألة ٥٨ : يجوز للسيّد أن يأذن لعبده في الاستدانة والتجارة وسائر التصرّفات إجماعاً. ولأنّه صحيح العبارة ، وإنّما مُنع من التصرّف لحقّ السيّد ، فإذا أمره ، زال المانع.

إذا ثبت هذا ، فإذا أذن له في الاستدانة ، فإن استدان للمولى بإذنه ، كان الضمان على المولى؛ لأنّه المستدين في الحقيقة ، والمملوك نائبه.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٨ / ٣٤٣٣ و ٣٤٣٥ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٧ ، مسند أحمد ٢ : ٧٣ / ٤٥٣٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٣ ( باب المملوك يباع ) ح ٢ ، التهذيب ٧ : ٧١ / ٣٠٦.

٦١

وإن استدان لنفسه بإذن المولى ، فإن استبقاه مملوكاً أو باعه ، فالضمان على المولى أيضاً ؛ لأنّه بإذنه دفع المالك ماله إليه.

ولما رواه أبو بصير عن الباقرعليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دَيْن ، قال : « إن كان أذن له أن يستدين فالدَّيْن على مولاه ، وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي‌ء على المولى ، ويستسعى العبد في الدَّيْن »(١) .

مسألة ٥٩ : لو أعتقه مولاه وقد أذن له في الاستدانة فاستدان ، فالأقرب إلزام العبد بما استدانه ؛ لأنّه أخرجه في مصلحته ، فكان عليه أداؤه ، بخلاف ما لو باعه مولاه أو استبقاه ؛ لأنّ التفريط من المولى بإذنه ، وعدم تمكن صاحب المال من أخذه.

ولما رواه عثمان بن عيسى عن ظريف الأكفاني قال : كان أذن لغلامٍ له في الشراء والبيع فأفلس ولزمه دَيْنٌ فأُخذ بذلك الدَّيْن الذي عليه ، وليس يساوي ثمنه ما عليه من الدَّيْن ، قال : فقال الصادقعليه‌السلام : « إن بعته لزمك ، وإن أعتقته لم يلزمك » فعتقه ولم يلزمه شي‌ء(٢) .

ويحتمل إلزام المولى ؛ لأنّه أذن له في الاستدانة ، فكأنّه قد أذن له في إتلاف مال الغير ، ولا شي‌ء للعبد حالة الإذن ، فتضمّن ذلك الالتزام بما يسدينه ، وهذا هو المشهور.

مسألة ٦٠ : لو استدان العبد بإذن المولى ثمّ مات المولى وعليه ديون وقصرت التركة عن الديون ، قُسّمت التركة على دَيْن المولى ودَيْن العبد بالنسبة ؛ لأنّهما معاً يستحقّان في ذمّة المولى.

ولما رواه زرارة ، قالت : سألتُ الباقرَعليه‌السلام : عن رجل مات وترك عليه

____________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٣ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٠ / ٤٤٥ ، الاستبصار ٣ : ١١ - ١٢ / ٣١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٠٣ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٩٩ / ٤٤٣ ، الاستبصار ٣ : ١١ / ٢٩.

٦٢

دَيْناً وترك عبداً له مال في التجارة وولداً وفي يد العبد مال ومتاع وعليه دَيْنٌ استدانه العبد في حياة سيّده في تجارة ، فإنّ الورثة وغرماء الميّت اختصموا فيما في يد العبد من المال والمتاع وفي رقبة العبد ، فقال‌ « أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ، ولا على ما في يده من المتاع والمال إلّا أن يضمنوا(١) دَيْن الغرماء جميعاً ، فيكون العبد وما في يديه للورثة ، فإن أبوا كان العبد وما في يديه للغرماء ، يقوّم العبد وما في يديه من المال ثمّ يقسّم ذلك بينهم بالحصص ، فإن عجز قيمة العبد وما في يديه عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميّت ترك شيئاً » قال : « فإن فضل من قيمة العبد وما كان في يديه عن دَيْن الغرماء ردّه على الورثة »(٢) .

مسألة ٦١ : لو أذن المولى لعبده في الشراء للعبد ، صحّ.

والأقرب أنّه لا يملكه العبد ، فحينئذٍ يملكه المولى ؛ لاستحالة ملكٍ لا مالك له ، ولكن للعبد استباحة التصرّف والوطي لو كان أمةً لا من حيث الملك ، بل لاستلزامه الإذن.

إذا عرفت هذا ، فليس الإذن في الاستدانة للمملوك إذناً لمملوك المأذون ؛ لاختصاصه بالمأذون، فلا يتعدّى إلى غيره بالأصل.

ولا بدّ في إذن الاستدانة من التصريح ، فلا يكفي السكوت لو رآه يستدين ، ولا ترك الإنكار.

أمّا أمر صاحبَ المال بالإدانة لعبده ، فالأقرب أنّه إذن للعبد ، فيستبيح العبد التصرّفَ ، ويتعلّق الضمان بالمولى ، بل هو أبلغ من الإذن للعبد فيه.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة بدل « يضمنوا » : « يظهر » والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢) الكافي ٥ : ٣٠٣ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٩٩ - ٢٠٠ / ٤٤٤ ، الاستبصار ٣ : ١١ / ٣٠.

٦٣

البحث الثالث : في المأذون له في التجارة.

والنظر فيه يتعلّق بأُمور ثلاثة :

الأوّل: فيما يجوز له من التصرّفات.

مسألة ٦٢ : إذا أذن السيّد لعبده في التجارة ، اقتصر على ما حدّه له ، ولا يجوز له التعدّي إلى غيره ، سواء كان في جنس ما يشتريه ويبيعه أو في القدر أو في السفر إلى موضعٍ. وإن عمّم له ، جاز ، ولم يختصّ الإذن بشي‌ء من الأنواع دون شي‌ء.

ويستفيد المأذون له في التجارة بالإذن كلّ ما يندرج تحت اسم التجارة أو كان من لوازمها وتوابعها ، كنشر الثوب وطيّه ، وحمل المتاع إلى المنزل والسوق ، والردّ بالعيب ، والمخاصمة في العهدة ونحوها ، فلا يستفيد به غير ذلك ، فليس له النكاح ؛ لأنّ الإذن تعلّق بالتجارة ، وهي لا تتناول النكاح ، فيبقى على أصالة المنع ، وكما أنّ المأذون له في النكاح ليس له أن يتّجر ، كذا بالعكس ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما لا يندرج تحت اسم الآخَر.

مسألة ٦٣ : ليس للمأذون في التجارة أن يؤاجر نفسه ؛ لأنّه لا يملك التصرّف في رقبة فكذا في منفعة ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : إنّه يملك ذلك(٢) . وبه قال أبو حنيفة(٣) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٩ ، الوسيط ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٣ ، منهاج الطالبين : ١٠٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٤ ، المغني ٥ : ٢٠٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٣.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٩٥ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٥ : =

٦٤

وهل له إجارة أموال التجارة ، كالعبيد والدوابّ؟ الأقرب : اتّباع العادة في ذلك.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : المنع ، كما أنّه لا يؤاجر نفسه.

والثاني : الجواز ؛ لاعتياد التّجار ذلك. ولأنّ المنفعة من فوائد المال ، فيملك العقد عليها كالصوف واللبن. ولأنّ ذلك أنفع للمالك ، فيكون محسناً به ، فلا سبيل عليه ؛ لقوله تعالى :( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) (٢) .

مسألة ٦٤ : لو أذن له السيّد في التجارة في نوع من المال ، لم يصر مأذوناً في سائر الأنواع وكذا لو أذن له في التجارة شهراً أو سنةً ، لم يكن مأذوناً بعد تلك المدّة ، عند علمائنا وبه قال الشافعي -(٣) اقتصاراً بالإذن على مورده ؛ لعدم تناوله غير ذلك النوع.

وقال أبو حنيفة : إنّ الإذن في نوع يقتضي الإذن في غيره ، وكذا الإذن في التجارة مدّةً يقتضي تعميم الأقارب ؛ لأنّ في الإذن في نوعٍ أو مدّة غروراً للناس ؛ لأنّهم يحسبونه مأذوناً له في كلّ نوع ، والغرور من المغرور صدر حيث بنى الأمر على التخمين ولم يفحص في البحث عن حاله ، كما‌

____________________

= ٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، المغني ٥ : ٢٠٠.

(١) التوبة : ٩١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٥ ، الوسيط ٣ : ١٩٦ ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٣ ٢٢٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

٦٥

أنّه لو لم يأذن لعبده في التجارة فعامل العبد فتوهّم الغير الإذنَ ، لم يلزم المولى حكمٌ ، كذا هنا(١) .

واعلم أنّ أبا حنيفة سلّم أنّه لو دفع المولى إليه ألفاً ليشتري به شيئاً ، لا يصير مأذوناً له في التجارة(٢) .

