تحف العقول

تحف العقول0%

تحف العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

تحف العقول

مؤلف: ابن شعبة الحراني
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 183070
تحميل: 11478

توضيحات:

تحف العقول
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 183070 / تحميل: 11478
الحجم الحجم الحجم
تحف العقول

تحف العقول

مؤلف:
العربية

في حبرة إلا أعقبته عبرة(١) ولم يلق من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا(٢) ولم تطله فيها ديمة رخاء(٣) إلا هتفت عليه مزنة بلاء. إذا هي أصبحت منتصرة أن تمسي له منكرة(٤) . وإن جانب منها اعذوذب لامرء واحلولى، أمر عليه جانب منها فأوبى(٥) وان لبس امرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح في أخوف خوف(٦) غرارة، غرور ما فيها، فانية فان من عليها. لا خير في شئ من زادها إلا التقوى. من أقل منها استكثر مما يؤمنه ومن استكثر منها لم يدم له وزال عما قليل عنه. كم من واثق بها قد فجعته وذي طمأنينة إليها قد صرعته. وذي حذر قد خدعته. وكم ذي ابهة فيها قد صيرته حقيرا. وذي نخوة قد ردته جائعا فقيرا. وكم ذي تاج قد أكبته لليدين والفم. سلطانها ذل(٧) وعيشها رنق. وعذبها اجاج. وحلوها صبر(٨) . حيها بعرض موت. وصحيحها بعرض سقم.

ومنيعها بعرض اهتضام(٩) . وملكها مسلوب وعزيزها مغلوب وأمنها منكوب(١٠) وجارها محروب ومن وراء ذلك سكرات الموت وزفراته وهول المطلع

____________________

(١) العبرة بالفتح -: الدمعة.

(٢) كأن المراد بالبطن والظهر الاقبال والادبار.

(٣) الديمة - بالكسر -: مطر يدوم في سكون ولا رعد.

الرخاء - بالفتح -: السعة في العيش. والمزنة - بالضم -: القطعة من المزن أى السحاب.

ويحتمل أن يكون كما في النهج [ ولم تطله فيها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء ].

الطل: المطر الضعيف. وطلت السماء الارض: قطرت عليها الطل.

وهتنت المزن: تتابع مطرها وانصب.

(٤) في النهج [ وحرى إذا اصبحت له منتصرة أن تمسى له منكرة ].

(٥) اعذوذب واحلولى: افعوعل - من ابنية المبالغة - من العذوبة والحلاوة.

فاوبى: صار كثير الوباء.

(٦) في النهج [ الا أصبح على قوادم خوف ].

(٧) في النهج [ دول ]. وفى بعض النسخ [ زل ] بالزاى.

(٨) رنق: ككدر لفظا ومعنى.

والصبر - ككتف - وقد تسكن الباء نادرا: عصارة شجر مر.

(٩) المنيع: العزيز الشديد الذى لا يقدر عليه.

واهتضمه: دفعه عن موضعه وظلمه وكسر عليه حقه.

(١٠) المنكوب: المصاب بنكبة: والمحروب: الذى سلب ماله وترك بلا شئ.

١٨١

والوقوف بين يدي الحاكم العدل ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى الستم في مساكن من كان أطول منكم أعمارا وأبين آثارا وأعد منكم عديدا وأكثف منكم جنودا وأشد منكم عنودا(١) . تعبدوا للدنيا أي تعبد وآثروها أي إيثار. ثم ظعنوا عنها بالصغار(٢) . أفهذه تؤثرون؟ أم على هذه تحرصون؟ أم إليها تطمئنون؟ يقول الله:( مَنْ کَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَ زِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَ هُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُولٰئِکَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَ حَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَ بَاطِلٌ مَا کَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٣) فبئست الدار لمن لم يتهيبها(٤) ولم يكن فيها على وجل. واعلموا - وأنتم تعلمون - أنكم تاركوها لابد وإنما هي كما نعت الله:( لعب ولهو وزينة و تفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد ) (٥) فاتعظوا فيها بالذين كانوا يبنون بكل ريع آية يعبثون ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون(٦) وبالذين قالوا: من أشد منا قوة(٧) واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم ولا يدعون ركبانا وانزلوا ولا يدعون ضيفانا(٨) . وجعل لهم من الضريح أكنان(٩) ومن التراب أكفان ومن الرفات جيران(١٠) . فهم جيرة(١١) لا يجيبون داعيا ولا يمنعون ضيما. لا يزورون

____________________

(١) أى مخالفة للحق والعدول عنه مع العلم به.

(٢) الصغار - بالفتح -: الهون والذلة. وفى النهج [ بغير زاد مبلغ ولا ظهر قاطع ].

(٣) سورة هود آية ١٥.

(٤) لم يتهيبها أى لم يخف ولم يفزع منها.

وفى النهج [ لم يتهمها ].

(٥) سورة الحديد آية ٢٠.

(٦) اشارة إلى قوله تعالى في سورة الشعراء: ١٢٨. والريع: المكان المرتفع.

(٧) سورة فصلت: ١٦.

(٨) الضيفان - بالكسر -: جمع الضيف والضيفة.

(٩) الضريح القبر والشق في وسط القبر.

والاكنان: جمع كن - بالكسر -: البيت ووقاء كل شئ وستره وفى النهج [ من الصفيح أجنان ].

(١٠) الرفاء: العظام المندقة المكسورة.

(١١) كذا - بالجيم المعجمة -: جمع الجار. ويحتمل أن يكون بالحاء المهملة.

١٨٢

ولا يزارون. حلماء قد بارت أضغانهم(١) جهلاء قد ذهبت أحقادهم. لا تخشى فجعتهم ولا يرجى دفعهم. وهم كمن لم يكن وكما قال الله سبحانه:( فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين ) (٢) . استبدلوا بظهر الارض بطنا وبالسعة ضيقا وبالاهل غربة وبالنور ظلمة. جاؤوها كما فارقوها، حفاة عراة. قد ظعنوا منها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة وإلى خلود أبد يقول الله تبارك وتعالى:( کَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا کُنَّا فَاعِلِينَ‌ ) (٣) .

