تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء10%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125162 / تحميل: 5203
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تَذْكِرَةُ الْفُقَهاء

الجزء الثالث عشر

تأليْفُ : العَلّامِةَ الحِليْ

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

تنبيه

بعد الانتهاء من تحقيق المجلّد الثاني عشر من كتابتذكرة الفقهاء وجدنا ثلاث نسخ خطّيّة أُخرى بخطّ النسخ من الكتاب محفوظة في مركز إحياء التراث الإسلامي ، اعتمدناها في عملنا التحقيقي من المجلّد الثالث عشر ، وهي كما يلي :

١ - نسخة برقم ٦١٥ ، وتشتمل على الجزء الثامن من كتاب الديون الى نهاية الجزء الحادي عشر ، ويعود تاريخ نسخها الى شهر ذي القعدة من سنة ١٢٥٧ ه- وقد رمزنا لها بحرف « ث».

٢ - نسخة برقم ٧٩٤ ، وتشتمل على الجزء التاسع من بداية الرهن الى الجزء الرابع عشر نهاية كتاب الوصايا ، وتاريخ نسخها أواخر شعبان من سنة ١٢٦٤ ه- ، وقد رمزنا لها بحرف « ر ».

٣ - نسخة برقم ٢٤٧ ، وتشتمل على الحزء الثاني عشر من كتاب الاجارة الى نهاية الكتاب ، وهي مباحث كتاب النكاح ، ويعود تاريخ نسخها الى سنة ٩٧٠ ه- ، وقد رمزنا لها بحرف « ص ».

واذ نجدّد الشكر الى كلّ مَنْ ساهم في تحقيق هذا الكتاب والذين ذُكرت أسماؤهم في مقدّمة التحقيق لا بدّ الإشادة بجهود الأخ الفاضل حكمت حكيمي ؛ لمساهمته في تحقيق الأجزاء الأخيرة من الكتاب ، سائلين المولى عزّ و جلّ أن يوفّقنا لمراضيه ، والحمد الله ربّ العالمين.

مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث

٦

٧

كتاب الديون و توابعها

وفيه مقاصد :

المقصد الأوّل : في الديون و أحكامها.

و فيه فصول:

الأوّل : في مطلق الدَّيْن

مسألة ١ : تكره الاستدانة كراهةً شديدة مع عدم الحاجة.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « إيّاكم والدَّيْن فإنّه مذلّة بالنهار ومهمّة(١) بالليل ، وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « نعوذ بالله من غلبة الدَّيْن وغلبة الرجال وبوار الأيِّم(٣) »(٤) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ومذلّة » بدل « ومهمّة » وما أثبتناه من المصدر. وهمّه الأمر همّاً ومهمّةً : حزنه ، كأهمّه فاهتمّ. القاموس المحيط ٤ : ١٩٢.

(٢) الكافي ٥ : ٩٥ / ١١ ، الفقيه ٣ : ١١١ / ٤٦٨ ، علل الشرائع ٥٢٧ ( الباب ٣١٢ ) الحديث ٢.

(٣) أي : كسادها ، من بارت السوق إذا كسدت ، والأيّم : التي لا زوج لها وهي مع ذلك لا يرغب فيها أحد. النهاية لابن الأثير ١ : ١٦١ « بور ».

(٤) التهذيب ٦ : ١٨٣ / ٣٧٧.

٨

وقال معاوية بن وهب للصادقعليه‌السلام : إنّه ذُكر لنا أنّ رجلاً من الأنصار مات وعليه ديناران فلم يصلّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه وقال : « صلّوا على صاحبكم » حتى ضمنهما بعض قرابته ، فقال الصادقعليه‌السلام : « ذلك الحقّ » ثمّ قال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما فعل ذلك ليتّعظوا ، وليردّ بعضهم على بعض ، ولئلّا يستخفّوا بالدين ، وقد مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه دَيْنٌ ، ومات الحسنعليه‌السلام وعليه دَيْنٌ ، وقتل الحسينعليه‌السلام وعليه دَيْنٌ »(١) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل الله عزّ وجلّ إلّا الدَّيْن لا كفّارة له إلّا أداؤه أو يقضي صاحبه أو يعفو الذي له الحقّ »(٢) .

مسألة ٢ : وتخفّ الكراهة مع الحاجة ، فإن اشتدّت ، زالت.

ولو خاف التلف ولا وجه له إلّا الاستدانة ، وجبت.

قال الرضاعليه‌السلام : « مَنْ طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على عياله ونفسه كان كالمجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ ، فإن غُلب عليه فليستدن على الله عزّ وجلّ وعلى رسوله ما يقوت به عياله ، فإن مات ولم يقضه ، كان على الإمام قضاؤه ، فإن لم يقضه ، كان عليه وزره ، إنّ الله تعالى يقول :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) (٣) فهو فقير مسكين مغرم »(٤) .

مسألة ٣ : ويكره له الانقطاع عن طلب الرزق ومنع صاحب الدَّيْن دَيْنه.

قال أبو تمامة(٥) للجوادعليه‌السلام : إنّي اُريد أن ألزم مكة والمدينة وعليَّ

____________________

(١) الكافي ٥ : ٩٣ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٨٣ - ١٨٤ / ٣٧٨.

(٢) الكافي ٥ : ٩٤ / ٦ ، الخصال : ١٢ / ٤٢ ، علل الشرائع : ٥٢٨ ( الباب ٣١٢ ) ح ٤ ، التهذيب ٦ : ١٨٤ / ٣٨٠.

(٣) التوبة : ٦٠.

(٤) الكافي ٥ : ٩٣ / ٣ ، التهذيب ٦ : ١٨٤ / ٣٨١.

(٥) في الفقيه : « أبو ثمامة » بالثاء المثلّثة.

٩

دَيْنٌ فما تقول؟ فقال : « ارجع إلى مؤدّى دَيْنك ، وانظر أن تلقى الله عزّ وجلّ وليس عليك دَيْنٌ ، إنّ المؤمن لا يخون »(١) .

مسألة ٤ : ولو احتاج إلى الدَّيْن وكان له مَنْ يقوم مقامه في الأداء بعد موته ، جاز له الاستدانة من غير كراهية.

وكذا إذا كان له وفاء ، جاز له الاستدانة.

ولو لم يكن وتمكّن من سؤال الناس ، كان أولى من الاستدانة.

قال سلمة : سألت الصادقَعليه‌السلام : الرجل منّا يكون عنده الشي‌ء يتبلّغ به وعليه دَيْنٌ ، أيطعمه عياله حتى يأتي الله عزّ وجلّ أمره فيقضي دَيْنه ، أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدّة المكاسب ، أو يقبل الصدقة؟ قال : « يقضي ممّا عنده دَيْنه ، ولا يأكل أموال الناس إلّا وعنده ما يؤدّي إليهم حقوقهم ، إنّ الله تعالى يقول :( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٢) ولا يستقرض على ظهره إلّا وعنده وفاء ، ولو طاف على أبواب الناس يردّوه باللقمة واللقمتين والتمرة والتمرتين إلّا أن يكون له وليّ يقضي من بعده ، ليس منّا مَنْ يموت إلّا جعل الله عزّ وجلّ له وليّاً يقوم في عدته ودَيْنه فيقضي عِدته ودَيْنه »(٣) .

مسألة ٥ : ويجب على المستدين نيّة القضاء ؛ لأنّه واجب.

قال الصادقعليه‌السلام « مَنْ كان عليه دَيْنٌ ينوي قضاءه كان معه من الله عزّ وجلّ حافظان يعينانه على الأداء عن أمامه(٤) ، فإن قصرت(٥) نيّته عن

____________________

(١) الكافي ٥ : ٩٤ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١١١ ١١٢ / ٤٧٢ ، التهذيب ٦ : ١٨٤ ١٨٥ / ٣٨٢.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) التهذيب ٦ : ١٨٥ / ٣٨٣ ، الكافي ٥ : ٩٥ ٩٦ / ٢ ، وفيه عن سماعة ، وبتفاوت في بعض الألفاظ فيهما.