ولو دفع إلى ألفاً وقال : اتّجر فيه فله أن يشتري بعين ما دفع إليه وبقدره في الذّمة لا يزيد عليه.

ولو قال : اجعله رأس مالك وتصرّفْ واتّجر فيه ، فله أن يشتري بأكثر من القدر المدفوع إليه.

مسألة ٦٥ : لو أذن لعبده في التجارة وكان للمأذون عبد ، لم يكن لعبد المأذون التجارة ، ولا للمأذون أن يأذن له إلّا بإذن مولاه ؛ لأنّ المولى إنّما اعتمد على نظر المأذون ، فلم يكن له أن يتجاوزه بالاستنابة ، كالتوكيل ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّ للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة(٤) .

وليس بمعتمد.

ولو أذن له السيّد في ذلك ففَعَل ، جاز ، ثمّ ينعزل مأذون المأذون بعزل السيّد له أو للمأذون ، سواء انتزعه من يد المأذون أو لا ، وبه قال الشافعي(٥) .

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٦ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٥ : ٥ و ٩ و ١٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٥ - ٢٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦.

(٣) الوسيط ٣ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

٦٦

وقال أبو حنيفة : إذا لم ينتزعه ، لم ينعزل(١) .

وهل للمأذون أن يوكّل غيره في آحاد التصرّفات؟ الأولى المنع ؛ لأنّ السيّد لم يرض بتصرّف غيره.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما. والثاني : أنّ له ذلك ؛ لأنّها تصدر عن نظره ، وإنّما الممتنع أن يقيم غيره مقام نفسه(٢) .

والمعتمد : الأوّل.

مسألة ٦٦ : ليس للمأذون التصدّق ، إلّا مع علم انتفاء كراهيّة المولى ، ولا ينفق على نفسه من مال التجارة ؛ لأنّه ملك لسيّده.

وعند أبي حنيفة له ذلك(٣) .

والشافعي(٤) وافقنا على ما قلناه.

ولا يتّخذ الدعوة للمجهزين(٥) .

ولا يعامل سيّده بيعاً وشراءً ؛ لأنّ تصرّفه لسيّده ، بخلاف المكاتب يتصرّف لا لسيّده ، وبه قال الشافعي(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز : ٤ : ٣٦٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٩٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٥ ، الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٦.

(٤) الوسيط ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

(٥) قال المطرزي في المغرب ١ : ١٠١ : والمجاز عند العامّة : الغليّ من التّجار. وكأنّه اُريد المجهز ، وهو الذي يبعث التّجار بالجهاز ، وهو فاخر المتاع ، أو يسافر به ، فحُرّف إلى المجاهز.

(٦) الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

٦٧

وقال أبو حنيفة : له أن يعامل سيّده(١) .

وربما قيّد بعض الشافعيّة ذلك بما إذا ركبته الديون(٢) .

مسألة ٦٧ : لو احتطب المأذون له في التجارة أو اصطاد أو قَبِل الوصيّة أو أخذ من معدن أو مباح ، لم ينضمّ إلى مال التجارة ، فليس له التصرّف فيه إلّا بإذن مولاه ؛ لأنّه مال اكتسبه بغير التجارة ، فيكون للسيّد ، والسيّد لم يأذن له في التصرّف فيه ولا سلّمه إليه ليكون رأس المال ، وبه قال بعض الشافعيّة(٣) .

وقال بعضهم : له ذلك ؛ لأنّه من جملة أكسابه(٤) (٥) .

وهو غير دالّ على الغرض ؛ إذ الكسب لا ينافي المنع.

مسألة ٦٨ : وفي انعزال المأذون بالإباق نظر ، أقربه ذلك ، قضاءً للعادة ، فإنّ خروجه عن طاعة مولاه يؤذن بكراهة المولى لتصرّفه حيث خروج عن الأمانة ، وبه قال أبو حنيفة(٦) .

ويحتمل أن لا ينعزل بالإباق ، بل له التصرّف في البلد الذي خرج إليه ، إلّا إذا خصّ السيّد الإذن بهذا البلد ؛ لأنّ الإباق عصيان ، فلا يوجب‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧.

(٣) الوسيط ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اكتسابه ». وما أثبتناه من المصادر.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

(٦) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٧ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٥٦ ، المغني ٥ : ٢٠٠.

٦٨

الحجر ، كما لو عصى السيّد من وجهٍ آخَر.

والفرق ظاهر ؛ فإنّ قهر المولى على نفسه بالإباق يقتضي قهره على ما بيده ، فلا يناسب الإذن له في التصرّف فيه.

ولو أذن لجاريته في التجارة ثمّ استولدها ، ففيه هذا الخلاف. ولا خلاف في أنّ له أن يأذن لمستولدته في التجارة(١) .

وعندنا لو أذن لجاريته في التجارة ثمّ استولدها ، لم يبطل الإذن.

مسألة ٦٩ : لو شاهد عبده يبيع ويشتري فسكت عنه ولم ينكر عليه ولم يظهر منه أثر الاختيار ، لم يصر مأذوناً له في التجارة - وبه قال الشافعي(٢) - كما لو رآه ينكح فسكت ، لم يكن مأذوناً له في النكاح ، كذا هنا.

وقال أبو حنيفة : إنّه يكون مأذوناً له في التجارة بمجرّد السكوت(٣) .

مسألة ٧٠ : لو ركبت المأذونَ الديونُ ، لم يزل ملك سيّده عمّا في يده ، فلو تصرّف فيه المولى ببيعٍ أو هبةٍ أو إعتاقٍ بإذن المأذون والغرماء ، جاز ، فيكون الدَّيْن في ذمّة العبد.

فإن أذن العبد دون الغرماء ، لم يجز عند الشافعي(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٥.

(٢) الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٥ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٦ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٩٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٥ : ١١ ، المغني ٥ : ٢٠٠.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٦ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٩٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٥ : ١١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٨ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٥٦ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٥.

٦٩

وإن أذن الغرماء دون العبد ، فللشافعيّة وجهان(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا ركبته الديون ، يزول ملك السيّد عمّا في يده ، ولا يدخل في ملك الغرماء(٢) .

وهو يستلزم المحال ، وهو وجود ملكٍ لا مالك له.

والأقرب : أنّ ما في يده لمولاه ، ويصحّ تصرّفه فيه بجميع أنواع التصرّفات ، ولا اعتراض للمولى ولا الغرماء.

مسألة ٧١ : لو أقرّ العبد المأذون بديون المعاملة ، ففي قبوله إشكال ينشأ من أنّه يملك ذلك فيملك الإقرار به ، ومن أنّه إقرار في حقّ المولى.

والمعتمد : الثاني.

وقالت الشافعيّة : إنّه يُقبل ، ولا فرق بين أن يُقرّ بها لأجنبيّ أو لولده أو لأبيه(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا يُقبل إقراره لهما(٤) .

أمّا لو أقرّ بغير دَيْن المعاملة فإنّه غير نافذ ، وكذا لو أقرّ المأذون ؛ لأنّه إقرار في حقّ المولى.

مسألة ٧٢ : إذا أقرّ العبد بجناية توجب القصاص أو الدية ، أو أقرّ بحدٍّ أو تعزير ، لم يُقبل إقراره في حقّ مولاه بمعنى أنّه لا يقتصّ منه ما دام مملوكاً ، ولا يطالب بالمال ولا بالحدّ ولا بالتعزير ، سواء كان مأذوناً له في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٥.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦٣ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨.

(٣) الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٥.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٢٥ : ٨٠ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨.

٧٠

التجارة والاستدانة أو لا - وبه قال زفر والمزني وداوُد الظاهري وابن جرير الطبري(١) لأنّه إقرار في حقّ المولى. ولأنّه يسقط حقّ السيّد به ، فأشبه إقراره بالخطأ.

وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك : يُقبل إقراره بما يوجب القصاص ، ويكون للمقرّ له استيفاؤه؛ لأنّ ما لا يُقبل فيه إقرار السيّد على العبد يُقبل إقرار العبد فيه كالطلاق ، بخلاف جناية الخطأ ؛ لأنّ العبد تلحقه التهمة في ذلك ، ولهذا يُقبل إقرار السيّد بها ، وفي مسألتنا لا تلحقه التهمة ؛ لأنّه يتلف بذلك نفسه ، ولهذا يُقبل إقرار المرأة بالقتل وإن تضمّن إبطال حقّ الزوج ، ولا يُقبل بما يحرمها عليه مع سلامتها(٢) .

ونمنع عموميّة أنّ ما لا يُقبل فيه إقرار السيّد يُقبل فيه إقرار العبد. والتمسّك بالإطلاق تمسّكٌ بأمرٍ جزئيّ لا يدلّ على الحكم الكلّي.