خطبتهعليه‌السلام عندما انكر عليه قوم تسويته بين الناس في الفئ(٤)

أما بعد أيها الناس فإنا نحمد ربنا وإلهنا وولي النعمة علينا، ظاهرة وباطنة بغير حول منا ولا قوة إلا امتنانا علينا وفضلا ليبلونا أنشكر أم نكفر فمن شكر زاده ومن كفر عذبه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحدا صمدا. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه رحمة للعباد والبلاد والبهائم والانعام، نعمة أنعم بها ومنا وفضلاصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم. فافضل الناس - أيها الناس - عند الله منزلة وأعظمهم عند الله خطرا أطوعهم لامر الله وأعملهم بطاعة الله وأتبعهم لسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحياهم لكتاب الله فليس لاحد من خلق الله عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة رسوله واتباع كتابه وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد نبي الله وسيرته فينا، لا يجهلها إلا جاهل مخالف معاند عن الله عزوجل يقول الله:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثَى وَ جَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَ قَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ ) (٥) فمن اتقى الله فهو الشريف المكرم

____________________

(١) بارت - من البور -: هلكت.

وبادت - من البيد -: هلكت أيضا.

(٢) سورة القصص آية ٥٨.

(٣) سورة الانبياء آية ١٠٤.

(٤) منقول في النهج.

(٥) سورة الحجرات آيه ١٤.

١٨٣

المحب وكذلك أهل طاعته وطاعة رسول الله يقول الله في كتابه:( إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْکُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) .

وقال: وأطيعوا الله واطيعوا الرسول فان توليتم فإن الله لا يحب الكافرين(٢)

ثم صاح بأعلى صوته يا معاشر المهاجرين والانصار ويا معاشر المسلمين أتمنون على الله وعلى رسوله بإسلامكم ولله ولرسوله المن عليكم إن كنتم صادقين.

ثم قال ألا إنه من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أجرينا عليه أحكام القرآن وأقسام الاسلام، ليس لاحد على أحد فضل إلا بتقوى الله وطاعته، جعلنا الله وإياكم من المتقين وأوليائه وأحبائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ثم قال: ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها وأصبحت تعظكم وترميكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ولا الذي دعيتم إليه. ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها، فلا يغرنكم عاجلها فقد حذرتموها ووصفت لكم وجربتموها، فأصبحتم لا تحمدون عاقبتها. فسابقوا رحمكم الله إلى منازلكم التي امرتم أن تعمروها فهي العامرة التي لا تخرب أبدا والباقية التي لا تنفد. رغبكم الله فيها و دعاكم إليها وجعل لكم الثواب فيها. فانظروا يا معاشر المهاجرين والانصار وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله ونزلتم به عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجاهدتم عليه فيما فضلتم به بالحسب والنسب؟ أم بعمل وطاعة؟ فاستتموا نعمه عليكم - رحمكم الله - بالصبر لانفسكم والمحافظة على من استحفظكم الله من كتابه.

ألا وإنه لا يضركم تواضع شئ من دنياكم بعد حفظكم وصية الله والتقوى.

ولا ينفعكم شئ حافظتم عليه من أمر دنياكم بعد تضييع ما امرتم به من التقوى، فعليكم عباد الله بالتسليم لامره والرضا بقضائه والصبر على بلائه.

فأما هذا الفئ فليس لاحد فيه على أحد أثرة(٣) قد فرغ الله عزوجل من قسمه

____________________

(١) سورة آل عمران آيه ٣١.

(٢) مضمون مأخوذ من آية ٣٢ سورة آل عمران.

(٣) الاثرة - محركة -: الاختيار واختصاص المرء باحسن شئ دون غيره.

١٨٤

فهو مال الله وأنتم عباد الله المسلمون وهذا كتاب الله به أقررنا وعليه شهدنا وله أسلمنا وعهد نبينا بين أظهرنا فسلموا - رحمكم الله - فمن لم يرض بهذا فليتول كيف شاء. فإن العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه اولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون اولئك هم المفلحون ونسأل الله وإلهنا أن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده. أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم.

* (ومن كلامه عليه‌السلام في وضع المال مواضعه) *

لما رأت طائفة من أصحابه بصفين ما يفعله معاوية بمن انقطع إليه وبذله لهم

الاموال - والناس أصحاب دنيا - قالوا لامير المؤمنينعليه‌السلام : أعط هذا المال وفضل الاشراف ومن تخوف خلافه وفراقه حتى إذا استتب(١) لك ما تريد عدت إلى أحسن ما كنت عليه من العدل في الرعية والقسم بالسوية(٢) .

فقال: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الاسلام والله لا أطور به ما سمر به سمير(٣) وما أم نجم في السماء نجما(٤) ولو كان مالهم مالي لسويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم. ثم أزم طويلا ساكتا(٥) .

ثم قال: من كان له مال فإياه والفساد، فإن إعطاء‌ك المال في غير وجهه تبذير(٦) وإسراف وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عند الله(٧) . ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه وعند غير أهله

____________________

(١) استتب: استقام واطرد واستمر.

(٢) رواه الشيخ أبوعلى ابن الشيخ في أماليه ص ١٢١ مع اختلاف يسير أشرنا إلى بعضه.

(٣) لا أطور به: لا أقاربه.

والسمير: الدهر أى لا أقاربه مدى الدهر ولا أفعله أبدا.

وفى الامالى [ أتأمرونى أن أطلب النصر بالجور والله لا افعلن ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم والله لو كان مالى لواسيت بينهم وكيف وإنما هو أموالهم ].

(٤) أم: قصد أى ما قصد نجم نجما.

(٥) أزم: امسك.

(٦) في بعض النسخ [ في غيره ] وفى الامالى [ غير حقه ].

(٧) في الامالى [ وهو وإن كان ذكرا لصاحبه في الدنيا والاخرة فهو يضيعه عند الله ].

