تحف العقول

تحف العقول0%

تحف العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

تحف العقول

مؤلف: ابن شعبة الحراني
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 183058
تحميل: 11478

توضيحات:

تحف العقول
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183058 / تحميل: 11478
الحجم الحجم الحجم
تحف العقول

تحف العقول

مؤلف:
العربية

* (وصفه عليه‌السلام المتقين) *

قال - بعد حمد الله والثناء عليه(١) -: إن المتقين في الدنيا هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع، خضعوا لله بالطاعة، غاضين أبصارهم عما حرم الله عزوجل، واقفين أسماعهم على العلم، نزلت منهم أنفسهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء رضى بالقضاء، لولا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب.

عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها فهم منعمون(٢) وهم والنار كمن قد رآها وهم فيها معذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وأجسادهم نحيفة وحاجاتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة ومعونتهم للاسلام عظيمة. صبروا أياما قصارا فأعقبتهم راحة طويلة مربحة يسرها لهم رب كريم. أرادتهم الدنيا ولم يريدوها. و طلبتهم فأعجزوها. أما الليل فصافون أقدامهم، تالون لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا(٣) يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم(٤) . وتهيج أحزانهم بكاء‌ا على ذنوبهم. ووجع كلومهم(٥) وجراحهم. فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا وتطلعت أنفسهم إليها شوقا وظنوا أنها نصب أعينهم. وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في اصول آذانهم فهم حانون على أوساطهم ومفترشون جباههم وأكفهم وأطراف الاقدام(٦) يطلبون إلى الله العظيم في فكاك رقابهم.

____________________

(١) - منقول في النهج مع اختلاف يسير.

(٢) في بعض النسخ [ متكئون ].

(٣) في بعض النسخ [ يتلونه ترسلا ] والترسل في القراء‌ة: الترتل.

(٤) أى يختارون وفى بعض النسخ [ يستشيرون ] وفى بعض نسخ الحديث [ يستشفعون ].

(٥) الكلوم: جمع كلم - بالفتح -: الجرح.

(٦) هذا ذكر لكيفية ركوعهم وسجودهم في آناء الليل.

وقوله: يطلبون إلى قوله: فكاك رقابهم ذكر لغرضهم من عبادتهم تلك.

١٦١

أما النهار فحكماء علماء، أبرار أتقياء، قد براهم الخوف أمثال القداح(١) ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى ويقول: قد خولطوا(٢) وقد خالط القوم أمر عظيم إذا هم ذكروا عظمة الله تعالى وشدة سلطانه، مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة أفزع ذلك قلوبهم وطاشت له أحلامهم(٣) وذهلت له عقولهم فإذا أشفقوا من ذلك(٤) بادروا إلى الله بالاعمال الزاكية لا يرضون باليسير ولا يستكثرون له الكثير. هم لانفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون إذا زكي أحدهم خاف مما يقولون، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بي منى. اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون إنك علام الغيوب. فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين. وخوفا في لين. وإيمانا في يقين(٥) . وحرصا في علم. وكيسا في رفق(٦) وشفقة في نفقة. وفهما في فقه. وعلما في حلم. وقصدا في غنى(٧) . وخشوعا في عبادة. وتجملا في فاقة(٨) وصبرا في شدة.

ورحمة للمجهود وإعطاء في حق. ورفقا في كسب. وطلبا في حلال. ونشاطا في هدى وتحرجا عن طمع(٩) وبرا في استقامة واعتصاما عند شهوة. لا يغره ثناء من جهله. ولا يدع إحصاء

____________________

(١) القداح: جمع قدح - بالكسر -: السهم قبل أن براش.

وقوله: براهم أى نحت الخوف أجسامهم كما ترقق السهام بالنحت.

(٢) خولط في عقله: اضطرب عقله واختل ومازجه خلل فيه.

والامر العظيم الذى خالط عقولهم هو الخوف الشديد من الله.

(٣) طاش السهم: عدل وجاز.

وطاش عقله: خف وذهب.

والاحلام: جمع حلم - بالكسر - أى العقل والذهول: الذهاب بدهشة.

(٤) أشفق من كذا: خاف منه.

والمشفقون: خائفون من التقصير فيها.

(٥) أى إيمان في حد اليقين.

(٦) الكيس: العقل، الفطنة، جودة القريحة، خلاف الحمق.

والشفقة - بالتحريك -: الرحمة.

(٧) قصدا: اقتصادا.

التجمل: التظاهر باليسر.

والفاقة: الفقر.

(٨) في بعض النسخ [ تحملا في فاقة ] بالحاء المهملة.

(٩) التحرج التجنب والتباعد.

١٦٢

عمله مستبطئا لنفسه في العمل(١) . يعمل الاعمال الصالحة وهو على وجل، يمسي و همه الشكر. يصبح وهمه الذكر، يبيت حذرا ويصبح فرحا. حذرا لما حذر من الغفلة. فرحا بما أصاب من الفضل والرحمة. إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما هويت(٢) فرحه فيما يحذر وقرة عينه فيما لا يزول(٣) . وزهادته فيما يفنى. يمزج الحلم بالعلم ويمزح العلم بالعمل. تراه بعيدا كسله، دائما نشاطه، قريبا أمله قليلا زلله، خاشعا قلبه، قانعة نفسه، متغيبا جهله(٤) ، سهلا أمره، حريزا دينه، ميتة شهوته، مكظوما غيظه، صافيا خلقه، لا يحدث الاصدقاء بالذي يؤتمن عليه، ولا يكتم شهادة الاعداء، لا يعمل شيئا رئاء، ولا يتركه استحياء. الخير منه مأمول والشر منه مأمون، إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين(٥) . يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه، لا يعزب حلمه، ولا يعجز فيما يزينه(٦) ، بعيدا فحشه، لينا قوله، غائبا مكره، كثيرا معروفه(٧) ، حسنا فعله، مقبلا خيره، مدبرا شره. فهو في الزلازل وقور(٨) ، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور. لا يحيف على من يبغض،(٩) ولا يأثم فيمن يحب، ولا يدعي ما ليس له، ولا يجحد حقا هو عليه، يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه، لا يضيع ما استحفظ(١٠) ، ولا ينابز بالالقاب، لا يبغي ولا يهم به، ولا يضار بالجار، ولا

____________________

(١) أى لا يكون عمله في نظره وإن كثر حد الاحصاء موجبا لان يقيل واستبطا نفسه فيه.

