تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء10%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125372 / تحميل: 5206
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٣٨٩-٦
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وفرقٌ بينهما ؛ لأنّ الدَّيْن ثبت فيه باختيار السيّد ، وفي صورة النزاع إنّما أذن له في التجارة ، ولم يأذن له في تأخير الثمن في ذمّته.

ويخالف أيضاً النفقة في النكاح حيث تعلّقت بكسبه ؛ لأنّ إذن السيّد في النكاح يتضمّنها ، وهُنا لا يتضمّن إذنه ، وإنّما أذن له في التجارة وطلب الفائدة ، دون المداينة والخسران.

وقال أحمد بن حنبل : يتعلّق بذمّة السيّد ، لأنّه أذن له في التجارة ، فقد غرّ الناس بمعاملة ، وأذن له فيها ، فصار ضامناً(١) .

وليس بصحيح ؛ لأنّ السيّد لم يضمن عن عبده ، ولا في ذلك غرر ، وإنّما أذن له في التجارة، وهذا لا يتضمّن تعديله ولا إثبات وفائه ، ويبطل بمن باع رجلاً معسراً وعامَلَه ، فإنّه قد غرّ الناس ولا يضمن.

النظر الثالث : في قضاء ديونه.

مسألة ٨٢ : ديون معاملات المأذون تؤخذ ممّا في يده من مال التجارة ، سواء فيه الأرباح الحاصلة بتجاراته ورأس المال.

ولو أدّاه السيّد ، جاز.

وهل تؤدّى من كسبه بغير طريق التجارة ، كالاصطياد والاحتطاب؟ مقتضى مذهبنا ذلك ؛ لأنّ جميع ذلك ملك السيّد.

والشافعيّة وجهان ‌:

هذا أحدهما ، كما يتعلّق به المهر ومُؤن النكاح ، إلّا أنّ الشافعيّة قالوا : ما فضل من ذلك يكون في ذمّته إلى أن يعتق.

____________________

(١) المغني ٤ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٢.

٨١

والثاني : لا ، كسائر أموال السيّد(١) .

وعلى الأوّل هل يتعلّق بما كسبه بعد الحجر؟ وجهان للشافعيّة ، أصحّهما عندهم : أنّها(٢) لا تتعلّق برقبته ، كما لو استقرض بغير إذن السيّد.

وخالف فيه أبو حنيفة.

وأمّا أنّها لا تتعلّق بذمّة السيّد : فلأنّ ما لزم بمعاوضة معقودة(٣) بإذنه وجب أن تكون متعلّقةً بكسب العبد ، كالنفقة في النكاح(٤) .

مسألة ٨٣ : لو أذن المولى لجاريته في التجارة فَعَلاها ديونٌ ، لم تتعلّق الديون بأولادها ، سواء وُلدوا قبل الإذن في التجارة أو بعدها ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أبو حنيفة : إن وُلدوا بعد الإذن في التجارة ، تعلّق الدَّيْن بهم ، وإلّا فلا(٦) .

ولو أتلف السيّد ما في يد المأذون من أموال التجارة ، فعليه ما أتلف بقدر الدَّيْن.

ولو أنّه قتل المأذون وليس في يده مال ، لم يلزمه قضاء الديون ، إلّا‌ أن تكون في مصلحة التجارة.

ولو تصرّف فيما في يد المأذون ببيعٍ أو هبة أو إعتاق ولا دَيْن على

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

(٢) أي الديون.

(٣) في العزيز شرح الوجيز : « مقصودة » بدل « معقودة ».

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧١.

٨٢

العبد ، كان تصرّفه ماضياً.

وفي وجهٍ للشافعيّة : يشترط أن يتقدّم عليه حَجْر(١) .

وإن كان عليه دَيْنٌ(٢) .

مسألة ٨٤ : إذا باع المأذونَ أو أعتقه ، صار محجوراً عليه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) .

وفي قضاء ديونه ممّا يكسبه في يد المشتري الخلافُ المذكور فيما يكسبه بعد الحجر عليه.

وأكثر المسائل الخلافيّة في المأذون يبنى على أنّه يتصرّف لنفسه أو لسيّده؟ فعند أبي حنيفة أنّه يتصرّف لنفسه(٤) . وعندنا وعند الشافعي(٥) لسيّده ، فلذلك نقول : ليس له أن يبيع نسيئةً ولا بدون ثمن المثل ، ولا يسافر بمال التجارة إلّا بإذن السيّد ، ولا يتمكّن من عزل نفسه ، بخلاف الوكيل.

ولو أذن لعبده في التجارة مطلقاً ولم يعيّن مالاً ، قال بعض الشافعيّة‌ لا يصحّ هذا الإذن(٦) .

وقال بعضهم : يصحّ ، وله التصرّف في أنواع الأموال(٧) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ؛ حيث إنّ الشرط بلا جزاء ، وقد ورد الجزاء في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٢٨ هكذا : « فقد سبق حكم تصرّفه » وقد تقدّم حكم تصرّفه في هذا الكتاب ص ٣٩ ، المسألة ٧٠ ، فراجع.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢.

(٦ و ٧ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

٨٣

مسألة ٨٥ : لو أذن السيّد لعبده في أنّه يضمن عن إنسان مالاً ، فضمنه ، تعلّق المال بذمّة العبد ؛ لأنّه ثبت برضا مَنْ له الحقّ ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يتعلّق بكسبه ، ويكون بمنزلة المهر والنفقة ؛ لأنّه أذن في سببه(١) .

مسألة ٨٦ : قد بيّنّا أنّه لا يُقبل إقرار العبد - سواء كان مأذوناً له أو لا - بقصاصٍ ولا حدٍّ ولا في مالٍ في حقّ سيّده.

وقال الشافعي : يُقبل في الجناية والحدّ(٢) .

وعندنا أخ صدّقه السيّد الأقرب : القبول.

فإذا ثبت القبول مطلقاً أو بتصديق السيّد ، فوليّ الجناية مخيّر بين القصاص والعفو مطلقاً.

وعند الشافعي على مال(٣) .

ونحن إنّما نثبت له العفو على المال مع رضا الجاني.

قال بعض الشافعيّة : على القول بأنّ الجناية توجب أحد الأمرين إذا‌ اختار الملك ، كان فيه وجهان بناءً على القولين في المسروق.

لا يقال : لا يثبت العفو على مال ؛ لأنّه يوجب التهمة ، لإمكان أن يواطئ العبد مَنْ يقرّ له بالعمد ليعفو عنه.

لأنّا نقول : إنّه أقرّ بالعمد الموجب للقصاص ، وذلك لا تهمة فيه ؛

____________________

(١) الوجيز ١ :١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧ - ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦.

(٢) الاُم ٦ : ٢١٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٦٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦١ ، و ٨ : ٣٢٦ ، و ٨ : ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

٨٤

لأنّه لا يأمن استيفاءه منه ، والعاقل لا يغرّر بنفسه(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المواطاة تنفي ذلك.

إذا ثبت هذا ، فإنّ قيمته إذا كانت أقلّ من أرش الجناية ، لم يكن للوليّ إلّا ذلك ؛ لأنّ الجاني هو العبد ، فلا يجب على غيره شي‌ء. وإن كانت قيمة العبد أكثر ، كان الفضل للسيّد ؛ إذ ليس لصاحب الجناية أكثر من حقّه.

وإن أراد السيّد أن يفديه ، ففيه قولان لعلمائنا ، وللشافعي(٢) أيضاً كالقولين :

أحدهما : بأقلّ الأمرين من قيمته أو أرش جنايته ؛ لأنّ أرش الجناية إن كان أكثر ، فلا يتعلّق بغير العبد الجاني ، وإنّما تجب قيمته ؛ إذ لا شي‌ء له أزيد منها. وإن كان الأرش أقلّ لم يجب بالجناية إلّا هو.

والثاني : أنّه يفديه بأرش الجناية بالغاً ما بلغ ؛ لأنّه يجوز أن يشتري بأكثر من قيمته بأن يرغب فيه راغب أو يزيد فيه زائد.

مسألة ٨٧ : قد عرفت أنّه إذا أقرّ العبد - سواء كان مأذوناً له في التجارة أو لا - بدَيْن ، لم يُقبل ؛ لأنّه في الحقيقة إقرار في حقّ السيّد ، سواء كان قد تلف المال في يده أو لا.

وللشافعي(٣) فيما إذا تلف في يده وجهان(٤) .

وقال ابن سريج : إذا كان المال في يده ، فقولان(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٦٠ و ٥٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢١٥ ، التهذيب - للبغوي - ٧ : ١٧٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٠١ ، الوسيط ٦ : ٣٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ١٠ : ٤٩٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٢١٢.