١٨٥

إلا حرمه شكرهم وكان خيره لغيره. فإن بقي معه منهم من يريه الود ويظهر له الشكر فإنما هو ملق وكذب(١) وإنما يقرب لينال من صاحبه مثل الذي كان يأتي إليه قبل. فإن زلت بصاحبه النعل واحتاج إلى معونته ومكافأته فأشر خليل وألام خدين(٢) مقالة جهال مادام عليهم منعما وهو عن ذات الله بخيل فأي حظ أبور وأخس من هذا الحظ؟ !. وأي معروف أضيع وأقل عائدة من هذا المعروف؟!. فمن أتاه مال فليصل به القرابة وليحسن به الضيافة وليفك به العاني(٣) والاسير وليعن به الغارمين وابن السبيل والفقراء والمهاجرين وليصبر نفسه على الثواب والحقوق فإنه يحوز بهذه الخصال شرفا في الدنيا ودرك فضائل الآخرة(٤) .

*(وصفه عليه‌السلام الدنيا للمتقين) *

قال جابر بن عبدالله الانصاري: كنا مع أمير المؤمنينعليه‌السلام بالبصرة فلما فرغ من قتال من قاتله أشرف علينا من آخر الليل(٥) فقال: ما أنتم فيه؟ فقلنا: في ذم الدنيا.

فقال: على م تذم الدنيا - يا جابر -؟ !(٦) .

____________________

(١) ملق - بفتح فكسر ككذب مصدر -: التودد والتذلل والاظهار باللسان من الاكرام والود ما ليس في القلب. وفى الامالى [ وكان لغيره ودهم فان بقى معه من يوده يظهر له الشكر الخ ].

(٢) الخدين: الحبيب والصديق.

(٣) العانى: السائل.

(٤) في الامالى [ فان الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا ودرك فضائل الاخرة ].

(٥) أشرف علينا: دنا منا وأشفق فقال: ما أنتم فيه أى في أى حال أنتم وما كلامكم؟.

(٦) رواه الشيخ الطوسى في المجلس السابع من أماليه مع اختلاف كثير قد تعرضنا لبعضه في الهامش.

عن جابر بن عبدالله قال: بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام في جماعة من أصحابه أنا فيهم إذ ذكروا الدنيا وتصرفها بأهلها، فذمها رجل وذهب في ذمها كل مذهب فقال امير المؤمنين (ع): أيها الذام للدنيا أنت المتجرم عليها أم هى المتجرمة عليك فقال: بل أنا المتجرم عليها يا أمير المؤمنين، قال فيم تذمها أليست منزل صدق لمن صدقها - إلى آخر الكلام - ورواه محمد بن طلحة في مطالب السؤول ص ٥١ الطبعة الاولى.

والمفيد أيضا في الارشاد مع اختلاف.

١٨٦

ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فما بال أقوام يذمون الدنيا؟ انتحلوا الزهد فيها.

الدنيا منزل صدق لمن صدقها ومسكن عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلى ملائكته ومسكن أحبائه ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا منها الجنة، فيمن ذا يذم الدنيا يا جابر؟ و قد آذنت ببينها(١) ونادت بانقطاعها ونعت نفسها بالزوال ومثلت ببلائها البلاء وشوقت بسرورها إلى السرور وراحت بفجيعة وابتكرت بنعمة وعافية ترهيبا وترغيبا، يذمها قوم عند الندامة. خدمتهم جميعا فصدقتهم(٢) . وذكرتهم فذكروا ووعظتهم فاتعظوا وخوفتهم فخافوا. وشوقتهم فاشتاقوا.

فأيها الذام للدنيا المغتر بغرورها متى استذمت إليك بل متى غرتك بنفسها؟ بمصارع آبائك من البلى؟(٣) أم بمضاجع امهاتك من الثرى؟. كم مرضت بيديك وعللت بكفيك(٤) ، تستوصف لهم الدواء. وتطلب لهم الاطباء، لم تدرك فيه طلبتك ولم تسعف فيه بحاجتك(٥) ، بل مثلت الدنيا به نفسك وبحاله حالك غداة لا ينفعك أحباؤك ولا يغني عنك نداؤك، حين يشتد من الموت أعالين المرض وأليم لوعات المضض، حين لا ينفع الاليل(٦) ولا يدفع العويل،

____________________

(١) آذنت - بمد الهمزة - أى أعلمت ببعدها. ونعاه اذا أخبر بفقده.

(٢) راحت: وافت وقد العشى. وابتكرت: اصبحت.

ومن قوله: راحت بفجيعة إلى هنا في مطالب السؤول هكذا [ فان راحت بفجيعة فقد غدت بمبتغى وان أغضرت بمكروه فقد أسفرت بمشتهى، ذمها رجال يوم الندامة ومدحها آخرون، حدثتهم فصدقوا وذكرتهم فذكروا ].

وفى الامالى [ فابتكرت بعافية وراحت بفجيعة فذمها رجال فرطوا غداة الندامة وحمدها آخرون اكتسبوا فيها الخير ].

(٣) المصرع: مكان الصرع أى السقوط. والبلى - بكسر الباء: الفناء بالتحلل. والثرى: التراب الندى.

(٤) مرض المريض: خدمه في مرضه. وعلله: خدمه في علته.

وفى الامالى [ وعالجت بكفيك تلتمس لهم الشفاء وتستوصف لهم الاطباء لم تنفعهم بشفاعتك ولم تسعفهم في طلبتك ].

(٥) الطلبة - بالكسر -: ما يطلب أى المطلوب. وتسعف بحاجته أى تقضاها له.

(٦) أعالين المرض كذا في جميع النسخ التى رأيناها ولعله جمع إعلان.

ولوعات: جمع لوعة وهى الحرقة من هم أو شوق. والمضض: الالم والوجع.

ولوعة المضض: حرقته. والاليل: الانين والثكل.

والعويل: رفع الصوت بالبكاء والصياح.