(٢) إن استصعبت أى إذا لم تطاوعه نفسه فيما يشق عليها من الطاعة عاقبها بعدم إعطاء سؤلها وترغب إليها من الشهوة التي فرحت باتيانها.

(٣) ما لا يزول هو الاخرة وما يفنى هو الدنيا.

(٤) في الكافى [ منفيا جهله ]. وزاد هنا في النهج [ منزورا أكله ] أى قليلا. وحريزا: حصينا.

(٥) لانه ذاكرا بقلبه وفى أمالى الصدوق والنهج [ وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين ].

(٦) كذا. ولعل المعنى لا يذهب حمله وحزمه. وفى الامالى [ ولا يعجل فيما يريبه ].

(٧) في النهج [ غائبا منكره حاضرا معروفه ].

(٨) الزلازل: الشدائد والاهوال الموعدة. والوقور: الرزين والذى لا يضطرب.

(٩) لا يحيف: لا يظلم.

ولا يأثم إلخ أى ولا يرتكب إثما لارضاء حبيبه.

(١٠) زاد هنا في النهج [ لا ينسى ما ذكر ]. النبز: اللقب.

ولا ينابز أى لا يدعو غيره باللقب الذى يكره ويشمئز منه ولا يعاير به.

١٦٣

يشمت بالمصائب(١) سريع إلى الصواب، مؤد للامانات. بطئ عن المنكرات. يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. لا يدخل في الدنيا بجهل(٢) . ولا يخرج من الحق. إن صمت لم يغمه الصمت وإن ضحك لم يعل به الصوت. قانع بالذي له(٣) . لا يجمح به الغيظ(٤) . ولا يغلبه الهوى. ولا يقهره الشح. ولا يطمع فيما ليس له. يخالط الناس ليعلم. ويصمت ليسلم ويسأل ليفهم. لا ينصت للخير ليعجز به(٥) . ولا يتكلم به ليتجبر على من سواه، إن بغي عليه صبر حتى يكون الله جل ذكره ينتقم له. نفسه منه في عناء والناس منه في رجاء. أتعب نفسه لآخرته وأراح الناس من نفسه. بعده عمن تباعد عنه بغض ونزاهة(٦) . و دنوه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعده تكبرا ولا عظمة. ولا دنوه خديعة ولا خلابة(٧) بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير. وهو إمام لمن خلفه من أهل البر.

* (خطبته عليه‌السلام التي يذكر فيها الايمان) *

ودعائمه وشعبها والكفر ودعائمه وشعبها إن الله ابتدأ الامور فاصطفى لنفسه منها ما شاء(٨) .

واستخلص منها ما أحب، فكان

____________________

(١) لا يشمت: لا يفرح.

(٢) في النهج [ ولا يدخل في الباطل ].

(٣) في الكافى [ بالذى قدر له ].

(٤) جمح الرجل: إذا ركب هواه وأسرع إلى الشئ فلم يمكن رده.

ويقال: جمحت المفازة بالقوم: طوحت بهم.

وجمح بفلان مراده أى لم ينله.

(٥) كذا وفى الكافى [ لا ينصت للخبر ليفجر به ] أى لا يسكت مستمعا للخبر لينقله في مجلس آخر.

(٦) وفى النهج [ زهد ونزاهة ].

والنزاهة - مصدر من نزه اى العبد عن المكروه.

(٧) الخلابة - مصدر -: الخديعة بالقول اللطيف.

(٨) منقول في الكافى ج ٢ ص ٤٩ مع اختلاف في بعض المواضع وذكره الشريف الرضى رحمه الله في النهج.

١٦٤

مما أحب أنه ارتضى الايمان فاشتقه من اسمه(١) ، فنحله من أحب من خلقه، ثم بينه فسهل شرائعه لمن ورده وأعز أركانه على من جانبه(٢) وجعله عزا لمن والاه وأمنا لمن دخله. وهدى لمن ائتم به. وزينة لمن تحلى به. ودينا لمن انتحله. وعصمة لمن اعتصم به. وحبلا لمن استمسك به. وبرهانا لمن تكلم به. وشرفا لمن عرفه. وحكمة لمن نطق به. ونورا لمن استضاء به. وحجة لمن خاصم به. وفلجا لمن حاج به(٣) . وعلما لمن وعى. وحديثا لمن روى. وحكما لمن قضى. وحلما لمن حدث(٤) . ولبا لمن تدبر. وفهما لمن تفكر. ويقينا لمن عقل. وبصيرة لمن عزم. وآية لمن توسم. وعبرة لمن اتعظ ونجاة لمن آمن به. ومودة من الله لمن صلح(٥) . وزلفى لمن ارتقب. وثقة لمن توكل. وراحة لمن فوض. وصبغة لمن أحسن. وخيرا لمن سارع. وجنة لمن صبر. ولباسا لمن اتقى. وتطهيرا لمن رشد وأمنة لمن أسلم(٦) وروحا للصادقين. فالايمان أصل الحق.

____________________

(١) قال الله تبارك وتعالى في سورة الحشر آية ٢٣ هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن - الاية

وليس المراد من اشتقاقه اشتقاق اللفظ من اللفظ فقط بل اشتقاق الحقيقة والمعنى من اسمه تعالى كما جاء في حديث المعراج إن الله تعالى قال لى: يا محمد اشتققت لك اسما من أسمائى فأنا المحمود وأنت محمد واشتققت لعلى اسما من أسمائى فأنا الاعلى وهو على وهكذا فاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فكلهم أشباح نور من نوره تعالى جل اسمه.