(٣) كذا ، والظاهر : « للشافعيّة ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ - ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨.

٨٥

ومنهم مَنْ قال : يُقبل قولاً واحداً(١) .

والحقّ قلنا.

نعم ، يُقبل إقراره بكلّ ذلك في ذمّته يتبع به بعد العتق.

تمّ الجزء الثامن(٢) من كتابتذكرة الفقهاء بعون الله تعالى ويتلوه في الجزء التاسع(٣) بتوفيق الله تعالى : المقصد الثاني في الرهن ، وفيه فصول على يد مصنّفه العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، غفر الله تعالى له ولوالديه ولكافّة المؤمنين ، ببلدة السلطانيّة في سادس جمادى الاُولى سنة أربع عشرة وسبعمائة.

والحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيّد المرسلين محمّد النبيّ وآله الطاهرين(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٢ و٣ ) حسب تجزئة المصنّفقدس‌سره .

(٤) ورد في آخر نسخة « س » : وكان الفراغ منه على يد كاتبه العبد الفقير إلى الله الغني زين العابدين بن محي الدّين بن علي بن كرامة ، حامداً مصلّياً مسلّماً ، نهار الجمعة ثاني عشر شهر رمضان المعظّم خُتم بالخير والكرام ، سنة اثنين وسبعين وتسعمائة ، والحمد لله وحده ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ، والحمد لله ربّ العالمين.

٨٦

٨٧

بسم الله الرحمن الرحيم‌

المقصد الثاني : في الرهن‌

وفيه مقدّمة وفصول‌

أما المقدّمة : ففيها بحثان :

الأوّل : في ماهيّته :

الرهن عقد شُرّع للاستيثاق على الدَّيْن.

وفي اللغة : وُضع للثبوت والدوام. يقال : رهن الشي‌ء : إذا ثبت. والنعمة الراهنة هي الثابتة الدائمة.

وقيل : جَعْل الشي‌ء محبوساً(١) ، أي شي‌ء كان بأيّ سبب كان.

قال الله تعالى :( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (٢) أي : محبوسة بوبال ما كسبت من المعاصي.

ويقال : رهنت الشي‌ء فهو مرهون. ولا يقال « أرهنت » إلّا في الشواذّ من اللغة. يقال : رهن فهو مرهون وارتهنته فهو مرهن. ويقال : أرهن في الشي‌ء : إذا عدل فيه. وأرهن ابنه : إذا جعله رهينةً وخاطَر به.

____________________

(١) الصحاح ٥ : ٢١٢٨ « رهن » ، لسان العرب ٣ : ١٨٩ « رهن » ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٧.

(٢) المدّثّر : ٣٨.

٨٨

وجمع الرهن رهون ورهان.

وأمّا الرُّهُن فقال الفرّاء : إنّه جمع الجمع(١) .

قال الزجّاج : يحتمل أن يكون جمع رهن ، كما يقال : سَقف وسُقُف(٢) .

الثاني : الرهن سائغ بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى :( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (٣) .

وروى العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يغلق المرتهن الرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غُنْمه وعليه غُرمه »(٤) .

وعن الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام : « أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي »(٥) .

وعن عائشة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رهن درعه عند يهوديّ وأخذ منه شعيراً لأهله(٦) .

ويقال : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عدل عن الرهن عند المسلمين إلى اليهوديّ خوفاً من أن يحابوه أو يُبرؤوه من القرض.

____________________

(١) حكاه عنه الزجّاج في معاني القرآن ١ : ٣٦٧ ، وابن قدامة في المغني ٤ : ٣٩٧ ، وانظر معاني القرآن - للفرّاء - ١ : ١٨٨.

(٢) حكاه عنه ابن قدامة في المغني ٤ : ٣٩٧ ، وانظر : معاني القرآن - للزجّاج - ١ : ٣٦٧.

(٣) البقرة : ٢٨٣.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ٣٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣.

(٥) سنن البيهقي ٦ : ٣٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤.

(٦) سنن البيهقي ٦ : ٣٦.

٨٩

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو حمزة قال : سألته عن الرهن والكفيل‌ في بيع النسيئة ، قال : « لا بأس به »(١) .

وعن معاوية بن عمّار قال : سألتُ الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يسلم في الحيوان والطعام ويرتهن الرجل ، قال : « لا بأس ، تستوثق من مالك »(٢) .

والأخبار في ذلك كثيرة لا تُحصى.

وقد أجمعت الاُمّة كافّةً على جواز الرهن في الجملة ، وليس واجباً إجماعاً.

وقوله تعالى :( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (٣) المراد منه الإرشاد دون الأمر الموجب.

وهو عقدٌ لازمٌ من طرف الراهن ، جائزٌ من جهة المرتهن إجماعاً ، فليس للراهن فسخ الرهن ، ويجوز للمرتهن فسخه.

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٣ ( باب الرهن ) ح ١ ، التهذيب ٧ : ١٦٨ / ٧٤٤ ، والحديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام .

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٣ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٦٨ / ٧٤٦.

(٣) البقرة ٢٨٣.

٩٠

٩١

الفصل الأوّل : في الأركان‌

وهي أربعة تشتمل عليها أربعة مباحث :

البحث الأوّل : في الصيغة.

الرهن كالبيع في افتقاره إلى صيغة تدلّ عليه.

والأصل فيه أنّ المعاملات لا بدّ فيها من التراضي بين المتعاملين ، والرضا من الاُمور الباطنة الخفيّة عنّا ، ولا يمكن التوصّل إلى معرفته إلّا بالصِّيَغ الدالّة عليه.

والخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة والاستيجاب والإيجاب عليه المذكورة في البيع بجملته آتٍ هاهنا.

واعلم أنّ الرهنإمّا أن يكون مبتدأً متبرَّعاً به ، وهو الذي لا يقع شرطاً في عقدٍ ، بل يقول الراهن : رهنت هذا الشي‌ء عندك على الدَّيْن الذي علَيَّ ، فيقول المرتهن : قبلت.وإمّا أن يقع شرطاً في عقدٍ ، كبيع أو إجارة أو نكاح أو غير ذلك ، فيقول : بعتك هذا الشي‌ء بشرط أن ترهنني عبدك ، فيقول : اشتريت ورهنت ، أو زوّجتك نفسي على مهرٍ قدره كذا بشرط أن ترهنني دابّتك(١) على المهر ، فيقول الزوج. قبلت ورهنت.

فالقسم الأوّل لا بدّ فيه من الإيجاب والقبول عند من اشترطهما ، ولم يُكتف بالمعاطاة.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « دابّتك » بدل « دارك ».

٩٢

وأمّا القسم الثاني : فقد اختلفوا فيه.

فقال بعض الشافعيّة : إذ قال البائع : بعتك كذا بشرط أن ترهنني كذا ، فقال المشتري : اشتريت ورهنت ، لا بدّ وأن يقول البائع بعد ذلك : قبلت الرهن. وكذا إذا قالت المرأة : زوّجتك نفسي بكذا بشرط أن ترهنني كذا ، فقال الزوج : قبلت النكاح ورهنتك كذا ، فلا بُدّ وأن تقول المرأة بعد ذلك : قبلت الرهن ؛ لأنّه لم يوجد في الرهن سوى مجرّد الإيجاب ، وهو بمفرده غير كافٍ في إتمام العقد(١) .

وقال آخَرون : إنّ وجود الشرط من البائع والزوجة يقوم مقام القبول ؛ لدلالته عليه. وكذا الاستيجاب يقوم مقام القبول(٢) .

مسألة ٨٨ : قد بيّنّا أنّه لا بُدَّ في الرهن من إيجاب وقبول ، فالإيجاب كقوله : رهنتك ، أو : هذا وثيقة عندك على كذا ، أو : هو رهن عنك ، وما أدّى هذا المعنى من الألفاظ. والقبول كقوله : قبلت ، أو : رضيت ، وما أدّى معناه.

ولا بُدّ من الإتيان فيهما بلفظ الماضي ، فلو قال : أرهنك كذا ، أو : أنا أقبل ، لم يعتدّ به.

وكذا لا يقوم الاستيجاب مقام القبول ؛ لعدم دلالته على الجزم بالرضا.

وهل يشترط في الصيغة اللفظ العربي؟ الأقرب العدم.

ولا تكفي الإشارة ولا الكتابة إلّا مع العجز عن النطق ، فتكفي الإشارة الدالّة عليه. وكذا الكتابة مع الإشارة ، ولا تكفي الكتابة المجرّدة عن الإشارة الدالّة على الرضا.

مسألة ٨٩ : الرهن عقد قابل للشروط الصحيحة التي لا تقضي إلى

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٠.