١٨٧

يحفز بها الحيزوم(١) ويغص بها الحلقوم، لا يسمعه النداء ولا يروعه الدعاء فيا طول الحزن عند انقطاع الاجل. ثم يراح به على شرجع(٢) نقله أكف أربع، فيضجع في قبره في لبث وضيق جدث فذهبت الجدة(٣) وانقطعت المدة ورفضته العطفة وقطعته اللطفة، لا تقاربه الاخلاء ولا يلم به الزوار(٤) ولا اتسقت به الدار. انقطع دونه الاثر واستعجم دونه الخبر(٥) . وبكرت ورثته، فاقتسمت تركته ولحقه الحوب وأحاطت به الذنوب. فإن يكن قدم خيرا طاب مكسبه. وإن يكن قدم شرا تب منقلبه. وكيف ينفع نفسا قرارها والموت قصارها(٦) والقبر مزارها، فكفى بهذا واعظا. كفى يا جابر امض معي فمضيت معه حتى أتينا القبور، فقال: يا أهل التربة و يا أهل الغربة أما المنازل فقد سكنت. وأما المواريث فقد قسمت وأما الازواج فقد نكحت. هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ ثم أمسك عني مليا. ثم رفع رأسه فقال: والذي أقل السماء فعلت(٧) وسطح الارض فدحت لو أذن للقوم في الكلام، لقالوا: إنا وجدنا خير الزاد التقوى. ثم قال: يا جابر إذا شئت فارجع.

* (ذكره عليه‌السلام الايمان والارواح واختلافها) *

أتاه رجل فقال له: إن اناسا يزعمون أن العبد لا يزني وهو مؤمن.

ولا يشرب الخمر وهو مؤمن.

ولا يأكل الربا وهو مؤمن.

ولا يسفك دما حراما وهو مؤمن.

________________________________

(١) كذا والحيزوم: وسط الصدر أو ما استدار بالصدر والظهر والبطن.

والحفز الدفع وحفزت فلانا بالرمح طعنته. ومن كذا ازعجته.

ويغص بها أى يضيق بها فلا يسوغ.

(٢) راح: ذهب في الرواح أى العشى وعمل فيه ويستعمل لمطلق الذهاب والمضى أيضا.

والشرجع - بالجيم كعسكر - الطويل والنعش والجنازة والسرير والخشب الطويلة الربعة.

(٣) الجدة: الوجد: القدرة والغنى.

(٤) الم بفلان: أتاه فنزل به.

(٥) استعجم: سكت عجزا ولم يقدر عليه.

بكرت: أسرعت وتقدمت. والحوب: الاثم.

(٦) تب: خسر.

قصارها - بفتح وضم - غاية جهدها وآخر أمرها.

(٧) أقل واستقل السماء: رفعها.

١٨٨

فقد كبر هذا علي وحرج منه صدري حتى أزعم أن هذا العبد الذى يصلي ويواريني واواريه(١) اخرجه من الايمان من أجل ذنب يسير أصابه، فقالعليه‌السلام : صدقك أخوك إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: خلق الله الخلق على ثلاث طبقات فأنزلهم ثلاث منازل، فذلك قوله:( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ‌ أُولٰئِکَ الْمُقَرَّبُونَ‌ ) (٢) .

فإما ما ذكره الله عزوجل من السابقين السابقين، فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح: روح القدس وروح الايمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وبروح الايمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معائشهم وبروح الشهوة أصابوا لذيذ المطعم والمشرب ونكحوا الحلال من النساء(٣) وبروح البدن دبوا و درجوا، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنبهم(٤) .

ثم قال:( تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ کَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَ آتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَ أَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) (٥)

ثم قال في جماعتهم:( أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) (٦) يقول: أكرمهم بها وفضلهم على سواهم(٧) فهؤلآء مغفور لهم.

____________________

(١) روى هذا الخبر محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات وهذا الكتاب من الاصول المعتبرة التى روى عنه الكلينى وغيره رضوان الله عليهم وأيضا رواه الكلينى في الكافى باب الكبائر ج ٢ ص ٢٨١: مع اختلاف يسير في بعض المواضع.

ومنها هذا الموضع فيه [ أن هذا العبد يصلى صلاتى ويدعو دعائى ويناكحنى واناكحه ويوارثنى وأوارثه ] وهكذا في البصائر ولعل هذا أصح.

(٢) سورة الواقعة آية ٩ إلى ١٢.

(٣) في بعض نسخ الحديث وفى الكافى [ من شباب النساء ].

وقوله: دبوا ودرجوا دب: مشى كالحية ودرج بمعناه.

(٤) هذان الفقرتان ليستا في البصائر وعلى ما في الكتاب كان الذنب هنا ما دل على ترك الاولى أو كناية عن عدم صدورها عنهم.

(٥) سورة البقرة آية ٢٥٣.

(٦) سورة المجادلة آية ٢٢.

(٧) في الكافى [ على من سواهم ].

١٨٩

ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم فجعل فيهم أربعة أرواح: روح الايمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فلا يزال العبد مستكملا هذه الارواح الاربعة حتى تأتى عليه حالات، فقال: وما هذه الحالات؟ فقال عليعليه‌السلام : أما أولهن فما قال الله:( وَ مِنْکُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِکَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً ) (١) فهذا تنقص منه جميع الارواح وليس بالذي يخرج من الايمان(٢) ، لان الله الفاعل به ذلك وراده إلى أرذل العمر(٣) ، فهو لا يعرف للصلاة وقتا ولا يستطيع التهجد بالليل ولا الصيام بالنهار، فهذا نقصان من روح الايمان وليس بضاره شيئا إن شاء الله(٤) . وتنقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم ما حن إليها(٥) وتبقى فيه روح البدن فهو يدب بها ويدرج حتى يأتيه الموت فهذا بحال خير، الله الفاعل به ذلك وقد تأتي عليه حالات في قوته وشبابه يهم بالخطيئة فتشجعه روح القوة وتزين له روح الشهوه وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة، فإذا لامسها تفصى من الايمان(٦) وتفصى الايمان منه، فليس بعائد أبدا أو يتوب(٧) ، فإن تاب وعرف الولاية تاب الله عليه وإن عاد فهو تارك للولاية أدخله الله نار جهنم.

وأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى يقول الله سبحانه:( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْکِتَابَ يَعْرِفُونَهُ (يعني محمدا والولاية في التورية والانجيل) کَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ (في منازلهم) وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَکْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‌ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ فَلاَ تَکُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) (٨) فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم الله بذلك فسلبهم روح الايمان وأسكن أبدانهم

____________________

(١) سورة النحل آية ٧٠.