واما الايمان فرابطة باطنية بين الله وعبده، به يعبد الله وبه يتقرب اليه وبه ينجو من الهلكة ويهدى من الضلالة ويخرج من الظلمة وله آثار في الخارج تظهر من اعضاء المؤمن وجوارحه من الصالحات والاعمال الحسنة فالايمان بمنزلة شجرة منبتها في القلب واغصانها تظهر من الاعضاء والجوارح وثمارها الاخلاق الحسنة والملكات الفاضلة والاعمال الصالحة وكل صفة من الاوصاف الحسنة كالسخاوة والشجاعة.

والعدل ثمرة من ثمراتها كما ان البخل والجبن والظلم من ثمرات الكفر.

(٢) يقال: جانبه أى سار إلى جنبه.

وفى الكافى [ لمن حاربه ] وفى النهج [ على من غالبه ].

أى حاول أن يغلبه ولعله أظهر.

(٣) الفلج الظفر والفوز.

(٤) في الكافى [ لمن جرب ].

(٥) في الكافى [ وتؤدة لمن أصلح وزلفى لمن اقترب ].

(٦) الامنة - بفتح الثلاثة -: الامن والسلم.

١٦٥

وأصل الحق سبيله الهدى وصفته الحسنى. ومأثرته المجد(١) . فهو أبلج المنهاج مشرق المنار. مضئ المصابيح. رفيع الغاية. يسير المضمار(٢) . جامع الحلبة. متنافس السبقة. قديم العدة. كريم الفرسان. الصالحات مناره والعفة مصابيحه. والموت غايته(٣) والدنيا مضماره. والقيامة حلبته. والجنة سبقته. والنار نقمته. والتقوى عدته. والمحسنون فرسانه. فبالايمان يستدل على الصالحات. وبالصالحات يعمر الفقه وبالفقه يرهب الموت(٤) . وبالموت تختم الدنيا. وبالدنيا تحذو الآخرة(٥) .

وبالقيامة تزلف الجنة والجنة حسرة أهل النار. والنار موعظة التقوى. والتقوى سنخ الاحسان(٦) .

والتقوى غاية لا يهلك من تبعها ولا يندم من يعمل بها، لان بالتقوى فاز القائزون. و بالمعصية خسر الخاسرون فليزدجر اولوا النهى. وليتذكر أهل التقوى. فالايمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين والعدل والجهاد:

____________________

(١) المأثرة - بضم الثاء وفتحها: المكرمة والفعل الحميد وأبلج أى أوضح والمنهاج: الطريق الواضح. وقيل: أبلج المناج أى واضح الطريق وفى الكافى والنهج [ أبلج المناهج ] بصيغة الجمع أى أشد الطرق وضوحا وأنورها.

والمنار: علم الطريق ومنار الايمان هى دلائله الواضحة من الاعمال الصالحة والاخلاق الحسنة.

(٢) أى إذا سوبق سبق. وفى النهج [ كريم المضمار ].

وإذا كان المضمار موضع الذى تضمر فيه الخيل فالمراد به الدنيا لانها يسيرة والحلبة - بسكون اللام -: خيل تجمع للسباق والنصرة. والمتنافس: الراغب على وجه المباراة.

والمفاخرة والسبقة - بفتحتين -: الغاية المحبوبة التى يحب السابق أن يصل إليها.

- وبضم فسكون -: ما يتراهن عند السباق أى جزاء السابقين والعدة - بالضم -: ما اعددته لحوادت الدهر وبمعنى الاستعداد - وبالفتح - الجماعة.

(٣) أى غايته في حفظه فالمؤمن كان في مدة حياته في الدنيا في التعب والمشقة.

وقيل يريد الموت عن الشهوات البهيمية والحياة بالسعادة الابدية والدنيا مضماره أى موضع الذى يضمر فيه لانها مزرعة الاخرة.

(٤) في النهج [ وبالصالحات يستدل على الايمان.

وبالايمان يعمر العلم. وبالعلم يرهب الموت ].

(٥) اى تقابل الاخرة من حذاه اى كان بازائه وحذائه. وفى النهج وبعض نسخ الكافى [ تحوز الاخرة ] أى تحفظ السعادة بسبب الاعمال الصالحة والاخلاق الفاضلة.

(٦) أى أصله وأساسه. وفى الكافى [ والنار موعظة المتقين والتقوى سنخ الايمان ].

١٦٦

فالصبر على أربع شعب: على الشوق والشفق(١) والزهد والترقب. فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات(٢) . ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات. ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات. ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات. واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة وتأول الحكمة(٣) . وموعظة العبرة وسنة الاولين. فمن تبصر في الفطنة تأول الحكمة. ومن تأول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة عرف السنة ومن عرف السنة فكأنما عاش في الاولين. والعدل على أربع شعب: على غائص الفهم وغمرة العلم(٤) وزهرة الحكم وروضة الحلم. فمن فهم فسر جميع العلم.

ومن عرف الحكم لم يضل(٥) . ومن حلم لم يفرط أمره وعاش به في الناس حميدا. والجهاد على أربع شعب: على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق عند المواطن(٦) وشنآن الفاسقين فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن. ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الكافرين(٧) ومن صدق في المواطن قضى ما عليه ومن شنأ الفاسقين غضب لله

____________________

(١) الشفق: بالتحريك: الخوف.

(٢) سلا عنه أى نسى وذهل عن ذكره.

(٣) التبصرة: التعرف أى الوصول إلى دقائقها. والعبرة: الاعتبار والاتعاظ.

وفى الكافى [ معرفة العبرة ] أى المعرفة بأنه كيف ينبغى أن يعتبر من الشئ ويتعظ به.

(٤) الغمرة: بالفتح: الشدة والجمع. والمراد غور العلم أى سره وباطنه.