٩٣

جهالة في بيان إن شُرط فيه ، عند علمائنا أجمع ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون(١) عند شروطهم »(٢) .

ولقوله تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) ومعنى الإيفاء(٤) العمل بمقتضاه ، فإذا كان مشروطاً ، دخل تحت هذا الأمر.

وقالت الشافعيّة : إن شرط في الرهن شرطاً ، فإمّا أن يكون من مقتضى عقد الرهن ، أو لا يكون من مقتضاه.

فإن كان الأوّل مثل أن يشرط كون الرهن في يد المرتهن أو عَدْلٍ ، أو يبيعه عند محلّ الدَّيْن ، أو يشرط منافعه للراهن ، أو على يباع الرهن في ديْنك عند الحاجة ، أو يتقدّم به عند تزاحم الغرماء ، أو لا أبيعه إلّا بإذنك ، فإنّ مثل هذه الشروط كلّها لا يضرّ التعرّض بها لا في رهن التبرع ولا في رهن المشروط في العقد ، وإنّما هو تصريح بمقتضى العقد وتأكيد لمقتضاه.

وإن كان الثاني فإمّا أن يتعلّق بمصلحة العقد ، كالإشهاد ، أو لا يتعلّق به غرض ، كقوله : بشرط أن لا يأكل إلّا اللحم ، أو ما عداهما(٥) .

والأوّلان ، فيهما قولان ، كما لو شرطا في البيع ، وقد سبق(٦) فيه

____________________

(١) في « ج » : و نسخة بدل في « ر » « المسلمون » بدل « المؤمنون » وكذا في صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، وسنن الدارقطني ٣ : ٢٧ / ٩٨ و ٩٩ ، وسنن البيهقي ٧ : ٢٤٩ ، والمستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٩ و ٥٠ ، والمصنّف - لأبي أبي شيبة - ٦ : ٥٦٨ / ٢٠٦٤ ، والمعجم الكبير - للطبراني - ٤ : ٢٧٥ / ٤٤٠٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) المائدة : ١.

(٤) الضمير راجع إلى العقد. وكلمة « به » لم ترد في الطبعة الحجريّة.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠١.

(٦) في ج ١٠ ص ٢٤٦ ضمن « القسم الرابع : النهي عن بيع وشرط » ومن ٢٧٤ ، الفرع « كد » من المسألة ١٢٤.

٩٤

حكمهما.

والثالث - وهو أن يشترط ما عداهما - فإمّا أن ينفع المرتهن ويضرّ الراهن ، أو بالعكس.

فالنوع الأوّل كما إذا رهن داره بشرط أن يرهن غيرها ، أو بشرط أن لا ينفكّ الرهن بعد أداء الدَّيْن شهراً ، أو أن تكون منافع المرهون أو زوائده للمرتهن ، أو أن لا يسلّمه إليه ، أو أن لا يبيعه عند محلّ الحقّ ، أو أن لا يبيعه إلّا بما يرضى به ، فهنا يبطل الشرط عند الشافعي(١) .

ثمّ إن كان الرهنُ رهنَ تبرّع ، فللشافعي قولان :

أصحّهما عنده : أنّ الرهن فاسد أيضاً ؛ لما فيه من تغيير قضيّة العقد.

والثاني : وبه قال أبو حنيفة - : أنّ الرهن لا يفسد بفساد الشرط ؛ لأنّ الرهن تبرّع من الراهن ، وهذا الشرط فيه تبرّعٌ آخَر ، وأحد التبرّعين لا يبطل ببطلان الثاني ، كما لو أقرضه الصحاح وشرط ردّ المكسور ، يلغو الشرط ويصحّ القرض(٢) .

وإن كان الرهن مشروطاً في بيع نُظر ، فإن لم يجرّ الشرط جهالة الثمن -كما إذا شرط في البيع رهناً على أن يبقى محبوساً عنده بعد أداء الثمن شهراً - ففي فساد الرهن القولان السابقان(٣) في رهن التبرّع.

فإن فسد ، ففي فساد البيع قولان في أنّ الرهن وسائر العقود المستقلّة‌ إذا شُرطت في البيع على نعت الفساد هل تُفسد البيع؟ قولان تقدّما(٤) . فإن قلنا بصحّة البيع ، فللبائع الخيار ، صحّ الرهن أو فسد ؛ لأنّه إن صحّ ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠١.

(٣) آنفاً.

(٤) في ج ١٠ ص ٢٤٩ ، ضمن المسألة ١١٧.

٩٥

لم يسلم له الشرط. وإن لم يصح ، لم يسلم له أصل الرهن.

وإن(١) جرّ الشرط جهالة الثمن - كما إذا شرط في البيع رهناً وشرط أن تكون منافعه وزوائده للمرتهن - فالبيع باطل ؛ لأنّ المشروط استحقاقُه يصير جزءاً من الثمن ، وهو مجهول ، وإذا بطل البيع ، بطل الرهن والشرط لا محالة.

هذا ما اتّفق عليه جماهيرهم(٢) ، ووراءه كلامان آخَران :

أحدهما : نقل المزني في المسألة أنّ للبائع الخيارَ في فسخ البيع وإثباته ، وتوهّم أنّه ذهب إلى تصحيح العقد إذا حذف منه الشرط الفاسد. واعترض عليه بأنّه خلاف أصله في أنّ الفاسد لا خيار فيه. وأصحابه خطّاؤه في قيله وتوهّمه(٣) .

والثاني : أنّ القاضي ابن كج حكى طريقةً اُخرى أنّ في فساد الرهن قولين. وإن فسد ، ففي فساد البيع قولان ، كما سبق(٤) .

وكلامٌ ثالث استحسنه بعضهم ، وهو : أنّ الحكم بالبطلان فيما إذا أطلق فقال : بعتك هذا العبد بألف لترهن به دارك وتكون منفعتها لي ، فأمّا إذا قيّد وقال : تكون منفعتها لي سنةً أو شهراً ، فهذا جمع بين البيع والإجارة‌ في صفقة واحدة(٥) ، وقد سبق حكمه في البيع(٦) .

والنوع الثاني ، وهو أن يكون الشرط ممّا ينفع الراهن ويضرّ

____________________

(١) في النسخة الخطّيّة و الحجريّة : « فإن » والظاهر ما أثبتناه.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤ ، وقد سبق آنفاً.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤

(٦) راجع : ج ١٠ ، ص ٢٥٢ ، الفرع « د » من المسالة ١١٨ ، و ص ٢٩٠ ، الفرع « يج » من المسالة ١٢٦.

٩٦

المرتهن ، كما لو قال : رهنتك بشرط أن لا تبيعه عند المحلّ أو : لا تبيعه بعد المحلّ إلّا إذا مضى شهر ، أو : إلّا بما أرضى ، أو : بأكثر من ثمن المثل ، فهو فاسد عندهم ، مفسد للرهن(١) .

وقال بعضهم : يجي‌ء في إفساده الرهنَ القولان المذكوران في النوع الأوّل(٢) .

واستغربه بعضهم(٣) .

والفرق على ظاهر مذهبهم أنّ ما ينفع المرتهن(٤) يزيد في الوثيقة ، ويؤكّد ما وضع العقد له ، وما يضرّ يخلّ به.

فإن كان الرهن مشروطاً في بيع ، عاد القولان في فساده بفساد الرهن المشروط ، فإن لم يفسد ، فللبائع الخيار(٥) .

واعلم أنّ بعض الشافعيّة قسّم فقال : إن شرط ما هو من مقتضى عقد الرهن - مثل : كون الرهن في يد المرتهن أو في يد عَدْلٍ - صحّ الشرط.

وإن شرط ما ينافي مقتضى العقد - مثل أن يشرط أن لا يسلّمه إليه ، أو : أن لا يبيعه عند محلّ الدَّيْن ، أو كون المنافع للمرتهن فسد الشرط ، لمنافاته مقتضى عقد الرهن.

وهل يفسد الرهن؟ يُنظر فإن كان(٦) نقصاناً من حقّ المرتهن ، بطل عقد الرهن قولاً واحداً. وإن كان زيادةً في حقّ المرتهن ، فقولان :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠١ - ٣٠٢.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

(٤) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « الراهن » بدل « المرتهن » والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤.

(٦) أي الشرط.

٩٧

أحدهما : يفسد ؛ لأنّ هذا شرط فاسد فأفسده ، كما لو كان نقصاناً من حقّ المرتهن.

والثاني : لا يفسد ؛ لأنّ الرهن قد تمّ ، وإنّما شرط له زيادة لا يقتضيها ، فسقطت الزيادة ، وبقي عقد الرهن. ويفارق إذا كان نقصاناً من حقّ المرتهن ؛ لأنّ الرهن لم يتمّ.