(٤) في المصادر : « أمانته ». بدل«أمامه».

(٥) في «س» والتذيب : « قصر».

١٠

الأداء قصّرا عنه من المعونة بقدر ما نقّص من نيّته »(١) .

إذا ثبت هذا ، فإذا قضي الدَّيْن عن الميّت برئت ذمّته.

قال الوليد بن صبيح : جاء رجل إلى الصادقعليه‌السلام يدّعي على المعلّى بن خنيس دَيْناً عليه وقال : ذهب بحقّي ، فقال له الصادقعليه‌السلام : « ذهب بحقّك الذي قتله » ثمّ قال للوليد : « قُمْ إلى الرجل فاقضه حقّه فإنّي أُريد أن تبرد عليه جلدته(٢) وإن كان بارداً »(٣) .

مسألة ٦ : ويكره النزول على المديون ؛ لما فيه من الإضرار به ، فإن فَعَل ، فلا يزيد على ثلاثة أيّام ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام كره أن ينزل الرجل على الرجل وله عليه دَيْنٌ وإن كان وزنها(٤) له ثلاثة أيّام(٥) .

وسأل سماعةُ الصادقَعليه‌السلام عن الرجل ينزل على الرجل وله عليه دَيْنٌ أيأكل من طعامه؟ قال : « نعم ، يأكل من طعامه ثلاثة أيّام ثمّ لا يأكل بعد ذلك شيئاً »(٦) .

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام أنّه كره للرجل أن ينزل غلى غريمه ، قال : « لا يأكل من طعامه ولا يشرب من شرابه ولا يعلف(٧) من علفه »(٨) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٩٥ / ١ ، الفقيه ٣ : ١١٢ / ٤٧٣ ، التهذيب ٦ : ١٨٥ / ٣٨٤.

(٢) في المصدر : « جلده ».

(٣) الكافي ٥ : ٩٤ / ٨ ، التهذيب ٦ : ١٨٦ / ٣٨٦ بتفاوت يسير.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بديها » بدل « وزنها » وفي الكافي « صرّها ». وما أثبتناه من التهذيب.

(٥) التهذيب ٦ : ١٨٨ / ٣٩٣ ، الكافي ٥ : ١٠٢ ( باب النزول على الغريم ) الحديث ١.

(٦) الكافي ٥ : ١٠٢ ( باب النزول على الغريم ) الحديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١١٥ / ٤٩١ ، التهذيب ٦ : ٢٠٤ / ٤٦٣.

(٧) كذا ، في المصدر : « ولا يعتلف ».

(٨) التهذيب ٦ : ٢٠٤ / ٤٦٥.

١١

مسألة ٧ : ولا ينبغي للرجل أن يحبس الدَّيْن عن صاحبه مخافة الفقر ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ حبس حقّ امرئ مسلم وهو يقدر أن يعطيه إيّاه مخافة إن خرج ذلك الحقّ من يديه أن يفتقر كان الله أقدر على أن يفقره منه أن يغني نفسه بحبس ذلك الحقّ »(١) .

وينبغي للمديون السعي في قضاء الدَّيْن ، وأن يترك الإسراف في النفقة ، وأن يقنع بالقصد ، ولا يجب عليه أن يضيّق على نفسه ، بل يكون بين ذلك قواماً.

ويستحبّ لصاحب الدَّيْن الإرفاق بالمديون ، وترك الاستقصاء في مطالبته ومحاسبته ؛ لما رواه حمّاد بن عثمان قال : دخل على الصادقعليه‌السلام رجل من أصحابه فشكا إليه رجلاً من أصحابه ، فلم يلبث أن جاء المشكو ، فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ما لأخيك فلان يشكوك؟ » فقال له : يشكوني أن استقضيت حقّي ، قال : فجلس مغضباً ثمّ قال : « كأنّك إذا استقضيت حقّك لم تسئ ، أرأيتك ما حكاه الله تعالى فقال ( يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ )(٢) إنّما خافوا أن يجوز الله عليهم؟ لا والله ما خافوا إلاّ الاستقضاء ، فسمّاه الله تعالى سوء الحساب ، فمن استقضى فقد أساء »(٣) .

ويستحبّ لصاحب الدَّيْن إبراء المديون إذا مات معسراً.

قال إبراهيم(٤) بن عبد الحميد للصادقعليه‌السلام : إنّ لعبد الرحمن بن سيابة دَيْناً على رجل قد مات وكلّمناه على أن يحلّله فأبى ، قال : « ويحه أما يعلم أنّ

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٨٩ / ٣٩٩.

(٢) الرعد : ٢١.

(٣) التهذيب ٦ : ١٩٤ / ٤٢٥.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة بدل إبراهيم « أبو تميم » وهي تصحيف. وما أثبتناه كما في المصدر.

١٢

له بكلّ درهم عشرةً إذا حلّله ، فإن لم يحلّله فإنّما له بدل درهم درهم(١) »(٢) .

وينبغي لصاحب الدَّيْن احتساب ما يهديه إليه المديون ممّا لم تجر عادته بهديّة مثله له - من الدَّيْن ؛ لأنّ رجلاً أتى عليّاًعليه‌السلام ، قال : إنّ لي علي رجل دَيْناً فأهدى إليَّ ، قال : قال : « احسبه من دَيْنك »(٣) .

مسألة ٨ : لو التجأ المديون إلى الحرم ، لم تجز مطالبته فيه ، بل يُضيَّق عليه في المطعم والمشرب إلى أن يخرج ويُطالَب حينئذٍ ، وكذا إن وجب عليه حدّ فالتجأ إليه ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٤) .

ولأنّ سماعة بن مهران سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل لي عليه مال فغاب عنّي زماناً فرأيته يطوف حول الكعبة فأتقضاه؟ قال : قال : « لا تسلّم عليه(٦) ولا تروّعه حتى يخرج من الحرم»(٦) .

أمّا لو استدان فيه ، فالوجه : جواز المطالبة فيه ، كالحدود.

ولو غاب المديون ، قضى عنه وكيله إن كان له وكيل ، وإلّا قضاه الحاكم ؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام قال : « الغائب يقضى عنه إذا قامت البيّنة عليه ، ويُباع ماله ويقضى عنه وهو غائب ، ويكون الغائب على حجّته إذا قدم ، ولا يدفع المال إلى‌الذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء إذا لم يكن مليّاً »(٧) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بدرهم » بدل « درهم » وما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٢٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٣ ( باب هديّة الغريم ) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ١٩ / ٤٠٤ ، الإستبصار ٣ : ٩ / ٢٣.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) في « ي » : « لا ، ولا تسلّم عليه » وفي الكافي بدون حرف الواو.

(٦) الكافي ٤ : ٢٤١ ( باب في مَنْ رأى غريمه في الحرم ) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ١٩٤ / ٤٢٣.

(٧) الكافي ٥ : ١٠٢ ( باب إذا التوى الذي ) الحديث ٢ ، التهذيب ٦ : ١٩١ / ٤١٣.

١٣

الفصل الثاني : في القضاء‌

مسألة ٩ : يجب على المديون المبادرة إلى قضاء الدَّيْن ، ولا يحلّ تأخيره مع حلوله وتمكّنه من الأداء ومطالبة صاحب الدَّيْن ، فإن أخّر والحال هذه ، كان عاصياً ، ووجب على الحاكم حبسه ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام قال : « كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ، ثمّ يأمر فيقسّم ماله بينهم بالحصص ، فإن أبى باعه فقسّمه بينهم ، يعني ماله »(١) .

إذا ثبت هذا ، فلو أصرّ على الالتواء ، كان فاسقاً لا تُقبل شهادته ، ولا تصحّ صلاته في أوّل الوقت ، بل إذا تضيّق ، ولا يصحّ منه فعل شي‌ء من الواجبات الموسّعة المنافية للقضاء في أوّل أوقاتها ، وكذا غير الديون من الحقوق الواجبة كالزكاة والخمس وإن لم يطالب بها الحاكم ؛ لأنّ أربابها في العادة مطالبون.