وفى النهج [ غور العلم ]. وزهرة الحكم أى الحكم الزاهرة الواضحة ويمكن أن يقرأ زهرة الحكم بضم الزاى وسكون الهاء وضم الحاء وسكون الكاف أى حسن الحكم.

روضة الحلم أى الحلم الواسع. والحلم هو الامساك عن المبادرة إلى قضاء وطر الغضب وفى النهج [ رساخة الحلم ] أى ملكته وعبر عنها بالرسوخ لان شأن الملكة ذلك.

(٥) في النهج [ فمن فهم علم غور العلم ومن علم غور العلم صدر عن شرائع الحكم ] والصدور: الرجوع بعد الاعتراف للافاضة على الناس. فيحسن حكمه فلم يضل.

(٦) المواطن: مشاهد الحرب في سبيل الحق أو المواطن المكروهة. والشنآن: بالتحريك: البغض.

(٧) في الكافى [ ارغم أنف المنافق وأمن كيده ] وفى النهج [ فمن أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافقين ].

١٦٧

ومن غضب لله غضب الله له فذلك الايمان ودعائمه وشعبه. والكفر على أربع دعائم: على الفسق والغلو والشك والشبهة(١) . فالفسق من ذلك على أربع شعب: الجفاء والعمى والغفلة والعتو(٢) . فمن جفا حقر المؤمن ومقت الفقهاء وأصر على الحنث. ومن عمى نسي الذكر، فبذى خلقه وبارز خالقه وألح عليه الشيطان. ومن غفل جنى على نفسه وانقلب على ظهره وحسب غيه رشدا وغرته الاماني وأخذته الحسرة(٣) إذا انقضى الامر وانكشف عنه الغطاء وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب. ومن عتا عن أمر الله شك. ومن شك تعالى الله عليه ثم أذله بسلطانه وصغره بجلاله. كما فرط في حياته واغتر بربه الكريم. والغلو على أربع شعب: على التعمق والتنازع والزيغ والشقاق(٤) . فمن تعمق لم ينته إلى الحق ولم يزده إلا غرقا في الغمرات، لا تنحسر عنه فتنة إلا غشيته اخرى، فهو يهوي في أمر مريج(٥) . ومن نازع وخاصم وقع بينهم الفشل وبلي أمرهم(٦) من طول

____________________

(١) الفسق: الخروج من الطاعة.

والغلو: مجاوزة الحد في الدين.

والشك: خلاف اليقين وهو التردد.

والشبهة هى ترجيح الباطل بالباطل وتصوير غير الواقع بصورة الواقع.

(٢) والجفاء هو الغلظة في الطبع والخرق في المعاملة والفظاظة فيها ورفض الصلة و البر والرفق.

والعمى: إبطال البصيرة القلبية وترك التفكر في الامور النافعة في الآخرة والغفلة هى غيبة الشئ عن بال الانسان وعدم تذكره له والعتو مصدر بمعنى التجبر والاستكبار.

(٣) زاد هنا في الكافى والندامة أى أخذته الحسرة مما لحقه من الفضائح والندامة مما فعله من القبائح.

(٤) التعمق أصله: التشدد في الامر طلبا لاقصى غاية والمراد به هنا كما يعلم من تفسيره: الذهاب في الاوهام لزعم طلب الاسرار.

والزيغ: العدول عن الحق والميل مع الهوى الحيوانى. والشقاق بالكسر -: العناد.

ونقل السيد الشريف الرضى هذه الشعب الاربعة من دعائم الكفر ولم يذكره من شعب الغلو الذى هو أحد دعائم الكفر وقال بعد ذكر الشك وشعبه: وبعد هذا كلام تركنا ذكره، خوف الاطالة والخروج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب. ولعله سهو أو سقط من قلم النساخ.

(٥) الانحسار: الانكشاف. ومريج أى مختلط أو مضطرب. وزاد في الكافى [ وانخرق دينه ].

(٦) في الكافى [ ومن نازع الرأى وخاصم شهر بالفشل ] وهو الجبن والضعف وفى بعض نسخه [ بالعثل ] - بضم العين - وهو الحمق.

١٦٨

اللجاج. ومن زاغ ساء‌ت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة وسكر سكر الضلال. ومن شاق اعورت عليه طرقه(١) واعترض عليه أمره وضاق مخرجه. وحري أن ينزع من دينه من اتبع غير سبيل المؤمنين(٢) . والشك على أربع شعب: على المرية والهول والتردد والاستسلام(٣) ، فبأي آلاء ربك يتمارى الممترون(٤) . ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه. ومن تردد في دينه سبقه الاولون وأدركه الآخرون ووطئته سنابك الشياطين(٥) . ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما. ومن نجا من ذلك فبفضل اليقين. والشبهة على أربع شعب: على الاعجاب بالزينة وتسويل النفس وتأويل العوج ولبس الحق بالباطل. وذلك أن الزينة تصدف عن البينة. وتسويل النفس تقحم إلى الشهوة(٦) . والعوج يميل بصاحبة ميلا عظيما. واللبس ظلمات بعضها فوق بعض فذلك الكفر ودعائمه وشعبه.

والنفاق على أربع دعائم: على الهوى والهوينا والحفيظة والطمع(٧) .

____________________

(١) شاق أى خالف وعاند.

واعورت عليه أى صارت أعور لا علم لها.

وفى النهج [ ومن شاق وعرت عليه طرقه وأعضل عليه أمره ] وعر الطريق: خشن ولم يسهل السير فيه. وأعضل: اشتد واستغلق وأعجرت صعوبته.

(٢) وفى الكافى [ إذا لم يتبع سبيل المؤمنين ].

(٣) المرية - بكسر وضم - الجدل والشك وفى الكافى هكذا [ وهو قول الله عزوجل: فبأى آلاء ربك تتمارى ]. وفى النهج [ على التمارى ] اى التجادل لاظهار قوة الجدل. والامتراء: الشك.

والهول - بالفتح -: المخالفة. والاستسلام: الانقياد والمراد هنا إلقاء النفس في تيار الحادثات.