وقال أحمد : يُقبل إقراره فيما دون النفس ، ولا يُقبل في النفس ؛ لما روي عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام أنّه قطع عبداً بإقراره(٣) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٣٢٣ ، و ٥ : ٢٧٣ ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ٢٩٩ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٦٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٢) المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٦٩ ، المبسوط للسرخسي ٩ : ١٠٠ ، الام ٦ : ٢١٧ ، المهذّب للشيرازي ٢ : ٣٤٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦١ ، و ٨ : ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٨٢ ، التفريع ٢ : ٢٣١.

(٣) المغني ٤ : ٣٢٣ ، و ٥ : ٢٧٣ ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٩ ٢٨٠ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ٢٩٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧.

٧١

ونحن نمنع ذلك ، وإنّما قطعه بالبيّنة.

إذا ثبت هذا ، فإن اُعتق نفذ إقراره ، وطُولب بمقتضاه.

وإن أقرّ بجناية الخطأ ، فعندنا لا يُقبل إقراره في حقّ مولاه على ما تقدّم.

وقال الشافعي(١) هنا بقولنا.

ويتعلّق الإقرار بذمّته يتبع به إذا اُعتق وأيسر ، بخلاف المحجور عليه للسفه إذا أقرّ بالجناية ، فإنّه لا يلزم لا حال الحجر ولا بعد فكّه ؛ لأنّا أبطلنا إقراره لسفهه فلا نلزمه إيّاه ؛ لأنّ ذلك تضييع لماله الذي حفظناه بالحجر ، والعبد رشيد ، وإنّما رددنا إقراره لحقّ سيّده ، فإذا زال حقّه وملك المال ، ألزمناه حقّ إقراره.

مسألة ٧٣ : لو أقرّ العبد بسرقة سواء كان مأذوناً أو لا ، لم ينفذ إقراره في حقّ مولاه ؛ لأنّه إقرار على الغير ، فإن اُعتق ، اُلزم بمقتضاه ، سواء كانت السرقة ممّا توجب القطع أو لا ، كالسرقة من غير حرز أو لما دون النصاب ويكون المقرّ به في ذمّته تالفاً أو باقياً ؛ لأنّه متّهم في إقراره.

وقال الشافعي : إن كانت السرقة لا توجب القطع ، لم يُقبل في حقّ المولى ، ويتبع العبد بها بعد العتق. وإن أوجبت القطع ، صحّ إقراره في وجوب القطع عليه ، كما يصّح فيما يوجب القصاص(٢) .

وأمّا المسروق فإن كان تالفاً ، فهل يصّح إقراره ويتعلّق برقبته ، أو‌ يكون في ذمّته؟ للشافعيّة قولان(٣) :

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٨ : =

٧٢

أحدهما : أنّه يصحّ ، ويتعلّق برقبته ؛ لأنّ إقراره متضمّن للعقوبة ، فلا تهمة فيه ، كما لو أقرّ بجناية العمد ، فإنّه يصحّ ، وإن كان الوليّ إذا عفا وجب المال في رقبته.

والثاني : لا يجب في رقبته ، وإنّما يتعلّق بذمّته ؛ لأنّه إقرار بالمال ، فأشبه ما لا يجب به القطع. ويفارق الإقرار بالقصاص ؛ لإقراره بالعقوبة ، وإنّما يصير مالاً بعفو الولي واختياره ، وهنا يُقر(١) بالمال. ألا ترى أنّه إذا أقام المسروق منه شاهداً وامرأتين ، ثبت المال دون القطع ، ولو شهد بقتل العمد شاهد وامرأتان ، لم تثبت العقوبة ولا الدية ، فإن رجع عن إقراره ، سقط القطع ، ويتعلّق المسروق بذمّته قولاً واحداً ؛ لأنّ التهمة تلحقه الآن.

وإن كانت العين المسروقة قائمةً ، فإن كانت في يد السيّد وأنكر السيّد ، قُدّم قوله مع اليمين ، وأوجب إقرار العبد القطع ، ولا يجب به ردّ العين ، وإنّما يثبت بدلها في ذمّته ، كالحُرّ إذا أقرّ بسرقة عين في يد مَنْ يدّعيها لنفسه ، فإنّه يُقطع ولا يردّ ويغرمها.

وإن كانت في يد العبد ، اختلفوا في ذلك على طريقين :

قال ابن سريج في ردّ ذلك قولين ، كما لو كانت العين تالفةً(٢) .

وقال غيره : لا تردّ العين قولاً واحداً ؛ لأنّ يده كيد سيّده ، ولو كانت في يد سيّده لم تردّ. ولأنّ هذا يؤدّي إلى أن يُقبل إقراره في أكثر من قيمته ، وهو أن تكون العين أكثر منه قيمةً(٣) .

وهذا كلّه عندنا بالطل ، وإنّ إقراره لا ينفذ لا في المال ولا في القطع.

____________________

= ٣٢٦ ٣٢٧ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ - ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(١) في « س ، ي » : « أقرّ ».

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

٧٣

إذا ثبت هذا ، فإنّ الشافعيّة قالوا : إنّه يُقطع ، ولا تردّ العين ، وبه قال مالك وأحمد(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يُقطع ولا تردّ العين - وهو مذهبنا - لأنّ العين يُحكم بأنّها للسيّد ، ولا يجوز أن يُقطع في ملك سيّده(٢) .

وقال محمّد : يُقطع وتردّ العين ؛ لأنّه إنّما أقرّ بسرقة العين ، فإذا أوجبنا القطع فيها وجب ردّها(٣) .

واحتجّ الشافعي بأنّه أقرّ بسرقة عينٍ هي ملكٌ لغيره في الظاهر ، فوجب أن يُقبل إقراره في القطع دون العين ، كما لو أقرّ الحُرّ بسرقة مال في يد غيره(٤) .

ونمنع أنّها ملك الغير ، بل هي ملك السيّد.

تذنيب : لو صدّق المولى العبد في إقراره بما يوجب القصاص أو الحدّ ، قُبِل ، واستوفي من العبد ما يقتضيه إقراره.

مسألة ٧٤ : مَنْ عامَل المأذونَ وهو لا يعرف رقّه ، صحّ تصرّفه ، ولا يشترط علمه بحاله.

ولو عرف رقّه ، لم يجز له معاملته ، إلّا أن يعرف إذن السيّد.

ولا يكفي قول العبد : أنا مأذون ؛ لأنّ الأصل عدم الإذن ، فأشبه ما إذا‌ زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون. ولأنّه مدّعٍ لنفسه ، فلا تُقبل دعواه إلّا ببيّنة ، وبه قال الشافعي(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، المغني ٤ : ٣٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٨٢.

(٢) المغني ٤ : ٣٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨.

(٣) اُنظر : الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٤.

(٤) المغني ٤ : ٣٢٤.

(٥) الوسيط ٣ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦.

٧٤

وقال أبو حنيفة : يكفي قول العبد ، كما يكفي قول الوكيل(١) .

قالت الشافعيّة : بينهما فرق ؛ لأنّ في الوكيل لا حاجة إلى دعوى الوكالة ، بل تجوز معاملته بناءً على ظاهر الحال وإن لم يدّع شيئاً ، وهنا بخلافه(٢) .

وإنّما يُعرف كونه مأذوناً إمّا بسماع الإذن من السيّد أو ببيّنة تقوم عليه.

ولو شاع في الناس كونه مأذوناً ، فوجهان ، أصحّهما عندهم : يكتفى به(٣) أيضاً ؛ لأنّ إقامة البيّنة لكلّ معاملٍ ممّا يعسر(٤) .

والوجه عندي : عدم الاكتفاء ، والعسر يندفع بإثبات ذلك عند الحاكم.

ولو عرف كونه مأذوناً ثمّ قال العبد : حجر عليَّ السيّد ، لم يعامل.

فإن قال السيّد : لم أحجر عليه ، فوجهان للشافعيّة:

أصحّهما عندهم : أنّه لا يعامل أيضاً ؛ لأنّه العاقد ، والعقد باطل بزعمه.

والثاني : أنّه يجوز معاملته - وهو مذهبنا ، وبه قال أبو حنيفة - اعتماداً‌ على قول السيّد(٥) .

مسألة ٧٥ : لو عامل المأذونَ مَنْ عرف رقَّه ولم يعرف إذنه ثمّ بانَ كونه مأذوناً ، صحّت المعاملة ؛ لظهور الإذن المقتضي لصحّتها ، وليس العلم

____________________

(١) الوسيط ٣ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيه » بدل « به ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الوسيط ٣ : ١٩٧ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦ ، منهاج الطالبين ٣ : ١٠٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦.

٧٥

به شرطاً في الصحّة ، بل في العلم بها.

وقالت الشافعيّة : إنّه يلحق بما إذا باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيّ فبانَ ميّتاً(١) .