فإن قلنا : العقد فاسد ، ففي فساد البيع إذا شرط فيه قولان :

أحدهما : يفسد - وبه قال أبو حنيفة - لأنّ الشرط الفاسد إذا اقترن بالعقد أفسده ؛ لأنّ سقوطه يقتضي ردّ جزء من الثمن تُرك لأجله ، وذلك مجهول.

والثاني : لا يفسد البيع ؛ لأنّ الرهن ينعقد منفرداً عن البيع ، فلم يفسد بفساده ، كالصداق مع النكاح(١) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ أبا حنيفة قال : لا يفسد الرهن بالشروط الفاسدة ؛ لأنّه عقد يفتقر إلى القبض ، فلا يبطل بالشرط الفاسد ، كالهبة ، فإنّ العُمْري يشترط فيها رجوع الموهوب إليه ولا تفسد(٢) .

واحتجّت الشافعيّة على الفساد بأنّ هذا شرط فاسد قارن عقد الرهن ، فوجب أن يفسده ، كما لو قال : رهنتك على أن يكون يوماً في يدك ويوماً‌ في يدي. ومنعوا الهبة. والعُمْري تُقبل إذا قال : أعمرتك حياة فلان ، فأمّا إذا قال : حياتك ، ففيه قولان. وإن سُلّم فالفرق أنّه لم يشرط زوال ملكه ، وإنّما شرط عودها إليه بعد موته ، وذلك شرط على ورثته ، فلم يؤثّر ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠١ ، المغني ٤ : ٤٦٤. و يأتي هذا التفضيل في ص ٢٥٥ ذيل المسألة ١٧٥.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا ، وانظر : المغني ٤ : ٤٦٥ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٥٧.

٩٨

بخلاف مسألتنا فإنّه شرط على العاقد معه ما ينافي العقد ففسد(١) .

والأقرب عندي : جواز اشتراط كلّ مباح في عقد الرهن إذا لم يناف مقتضاه ، فأمّا إذا نافاه ، لم يصح ، مثل أن يشترط في الرهن عدم بيع الرهن مطلقاً ، فإنّه ينافي التوثيق على الدَّيْن.

ولو شرط الانتفاع بالرهن أو عود منافعه إليه أو أن لا يبيعه المرتهن إلّا بحضور الراهن أو إلّا بعد شهر من حلول الدَّيْن ، أو شرط أن يرهن غير الرهن ، أو أن يشترط أن لا يسلّمه إلى المرتهن ، أو أن لا يبيعه إلّا بما يرضى الراهن ، أو حتى يبلغ كذا ، أو بعد محلّ الحقّ بشهر ، ونحو ذلك ، فإنّ ذلك كلّه جائز ؛ لأنّها شروط سائغة ، فيجب الوقوف عندها ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٢) .

ولا فرق في الرهن بين أن يكون تبرّعاً أو شرطاً في بيع وشبهه.

ولو شرط على المرتهن أن يرقنه عند غيره ، بطل ؛ لأنّه منافٍ لمقتضى الرهن. وإذا بطل الشرط بطل المشروط ؛ لأنّ الرضا بالعقد إنّما وقع على ذلك الشرط ، فإذا [ قلنا](٣) : لم يصح ، لم يصحّ العقد ؛ لأنّه بدون الشرط غير مرضيّ به.

مسألة ٩٠ : زوائد المرهون المتجدّدة بعد الرهن المتّصلة تدخل في الرهن ، كالسمن وتعلّم الصنعة وغيرها ، إجماعاً.

وأمّا المنفصلة فإنّها لا تدخل على ما يأتي عند الإطلاق ، لكن لو شرط دخولها - مثل أن يرهن الشجرة بشرط أن تحدث الثمرة مرهونةً ، أو الشاة بشرط أن يحدث النتاج مرهوناً - فإنّه يصحّ الشرط ، ويصير النماء

____________________

(١) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) ما بين المعقوفين نسخة بدل هامش الطبعة الحجريّة.

٩٩

المتجدّد مرهوناً ، كالأصل ؛ عملاً بالشرط ، وهو قول الشافعي في القديم والرهن اللطيف ، فإنّه قال : يصحّ الشرط ، ويتعدّى الرهن إلى الزوائد ؛ لأنّ الرهن عند الإطلاق إنّما لا يسري إلى الزوائد ؛ لضعفه ، فإذا قوي بالشرط سرى. ولأنّه بتملّك الثمرة ولا النتاج ، وإنّما هو وثيقة ، فيكون رهناً ، كالأصل ؛ لأنّه منه ، فأشبه السمن.

وقال في الاُمّ : لا يصحّ - وهو الأصحّ عندهم - لأنّ الزوائد حال العقد معدومة غير مملوكة ، فيكون قد رهنه قبل ملكه. ولأنّها مجهولة ، فلا يصحّ أيضاً رهنه(١) .

فعلى القول بالصحّة - وهو مذهبنا - يصحّ الرهن والبيع. وإن قلنا : لا يصحّ ، فهل يصحّ الرهن؟ قولان مبنيّان على أصلين :

أحدهما : أنّ الزيادة في حقّ المرتهن إذا فسدت هل تُفسد الرهن؟ قولان.

والثاني : أنّ الرهن إذا فسد في بعضه ، هل يفسد في الباقي؟ قولان على أحد الطريقين في تفريق الصفقة.

فإن قلنا : لا يصحّ الرهن ، فهل يفسد البيع؟ قولان.

فحصل في ذلك أربعة أقاويل ، أحدها : يصحّ الرهن والشرط والبيع. والثاني : يفسد الشرط والرهن والبيع. والثالث : يفسد الشرط والرهن والبيع. والثالث : يفسد الشرط والرهن ، ويصحّ البيع. والرابع : يفسد الشرط ، ويصحّ الرهن والبيع وهو الذي اختاره الشافعي ويثبت له الخيار في البيع ؛ لأنّه لم يسلم له ما شُرط(٢) .

____________________

(١) الاُمّ ٣ : ١٩٤ - ١٩٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٥٠ - ٢٥١ ، الوسيط ٣ : ٤٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

١٠٠

قال المزني : يجب أن لا يبطل البيع لبطلان الرهن ؛ لأنّ الشافعي قال : ولو تبايعا على أن يرهنه هذا العصير فرهنه إيّاه فإذا هو من ساعته خمر ، فله الخيار ؛ لأنّه لم يتمّ له الرهن(١) .

وخطّأه أصحابه ؛ لأنّ الرهن صحيح ، وإنّما فسد بعد ذلك ، وهنا فاسد من أصله ، فإذا قارن العقد أوجب الفساد(٢) .

تذنيب : هل يصحّ اشتراط كون اكتسابات العبد مرهونةً؟ نظر ، أقربه : المنع ؛ لأنّها ليست من أجزاء الأصل ، فهي معدومة على الإطلاق ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) .

وعلى القول بالفساد هل يفسد الرهن؟ قولان مخرَّجان للشافعي :

أحدهما : القولان في فساد الرهن بفساد الشرط الذي ينفع المرتهن.

وثانيهما : أنّه جمع في هذا الرهن بين معلومٍ ومجهولٍ ، فيجي‌ء فيه خلاف تفريق الصفقة(٤) .

ولو رهن وشرط كون المنافع مرهونةً ، فالشرط باطل ، ولا يجري فيه‌ القولان للشافعي ، المذكوران في الزوائد.

تذنيبٌ آخَر : لو افترض بشرط أن يرهن به شيئاً وتكون منافعه مملوكةً للمقرض ، فالقرض فاسد ؛ لأنّه جرّ منفعة ، وإذا بطل بطل الرهن.

وإن شرط كون المنافع مرهونةً أيضاً ، فإن سوّغنا مثل هذا الشرط في الرهن ، صحّ الشرط والرهن ؛ لأنّه لم يجرّ القرض نفعاً.

وعند الشافعيّة يفسد الشرط ، ويصحّ القرض ، وفي الرهن القولان(٥) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٠٠.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٥٢.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

١٠١

مسألة ٩١ : لو كان له على زيد ألف بلا رهن ، فقال زيد المديون : زِدْني ألفاً ، أي : أقرضني ألفاً على أن أدفع إليك رهناً سمّاه بالألفين ، فدفع إليه ، فسد القرض ؛ لأنّه شرط فيه منفعة ، وهو الاستيثاق على الألف الاُولى ، وقد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قرضٍ جرَّ منفعة(١) .