(٤) في النهج [ فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح ليله ] وديدنا أى عادة وسيرة يعنى لم يخرج من ظلمة الشك إلى اليقين.

(٥) السنابك: جمع سنبك - بضم السين والباء الموحدة -: طرف الحافر أى تستزله الشياطين فتطرحه في الهلكة.

(٦) تسويل النفس: تزيينها.

وتأول العوج: تأويل المعوج والباطل بوجه يخفى عوجه ويبرز استقامته فيظن أنه حق ومستقيم.

والصدف: الصرف وفى الكافى [ تقحم على الشهوة ] وقحم في الامر: رمى بنفسه فيه فجأة بلا روية.

(٧) الهوينا: تصغير الهونى تأنيث الاهون وهو من الهون: الرفق واللين والمراد هنا التهاون في أمر الدين وترك الاهتمام فيه. والحفيظة: الغضب والحمية.

١٦٩

والهوى من ذلك على أربع شعب: على البغي والعدوان والشهوة والعصيان(١) فمن بغى كثرت غوائله(٢) وتخلى عنه ونصر عليه ومن اعتدى لم تؤمن بوائقه ولم يسلم قلبه. ومن لم يعذل نفسه عن الشهوات خاض في الحسرات وسبح فيها(٣) . ومن عصى ضل عمدا بلا عذر ولا حجة. وأما شعب الهوينا: فالهيبة والغرة والمماطلة والامل(٤) . وذلك أن الهيبة ترد عن الحق والاغترار بالعاجل تفريط الآجل. والمماطلة مورط في العمى. ولولا الامل علم الانسان حساب ما هو فيه(٥) . ولو علم حساب ما هو فيه مات خفاتا من الهول والوجل(٦) . وأما شعب الحفيظة(٧) : فالكبر والفخر والحمية والعصبية. فمن استكبر أدبر. ومن فخر فجر ومن حمي أصر. ومن أخذته العصبية جار، فبئس الامر بين إدبار وفجور وإصرار. وشعب الطمع: الفرح والمرح واللجاجة والتكبر(٨) . فالفرح مكروه عند الله والمرح خيلاء. واللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حمل الآثام. والتكبر لهو ولعب و شغل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.

____________________

(١) في الكافى [ الطغيان ] موضع العصيان وكذا في تفسيره طغى مكان عصى

(٢) الغوائل: جمع الغائلة: الداهية والمهلكة.

والبوائق: جمع البائقة: لشر والداهية.

(٣) العذل: اللوم.

وفى الكافى [ ولم يملك نفسه عن الشهوات.

ومن لم يعذل نفسه في الشهوات خاض في الخبيثات ].

(٤) الهيبة: المخافة والمهابة.

والمماطلة: التعلل والتسويف.

(٥) كذا.

وفى الكافى [ وذلك بأن الهيبة ترد عن الحق والمماطلة تفرط في العمل حتى يقدم عليه الاجل ولولا الامل علم الانسان حسب ما هو فيه ] أى قدر ما هو فيه.

(٦) الخفات بضم الخاء المعجمة: الموت فجأة.

(٧) الحفيظة: اسم من المحافظة والحفاظ والمراد بها السجية القبيحة التى يحفظ بها الكبر والفخر والحمية والعصبية.

(٨) الفرح: السرور.

والمرح: شدة الفرح حتى جاوز القدر فتبختر واختال.

وفى الكافى [ التكاثر ] موضع التكبر

وكذا في تفسيره وهو الصواب وما في الصلب تصحيف من النساخ.

١٧٠

فذلك النفاق ودعائمه وشعبه، والله قاهر فوق عباده تعالى ذكره، واستوت به مرته(١) ، واشتدت قوته، وفاضت بركته، واستضاء‌ت حكمته، وفلجت حجته(٢) .

وخلص دينه، وحقت كلمته، وسبقت حسناته، وصفت نسبته، واقسطت موازينه، و بلغت رسالاته، وحضرت حفظته، ثم جعل السيئة ذنبا والذنب فتنة، والفتنة دنسا وجعل الحسنى غنما، والعتبى توبة(٣) والتوبة طهورا، فمن تاب اهتدى، ومن افتتن غوى ما لم يتب إلى الله ويعترف بذنبه ويصدق بالحسنى ولا يهلك على الله إلا هالك. فالله الله ما أوسع ما لديه من التوبة والرحمة والبشرى والحلم العظيم. وما أنكر ما لديه من الانكال(٤) والجحيم والعزة والقدرة والبطش الشديد، فمن ظفر بطاعة الله اختار كرامته. ومن لم يزل في معصية الله ذاق وبيل نقمته. هنالك عقبى الدار.

* (ومن كلامه عليه‌السلام لكميل بن زياد) *

بعد اشياء ذكرها(٥) إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها.

احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع(٦) أتباع كل

____________________

(١) قال الله تعالى في سورة النجم آية ٦: ذو مرة فاستوى أى ذو قوة وعقل وشدة.

(٢) فلج: ظفر وفاز.

(٣) الدنس: الوسخ.

غنما - بضم الغين مصدر - أى فوزا.

والعتبى: الرضا أى سببا له و في الكافى [ وجعل الحسنى عتبى والعتبى التوبة ].

(٤) الانكال: جمع النكل - بالفتح -: القيد الشديد وفى الكافى [ وما أنكل ما لديه من الانكال ].

والبطش: الاخذ بصولة وسطوة.

والوبيل: الوخيم.

(٥) منقول في الخصال وفى النهج مع أدنى اختلاف وكميل كان من أكابر أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام من اليمن، وجلالة هذا الرجل مما تحدث به المخدرات في حجالهن واعترف به المؤالف و المخالف، قال الذهبى: كميل بن زياد بن نهيك بن هيثم النخعى حدث عن علىعليه‌السلام وغيره، شهد صفين مع على (ع) وكان شريفا مطاعا ثقة عابدا على تشيعه قليل الحديث، قتله الحجاج لعنه الله.