ويقرب منه قولان للشافعيّة فيما إذا كذب مدّعي الوكالة ثمّ عاملة ثمّ ظهر صدق دعوى الوكيل في الوكالة(٢) .

وكلّ هذا عندنا يقع صحيحاً ؛ لما قلناه من أنّ العلم شرط في العلم.

ولو عرف كونه مأذوناً فعامَلَه ثمّ امتنع من التسليم إلى أن يقع الإشهاد على الإذن ، فله ذلك ، خوفاً من خطر إنكار السيّد ، كما لو صدق مدّعي الوكالة بقبض الحقّ ثمّ امتنع من التسليم حتى يشهد الموكّل على الوكالة.

وهل يجوز معاملة مَنْ لا يعرف رقّه وحُرّيّته؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّ الأصل الحُرّيّة وعدم الحجر ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والثاني : المنع ؛ لأنّ الأصل بقاء الحجر الثابت عليه بالصغر(٣) .

مسألة ٧٦ : إذا أطلق له الإذن في الشراء ، انصرف إلى النقد ، فإن أذن له في النسيئة ، جاز ، فيثبت الثمن في ذمّة المولى ، وليس له الاستدانة إلّا مع ضرورة التجارة المأذون له فيها ، فيلزم الدَّيْن المولى ؛ لأنّ الإذن في الشي‌ء يستلزم الإذن فيما لا يتمّ ذلك الشي‌ء إلّا به.

أمّا لو استدان لغير مصلحة التجارة ، فإنّه لا يلزم المولى ، بل يتبع به بعد العتق ، فإن اُعتق اُخذ منه ، وإلّا ضاع.

ولا يستسعى على رأي ؛ لأنّ في ذلك إضراراً بالمولى ، فكان المؤدّي المولى.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦.

(٢ و٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦.

٧٦

النظر الثاني : في العهدة.

مسألة ٧٧ : إذا باع المأذون سلعةً وقبض الثمن فظهرت السلعة مستحقّةً وقد تلف الثمن في يد العبد ، فللمشتري الرجوع ببدله على السيّد ؛ لأنّ العقد له والعبد نائب عنه وعبارته مستعارة ، فكأنّه البائع والقابض للثمن ، وهو أحد قولي الشافعيّة. وفي الثاني : يرجع المشتري على العبد ببدله ؛ لأنّه المباشر للعقد(١) .

ولم قولان آخَران :

أحدهما : أنّه لا يرجع على العبد ولا السيّد ؛ لأنّ السيّد بالإذن قد أعطاه استقلالاً ، فشرط من معاملة قصر الطمع عن يده وذمّته(٢) .

والثاني : أنّه إن كان في يد العبد وفاء ، فلا يطالَب السيّد ؛ لحصول غرض المشتري ، وإلّا طُولب السيّد(٣) .

وقال ابن سريج : إن كان السيّد قد دفع إليه عين ماله وقال : بِعْها وخُذْ ثمنها واتّجر فيه ، أو قال : اشتر هذه السلعة وبِعْها واتّجر في ثمنها ، ففَعَل ثمّ‌ ظهر الاستحقاق وطالَبه المشتري بالثمن ، فله أن يطالب السيّد بقضاء الدَّيْن عنه ؛ لأنّه أوقعه في هذه الغرامة. وإن اشترى باختياره سلعةً وباعها ثمّ ظهر الاستحقاق ، فلا(٤) .

مسألة ٧٨ : المأذون له في التجارة إذا اشترى شيئاً للتجارة ، طُولب

____________________

(١) الوسيط ٣ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦ - ٢٢٧.

(٢) كذا ، في العزيز شرح الوجيز : « فشرط من يعامله قصر الطمع على يده وذمّته ».

(٣) الوسيط ٣ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

٧٧

السيّد بالثمن ؛ لأنّه نائب عنه ووكيل له.

وللشافعيّة الأوجُه الثلاثة(١) السابقة في المسألة السابقة.

والوجه الأوّل والثاني جاريان في عامل القراض مع ربّ المال ؛ لتنزيل ربّ المال العهدة على المال المعيّن(٢) .

ولو دفع شخص إلى وكيله مالاً وقال : اشتر لي عبداً وأدِّ هذا في ثمنه ، فاشترى الوكيل ، ففي مطالبة الموكّل بالثمن عند الشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّه يطالَب ، ولا حكم لهذا التعيين مع الوكيل ؛ لأنّ الوكيل سفير محض ، والمأذون مملوكه يلزمه الامتثال والتزام(٣) ما يلزمه السيّد ذمّته.

وأحسنهما عندهم : طرد القولين فيه(٤) .

والوجه : أن نقول : إن كان الموكّل قد عيّن المدفوع في الثمنيّة في العقد فاشترى الوكيل به ، لم يطالَب الموكّل. وإن لم يدفعه ، بطل الشراء إن سمّى الموكّل ؛ لمخالفته أمره ، وإن لم يسمّه ، وقع الشراء له ، وكان عليه الثمن ، فلا يطالَب الموكّل. وإن لم يكن قد عيّن المدفوع في الثمنيّة في‌ العقد ، كان للبائع مطالبة الموكّل.

مسألة ٧٩ : إذا توجّهت المطالبة على العبد ، لم تسقط ، ولا تندفع عنه بعتقه ، لكن في رجوعه بالمغروم بعد العتق للشافعيّة وجهان :

أحدهما : يرجع ؛ لانقطاع استحقاق السيّد بالعتق.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إلزام ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

٧٨

وأظهرهما عندهم : لا يرجع ؛ لأنّ المؤدّي بعد العتق كالمستحقّ بالتصرّف السابق على الرقّ ، وهذا كالخلاف في السيّد إذا أعتق العبد - الذي آجره - في أثناء مدّة الإجارة هل يرجع بأجرة مثله للمدّة الواقعة بعد العتق؟(١)

مسألة ٨٠ : لو سلّم إلى عبده ألفاً للتجارة فاشترى بالعين شيئاً ثمّ تلف الألف في يده ، انفسخ العقد ، كما لو تلف المبيع قبل القبض.

وإن اشترى في الذمّة على عزم صرف الألف في الثمن ، فالأقرب : أنّه لا يجب على السيّد دفع البدل ؛ لأنّه أذن بالمعاملة بما دفعه ، وهو ينصرف إلى الشراء بالعين ، لكنّ السيّد إن دفع ألفاً آخَر ، أمضى العقد ، وإلّا فللبائع فسخ العقد ، وهو أحد أقوال الشافعيّة.

والثاني : أنّه ينفسخ بالعقد ، كما لو اشترى بالعين ؛ لأنّ المولى حصر إذنه في التصرّف في ذلك الألف وقد فات محلّ الإذن ، فبطل البيع.

والثالث : أنّه يجب على السيّد ألفٌ آخَر ؛ لأنّ العقد وقع له ، والثمن غير متعيّن ، فعليه الوفاء بإتمامه(٢) .

ولا بأس به إن كان السيّد قد أطلق له ذلك ، بل هو المتعيّن حينئذٍ ، وإلّا فالوجه ما قلناه.

وللشافعيّة وجهٌ رابع ، وهو : أن يكون الثمن في كسب العبد(٣) .

وكذا لو دفع إلى عامل القراض ألفاً للقراض ، فاشترى العامل بمالٍ في الذمّة وتلف الألف عنده ، هل يجب على ربّ المال ألفٌ آخَر ، أو

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

٧٩

ينقلب العقد إلى العامل؟ إن قلنا بالأوّل ، فعلى السيّد ألفٌ آخَر. وإن قلنا بالثاني ، انفسخ العقد.

وإذا قلنا على السيّد ألفٌ آخَر ، فهل للعبد أن يتصرّف فيه بالإذن السابق ، أم لا بدّ من إذنٍ جديد؟ فيه وجهان كالوجهين في أنّه إذا أخرج ألفاً آخَر في صورة القراض ، فرأس المال ألفٌ أو ألفان؟ إن قلنا : ألفٌ ، فلا بدّ من إذنٍ جديد. وإن قلنا : ألفان ، كفى الإذن السابق.

والألف الجديد إنّما يطالب به البائع دون العبد ، ولا شكّ أنّ العبد لا يمدّ يده إلى ألف من مال السيّد وأنّه لا يتصرّف فيما قبضه البائع ، وإنّما تظهر فائدة الخلاف فيما إذا ارتفع العقد بسببٍ من الأسباب ورجع الألف.

مسألة ٨١ : إذا اتّجر المأذون وحصل عليه ديون وفي يده مال وكان الذي استدانه في مصلحة التجارة ، قُضيت ديونه ممّا في يده ، وإن شاء المولى دفع من عنده. وإن لم يكن بقي في يده شي‌ء ، فإنّ الديون تكون(١) في ذمّته يُتبع بها إذا أُعتق وأيسر إن صرفها في غير مصلحة التجارة.