لا يقال : أليس لو شرط أن يعطيه بما يقرضه رهناً جاز وإن كان قد شرط الاستيثاق؟

لأنّا نقول : الشرط هنا تأكيد لما اقتضاه القرض ، فإنّه يقتضي ردّ مثله ، فإذا شرطه عليه جاز ، فلم يجرّ القرض نفعاً ؛ لأنّ وجوب الردّ ثابت في أصل القرض لا من حيث شرط الرهن ، أمّا هنا فإنّه شرط الاستيثاق في هذا القرض لدَيْنه الأوّل ، فقد شرط استيثاقاً بغير موجب القرض ، فلم يجز.

وبه قال الشافعي(٢) .

وإذا فسد الفرض ، لم يملكه المقترض ، ولا يثبت في ذمّته بدله ، وإذا‌ لم يثبت في ذمّته شي‌ء لم يصحّ الرهن ؛ لأنّه رهن بالدَّيْن ولم يثبت ، ولا يصحّ بالألف الاُولى ؛ لأنّه شرط في القرض.

أمّا لو قال : بِعْني عبداً بألف على أن اُعطيك بها وبالألف التي لك عليَّ رهناً ، فباعه على هذا الشرط ، صحّ البيع والرهن عندنا ؛ لأنّه شرط سائغ في عقد بيع ، فكان لازماً ؛ للآية(٣) ، والخبر(٤) .

____________________

(١) أورده الغزّالي في الوسيط ٣ : ٤٥٣ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣.

(٢) مختصر المزني : ١٠٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٤٦.

(٣) المائدة : ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

١٠٢

وقال الشافعي : يفسد البيع والرهن ؛ لأنّه شرط في البيع رهناً على دَيْنٍ آخَر ، فصار بمنزلة بيعين في بيعة ، وهو أن يقول : بِعْنى دارك على أن أبيعك داري ، وذلك فاسد ، فكذا هنا(١) .

والحكم في الأصل ممنوع عندنا ، وقد تقدّم(٢) .

مسألة ٩٢ : لو قال : أقرضتك هذه الألف بشرط أن ترهن به وبالألف التي لي عليك كذا ، أو بذلك الألف وحده ، فسد القرض‌ على ما تقدّم(٣) .

ولو قال المستقرض(٤) : أقرضني ألفاً على أن أرهن به وبالألف القديم أو بذلك الألف كذا ، تردّد الجويني فيه بناءً على أنّ القبول من المستقرض غير معتبر ، والأصحّ اعتباره ، والتسوية بين أن يصدر الشرط من المقرض ويقبله المستقرض ، وبين عكسه(٥) .

وكذا لو باع بشرط أن يرهن بالثمن والدَّيْن القديم عند الشافعي(٦) .

ويجوز عندنا على ما تقدّم(٧) .

فلو رهن المستقرض أو المشتري كما شرط ، فإمّا أن يعلم فساد ما شرط ، أو يظنّ صحّته ، فإن علم الفساد فإن رهن بالألف القديم ، صحّ. وإن رهن بهما ، لم يصحّ بالألف الذي فسد قرضه ؛ لأنّه لم يملكه ، وإنّما هو مضمون في يده للمقرض ، والأعيان لا يرهن عليها.

____________________

(١) مختصر المزني : ١٠٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٤٧.

(٢) في ج ١٠ ، ص ٢٥٠ ، المسألة ١١٨.

(٣) في صدر المسألة (٩١ ).

(٤) في الطبعة الحجريّة : « المقترض ».

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥.

(٧) في ذيل المسألة السابقة (٩١).

١٠٣

وفي صحّته بالألف القديم للشافعيّة قولا تفريق الصفقة ، فإن صحّ ، لم يوزّع ، بل كان الكلّ مرهوناً بالألف القديم ؛ لأنّ وضع الرهن على توثيق كلّ بعضٍ من أبعاض الدَّيْن بجميع المرهون(١) .

ولو تلف الألف الذي فسد القرض فيه في يده ، صار دَيْناً في ذمّته ، وصحّ الرهن بالألفين حينئذٍ.

وأمّا عند ظنّ الصحّة فإذا رهن بالألف القديم ، قال بعض الشافعيّة : لا يصحّ الرهن ، كما لو أدّى ألفاً على ظنّ أنّ عليه ألفاً ثمّ تبيّن خلافه ، فإنّ له الاسترداد ، وظهر بطلان الأداء(٢) .

وقال بعضهم : يصحّ ، بخلاف المقيس عليه ؛ لأنّ أداء الدَّيْن يستدعي سَبْقَ ثبوته ، وصحّة الرهن لا تستدي سَبْقَ الشرط(٣) .

ولو رهن بالألفين وقلنا بتفريق الصفقة فصحّته بالألف القديم على هذا الخلاف.

وكذا لو باع بشرط بيعٍ آخَر ، فإنّه يصحّ البيع والشرط عندنا ، ولا‌ يصحّ عندهم(٤) . فلو أنشأ البيع الثاني ظانّاً صحّة الشرط ، فقولان(٥) .

وكذا لو باع مال أبيه على ظنّ الحياة فبان ميّتاً.

ولو شرط عليه رهناً في بيع فاسد بظنّ لزوم الوفاء به فرهن ، فله الرجوع.

مسألة ٩٣ : لو رهن أرضاً وفيها أشجار أو أبنية ، فالوجه : عدم دخول الأشجار والأبنية في الرهن ؛ لأنّها ليست جزءاً من المسمّى ولا نفسه ،

____________________

(١ - ٣ ) الوسيط ٣ : ٤٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

١٠٤

فلا تندرج تحته - على ما تقدّم(١) في البيع وإن قال : بحقوقها. وتدخل لو قال : بجميع ما اشتملت عليه حدودها.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : الدخول(٢) ، وقد سبق(٣) في البيع.

ولو رهن شجرة ، لم يدخل المغرس تحت اسم الشجرة ؛ لما تقدّم.

وللشافعيّة خلافٌ مرتَّب على الخلاف في البيع ، والرهن أولى بالمنع ؛ لضعفه(٤) .

وفي معناه دخول الاُسّ تحت الجدار.

ولا تدخل الثمرة المؤبَّرة تحت رهن الشجرة بحال.

وفي غير المؤبَّرة الحقُّ عندنا ذلك وإن دخلت في البيع ؛ اقتصاراً على‌ النصّ فيه ، ولا يتعدّى إلى غيره.

وللشافعي قولان ، هذا أصحّهما ؛ لأنّ الثمار الحادثة بعد استقرار العقد لا يثبت فيها حكم الرهن ، فالموجودة عند العقد أولى ، وبهذا يفارق البيع.

والثاني : الدخول ، كالبيع(٥) ، وبه قال أبو حنيفة ، فإنّه قال : تدخل الثمار في الرهن بكلّ حال ، بناءً على أنّ رهن الشجرة دون الثمرة

____________________

(١) في ج ١٢ ، ص ٤٣ المسألة ٥٦٧.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٦ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٣) في ج ١٢ ، ص ٤٣ ، المسألة ٥٦٧.

(٤) الوسيط ٣ : ٤٨١ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٥ ، الوسيط ٣ : ٤٨١ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

١٠٥

لا يصحّ(١) .

ونفى بعضُ الشافعيّة الخلافَ هنا ، وقَطَع بعدم الدخول(٢) .

ولا يدخل البناء(٣) بين الأشجار تحت رهن الأشجار إن كانت بحيث يمكن إفراده بالانتفاع.

وإن لم ينتفع به إلّا بتبعيّة الأشجار ، فكذلك ، وهو أشهر طريقي الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : إنّه(٥) على الوجهين في المغارس(٦) .

وتدخل في رهن الأشجار الأغصانُ والأوارقُ ، وبه قال الشافعي(٧) .

أمّا التي تفصل غالباً - كأغصان الخلاف وورق الآس والفرصاد - ففيها(٨) قولان له ، كالقولين في الثمار التي لم تؤبَّر(٩) .

مسألة ٩٤ : لا يدخل الجنين تحت رهن الاُمّ الحامل - وهو أحد قولي الشافعي(١٠) - لعدم شمول الاسم له ، وكما في البيع عندنا.

____________________

(١) الفروق - للكرابيسي - ٢ : ٢٨٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٣ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، المغني ٤ : ٤٧٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٣) الظاهر : « البياض » بدل « البناء ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « إنّها » و الظاهر ما أثبتناه

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٧) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٨) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة و « ج » : « فيها ». والظاهر ما أثبتناه.

(٩) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(١٠) الوسيط ٣ : ٤٨٢ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

١٠٦

والجنين عند الشافعي أولى بالاندراج ، كالثمرة غير المؤبّرة تحت الشجرة ؛ لأنّ الحمل لا يقبل التصرّف على الانفراد(١) ، فبالحريّ أن يكون تبعاً(٢) .

وأمّا اللبن في الضرع : ففي دخوله إشكال.