٨٣ ه‍ (تنقيح المقال).

(٦) الهمج: الذى لا خير فيه والحمقى.

والرعاع - بالفتح -: سفلة الناس.

١٧١

ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم فيهتدوا ولم يلجأوا إلى ركن وثيق فينجوا.

يا كميل العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تفنيه النفقة(١) والعلم يزكو على الانفاق. العلم حاكم والمال محكوم عليه.

يا كميل بن زياد محبة العالم دين يدان به(٢) به يكسب الانسان الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد وفاته. ومنفعة المال تزول بزواله. مات خزان الاموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر.

أعيانهم مفقودة وأمثلتهم في القلوب موجودة. ها، إن ههنا لعلما جما - وأشار إلى صدره - لم أصب له خزنة(٣) بلى أصيب لقنا غير مأمون، مستعملا آلة الدين في طلب الدنيا، يستظهر بحجج الله على أوليائه وبنعمة الله على معاصيه أو منقادا لحملة الحق(٤) لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، اللهم لا ذا ولا ذاك، أو منهوما باللذة(٥) سلس القياد للشهوة، أو مغرما بالجمع والادخار ليسا من رعاة الدين ولا من ذوي البصائر واليقين. أقرب شبها بهما الانعام السائمة(٦) كذلك يموت العلم بموت حملته. اللهم بلى، لا يخلو الارض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا(٧)

____________________

(١) في النهج [ تنقصه النفقة ].

(٢) في النهج [ العلم دين يدان به، به يكتسب الانسان الطاعة في حياته ].

وذلك لان العلم أشبه شئ بالدين، فالعالم في قومه كالنبى في امته، يوجب على المتدينين طاعة صاحبه في حياته والثناء عليه بعد وفاته.

والاحدوثة - بالضم - ما يتحدث به.

(٣) أى لم أجد له خازنين.

واللقن - بفتح فكسر -: سريع الفهم.

(٤) منقادا معطوف على لقنا

والاحناء: جمع حنو: طرف الشئ وجانبه.والمراد جوانب الحق وخفاياه ودقائقه.

(٥) المنهوم: المفرط في شهوة الطعام.

والسلس: السهل. والقياد: حبل يقاد به.والمغرم - بفتح الراء -: المولع به.

(٦) السائمة: الانعام والمواشى الراعية.

(٧) المغمور: المقهور، المستور، المجهول، الخامل الذكر.

وفى بعض النسخ [ إما ظاهرا مكشوفا أو خائفا مفردا ].

١٧٢

لئلا تبطل حجج الله وبيناته ورواة كتابه. وأين اولئك؟ هم الاقلون عددا، الاعظمون قدرا، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعه نظراء‌هم ويزرعها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الايمان، فباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعر منه المترفون(١) واستأنسوا بما استوحش منه الجاهلون.

صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى.

يا كميل اولئك امناء الله في خلقه وخلفاؤه في أرضه وسرجه في بلاده(٢) والدعاة إلى دينه.

واشوقاه إلى رؤيتهم أستغفر الله لي ولك.

* (وصيته عليه‌السلام لكميل بن زياد مختصرة (٣) ) *

يا كميل سم كل يوم باسم الله وقل لا حول ولا قوة إلا بالله. وتوكل على الله و اذكرنا وسم بأسمائنا وصل علينا. وادر بذلك على نفسك(٤) وما تحوطه عنايتك، تكف شر ذلك اليوم إن شاء الله.

يا كميل إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أدبه الله وهوعليه‌السلام أدبني وأنا أؤدب المؤمنين وأورث الآداب المكرمين.

يا كميل ما من علم إلا وأنا أفتحه وما من سر إلا والقائمعليه‌السلام يختمه.

يا كميل ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا.

يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة.

يا كميل إذا أكلت الطعام فسم باسم الذي لا يضر مع اسمه داء وفيه شفاء من كل الاسواء(٥) .

____________________

(١) استلانوا: وجدوا وعدوا لينا.

استوعر: وجدوا وعدوا وعرا أى صعبا.والمترف: المتنعم يعنى عدوا لينا ما استخشنه المتنعمون وهو الزهد.

(٢) السرج - بضم السين والراء المهملة -: جمع سراج.

(٣) تمام الوصية في بشارة المصطفى لمحمد بن على الطبرى رحمه الله واختصره المؤلفرحمه‌الله .

(٤) ادر: أمر من أدار بالشئ أى جعله يدور.

وقوله تحوطه: تحفظه وتعهده عنايتك.

(٥) في بعض النسخ وفى بشارة المصطفى [ من كل الادواء ].

١٧٣

يا كميل وآكل الطعام ولا تبخل عليه، فإنك لن ترزق الناس شيئا والله يجزل لك الثواب بذلك.

أحسن عليه خلقك. وابسط جليسك(١) . ولا تتهم خادمك.

يا كميل إذا أكلت فطول أكلك ليستوفي من معك ويرزق منه غيرك.

يا كميل إذا استوفيت طعامك فاحمد الله على ما رزقك وارفع بذلك صوتك يحمده سواك فيعظم بذلك أجرك.

يا كميل لا توقرن معدتك طعاما(٢) ودع فيها للماء موضعا وللريح مجالا. ولا ترفع يدك من الطعام إلا وأنت تشتهيه، فإن فعلت ذلك فإنت تستمرئه(٣) ، فإن صحة الجسم من قلة الطعام وقلة الماء.

يا كميل البركة في مال من آتى الزكاة وواسى المؤمنين ووصل الاقربين(٤) .

يا كميل زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين وكن بهم أرأف وعليهم أعطف. وتصدق على المساكين.

يا كميل لا ترد سائلا ولو من شطر حبة عنب أو شق تمرة، فإن الصدقة تنمو عند الله.

يا كميل أحسن حلية المؤمن التواضع وجماله التعفف وشرفه التفقه وعزه ترك القال والقيل(٥) .