(٢) في الكافى [ من دين الله ].

(٣) في الكافى [ هو الذى رده إلى أرذل العمر ].

(٤) كذا. وفى الكافى [ ومنهم من ينتقص منه روح القوة، فلا يستطيع جهاد عدوه ولا يستطيع طلب المعيشة ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة الخ ].

(٥) أصبح بنات آدم أى أحسن وجها. ما حن: ما اشتاق إليها وفى بعض نسخ الحديث [ ما يحن].

(٦) تفصى: تخلص وخرج منه وأزاله: عنه وفى الكافى [ نقص منه الايمان وتفصى الايمان منه ].

(٧) في الكافى [ فليس يعود فيه حتى يتوب ].

(٨) سورة البقرة آية ١٤٦، ١٤٧.

١٩٠

ثلاثة أرواح: روح القوة وروح الشهوة وروح البدن.

ثم أضافهم إلى الانعام فقال:( إن هم إلا كالانعام ) (١) لان الدابة تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن. قال له السائل: أحييت قلبي(٢) .

* (وصيته عليه‌السلام لزياد بن النضر (٣) ) *

حين أنفذه على مقدمته إلى صفين إتق الله في كل ممسى ومصبح(٤) وخف على نفسك الغرور ولا تأمنها على حال من البلاء واعلم أنك إن لم تزع نفسك(٥) عن كثير مما تحب مخافة مكروهه، سمت بك الاهواء(٦) إلى كثير من الضر حتى تظعن فكن لنفسك مانعا وازعا(٧) عن الظلم والغي والبغي والعدوان. قد وليتك هذا الجند، فلا تستذلنهم ولا تستطل عليهم(٨) ، فإن خيركم أتقاكم تعلم من عالمهم وعلم جاهلهم واحلم عن سفيههم، فإنك إنما تدرك الخير بالعلم وكف الاذى والجهل. - ثم أردفه بكتاب يوصيه فيه ويحذره -: إعلم أن مقدم القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم. فإذا أنت خرجت من بلادك ودنوت من عدوك فلا تسأم من توجيه الطلائع في كل ناحية وفي بعض الشعاب

____________________

(١) سورة الفرقان آية ٤٤. وفى الكافى [ لان الدابة إنما تحمل ].

(٢) في الكافى [ أحييت قلبى باذن الله يا امير المؤمنين ].

(٣) زياد بن النضر الحارثى - بالضاد المعجمة - وقيل: ابن النصر - بالصاد المهملة - كان من أصحاب امير المؤمنينعليه‌السلام وقد ولاه على مقدمة جيشه عند مسيره إلى صفين وكانت مقدمته اثنى عشر ألفا وأوصاه عند عزمه على المسير بوصية ذكرها المؤلف رحمه الله في المتن فقال زياد: اوصيت - يا أمير المومنين - حافظا لوصيتك، مؤدبا بأدبك، يرى الرشد في إنفاذ أمرك والغى في تضييع عهدك وكانعليه‌السلام جعله يوم صفين على مذحج والاشعريين خاصة من اليمانين.

وفى النهج: شريح بن هانى بدل زياد بن النضر.

(٤) أى المساء والصباح كما في النهج.

(٥) لم تزع: لم تكف ولم تمنع (٦) سمت أى ارتفعت بك الاهواء.

(٧) وازعا أى زاجرا.

(٨) ولا تستطل أى لا تقتل منهم أكثر ما كانوا قد قتلوا.

١٩١

والشجر والخمر(١) وفي كل جانب حتى لا يغيركم عدوكم ويكون لكم كمين.

ولا تسير الكتائب والقبائل(٢) من لدن الصباح إلى المساء إلا تعبية(٣) ، فإن دهمكم أمر أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبية. وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في أقبال الاشراف(٤) أو في سفاح الجبال أو أثناء الانهار كيما يكون لكم ردء‌ا ودونكم مردا(٥) . ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد واثنين. واجعلوا رقباء‌كم في صياصي الجبال(٦) وبأعلى الاشراف وبمناكب الانهار، يريئون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن. وإذا نزلتم فانزلوا جميعا. وإذا رحلتم فارحلوا جميعا. وإذا غشيكم الليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والترسة(٧) واجعلوا رماتكم يلوون ترستكم كيلا تصاب لكم غرة(٨) ولا تلقى لكم غفلة. واحرس عسكرك بنفسك وإياك أن ترقد أو تصبح إلا غرارا أو مضمضة(٩) . ثم ليكن ذلك شأنك ودأبك حتى تنتهي إلى عدوك. وعليك بالتأني في حربك. وإياك والعجلة إلا أن تمكنك فرصة(١٠) وإياك أن تقاتل إلا أن يبدأوك أو يأتيك أمري والسلام عليك ورحمة الله.

____________________

(١) الخمر - بالتحريك -: كل ما واراك من جبل أو غيره.

(٢) الكتائب: جمع الكتيبة: القطعة من الجيش.

والقبائل: جمع القبيلة. وفى بعض النسخ [ القنابل ] وهى جمع قنبلة: طائفة من الناس.

(٣) عبى الجيش: هيأه وجهزه. دهمكم أمر أى فجأكم وغشيكم.

(٤) أقبال: جمع القبل - بالضم - من المكان: سفحه أى أسفله.

والاشراف: المكان العالى. وسفح الجبل: أصله وأسفله حيث يسفح - أى ينصب - فيه الماء.

وثنى الوادى - بكسر الثاء -: منعطفه.

(٥) مردا: مصرفا.

(٦) الصياصى: الحصون والقلاع وكل ما امتنع بها.

وصياصى الجبال: أطرافها العالية. ومناكب الانهار: نواحيها وجوانبها.

(٧) فحفوا: فأحدقوا وأحيطوا بها.

الترسة - بالكسر -: جمع الترس - بالضم -: ما يقال لها بالفرسية: (سپر).

(٨) والرماة: بالضم: جمع الرامى. والغرة: بالكسر: الغفلة.