مسألة ١٠ : لو مات المديون ولم يتمكّن من القضاء ولم يخلّف شيئاً البتّة ، لم يكن معاقباً إذا لم ينفقه في المعصية وكان في عزمه القضاءُ. ولو أنفقه في المعصية أو لم يكن في عزمه القضاءُ ، كان مأثوماً.

قال عبد الغفّار الجازي : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن رجل مات وعليه دَيْنٌ ، قال : « إن كان على بدنه أنفقه من غير فساد ، لم يؤاخذه الله عزّ وجلّ إذا علم من نيّته الأداء إلاّ مَنْ كان لا يريد أن يؤدّي عن أمانته فهو بمنزلة

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٢ ( باب إذا التوى الذي ) ح ١ ، التهذيب ٦ : ١٩١ / ٤١٢ ، الاستبصار ٣ : ٧ / ١٥.

١٤

السارق ، وكذلك الزكاة أيضاً ، وكذلك مَن استحلّ أن يذهب بمهور‌ النساء »(١) .

مسألة ١١ : إذا طُولب المديون بالدَّيْن الحالّ أو المؤجَّل بعد حلوله وكان متمكّناً من القضاء ، وجب عليه ، ويجب عليه دفع جميع ما يملكه ، عدا دار السكنى وعبد الخدمة وفرس لا ركوب وقوت يوم وليلة له ولعياله.

ولا يجوز بيع دار السكنى عند علمائنا أجمع خلافاً للعامّة(٢) - لأنّ في ذلك إضراراً بالمديون ؛ إذ لا بدّ له من مسكن ، فإنّ الإنسان مدنيّ بالطبع لا يمكنه أن يعيش بغير مسكن ، فأشبه النفقة التي تُقدم على الدَّيْن.

وقال زرارة للصادقعليه‌السلام : إنّ لي على رجل ديناً قد أراد أن يبيع داره فيعطيني ، قال : فقال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام : « اُعيذك بالله أن تخرجه من ظلّ رأسه ، اُعيذك بالله أن تخرجه من ظلّ رأسه »(٣) .

وروى إبراهيم بن هاشم أنّ محمّد بن أبي عمير كان رجلاً بزّازاً فذهب ماله وافتقر ، وكان له على رجل عشرة الاف درهم فباع داراً له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم ، وحمل المال إلى بابه ، فخرج إليه محمّد بن أبي عمير فقال : ما هذا؟ قال : هذا مالك الذي لك عليّ ، قال : ورثته؟ قال : لا ، قال : وُهب لك؟ قال : لا ، قال : فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟ قال : لا ، قال : فما هو؟ قال : بعت داري التي أسكنها لأقضي دَيْني ، فقال محمّد بن‌ أبي عمير : حدّثني ذريح المحاربي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « لا يخرج

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٩١ / ٤١١.

(٢) مختصر المزني : ١٠٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠ ، المغني ٤ : ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٦.

(٣) التهذيب ٦ : ١٨٧ / ٣٩٠ ، الاستبصار ٣ : ٦ / ١٣.

١٥

الرجل من مسقط رأسه بالدَّيْن » ارفعها فلا حاجة لي فيها ، والله إنّي لمحتاج في وقتي هذا إلى درهمٍ واحد ، وما يدخل ملكي منها درهم واحد(١) .

وفي وجهٍ لبعض الشافعية(٢) مثل ما قلناه.

ثمّ اعترض العامّة على أنفسهم بأنّ مَنْ وجبت عليه الكفّارة لا يباع عليه مسكنه وخادمه ، فما الفرق؟

وأجابوا بأنّ حقوق الله تعالى وجبت على سبيل المساهلة والرفق ، وحقوق الآدميّين على سبيل المشاحّة. ولأنّ الكفّارة لها بدل ينتقل إليه ، والدَّيْن بخلافه. ولأنّ حقوق الله تعالى لم تجب على سبيل المعاوضة ، وحقوق الآدميّين وجبت(٣) على سبيل المعاوضة ، فكانت آكد ، ولهذا لو وجب حقّ الله تعالى على سبيل العوض مثل أن يتلف شيئاً من الزكاة ، فإنّه يباع فيه مسكنه ، ولهذا يباع مسكنه في نفقة الزوجة دون نفقة الأقارب(٤) .

وهو ممنوع ، ولهذا جوّزنا له أخذ الزكاة مع المسكن والخادم ، فكان في حكم الفقير.

مسألة ١٢ : ولو كانت دار غلّة ، جاز بيعها في الدَّيْن كغيرها من أمواله ؛ إذ لا سكنى فيها.

وقال مسعدة بن صدق : سمعت الصادقعليه‌السلام وسُئل عن رجل عليه دَيْنٌ وله نصيب في دار وهي تغلّ غلّة فربما بلغت غلّتها قوته وربّما لم تبلغ‌

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١١٧ ١١٨ / ٥٠١ ، التهذيب ٦ : ١٩٨ / ٤٤١.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠.

(٣) في « ي » : « تجب » بدل « وجبت ».

(٤) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٦ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢.

١٦

حتى يستدين ، فإن هو باع الدار وقضى دَيْنه بقي لا دار له ، فقال : « إن كان في داره ما يقضي به دَيْنه ويفضل منها ما يكفيه وعياله فليبع الدار ، وإلّا فلا »(١) .

مسألة ١٣ : وكذا لا يباع خادمه إذا كان من أهل الاخدام ؛ للحاجة إليه - خلافاً للعامّة لما قلناه في الدار.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام (٢) قال : « لا تباع الدار ولا الجارية في الدَّيْن ، وذلك أنّه لا بُدَّ للرجل من ظلٍّ يسكنه وخادم يخدمه »(٣) .

وفيه وجهٌ للشافعيّة : أنّه لا يباع إذا كان لائقاً به(٤) ، كما اخترناه.

وفي وجهٍ آخَر : أنّه يباع هو والمسكن(٥) .كما قلناه.

وثالثٍ : أنّه يباع الخادم دون المسكن(٦) .

وكذا لا يباع عليه فرس الركوب.

ولو كان له خادمان ، بيع أحدهما ؛ لاندفاع الضرورة بالآخر.

وكذا لو كان سكناه فضلة يستغني عنها ، وجب بيع تلك الفضلة ؛ لعدم الضرورة إليها ، ولحديث مسعدة ، وقد سبق(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٩٨ / ٤٤٠ ، الاستبصار ٣ : ٧ / ١٦.

(٢) مختصر المزني : ١٠٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠.

(٣) الكافي ٥ : ٩٦ / ٣ ، التهذيب ٦ : ١٨٦ / ٣٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٦ / ١٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠.

(٥) مختصر المزني : ١٠٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠ ، منهاج الطالبين : ١٢١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠.

(٧) في ص ١٥ - ١٦ ، صدر المسألة ١٢.

١٧

ولا يكلَّف بيع داره وشراء أدون إذا كانت داره بقدر كفايته. وكذا لا يكلَّف بيع خادمه وشراء أدون ، ولا بيع فرسه وشراء أدون ؛ للأصل ، وعموم النهي عن بيع هذه الأشياء.

قال ابن بابويه : كان شيخنا محمّد بن الحسن يروي أنّه إذا كانت الدار واسعةً يكتفي صاحبها ببعضها ، فعليه أن يسكن منها ما يحتاج إليه ، ويقضي ببعضها دَيْنه ، وكذا إن كفته دار بدون ثمنها ، باعها واشترى من ثمنها داراً يسكنها ، ويقضي بباقي الثمن دَيْنه(١) .

نعم لو كانت دار السكنى وعبد الخدمة أو فرس الركوب أو ثوبه الذي يلبسه رهناً ، جاز بيعه ، كما أنّه لو باشر بيع هذه الأشياء باختياره ، جاز قبض ثمنه كذا هنا.

مسألة ١٤ : إذا غاب صاحب الدَّيْن ، وجب على المديون نيّة القضاء إذا وجده ، وأن يعزل دَيْنه عند وفاته أو يوصي به ليوصل إلى مالكه إن وجد أو إلى وارثه.