وللشافعيّة طريقان ، أحدهما : القطع بأنّه لا يدخل. والمشهور : أنّه على الخلاف. ثمّ هو عند بعضهم في مرتبة الجنين ، وعند آخَرين في مرتبة الثمار ؛ لتيقّن وجوده ، وسواء أثبت الخلاف أم لا، فالظاهر أنّه لا يدخل في الرهن(٣) .

والأقرب : دخول الصوف على ظَهْر الحيوان ؛ لأنّه كالجزء من الحيوان ، فدخل تحت رهنه.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بدخوله ، كالأجزاء والأعضاء.

وأظهرهما : أنّه على قولين :

أحدهما : الدخول ، كالأغصان والأوراق في رهن الشجرة(٤) .

وأصحّهما : المنع ، كما في الثمار ؛ لأنّ العادة فيه الجَزّ(٥) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « الإفراد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، وانظر : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٥ ، والحاوي الكبير ٦ : ١٢١ ، وحلية العلماء ٤ : ٤٣٧ ، والوسيط ٣ : ٤٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٤) في « ث ، ج ، ر » : « الشجر ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٥ - ٤٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٧ ، روضة الطلابين ٣ : ٣٠٣ - ٣٠٤.

١٠٧

ونقل بعضهم بدل القولين وجهين ، وزاد وجهاً آخَر ثالثاً هو : الفرق بين القصير الذي لا يعتاد جزّه ، وبين المنتهى إلى حدّ الجَزّ(١) .

مسألة ٩٥ : لو كان في يده الحقُّ(٢) أو خريطة(٣) فقال : رهنتك هذا الحُقّ بما فيه ، أو الخريطة [ بما فيها(٤) ] وما فيهما(٥) معلوم ، صحّ الرهن إجماعاً في الظرف والمظروف.

وإن كان ما فيهما مجهولاً ، لم يصحّ الرهن قطعاً في المظروف خاصّةً ؛ للجهالة ، على إشكال ، وبه قال الشافعي(٦) .

وهل يصحّ الرهن في الظرف؟ أمّا عندنا فنعم. وأمّا عند الشافعي‌ ففيه قولا تفريق الصفقة(٧) .

ولو قال : رهنتك هذا الحُقّ دون ما فيه ، صحّ الرهن فيه قطعاً.

ولو قال : رهنتك هذا الحُقّ ، وأطلق ، صحّ الرهن فيه خاصّةً دون ما فيه.

وأمّا الخريطة فإذا قال : رهنتك هذه الخريطة بما فيها ، لم يصح مع الجهالة فيما فيها ؛ للجهل به ، ويصحّ فيها خاصّةً ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : لا يصحّ. ومبنى الخلاف تفريق الصفقة(٨) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

(٢) الحُقّ : وعاء منحوت من الخشب أو العاج أو غير ذلك ممّا يصلح أن يُنحت منه. لسان العرب ١٠ : ٥٦ « حقق».

(٣) الخريطة : وعاء من أَدَم وغيره. الصحاح ٣ : ١١٢٣ « خرط ».

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « فيها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

(٧ و ٨ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

١٠٨

ولو قال : رهنتكها دون ما فيها ، صحّ الرهن فيها خاصّةً كالحُقّ.

وقال الشافعي : لا يصحّ فيها أيضاً ؛ لأنّ الظاهر أنّها لا تُقصد ، وإنّما يُقصد ما فيها ، بخلاف الحُق(١) .

قال أصحابه : ولو كانت الخريطة ممّا تُقصد لكثرة قيمتها ، كانت كالحُقّ. ولو كان الحُقّ لا قيمة له مقصودة ، لم يصح رهنه ، كالخريطة إذا لم تكن لها قيمة مقصودة(٢) .

ولو قال : رهنتك هذا الظرف دون ما فيه ، صحّ رهنه وإن كانت قيمته قليلةً ؛ لأنّه إذا أفرده فقد وجّه الرهن نحوه ، وجَعَله المقصود.

وإن رهن الظرف ولم يتعرّض لما فيه نفياً وإثباتاً ، فإن كان بحيث يقصد بالرهن وحده ، فهو المرهون لا غير.

وإن كان لا يُقصد منفرداً لكنّه متموّل ، فالمرهون الظرف وحده ؛ لأصالة عدم رهن غيره.

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : هذا. والثاني : أنّه يكون رهناً مع المظروف(٣) .

ولو لم يكن متموّلاً ، فللشافعيّة وجهان ، أحدهما : توجّه الرهن إلى المظروف. والثاني : أنّه يلغى(٤) .

البحث الثاني : في العاقد.

مسألة ٩٦ : يُشترط في المتعاقدين التكليفُ والاختيار والقصد وانتفاء الحَجْر عنه بسفه أو فلس ، فلا يصحّ رهن الصبي ولا المجنون المطبق

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

١٠٩

ولا مَنْ يعتوره حالة الجنون إيجاباً وقبولاً ، ولا المكره ولا الغافل ولا الساهي ولا النائم ولا المغمى عليه ولا السكران ولا العابث ولا الهازل ، سواء في ذلك كلّه الإيجابُ والقبول.

ولا بُدّ أن يكون الراهنُ غيرَ محجور عليه بالسفه أو الفلس ؛ لأنّهما ممنوعان من التصرّف في أموالهما ، ولا اعتبار باختيارهما ، مع أنّ عقد الرهن والتسليم لا يكون واجباً ، وإنّما يكون إلى اختيار الراهن ، فإذا لم يكن له اختيار ، لم يصح منه. ولأنّ الرهن تبرّعٌ فإن صدر من أهل التبرّع، فلا كلام ، وإلّا فلا بُدَّ من قائم يقوم مقام المالك.

ويُشترط وقوعه على وفق المصلحة والاحتياط ، فإذا رهن الوليّ مال الصبي والمجنون والسفيه أو ارتهن لهم ، فلا بُدَّ من اعتبار مصلحتهم والاحتياط ، وذلك مثل أن يشتري للطفل ما يساوي مائتين بمائة نسيئةً ويرهن به ما يساوي مائة من مال الطفل ، فإنّ ذلك جائز ؛ لأنّه إن لم يعرض تلف ، ففيه غبطة ظاهرة. وإن تلف الرهن ، كان في المشتري ما يجبره.

ولو لم يرض البائع إلّا برهن يزيد قيمته على المائة ، فإن كان الرهن ممّا لا يخشى تلفه في العادة كالعقار ، جاز رهنه ؛ لما فيه من تحصيل الغبطة والمنفعة للصبي ، الخالية عن توهّم التلف.

وظاهر مذهب الشافعي المنع من هذه المعاملة(١) .

ولو كان الرهن ممّا يخشى تلفه ، فالأقوى : الجواز في موضعٍ يجوز إيداعه.

ومَنَع الشافعي من ذلك ؛ لأنّ الرهن يمنع من التصرّف وربما يتلف فيتضرّر به الطفل(٢) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

١١٠

ولو كان الزمانُ زمانَ نَهب أو وقع حريق وخاف الوليّ على مال الطفل ، فله أن يشتري عقاراً ويرهن بالثمن شيئاً من ماله إذا لم يتهيّأ أداؤه في الحال ولم يبع صاحب العقار عقارَه إلاّ بشرط الرهن ؛ لأنّه يجوز في مثل هذه الحالة إيداع المال ممّن لا يمتد النهب إلى ما في يده ، فهذا الرهن أولى.

ولو استقرض له شيئاً والحال هذه ، لم يجز ؛ لأنّه يخاف التلف على ما يستقرضه خوفه على ما يرهنه.

ولو لم يجد الوليّ مَنْ يأخذ المال وديعةً ووجد مَنْ يأخذه رهناً وكان المرهون أكثر قيمةً من مال القرض ، جاز له الرهن.

مسألة ٩٧ : يجوز للوليّ أن يستقرض للطفل لحاجته إلى النفقة والكسوة أو لتوفية ما لزمه أو لصلاح ضياعه ومرمّتها وعمارة أبنيته أو إخراج ما يحتاج ارتفاع الغلّات فيه أو لحلول ما لَه من الدَّيْن المؤجَّل ، أو(١) النفاق متاعه الكاسد ، فإن لم يرتقب شيئاً من ذلك ، فبيع ما [ تعذّر ](٢) رهنه أولى من الاستقراض ، فإن تعذّر البيع ، استقرض ، ورهن من مال الطفل بحسب المصلحة ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٣) .

وقال بعضهم : لا يجوز للوليّ رهن ماله بحال من الأحوال(٤) .

وكذا يجوز أن يرتهن للطفل بأن يتعذّر على الوليّ استيفاء دَيْن الصبي ، فيرتهن به إلى وقت الاستيفاء.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « يقدر ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

١١١

ولو كان له دَيْنٌ مؤجَّل إمّا بأن ورثة كذلك أو بأن باع الوليّ مالَه نسيئةً بالغبطة ، فيجوز له حينئذٍ الارتهان للصبي.