(٩) ترقد: تنام. والغرار: بالكسر: النوم القليل.

وتمضمض النعاس في عينيه دب.

(١٠) الفرصة - بالضم -: النوبة.

١٩٢

* (وصفه عليه‌السلام لنقلة الحديث) *

قال له سليم بن قيس(١) : إني سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد يتحدثون بأشياء من تفسير القرآن والاحاديث والروايات عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم سمعت منك تصديق ذلك ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن والاحاديث والروايات عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخالفونها فيكذب الناس متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما وقد كذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته كذبا كثيرا حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس قد كثر علي الكذابة(٢) ، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار وكذلك كذب عليه بعده. إنما أتاك بالحديث أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الايمان متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج(٣) أن يكذب

____________________

(١) رواه الكلينىرحمه‌الله في الكافى باب اختلاف الحديث ج ١ ص ٦٢. والصدوقرحمه‌الله في الخصال. والرضىرحمه‌الله في النهج. وسليم بن قيس الهلالى - بضم السين وفتح اللام - نقل العلامةرحمه‌الله في الخلاصة عن العقيقى كان سليم من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام طلبه الحجاج ليقتله وآوى إلى أبان بن أبى عياش فلما حضرته الوفاة قال لابان: إن لك حقا وقد حضرنى الموت يا ابن أخى انه كان من الامر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كيت وكيت وأعطاه كتابا فلم يرو عن سليم سوى أبان وذكر في حديثه ان سليم كان شيخا متعبدا له نور يعلوه.

(٢) الكذابة بكسر الكاف وتخفيف الذال مصدر كذب يكذب أى كثرت على كذبة الكذابين ويصح ايضا جعل الكذاب بمعنى المكذوب والتاء للتأنيث أى الاحاديث المفتراة أو بفتح الكاف وتشديد الذال بمعنى الواحد الكثير الكذب والتاء لزيادة المبالغة والمعنى كثرت على أكاذيب الكذابة أو التاء للتأنيث والمعنى كثرت الجماعة الكذابة ولعل الاخير أظهر وعلى تقديرى صدقه وكذبه يدل على وقوع الكذب عليه.

قاله المجلسىرحمه‌الله .

(٣) متصنع بالاسلام أى متكلف له ومتدلس به وغير متصف به في نفس الامر.

لا يتأثم أى لا يخاف الاثم ولا يخشى منه أو لا يعتقد الاثم.

لا يتحرج أي لا يتجنب الحرج ولا يخشى الوقوع فيه.

١٩٣

على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدا ولو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ولكنهم قالوا: قد صحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورآه وسمع منه، فأخذوا منه وهم لا يعرفون حاله. وقد أخبر الله عزوجل عن المنافقين بما أخبر(١) ووصفهم بأحسن الهيئة فقال: إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم(٢) ثم تفرقوا من بعده وبقوا واختلفوا وتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بزور والكذب فولوهم الاعمال والاحكام والقضاء وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا(٣) .

____________________

(١) في الكافى [ بما أخبره ].وفى النهج [ أخبرك الله بما أخبرك ].

(٢) سورة المنافقون آية ٤. إن يقولوا أى إذا قالو شيئا اصغيت إلى كلامهم.

(٣) كأبى هريرة الذى كان من الضعة والهوان باقصى مكان وقضى شطرا من حياته وهو معدم فقير خادم في البيوت يستأجر نفسه لشبع بطنه فلما أسلم أدرج نفسه بفقراء الصفة، يعيش بصدقات المسلمين على ما نقله البخارى في الصحيح وكان ملازما لرسول الله ليشبع بطنه ويسد خلته كما في الاصابة وهو على هذا الحال المرير إلى أن انتهت الخلافة إلى الثانى فتفضل عليه واستعمله على البحرين سنة احدى وعشرين ثم عزله بعد عامين لخيانته واستنقذ منه ما اختلسه من اموال المسلمين وقال له: انى استعملك على البحرين وانت بلا نعلين ثم بلغنى أنك ابتعت أفراسا بالف دينار وستمائة دينار. وضربه بالدرة حتى أدماه فرجع إلى حاله الاول وقد وسم بالخيانة والاختلاس إلى أن آل الامر إلى الثالث انضم اليه وصار من أعوانه وأنصاره وأخذ يفتعل الاحاديث في فضله فقال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان لكل نبى خليلا من امته وان خليلى عثمان كما ذكره الذهبى في ميزان الاعتدال وجزم ببطلانه وقال أيضا: لكل نبى رفيق في الجنة ورفيقى فيها عثمان وعده الذهبى أيضا من منكراته: إلى غير ذلك من الاحاديث التى افتعلها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في فضل عثمان والامويين ولما انقضت ايامه وصارت الخلافة إلى أمير المؤمنين هاجر أبوهريرة إلى الشام فعقد صلته بمعاوية و أخذ يتزور الحديث في ارضائه وجعل يروى لاهل الشام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: ان الله ائتمن على وحيه ثلاثا أنا وجبرئيل ومعاوية وقال لهم ان النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله ناول معاوية سهما فقال له: خذ هذا السهم حتى تلقانى في الجنة كما رواهما الخطيب في تاريخه وهكذا يفتعل الحديث بعد الحديث في فضل معاوية والامويين والصحابة ويتقرب بذلك إلى معاوية وهو شكر سعيه ورفع شأنه فكساه الخز وأغدق عليه بالاموال فلما كان عام الجماعة قدم مع ولى نعمته ابن آكلة الاكباد إلى العراق فاذا رأى كثرة الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا وقال: يا اهل العراق أتزعمون أنى اكذب على الله ورسوله واحرق نفسى بالنار والله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ان لكل نبى حرما وان المدينة حرمى فمن احدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين قال: وأشهد بالله (بقية الحاشيه في الصفحة الاتية)