والشافعيّة أطلقوا وقالوا : لا يتعلّق برقبته وبه قال مالك لأنّه دَيْنٌ ثبت على العبد برضا مَنْ له الدَّيْن ، فوجب أن لا يتعلّق برقبته ، كما لو استقرض بغير إذن سيّده(٢) .

وقال أبو حنيفة : يُباع العبد فيه إذا طالَبه الغرماء ببيعه ؛ لأنّه دَيْنٌ تعلّق بالعبد بإذن سيّده ، فوجب أن يباع فيه ، كما لو رهنه(٣) .

____________________

(١) في « ي » : « تبقي » بدل « تكون ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٢ ، الوسيط ٣ : ٢٠٢ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٤٥ - ٢٥٦ ، المغني ٤ : ٣٢٢.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٠ ، المغني ٤ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٢ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، الوسيط ٣ : ٢٠٢.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

قبل أن يستوفي حقّه منه ، فإذا استوفاه منه ، كان مضموناً عليه. ولو فضل منه فضلة ، فالأقرب : أنّها أمانة.

ولو قال : وفيه دراهم خُذْه(١) بدراهمك ، وكانت الدراهم التي فيه مجهولةَ القدر ، أو كانت أكثر من دراهمه ، لم يملكه ، ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد. وإن كانت معلومةً وبقدر حقّه ، ملَكه.

ج - لو قال : خُذْ هذا العبد بحقّك ، ولم يكن سَلَماً فقَبِل ، ملَكه. وإن لم يقبل وأخذه ، دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد.

مسألة ١٨٠ : إذا احتاج الرهن إلى مؤونة يبقى بها الرهن - كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابّة - كانت على الراهن ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الرهن من راهنه ، له غُنْمه ، وعليه غُرْمه »(٢) .

قولهعليه‌السلام : « من راهنه » أي : من ضمان راهنه.

ومن طريق الخاصّة : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الظهر يُركب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يركبه نفقته ، والدَّرُّ يُشرب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يشرب نفقته »(٣) .

وقد قلنا : إنّ المرتهن ممنوع من التصرّف ، وإنّ المنافع للراهن ، فتكون نفقته عليه.

وفي معناه سقي الأشجار ومؤونة الجذاذ وتجفيف الأثمار واُجرة‌ الإصطبل والبيت الذي يُحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرّع به المرتهن أو

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « خذ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) ورد نصّه في المغني ٤ : ٤٦٨ ، ونحوه في سنن الدارقطني ٣ : ٣٣ / ١٢٣ ، وسنن البيهقي ٦ : ٣٩ ، و التمهيد - لابن عبد البر - ٦ : ٤٢٦ ، و ٤٣٠.

(٣) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ ١٧٦ / ٧٧٥.

٢٦١

العَدْل ، خلافاً لأبي حنيفة في اُجرة الإصطبل والبيت(١) واُجرة مَنْ يردّ العبد من الإباق ، وما أشبه ذلك(٢) .

إذا عرفت هذا ، فهل يُجبر الراهن على أداء هذه المؤونة حتى يقوم بها من خالص ماله؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يُجبر لتبقى وثيقة المرتهن.

والثاني : أنّه لا يُجبر عند الامتناع ، بل يبيع القاضي جزءاً من المرهون بحسب الحاجة ، فلو كانت تستوعب الرهن قبل الأجل ، فعلى الثاني يلحق بما يفسد قبل الأجل ، فيباع ويُجعل ثمنه رهناً(٢) .

قيل عليه : هذا إمّا أن يلحق بمالا يتسارع إليه الفساد ثمّ عرض ما أفسده ، أو بما يتسارع إليه الفساد. والأوّل باطل ؛ لأنّ العارض هناك اتّفاقي غير متوقّع ، والحاجة إلى المؤونة معلومة متحقّقة. وإن كان الثاني ، لزم إثبات الخلاف المذكور في رهن ما يتسارع إليه الفساد في رهن كلّ ما يحتاج إلى نفقة أو مكان يحفظ فيه(٣) .

وعلى الأوّل - وهو الأصحّ عندهم - لو لم يكن للراهن شي‌ء أو لم يكن حاضراً ، باع الحاكم جزءاً من المرهون ، واكترى به بيتاً يحفظ فيه الرهن(٤) .

وأمّا المؤونة الزائدة فيمكن أن يقال : حكمها حكم ما لو هرب‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٤٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٠ و ١٣١ ،الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٧ ، المغني ٤ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٥ - ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

٢٦٢

الجمّال وترك الجِمال المستأجرة أو عجز عن الإنفاق عليها.

مسألة ١٨١ : يجوز للراهن أن يفعل بالمرهون ما فيه مصلحته ، وليس للمرتهن منعه منه ، كفصد العبد وحجامته والمعالجة بالأدوية والمراهم ، لكن لا يُجبر عليها ، بخلاف النفقة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) .

ثمّ إن كانت المداواة ممّا يرجى نفعه ولا يُخاف غائلته ، جاز : وإن كان ممّا يخاف ، فالأقوى عدم المنع أيضاً منه ، ويكتفى بأنّ الغالب منه السلامة.

وللشافعيّة وجهان ، ويجريان في قطع اليد المتآكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر ، فإن كان الخطر في الترك دون القطع ، فله القطع ، وليس له قطع سِلْعَة(٢) ولا إصبع لا خطر في تركها إذا خِيف منه ضرر. وإن كان الغالب فيه السلامة ، ففيه الخلاف(٣) .

وله أن يختن العبد والأمة في وقت اعتدال الهواء إن كان يندمل قبل حلول الأجل ؛ لأنّه أمر لا بُدَّ منه ، الغالب فيه السلامة. وإن لم يندمل وكان فيه نقص ، لم يجز. وكذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان.

وللراهن تأبير النخل المرهونة.

ولو ازدحمت وقال أهل الخبرة : تحويلها أنفع ؛ جاز تحويلها.

وكذا لو رأوا قطع البعض لصلاح الأكثر.

وما يُقطع منها أو يجفّ فهو مرهون ، بخلاف ما يحدث من السعف

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٣.

(٢) السِّلْعة : الضواة ، وهي زيادة تحدث في الجسد مثل الغُدّة. لسان العرب‌ ٨ : ١٦٠ « سلع ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٣.

٢٦٣

ويجفّ ، فإنّ الراهن مختصّ به ، وينزّل منزلة النماء.

ولا يمنع من رعي الماشية في وقت الأمن ، وتؤوى ليلاً إلى يد المرتهن أو العَدْل.

ولو أراد الراهن أن يبعد لطلب الرعي وبالقرب ما يكفيها ، فللمرتهن المنع ، وإلّا فلا.

وتؤوى إلى يد عَدْلٍ يتّفقان عليه أو ينصبه الحاكم.

ولو أراد المرتهن ذلك وليس بالقرب ما يكفي ، لم يُمنع.

وكذا لو أراد نقل المتاع من بيتٍ ليس بحرزٍ إلى حرزٍ.

ولو نَبا(١) بهما المكان وأرادا الانتقال ، فإن كان إلى أرضٍ واحدة ، فلا إشكال ، وإلّا جُعلت الماشية مع الراهن ، ويحتاط ليلاً ، كما تقدّم.

____________________

(١) نبا به منزله وفراشه : لم يوافقْه. ونبَتْ بي تلك الأرض : لم أجد بها قراراً. لسان العرب ١٥ : ٣٠٢ « نبا ».

٢٦٤

٢٦٥

الفصل الخامس : في وضع الرهن على يد العَدْل‌

مسألة ١٨٢ : يجوز أن يشترط المتراهنان وضع الرهن على يد أحدهما أو ثالثٍ غيرهما‌ ، سواء تعدّد أو اتّحد ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ ذلك العَدْل يكون وكيلاً للمرتهن نائباً عنه في القبض ، فمتى قبضه صحّ قبضه - وبه قال علماؤنا ، وجماعة الفقهاء ، منهم : عطاء وعمرو بن دينار ومالك والثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّه قبض في عقدٍ ، فجاز فيه التوكيل ، كسائر القبوض.

وقال الحكم والحارث العكلي وقتادة وداوُد وابن أبي ليلى : لا يكون مقبوضاً بذلك ؛ لأنّ القبض من تمام العقد يتعلّق بأحد المتعاقدين ، كالإيجاب والقبول(٣) .

والفرق بينه وبين القبول : أنّ الإيجاب إذا كان لشخصٍ كان القبول منه ؛ لأنّه مخاطَب. ولو كلّ في الإيجاب والقبول قبل أن يوجب له ، صحّ.

وما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر القبض فيه.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) المغني ٤ : ٤١٨ - ٤١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٨.

(٣) المغني ٤ : ٤١٨ ٤١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٨.