ولو كان المشتري موسراً ، لم يكتف الوليّ به ، بل لا بُدَّ من الارتهان بالثمن. ولو لم يحصل أو حسن الظنّ بيساره وأمانته ، أمكن البيع نسيئةً بغير رهن ، كما يجوز إبضاع مال الطفل.

وإذا ارتهن على الثمن ، جاز أن يرتهن على جميعه ، وهو الأظهر من مذهب الشافعيّة(١) .

ولهم وجهٌ آخَر : أنّه لا بُدّ أن يستوفي ما يساوي المبيع نقداً ، وإنّما يرتهن ويؤجّل بالنسبة إلى الفاضل(٢) .

والمعتمد : الأوّل.

مسألة ٩٨ : يجوز للوليّ إقراض مال الطفل مع المصلحة بأن يخاف تلفه بنَهب أو حريق. وكذا يبيعه ويرتهن بالقرض أو ثمن المبيع للطفل‌ شيئاً حفظاً لمالِه من النهب والحريق ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٣) .

ولهم قولٌ آخَر : إنّ الأولى أن لا يرتهن للطفل إذا كان المرهون ممّا يخاف تلفه ؛ لأنّه قد يتلف ويرفع الأمر إلى حاكمٍ يرى سقوط الدَّيْن بتلف الرهن(٤) .

والوجه : الأوّل.

وحيث يجوز للوليّ الرهن فالشرط أن يرهن من أمين يجوز الإيداع

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

(٢ -٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

١١٢

منه. ولا فرق بين الأولياء في ذلك ، سواء الأبُ والجدُّ للأب والوصيّ والحاكم وأمينه.

وحيث يجوز الرهن والارتهان فللأب والجدّ أن يعاملا نفسيهما ويتولّيا طرفي العقد ؛ للوثوق بشفقتهما.

وهل لغيرهما ذلك؟ مَنَع منه الشافعيّة(١) . وليس بقويّ.

مسألة ٩٩ : يجوز للمكاتب أن يرهن ويرتهن مع المصلحة والغبطة ؛ لانقطاع تصرّف المولى عنه ، ولكن يشترط النظر والمصلحة ، كما في الطفل ، وهو قول بعض الشافعيّة.

وقال بعضهم : لا يجوز له الرهن استقلالاً ، ومع إذن السيّد قولان بناءً على أنّ الرهن تبرّع(٢) .

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : أنّه لا يجوز له الاستقلال بالبيع نسيئةً بحال(٣) ، وهو المشهور عندنا.

ومع إذن السيّد يجوز عندنا.

وللشافعي مع الإذن قولان(٤) .

أمّا المأذون فإن دفع إليه السيّد مالاً ليتّجر فيه ، فهو كالمكاتب إلّا في وجهين :

أحدهما : أنّ رهنه أولى بالمنع من رهن المكاتب ؛ لأنّ الرهن ليس من عقود التجارات.

وشبّهه الجويني بإجارة الرقاب(٥) . وفي نفوذها منه خلاف بين

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ - ٤٧١ روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧١.

١١٣

الشافعيّة(١) .

والثاني : أنّ له البيع نسيئةً بإذن السيّد إجماعاً ؛ لأنّه مال السيّد ، فيكون تصرّفُ المأذون فيه بإذن المولى في الحقيقة تصرّدَ المولى في ماله.

ولو قال له مولاه : اتّجر بجاهك ، ولم يدفع إليه مالاً ، فله البيع والشراء في الذمّة حالّاً ومؤجَّلاً ، وكذا الرهن والارتهان ؛ لانتفاء الضرر فيه على المولى ، فإن فضل في يده مال ، كان للمولى ، ويكون حكمُه حكمَ ما لو دفع إليه المولى مالاً.

مسألة ١٠٠ : يشترط في الراهن أن يكون مالكاً للرهن أو في حكم المالك بأن يكون مأذوناً له في الرهن ؛ لأنّه تصرّف في مال الغير ، فلا يجوز إلّا بإذن المالك إمّا من جهة المالك ، كالمستعير للرهن ، أو من جهة الشرع ، كوليّ الطفل ، فإنّ له أن يرهن على ما تقدّم(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإذا استعار عبداً من غيره ليرهنه على دَيْنه الذي عليه فرَهَنه ، صحّ.

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ تحفظ عنه من أهل العلم على أنّ الرجل إذا استعار من الرجل شيئاً ليرهنه على دنانير معيّنة عند رجل إلى وقتٍ معلوم ففَعَل أنّ ذلك جائز(٣) .

وهذا يقتضي تعيين المرتهن وقدر الدَّيْن وجنسه ومدّة الرهن ؛ لاختلاف العقود بذلك.

وهل يكون سبيلُ هذا العقد سبيلَ العاريّة أو الضمان؟ الحقّ عندنا

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧١.

(٢) في ص ١١٠ ، المسألة ٩٧.

(٣) المغني ٤ : ٤١٢.

١١٤

الأوّل - وهو أحد قولي الشافعي(١) - لأنّه قبض مال غيره لمنفعة نفسه منفرداً بها فكان عاريةً ، كما لو استعاره للخدمة. ولأنّ الضمان يثبت في الذمّة ، وهنا يثبت في رقبة العبد.

وأصحّهما : أنّ سبيله سبيل الضمان ، ومعناه أنّ سيّد العبد ضمّن دَيْن الغير في رقبة ماله ، كما لو أذن لعبده في ضمان دَيْن غيره ، يصحّ ، وتكون ذمّته فارغةً ، وكما ملك أن يلزم ذمّته دَيْن الغير وجب أن يملك إلزامه عين ماله ؛ لأنّ كل واحدٍ منهما محلّ حقّه وتصرّفه(٢) .

ولأنّ منفعة العبد لسيّده ، والعارية ما أفادت المنفعة ، وإنّما حصلت المنفعة للراهن لكونه وثيقةً عنه ، فهو بمنزلة الضمان في ذمّته.

لأنّ الحق المتعلّق بالذمّة ينبغي أن يتعلّق مثله بالرقبة ، كالملك.

ثمّ أجابوا عن الأوّل بأنّ المقبوض للخدمة منفعة للمستعير ، بخلاف مسألتنا(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الضمان عقد مستقلّ بنفسه يتضمّن التعهّدَ بدَيْن الغير ، وانتقالَه من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، ولم يوجد هنا ، فلم يكن ضماناً.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ هذا فيما يدور بين الراهن والمرتهن رهنٌ محض ، وفيما بين المعبر والمستعير عارية ، وفيما بين المعير والمرتهن حكم الضمان أغلب ، فيرجع فيه ما دام في يد الراهن ، ولا يرجع بعد القبض على الأصحّ عندهم ؛ لأنّه ضمن له الدَّيْن في عين ملكه ، ويقدر على إجبار الراهن على فكّه بأداء الدَّيْن ؛ لأنّه معير(٤) في حقّه إن كان الدَّيْن

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « معتبر ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

١١٥

حالّاً ، وفي المؤجَّل قولان(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ العارية هنا تكون مضمونةً على المستعير إجماعاً.

أمّا عند العامّة : فضاهرٌ حيث قالوا بأنّ العارية مطلقاً مضمونة(٢) .

وأمّا عندنا : فلأنّ المالك لم يدفعه ليملكه المستعير ، بل لينتفع به ويردّه على مالكه ، فإذا عرّضه للإتلاف بالرهن ، كان ضامناً له ، كالملتقط إذا نوى التملّك في اللقطة ، فإنّه يكون ضامناً ، كذا هنا.

واعلم أنّ هذا الرهن صحيح ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٣) .

وقال ابن سريج : إذا قلنا : إنّ ذلك عارية ، لم يصح رهنه ؛ لأنّ العارية لا تكون لازمةً ، والرهن لازم ، فعلى هذا يشترط في الرهن كون المرهون‌ ملكاً للراهن(٤) .

وأبطله باقي الشافعيّة بأنّ العارية غير لازمة من جهة المستعير ، فإنّ لصاحب العبد أن يطالب الراهن بافتكاكه قبل أن يحلّ الدَّيْن وإن كان قد أذن في رهنه بدَيْن مؤجَّل. ولأنّ العارية قد تكون لازمةً بأن يعيره جذعاً يبني عليه ، وكما لو استعار أرضاً للدفن فدفن ميّته ، وأشباههما(٥) .

ولو قال المديون : أرهن عبدك بدَيْني من فلان ، فهو كما لو قبضه فرَهَنه.