١٩٤

وقد علمت أن الناس مع الملوك أتباع الدنيا(١) وهي غايتهم التي يطلبون إلا من عصم الله فهذا أحد الاربعة. والثاني: رجل سمع [ من ] رسول الله شيئا ووهم فيه ولم يحفظه على وجهه ولم يتعمد كذبا، فهو في يده يعمل به ويقول: أنا سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولو علم الناس أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه ولم يعمل به فهذا الثاني. والثالث: رجل سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشياء أمرها بها ثم نهى عنها وهو لم يعلم النهي، أو نهى عن شئ ثم أمر به ولم يعلم الامر، حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، فلو علم الناس أنه منسوخ لرفضه الناس ورفضه هو(٢) فهذا الرجل الثالث. والرابع: رجل لم يكذب على الله وعلى رسوله، يبغض الكذب خوفا من الله وتعظيما لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يتوهم ولم ينس، بل حفظ ما سمع فجاء به على وجهه لم يزد فيه ولم ينقص حفظ الناسخ وعمل به وعلم المنسوخ ورفضه. فان أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه، يكون من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الامر له وجهان: كلام عام وكلام خاص مثل القرآن وقد قال الله عزوجل:

____________________

(بقية الحاشية من الصفحة الماضية) أن عليا احدث فيها. فلما بلغ معاوية قوله أجازه واكرمه وولاه امارة المدينة.

أقول: إلى هنا مأخوذ من كتاب (أبوهريره) تأليف سماحة العلامة الجليل الحاج السيد عبدالحسين شرف الدين (مد ظله) وأخرج العلامة الكبير الامينى في كتابه (الغدير) ج ١١ ص ٣٠ عن الطبرى في تاريخه ج ٦ ص ١٣٢ أن معاوية اعطى سمرة بن جندب من بيت المال أربعمائة ألف درهم على أن يخطب في أهل الشام بان قوله تعالى: ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد أنها نزلت في على بن أبى طالبعليه‌السلام وأن قوله: ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله نزل في ابن ملجم أشقى مراد. اه‍. فقبل وروى الايتين واستخلفه زياد على البصرة فقتل فيها ثمانية آلاف من الناس. قال الفيضرحمه‌الله في الوافى نقل العتايقى في شرحه لنهج البلاغة عن المدائنى أنه قال في كتاب الاحداث أن معاوية كتب إلى عماله أن ادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة ولا تتركوا خبرا يرويه أحد في أبى تراب الا وآتونى بمناقض له في الصحابة، فرويت أخبار كثيرة مفتعلة لا حقيقة لها حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر. وروى ابن أبى الحديد أن معاوية أعطى صحابيا مالا كثيرا ليضع حديثا في ذم علىعليه‌السلام ويحدث به ففعل.

ويروى عن ابن عرفة المعروف بنفطويه أن أكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بنى امية تقربا اليهم بما يظنون انهم يرغمون بها أنف بنى هاشم.

(١) في الكافى والخصال والنهج وكتاب سليم كذا [ وانما الناس مع الملوك والدنيا ].

(٢) كذا.

١٩٥

( مَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (١) فكان يسمع قوله من لم يعرفه ومن لم يعلم ما عنى الله به ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويحفظ ولم يفهم(٢) . وليس كل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسأله عن الشئ ويستفهمه، كان منهم من يسأل ولا يستفهم حتى لقد كانوا يحبون أن يجيئ الاعرابي أو الطاري(٣) أو الذمي فيسأل حتى يسمعوا ويفهموا. ولقد كنت أنا أدخل كل يوم دخلة فيخليني معه أدور فيها معه حيثما دار، علم ذلك أصحابة أنه لم يصنع ذلك بأحد غيري ولربما أتاني في بيتي وإذا دخلت عليه منازله أخلاني وأقام نساء‌ه فلا يبقى أحد عند غيري، كنت إذا سألت أجابني وإذا سكت وفنيت مسائلي إبتدأني. وما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض ولا دنيا وآخرة ولا جنة ولا نار ولا سهل ولا جبل ولا ضياء ولا ظلمة إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بيدي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها وأين نزلت وفيم نزلت إلى يوم القيامة.

(كلامه عليه‌السلام في قواعد الاسلام) وحقيقة التوبة والاستغفار

* (اختصرناه) * قال كميل بن زياد: سألت أمير المؤمنينعليه‌السلام عن قواعد الاسلام ما هى؟ فقال: قواعد الاسلام سبعة: فأولها(٤) : العقل وعليه بني الصبر. والثاني(٤) : صون العرض وصدق اللهجة(٥) . والثالثة: تلاوة القرآن على جهته. والرابعة: الحب في الله والبغض في الله.

____________________

(١) سورة الحشر آية ٧.

(٢) في الكافى والخصال [ فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله ورسوله ].

(٣) الطارى: الغريب الذى أتاه عن قريب.

ويقال له بالفارسية: (تازه رسيده).

(٤) كذا.

(٥) انما عدهماعليه‌السلام خصلة واحدة لان الثانى سبب الاول.

١٩٦

والخامسة: حق آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعرفة ولايتهم.

والسادسة: حق الاخوان والمحاماة عليهم(١) .

والسابعة: مجاورة الناس بالحسنى.

قلت: يا أمير المؤمنين العبد يصيب الذنب فيستغفر الله منه، فما حد الاستغفار؟ قال: يا ابن زياد التوبة. قلت: بس؟ قال: لا. قلت: فكيف؟ قال: ان العبد إذا أصاب ذنبا يقول: استغفر الله بالتحريك.

قلت: وما التحريك؟ قال: الشفتان واللسان، يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة، قلت: وما الحقيقة؟ قال: تصديق في القلب وإضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه. قال كميل: فإذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين؟ قال: لا. قال كميل: فكيف ذاك؟ قال: لانك لم تبلغ إلى الاصل بعد.

قال كميل: فأصل الاستغفار ما هو؟ قال: الرجوع إلى التوبة من الذنب الذي استغفرت منه وهي أول درجة العابدين وترك الذنب والاستغفار اسم واقع لمعان ست: أولها: الندم على ما مضى.

والثاني: العزم على ترك العود أبدا.

والثالث: أن تؤدي حقوق المخلوقين التي بينك وبينهم.

والرابع: أن تؤدي حق اله في كل فرض.