يا كميل في كل صنف قوم أرفع من قوم، فإياك ومناظرة الخسيس منهم وإن أسمعوك واحتمل وكن من الذين وصفهم الله وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما(٦)

____________________

(١) بسط الرجل -: سره.

وفى بعض النسخ [ ولا تنهرن خادمك ].

(٢) لا توقرن أى لا تثقلن معدتك من الطعام.

وفى بعض النسخ [ توفرن ].

(٣) استمرأ الطعام: استطيبه ووجده مريئا.

(٤) واسى المؤمنين: عاونهم.

(٥) القال والقيل - مصدران -: ما يقوله الناس.

وقيل: القال الابتداء والسؤال والثانى الجواب.

(٦) سورة الفرقان آية ٦٤.

١٧٤

يا كميل قل الحق على كل حال وواد المتقين واهجر الفاسقين وجانب المنافقين ولا تصاحب الخائنين.

يا كميل لا تطرق أبواب الظالمين(١) للاختلاط بهم والاكتساب معهم وإياك أن تعظمهم وأن تشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك وإن اضطررت إلى حضورهم فداوم ذكر الله والتوكل عليه واستعذ بالله من شرورهم وأطرق عنهم وأنكر بقلبك فعلهم واجهر بتعظيم الله تسمعهم، فإنك بها تؤيد وتكفى شرهم.

يا كميل إن أحب ما تمتثله العباد إلى الله بعد الاقرار به وبأوليائه التعفف والتحمل والاصطبار.

يا كميل لا تر الناس إقتارك واصبر عليه احتسابا بعز وتستر.

يا كميل لا بأس أن تعلم أخاك سرك. ومن أخوك؟ أخوك، الذي لا يخذلك عند الشديدة ولا يقعد عنك عند الجريرة(٢) ولا يدعك حتى تسأله ولا يذرك وأمرك حتى تعلمه، فإن كان مميلا فأصلحه(٣) .

يا كميل المؤمن مرآة المؤمن، لانه يتأمله فيسد فاقته ويجمل حالته.

يا كميل المؤمنون إخوة ولا شئ آثر عند كل أخ من أخيه(٤) .

يا كميل إن لم تحب أخاك فلست أخاه، إن المؤمن من قال بقولنا، فمن تخلف عنه قصر عنا ومن قصر عنا لم يلحق بنا ومن لم يكن معنا ففي الدلك الاسفل من النار.

يا كميل كل مصدور ينفث(٥) فمن نفث إليك منا بأمر أمرك بستره، فإياك

____________________

(١) لا تطرق أى لا تقرع.

وأطرق الرجل: سكت ولم يتكلم وبمعنى أرخى عينيه ينظر إلى الارض.

(٢) الجريرة: الجناية، لانها تجر العقوبة إلى الجانى. ولا يذرك أى لا يدعك.

قيل: ولا فعل منه بهذا المعنى إلا المضارع والامر.

(٣) المميل - اسم فاعل من أمال - أى ان كان ضالا يدعوك إلى صلاله فأصلحه.

(٤) أى أقدم وأكرم.

(٥) المصدور: الذى يشتكى من صدره.وينفث المصدور أى رمى بالنفاثة. والمراد إن من ملا صدره من محبتنا وأمرنا لا يمكن له أن يقيها ولا يبرزها فاذا أبرزها أمر بسترها.

وفى بعض النسخ [ مصدود ].

١٧٥

أن تبديه وليس لك من إبدائه توبة وإذا لم يكن توبة فالمصير إلى لظى(١) .

يا كميل إذاعة سر آل محمد [ صلوات الله عليهم ] لا يقبل منها ولا يحتمل أحد عليها وما قالوه فلا تعلم إلا مؤمنا موقنا(٢) .

يا كميل قل عند كل شدة: لا حول ولا قوة إلا بالله تكفها وقل عند كل نعمة: الحمد لله تزدد منها. وإذا أبطأت الارزاق عليك فاستغفر الله يوسع عليك فيها.

يا كميل انج بولايتنا من أن يشركك الشيطان في مالك وولدك.

يا كميل إنه مستقر ومستودع(٣) فاحذر أن تكون من المستودعين وإنما يستحق أن يكون مستقرا إذا لزمت الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج(٤) ولا تزيلك عن منهج.

يا كميل لا رخصة في فرض ولا شدة في نافلة.

يا كميل إن ذنوبك أكثر من حسناتك وغفلتك أكثر من ذكرك ونعم الله عليك أكثر من عملك.

يا كميل إنك لا تخلو من نعم الله عندك وعافيته إياك، فلا تخل من تحميده وتمجيده وتسبيحه وتقديسه [ وشكره ] وذكره على كل حال.

يا كميل لا تكونن من الذين قال الله( نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) (٥) ونسبهم إلى الفسق فهم فاسقون.

يا كميل ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق، الشأن أن تكون الصلاة بقلب نقي وعمل عند الله مرضي وخشوع سوي وانظر فيما تصلي وعلى ما تصلي إن لم يكن من وجهه وحله فلا قبول.

____________________

(١) اللظى: النار ولهبها.

(٢) في بعض النسخ [ تعلمه إلا مؤمنا موقفا ].

وفى بعضها [ فلا يعلمه إلا مؤمنا موقفا ]. وكذا في بشارة المصطفى.

(٣) يعنى به الايمان فانه مستقر ومستودع.

(٤) العوج - بكسر العين - للمعانى و - بفتحها - للاشياء.

(٥) سورة الحشر آية ١٩.

١٧٦

١٧٧

١٧٨

يا كميل اللسان ينزح من القلب(١) والقلب يقوم بالغذاء، فانظر فيما تغذي قلبك و جسمك فإن لم يكن ذلك حلالا لم يقبل الله تسبيحك ولا شكرك.

يا كميل إفهم واعلم أنا لا نرخص في ترك أداء الامانة لاحد من الخلق. فمن روى عني في ذلك رخصة فقد أبطل وأثم وجزاؤه النار بما كذب، اقسم لسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلاثا: يا أبا الحسن أد [ اء ] الامانة إلى البر والفاجر فيما جل وقل حتى الخيط والمخيط.