ولو جهله ، اجتهد في طلبه ، فإن أيس منه ، قيل : يتصدّق به عنه(٢) .

وإذا علم الله تعالى منه نيّة الأداء ، لم يكن عليه إثم ؛ لما رواه زرارة قال : سألت الباقرَعليه‌السلام [ عن ](٣) الرجل يكون عليه الدَّيْن لا يقدر على صاحبه ولا على وليّ له ولا يدري بأي أرض هو ، قال : « لا جناح عليه بعد‌ أن يعلم الله تعالى منه أنّ نيّته الأداء »(٤) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١١٨ / ٥٠٢.

(٢) قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٠٧.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ١٨٨ / ٣٩٥.

١٨

وسئل الصادقعليه‌السلام عن رجل كان له على رجل حقٌّ ففُقد ولا يدري أحيّ هو أم ميّت ولا يعرف له وارث ولا نسيب(١) ولا بلد ، قال : « اطلبه » قال : إنّ ذلك قد طال فأُصدّق به؟ قال : « اطلبه »(٢) .

وهذه الرواية صحيحة السند ، وهي تدلّ من حيث المفهوم على منع الصدقة ، ووجوب الطلب دائماً.

ولو كفل الوليّ حال موت المديون المالَ ، سقط ذمّة المديون مع رضا الغرماء ؛ لرواية إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يكون عليه دَيْن فحضره(٣) الموت فيقول وليّه : عليَّ دَيْنك ، قال : « يبرئه ذلك وإن لم يوفه وليّه من بعده » وقال : « أرجو أن لا يأثم ، وإنّما إثمه على الذي يحبسه »(٤) .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يموت وعليه دَيْنٌ فيضمنه ضامن للغرماء ، فقال : « إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمّة الميّت »(٥) .

مسألة ١٥ : لا تحلّ مطالبة المعسر ولا حبسه ولا ملازمته ، عند علمائنا أجمع وبه قال الشافعي ومالك(٦) - لقوله تعالى : ‌( وَإِنْ كانَ ذُو

____________________

(١) في المصدر : « نسب ».

(٢) التهذيب ٦ : ١٨٨ / ٣٩٦.

(٣) في « ث ، س » والطبعة الحجريّة : « فيحضره ».

(٤) التهذيب ٦ : ١٨٨ / ٣٩٧.

(٥) الكافي ٥ : ٩٩ ( باب أنّه إذا مات الرجل حلّ دَيْنه ) الحديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٧ ، التهذيب ٦ : ١٨٧ / ٣٩٢.

(٦) الحاوي الكبير ٦ : ٣٣٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٢ ، المغني ٤ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٠ ، المعونة ٢ : ١١٨٣ ، الذخيرة ٨ : ١٥٩ ، التلقين ٢ : ٤٢٩.

١٩

عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) .

ولقول الباقرعليه‌السلام : « إنّ علياًعليه‌السلام كان يحبس في الدَّيْن ، فإذا تبيّن له إفلاس وحاجة خلّى سبيله حتى يستفيد مالاً »(٢) .

ولأنّ مَنْ ليس له مطالبته ليس له ملازمته ، كما لو كان دَيْنه مؤجَّلاً.

وقال أبو حنيفة : إذا ثبت إعساره وخلّاه الحاكم ، كان للغرماء ملازمته ، إلّا أنّهم لا يمنعونه من الاكتساب ، فإذا رجع إلى بيته فإن أذن لهم في الدخول دخلوا معه ، وإن لم يأذن لهم ، منعوه من الدخول ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لصاحب الحقّ اليد واللسان »(٣) ويريد باليد الملازمة(٤) .

وهو محمول على الموسر ؛ لما تقدّم.

إذا تقرّر هذا ، فإن طُولب المعسر وخاف الحبس أو الإلزام إن اعترف ، جاز له الإنكار للدَّيْن والحلف على انتفائه ، ويجب عليه التورية ، ونيّة القضاء مع المكنة.

مسألة ١٦ : ولو استدانت الزوجة النفقةَ الواجبة ، وجب على الزوج دفع عوضه ؛ لأنّه في الحقيقة دَيْنٌ عليه.

ولما رواه الباقرعليه‌السلام قال : « قال عليّعليه‌السلام المرأة تستدين على زوجها‌ وهو غائب ، فقال : يقضي عنها ما استدانت بالمعروف »(٥) .

____________________

(١) البقرة : ٢٨٠.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٩٩ / ٨٣٤ ، الاستبصار ٣ : ٤٧ / ١٥٦.

(٣) الكامل - لابن عدي - ٦ : ٢٢٨١.

(٤) بدائع الصنائع ٧ : ١٧٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٦ ، المعونة ٢ : ١١٨٣ ، الذخيرة ٨ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، المغني ٤ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٠.

(٥) التهذيب ٦ : ١٩٤ - ١٩٥ / ٤٢٦.

٢٠

مسألة ١٧ : لا تصحّ المضاربة بالدَّيْن إلّا بعد قبضه ؛ لعدم تعيّنه قبل القبض.

ولما رواه الباقر عن أمير المؤمنينعليهما‌السلام في رجل يكون له مال على رجل يتقاضاه فلا يكون عنده ما يقضيه فيقول له : هو عندك مضاربة ، فقال : « لا يصلح حتى يقبضه منه »(١) .

إذا ثبت هذا ، فلو فعل فالربح بأجمعه للمديون إن كان هو العامل ، وإلّا فللمالك ، وعليه الاُجرة.

مسألة ١٨ : لا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّين ؛ لما روي عن الصادقعليه‌السلام قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يباع الدّيْن بالدَّيْن »(٢) .

ويجوز بيعه بغير الدَّيْن على مَنْ هو عليه وعلى غيره من الناس بأكثر ممّا عليه وبأقلّ وبمساوٍ إلّا في الربوي ، فتشترط المساواة ؛ لأنّ نهيهعليه‌السلام عن بيعه بالدَّيْن يدلّ من حيث المفهوم على تسويغه بغيره مطلقاً.

وكذا يجوز بيعه نقداً ، ويكره نسيئةً. قاله الشيخ(٣) رحمه‌الله .

فإن دفع المديون إلى المشتري ، وإلّا كان له الرجوع على البائع بالدرك ؛ لوجوب التسليم عليه.

قال الشيخرحمه‌الله : لو باع الدَّيْن بأقلّ ممّا لَه على المديون ، لم يلزم المديون أكثر ممّا وزن المشتري من المال(٤) ؛ لما رواه أبو حمزة عن‌ الباقرعليه‌السلام أنّه سئل عن رجل كان له على رجل دَيْنٌ فجاءه رجل فاشترى منه

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٤ ، التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٢٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٠٠ ( باب بيع الدين بالدين ) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ١٨٩ / ٤٠٠.

(٣) النهاية : ٣١٠.

(٤) النهاية : ٣١١.

٢١

بعرض ثمّ انطلق إلى الذي عليه الدَّيْن فقال له : أعطني ما لفلان عليك فإنّي قد اشتريته منه ، فكيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال الباقرعليه‌السلام : « يردّ عليه الرجل الذي عليه الدَّيْن ما له الذي اشتراه به [ من(١) ] الرجل الذي عليه(٢) الدَّيْن »(٣) .

وهو مع ضعف سنده غير صريح فيما ادّعاه الشيخ ؛ لجواز أن يكون المدفوع مساوياً.

وأيضاً يُحتمل أن يكون ربويّاً ، ويكون قد اشتراه بأقلّ ، فيبطل الشراء ، ويكون الدفع جائزاً بالإذن المطلق المندرج تحت البيع.

إذا ثبت هذا ، فالواجب على المديون دفع جميع ما عليه إلى المشتري مع صحّة البيع.

مسألة ١٩ : أوّل ما يبدأ به من التركة بالكفن(٤) من صلب المال ، فإن فضل شي‌ء ، صُرف في الدَّيْن من الأصل أيضاً ، فإن فضل شي‌ء أو لم يكن دَيْنٌ ، صُرف في الوصيّة من الثلث إن لم يجز الورثة ، فإن أجازت ، نفذت من الأصل. ثمّ من بعد الوصيّة الميراث ؛ لقوله تعالى :( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٥) جعل الميراث مترتّباً عليهما.