والخامس: أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت والحرام(٢) حتى يرجع الجلد إلى عظمه ثم تنشئ فيما بينهما لحما جديدا.

والسادس: أن تذيق البدن ألم الطاعات كما أذقته لذات المعاصي

* (وصيته إلى ابنه الحسن عليهما‌السلام لما حضرته الوفاة) *

كتبنا منها ما اقتضاه الكتاب(٣) هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب.

أوصى المؤمنين بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين

____________________

(١) كذا. والمحاماة: الحماية والمدافعة.

(٢) السحت - بالضم -: المال الحرام وكل ما لا يحل كسبه فلزم عنه العار كالرشوة.

(٣) رواه الكلي نى في الكافى باب صدقات النبى ص ٢٤٨ ج ٢ من الفروع.

١٩٧

كله ولو كره المشركون وصلى الله على محمد وسلم. ثم، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين. ثم إني اوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصوم وإن المبيرة وهي الحالقة للدين(١) فساد ذات البين ولا قوة إلا بالله. انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب.

ألله الله في الايتام(٢) لا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار ألله ألله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العلم(٣) به غيركم.

ألله ألله في جيرانكم، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.

ألله ألله في بيت ربكم فلا يخلو منكم ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا. وأدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف(٤) ألله ألله في الصلاة فإنها خير العمل، إنها عماد دينكم.

ألله ألله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم.

ألله ألله في صيام شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار.

ألله ألله في الفقراء والمساكين فشاركوهم في معائشكم.

ألله ألله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، فإنما يجاهد رجلان إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه.

ألله ألله في ذرية نبيكم، لا تظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على المنع عنهم.

____________________

(١) في الكافى [ من عامة الصلاة والصيام. وأن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين ].

(٢) في الكافى [ لا يغيروا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم ].

(٣) في الكافى [ إلى العمل به ].

(٤) من أمه أى من قصده.

١٩٨

ألله ألله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤووا محدثا، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدثين.

ألله ألله في النساء وما ملكت أيمانكم، فإن آخر ما تكلم به نبيكم أن قال: اوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم

ألصلاة، الصلاة، الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم(١) .

قولوا للناس حسنا كما أمركم الله ولا تتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب فلا يستجاب لكم عليهم.

عليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبادر وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب وحفظكم الله من أهل بيت وحفظ نبيكم فيكم(٢) أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

ثم لم يزل يقول لا إله إلا الله حتى مضى.

* (تفضيله العلم) *

أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به.

وأن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم بينكم، مضمون لكم(٣) ، قد قسمه عادل بينكم وضمنه، سيفي لكم به، والعلم مخزون عليكم(٤) عند أهله قد امرتم بطلبه منهم، فاطلبوه واعلموا أن كثرة المال مفسدة للدين مقساة للقلوب(٥) وأن كثرة العلم والعمل به مصلحة للدين وسبب إلى الجنة.

والنفقات تنقص المال والعلم يزكو على إنفاقه(٦)

____________________

(١) في الكافى [ يكفيكم الله من أذاكم وبغى عليكم ].

(٢) أى حفط رعايته وامتثال أمره.

وفى الكافى بتقديم نبيكم على فيكم

(٣) مقسوم إشارة إلى قوله تعالى: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا وقوله: مضمون، اشارة إلى قوله عزوجل: وما من دابة الا على الله رزقها. (وافى)

(٤) في الكافى بدون عليكم

(٥) أى سبب الفساد له. والمقساة: ما يقسى.

(٦) اى ينمو ويزداد. والبث النشر.

١٩٩

فإنفاقه بثه إلى حفظته ورواته. واعلموا أن صحبة العلم واتباعه دين يدان الله به. و طاعته مكسبة للحسنات ممحاة للسيئات وذخيرة للمؤمنين ورفعة في حياتهم وجميل الاحدوثة عنهم بعد موتهم(١) . إن العلم ذو فضائل كثيرة فرأسه التواضع. وعينه البراء‌ة من الحسد. وأذنه الفهم. ولسانه الصدق. وحفظه الفحص. وقلبه حسن النية. وعقله معرفة الاسباب بالامور. ويده الرحمة. وهمته السلامة. ورجله زيارة العلماء. و حكمته الورع. ومستقره النجاة. وقائده العافية. ومركبه الوفاء. وسلاحه لين الكلام وسيفه الرضى. وقوسه المدارأة. وجيشه محاورة العلماء. وماله الادب. وذخيرته اجتناب الذنوب. وزاده المعروف ومأواه الموادعة(٢) . ودليله الهدى. ورفيقه صحبة الاخيار(٣) .

* (وروي عنه عليه‌السلام في قصار هذه المعاني (٤) ) *

قالعليه‌السلام : من كنوز الجنة البر وإخفاء العمل والصبر على الرزايا(٥) وكتمان المصائب.

وقالعليه‌السلام : حسن الخلق خير قرين. وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه.

وقالعليه‌السلام : الزاهد في الدنيا من لم يغلب الحرام صبره ولم يشغل الحلال شكره.

وكتب إلى عبدالله بن عباس(٦) : أما بعد فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوء‌ه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلته من آخرتك وليكن أسفك على ما فاتك منها. وما نلته من الدنيا فلا تكثرن به فرحا. وما فاتك منها فلا تأسفن عليه حزنا. وليكن همك فيما بعد الموت.

____________________

(١) الاحدوثة: ما يتحدث به الناس والمراد الثناء والكلام الجميل.

(٢) الموادعة: المصالحة والمسالمة.

(٣) في الكافى [ محبة الاخيار ].

(٤) كل ما كان في هذا الباب فهو موجود في كتب أصحابنا كالخصال والكافى والامالى وكشف الغمة والمناقب وكنز الفوائد والنهج وارشاد المفيد وأمثالها وفى كتب العامة أيضا كحلية الاولياء والمناقب لابن الجوزى ومطالب السؤول وأمثالها. وإنما تعرضنا لبعضها لاجل اختلاف كان فيه.

(٥) الرزايا: جمع الزرية: المصيبة العظيمة.

(٦) منقول في النهج بادنى اختلاف.

٢٠٠