يا كميل لا غزو إلا مع إمام عادل ولا نفل إلا من إمام فاضل(٢) .

يا كميل لو لم يظهر نبي وكان في الارض مؤمن تقي لكان في دعائه إلى الله مخطئا أو مصيبا، بل والله مخطئا حتى ينصبه الله لذلك ويؤهله له.

يا كميل الدين لله فلا يقبل الله من أحد القيام به إلا رسولا أو نبيا أو وصيا.

يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة وليس بعد ذلك إلا موالين متعبين أو عامهين مبتدعين، إنما يتقبل الله من المتقين(٣) .

يا كميل إن الله كريم حليم عظيم رحيم دلنا على أخلاقه وأمرنا بالاخذ بها و حمل الناس عليها، فقد أديناها غير متخلفين وأرسلناها غير منافقين وصدقناها غير مكذبين وقبلناها غير مرتابين.

يا كميل لست والله متملقا حتى أطاع ولا ممنيا(٤) حتى لا اعصى ولا مائلا لطعام الاعراب حتى انحل(٥) إمرة المؤمنين وادعى بها.

يا كميل إنما حظي من حظي بدنيا زائلة مدبرة ونحظى بآخرة باقية ثابتة.

يا كميل إن كلا يصير إلى الآخرة والذي نرغب فيه منها رضى الله والدرجات العلى من الجنة التي يورثها من كان تقيا.

____________________

(١) في المصباح نزحت البئر من باب نفع ونزوحا استقيت ماء‌ها كله.

والمراد ههنا الترشح.وفى بشارة المصطفى [ يبوح من القلب ].

(٢) النفل - محركة - الغنيمة وفى بشارة المصطفى [ نقل ].

(٣) أى ما يقوم به النبى والرسول والامام. وعمه أى تحير في طريقه. وفى بعض النسخ [ ضالين مبتدعين ]. وفى بشارة المصطفى [ إلا متولين ومتغلبين وضالين ومعتدين ].

(٤) في بشارة المصطفى [ ممنا ].

(٥) أنحل فلانا شيئا: أعطاه إياه وخصه به. وفى بشارة المصطفى [ حتى انتحل ].

١٧٩

يا كميل من لا يسكن الجنة فبشره بعذاب أليم وخزي مقيم.يا كميل أنا أحمد الله على توفيقه وعلى كل حال، إذا شئت فقم.

*(وصيته عليه‌السلام محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر) *

هذا ما عهد عبدالله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر(١) حين ولاه مصر أمره بتقوى الله والطاعة له في السر والعلانية وخوف الله في الغيب والمشهد وباللين للمسلم وبالغلظة على الفاجر وبالعدل على أهل الذمة وبإنصاف المظلوم وبالشدة على الظالم وبالعفو عن الناس وبالاحسان ما استطاع والله يجزي المحسنين ويعذب المجرمين. وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة، فإن لهم في ذلك من العافية و عظيم المثوبة مالا يقدرون قدره ولا يعرفون كنهه.وأمره أن يلين لهم جناحه وأن يساوي بينهم في مجلسه ووجهه ويكون القريب والبعيد عنده في الحق سواء.وأمره أن يحكم بين الناس بالعدل.وأن يقيم بالقسط ولا يتبع الهوى ولا يخاف في الله لومة لائم فإن الله مع من اتقاه وآثر طاعته وأمره على من سواه. وكتب عبيد الله بن أبي رافع(١)

(وصيته عليه‌السلام محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر) *

هذا ما عهد عبدالله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر(١) حين ولاه مصر أمره بتقوى الله والطاعة له في السر والعلانية وخوف الله في الغيب والمشهد وباللين للمسلم وبالغلظة على الفاجر وبالعدل على أهل الذمة وبإنصاف المظلوم وبالشدة على الظالم وبالعفو عن الناس وبالاحسان ما استطاع والله يجزي المحسنين ويعذب المجرمين. وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة، فإن لهم في ذلك من العافية و عظيم المثوبة مالا يقدرون قدره ولا يعرفون كنهه. وأمره أن يلين لهم جناحه وأن يساوي بينهم في مجلسه ووجهه ويكون القريب والبعيد عنده في الحق سواء. وأمره أن يحكم بين الناس بالعدل.وأن يقيم بالقسط ولا يتبع الهوى ولا يخاف في الله لومة لائم فإن الله مع من اتقاه وآثر طاعته وأمره على من سواه. وكتب عبيد الله بن أبي رافع(١)

(ومن كلامه عليه‌السلام في الزهد وذم الدنيا وعاجلها) *

إني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة حفت بالشهوات وتحببت بالعاجلة وعمرت بالآمال(٣) وتزينت بالغرور، لا تدوم حبرتها(٤) ولا تؤمن فجعتها، غرارة، ضرارة، زائلة، نافدة أكالة، غوالة(٥) ، لا تعدو - إذا هي تناهت إلى امنية أهل الرغبة فيها والرضا بها - أن تكون كما قال الله سبحانه:( کَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَ کَانَ اللَّهُ عَلَى کُلِّ شَيْ‌ءٍ مُقْتَدِراً ) (٦) . مع أن امرء‌ا لم يكن منها

____________________

(١) أى تحمل المشاق والشدائد في طريق الوصول إلى الحق.

(٢) في الامالى [ فان ذلك أوجب للحجة وأصلح للرعية ].

(٣) في النهج [ وتحلت بالامال ].

(٤) الحبرة - بالفتح -: السرور والنعمة.

وفى بعض نسخ الحديث [ لا تدوم خيرها ].

(٥) نافدة: فانية.

أكالة: كثير الاكل.وفى النهج [ حائلة زائلة، نافدة، بائدة ] وغوالة أى مهلكة.

(٦) سورة الكهف آية ٤٤.

الهشيم: النبت اليابس المتكسر.

١٨٠