٢٦٦

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز أن يجعلا الرهن على يد مَنْ يجوز‌ توكيله ، وهو جائز التصرّف ، سواء مسلماً أو كافراً ، عَدْلاً أو فاسقاً ، ذكراً كان أو اُنثى.

ولا يجوز أن يكون صبيّاً ؛ لأنّه غير جائز التصرّف مطلقاً ، فإن فعلا ذلك ، كان قبضه وعدم قبضه واحداً.

ولا يجوز أن يكون عبداً بغير إذن سيّده ؛ لأنّ منافع العبد لسيّده ، ولا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه ، فإن أذن مولاه ، جاز.

وأمّا المكاتب فإن كان بجُعْلٍ ، جاز ؛ لأنّه مكتسب ، وهو سائغ له بغير إذن السيّد. وإن كان بغير جُعْلٍ ، لم يجز ؛ لأنّه التبرّع بمنافعه.

مسألة ١٨٣ : لو شرط جَعْل الرهن على يد عَدْلٍ وشرطا له أن يبيعه عند حلول الحقّ ، صحّ؛ لأنّ ذلك [ يكون ] توكيلاً(١) في البيع منجّزاً ، وإنّما الشرط في التصرّف. وصحّ بيعه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد(٢) .

وإن عزل الراهن العَدْلَ عن البيع ، قال الشيخرحمه‌الله : لا ينعزل ، ولا تنفسخ وكالته ، وكان له بيع الرهن(٣) - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - لأنّ وكالته صارت من حقوق الرهن ، فلم يكن للراهن إسقاطها(٥) ، كسائر‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجرية : « ولأنّ ذلك توكيلاً ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٢ ، الوسيط ٣ : ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٢٤٣ ، المسألة ٤١ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٩ - ٨٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « إسقاطه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٧

حقوقه.

وقال الشافعي وأحمد : يصحّ العزل ، ولا يملك البيع ؛ لأنّ الوكالة عقد جائز ، فلم يلزم العاقد المقام عليها ، كسائر الوكالات.

قالوا : وكونه من حقوق الرهن لا يمنع بقاءه على جوازه ، كما أنّ الرهن إذا شُرط في البيع لا يصير لازماً قبل القبض ، فإن عزله عن البيع ، فعلى صحّة العزل يكون للمرتهن فسخ البيع الذي جعل الرهن ثمنه ، كما لو امتنع الراهن من تسليم الرهن المشروط في البيع(١) .

هذا إذا كانت الوكالة شرطاً في عقد الرهن ، ولو شرطاها بعده ، انفسخت بعزل الموكّل والوكيل إجماعاً.

وأمّا إن عزله المرتهن ، فلا ينعزل ، قاله الشيخ(٢) - وبه قال أحمد والشافعي في أحد قوليه(٣) - لأنّ العدل وكيل الراهن ؛ إذ المرهون ملكه ، ولو انفرد بتوكيله صحّ ، فلم ينعزل بعزل غيره.

والثاني : له عزله(٤) ، على معنى أنّ لكلّ واحدٍ منهما منعه من البيع ؛ لأنّ المرتهن له أن يمنعه من البيع ، لأنّ البيع إنّما يستحقّ بمطالبته ، فإذا لم يطالب بالبيع ومنعه منه ، لم يجز ، فأمّا أن يكون ذلك فسخاً فلا.

مسألة ١٨٤ : إذا وضعا الرهن عند عَدْلٍ وشرطا أن يبيعه عند المحلّ ، جاز.

قال الشيخرحمه‌الله : وليس للعَدْل أن يبيعه حتى يستأذن المرتهن بإذنٍ‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤ - ٤٥٥.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٤٣ ، المسألة ٤٢ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٣ و ٤ ) المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

٢٦٨

مجدَّد(١) - وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال أحمد(٢) - لأنّ البيع لحقه ، فإذا لم يطالب به ، لم يجز بيعه ، بل يراجع ليعرف أنّه مطالِبٌ أو مهمل أو مبرئ.

والثاني : أنّه لا يراجع ؛ لأنّ غرضه توفية الحقّ(٣) .

وأمّا الراهن فقال الشيخعليه‌السلام : لا يشترط تجديد إذنه ولا مراجعته ثانياً عند البيع(٤) - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ الأصل دوام الإذن الأوّل.

والثاني : أنّه يشترط تجديد إذنه ؛ لأنّه قد يكون له غرض في استبقاء المرهون ويريد قضاء الحقّ من غيره وإبقاء الرهن لنفسه(٦) .

ولو مات الراهن أو المرتهن ، بطلت الوكالة.

وإذا قلنا : إنّ الوكيل لا ينعزل بعزل المرتهن ، فلو عاد إلى الإذن ، جاز البيع ، ولم يشترط تجديد توكيل من الراهن.

قال بعض الشافعيّة : مساق هذا أنّه لو عزله الراهن ثمّ عاد ووكّل ، افتقر إلى إذنٍ جديد للمرتهن ، ويلزم عليه أن يقال : لا يعتدّ بإذن المرتهن قبل توكيل الراهن(٧) .

ولو وضعا الرهن على يد عَدْلٍ فمات ، فإنّ اتّفق الراهن والمرتهن‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٤ ، المسألة ٤٣ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ - ٤٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٤٤ ، المسألة ٤٣ ، المبسوط للطوسي ٢ : ٢١٧ ٢١٨.

(٥ و ٦ ) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٧) الوسيط ٣ : ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠.

٢٦٩

على كونه في يد عَدْلٍ آخَر أو في يد أحدهما ، كان لهما. وان اختلفا ، كان للحاكم أن يضعه عند عَدْلٍ يرتضيه.

ولو كان الرهن في يد المرتهن فمات ، فالرهن بحاله ، فإن رضي الراهن أن يكون في يد ورثة المرتهن ، كان في أيديهم إن اختاروا. وإن أبى ذلك ، لم يُجبر على تركه في أيديهم ؛ لأنّه لم يرض إلّا بأمانة المرتهن دون ورثته ، ويضعه الحاكم عند مَنْ يراه.

مسألة ١٨٥ : يد العَدْل يد أمانةٍ متطوّع بحفظه ، فلو اتّفقا على نقله من يده ، كان لهما ؛ لأنّ الحقّ لهما. وان اختلفا فيه فطالَب أحدهما بالنقل وامتنع الآخَر ، لم ينقل ؛ لأنّهما قد رضيا بأمانته ورضيا بنيابته عنهما في حفظه ، فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد وإخراجه من يده.

ولو أراد العَدْل ردَّ الرهن فإن كانا حاضرَيْن ، كان له ذلك ، وعليهما قبوله منه ؛ لأنّه أمين متطوّع بحفظه ، فلا يلزمه المقام على ذلك ، فإذا قبضاه فقد بري‌ء العدْل من حفظه. وإن امتنعا من أخذه ، رفع أمرهما إلى الحاكم ليُجبرهما على [ تسلّمه ](١) فإن امتنعا أو استترا ، نصب الحاكم أميناً يقبضه منه لهما ؛ لأنّ للحاكم ولايةً على الممتنع من حقٍّ عليه.

ولو ردّه العَدْل على الحاكم قبل أن يردّه عليهما وقبل امتناعهما من قبضه ، لم يكن له ذلك ، وكان ضامناً ، وكان الحاكم ضامناً أيضاً ؛ لأنّ الحاكم لا ولاية له على غير الممتنع.

وليس للعَدْل أن يدفع الرهن إلى غير المتراهنين مع حضورهما وإمكان الإيصال إليهما ، وكذا لو دفعه العَدْل إلى ثقةٍ أمينٍ مع وجودهما ،

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « تسليمه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٧٠

فإنّه يضمن ، ويضمن القابض أيضاً ؛ لأنّه لا يجوز له أن يُخرجه من يده إلى‌ غير المتراهنين ، وليس للعَدْل القابض قبضه ، فضمنه ؛ لأنّه قبضه بغير حقٍّ ، فلزمه الضمان.

ولو دفعه إلى أحد المتراهنين ، فإنّهما يضمنان أيضاً ؛ لأنّه وكيل لهما في حفظه ، فلم يجز له تسليمه إلى أحدهما دون صاحبه ، فإذا سلّمه ، ضمن ، وضمن القابض ؛ لأنّه قبض ما لا يجوز له قبضه.

ولو امتنعا من القبض وليس هناك حاكم فتركه عند ثقةٍ ، جاز ولا ضمان.

ولو امتنع أحدهما فدفعه إلى الآخَر ، ضمن.

والفرق بينهما أنّ العَدْل يمسكه لهما ، فإذا دفعه إلى أحدهما ، كان ماسكاً لنفسه ، فلم يجز.

ولو كانا غائبين فإن كان للعَدْل عذرٌ في الامتناع من بقائه في يده - كسفرٍ عزم عليه ، أو مرضٍ خاف منه ، أو غير ذلك - دفعه إلى الحاكم ، وقبضه الحاكم عنهما ، أو نصب عَدْلاً يقبضه لهما. وإن لم يجد حاكماً ، جاز له أن يودعه عند ثقةٍ ، ولا ضمان على أحدهما.