وروى السكوني عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أوّل ما يبدأ به من المال الكفن ثمّ الدَّيْن ثمّ الوصيّة ‌ثم

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) في التهذيب : « الذي له عليه ». وفي الكافي : « الذي له الدَّيْن ».

(٣) التهذيب ٦ : ١٨٩ / ٤٠١ ، الكافي ٥ : ١٠٠ ( باب بيع الدَّين بالدَّيْن ) الحديث ٢ ، وفيه السائل هو أبو حمزة.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالكفن ». والصحيح ما أثبتناه ، وفي « ث » : « ما يبدأ من التركة بالكفن ».

(٥) النساء : ١١.

٢٢

الميراث »(١) .

إذا ثبت هذا ، فإن تبرّع إنسان بكفنه ، كان ما تركه في الدَّيْن مع قصور التركة ؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - قال : سألتُ الصادقعليه‌السلام : عن رجل مات وعليه دَيْنٌ بقدر كفنه ، قال : «يكفّن بما ترك إلّا أن يتّجر عليه إنسان فيكفّنه ، ويقضى بما ترك دَيْنه »(٢) .

مسألة ٢٠ : يجوز اقتضاء الدَّيْن والجزية من الذميّ إذا باع خمراً أو خنزيراً على مثله من ذلك الثمن ؛ لأنّه مباح عندهم وقد أُمرنا أن نُقرّهم على أحكامهم.

ولما رواه داود بن سرحان في الصحيح عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كانت له على رجل دراهم فباع بها(٣) خنازير أو خمراً وهو ينظر ، فقضاه ، قال : « لا بأس ، أمّا للمقضي فحلال ، وأمّا للبائع فحرام »(٤) .

إذا قبت هذا ، فلو كان البائع مسلماً ، لم يحلّ أخذ الثمن ؛ لبطلان البيع حينئذٍ ، سواء كان المشتري مسلماً أو كافراً ، وسواء وكّل المسلم الكافرَ في مباشرة البيع أو الشراء وعلى كلّ حال.

مسألة ٢١ : لا تصحّ قمسة الدَّيْن ؛ لعدم تعيّنه ، فلو اقتسم الشريكان ما في الذمم ، لم تصحّ القسمة ، وكان الحاصل لهما ، والتالف منهما ؛ لما رواه الباقر عن عليّعليهما‌السلام في رجلين بينهما مال ، منه بأيديهما ، ومنه غائب عنهما اقتسما الذي في أيديهما ، واحتال كلٌّ منهما بنصيبه ، فاقتضى‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٨٨ - ١٨٩ / ٣٩٨.

(٢) التهذيب ٦ : ١٨٧ / ٣٩١.

(٣) كلمة « بها » لم ترد في المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٢٩.

٢٣

أحدهما ولم يقتض الآخَر ، قال : « ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، وما يذهب بينهما(١) »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فإن احتال كلٌّ منهما بحصّته على مديون من المديونين بإذن شريكه وفعَلَ الآخَر مع المديون الآخرَ ذلك ، صحّ ، ولم يكن ذلك قسمةً ، على أنّ في ذلك عندي إشكالاً أيضاً ؛ لأنّ الحوالة ها ليست بمال مسستحقٍّ على المحيل.

مسألة ٢٢ : أرزاق السلطان لا يصحّ بيعها إلّا بعد قبضها ، وكذا السهم من الزكاة والخمس؛ لعدم تعيّنها.

وهل يجوز بيع الدَّيْن قبل حلوله؟ الوجه عندي : الجواز ، ولا يجب على المديون دفعه إلّا في الأجل.

ويجوز بيعه بعد حلوله على مَنْ هو عليه وعلى غيره بحاضر أو مضمونٍ حالٍّ ، لا بمؤجَّل.

ولو قيل بجوازه كالمضمون ، أو بمنعه بالمضمون ، كان وجهاً.

ولو سقط المديون أجل الدَّيْن عليه ، لم يسقط ، وليس لصاحبه المطالبة في الحال. ويجوز دفعه قبل الأجل مع إسقاط بعضه ؛ لأنّه يكون إبراءً ، وبغير إسقاط إن رضي صاحبه ، ولا يجوز تأخيره بزيادة فيه ؛ لأنّه يكن رباً.

مسألة ٢٣ : لا يجب دفع المؤجَّل قبل أجله ، سواء كان دَيْناً أو ثمناً أو قرضاً أو غيرهما ، فإن تبرّع مَنْ عليه ، لم يجب على مَنْ له الأخذُ ، سواء‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بماله » بدل « بينهما ». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٣٠.

٢٤

كان على مَنْ عليه ضرر في التأخير أو لا ، وسواء كان على مَنْ له ضرر بالتأخير أو لا ، فإذا حلّ، وجب على صاحبه قبضه إذا دفعه مَنْ عليه ، فإن امتنع ، دفعه إلى الحاكم ، ويكون(١) من ضمان صاحبه ، وللحاكم إلزامه بالقبض أو الإبراء.

وكذا البائع سلَماً يدفع إلى الحاكم مع الحلول ، وهو من ضمان المشتري.

وكذا كلّ مَنْ عليه حقٌّ حالّ أو مؤجَّل فامتنع صاحبه من أخذه.

ولو تعذّر الحاكم وامتنع صاحبه من أخذه ، فالأقرب : أنّ هلاكه من صاحب الدَّيْن لا من المديون ؛ لأنّه حقّ تعيّن للمالك بتعيين المديون وامتنع من أخذه ، فكان التفريط منه.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « فيكون ».

٢٥

الفصل الثالث : في القرض‌

وفيه مباحث :

الأوّل : القرض مستحبّ مندوب إليه مرغّب فيه إجماعاً ؛ لما فيه من الإعانة على البرّ ، وكشف كربة المسلم.

روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ كشف عن مسلم كربةً من كرب الدنيا كشف الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة ، والله في عون العبد ما كان العبد في حاجة أخيه »(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه ابن بابويه قال : قال الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ ) (٢) قال : « يعني بالمعروف القرض »(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « مَنْ أقرض قرضاً إلى ميسرة كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة عليه حتى يقبضه »(٤) .

وقال الشيخرحمه‌الله : روي أنّه أفضل من الصدقة بمثله في الثواب(٥) .

وعن عبد الله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام قال : « قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألف

____________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٩ ، المغني ٤ : ٣٨٣ ، وفيهما : « ما دام العبد في عون أخيه ».

(٢) النساء : ١١٤.

(٣) الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٢.

(٤) الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٤.

(٥) النهاية : ٣١١ ٣١٢.

٢٦

درهم أقرضها مرّتين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بها مرّة ، وكما لا يحلّ‌ لغريمك أن يمطلك وهو موسر فكذلك لا يحلّ لك أن تستعسره(١) إذا علمت أنّه معسر »(٢) .

مسألة ٢٤ : أداء القرض في الصفة كالقرض ، فإن دفع من غير جنسه ، لم يلزم القبول ؛ لأنّه اعتياض ، وذلك غير واجب.

فإن اتّفقا عليه ، جاز ؛ للأصل.

ولما رواه علي بن محمّد قال : كتبت إليه : رجل له رجل تمر أو حنطة أو شعير أو قطن فلمّا تقاضاه قال : خُذْ بقيمة ما لَك عندي دراهم ، أيجوز له ذلك أم لا؟ فكتب : « يجوز ذلك عن تراضٍ منهما إن شاء الله »(٣) .