مسألة ١٠١ : إذا أذن له في رهن عبده على الدَّيْن الذي عليه لثالثٍ ،

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٦٠ - ١٦١.

(٢) الوجيز ١ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٦ ، المغني ٥ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٥.

(٣-٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣.

١١٦

كان هذا التصرّف سائغاً ، بخلاف ما لو باع مال الغير لنفسه ؛ لأنّ البيع معاوضة ، فلا يملك الثمن مَنْ لا يملك المثمن ، والرهن استيثاق ، والاستيثاق يحصل بما لا يملك ، كما يحصل بالكفالة والإشهاد.

إذا ثبت هذا ، فإنّ لمالك العبد الرجوعَ في الإذن قبل الرهن إجماعاً ؛ لأنّ العارية قد بيّنّا أنّها غير لازمة ، ولم يحصل الضمان بَعْدُ ، فعلى قول العارية ظاهر ، وعلى قول الضمان : فلأنّه بَعْدُ لم يلزم.

وهل له الرجوع بعد عقد الرهن قبل الإقباض؟ إن قلنا : إنّ القبض ليس شرطاً في صحّة الرهن ، لم يكن له الرجوع ؛ لأنّ الرهن قد لزم بنفس العقد. وإن قلنا : إنّه شرط ، صحّ الرجوع ؛ لأنّ المستعير مخيّر في فسخ الرهن قبل القبض ، فإذا لم يلزم في حقّه وهو المديون ، فأولى أن لا يلزم في حقّ غيره ، وبه قالت الشافعيّة(١) .

وأمّا بعد القبض فليس للمالك الرجوعُ في إذن الرهن ، وبه قال‌ الشافعي على قول الضمان ، وأمّا على قول العارية فوجهان :

أحدهما : أنّ له أن يرجع ؛ جرياً على مقتضى العارية.

والأظهر : أنّه لا يرجع ، وإلّا لم يكن لهذا الرهن معنى ، ولا يحصل به توثّق(٢) .

وقال بعضهم : إنّه إذا كان الدَّيْن مؤجَّلاً ، ففي جواز الرجوع قبل حلول الأجل وجهان ؛ لمنافاته(٣) الإذن بمدّة ، كما لو أعار للغراس مدّةً(٤) .

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣. ١‌

(٣) كذا في « ر » الطبعة الحجريّة وفي « العزيز شرح الوجيز » : « لما فيه من » بدل « لمنافاته ». و كذا في « ج » : « لما فيه من » بدل « لمنافاته » وكذا في « ج » من دون « من ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣.

١١٧

وإذا حكمنا بالرجوع فرجع وكان الرهن مشروطاً في بيعٍ ، فللمرتهن فسخ البيع إذا كان جاهلاً بالحال.

مسألة ١٠٢ : إذا أذن له في رهن عبده ، فرهنه المديون ، فإن كان الدَّيْن حالّاً ، كان لصاحب العبد مطالبة الراهن وإجباره على افتكاكه مع قدرة المديون منه ؛ لأنّه عندنا عارية ، والعارية غير لازمة ، بل للمالك الرجوع فيها متى شاء.

وأمّا على أحد قولي الشافعيّة من أنّه ضمان(١) : فكذلك أيضاً ؛ لاستخلاص ملكه المشغول بوثيقة الرهن ، ولا يُخرَّج على الخلاف بين الشافعيّة في أنّ الضامن هل يملك إجبار الأصيل على الأداء لتبرئة ذمّته تشبيهاً للشغل الذي أثبته بأداء الدَّيْن؟(٢) .

وإن كان مؤجَّلاً وأذن له في الرهن عليه ، فليس لصاحب العبد إجباره على الفكّ قبل الحلول على القول بأنّه ضمان ، كمن ضمن دَيْناً مؤجَّلاً لا‌ يطالب الأصيل بتعجيله لإبراء ذمّته.

وإن قلنا : إنّه عارية ، كان له مطالبته بفكاكه ؛ لأنّ العارية لا تلزم.

ثمّ إذا حلّ الأجل وأمهل المرتهن الراهنَ ، فللمالك أن يقول : إمّا أن تردّ العبد إليَّ ، أو تطالبه بالدَّيْن ليؤدّيه ، فينفكّ الرهن ، كما إذا ضمن دَيْناً مؤجَّلاً ومات الأصيل ، فللضامن أن يقول : إمّا أن تطالب بحقّك من التركة ، أو تبرئني.

مسألة ١٠٣ : إذا أذن المالك في الرهن ثمّ حلّ الدَّيْن أو كان حالّاً في أصله ، فإن كان الراه معسراً ، جاز للمرتهن بيع الرهن ، واستيفاء الدَّيْن

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤.

١١٨

منه إن كان وكيلاً في البيع ، وإلّا باعه الحاكم إذا ثبت عنده الرهن ، سواء رضي المالك بذلك أو لا ؛ لأنّ الإذن في الرهن إذنٌ في لوازمه التي من جملتها بيعه عند الإعسار.

ولو كان الراهن موسراً مُماطلاً ، فالأقرب : أنّ للمرتهن البيعَ أيضاً ، ولا يكلَّف الصبر على مطالبة المماطل ولا حبسه وإن جاز له ذلك.

ولو لم يكن مماطلاً وكان حاضراً يمكن استيفاء الدَّيْن منه ، لم يجز البيع.

وإن كان غائباً ولا مال له في بلد المرتهن ، فالأقوى جواز البيع أيضاً.

وأمّا الشافعيّة فقالوا : إن قلنا : إنّه ضمان ، فلا يباع في حقّ المرتهن إن قدر الراهن على أداء الدَّيْن ، إلّا بإذنٍ مجدَّد ، وإن كان معسراً ، فيباع وإن كره المالك. وإن قلنا : إنّه عارية ، فلا يباع إلّا بإذنٍ مجدَّد ، سواء كان الراهن موسراً أو معسراً(١) .

وقياس قول مَنْ قال منهم بلزوم الرهن على قول العارية أنّه يجوز بيعه عند الإعسار من غير مراجعة كما على قول الضمان(٢) .

قال بعضهم : الرهن وإن صدر من المالك فإنّه لا يسلَّط على البيع إلّا بإذنٍ جديد ، فإن رجع ولم يأذن ، فحينئذٍ يُباع عليه ، فإذَنْ المراجعةُ لا بُدَّ منها(٣) .

ثمّ إذا لم يأذن في البيع ، فقياس مذهبهم أن يقال : إن قلنا : إنّه عارية ، فيعود الوجهان في أنّه هل يُمكَّن من الرجوع؟ وإن قلنا : إنّه ضمان ولم يؤدّ

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

١١٩

الدَّيْن الراهنُ ، فلا يُمكَّن من الإباء ، ويُباع عليه ، معسراً كان الراهن أو موسراً ، كما لو ضمن في ذمّته ، يُطالَب ، موسراً كان الأصيل أو معسراً(١) .

مسألة ١٠٤ : إذا أعسر الراهن المستعير للرهن وتعذّر الاستيفاء منه فبِيع الرهن في الدَّيْن وقُضي به الدَّيْن ، فإن فضل من الثمن شي‌ء ، فهو لمالك العبد ؛ لأنّه ثمن ملكه. وإن أعوز شي‌ء ، لم يلزم صاحب العبد شي‌ء ؛ لأنّ المعير ليس بضامنٍ للدَّيْن.

وأمّا عند الشافعيّة فكذلك أيضاً ، سواء قلنا : إنّ الإذن في الرهن عارية أو ضمان ؛ لأنّه إنّما ضمن في تلك العين المأذون في دفعها خاصّةً ، وإذا حصر الضمان في عينٍ لم يتعدّ إلى غيرها(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإن كانت قيمة العبد بقدر الدَّيْن ولم يوجد باذل لأكثر منها ، بِيع وصُرف في الدَّيْن. وإن كانت القيمة أكثر من الدَّيْن ، فإن وُجد راغب في شراء شقص من العبد بقدر الدَّيْن وتساوت قيمة الشقص‌ منفرداً وقيمته منضمّاً أو وُجد باذل لذلك ، بِيع الشقص وقُضي منه الدَّيْن ، وكان الباقي لمالك العبد.

ولم لم يرض المالك بالتشقيص بِيع الجميع.

ولو كانت قيمة الشقص منضمّاً أكثر من قيمته منفرداً ولم يوجد باذل للزيادة مع الانفراد ، بِيع الجميع لئلّا يتضرّر المالك ، فإن طلبه المالك ، اُجيب إليه.

مسألة ١٠٥ : إذا بِيع العبد المأذون في رهنه في الدَّيْن وقُضي به الدَّيْن ، نُظر فإن بِيع بقدر قيمته ، رجع المالك بذلك على الراهن على

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400