فإن أودعه عند ثقةٍ مع وجود الحاكم ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّ الولاية في مال الغائب إلى الحاكم.

وللشافعيّة وجهان(١) .

وإن لم يكن له عذرٌ ، قال الشيخرحمه‌الله : لم يجز له تسليمه إلى

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٩ و ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٦ ، و ٥ : ٢٩.

٢٧١

الحاكم(١) . وهو جيّد.

وفصّل الشافعي فقال : إن كانت غيبتهما طويلةً - وهو السفر الذي يقصر فيه الصلاة - فإنّ الحاكم يقبضه عنهما ، ولا يلجئه إلى حفظه ، وإن لم يجد حاكماً ، أودعه عند ثقة أو أمين : وإن كانت المسافة قصيرةً ، فهو كما لو كانا حاضرَين(٢) .

وإن كان أحدهما غائباً والآخَر حاضراً ، لم يجز تسليمه إلى الحاضر ، وكان كما لو كانا غائبين.

وليس له قسمته وإعطاء الحاضر نصفه ، بخلاف ما لو أودع اثنان وديعةً عند ثالثٍ وغاب أحدهما الآخَر فطالَب ، فإنّ الحاكم يقسّمها بينه وبين الغائب ؛ لأنّ المودعين ما لكان ظاهراً ؛ لثبوت يدهما معاً عليها ، فقسّمها الحاكم ، وهنا الملك لأحدهما وللآخَر حقّ الوثيقة ، وذلك لا يمكن قسمته ، فاختلفا.

مسألة ١٨٦ : لو جعلا الرهن على يد عَدْلين ، جاز إجماعاً ، ولهما إمساكه ، ولا يجوز لأحدها الانفراد بحفظه. فإن سلّمه أحدها إلى الآخَر ، ضمن النصف ؛ لأنّه القدر الذي تعدّى فيه. ولأنّ الراهن لم يرض بأمانة أحدهما ، وإنّما رضي بأمانتهما جميعاً ، فلا يجوز لأحدها أن ينفرد بحفظه.

ويحتمل عندي أن يكون عليهما معاً ضمان الكلّ.

وليس لهما أن يقتسما الرهن وإن كان ممّا يمكن قسمته من غير ضرر ، مثل الطعام والزيت ، وهذا أحد وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٧ ، المسألة ٤٩ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢١.

(٢) راجع : المغني ٤ : ٤٢٢ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٥٠.

٢٧٢

وفي الآخَر : يجوز أن يدفعه أحدهما إلى الآخَر ؛ لأنّ اجتماعهما على حفظه ممّا يشقّ عليهما ويتعذّر ، فحمل الأمر على أنّ لكلّ واحدٍ منهما‌ الحفظ(١) .

وهو ممنوع ؛ لإمكان جَعْله في محرز لهما لكلّ واحدٍ منهما عليه قُفْلٌ.

وقال أبو حنيفة : إن كان ممّا لا ينقسم ، جاز لكلّ واحدٍ منهما إمساك جميعه. وإن كان ممّا يمكن قسمته ، لم يجز ، بل يقتسمانه(٢) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : يجوز أن يضعاه في يد أحدهما بكلّ حال(٣) .

احتجّ أبو حنيفة بأنّه إذا كان ممّا ينقسم فقَبْضُ أحد النصفين لا يكون شرطاً في الآخَر ؛ لأنّه ممّا لا يستحقّ عليه بدل ، كما لو وهب لرجل عينين فقَبِل إحداهما ، بخلاف البيع ، فإذا ثبت لأحدهما إمساك نصفه ، لم يُسلّم إلى غيره.

وعلى القول الثاني للشافعيّة - وهو جواز دفع أحدهما إلى الآخَر - لو كان ممّا ينقسم فقسّماه بينهما ، جاز ، وانفرد كلّ واحدٍ منهما بحفظ ما في يده ، فإن أراد أحدهما أن يردّ ما في يده إلى الآخَر ، فوجهان :

أحدهما : يجوز ؛ لأنّه كان يجوز لكلٍّ منهما أن ينفرد بحفظ جميعه.

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه لمـّا اقتسماه بينهما صار في يد كلّ واحدٍ

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٩ - ٤٣٠ ، المغني ٤ : ٤١٩ - ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٩.

(٢ و ٣ ) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٠ ، المغني ٤ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٩.

٢٧٣

ما ينفرد(١) بحفظه ، فلم يكن له ردّه إلى غيره. ولأنّ قبل القسمة جاز ذلك ؛ لحصول المشقّة ، وبعد القسمة زالت المشقّة(٢) .

مسألة ١٨٧ : لو جني على الرهن في يد العَدْل ، وجبت قيمته على الجاني ، وكانت رهناً. وللعَدْل حفظها ؛ لأنّها بدل الرهن ، وله إمساك الرهن وحفظه ، والقيمة قائمة مقامه. وبطلت وكالته في بيع العين بتلفها ، فلا تتعلّق الوكالة بالقيمة ، بل تبطل ؛ لأنّ الوكالة كانت في العين دون قيمتها ، وبطلت الوكالة ؛ لأنّها لم تصر من حقوق الرهن ، وإنّما هي باقية على جوازها ، ولهذا للراهن الرجوعُ ، بخلاف إمساك العَدْل الرهنَ.

ولو كان الرهن في يد العَدْل فقبضه المرتهن ، وجب عليه ردّه إليه ؛ لأنّ الراهن لم يرض بتسليمه إليه ، فإذا ردّه إلى العَدْل ، زال عنه الضمان.

ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدّى فيه ثمّ أزال التعدّي أو سافر به ثمّ ردّه ، لم يزل عنه الضمان ؛ لأنّ استئمانه بطل بذلك ، فلم يعتد بفعله ، ولا تعود الأمانة إلّا بأن يرجع إلى صاحبه ثمّ يردّه إليه أو إلى وكيله أو يبرئه من ضمانه.

ولو غصب المرتهن الرهنَ من يد العَدْل ، ضمنه ، فإن ردّه إليه ، زال الضمان ؛ لأنّه قد ردّه إلى وكيله.

ولو اقترض ذمّيّ من مسلمٍ مالاً ورهن عنده خمراً وجعله على يد ذمّيّ ، لم يصح الرهن ، فإذا حلّ الحقّ وباعها الذمّي العَدْل وجاء بالثمن ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « صار ما في يد كلّ واحدٍ ينفرد ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٦.

٢٧٤

قال الشيخرحمه‌الله : جاز له أخذه ، ولا يُجبر عليه(١) .

وللشافعي في إجبار المسلم قبض الثمن وجهان : أحدهما : لا يُجبر ؛لأنّه قد تعيّن ثمن الخمر ، وذلك غير مملوك. والثاني : يُجبر ؛ لأنّ أهل الذمّة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيحة ، فيقال : إمّا أن تقبض ، وإمّا أن تبرئ(٢) .

وإن جعلها على يد مسلم فباعها عند محلّ الحقّ أو باعها الذمّيّ من مسلمٍ ، لم يُجبر المرتهن على قبول الثمن ؛ لأنّ البيع فاسد لا يُقرّان عليه ، ولا حكم له.

مسألة ١٨٨ : إذا أذن الراهن والمرتهن للعَدْل في بيع الرهن ، فإن عيّنا له قدراً أو جنساً ، لم يجز له أن يعدل عمّا ذكراه إلى أقلّ ؛ لأنّ الحقّ لهما لا شي‌ء للعَدْل فيه.

فإن أطلقا البيع ، جاز له البيع بثمن المثل حالّاً بنقد البلد ، وبه قال الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة ؛ فإنّه جوّز أن يبيعه ولو بدرهمٍ واحد ؛ لإطلاق الأوّل(٤) .

ليس جيّداً ؛ لأنّ الإطلاق محمول على المعتاد المتعارف بين الناس ، وهو هنا مقيّد بما قلناه.

فإن باعه العَدْل بدون ثمن المثل ، فإن كان بقدر ما يتغابن به الناس ، فالأقوى : الجواز ؛ لأنّه مندرج تحت المتعارف. وإن كان بأزيد ممّا يتغابن به الناس ، لم يصح ، مثل أن يكون الرهن يساوي مائة درهم ويتغابن الناس

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٨ ، المسألة ٥٢ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٣.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٦٠.

(٣ و ٤ ) المغني ٤ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٥

فيه بخمسة دراهم ، فباعه العَدْل بثمانين ، بطل ، ورجع الراهن في العين إن كانت باقيةً ، وإن كانت تالفةً ، كان له الرجوع على أيّهما شاء.