إذا ثبت هذا ، فإذا دفع إليه على سبيل القضاء ، حسب بسعر يوم الدفع ، لا يوم المحاسبة ؛ لأنّ محمّد بن الحسن الصفّار كتب إليه في رجل كان له على رجل مال فلمّا حلّ عليه المال أعطاه به طعاماً أو قطناً أو زعفراناً ولم يقطعه على السعر ، فلمّا كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام والزعفران والقطن أو نقص بأيّ السعرين يحسبه لصاحب الدَّيْن ، بسعر يومه الذي أعطاه وحلّ ماله عليه ، أو السعر الثاني بعد شهرين ، أو ثلاثة يوم حاسبه؟ فوقّع « ليس له إلّا على حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام إن شاء الله »(٤) .

____________________

(١) في المصدر : « تعسره ».

(٢) التهذيب ٦ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٤١٨.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٠٥ / ٤٦٩.

(٤) التهذيب ٦ : ١٩٦ / ٤٣٢.

٢٧

إذا عرفت هذا ، فإن دفع لا على وجه القضاء ، فإن كان المدفوع‌ مثليّاً ، كان له المطالبة به فإن تعذّر فبالقيمة يوم المطالبة. وإن لم يكن مثليّاً ، كان له المطالبة بقيمته يوم الدفع ؛ لأنّه يكون قد دفعه على وجه الإقراض.

مسألة ٢٥ : ولو دفع أجود من غير شرط ، وجب قبوله ؛ لأنّه زاده خيراً ، ولم يكن به بأس.

روى أبو الربيع قال : سُئل الصادقُعليه‌السلام : عن رجل أقرض رجلاً دراهم فردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه وقد علم المستقرض إأنّه إنّما أقرضه ليعطيه أجود منها ، قال : « لا بأس إذا طابت نفس المستقرض »(١) .

وفي الحسن عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال : « إذا أقرضت الدراهم ثمّ أتاك بخير منها فلا بأس إن لم يكن بينكما شرط »(٢) .

وكذا إذا أخذ الدراهم المكسّرة فدفع إليه دراهم طازجيّة بالطاء غير المعجمة والزاي المعجمة والجيم ، وهي الدراهم الجيّدة من غير شرط ، كان جائزاً ؛ لما تقدّم.

ولما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح قال : سألت الصادقعليه‌السلام : عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلّة(٣) فيأخذ منه الدراهم الطازجيّة طيبة بها نفسه ، قال : « لا بأس » وذكر ذلك عن عليّعليه‌السلام (٤) .

مسألة ٢٦ : ولو دفع إليه أزيد ، فإن شرط ذلك ، كان حراماً إجماعاً ؛

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٣ ( باب الرجل يقرض الدراهم ) الحديث ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٠ / ٤٤٧.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ / ٤٤٩.

(٣) الدرهم الغلّة : المغشوش. مجمع البحرين ٥ : ٤٣٦ « علل ».

(٤) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ / ٤٥٠.

٢٨

لما روى(١) الجمهور عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو حرام »(٢) .

وإن دفع الأزيد في المقدار من غير شرط عن طيبة نفس منه بالتبرّع ، كان حلالاً إجماعاً ، ولم يكره ، بل كان أفضل للمقرض.

والأصل فيه ما روى العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله اقترض من رجل بَكْراً(٣) ، فقدمت عليه إبلُ الصدقة ، فأمر أبا رافع يقضي الرجل بَكْرَه ، فرجع أبو رافع فقال : لم أجد فيها إلّا جملاً خياراً(٤) رباعيّاُ(٥) ، فقال : « أعطه إيّاه ، إنّ خير الناس أحسنهم قضاءً »(٦) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثمّ يعطي سوداً وزناً وقد عرف أنّها أثقل ممّا أخذ وتطيب نفسه أن يجعل له فضلها ، فقال : « لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط ، ولو وهبها كلّها له صلح »(٧) .

وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال : سألتُ الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يكون عليه جُلّة(٨) من بُسْر فيأخذ جُلّةً من رطب وهو أقلّ منها ،

____________________

(١) في « ي » : « رواه ».

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ نحوه.

(٣) البكر : الفتيّ من الإبل. النهاية - لابن الأثير - ١ : ١٤٩ « بكر ».

(٤) يقال : جمل خيار. أي : مختار. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٩١ « خير ».

(٥) يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رَباعيته : رَباع. وذلك إذا دخل في السنة السابعة. النهاية لابن الأثير ٢ : ١٨٨ « ربع ».

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٤ / ١٦٠٠.

(٧) الكافي ٥ : ٢٥٣ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٨٠ / ٨١٥ ، التهذيب ٦ : ٢٠٠ - ٢٠١ / ٤٤٨ ، بتفاوت يسير.

(٨) الجُلّة : وعاء التمر. الصحاح ٤ : ١٦٥٨ « جلل ».

٢٩

قال : « لا بأس » قلت : فيكون(١) عليه جُلّة من بُسْر فيأخذ جُلّة من تمر وهي أكثر منها ، قال : « لا بأس إذا كان معروفاً بينكما »(٢) .

مسألة ٢٧ : ولا فرق في تسويغ أخذ الأكثر والأجود والأدون والأردأ مع عدم الشرط بين أن يكون ذلك عادةً بينهما أو لا يكون وهو قول أكثر الشافعيّة -(٣) لما تقدّم.

وقال بعضهم : إذا كان ذلك على عادة بينهما ، كان حراماً ، وتجري العادة بينهما كالشرط(٤) .

وهو غلط ، وإذا كان القضاء أكثر مندوباً إليه ، فلا يكون ذلك مانعاً من القرض ، ولا تقوم العادة مقام الشرط.

مسألة ٢٨ : وكذا لو اقترض منه شيئاً ورهن عليه رهناً وأباحه في الانتفاع بذلك الرهن ، كان جائزاً إذا لم يكن عن شرط ؛ لما رواه محمّد بن مسلم في الحسن قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً ويعطيه الرهن إمّا خادماً وإمّا آنيةً وإمّا ثياباً ، فيحتاج إلى شي‌ء من منفعته فيستأذنه فيأذن له ، قال : « إذا طابت نفسه فلا باس » قلت : إنّ مَنْ عندنا يروون أنّ كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو فاسد ، قال : « أو ليس خير القرض ما جرّ المنفعة »(٥) .

وعن محمّد بن عبدة قال : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن القرض يجرّ

____________________

(١) في « س ، ي » بدل « فيكون » : « فكيف ». وفي الطبعة الحجريّة : « كيف ». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٤ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ / ٤٥١.

(٣و ٤ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١١ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.

(٥) الكافي ٥ : ٢٥٥ ( باب القرض يجرّ المنفعة ) الحديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٨١ / ٨١٩ ، التهذيب ٦ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٤٥٢.

٣٠

المنفعة ، قال : « خير القرض الذي يجرّ المنفعة »(١) .

إذا عرفت هذا ، فلا تنافي بين هذه الأخبار ؛ لأنّا نحمل ما يقتضي التحريمَ على ما إذا كان عن شرط ، والإباحةَ على ما إذا لم يكن عنه ؛ جمعاً بين الأدلة ، ولما تقدّم.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ أقرض رجلاً ورقاً فلا يشترط إلّا مثلها ، وإن جُوزي أجود منها فليقبل ، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابّة أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورقه »(٢) .

مسألة ٢٩ : ولا فرق بين أن يكون مال القرض ربويّاً أو غير ربويّ في تحريم الزيادة مع الشرط ، وعدمه مع غيره ؛ لما تقدّم من أنّه قرض جرّ منفعةً بشرط ، فكان حراماً ، وهو قول جماعة من الشافعية(٣) .

وقال بعضهم : إنّ ما لا يجري فيه الربا تجوز فيه الزيادة ، كما يجوز أن يبيع حيواناً بحيوانين(٤) .

والفرق : أنّ ما فيه الربا يجوز أن يبيع بعضه ببعض وإن كان أحدهما أكثر صفةً ، كبيع جيّد الجوهر برديئه ، والصحيح بالمكسَّر وإن كان ذلك لا يجوز في القرض.

مسألة ٣٠ : مال القرض إن كان مثليّاً ، وجب ردّ مثله إجماعاً. فإن تعذّر المثل ، وجب ردّ قيمته عند المطالبة. وإن لم يكن مثليّاً ، فإن كان ممّا‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٥ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٢ / ٤٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٩ / ٢٢.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٠٣ / ٤٥٧.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

٣١

ينضبط(١) بالوصف - وهو ما يصحّ السلف فيه ، كالحيوان والثياب - فالأقرب : أنّه يضمنه بمثله من حيث الصورة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استقرض « بَكْراً » وردّ « بازلاً »(٢) . والبَكْر : الفتي من الإبل. والبازل : الذي تمّ له ثمان سنين. وروى أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله استقرض « بَكْراً » فأمر بردّ مثله(٣) . وهو قول أكثر الشافعية(٤) .

وقال بعضهم : إنّه يُعتبر في القرض بقيمته ؛ لأنّه لا مثل له ، فإذا ضمنه ضمنه بقيمته ، كالإتلاف(٥) .

والفرق : أنّ القيمة أحضر فأمر به ، وليس كذلك القرض ، فإنّ طريقه الرفق ، فسُومح فيه ، ولهذا يجوز فيه النسيئة وإن كان ربويّاً ، ولا يجوز ذلك في البيع ولا في إيجاب القيمة في الإتلاف.

وأمّا ما لا يُضبط بالوصف - كالجواهر والقسيّ وما لا يجوز السلف - فيه تثبت فيه قيمته ، وهو أحد قولي الشافعيّة ، والثاني : أنّه لا يجوز قرض مثل هذا ؛ لأنّه لا مثل له(٦) .

فإن قلنا : إنّ ما لا مثل له يُضمن بالقيمة ، وكذا ما لا يُضبط بالوصف ، فالاعتبار بالقيمة يوم القبض ؛ لأنّه وقت تملّك المقترض ، وهو أحد قولي الشافعيّة ، وفي الآخَر : أنّه يملك بالتصرّف ، فيعتبر قمية(٧) يوم القبض أيضاً‌ على أحد الوجهين ، وعلى الثاني : بالأكثر من يوم القبض إلى يوم

____________________

(١) في « س ، ي » : « يضبط ».

(٢) نقله الغزّالي في الوسيط ٣ : ٤٥٧ ، والوجيز ١ : ١٥٨ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٤ / ١٦٠٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤.

(٧) في الطبعة الحجريّة : « قيمته ».

٣٢

التصرّف(١) .

وقال بعض الشافعيّة : بالأكثر من يوم القبض إلى يوم التلف(٢) .

فإن اختلفا في القيمة ، قدّم قول المستقرض مع يمينه ؛ لأنّه غارم.

البحث الثاني : في أركان القرض‌

أركان القرض ثلاثة :

الأوّل : الصيغة الصادرة من جائز التصرّف.

ويعتبر فيه أهليّة التبرّع ؛ لأنّ القرض تبرّع ، ولهذا لا يُقرض الوليّ مالَ الطفل ، إلّا لضرورة.

وكذلك لا يجوز شرط الأجل ؛ لأنّ المتبرّع ينبغي أن يكون بالخيار في تبرّعه ، وإنّما يلزم الأجل في المعاوضات.

والإيجاب لا بُدَّ منه ، وهو أن يقول : أقرضتك ، أو أسلفتك ، أو خُذْ هذا بمثله ، أو خُذْه واصرفه فيما شئت وردَّ مثله ، أو ملّكتك على أن تردّ بدله.

ولو اقتصر على قوله : ملّكتك ، ولم يسبق وعد القرض ، كان هبةً.

فإن اختلفا في ذكر البدل ، قُدّم قول المقترض ؛ لأصالة عدم الذكر.

أمّا لو اتّفقا على عدم الذكر واختلفا في القصد ، قُدّم قول صاحب المال ؛ لأنّه أعرف بلفظه ، والأصل عصمة ماله ، وعدم التبرّع ، ووجوب الردّ على الآخذ بقولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي »(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٨ - ٣٧٩.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ / ٢٤٠٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي =

٣٣

ويُحتمل تقديم دعوى الهبة ؛ قضيّةً للظاهر من أنّ التمليك من غير عوض هبة.

وأمّا القبول فالأقرب أنّه شرط أيضاً ؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير ، وافتقار النقل فيما فيه الإيجاب إلى القبول ، كالبيع والهبة وسائر التمليكات(١) ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، والثاني : أنّه لا يشترط ؛ لأنّ القرض إباحة إتلاف على سبيل الضمان ، فلا يستدعي القبول(٢) .

ولا بُدَّ من صدوره من أهله كالإيجاب ، إلّا أنّ القبول قد يكون قولاً ، وقد يكون فعلاً.

مسألة ٣١ : لا يلزم اشتراط الأجل في الدَّيْن الحالّ ، فلو أجلّ الحالّ لم يتأجّل ، وكان له المطالبة في الحال ، سواء كان الدَّيْن ثمناً أو قرضاً أو إجارةً أو غير ذلك وبه قال الشافعي -(٣) لأنّ التأجيل زيادة بعد العقد ، فلا يلحق به ، كما لا يلحق به في حقّ الشفيع. ولأنّه حطّ بعد استقرار العقد ، فلا يلحق به ، كحطّ الكلّ. ولأنّ الأصل عدم اللزوم ؛ إذ قوله : قد أجّلت ، ليس بعقدٍ ناقل ، فيبقى على حكم الأصل.

وقال أبو حنيفة : إن كان ثمناً ، يثبت(٤) فيه التأجيل والزيادة والنقصان ، ويلحق بالعقد ، إلّا أن يحط الكلّ ، فلا يلحق بالعقد ، ويكون

____________________

= ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، سن البيهقي ٦ : ٩٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٧ ، مسند أحمد ٥ : ٦٤١٠ / ١٩٦٤٣ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ١٤٦ / ٦٠٤.

(١) في النسخ الخطّيّة الحجريّة : « التملّكات ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٥٢ ، الوجيز ١ : ١٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٣.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٠٢ ، المغني ٤ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٧.

(٤) في « ث ، ي » : « ثبت ».

٣٤

إبراءً. وكذا في الاُجرة والصداق وعوض الخلع ، فأمّا القرض وبدل المتلف فلا يثبت فيه(١) .

وقال مالك : يثبت الأجل في الجميع ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند‌ شروطهم »(٢) .

ولأنّ المتعاقدين يملكان التصرّف في هذا العقد بالإقالة والإمضاء ، فملكا فيه الزيادة والنقصان، كما لو كانا في زمن الخيار أو المجلس(٣) .

ولا دلالة في الخبر ؛ إذ لا يدلّ على الوجوب ، فيُحمل على الاستحباب بالأصل.

ولا يشبه هذا الإقالةَ ؛ لأنّ هذا لا يجوز أن يكون فسخاً للأوّل وابتداء عقدٍ ؛ لأنّه لم يوجد منه لفظ الفسخ ولا التمليك.

وأمّا زمان الخيار فكذلك أيضاً ؛ لأنّ الملك قد انتقل إلى المشتري عندنا ، فلا تثبت الزيادة.

وعند الشيخ أنّ العقد لم يستقرّ ، فيجوز فيه ما لا يجوز بعد استقراره ، كما يجوز فيه قبض رأس مال السَّلم وعوض الصرف.

وعلى مذهب مالك أنّ هذا الحقّ يثبت حالّاً ، والتأجيل تطوّع من جهته ووَعْدٌ ، فلا يلزم الوفاء به ، كما لو أعاره داره سنةً ، كان له الرجوع.

قال مالك : يثبت الأجل في القرض ابتداءً وانتهاءً ، أمّا ابتداءً فبأن يُقرضه مؤجّلاً ، وأمّا انتهاءً فبأن يُقرضه حالّاً ثمّ يؤجّله(٤) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١/١٥٠٣ ، الاستبصار ٣: ٢٣٢/٨٣٥ ، الجامع لاحكام القران ٦ : ٣٣.

(٣) الذخيرة ٥ : ٢٩٥ ، الوسيط ٣ : ٤٥١ ، المغني ٤ : ٣٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١.

٣٥

الركن الثاني : المال.