فإن رجع على المشتري ، رجع بقيمتها ، ولا يردّ المشتري على‌العَدْل. وإن رجع على العَدْل ، رجع بجميع القيمة ؛ لأنّه أخرج العين من يده على وجهٍ يجز له ، فضمن جميع قيمتها ، وصار كما لو أتلفها ، فإنّه يرجع عليه بجميع القيمة ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : أنّه يرجع عليه نقص من ثمن مثلها الذي يتغابن به الناس ، فيرجع بالباقي على المشتري ؛ لأنّ ذلك هو القدر الذي فرّط فيه ، فإنّه لو باعها بما يتغابن الناس بمثله ، نفذ بيعه ، ويلزم عليه المشتري ؛ لأنّه لو اشتراه بما يتغابن الناس عليه(١) لم يرجع عليه بشي‌ء ، ومع هذا يجب عليه جميع القيمة(٢) .

وكذا لو أوجبنا تعميم العطاء في الزكاة وأعطى بعض الأصناف الزكاةَ وحرّم بعضاً ، فكم يضمن؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : القدر الذي لو أعطاهم في الابتداء جاز ؛ لأنّ التفضيل جائز.

والثاني : يضمن بقدر ما يخصّهم إذا سوّى بين العدد(٣) . وكذا لو قالوا(٤) في الاُضحية(٥) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « بمثله » بدل « عليه ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٨ ، الوجيز ١ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٢ : ١٩١ - ١٩٢.

(٤) كذا ، والظاهر : « وكذا قالوا ».

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٨ ، =

٢٧٦

فأمّا إذا باعه بثمن مثله أو بما يتغابن الناس بمثله ، صحّ البيع.

وإن باعه العَدْل بغير نقد البلد أو باعه بثمن مؤجَّل ، لم يصحّ البيع ، ويجب ردّ العين ، فإن كانت باقيةً ، استرجعها ، وإن كانت تالفةً ، رجع بقيمتها على مَنْ شاء منهما ، فإن رجع على العَدْل ، رجع العَدْل على المشتري ؛ لأنّ التلف كان في يده ، وإن رجع على المشتري ، لم يرجع على العَدْل.

مسألة ١٨٩ : إذا باع العَدْل بثمن المثل أو بما يتغابن به الناس ، صحّ البيع ؛ لأنّ ما يتغابن به الناس لا يمكن الاحتراز عنه ، وهو يقع لأهل الخبرة والبصيرة ، والمرجع في ذلك إليهم.

فإن جاء بعد البيع مَنْ زاد في ثمنه ، فإن كان بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار بينهما ، لم يعتد بهذه الزيادة ؛ لأنّه لا يجوز له قبولها ، ولا يملك فسخ البيع في هذه الحال.

وإن كان ذلك من زمن الخير مثل أن يكون قبل التفرّق عن المجلس أو في زمن خيار الشرط ، فإنّه يجوز له قبول الزيادة ، وفسخ العقد ، فإن لم يقبل الزيادة ، لم ينفسخ العقد ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله ؛ لأنّ العقد قد صحّ ، وهذه الزيادة مظنونة ، فلا ينفسخ بها العقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

وقال في الآخَر : إنّه ينفسخ ؛ لأنّه مأمور بالاحتياط ، وحالة الخيار بمنزلة حال العقد ، ولو دفع إليه زيادة في حالة العقد وباع بالنقصان لم يصح بيعه وإن كان قد باع بثمن المثل ، فكذا هنا(٢) .

____________________

= حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، الوجيز ٢ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٢ : ٤١٩.

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٥ ، المسألة ٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١ - ٣٣٢.

٢٧٧

فلو بدا للراغب فإن كان قبل التمكّن من البيع منه ، فالبيع الأوّل بحاله. وإن كان بعده ، فقد ارتفع ذلك البيع ، فلا بدّ من بيعٍ جديد.

وقال بعض الشافعيّة : إذا بدا له ، كان البيع بحاله ، كما لو بذل الابن الطاعة لأبيه في الحجّ وجعلناه مستطيعاً به ثمّ رجع عن الطاعة قبل أن يحجّ أهل بلده ، عرفنا عدم الوجوب(١) .

ولو لم يفسح العَدْل البيعَ الأوّل وباع من الراغب ، ففي كونه فسخاً لذلك البيع ثمّ في صحّته خلاف تقدّم.

ولهم خلاف في أنّ الوكيل بالبيع لو باع ثمّ فسخ البيع هل يتمكّن من البيع مرّةً اُخرى؟(٢) .

مسألة ١٩٠ : إذا باع العَدْل الرهنَ بإذنهما ، فالثمن يكون أمانةً في يده لا ضمان عليه فيه إجماعاً ، ويكون من ضمان الراهن إلى أن يتسلّمه المرتهن ، فإن تلف في يده من غير تفريطٍ ، لم يسقط من دَيْن المرتهن شي‌ء - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ العَدْل وكيل الراهن في البيع ، والثمن ملكه ، وهو أمين له في قبضه ، فإذا تلف ، كان من ضمانه ، كسائر الأُمناء.

وقال أبو حنيفة ومالك : يكون من ضمان المرتهن(٤) .

أمّا أبو حنفية فبناه على أصله من أنّ الرهن مضمون على المرتهن والثمن بدله ، فيكون مضموناً.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٨

وليس بجيّد ؛ لما عرفت من أنّ الرهن أمانة.

وأمّا مالك فإنّه يقول : البيع حقّ للمرتهن ، وهو تابع لحقّه ، والثمن‌ يكون للمرتهن ، ويبرأ الراهن ببيع الرهن.

وقوله : « الثمن يكون للمرتهن » ليس بصحيح ؛ لأنّه بدل الرهن ، وإنّما تعلّق حقّ المرتهن باستيفاء الثمن منه ؛ لما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الرهن من راهنه »(١) بمعنى من ضمان راهنه ، وهذه عادة العرب في حذف المضاف.

ولو باع العَدْل وتلف الثمن في يده من غير تفريطٍ ثمّ خرج الرهن مستحقّاً ، فإن كان العَدْل قد أعلم المشتري أنّه وكيل الراهن ، فإنّ العهدة على الراهن ، وكذا كلّ وكيلٍ باع مالَ غيره وبه قال الشافعي وأحمد(٢) لأنّه نائبه في عقدٍ عن غيره ، فلم يلزمه الضمان ، كأمين الحاكم وسائر الوكلاء.

ولا يكون العَدْل طريقاً للضمان في أصحّ وجهي الشافعيّة ؛ لأنّه نائب الحاكم ، والحاكم لا يطالب فكذا نائبه.

والثاني : يكون طريقاً ، كالوكيل والوصي(٣) .

وقال أبو حنيفة : العهدة على الوكيل ، ويرجع على الراهن. وبنى ذلك على أنّ حقوق العهدة تتعلّق - عنده - بالوكيل(٤) .

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٠ ، الهامش (٢)

(٢) المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٩

وهو ممنوع على ما يأتي في الوكالة.

وقال مالك : لا عهدة على العَدْل ، ولكن يرجع المشتري على المرتهن ، ويعود دَيْنه في ذمّة الراهن كما كان ؛ لأنّ البيع وقع للمرتهن‌ بمطالبته واستحقاقه ، وكانت العهدة عليه ، كالموكّل(١) .

وقد بيّنّا أنّه نائب عن الراهن وكيلٌ له دون المرتهن.

ولو خرج مستحقّاً بعد ما دفع الثمن إلى المرتهن ، فإنّ للمشتري أن يرجع على الراهن(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : يرجع على العَدْل ويرجع العَدْل على المرتهن أو على الراهن أيّهما شاء(٤) .

وإن كان المشتري ردّه عليه بعيبٍ ، لم يكن له الرجوعُ على المرتهن ؛ لأنّه قبضه بحقٍّ ، وإنّما يرجع على الراهن.

وإن كان العَدْل حين باعه لم يُعلم المشتري أنّه وكيل ، كان للمشتري الرجوعُ عليه ، ويرجع هو على الراهن إن أقرّ بذلك أو قامت به بيّنة ، وإن أنكر ذلك ، كان القولُ قولَ العَدْل مع يمينه ، فإن نكل عن اليمين ، حلف المشتري ، ويرجع عليه ، ولم يرجع هو على الراهن ؛ لأنّه مُقرٌّ بأنّه ظلمه.

مسألة ١٩١ : لو باع العَدْل وقبض الثمن ثمّ ادّعى تلفه في يده من غير تفريطٍ ، فالقول قوله مع اليمين ، ولا يكلَّف إقامة البيّنة على ذلك ؛ لأنّه أمين ، ويتعذّر عليه إقامة البيّنة على ذلك ، فإن كلّفناه البيّنة ، شقّ عليه ،

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٦٢.

(٢) في المغني والشرح الكبير : « المرتهن » بدل « الراهن ».

(٣) المغني ٤ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٩ ، المغني ٤ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400