مسألة ٣٢ : الأموال إمّا من ذوات الأمثال أو من ذوات القِيَم.

والأوّل(١) يجوز إقراضه إجماعاً.

وأمّا الثاني فإن كان ممّا يجوز السَّلَم فيه ، جاز إقراضه أيضاً. وإن لم يكن ممّا يجوز السَّلَم فيه ، فقولان تقدّما(٢) .

وهل يجوز إقراض الجواري؟

أمّا عندنا فنعم - وهو أحد قولي الشافعي -(٣) للأصل. ولأنّه يجوز إقراض العبيد فكذا الجواري. ولأنّه يجوز السلف فيها فجاز قرضها ، كالعبيد ، وبه قال المزني وداوُد(٤) .

وأظهرهما عندهم : المنع ؛ لنهي السلف عن إقراض الولائد. ولأنّه لا يستبيح الوطؤ بالقرض ؛ لأنّه ملك ضعيف لا يمنعه من ردّها على المقرض ، ولا يمنع المقرض من أداها منه ، ومثل ذلك لا يستباح به الوطؤ ، كما لا يستبيح المشتري الوطء في مدّة خيار البائع. ولأنّه يمكنه(٥) ردّها بعد الوطئ ، فيكون في معنى الإعارة للوطئ ، وذلك غير جائز ، وإذا

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « فالأوّل ».

(٢) في ص ٣١ ، المسألة ٣٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي ١ : ٣١٠ ، الوسيط ٣ : ٤٥٢ ، الوجيز ١ : ١٥٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٦ ، التهذيب - للبغوي ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، المحلى ٨ : ٨٢ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « لا يمكنه » بزيادة « لا ». وهو غلط.

٣٦

ثبت أنّه لا يحلّ وطؤها ، لم يصحّ القرض ؛ لأنّ أحداً لا يفرّق بينهما. ولأنّ الملك إذا لم يستبح[به](١) الوطؤ لم يصح ؛ لانّه من المنافع المقصودة به ، بخلاف ما إذا كانت محرّمةً عليه فاشتراها ؛ لأنّ الوطء محرّم من جهة الشرع ، وهنا التمليك لا يستباح به ، فهو بمنزلة العقد الفاسد ، وفي هذا انفصال عن السَّلم والعبد ، ولا يلزم المكاتب إذا اشترى أمةً(٢) .

ونهي السلف ليس حجّةً. ونمنع عدم استباحة الوطئ ، والردّ من المقترض لا يوجب ضعف ملكه. ونمنع عدم منع المقرض من استراد العين ؛ لأنّ القرض عندنا يُملك بالقبض. وإمكان الإعادة بعد الوطي لا يوجب مماثلتها للإعارة.

قال بعض الشافعيّة : القولان مبنيّان على الخلاف في أنّ القرض بِمَ يُملك؟ وفي كيفيّة البناء طريقان :

قال قائلون : إن قلنا : يُملك بالقبض ، جاز إقراضها ، وإلّا فلا ؛ لما في إثبات اليد من غير مالكٍ من خوف الوقوع في الوطئ.

وقال بعضهم : إنّا إن قلنا : يُملك بالقبض ، لم يجز إقراضها أيضاً ؛ لأنّه إذا ملكها فربّما يطؤها ثمّ يستردّها المقرض ، فيكون ذلك في صورة إعارة الجواري للوطي. وإن قلنا : لا يُملك بالقبض فيجوز ؛ لأنّه إذا لم يملكها لم يطأها(٣) .

تذنيب : الخلاف المذكور إنّما هو في الجارية التي يحلّ للمستقرض وطؤها ، أمّا المحرَّمة بنسبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرة فلا خلاف في جواز

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجريّة : « منه». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، المغني ٤ : ٣٨٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨٥ - ٣٨٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤: ٤٣١.

٣٧

إقراضها منه.

إذا ثبت هذا ، فإذا اقترض مَنْ ينعتق عليه ، انعتق بالقبض ؛ لأنّه حالة الملك.

مسألة ٣٣ : يجوز قرض الحيوان ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي(١) - للأصل. ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله اقترض « بَكْراً » وردّ « بازلاً »(٢) . ولأنّه يثبت في‌ الذمّة بعقد السَّلَم ، فجاز أن يثبت في الذمّة بعقد القرض ، كالمكيل والموزون.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز القرض إلّا فيما له مثل من الأموال ، كالمكيل والموزون ؛ لأنّ ما لا مثل له لا يجوز قرضه ، كالجواهر والإماء(٣) .

ويُمنع حكم الأصل على ما تقدّم.

ولأنّ عند أبي حنيفة لو أتلف ثوباً ، ثبت في ذمّة المـُتْلِف مثله ، ولهذا جوّز الصلح عنه على أكثر من قيمة المـُتْلَف(٤) .

ولو سلّمنا الحكم في الجواهر ، فلأنّه لا يثبت في الذمّة سَلَماً ، بخلاف المتنازع.

ولو سلّمنا المنع في الأمة ، فلاحن القرض ملكٌ ضعيف ، فلا يباح به الوطؤ ، فلا يصحّ الملك. على أنّ الحقّ عندنا منع الحكم في الأصل.

مسألة ٣٤ : يجوز إقراض الخبز ، عند علمائنا - وهو أحد قولي

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٤ / ١٠٨٣ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٦ ، الهامش (٣)

(٣) حلية العلماء ٤ : ٣٩٧ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.

(٤) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.

٣٨

الشافعي ، وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل(١) - للحاجة العامّة إليه ، وإطباق الناس عليه.

ولأنّ الصباح بن سيابة سأله الصادقَعليه‌السلام : إنّا نستقرض الخبز من الجيران فنردّ أصغر أو أكبر، فقالعليه‌السلام : « نحن نستقرض الستّين والسبعين عدداً فتكون فيه الصغيرة والكبيرة فلا بأس»(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز - وهو القول الآخَر للشافعي - لأنّه ليس من ذوات الأمثال(٣) .

ونمنع حصر القرض في المثلي على ما تقدّم.

تذنيب : يجوز ردّ مثله عدداً أو وزناً وبه قال محمد بن الحسن(٤) للحديث السابق. ولقضاء العادة به.

وقال أبو يوسف : يردّ وزناً(٥) . وهو أحد قولي الشافعي(٦) . ولا بأس به.

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، المبسوط للسرخسي ١٤ : ٣١ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٦٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٩.

(٢) الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٣.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ١٤ : ٤٠١ ، بدائع الصنائع ٧ : ٣٩٥ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠١ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٤ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٩.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ١٤ : ٣١ ، بدائع الصنائع ٧ : ٣٩٥ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٦٦.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ١٤ : ٣١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠١.

(٦) راجع الهامش (٢ و ٣ ) من ص ٣٩.

٣٩

وللشافعي قولٌ آخَر : إنّه يجب ردّ القيمة(١) .

والأصل في الخلاف أنّهم إن قالوا : يجب في المتقوّمات المثلُ من حيث الصورة ، وجب الردّ وزناً. وإن قالوا : تجب القيمة ، وجب هنا القيمة(٢) .

فإن شرط ردّ المثل ، فللشافعّية - على تقدير وجوب القيمة - وجها في جواز الشرط وعدمه(٣) .

مسألة ٣٥ : يجب في المال أن يكون معلوم القدر ليمكن قضاؤه.

ويجوز إقراض المكيل وزناً والموزون كيلاً كما في السلف ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٤) .

وقال القفّال : لا يجوز إقراض المكيل بالوزن ، بخلاف السَّلَم ، فإنّه لا يسوّى بين رأس المال والمـُسْلَم فيه. وزاد فقال : لو أتلف مائة منٍّ من الحنطة ، ضمنها بالكيل. ولو باع شقصاً. مشفوعاً بمائة منٍّ من الحنطة ، يُنظر كم هي بالكيل ، فيأخذه الشفيع بمثلها كيلاً(٥) .

والأصحّ في الكلّ الجواز.

الركن الثالث : الشرط.

يشترط في القرض أن لا يجرّ المنفعة بالقرض ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠١.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٢ ، وانظر : التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400